ملمس شِعرك حريري في وجدان تاريخ الأغاني منذ زمانك وأنت في أوج سموك في الأربعينات من القرن الماضي مُتخفياً ، وفي الخمسينات منتشراً وفي الستينات صباحاتك عمت المدائن وهي تتشكل من قرى تلهث لتلحق بالمدن الوريفة . في أواخر الستينات رحلت لغيبة كُبرى ، وفي يوم زفاف رفيقك " عثمان الشفيع " أحس بأن قطعة من لحمه رحلت ، فخرج من مجلس فرح العُمر وجلس وحيداً وبكى فقد أحس بأن الوديعة قد استردها صاحبها .
بصوتك المتشرب روعة وتطريباً وعمقه الأخاذ سمعنا أغنية وحيدة بصوتك إذ حفظتها مكتبة الإذاعة السودانية ، و نعلم أن رفاقك ومُحبي فنك كانوا يتقاطرون ويتجمعون في مجلس أنسك يا بهي المراتب ، لديهم كل أغانيك بصوتك في مُتحف الأسرة حيث مرقدك وإبريق وضوؤك وفراش نومك . عروس الرمال التي سماها الصحافي عبد الله رجب في سالف العصر والأوان كانت " الأُبيِّض " مرتع صباك واخضرار حروفك يا نعيماً سقانا من بساتينه الباسقة . من يا تُرى يحتفظ بجمارك توقد في القلوب التي تشتهي وتعشق ؟ كنت سيدي سلطان زمانك . رغم ضخامة البنية كنت رقيق الحاشية مفتوناً بالجمال ، رفيقاً كريماً مع أهلكَ ، ومع الصحاب وثمار الخير تنضح عند مرآك.
يوم قالوا لي الأقمار عليمة إنك تراها وتلمس لليمة يا ريتني أبقى سعيد وأشوفها ديمة يا فني جود وانصفني ديمة يا لحني أشدو شِعراً قويمة
تصور الأقمار عرِفتْ غُناكَ نزلت من السماوات لسُمو حِداكَ وازدانت الحفلة والنور تجلى يا ربي زيد في الحُب والعفة سيمة فلتسألوني في عيد الكواكب الفيهُ نور الدُنيا صفاهُ ساكِب
كان صديقنا " عبد الرافع سليمان " من الزمن الجميل ونحن في الثانوية يُردد علينا " عيد الكواكِب " ، ونحن نراوح جيئة وذهاباً أيام أعوادنا الخُضر . كانت النسائم طيبة والغمام يُظلل الشمس والمطر يكسو الأطراف عُشباً أخضر ، فأم درمان صغيرة الحاشية كانت قرية تتكئ على النيل فبيوت اللبِن أكواخ حنين . قال عبد الرافع يروي من شِعرك :
سألوني مين عنك عَرفتهم أيه الصفات عنك خبرتهم شافوا الجمال منك أقنعتهم طولتَ لكِنك أنا يا حبيب الروح أعفيني من ظنك محبوبي الجميل لحن الحياة منك وما تقول نسينا الماضي وصرنا ناسينك
لم تزل سيدي في مقال الكرم الباذخ : محمد عوض الكريم القرشي هاشاً باشاً بيننا ، ما جلسنا جلسة صفاء إلا وأنتَ سيد فرحنا ، تلُفنا بمعاطف الفتنة وترمي لنا نرد الهوى ، وتكتب عن اللاتي قتلننا ثم لم يُحيينَّ قَتلانا .
من بساتين شعرك الغناء وألحانك كنت شاعراً ومُلحناً ، قبلك كان عبد الرحمن الريح : ينظم الشِعر ويلحنه . يجد المرء الشعر عندك سهلاً من أعطاف حديث الناس ، مُشرباً بالمحبة والعواطف النبيلة . مموهاً بالتاريخ كأنك تقص سيرة حياتك وأنت بين أصدقائك في "الأُبيِّض " . كريماً تجتمع أمم الأصدقاء عندك . فرِحاً مُشرقاً بهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة