|
|
 الصين ولعبة القاتل الاقتصادي المحترف
|
في عام 2004 ، اصدر جون بيركنز الخبير الاقتصادي في شركة مين الاستشارية العملاقة، والمفاوض الرئيسي لصالح البنك الدولي، والمعونة الامريكية، وبنك تنمية آسيا في عدد كبير من الدول منها الاكوادور وبنما واندونيسيا والمملكة العربية السعودية، أصدر كتابا بعنوان "اعترافات قاتل إقتصادي محترف" Confessions of an Economic Hit Man يحكي بيركنز في الكتاب قصة حياته، وكيف أنه كان يعمل لصالح وكالة الامن القومي الامريكية في الخفاء وذلك لتنفيذ خطة استراتيجية معينة، وهي بناء امبراطورية عالمية تقودها امريكا، مهمة بيركنز كانت تتخلص في اغراق الدول في الديون، عن طريق تمويل مشروعات قليلة الجدوى الاقتصادية، ثم تستخدم تلك الديون في ابتزاز الدول ونهب المواد الخام منها وبالذات النفط، جون بيركنز كان يقوم بعمل التنبؤات الاقتصادية ضمن فريق يضع Master Plan لاقتصاد الدولة، هذه الخطة الهدف الخفي منها هو وضع الدولة تحت السيطرة وإبعادها عن المعسكر الشيوعي، كانت المشروعات المفضلة لهم هي مشروعات السدود، لانها غالبا ما تكون قليلة الجدوى وستفشل الدولة بالتأكيد في تسديد قيمة القرض وبتالي يتم إبتلاعها.
حكى بيركنز كيف قام هو وفريقه بإفقار امم بحالها، دون ينتقل المال الي خارج الولايات المتحدة، حيث ان التمويل امريكي والشركات المنفذة تكون امريكية، وكانوا فقط يكتفون بتحويل المال من مكتب الى مكتب تحت اشراف وكالة الامن القومي، اما اموال العمال والمصروفات التي تتكبدها الشركات في الدول المستهدفة، فقد كانت تساهم بها الدولة المستهدفة نفسها تحت بند ما يسمى بالمكون المحلي.
قبل اقل من شهرين، وخلال جولات "تحمير العيون" المتبادلة بين الجنوب والشمال، قرر الشمال ايقاف تصدير نفط الجنوب عبر موانيه، وبعد اقل من 24 ساعة جاء رد الفعل الصيني عنيفا للغاية لدرجة حيرت الشمال، وسارع في تجنب الغضب الصيني عن طريق فتح موانيه سريعا للتصدير، وقبل اقل من اسبوع، قرر الجنوب ايقاف ضخ النفط عبر الشمال، وشرع فعلا في اجراءات اغلاق مربع 5A ولكن لم يأتي رد الفعل الصيني بذات الحدة، بل كان خجولا جدا ولم يتعدى البيان الصيني حد المجاملات الدبلوماسية مثل "يجب على الطرفان العودة الي التفاوض والوصول الي حل عادل" والكثير من الهراء الدبلوماسي دون ان يكون هناك غضب حقيقي من قرار الجنوب وقف الانتاج. ما السبب يا ترى؟
التفسير عند بيركنز، الصين تلعب لعبة القناص الاقتصادي مع الدول الافريقية، السودان الشمالي تمت اصابته بالفعل والدور الان على السودان الجنوبي.
بلغت اجمالي القروض المقدمة للسودان من الصين لسد مروي وحده مبلغ يقترب من مليار دولار، حيث ساهمت الصين في جسم السد بحوالي 608 مليون دولار وبقية القرض للاعمال الهايدروميكانيكية والخطوط الناقلة والمشروعات الزراعية، هناك شبه اجماع بين الخبراء السودانيين في مجال السدود على ان سد مروي قليل الفائدة، وتوجد الكثير من الكتابات لخبراء لهم وزنهم على ان الطريقة التي انشئ بها السد ليست هي الطريقة المثلى، هذا غير الكارثة الانسانية التي حاقت بالمناصير وهي كارثة لايوجد ثمن في الدنيا يمكن تقديره بها، فالامر متعلق بالانسان.
السودان غارق في الدين الصيني حتى اذنيه، ولايوجد في الافق امل في تسديد تلك الديون، وحقيقة فإن اهتمام الصين الاساسي ليس تسديد الديون التي لا تمثل شيئا بالنسبة لحجم ديون الصين الخارجية على الدول الاخرى، إضافة لان الصين تملك اضخم احتياطي للعملات الاجنبية يبلغ حوالي 303 مليار دولار، وعمليا الصين لايوجد عندها ما تفعله بهذا الاحتياطي الضخم سوى اقراض الدول الاخرى، اهتمام الصين الاساسي هو في السيطرة على هذه الرقعة الغنية بالمواد الخام المسماة السودان، فآلة التصنيع الصينية العملاقة تلتهم المواد الخام بشراهة لا تحدها حدود، لذا فإن حسم صراع السيطرة على مصادر المواد الخام لصالحها، وإبقاء الدول في حالة تخلف صناعي دائم هو هدف استراتيجي للصين يتناغم مع مصالحها على المدى البعيد.
قرار الجنوب وقف الانتاج يمثل فرصة حقيقية للصين للقيام بعملية قنص اقتصادي، فالولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي ليس لديها القدرة على اقراض اي كان، وهذه القدرة في عالم اليوم متوفرة لثلاثة دول فقط تملك احتياطيات ضخمة، وهي الصين واليابان وألمانيا، ألمانيا مهتمة اكثر بإنقاذ منطقة اليورو العملية التي قد تستغرق ثلاثة سنوات على الاقل، واليابان تعاني من ركود اقتصادي وربما يدفعها هذا الي التوصل الي اتفاق مع الصين يسمح لشراكاتها بالعمل في خط الانابيب بينما تقوم الصين بتمويله، والصين لديها مصلحة كبيرة في تنشيط الاقتصاد الياباني، وبالفعل حملت وسائل الاعلام انباء عن مفاوضات بين حكومة الجنوب وشركة تايوتا اليابانية لتصنيع الخط، وغالبا ما سنسمع قريبا عن قرض صيني لتمويل انشاء الخط، وربما تكون المفاوضات قد بدأت بالفعل.
الصين طبعا ليست ملامة في كل ما تفعله، فإذا كان الاخرون اغبياء وحمقى "ويقنطرون" انفسهم للسرقة والنهب، فما ذنبها هي؟
|
|
 
|
|
|
|
Shihab Karrar
قيقراوي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست