وداعا جاك دريدا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 01:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الشاعر اسامة الخواض(osama elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-16-2004, 03:04 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20169

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملف الاسلام والحداثة-مفاهيم الحداثة في رأي المفكر السيد محمد باقر الصدر (Re: osama elkhawad)


    أزمة القيم والحل البديل
    مفاهيم الحداثة في رأي المفكر السيد محمد باقر الصدر

    تبنى الصدر بعض مبادئ الحداثة كالعقلانية والحرية والتقدم لا كمبادئ الحداثة بمفهومها الغربي، بل كمبادئ تعبر عن أبعاد خلافة الانسان في علاقتها مع حركة التاريخ. إنّ الفكر الإسلامي ـ في نظر الصدر ـ لا يرفض هذه المبادئ في حد ذاتها بل يرفضها، لأنها اتخذت معنى خاصاً من جراء انفصالها عن الله، فهي تتخذ صورة أخرى ومعنى جديداً لما يتم ربطها بالغيب. فالاسلام لا يرفض التقدم، بل مفهوم التقدم في الرؤية الاسلامية أقوى وأوسع من مفهوم التقدم في الرؤية الغربية، التقدم في الفلسفة الغربية هو مفهوم صاغه العقل، أو يتصوره الإنسان المحدود بنسبيته المادية والمكانية والزمانية في حين أنّ مفهوم التقدم في الرؤية الإسلامية وكلّ المفاهيم الأخرى كالعقلانية والحرية وغيرهما هي مفاهيم وقيم لا تستطيع الرؤية الغربية إلى الإنسان والتاريخ أن تتحملها، لأنها رؤية ضيقة، ولأن هذه المبادئ والقيم تنتج عن محاولة الإنسان التخلق بصفات الله وأسمائه.
    غلطة المحدثين

    وهكذا فالمسألة ـ في فلسفة الصدر ـ ليست مسألة رفض الحداثة أو تحديث الاسلام كما يرى المحدثون في العالم الاسلامي، بل المسألة مسألة رد قيم الحداثة إلى حجمها، أي ردّها إلى الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أنتجتها، والنظر إلى القيم ومفاهيم الحداثة حسب متطلبات الاسلام. ومن هنا يرى الصدر بأنّ المحدثين في العالم الاسلامي الذين يقولون بتحديث الاسلام قد ارتكبوا خطأً شرعياً ومنهجياً في نفس الوقت.
    الخطأ الشرعي: نظروا الى الحداثة كحقيقة مطلقة بدلا من الشريعة التي اعتبروها كمجرّد حقيقة نسبية.
    الخطأ المنهجي: وظّفت السلطات في العالم الاسلامي الدين لتدعيم مواقفها القبْلية في المجال السياسي والاجتماعي، فلجأت إلى التوفيق بين الاشتراكية والاسلام وبين القومية والاسلام وبين الاشتراكية والقومية لكي تتقبل الشعوب الاسلامية هذه المفاهيم الغربية (الاشتراكية والقومية وغيرهما) التي أريد لها أن تطبق في أرضيه غير أرضيتها لكن هذه العملية فشلت، فنماذج التنمية قد فشلت والعلاقة بين السلطة والشعب في العالم الاسلامي هي علاقة صراع وتنافر، هذه العملية ليست عملية توفيق بين الفكر الغربي والإسلام بل هي مجرد تلفيق في نظر الصدر.

    الحداثة موقف غربي من الكنيسة

    لقد حلل الصدر الحداثة في الفكر الغربي تحليلا علمياً أي حللها من خلال أسسها التاريخية، وبيَّن بأنّ أكثر جوانبها هي جوانب خاصة بالتاريخ الغربي، لقد ظهرت الحداثة في الغرب كتمرّد ضد الماضي وضد القيم المرتبطة بالكنيسة. يقول المفكر الاجتماعي ألان تورين (A. Touraine):
    " لقد نظر الغرب إلى الحداثة وعاشها كثورة، أصبح العقل لا يعترف بأي شي بصورة مسبقة سواء في ميدان العقيده أو في ميدان التنظيم الاجتماعي والسياسي ما لم يكن قائماً على أدلة علمية. فمن العناصر الجوهرية لإيديولوجية الحداثة أنّ المجتمع هو مصدر القيم وأنّ الخير هو ما ينفع المجتمع، والشر هو ما يضر بوحدة المجتمع."

    عيوب الحداثة

    انتقد الصدر البعد المادي للحداثة، وما ينتج عنه من سعي وراء المنفعة واستغلال للشعوب... لقد كانت الحداثة في بداية ظهورها ثورة محرّرة للإنسان إلا أنها ـ في نظر الصدر ـ وبدلا من أن ترتبط بالجانب الروحي الذي تصبح بفضله مفتوحة على المطلق، بدلا من ذلك ألهّت الحداثة الانسان والواقع، فلا مرجعية خارج الانسان وخارج الواقع. فالقيم كلّها تستمد وجودها من الانسان ومن الواقع، لذلك أصبحت المنفعة هي الغاية القصوى، كما أصبح الانتاج والاستهلاك غاية تطلب لذاتها، وأصبح التقدم ـ في سياق هذا البعد المادي ـ هو معنى الوجود والقيمة القصوى والمثل الأعلى في نظر الصدر، فالإنسان أصبح لعبة في يد حركة التاريخ التي تتمحور حول البعد المادي المتمثل في الانتاج والاستهلاك، فالانسان بدلا من توجيه حركة التاريخ نحو أهداف أخلاقية وإنسانية أصبح فريسة لهذه الحركة، فهي التي توجهه حسب منطقها الذي أنتج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، كما أنتج منطق حركة التاريخ المنقطع عن الله استغلال الغرب للشعوب المستضعفة.

    الحداثة صورة منحرفة عن حركة التأريخ

    يرى الصدر أنّ علاج الأزمة يكمن في تحويل الانسان من فريسة لحركة التاريخ إلى موّجه لحركة التاريخ عن طريق ربط الانسان بالقيم الأخلاقية ذات المصدر الإلهي، ومن هنا فالحداثة ليست لها ـ في نظر الصدر ـ صورة واحدة حتى تشكل مرحلة تاريخية حتمية يجب أن تتجه نحوها كلّ الشعوب، فالحداثة كما تحققت في الغرب هي مجرد صورة من صور حركات التاريخ الممكنة، إنها تمثل الصورة المنحرفة لحركة التاريخ، لذلك يجب التمييز ـ في نظر الصدر ـ بين الحداثة كتقدم وبين التغريب، أي تقليد الحضارة الغربية بصورة آلية دون إعادة النظر في أسس وقيم هذه الحضارة، فالعقلانية والحرية والعدالة واحترام إنسانية الانسان ليست قيماً غربية، بل هي قيم كونية تستمد وجودها من تطلع الانسان عبر التاريخ إلى الكمال، وهكذا فالغرب قد أعطى للحداثة صورة خاصة انتهت إلى أزمة حضارية شاملة، ويمكن لحضارة أخرى أن تعطي صورة أخرى واتجاهاً آخر للحداثة وللتقدم. والاسلام هو البديل الوحيد في هذا المجال في نظر الصدر.

