في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 01:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-11-2012, 07:42 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!...

    .....


    إلى حبيبتي عزة..
    (في عزة جبالك ترك الشموس)
    محمد عثمان وردي
    عبد الغني كرم الله
    الراي العام
    الخميس 08 مارس 2012م

    m.wardi.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    ******

    عزة الصابرة...

    في البدء، أعزيك في سفر حنجرتك السمراء..
    محلقة بأجنحة من غير ريش لتخوم السماء..
    حنجرة صغيرة، عذبة، فريدة، طوت تحت لسانها، صوت بلادي، من خفق
    الموج، وحتى حفيف الشجر، ونبض القلب، «وإضطراب النور، وخفقه
    جرسه».. كانت حنجرة حلم، ونبرة أمل، وأنة حزن.. عزة، مات لحنا،
    فولد هنا، مرة ثانية، كأجمل ذكرى تزخرف وجدان شعبك وحقولك، بلغي
    عزائي لأشجار الليمون، والبرتقال، وللعصافير برأسها الخافق، ولضفة
    النهر، ولمقابر أهلي، ولنبض قلوب الأطفال في مهدهم، ولذرات التراب
    أنى كانت، ولصفحات الكتب، وللنسيم الذي فقد مغني يستنشقه، كخمر
    حلال...
    والسلام عليك ورحمة الله وبركاته..

    (1)

    من الصف الثاني ابتدائي، أنسل صوت كورال جماعي، فصل شيد من طوب
    أحمر، قديم ومتين، أيام كان للإحسان نور، في كل مهنة، وحرفة، فصل
    مستطيل، علته بعض أعشاب نجيلة، وسعدة، عند الأساس، واتكأت عليه
    بعض نخلات عجوزة، كأن سعفها يصغى هو الآخر، لهذا النشيد الطفولي،
    البارع، فظل السعف يمسد الحائط برفق، حينا، من طرب السماع، وحينا
    يلطم الشبابيك، في عتاب، بشعر أخضر، غزير، وقد هزه اللحن الشجي،
    مثل شبال فتاة لفتى كريم، وظل النشيد يملأ حمى المدرسة، وسماء القرية،
    أجمل ما يكون، فيتساقط البلح، من النخلة العجوز، حلوا ، وكأن جذر
    النخلة كان في سعفها، وليس في رحم الأرض الطيبة، وقد شربت اللحن،
    فأرتوت بالسكر، والحليب والعسل، من أعلى ومن أسفل، وأما النشيد،
    فقد فاح في القرية، بركة، وأملا، وسحرا..

    دجاجي يلقط الحب، ويجري وهو فراحنا
    كأن عيونه خرز، لها في الشمس ألوانا
    ولي ديك له صوت، جميل اللحن رنانا
    وعند الفجر يوقظنا، وطول اليوم فرحانا
    ..

    ثلاثون فتى، في جلاليب دمور، يرتلون هذا النشيد، في فصل طيني
    بسيط في قرية صواردة، الجاثية على النيل، بركة وشكرا، فصل ذو
    شبابيك خضراء، متآكلة، وكل من يمر قرب المدرسة، من الفلاحين والرعاة، لاشك يميز صوت ابنه، أو حفيده، أو ابن أخته، فتقر عينه،
    فيغمز بعرقوبه بطن حماره رضى، وحثا لها، كي تسرع، للحقل، والغد
    الطيب، ونشيد الأطفال لم يزل يلاحقه، كنشيد صبية يثرب، لليتيم
    الاعظم، (جئت شرفت المدينة، فمرحبا يا خير داع)، ولكن بينهم
    صوتا فريدا من هذه الجوقة، صوت مميز بينهم، يشجي القرية،
    صوت يلمع، كالخرز في ضوء الشمس بين نبرات الصبيان، حنجرة
    كصوت ذلك الديك الجميل في القصيدة، أنه الفتى الصغير، اليتيم،
    بالصف الثاني ابتدائي التلميذ محمد ود عثمان وردي، فيهمس الفلاح
    وهو على ظهر حماره، رحم الله عمي أوثمان وردي، وجعل ابنه (مهمد)،
    قرة عين، فسمعت الملائكة، والنخيل، والنهر، والسماء دعوة فلاح محنن
    بالطين، ومعطر بالطمي، خشن اليد، لين الفؤاد، فلبت كلها (آآآمين)...


    فلاح، يعاني، كأهل بلادي، عنت تعدد لغوي، (فيصلي بلسان، ويغني
    بلسان)، ويغضب بلسان (أف، جر، تك، بس)، كما عانى محمد عبدالحي
    في عودته، لسنار، (إن عاد لها، ووجدها كما يتصور، وليس أضغاث
    أحلام، عن هويات كواذب، وكفى (الهويات شر الصراع)، فالأب آدم،
    والأم حواء، وإن كان في أصلهم شئ يفاخرون به (فالطين والماء)..
    ما هويتك، سيدي العبيد ود وريا، حين قلت لمريديك (كن بالعبودية
    متحققا، والربوبية متعلقا)، كونوا ربانيين، أتلك هويتك؟ ما أعجبك
    يا بلادي، لك من الجبة ألوان حقيقة، ونحبك حتى حين تلامي (أدر ذكر
    من أهوى،ولو بملام)، بلى، ولو بملام، (فإن أحاديث الغرام مدامي)،
    ففي تلكم البلاد القاصية، القريبة، شمال بلادي، سعى، وتربى، ونام،
    وبكى، يتيمك محمد وردي، وردي (الذي تغنى بمجدك فاغتنى) ...


    إن اليتيم في بلادي، وفي قرى بلادي، له ألف أب، وأم، يغمره الناس
    بعطف أم، وكرم أب، فيحس اليتيم، بمحبة، وثقل، فكيف يكون بارا
    بآبائه، أجمعين، ويسدي حلو الصنيع، لهم أجمعين؟، فما اليتم في
    بلادي سوى أن تغرس ابيك في رحم الأرض، وتمضي للقرية، وتجده
    في كل بيوت القرية، أبوات صدق، وأمهات حق، باشة، هاشة ،
    ساهرة عليك، فتتعجب (أدفنت أبيك)، أم سرت روحه في رجال قريتك،
    ونساء بلدتك، أجمعين، وفي سر ذلك اليتم عاش وردي، فملاك الموت
    أحكم وأرأف، حين يقبض الارواح، ويثكل الأمهات، ويرملهن، بلى
    أحكم، من عقولنا القواصر (حياتي خيرا لكم، ومماتي خيرا لكم)....

    فشعر الفتى، بثقل حمله، وبفقد أبويه، وتكاثرهم في ذات الوقت، فما
    أعجب العيش في حمى بلادي, تنسج وقائع الحياة اليومية قصيدة حب
    فطرية، رغم لوم الفقر، ومر الفراق، ويظل صدى الحزن، وفرح العطف،
    يتردد في قلب الفتى، وفي لحنه، ووتره، بعد حين، وهو يحس بأنه أبن
    الجميع، أمه الأرض، وأبيه السماء، بل سعف النخيل، وموج النهر،
    أغدق رحمته على فتى صواردة اليتيم، سعف يظلله، وموج يرقص له،
    ويبوح له بسر المد والجزر، والحزن والفرح، وبسر الحياة، الكامن
    في صلب الماء.

    ومن شب على شيء شاب عليه، فظل ذاك الخرز، بل ذاك الماس يلمع
    ثمانين عاما بالتمام والكمال، وسيلمع مع كل فجر جديد، مثل تلكم
    الدجاجات السعيدة، وهي ترعى في **الحقل، ويبرق من عيونها الجميلة
    طيف ألوان بديعة، سبت ذلك الشاعر، ومثل ديك تلك القصيدة الجميلة،
    ظل ذاك الفتى، وطوال حياته العامرة يوقظ الشعب بأسرة، كل فجر،
    كي يستحم بالنور، ويغني للحياة، ويقيم الصلاة، وبعد حين تغنى
    الشاب:

    (وأحبك ملاذ، وناسك عزاز، وأحبك حقيقة، وأحبك مجاز)
    (أحبك بتضحك، وأحبك عبوس، في عزة جبالك ترك الشموس
    )

    ومن شمال السودان تدفق نهر، يجري للجنوب، رديف النيل، وخصمه،
    كل يمضي في شأنه، هذا يحن للشمال، كي يحكي له نبض قوم في
    الجنوب والوسط، وذاك يحن للجنوب، كي ينقر له الرباب، ويغسل
    الكلمات، وينفخ الروح بين الأضلع، كما نفخ أخوه النيل، الروح في
    جذور النبت، وسقى الحقل، وسحر الشعراء، ورعي الحياة والزهر،
    فطوبى من نهرين خاصرا بعضا، ولم يعكر صفوهما اختلاف دربيهما،
    نهر وردي يتدفق، ويحج من الشمال للجنوب، ونهر النيل يسعى
    بحكمة، ويتلوى من أثر سكره، نحو الشمال من أقاصي الجنوب،
    هذه بتلك، وهل كان وردي نهرا يتدفق من الشمال للجنوب فقط، أم
    كان نهرا يتسلق جبال الحبشة، وتلالها، عكس التيار، وسنحكي عن
    هدا النهر الثالث لاحقا، فالحديث عنه ذو شجون، ولا ينقضي وطره ..

    (كأن هبوب الريح من نحو أرضكم *** يثير فتات المسك والعنبر الندا)

    ونحن مثل قيس بن دريح، قتيل «لبنى»، نشم رائحة الفرح الأصيل
    (مثل عنبره، ومسكه)، من قبل (صواردة)، كما شمها هو من قبل
    مضارب خيم لبنى، وكما شمها المعصوم، من قبل اليمن، حين قال عن
    أويس القرني (أني أشم رائحة الرحمن من قبل اليمن)، فطوبى للرياح
    الشمالية، التي تحلق بأجنحة من غير ريش في قبة سماء بلادي، تحمل
    أثير أغانيك، فتملأ الفضاء كضوء الشمس في النهار، وكظلام الليل في
    المساء (حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحضن العراق) كما أحب السياب
    ليل بلاده، لأنه يحضن العراق، فصوتك يحتضن البلاد، بدفء أسمى،
    وأرق من ليل العراق (وكل فتى، وفتاه، بأبيه، وأمه معجب)، فحتى
    الظلام هناك أجمل فهو يحتضن أغانيك وهي تحلق من دار لأخرى عبر
    الأثير، هل أذكر ليالي القرية وأنت؟ وصوتك، أم العجلة من الشيطان،
    وأترك ليالي القرية لنهاية المقال، أن كانت له نهاية، لو مد الله في
    العمر، أطويل ليلي، أم يطول.
    عزة الأم والخالة، والضل الكبير..

    (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي)
    (بناتك عيونن، صفاهن سماي، وهيبة رجالك، بتسند قفاي
    )

    هذا شأن طفلك، حين كان يحبو على ترابك حافي القدمين، ويكوم
    ترابك بيديه، ويبني بيوتا، وجبالا وتمنى، ولكن من أين جاء، وإلى
    أين مضى، ألم يقل الأمام علي (من لا ماضي له لا مستقبل له)، وهو
    القائل (من لا يعرف من أين جاء لا يعرف إلى أين يمضي)، فماذا جرى
    في ماضيك التليد؟، كي ننظر للوراء، بحكمة وترو، كما ينظر السهم
    للوتر والقوس والرامي، فهما من حددا مصيره الماثل، وسرعته،
    وهدفه، فهناك، بعيدا في غابر أيامك، في بلاد النوبة القديمة، أنطلق
    سهمك الحكيم، فما التاريخ؟ ألم يعرف شيخ المؤرخين الطبري، حين
    سأل لم أنت متيم بالتاريخ، وأيام العرب فقال (التاريخ إرادة الله).
    ونحن نرتل معك:

    (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي)

    كي نفتش معك، ملامح طفولتك، وطفولتنا، وملامح صبانا..

    قبل ألف عام وعام، وعلى ضفة النيل الغربي، الذي يشق بطنك
    الولود، حيث تنام الشمس من وعثاء الظهيرة، والعصر، والأصيل،
    وتصبغ الأفق بحناء الرحيل الحميراء، والتي تشتد سواداً مع توغل
    الليل البهيم، دفن مغنٍ نوبي أسمر، كترابك، تغنى بمجدك فأغتنى،
    صدحت حنجرته حين انحنت سنابل القمح تواضعا للحصاد، وفي
    زغاريد العرس، وفي مواطن الحزن والألم في معابدك القديمة..

    حفرت المعاول قبره، كما تحفر للبذور حفرتها، وكما تحفر المعاول
    ساس البيوت، حفروا قصر خلوده، هناك وهنا، فأستحم بالصندل،
    وكفن بثياب زهد، وحمل على نعش مزخرف، بأيد مهرة، ودفن
    بهيئة القرفصاء، مثل ما كان يرقد جنينا في بطن أمه، بطن أرضه،
    يضم يديه لصدره، ورجليه على بطنه، وبرفق انزل أهله في القبر
    خنجره، وصحن ملئ بالقمح، ونعاله للحياة الأخرى، حين يولد مرة
    أخرى من رحم الأرض، كما ولد من بطن أمه النوبية، وبرفق وتؤدة
    انزلوا ربابه، كي يؤنسه في حياة الأخرى، حتى ريشة الحمام التي كان
    يعزف بها، ضفرت بين أوتار الرباب، فمات ليحيا.


    شارك هذا المغني في أكتوبر، رغم ميلاده قبل ألف عام وعام، فما
    نجنيه اليوم، هو ثمار وحصاد زرع قديم، (كان أكتوبر في أمتنا منذ
    الأزل)، بلى كان، و»كان خلف الصمت، والأحزان يحيا)، منذ تلك
    العصور الغابرة، للظلم، والجور (صامتا، منتظرا، حتى الصبح أطل)،
    وللحق الصبح لم يطل بعد، وأن أطل في عاصفة عاطفة، فجرت أكتوبر
    الأول، والكون بأسره، ينتظر عودة أكتوبر حالمة، مفكرة، حكيمة
    (ترقص الحملان مع الذئاب)، في مسيح أسمر، طيب المحيا، نقي
    القلب، وديعا، قويا، (تهزه بسمه الطفل، وقوي يصارع الأجيالا)، ألم
    يكن أكتوبر منذ الأزل، صامتا، منتظرا؟..


    فما أعجبك أيها النوبي الأسمر، وأنت تشبه جدك ذاك، الذي ذاق سر
    الموت قبلك بألف عام وعام، كيف حييت ذلك اليوم، كيف مت لتحيا،
    فمنذ أن قبرناك في مقابر فاروق، صباح الأحد 19 فبراير 2012م،
    شمال شرق المقابر، ودفنت قرب أسماء منسية، بسيطة، تغنيت بها،
    لها، كتبت على شواهد قبروهم اسماؤهم، الحاجة زكية عبدالفتاح،
    توفيت عام 1992، وذهبية محمد العش 1962م، ومحمود جادين
    1979م، هؤلاء هم جيرانك في دار الخلود، فسلام عليهم، وعليك،
    وعلى آل فاروق، من ذاقوا سر الموت.


    جالت عيناي ذلك الصباح الحزين في مقابر فاروق، أناس لا تعارف
    بينهم سوى حبك، حتى الشوارع والطرق والأشجار ورجال المرور
    كانوا حزانى، بيت بكاء صارت المدينة، فقد كنت مع الكل، لا كما
    يكون الظل رفيقا، ولكن أمام فن، وشاركت في الأفراح والاتراح بقدح
    كريم، في كل أعراس بلادك، في الريف والحضر، قدحك معلى كأشعة
    الشمس، لا تنسى حقلا فتذكر، ولا تهمل شجرة في غابة فتلوم، فمن
    فنك الأصيل، شرب القوم كلهم، والطير والقرطاس والقلم، ومسحت
    بكف أنهر دموع عن الأرامل، والحزانى، والمساكين، والمساجين،
    حتى صاحت امرأة بسيطة، حول قبرك المعمور (سمعكم صوتو، سمعو
    هوا صوتكم لا إله، إلا الله)، فكبر الجميع بحزن، وتدبر للموت، وتدبر لك،
    وليوم الحساب، ولحال البلاد، ولسر الرحيل، ولأغانيك، للحياة الدنيا،
    والأخرى معا، في ومض خاطف، تدبرنا بعمق كل شئ، كما يضئ البرق
    في عمره القصير السماء كلها، تدبرنا جلال الموت، والميلاد، كنا في
    المقابر نشيل الفاتحة لكل من يقابلنا، فالفقد واحد، والحزن واحد، فأنت
    أب، وخال وعم ووالد وشقيق الجميع، بلا فرز ...

    (2)

    رأيت عبدالعزيز المبارك يبكي بحرقة على قبر دارس، بعيدا عن الجماعة،
    وترباس مزين بالحزن، والحلنقي سارح مع لغز الموت، والباقر العفيف
    ساهم في سر الحياة والموت، وأحمد محمد الحسن يشعر بصدق لحنك،
    وبطولتك الفريدة، (لولا المشقة ساد الناس كلهم، الجود يفقر والأقدام
    قتال)، وقد كنت مقداما (والموت ضرب من القتل)، كما سطر المتنبي
    العظيم، الحكيم..

    حين خرجت من المقبرة، في بوابتها الشمالية، قبالة حديقة أوزون،
    سألني اريتري عابر، من هو المقبور، قلت له وردي، فهش لأنه يعرفه،
    وحزن لفراقه، وقال بلهجة مرحة، (واللاي لو حبش واريتريين يعرفوا
    كان ملو المقابر)، هش بمجرد ذكر اسمك، كما هش قيس، حين تذكر
    لبنى...

    (فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها، كما هش للثدي الدرور وليد)، عند الباب
    وجدت فتاة اجتمع الناس حولها، حسبتها بنت وردي، (شلت لها الفاتحة)،
    مع سرب، كانت ترتدي نظارة سوداء، وبعد حين قال لي صحافي (عرفت
    دي؟)، قلت له بنت وردي (قال لا، دي ندى القلعة)، وأصريت (في
    خاطري)، انها بنت وردي، فكل مغني، على قدر ما قاسى، سقاه وردي
    يغني، أما الحبوبة، «حواء الطقطاقة»، كانت حزينة، أعمق ما يكون
    الحزن، حزين من يعرف قيمة نقرة الرق، ورنة الوتر، وبركة الحنجرة،
    ولسان حالها يقول (هل طاب لكم أن تدفنوا حياً)، فما أعجب الحزن
    (ما الحزن؟)، يبدو قصيدة من ضلع الألم، قلب الالم، ولكن ياحواء
    الطيبة، إنه المجاز، فالضوء لا يدفن بتراب، ولا بألف معول، ولسان
    موته ينشد، حياته خير لكم، ومماته خير لكم، فأغانيه باقية، خالية،
    كأنها اقتاتت من عشبة الخلد، قبل حية جلجامش، «والقيود أنسدلت
    جدلة عرس في الأيادي)، وياله عرس يلاقي كل مثل فيه مثلا....


    كان موتك (ميلادك)، وقفة تأمل بوذي للجميع، كيف يمد ملاك الموت
    يده لواسطة العقد، ويختارك، كما يختار أكل التمر أطايبه، ولكنه أعطاك
    ثمانين عاما، وتحداك في ان تملألها بركة، وعطاء، وتحديته، سيد
    نفسك، من أسيادك، فعصرت قلبك، وصدحت حنجرتك بكل الانفعالات
    النبيلة، لوطن كالسودان، مساحا، وتنوعا..


    (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، ولقد سكبت الأمل في قلوب الجميع،
    فبكاك القوم، بكاء أم لطفل، وحبيبة لعاشق، ومريد لولي، وفنان للوحة..

    نكست أعلام القلوب، في دول متناثرة من قارتك السمراء، في حواري
    أديس أبابا، وفي قهاوي أنجمينا، وبين شعاب أسمرا، لرحيلك، أيتها
    الحنجرة السمراء، الأفريقية..


    حكى عنك أحد الرحالة، بأنه في مدينة ياوندي، كان غريب اليد والوجه
    واللسان، يتسكع في الطرقات الملونة كجب دوريش، وبغتة سمع صوت
    لا تخطئه الاذن، بل العين والقلب، أنه صوتك، من أتى به هنا، ولم،
    فشعر أن صوتك كرجل بلقيس، أتى بعرش بلاده كلها لحي بسيط في
    ياوندي، فما أوسع كفك، تلطف الغربة للغرباء، وتفتح كوة الأمل
    للمساجين، وحكى الرحالة بأن شرايط وردي، وبسمته المعهودة على
    لوحات الشريط، كانت مفروشة أمام الباعة الصغار، من الفتيات
    والفتيان، تباع مع الخضروات والملابس الرخيصة، كأنهم سيموتون
    جوعا، وعرى، إن لم يسمعوك، وفي المساء، كان السكارى، والحسان،
    يرقصن على وقع ايقاعك، وفي الأعراس كانت الاجساد الافريقية
    السمراء، ترقص وتترنح على ايقاع (يابلدي ياحبوب)، (رقصي خلق
    الله وأتني)، فليس للغناء لغة، سوى الفطرة البشرية، أنى كانت، فيا
    لها من لغة، لا تترجم، أو تشرح، سوى بسلامة الطوية...
    عزة، الحبيبة..

    يحلو الحديث عنه، ولكن لنتركه للرسالة التالية،
    لو مد الله في العمر، والصحة والإلهام..
    عميق محبتي

    ابنك
    عبدالغني كرم الله
    حي الأزهري، جنوب الخرطوم..
    الموافق 25 فبراير 2012م







    .....
                  

03-12-2012, 01:09 AM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    *
                  

03-12-2012, 07:50 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: محمد حيدر المشرف)

    المشرف الحبيب...


    أعزيك فيه، عزاء من يعرف وردي العظيم، ويعزه...

    وردي الدي غرس في حقل "فاروق، كأجمل وردة، بألف لون، وألف عبق باقي في سماء بلدي وارضها
    فقد مسحت حنجرته الطيبة، عن الحياة، وغدت الوجدان ثمار الوجد الطيب، والعواطف النبيلة
    وكشف الغمة عن نفوس ملت رتابة الحياة، وكوتها الحسرات العظام، وفراق الوطن، وغربة من سكونه الداخلية
    كان بطلا، في تحدي الظروف والظلام والتقاعس، وكان نبيلا، في فنه، ومعتدا بالفن، كرسالة عظيمة، أعمق من السياسة، وألاعيبها الموقتة، من أجل كرسي، أوعماء فكرة، حجبت نور التريث، وفهم سر الحياة الأعمق..

    كان فنان حياة عظيم..
    ومن العشاق الكبار للوطن، ومن جهل العزيز، لا يعزه، ولكنه كان يرى عظمة الشعب، كما راها الكبار من مفكري بلادي، اصحاب التجارب الروحية، والفكرية، والفنية الكبيرة، كما عشق الاستاد محمود البلاد، وقال قولته الشهيرة (حب السودان من حب الله)، وكما عشقها معاوية نور، وعبدالخالق، وبابكر بدري، وبرعي محمد دفع الله، ولاشك كان حبثهم لم سبروا من عظمة البلاد والعباد، ومثل حب ادريس ود الارباب، والدي كرس حياته كلها، كي يعطم الفقراء، ويسلكهم لمعانقة النور الأعظم، والهيام بجمال الطبيعة، فمن مادة الفكر خلق الكون، بل ومن مادة الحلم..


    سعيد بك اخي المشرف، وكيف عامل؟ طبعا اخوك رجع السودان نهائي، بيني وبينك مللت الغربة، وكفى، وصرت أحن للبساطة، رغم فقرها وعنتها، ولكن أجد بعض عزاء في بلادي دات الشمس، والكبد، والبساطة الحلوة..


    مع عميق حبي وشكري..
    اخوك ابدا كرم الله..

    مساء الاثنين/الازهري، جنوب الخرطوم..

    ...
                  

03-12-2012, 08:47 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: مساء الاثنين/الازهري، جنوب الخرطوم..


    المسافه المافيشه يا عبدالغنى ..
    المسافة .. الغياب !
    المسافة !
                  

03-13-2012, 00:10 AM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: محمد حيدر المشرف)

    سلمت يدا بها كتبت

    رحم الله محمد عثمان وردي ,,
                  

03-13-2012, 02:41 AM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    الاستاذ عبد الغني كرم الله
    لقد كتبت
    كلاما كبيرا
    و انزلت من العيون دمعا ثخينا
    كتبت لنا ما سنبكي به
    احد اعظم ملوك النوبا
    لقد كتبت لنا صلاة نصليها علي قبره
    فلقد صلي اسلافنا بالشعر
    علي اضرحة ملوكهم العظام
    سيظل وردي حيا فينا الي الابد


    طبت ايها الكريم



    طه جعفر
                  

03-13-2012, 07:54 AM

بابكر عثمان مكي
<aبابكر عثمان مكي
تاريخ التسجيل: 06-11-2006
مجموع المشاركات: 879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: طه جعفر)

    أستاذ عبد الغنى ..
    اكتب مداخلتى وانا اطرف دمع بسبب كلماتك هذه
    هذه الكلمات بحق .. انت اعطيتنى سر بكائى ياسيدى فى رحيله
    يالها من مرثية .من اصدق واعمق ماتمت كتابته فى رحيل هذا العملاق الخالد



    بابكر
                  

03-13-2012, 09:16 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: بابكر عثمان مكي)

    عبدالغني كرم الله الفنان - تحياتي لك وأحسن الله العزاء في محمد وردي

    سعدت بلقائك في فعاليات جائزة الطيب صالح - رحمه الله - ولولا غرق بشرى
    الفاضل في زحمة المعجبين لقضينا إستراحة إبداعية من العيار التقيل
    طرفاها عبدالغني وبشرى ولكن - الله غالب -
    عبقت هذا الصباح بألق حروفك في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي) - رحمه
    الله - مسيرة من اللحون الشجية والمعاني الباذخة عبر التاريخ وايدا آذتو ماب نسالمه ..



    و(لا زال في المكان متسع لجميع الأشياء) ..
                  

03-13-2012, 10:03 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)


    عبدالغني ... أيها المسكون بالجمال ..

    ليت وردي قرأ هذا الجمال.

    محبتي وتحياتي.
                  

03-13-2012, 05:08 PM

محاسن أحمد محمد
<aمحاسن أحمد محمد
تاريخ التسجيل: 10-26-2008
مجموع المشاركات: 1151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)

    الاخ عبدالغني كرم الله الفنان

    شكرا على كل كلمه كانت حقا
    شكرا لانك كتبت عنما فى دواخلنا واكثر
    تعم محمد وردى حزنا على فراقه
    شعرته بالخوف لفقده
    وكان الوطن باكمله قد مات
    سوف يظل فى دواخلنا لانه جزء مننا
    غنى لنا وكان فنان صبانا ومازال يغنى لنا ويعبر
    عن مشاعرنا واحاسيسنا
    وسوف يغنى لابنائنا وكل الاجيال الجديده

    وسوف نظل نغنى لك ياوطنى

    لك التحيه مره ومرات
                  

03-13-2012, 10:57 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: محاسن أحمد محمد)

    تسلم يا غني يا غني
                  

03-28-2012, 10:31 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: محاسن أحمد محمد)

    استاد محاسن

    صباح الخير


    وللحق قطف ملاك الموت زهور أخرى، من حقل بلادي الاخضر، حميد،نقد، وأخرين بسطاء في نواحي بلادي
    وتكاثرت الاحزان..


    فالبركة في شعب بلادي الصبور، ولاشك ستشرق الشمس، كل يوم، بما هو أجمل واعمق..


    تحياتي
                  

03-26-2012, 02:42 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    استاذ محمد عبد الجليل


    سعدت برؤيتكم في القاعة، وتمنيت ان يطول المقام،ولكن انشغالات اليوم صرفتنا، وامنياتي لكم بالصحة ومفور العافية والصفاء
    الذهني..

    عجيب ام مارس هذا العام، فقد مد ملاك الموت يده البيضاء وقطف زهور فكر وعاطفة نبيلة، حميد ونقد،وقبلهم وردي ولاشك الموت ميلاد جديد
    لهم، وللبلاد..


    فعميق عزائي في حميد، ونقد... وكل من دفن في تراب بلادي فهو بطل اسمر مجهول...


    محبتي..
                  

03-24-2012, 01:04 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: بابكر عثمان مكي)

    أخي العزيز بابكر..


    السلامي ومحبتي...

    كلنا بكينا وردي، وكلنا شربنا من مدامه خمره الحلال، فأسكرنا في الغربة وفي اللواري، والحافلات والجامعات
    والبرندات، حيث الرادي البسيط، أو المسجل الصغير، وصوته يحلق بنا في نشوة لا توصف..


    فبوركت، اخي بابكر... فالدموع لسان صدق في الحزن والفقد..

    ..
                  

03-24-2012, 11:32 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    الحبيب عمار عبدالله


    محبتي...

    ملاك الموت ينتقي هذه الايام خيار الناس... عجيب فعلا...


    ولكنهم احياء في القبور والصدور..


    محبتي
                  

03-24-2012, 12:55 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    استاذ طه جعفر..


    سلامي ومحبتي...

    في البدء اعزيك في سفر هذا السرب الجميل من ابناء بلادي، نقد، حميد، وردي، وقبلهم زيدان والتجاني، وللحق ملاك الموت يرفرف
    وينتقي اطايب الناس، وكأن الملك يصاقب الملكوت، وليت الارض تعيش كما يعيش اهل السماء في يقين تام بالجمال والكمال.....


    ودوما نحن في ذاكرك، ,اخي استاذ احمد محمد الحسن، وهو يقرئك سلامه ومحبته الحارة،...

    ولاشك وردي هو من اغرق قلمي في مداده العظيم، الكبير، المترامي..

    سلمت اخي الكاتب استاذ طه جعفر..

    وعميق محبتي..في زمن الاحزان الطوال.. وعسى الله ان ينجلي ليل الموت والحزن، لصبح زاه، جميل لشعبنا الصابر المصابر..

    ودمتم..


    اخو كرم الله.
                  

03-26-2012, 09:49 AM

عبد الحي علي موسى
<aعبد الحي علي موسى
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عبدالغني كرم الله)

    يا شعبا تسامى
    يا هذا الهمام
    وطنا......
    البي اسمك كتبنا ورطنا
    وكما قال العارف:
    الموت فيه حياتي
    وفي حياتي قتلي
    تسلم عبد الغني
                  

03-26-2012, 03:23 PM

نورالدين الفحل
<aنورالدين الفحل
تاريخ التسجيل: 02-12-2008
مجموع المشاركات: 727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عبد الحي علي موسى)

    عبدالغنى كرم اللة صاحب الكلام المدوزن والحكى الموزون والمقفى فى فنان ملآ الدنيا وشغل الناس والعالمين سيظل وردى باذخ و شامخ يحاكى نخلة نمت على ضفة النيل تعانق عنان السماء وتغوص فى باطن الارض صدقا ماكتبتة عن وردى يعدل الكثير عما سواة ليت الفرعون قرأة ولوفعل لطاب خاطرة واستوى سعيدا بمضمونة اعزيك ونفسى واصحاب الجمال من محبى وردى فقد غنى الرجل للحب والسلام والوطن الواحد الذى صار الى اثنين لة الرحمة وموجبات الغفران وفى الخالدين سلام محمد عثمان وردى بقدر ماقدمت واسلفت لفرح هذا الوطن واهلة سيبقى وردى مابقى النيل فكلاهما خاالدان ولاحياة بدونهما سلمت يداك ياعبدالغنى .

    (عدل بواسطة نورالدين الفحل on 03-26-2012, 03:25 PM)
    (عدل بواسطة نورالدين الفحل on 03-26-2012, 03:34 PM)

                  

03-26-2012, 04:04 PM

نجاة محمد بابكر
<aنجاة محمد بابكر
تاريخ التسجيل: 09-10-2009
مجموع المشاركات: 571

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: عبد الحي علي موسى)

    يارائع ياود كرم الله بحق امتعتنا بهذا السرد الجميل

    مودتى انا ومحمود




    تخريمة

    وينك من ديك وعيييييييييييييييييك
                  

03-28-2012, 10:44 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: نجاة محمد بابكر)

    أيها الشاعر
    الذي تتدفق أنهاره في السرد



    عطرنا برحيق روحك القصي
    فبه تُستعاد حياة
    فتشرق...



    محبتي واحترامي الدائمين
                  

03-28-2012, 10:48 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في عزة جبالك ترك الشموس (محمد وردي)!!... (Re: نجاة محمد بابكر)

    ...


    إلى حبيبتي عزة..


    (في عزة جبالك ترك الشموس)

    (2)

    محمد عثمان وردي


    عزة، يانور العين...

    أهمس لك بسر عنه، عن وردي، حين حمل عوده فرحا بأول لحن له، أغنية (أول غرام يا أجمل هدية)، وهرول لشيوخه، كي يعرض بضاعته الوليدة، فجلس بحياء أمام شيوخ التلحين والشعر، خليل أحمد و»سماعين حسن»، وأخرج العود من جرابه برفق، كأنه يخرج كائنا حيا، ووضعه برفق أعمق على حجره، وشرع في الغناء، طارت من عش حنجرته أسراب حمام، وقمري، ويمام، وبعد أن أنهى اللحن، أصغى في رهبة لهما، منتظرا التقريظ، والتصفيق، فصرخ فيه الملحن أحمد خليل (ده كلام فارغ).

    وفتاك الأغر، لم يرم العود، يائسا، ويبحث عن حرفة أخرى، مثل خفاف الأحلام، بل بعناد من يعرف قدر نفسه، وبإرادة لا تلين تحدى الريح (كلما الريح تطارد الموج، أزيد إصرار، أحلف بيك، أغير سكة التيار، وأقول يا أنت يا أغرق)، ولم يغرق وردي، سوى في حب الغناء (التغني بمحاسنك ياعزة، والتي يفنى الزمان وفيها ما لم يوصف)، وغير سكة التيار، بمشروع غنائي ضخم، فيه ألف لحنا باهرا، ورخيما، وساحرا، وجعل من الوطن حبيبة، تهفو لها النفوس، وتفدى بالدم، ويعرف قدرها، وفصلها، وتخطب بالنفيس..

    ذات العناد، كان لفتاك الراحل الطيب صالح، حين أرسل وهو في العشرين قصته الأولى (نخلة على الجدول)، لمجلة القصة السودانية، وقيل له، بلسان عربي مبين (عليك بالقراءة والإطلاع، فأنت لا تعرف طبائع أهل الشمال)، لله درك يابلادي، (ألا يعرف طباع أهل الشمال؟)!! وهو من جعل محجوب، وود الرواسي، ذواتا تسعى بين الناس، وليس بين السطور)، لا كرامة لنبي بين قومه، أم أنه التحدي الذي يخلق الأبطال، مصداقا لقول المؤرخ توينبى، ونظريته في (التحدي والإستجابة)، كأن التحدي هو لحن، على كل صاحب تجربة فريدة، أن ينشده لنفسه، في بدء طريقه (تمنت سليمى أن أموت بحبها، وأهون شئ عندنا ما تمنت)، أم طلبت مقاما، بذل نفسك شرطه؟ لله درك يا عاشق «سليمى/السودان»، فالموت «أهون شئ عندك» كي تموت في سبيل حب سليمى/الوطن، فأفترشت حصى كوبر، ولحنت أغانيك من داخل حصون السجن (وأنت رهين المحبسين)، حبس السجن، و «حبس»، الحرمان من «العود»، ( نغني ونحن في أسرك، وترجف وأنت في قصرك)، ما أعجب صلابة إرادتكما (أيها المحجوب شريف، ووردي)، تلكم الإرادة الراضية بمجرى الأقدار، لاشك وريثة زهد عظيم، ويقين أتم، بأن النور عملاق ولو في رأس شمعة واهنة، والظلام قزم، ولو عم الوجود..

    هكذا المرهفون، يا عزة، كالأنهر، تواجه أمامها سهولا وجبالا ووهادا، مدى البصر، وبمعول الرقة حفرت جدولا كحوض النيل، أطول وأحلى جدول في العالم، وهم رغم رهافتهم، صبروا، وصابروا، وبمعول الرقة، حفروا نهر الفن الأصيل، وكسروا صخر الهمز، وجبال القمز، والهوان، وسقوا حقول النفوس عسلا، وحليبا، وخمرا حلالا، ألم يقل الفتى اليتيم، والذي صعد في عنفوان شبابه، قمة شعاب جبال مكة، متدبرا، حال الوجود، ومآله، هو يصعد من صخرة لأخرى، في بهيم الليل، وفي وضح النهار، حتى برق في قلبه نور عظيم، فأدرك سر الخالق المخبوء في المخلوق، فقال (لو تعلق قلب رجل بالثريا لنالها)، وتلك هي الإرادة في أسمى بركاتها، والعزيمة، في أنضر تجلياتها، إرادة الإنسان حين يعشق بصدق أهله، وبلده، وربه، وكونه، فيطال أعالى الثريا، من أدنى الثرى....

    وتدرك النفس، حينها أن الألم والحزن والكبد، مسطور خلفها، حكمة بليغة، أهونها أن تلين صخر المشاعر، وترقق شغاف الفؤاد، وبلى كان فتاك، كعود الند، يحترق رأسه بنار هم إنساني، ويطلق عمامة من بخور شفيف، فوق رأسه الشامخ، يتضوع بها أهله، ويستنشقون روح نده المحروق، ويسرحون في عوالم لا تخطر على بال، سوى قلب الشعر..

    (1)

    عزة..
    أنت وينك وين؟...
    أميرة القرون الطوال، كيف أحمد لك بركتك، وأشكر الموهوبين من أبنائك، بل من أين لي القدرة على ملامسة عنت صدقهم، وسبر أصالتهم، في صاقب الحمد المحمود، وإلا جاء الثناء كالذم، فمن جهل العزيز، لا يعزه، وأنا أجهل قدرهم، وفصلهم، ولكن أن أضئ شمعة في ليل بلادي، خيرا لي من أن أسب ظلام جهلها وظلمها، أولئك الذين خففوا عنا كبد العيش ورهق معضلات الوجود، وكانوا بمثابة موانئ من عواصف الحيرة، وطعنات الضلال، فزخرفوا الوجدان بحسن ظن عظيم، حسن ظن بالبلاد والعباد، والأقدار، وجلوا عن القلب صدأ، وعن الروح غبارا، أناس عرفوا سر جمالك، وجلالك، وكمالك، فهاموا بك، هيام العارف، هام بك العباسي، ومعاوية نور، والكاشف، وجكسا، وبرعي دفع الله، وود الرضي، ووردي بل أقسم بأن كل رجالك، ونسائك أبطال عظام، فالذي براهم بيده عظيم، كريم، ولكنه غموض القدر)، غموض القدر ياعزة) أخفى بطولات، وأعلن أخرى، فوجب علينا التريث، كي لا نسئ لولي منهم، وهم خفايا، كلذة الشعر، أناس أخفياء، أتقياء، في كل حرفة، وحقل ومصنع وفصل، في اصقاع بلادي، قوم إذا حضروا لا يذكرون، وأن مضوا لا يفقدون، هم ملح أرض، عرفوا، أو لم يعرفوا، بلى هؤلاء أناسك، المنثورين في أرضك السمراء، كروعة النجوم في سمائك الرحيمة، ولكنهم، أخفياء، ولم يفعل مبدعو بلادي، سوى أن رأوا تلك الجذوة، كامنة فيهم، فقدسوا إنسانك، لأنه بها جدير، وحقيق، وروحوا عنه، وعنك، عنت وكبد العيش، فطابت النفوس بعطائهم، وأشعلوا تلك الشرارة المباركة في كل بنيك، فتوهجوا أجمعين، بلادي لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنى عليك بنوك، بما أنت له أهل.

    (2)

    بين جبال الهملايا، وردي جبل آخر:
    حدثنا عن أي شئ ، عن السودان، أي شئ، (أي شئ)، هكذا قالت المرأة وزوجها، للطالب السوداني الذي عثروا عليه صدفة في مدينة آسيوية، صغيرة وجميلة، تنام بين شعاب الهملايا، وهم الذين غابوا عن الوطن عقودا طويلة، وغابوا في تلك التلال النائية، الباردة، وهل تصدق (وهي قصة حقيقية)، نام معهم في غرفة النوم ذلك اليوم، بل كانوا يصغون له، وهو يحكي ببساطة، كيف فطر في ابو جنزير، وكيف تناول فولا، في صحن الطلس الصغير ووضعه على تربيزة بلا فوطة، وأكل معه جار له، طلب كبدة، (كالأشعريين، هم مني، وأنا منهم، كانوا يفرشون ثوبهم وعليه طعامهم ويأكلون بالسوية، هم مني وأنا منهم)، أي نسب هذا؟ هم مني، وأنا منهم؟ أهكذا الكريم؟ يؤاخي يتيم قريش؟ فيبكي الزوج، وتبكي المرأة، لبطولات عظام، فطرية، تجري وتنساب في حياة بلادي ببساطة كما يجري النيل، بلا من أو سلوى، لمن يغرف موجه، أو يشرب ماءه، ولهذا خلق، اختصه الله بقضاء حوائج الناس، حبب الخير إليه، وحببه إلى الخير، رسول حب، رسول عطاء (أشعرتم بثمرة العطاء؟ أشعرتم برضى الضمير؟ أئتني خمرا مثل رضى الضمير حين يقضي حوائج بني آدم، بلا من أو سلوى أنه خمر الخمور، فالضمير هو النور الأول، النور القديم، في حنايا القلب، وهو نور لا يسره سوى الصادق من الفعل، وإن قل، (لا تستحى من إعطاء القليل، فالحرمان أقل منه)، فمسح رأس يتيم، برفق وحب، خير من بناء قصر، لدى ذلك النور المتألق في النفس، في سويداء القلب، (والرضى نعمة النعم)..

    كيف لا يغني وردي وهو من هذه البلاد؟
    كيف؟ بربك، كيف لا يبتل بماء النهر، وحاله حال الحلاج (ألقاه في اليم مكتوفا من الأيدي، وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء)، أي تحذير هذا لفتى نوبي رمته يد الحب، مكتوف اليدين، في صدر النيل وقالت له (إياك إياك أن تبتل بموج الحب، نور الحب)، فهوى في النيل، نيلا أخرى، مقيدا (ومن وجد الإحسان قيدا، تقيدا)، وجرى النيلان في سماء بلادي بركة وخيرا، ونماء..

    وحكى لهم عن رحلة حافلة الشنقيطي، وعن الدافوري للاطفال الحفاة، والرجل وزوجته يكفكفان الدموع، يبكيان لكل شئ، ما أعظم غربتهم، حكى لهما عن عرس حضره، وعن منظر الغروب بين حقول القرى، وعن بيوت الطين البسيطة، وقد كنست صبحا وعصرا، وعن آثار دجاج في أطرافها، وآثار ألف مركوب وشبط وسفنجة عند عتبة الدار، بكت الزوجة بحرقة، وكأنها قصاصة أثر، ورأت أثر والدتها تدخل تلك الدار، أو بنت خالتها، بكوا في اليقظة، وبكوا حين ناموا في أحلامهم، لرائحة الوطن، التي شموا من ذلك الفتى الاسمر ..
    تذكر الفتى، الطالب كيف بكت المرأة حين حكى لها عرس جارهم، وهم يحفرون لأعمدة الصيوان وسط الشارع (حفرتو للصيوان في الشارع؟)، ثم تبكي، مع كل حفرة حفرها الطالب، وكأنها كانت تشعر بفرح العرس، وألم الأرض المثقوبة، كسره، فقد صار الشارع مسرح عرس عندها، كانت تتابع بفرح حزين الطالب وهو يحكي عن نصب الصيوان، ورص الكراسي الحمراء، وهي تبكي مع كرسي، ومع كل من جلس عليه، بنتا كانت أم فتى، بكت (أيبكي امرؤ على مدينة، على شارع، على حفرة في شارع، أيبكي الانسان على ذكر شجرة في ركن المدرسة، تلقي ظلالها على الشارع؟ إنها خمر الحنين، حنين الجذع للشجرة، والجذور...
    وحين حكيت لها حكاية ثلاثة عصافير، ظلت تستحم تحت الزير، وتنفش ريشها، ريشة فريشة، وتحك بأرجلها الريش البعيد في ذيلها، والماء ينزلق برشاقة من ريشها، فقد استحمت العصافير تحت مطرة صغيرة، مطرة من نقاط الزير، استحمت بتأن، بكت المرأة وبكى زوجها، بكيا بكاء حارا، حتى صار نحيبا، وقالا بنفس واحد (أشتقنا شمش السودان، شمشه الحارقة، أشتقنا للشمس كي نستحم مثل هذه العصافير ، نحن مثل هد العصافير السعيدة، فلا يعرف قيمة الظل إلا من ذاق الرمضاء)، والآن أدركنا ظل الوطن (رغم شمسه الاستوائية الحارقة)، من رمضاء الغربة، من نار الغربة..

    وحين قال لهما، في الليل، بل منذ العصر نخرج العناقريب، وننام في الحوش، بكيا، وبكيا، (تنامون تحت تلك السماء المرصعة بالنجوم، وبنات نعش، وتحرس أحلامكم أضواء نجوم بعيدة بعيدة، خيول الضوء لا تدركها بشق الأنفس، و تشعرون بأن قبة السماء هي قلب شاعر، وبأن النسيم تحتها دمه الناعم، النبيل، وبالأرض بطنه الطيبة، وسرته تغذيكم باليقين والصفاء)، بكيا العناقريب التي تنام تحت السماء، غرقى في بحر نسيم عذب، مغني بالثغاء والخوار الواهن ، معطر بالعشب ورائحة الطمي، في أقاصي الليل، بكيا، ليلك يابلادي، حتى الظلام هناك أحلى، فهو يحتضن البلاد..

    (أبدا ماهنت ياسوداننا يوما علينا)، بل لحظة علينا، وفي اليوم التالي، عثر الفتى الطالب على مائة شريط لأغاني سودانية، في دارهم، وكان نصيب وردي نصيب الأسد، نصيب أبادماك.

    وأقمنا عرسا بين الجبال، بالفنان وردي، رقصنا على أغانيه، رقص الثلاثة، كما يرقص الصوفي في حلقة الذكر، وكل كلمة، وكل لحن، وكل نغمة، كانت تحج بهم للوطن، أجمل ما يكون، صار الوطن كله، بلى كله، في راحة اليد، والقلب، (شممنا الوطن، وتذوقنا الوطن، ولمسنا ترابه الدافئ، وصخره الصلد، ونيله الناعم، حقيقة، لا مجازا) هكذا بلغ بهم الحال، وهم يسمعون صوتك ياوردي، هكذا بلغ الحال.....

    (3)

    انا والأنغام والعود في ايدي
    بحكيلو حكايتي ويعيد ترديدي
    واشكيلو همسة أو عذب نشيدي
    ياما الأوتار تفضحني من ريدي
    يا نور العين
    يا نور العين انت وينك وين

    قالت أم مهاجرة، عن البلاد عقودا ،أن أغاني وردي، في غربتها، (تفور الدم السوداني في عروق السوداني لما يسمعه وهو في أي بلد) فما أبلغها من حكمة، بلهجة سودانوية، (يفور الدم السوداني)، وليس دم جعلي، أو شلكاوي، أو نوبي، الدم السوداني، الخمر السودانية، تلكم الخمرة التي أسكرت، وهي تجري في دفء العروق، التجاني، والعباسي، وعبد الخالق، والكاشف، وكثرا من ندمائها، في طي القبور الرحيم، أو في مسعى ظهر البسيطة الطيبة.

    ففي ملعب كبير، لكرة القدم، في جبال الحبشة، حيث ينزلق النيل الأزرق نحو سهول السودان، وجبال الانقسنا، احتشد آلاف الأثيوبيين (دولة صديقة)، من كل فج عميق، وبرشاقة جبلية رقصوا معك، وحفظوا أناشيدك، حفظوا الكلمات دون ان يفهموها، ولكن لحنك، وسمتك، أوحت لهم بالمعاني، أجمل ما يكون، بل أروع مما يتذوقها بعض أهل يعرب، من الدول التي نسميها مجازا (شقيقة)، وما الشقيق إن لم يرقص لطبلك، ويحزن لدمعك، فما أقرب صلة الوجدان مع هؤلاء النفر، الذين يتدفق حليب النيل من جبالهم..
    وأنا أشاهد الحفل في التلفاز، شعرت بدفء، وبأكسوم، وبسوبا القديمة، وبالقلابات، وبالنيل الازرق، وبالرهبان الحبش، وببلال الحبشي، وبالنجاشي، وبصلاة المعصوم عليه في بيداء الحجاز، وبالغيوم التي تسافر من الأطلسي كي تغمر أعالى الجبال ثم تنساب لحقول الوطن، وكأنه يشكر الجار، ويفئ بعشرة المناخ، فحين غنى وردي، ذاب الجميع، وكأنهم على قلب رجل واحد، وحدة عضوية، ألف قلب صغير، نبض وتأثر ورقص وبكاء جماعيا، في ذلك الملعب المبروك، فشعرت بنهر آخر، ينبع من كرمة، وكوستي، والخرطوم، ويصب في الحبشة، عكس اتجاه التيار، هذا بذاك، نيل بنهر، فشرب منه الحبش، نهر كوثر، وخمر، ولبن، أنه نهر الغناء الأصيل، والحنجرة المعتقة، نهر الفن، فأستحم الحبش من وعثاء العادة، وغبار الروتين، في نهر الفن الخالد، محمد وردي، فكم نهر أنت، ثلاثة أنهر؟ أم نهر عريض، دافق، غرفت سواقيهم منه، وسقت حقول قلوبهم، وزهر وجدانهم بمائه الصافي، النقي...

    لقد عانيت كي تلحن لنا، من أين يأتي اللحن ياوردي؟ لم يسرجنا اللحن لعوالم فينا، بعيدة بعيدة، قريبة قريبة؟ ما اللحن؟ أهو خمر تشرب بالأذن (غنت فلم تبق من جارحة حتى تمنيت أنها أذن)، ما أعجب خمر الألحان الفريدة، تسكر من غير دن، ومن غير خمر ونديم، تفك يد اللحن القيد عن أرجلنا، وعن قلوبنا، تطفئ نار الخوف، وتجعلنا نحلق كالبخور، بلا عظم، أو وتد يشدنا للارض، سنة وفطرة تلذذ النفس باللحن الطيب، سنة، بل غريزة كالجوع، والفرح، ومسرات العبادة المجودة للعارفين (نحن في لذة لو عرفها الملوك، لجالدونا عليها بالسيوف)، وتلك لذة الاستماع، بل الإنصات لموسيقى حركة الوجود، وهي تدب من ماض لآت، أنها موسيقى الحاضر كله، في صيرورته المتبدلة، بين حنين ماض، وتوق آت، فما أعجب الأمر، الزمن موسيقى، يسيل برفق، وتؤده، وتر مشدود بين ماض وآت، تحكه عصاة ربان ماهر، وغامض، فيضطرب الحاضر، بأسره، في كل ثانية فيه، بل واقل، لنغم ذاب ونغم أت، (الآن نغم، بلى نغم).... (والمغاني، للمعاني، كالمباني تظهر الأسرار)، ورحم الله ابا الطيب (لا يتملكني الغضب، ويهزني الطرب)، فيد الطرب تهز أفئدة الجبال، علماء الكيمياء، صاحوا ملء أفواههم (الأوتار تحكم العالم، الأرض، فالأفلاك تسير في مدارات حول الشمس، على شكل أوتار غير مرئية، من الجاذبية الكهرومغناطيسية) حتى الكيمياء والفيزياء صارت وترا، وغناء فما أعجب سر الكون، ألهذا أسر افلاطون لتلاميذه، قبل ألف عام وعام( أصغوا للكون كله، فحركة الافلاك موسيقى)، بلى قال، وصدق..

    عزة، جرى القلم بما جرى، فوردي، وفنه أوسع من السماء، ولو مد الله في العمر، والمدد، لأرسلت لك بعض حروف عن ألحانه، في رسالته التالية، وكيف تختلف عن ألحان سرب وطيف من ألحان بلادي، تلك الألحان، بل تلك المرآة، للنفس، والروح السودانية...

    عميق محبتي
    ابنك المخلص
    عبدالغني كرم الله
    حي الأزهري، جنوب الخرطوم
    شهر مارس


    الراي العام




    ......
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de