|
الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح
|
الزهور والوردي شتلوها جوه وردي في العام 1958 م ونحن طلاب بمدرسة خورطقت الثانوية، دعانا إخوتنا من طلاب الشمال القصي للحضور لمسرح المدرسة حيث سيقدمون فناناً جديداً قادماً من عمق الثقافة النوبية ليشنف آذاننا بغناء لم نسمع به من قبل. المدارس الثانوية في ذلك الزمان وكما كان الطلاب يتحزبون في ثلاثة أحزاب – الجبهة الديموقراطية والإخوان المسلمين والمستقلين كانوا يلتفون حول حسن عطية واحمد المصطفى وأبوداؤود وابراهيم عوض والتاج مصطفى ولم يكن هناك في الساحة الفنية غيرهم. وجاء الفنان طويل القامة رفيعاً بهي الطلعة له شعر ناعم كثيف . غنى أغنية (يا سمارة الليلة يا سمرا وأغنية : يا سلام منك أنا آه يا سلام وربما أول غرام). ومن يومها لم تعد الكيمان الفنية في المدرسة كما كانت.. بمجئ الفنان محمد عثمان وردي تغيرت خارطة الإصطفاف الفني التلقائي عند الطلاب إلى خارطة جديدة .. لقد إقتحم وردي تلك الخارطة وتربع في منتصفها وإنفتح وجداننا لتلقي سيلاً صافياً من الغناء ذي النكهة المدغدغة للشعور(نور العين وتوابعها... ) وقفز من بيننا مرددون لتلك الأغاني أمثال حسن عبدالعزيز وقناوي وغيرهم ويومها أدركنا أن نقطة تحول جديدة قد رسمت نفسها بدقة فائقة في تاريخ الغناء السوداني. في العام 1960 خرجنا في مظاهرة مع إخوتنا من أهالي حلفا وكان وردي محمولاً على الأعناق هو والأستاذ المرحوم محمد توفيق الذي كان وكيلاً لوزارة العمل ونحن نهتف (حلفا دغيم ولا باريس). وتعرض وردي لضرب مبرح من الشرطة وتم إعتقاله هو ومحمد توفيق وعدد من طلاب الجامعة وقادة حلفا المناوئين للتهجير. ويومها شعرت بإلتصاق وردي بقضايا أهله وهمومهم. في علم الجينات تحدث من وقت لآخر طفرات جينية قد تكون في صالح الكائنات الحية أو في غير صالحها. ولكن ما جاء به وردي هو طفرة في صالح الغناء السوداني لأن الطفرة جاءت مكتملة في الألحان والتأليف الموسيقي والتطور الذي لازم جميع خطواتها مما أجبر خطوة وطفرة أخرى أن تحدث في مجال الشعر الغنائي. من منا يتخيل أن يأتي شاعر مثل محمد على أبوقطاطي بقصيدة تبدأ بمقطع من أغرب المقاطع يقدم فيه المشبه به على المشبه مثل: سواة العاصفة بي ساق الشتيل الني وفعل السيل.. وقت يتحدر يكسح ما يفضل شي دا كان حبك.. وقت حسيتو. شفت الدنيا دارت بي. الطفرة اللحنية والموسيقية التي أتى بها وردي أحدثت طفرة شعرية ذات قيمة شعورية عميقة الأغوار، مدهشة إلى أبعد الحدود. ما كان أن تحدث لولا أن وجدت مستقراً لحنياً لها عند عبقرية وردي. وفي العام 1974م جئت من المانيا وأنا احمل اسطوانة تسجيل لمؤلف موسيقي ألماني ألف قطعة موسيقية كلاسيكية أسماها (أبناء إبراهيم) قصد أن يقول أن أبناء إبراهيم من أصحاب الديانات كالإسلام والمسيحية هم من أصل واحد ويقول إنه كان يبحث عن إلهام موسيقي ينقل له الإحساس بالصحراء وبأرض الديانات وكانت فرحته عظيمة عندما عثر على أغنية (الطير المهاجر) فأخذ منها مقاطع جعلها الفضاء اللحني الذي تدور في فلكه مؤلفه الموسيقي. حملت ذلك للفنان محمد وردي في منزله بشارع 61 العمارات فاستقبلني في صالونه وكان به بيانو واستمعنا للقطعة الموسيقية للفنان الألماني وقام وردي بعزف مقاطع منها وشعر بوجود تأثيره عليها. وكانت إبنته (جوليا) صغيرة ولذلك عندما داعبتها في أخر حفل لوردي برأس السنة قائلاً: - أنا لما شفتك مع أبوك إنتي كنتي قدر كدا. (وأشرت بيدي إلى ما فوق الأرض) قالت لي: وأنا لحدي الآن قدر كدا. وضحك وردي وضحكنا سوياً. في تلك الحفلة – حفلة رأس السنة – التي سهرنا فيها مع وردي، لازمني شعور ثقيل حتى نهاية الحفل أن وردي يغني غناء مودع وقد كان قد إعتذر بلطف عن غناء نشيد الإستقلال قائلاً : أنا السنة دي ما عندي مزاج أغني للإستقلال وفعلاً لم يغن وترك عادة لم يتخل عنها منذ أن لحن نشيد الإستقلال للشاعر الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف. فتلك كانت أول مرة لم يتغن فيها بنشيد الإستقلال. (قفا نبكي) قد جفت مآقي الدمع والآهات. لم تجلس بشرفتنا ولم تمطرسحابات. وحدها الخيل التي غرقت قوائمها في أمواج بحرك ياشقيق العظمة الثكلى ويا حزن المسافات (قفا نبكي) أحزان الزمان المعدني على ريح الصبابات. وعندما زرته في منزله مع صديقي الشاعر الجيلي عبدالمنعم (شاعر مرحباً يا شوق، والهوى الأول) قدم له الأخ الجيلي قصيدة كتبت على شكل رباعيات ووعد وردي بتليحنها. والآن أنا أودعه بالرباعية الأخيرة منها وكأنها قد كتبت له . قال الأخ الشاعر الجيلي عبدالمنعم: دع عنك سفح الدمع بين الطلول ولوعة المحزون يوم الرحيل أنشر جناحيك وحلق بعيداً واسطع سطوع النجم قبل الأفول. رحمه الله رحمة واسعة فقد سطع سطوع ملايين الأنجم في حفلته الأخيرة قبل أفوله. ويا حزننا على عشرات الألحان التي لم نسمعها منه وغابت معه وإننا من بعده لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Rayah | 02-20-12, 03:37 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Mohamed Yassin Khalifa | 02-20-12, 04:01 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | محمد النيل | 02-20-12, 05:04 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | عاطف عمر | 02-20-12, 04:42 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Hisham Ibrahim | 02-20-12, 07:57 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | ابو جهينة | 02-20-12, 08:55 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | munswor almophtah | 02-20-12, 12:01 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | munswor almophtah | 02-20-12, 12:40 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | محمد على حسن | 02-20-12, 01:02 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | الفاضل يسن عثمان | 02-20-12, 01:18 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | الفاضل يسن عثمان | 02-20-12, 01:20 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Rayah | 02-20-12, 03:46 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | محمد على حسن | 02-20-12, 04:15 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | نورالدين الفحل | 02-20-12, 06:11 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | عمر سعد | 02-20-12, 09:31 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | حسن طه محمد | 02-21-12, 06:18 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | بابكر عثمان مكي | 02-21-12, 07:28 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | هيثم التوم | 02-21-12, 07:32 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Azhari Nurelhuda | 02-21-12, 10:22 AM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | حسن التوم | 02-21-12, 01:15 PM |
Re: الزهور والوردي شتلوها جوه وردي د. محمد عبدالله الريّح | Rayah | 02-22-12, 05:55 AM |
|
|
|