عزاء نقد في الدوحة ( صور)

Quote: الزعيم محمد إبراهيم نقد بقلم/ حامد إبراهيم حامد: هذا العام يحق أن يُطلق عليه سوادنيًّا "عام الأحزان"، فقد بات الحزن ربيعًا سوادنيًّا بعدما كان السودانيون ينتظرون ربيعًا ثوريًّا، فهم لم يكادوا يفيقون من حزن وفاة فنان إفريقيا الأول محمد عثمان وردي إلاّ وفاجأتهم وفاة شاعر العامية محمد حسن سالم حميد وإنهم في الوقت الذي يُعزّون بعضهم بعضًا فإذا بالقدر المحتوم يلحق الزعيم محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني بركب المغادرين للدنيا، فافتقدته الساحة الوطنية والسياسية السودانية وافتقده السودان في أشدّ لحظات حاجته إليه كقائد وطني ذا حكمة وبصيرة نافذة ورؤاه السديدة خاصة في مثل هذا المنعطف الخطير الذي يمرّ به السودان وهو يُواجه أزمات مصنوعة محليًّا شديدة التعقيد والتشابك يتطلّب شخصية ذا بصيرة نافذة البصر مثل الزعيم محمد إبراهيم نقد الذى هو واحد من الخمسة الكبار بالسودان وبفقده انهدّ ركن من الأركان. فقد كان الراحل نقد من أبرز البصائر والحكماء والراشدين بالسودان فهو أحد الكبار في الرأي والبصيرة وقول الحق، فعند الأزمات التي استعصت بالسودان على مدى عقود كان دائماً أكبر من الحزب الذي ينتمي إليه، فهو ظلّ يضع السودان همّه الأول والأخير ففي أزمات السودان كان يتحلل من الانتماء الحزبي الضيّق إلى الوطن الواسع فقد كان الراحل واسع الرؤية والأهداف يمدّ بصره إلى السودان كامل الوطن ولا ينغلق داخل دائرة حزبيّة ضيّقة مثلما يفعل الآخرون من الذين ساهموا في تأزيم أزمات السودان ولم يتركوا له أو لغيره من القادة أي فرصة لحلها. فقد كان همّه الدائم الانتماء للوطن الواحد الموحّد السودان لا يهمّه إلا هذا الوطن بجميع أطرافه فهو ينتمي دائمًا لإنسان السودان البسيط العفيف اليد واللسان والشريف يعلو عنده هذا الإنسان عن كل انتماء آخر قبلي أو حزبي أو جهوي ولذلك أحبّه إنسان السودان وبادله حبًّا بحب، فهو رغم التزامه بالماركسية كعقيدة حزبيّة إلا أنه لم يتخل عن سودانيته أبدًا والتي شكّلت المدخل لحب الناس لشخصه رغم اختلافهم مع أطروحات الحزب الشيوعي السوداني ورؤاه وأفكاره فلم يختلفوا حول المزايا الشخصية التي يتمتع بها الزعيم الراحل محمد إبراهيم نقد كسوداني "قح" كرّس حياته ووهب عمره وفكره وعقله لقضايا الشعب السوداني منذ ما قبل الاستقلال وحتى قبيل ساعة رحيله في لندن. لقد بات ربيع الحزن العميق مسيطرًا على السودان، ولا يُريد أن يُغادرنا إلا بحزن جديد في كل يوم، فبعد وردي، جاء حميد وبعد حميد جاء الزعيم نقد الذي برحيله أُغلقت صفحة من الصفحات المضيئة والمشرقة في سماء السودان وتميّز الراحل بالسماحة والحكمة وعفة اللسان والعطاء والتضحية في سبيل قضايا السودان لقد كان نقد رمزاً وطنيّاً شامخاً وسودانيّاً أصيلاً وسياسيّاً يتمتع بالذكاء والقوّة والإرادة والصبر الجلد وسعة الأفق والدهاء أمضى عمره زاهداً في كل شيء إلا من حب السودان ، فكان همّه السودان ونفسه هواء السودان وغطاؤه سماء السودان. إن فقده رغم أنه جلل ليس على حزبه وإنّما على السودان بأجمعه شماله وجنوبه وشرقه وغربه إلا أنه قدّم للأجيال القادمة إرثاً معرفيّاً سياسيًّا ثرياً ونموذجاً في البذل والالتزام بجانب الحق وبجانب قضايا السودان كوطن يسع الجميع حيث كان مدافعاً بقوّة للقضايا التي يُؤمن بها فهو لم يعرف الضعف والوهن تجاه ما يُؤمن به من أفكار وأطروحات وهي تتصل في مجملها العام بقضايا الوطن وليست قضايا حزبيّة ودفع ضريبة غالية ثمناً من حريّته ومن حياته الأسرية والاجتماعية، حتى صار رمزاً للعمل السري بالسودان على مدى اكثر من أربعين عاماً من حياة الاختفاء والمطاردة التي لم تمنعه من المساهمة الفكرية والثقافية والبحثية التي شكلت مادة علمية وبحيثة رائدة في القضايا المطروحة. تميّز الراحل نقد بعدّة صفات قلّما تُوجد عند غيره من سياسيي السودان قديماً وحديثاً فهو من السياسيين السودانيين القلائل الذين لم يسعوا إلى السلطة أو يتلوّثوا بها نفوذاً وثروة، فهو لم يكن يعرف السلطة ولا المال، وخرج من الدنيا الفانية كما دخلها لأول مرة، فقد كان الراحل نظيف اليد، عفيف اللسان، لم يتلوّن ولم تجرفه تيّارات حب المال والسلطة ظلّ محترماً ومُهاباً وكان يُجبر حتى خصومه وهم كثر على احترام موضوعيته ومواقفه الوطنية، التى كان لا يتجامل حولها فكان أحد دهاء السياسة بالسودان، فهو رجل دولة من طراز فريد، لا يقول إلا الحق ولا ينتظر الثناء من أحد ولذلك أجمع الناس على احترامه وتقديره. إن رحيل نقد سيترك فراغاً كبيراً في الساحة السودانية فهو رجل المهام الصعبة، واستطاع أن يقود الحزب الشيوعي إلى بر الأمان بعد إعدام عبدالخالق محجوب من خلال حنكته في قيادة الحزب في اأصعب الظروف، كما استطاع المحافظة على الحزب الشيوعي من سيف الانقسامات الذي طال الأحزاب السودانية المختلفة يسارية أو إسلامية او حتى طائفية، فالتاريخ السوداني سيشهد يوماً ما حتماً بأن نقد كان من أعظم القيادات السودانية على مرّ العصور، فالخلاف مع نقد أيديولوجيّاً لمّ الجميع للاختلاف معه في قضايا السودان الوطن لأن نقد لم يتزايد في ذلك وإن السودان كان خطّاً أحمر بالنسبة له فهو صاحب بصيرة عالية التوجّه نحو قضايا السودان وساهم في إرساء أدب الخلاف الحزبي البعيد عن المزايدة السياسية. من المؤسف حقّاً ألاّ يستفيد السودان من مواقف وأطروحات نقد الواضحة لحل الأزمات، فهي كانت كفيلة بحلها إذا ما تراضى الجميع بشأنها لأنها نابعة من ضمير حي اختزن الهمّ الوطني كموقف لا يُساوم فيه، فهو لم يُزايد بمواقفه الوطنية منذ ما قبل الاستقلال، فقد ظلّ نقد هو لم يتغيّر، فهمّه الأول والأخير كان السودان وإن التزامه الحزبي نابع من التزامه الوطني وقيادته للحزب الشيوعي السوداني جعلت للحزب خاصيّة تميّز بها عن بقية الأحزاب الشيوعية بالمنطقة، فهو ورفاقه استطاعوا بمواقفهم الوطنية أن يُسوْدِنوا الحزب ويجعلوه سودانيّاً أكثر منه شيوعيّاً، فنقد وغيره من قادة الحزب أثّروا في الحزب وجعلوه سودانيّاً روحاً ونصّاً لالتزامه بقضايا السودان وفقاً للمنظور والروح السوداني. الذي يقوم على القيم السودانية الموروثة والتي حافظ عليها الراحل نقد وجعل من الالتزام بالخط الوطني برنامجاً للحزب ولعضوية الحزب. فالسؤال المطروح متى سيخرج السودان من أزماته وفي كل يوم يفقد عزيزاً ويُعمّق من جراحه، فبعدما مات فقدنا الجنوب التي أصبحت دولة وضح أنه لا مكان لنقد أو وردي أو حميد في وطن فقد نصفه، خاصة أن نقد كان قد صرّح بأنه لا يودّ أن يرى اليوم الذي ينفصل فيه السودان إلى دولتين. _ كاتب سوداني