|
Re: الخفاض الفرعوني لعقل المثقف السوداني _حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)
|
Quote: اما الفاعل الثاني في عملية الخفاض فهي الطائفية التي لم تقف عند تقطيع اهم ادوات العقل النشطة، بل قامت بتدجين النخبة المثقفة خلال فترة حاسمة في تكوين عقل كفء ومجدد. وهي فترة تكون ونشأة الحركة الوطنية من ثلاثينيات القرن الماضي أو عقب فشل حركة1924 وحتي اليوم. ويلاحظ تراجع دور المعهد العلمي والمؤسسة الدينية المحافظة، لأن الطائفية بدأت قادرة علي القيام بدور الخفاض والتدجين علي أكمل وجه. فقد برزت في طرف تاريخي هام، كما امتلكت وسائل فعّالة وجديدة نسبية مثل المال السياسي ، اضافة للوسائل التقليدية أي النفوذ الروحي. وكان من الطبيعي أن يكون توق النخبة الجديدة القضاء علي القديم بما فيه الطائفية، ولكن سدنة الخفاض كسبوا المعركة.
افتتح احمد خير كتابه:"كفاح جيل" بعنوان:قيادتان وجيلان، بقوله:-"لقد ظل زمام المقاومة الشعبية، منذ قيام الحكم الثنائي في السودان الي ما قبل الحرب العالمية الأولي منحصرا في ايدي الزعامات الروحية وكان (الجهاد الديني) ضد الكفار لا ضد المحتل الاجنبي أو المستعمر هو الشعار الوحيد الذي تهتز له القلوب وتتحرك له المشاعر (. . . . ) وكان زعماء تلك الحركات يرتدون دائما مسوح الكهان والصالحين ويستندون في كسب الجماهير علي نزول الوحي، أو الهاتف السماوي يكلفهم بهداية العباد الي طريق الرشاد، وتجديد الدين ومحو الفساد وطرد أعداء الله المشركين من البلاد".
خلال هذه الفترة تكونت وتكاثرت الفئة الحديثة من الجيل الذي نال قسطا من التعليم العصري، والتدريب والصقل في مكاتب الحكومة. وبدأ ينظر الي الحياة والمجتمع برؤية عصرية هي خليط من الثقافة الدينية السليمة، ومن الثقافة الاوربية الجارفة. وبدأوا، وهم إذذاك قلة محدودة، يحسون احساسا غريبا علي البيئة. ولكن توصلوا الي مؤسسة جامعة ، فكانت فكرة تأسيس نادي الخريجين في عام1918بام درمان. ومع هذا الشعور بالاستقلالية بدأت حربهم مع طائفية كاسحة، وأعلن شعارهم:-
وما ضرت العلياء الا عمائم تساوم فينا وهي فينا سوائم وشعرت الطائفية بخطر داهم، فكان لابد أن تجهز أمواسها لخفاض ناجع يستأصل جذور الافكار من هذه العقول المتمردة. ورغم أنه وضع فيها الآمال العريضة في أن تكون طليعة تحقق النهضة والاصلاح الديني كما في اوربا. ولكن خابت تلك الآمال حين انسحب الكثيرون من المعركة". . . وتنكروا علي مبادئهم وزملائهم عندما مدت لهم الصوفية أيديها وارتبطت مصالح زعمائهم معها، شأنهم في ذلك شأن الانتهازيين في كل زمان ومكان. " (ص21) . وظهر تيار يدعو لتأسيس حركة تقوم علي التعاون بين شباب فتي فاهم ونفوذ ديني لا حدود له. ووقف الكثيرون ضد فكرة التعاون مع الزعماء الدينيين، لدرجة أن طالب فريق بعدم قبول الدار التي وهبها احد الزعماء لتكون مقرا للنادي، وكاد ان يفوز.
كان البعض-ومنهم احمد خير- يعملون من اجل قطيعة تامة مع القيادات الدينية باعتبار ان البون شاسع بين عقليتها ونظرتها للحياة، وبين عقلية الجيل الجديد. لذلك، فان الالتجاء اليها" سلاح ذو حدين ووصولية لا تليق برجال المبادئ واصحاب الرسالات. " (كفاح جيل، ص106) . ولم يدم أمل أن يكون مؤتمر الخريجين هو أداة القطيعة، طويلا. إذ سرعان ما تهافت الخريجون-عدا قلة ضئيلة-واستسلموا لهزيمتهم امام الطائفية، والتي قامت بعملية الخفاض الاكبر والاخطر لانها تزامنت مع النضال الوطني والاستقلال. ولذلك، استطالت آثارها حتي اليوم. فقد رأي الخريجون استحالة تكوين احزابهم المستقلة بدون غطاء طائفي، فتراجعوا صاغرين عن مشروعهم المستنير المصادم للطائفية. واندرجوا في مشروع التواطؤ والتحالف مع الطائفية راضين بخفاض العقل. |
تسلم يداك يا ذو العقل الكبير ...
|
|
|
|
|
|
|
|
|