    احساس الغرب بالحاجة للأخلاق وعجزه عن الحل

    يقول ألان تورين:
    إن حركة التاريخ جعلت من هذا العصر عصر طرح التساؤلات عن الأساس الأخلاقي للمشاكل الناجمة عن التقدم المنفصل عن القيم الروحية. لقد بدأ الفكر الغربي يتساءل عن معنى التقدم ومعنى الحياة نتيجة للأزمات الاجتماعية الملازمة لأزمة الحضارة المعاصرة. فكثير من المفكرين الغربيين يرون أن رجوع الفكر الغربي إلى الأخلاق أصبح مسألة حياة أو موت: خطر الاسلحة النووية والكيمياوية، التلوث... الخ هذه المظاهر كلها تدفع بالبشرية نحو الفناء، لذلك أصبح تقييم التقدم حالة ضرورية بالنسبة للمفكرين في الغرب.
    إلا أن هذا اللجوء إلى الأخلاق لا يكفي لحل الأزمة في نظر الصدر، فالفلسفة الأخلاقية في الغرب هي بدورها انعكاس لأزمة الحضارة. وهنا يطرح الصدر مشكلة مصدر القيم الضرورية لتجاوز الأزمة الشاملة للحضارة الغربية، فالفلسفة الأخلاقية والاجتماعية التي يسعى الغرب عن طريقها لحلّ الأزمة هي فلسفة تفصل الأخلاق عن التعالي، ولذلك فكونية هذه القيم التي تطرحها الفلسفة الغربية هي كونية مزيفة، والقيم والمفاهيم التي تطرحها هذه الفلسفة هي في كثير من جوانبها مجرّد انعكاس للأزمة، يقول الصدر محللا تحليلا نقدياً لاتجاهات الفكر الغربي: " إنّ كلّ هذه الاتجاهات ذات الطابع العلمي أو الفلسفي هي قبل كلّ شي تعبير عن واقع نفسي عام، وشعور حاد لدى إنسان الحضارة الحديثة بالصراع ".

    علم الاجتماع لا يملك الحل

    هذه الأسئلة أصبحت موضوعاً لعلم الاجتماع، وهو علم يدرس الواقع كما هو. التفكير الوضعي أصبح مجرّد انعكاس للواقع، ولا يطرح مشكلة مصير الإنسانية في كل أبعادها، فمشكلة المصير عندما تطرح فهي لا تتعدى المصير الدنيوي. لقد انتقد نتيشه بصورة جذرية الفكر الغربي خاصة القيم الأخلاقية، وتساءل عن مصير الانسان عن غاية الحياة الإنسانية، ولكنه بسبب انقطاع فلسفته عن الغيب، بقي منحصراً ضمن معطيات الفكر الغربي، فالمثل الأعلى الذي تصوره نيتشه هو الانسان الأعلى، وليس هذا المثل الأعلى إلا رد فعل للأخلاق المسيحية كما تجسدت في الكنيسة، فنيتشه أعاد النظر في القيم الأخلاقية، ولكنه انتهى إلى قيم وكأنها ليست قيماً، انتهى إلى قيم ضد القيم.

    الحل لا يؤخذ من الواقع

    إنّ الواقع كما يتجلّى في الفلسفة الغربية من حيث هي انعكاس للظروف، إنّ هذا الواقع لا يستطيع ـ في نظر الصدر ـ أن يقدم الحلّ لأزمة القيم، فالواقع فاسد والادوات الفكرية التي تستمد منه ستكون غير صالحة هي الأخرى، فالفلسفة الغربية اصطدمت بالعجز نتيجة لواقعيتها هذه، وهذا لا يعني أنّ الواقعية في حدّ ذاتها غير صالحة، ولها نتائج سلبية في مجال التنظير الأخلاقي والاجتماعي، إنّ النقص لا يكمن في الواقعية بل في صورة الموقف من الواقع، فالمذاهب الأخلاقية كالنفعية والبرجماتية بدلا من الانطلاق من الواقع لتغييره، حجزت القيم الأخلاقية داخل هذا الواقع، وهذا تناقض، لأنّ الواقع يعبر عمّا هو كائن، في حين أن القيم الأخلاقية تعبر عمّا يجب أن يكون، فما هو كائن لا يمكن أن يصبح معياراً لما يجب أن يكون، فالواقع لا يمكن أن يكون مصدراً للقيم الأخلاقية، والعقل كذلك عاجز عن صياغة حل لأزمة القيم في نظر الصدر، فالعقل بالمفهوم الغربي هو عقل منقطع عن الميتافزيقيا، فليست له أبعاد مستقبلية، وليست له إمكانيات تُمكنه من تجاوز ماهو معطى لصياغة رؤية مستقبلية تُمكن الانسانية من تجاوز أزمة القيم في الحضارة المعاصرة.

    نظرة الصدر الى العقل

    إنّ هذه النظرة إلى العقل التي طرحها الصدر لم تنته إلى ما انتهى إليه الفكر الغربي عندما انتقد العقل وانتقد القيم وانتقد الدين. فكانت النتيجة مأساوية: زوال الانسان كنتيجة ملازمة للرؤية الوضعية، التي تنفي وجود الله وتنفي بالتالي وجود الانسان كخليفة لله في الأرض. فالنقد عند الصدر لا يعني نفي العقل أو رفض العقلانية بل يعني إدماج العقل في الرؤية الشمولية إلى الإنسان من حيث هو وحدة مادية وروحية وذاتية واجتماعية، لذلك يرى الصدر بأنّه لا يمكن للفلسفة وحدها أن تجد علاجاً لازمة القيم، فالفلسفة مهما كانت قوتها ومهما كان تماسكها المنطقي فهي من إنتاج العقل المرتبط بالظروف الزمانية والمكانية، فحتى الفلسفات التي لا تنكر ما يتجاوز العقل فإنها تبقى مجرّد فلسفة صاغها الانسان، فالفلسفة ظاهرة اجتماعية وثقافية وليست وحياً، فهي لا تتمتع بالعصمة أو بقوة تُمكنها من التعالي على الأوضاع النفسية والاجتماعية والفكرية والتاريخية التي ساهمت في نشوئها، فلا يمكن للفلسفة وحدها أن تغير وضعية الانسانية في عصر معين خاصة في مرحلة تاريخية مثل المرحلة الراهنة وما تتميز به من أزمة حادة وخطيرة في مجال القيم وفي المجال الاجتماعي والحضاري، فالأزمة الحضارية والقيمية الراهنة يتمثل علاجها في مستوى يتجاوز مجرد عملية التفلسف كما تتمّ في الفلسفة الوضعية والمادية، فعلاج الأزمة يحتاج إلى قيم متعالية وإلى رؤية فلسفية ترتكز على قيم ومبادئ ومفاهيم متعالية، أي علاج الأزمة يحتاج إلى فلسفة لا تتم في إطار التوفيق بين الدين والفلسفة على حساب إطلاقية الدين وتعالي مصدره، فالعلاج يحتاج إلى فلسفة تستمد رؤيتها من الدين بصورة تعبدية واجتهادية، وهذا ما حاول الصدر تقديمه لا كمجرّد فيلسوف فحسب، بل كمجتهد فلسف عملية الاجتهاد وصاغ لها منهجاً للتعامل مع الواقع المتحرك.
    هذا المنهج ـ بدوره ـ ليس من إنتاج العقل وحده، فإطاره العام مستمد من الشريعة، لذلك فهو يملك بعد النظر الذي يُمكنه من معالجة أزمة القيم وأزمة الحضارة.
    فالفلسفة الاجتهادية التي صاغها الصدر هي فلسفة متحررة إلى درجة كبيرة من العوامل الذاتية ومن ثقل الواقع. هذا في إطارها العام على الأقل وهو إطار تستمده من الدين لا من العقل وحده أو من العوامل الاجتماعية والتاريخية.

    أزمة الحضارة الغربية

    إنّ أزمة الحضارة الغربية في هذه المرحلة الأخيرة من القرن العشرين ليست كسائر الأزمات التي تتطلب حلولا جزئية في نظر الصدر، فالأزمة شاملة وهي ناتجة عن أزمة المرجعية في الأساس: المرجعية في الميدان المعرفي، الذي تعتمد عليه العلوم الاجتماعية في الغرب والمرجعية في الميدان الأخلاقي، فالحضارة الغربية مدفوعة ـ في نظر الصدر ـ في صيرورة عمياء غابت فيها كلّ القيم المنظمة لحركة التاريخ.

    إنّ هذه الأزمة الشاملة هي أزمة الانسان، وليست مجرّد أزمة اقتصادية أو ثقافية. وقد حلل الصدر هذه الأفكار السابقة في كلّ كتاباته حيث نظر إلى المشكلة الاجتماعية والأخلاقية خارج الإطار السوسيولوجي الوضعي الضيق، واعتبرها كامتداد ونتيجة لأزمة الانسان الذي فقد معنى وجوده. فالحضارة الغربية أصبحت ـ في نظر الصدر ـ بدون أفق مستقبلي يمكّنها من طرح مشروع اجتماعي قادر على أنّ يعيد للإنسان إنسانيته، وهذا راجع إلى أنّ هذه الحضارة دخلت في مرحلة تأريخية يصفها الصدر
    " بالمثل العليا التكرارية " بسبب انقطاعها عن الغيب، أي انقطاعها عن المثل الأعلى الحقيقي، لذلك انتهت الفلسفة الغربية إلى نهاية الفلسفة ونهاية التاريخ ونهاية الانسان.

    لا شك أنّ هذه المفاهيم تؤولها الفلسفة الغربية (ماركس، هيجل، فوكوياما) انطلاقاً من اعتبار الحضارة الغربية حضارة كونية، ونموذجها الفكري والسياسي نموذجاً كونياً لا يمكن أن يتجاوزه أي نموذج آخر، في حين أنّ الصدر ينظر إلى مفهوم النهاية كنهاية لنموذجية الحضارة الغربية، التي نفدت طاقاتها، لأنّها ارتبطت بمثل عليا نسبية كالجمهورية والقومية والشيوعية إلى غير ذلك من الأهداف التي يتصورها الانسان، ويعتبرها بديلا عن المطلق الحقيقي، لذلك تاهت الحضارة الغربية ـ في نظر الصدر ـ في الجزئيات وفي النظرة التجزيئية، التي فتتت وحدة الانسان. فالسياسة المنقطعة عن القيم الدينية والأخلاقية أصبحت محددة في الإطار الضيق للسلطة والحكومة والمواطن. في حين أنّ السياسة في فلسفة الصدر تدمج في حركة البشرية عبر التاريخ، أي تدمج في أُفق مصير الانسان وتطلعه إلى الله.
    وقد تحققت توقعات الصدر في واقع الحياة الغربية، فالصدر يرى أنّ الانسان مدفوع بفطرته إلى الارتباط بمثل أعلى حقيقي أو مزيف، وهذا ما وقع وما يقع في هذه السنوات في الغرب حيث إنّ الغربيين بدأوا يلجأون الى النزعات الروحية الشرقية كالبوذية وغيرها لإشباع تطلعهم إلى المطلق، وتعتبر هذه الظاهرة تأكيداً لفلسفة الصدر، فالإنسان يسعى ـ في نظر الصدر ـ إلى إعطاء معنى لوجوده، فلجوء المجتمعات الغربية إلى النزعات الروحية هو إرضاء لتساؤل الإنسان حول معنى الوجود.

    ويرى الصدر في هذا السياق أنّ النزعة الانسانية (Humanisme) التي حرّرت الانسان من ظلمات القرون الوسطى وفتحت أمامه مجالا واسعاً للأخوة الانسانية، إن هذه النزعة الانسانية كانت منذ البداية تحمل في ذاتها أسباب أزمتها، لأنّها لم تكن مؤسسة على أساس يعطيها معنى. إنّ أزمة النزعة الانسانية تعبر ـ في نظر الصدر ـ عن أزمة الرؤية إلى الانسان ودوره في الوجود، فالأزمة هي أزمة الإنسانية التي سلمت نفسها ومصيرها لحركة التاريخ.

    الحل موجود خارج الانسان وخارج التأريخ

    إنّ أزمة الإنسان تتطلب ـ في نظر الصدر ـ حلاًّ يستمد أساسه المعرفي والأخلاقي خارج الانسان وخارج التاريخ، فالدين هو الذي يحلّ المشكلة الاجتماعية والأخلاقية، التي تتخبط فيها البشرية في نظر الصدر، فالبشرية عجزت عن إيجاد الحل، فهي تنتقل في المجالين النظري والعملي من أزمة الرأسمالية إلى أزمة الاشتراكية الماركسية، إلى أزمة النزعة العلمية والنزعة الإنسانية إلى أزمة الكنيسة، التي جعلت من المسيحية ديناً كونياً، في حين أنها جاءت لتعالج وضعية معينة في مرحلة تاريخية معينة وفي مكان معين.

    ويرى الصدر أنّ الأزمة التي تعاني منها الحضارة الغربية هي أكبر وأخطر أزمة في تاريخ البشرية، والأخطر من ذلك أنّ الحلول التي قُدمت لهذه الأزمة هي مجرّد انعكاس لها، فالتغيير الجذري مستحيل في نظر الصدر، لأنّه لا يمكن عن طريق مثل عليا تكرارية.

    أن تتصور الفلسفة الغربية واقعاً آخر غير الواقع القائم، فضعف الفلسفة الغربية المعاصرة يكمن ـ في نظر الصدر ـ في عجزها عن استيعاب الواقع، فهي انطلاقاً من أساسها المعرفي مجرّد انعكاس للواقع وللتاريخ، لذلك لا يمكن لهذه الفلسفة أن توجه التاريخ.
    ويطرح الصدر في هذا السياق نظرية المعرفة التي تتمتع بالقوة الاستيعابية، والتي تسمح لها بتوجيه التاريخ، وهي نظرية للمعرفة تربط العقل بالغيب، لا من موقع لاهوتي بمفهوم النظرية اللاهوتية، بل من موقع انفتاح العقل على المطلق، كما أنّ نظرية المعرفة عند الصدر تعتمد على المبادئ والمفاهيم الدينية كأدوات استكشافية توجه العقل في تنظيره للحياة الاجتماعية.

    لقد قلب الصدر نظرية ماركس رأساً على عقب عندما ركز كلّ التغيرات الاجتماعية على معنى الوجود. فإذا كانت الماركسية ترى بأنه يجب تغيير العالم بدلا من تفسيره، فالصدر يرى بأنّ تغيير العالم ملازم لمعنى الوجود، أي يجب إعطاء معنى للعالم لنتمكن من تغييره، ومعنى الوجود هنا له جوانب معرفية وميتافزيقية وأخلاقية، فتغيير العالم من هذا المنظور هو جانب أساسي من جوانب معنى الوجود.

    وهكذا ففكرة تغيير العالم في حاجة إلى قيم أخلاقية تستمد منها عملية التغيير معناها وإلزاميتها، ويعتبر هذا الموقف إعادة نظر جذرية للعلوم الاجتماعية ولمفهوم التقدم ومفهوم التنمية كما طرحت في الفكر الغربي، وإعادة النظر هذه ليست ـ في نظر الصدر ـ مجرّد ترف فكري، فالبشرية أصبحت في مفترق الطرق، ومصيرها أصبح معلقاً بإعادة النظر ـ بصورة جذرية ـ في رؤيتها إلى الانسان والمجتمع والتاريخ.
                  

العنوان الكاتب Date
وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 02:45 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:20 PM
    Re: وداعا جاك دريدا سجيمان10-09-04, 03:26 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:23 PM
  Re: وداعا جاك دريدا Nagat Mohamed Ali10-09-04, 03:48 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:49 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 03:55 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 04:00 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-09-04, 04:04 PM
    Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 06:39 AM
      Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 06:50 AM
        Re: وداعا جاك دريدا AttaAli10-10-04, 07:14 AM
          Re: وداعا جاك دريدا Sinnary10-10-04, 08:27 AM
        Re: وداعا جاك دريدا عشة بت فاطنة10-10-04, 10:35 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:44 PM
  صبحي حديدي:بين جاك دريدا وتفكيك الزرقاوي osama elkhawad10-11-04, 03:47 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:53 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 03:56 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:01 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:03 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:06 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:07 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:10 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:14 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:17 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:19 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:27 PM
    Re: وداعا جاك دريدا Abomihyar10-11-04, 04:33 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:37 PM
  جاك دريدا:الدين في عالمنا osama elkhawad10-11-04, 04:40 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 04:47 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 05:00 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-11-04, 05:03 PM
  وداعا جاك دريدا ومفهوم "المغفرة" osama elkhawad10-11-04, 05:08 PM
  نظريات التلقي وتحليل الخطاب ومابعد الحداثة osama elkhawad10-11-04, 05:17 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:07 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:09 AM
  محاولة لمقاربة ابن عربي في ضوء ما بعد الحداثة osama elkhawad10-12-04, 09:16 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-12-04, 09:28 AM
    Re: وداعا جاك دريدا malamih10-12-04, 11:18 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-13-04, 08:12 AM
    Re: وداعا جاك دريدا Safa Fagiri10-13-04, 08:53 AM
  وجهة نظر اسلامية حول المعرفة في سياق الحداثة osama elkhawad10-13-04, 10:52 AM
  وجهة نظر اسلامية حول ما بعد الحداثة-نقلا عن "اسلامأونلاين" osama elkhawad10-13-04, 10:58 AM
    Re: وجهة نظر اسلامية حول ما بعد الحداثة-نقلا عن "اسلامأونلاين" تراث10-13-04, 01:29 PM
  عن هابرماس بالعربية osama elkhawad10-13-04, 05:42 PM
  من الحداثة وخطابها السياسي لهابرماس-تحدي الاصولية osama elkhawad10-13-04, 05:55 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 05:58 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:00 AM
  هابرماس ومفهوم التواصل osama elkhawad10-14-04, 06:04 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:17 AM
  هابرماس وبوش osama elkhawad10-14-04, 06:20 AM
  Re: وداعا جاك دريدا Yasir Elsharif10-14-04, 06:29 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:35 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:38 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:43 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:45 AM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 06:48 AM
  محاضرة لهايدجر osama elkhawad10-14-04, 07:04 AM
  Re: وداعا جاك دريدا abdalla BABIKER10-14-04, 08:10 AM
  رمضان كريم يا عبدالله osama elkhawad10-14-04, 12:00 PM
  مقالة كانط حول الانوار osama elkhawad10-14-04, 12:04 PM
  فوكو يقارب سؤال "ما هي الأنوار" osama elkhawad10-14-04, 12:08 PM
  هايدجر والاختلاف osama elkhawad10-14-04, 12:21 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:26 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:38 PM
  هابرماس يجيب عن سؤال "ما هو الارهاب؟" osama elkhawad10-14-04, 12:51 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 12:56 PM
  اكاديمي عربي يحكي عن علاقته بأفكار دريدا osama elkhawad10-14-04, 01:02 PM
  دريدا ونقد الميتافيزيقا الغربية osama elkhawad10-14-04, 01:14 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 03:16 PM
  حقل فوكو "الجزء الاول" osama elkhawad10-14-04, 03:20 PM
  حقل فوكو "الجزء الثاني" osama elkhawad10-14-04, 03:49 PM
  عرض للكتاب الذي سرق منه "الفيا" osama elkhawad10-14-04, 03:58 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-14-04, 10:55 PM
  المسرح العربي بين الحداثة وما بعدها osama elkhawad10-15-04, 08:36 AM
  الحداثة المنقوصة لهشام جعيط osama elkhawad10-15-04, 08:39 AM
  الحداثة والأزمنة العربية الحديثة osama elkhawad10-15-04, 08:42 AM
  الخلط بين الحداثة و التجدد osama elkhawad10-15-04, 08:46 AM
  رأي اسلامي:الحداثة باعتبارها فتنة وباطلا osama elkhawad10-15-04, 08:53 AM
  حوار مع المغربي بلقريز يتحدث فيه عن الحداثة والتحديث osama elkhawad10-15-04, 08:58 AM
  اعلان موت الحداثة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ osama elkhawad10-15-04, 09:05 AM
  الأسرة" بين الحداثة الغربية.. والرؤية الإسلامية..(1) osama elkhawad10-15-04, 09:10 AM
  الأسرة" بين الحداثة الغربية.. والرؤية الإسلامية...(2 osama elkhawad10-15-04, 09:13 AM
  الحداثة والتباين والغربنة osama elkhawad10-15-04, 02:11 PM
  تناقضات الحداثة العربية و تعريفاتها المختلفة osama elkhawad10-15-04, 02:16 PM
  Re: وداعا جاك دريدا osama elkhawad10-15-04, 04:59 PM
  رأي اسلامي:سقوط الحداثة osama elkhawad10-15-04, 05:12 PM
  رأي اسلامي حول الحداثة osama elkhawad10-15-04, 05:31 PM
  في نقد الحداثة الكومبرادورية- محسين الدموس (*) osama elkhawad10-15-04, 05:41 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الأول osama elkhawad10-15-04, 05:53 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الثاني osama elkhawad10-15-04, 05:59 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّا-الجزء الثالث osama elkhawad10-15-04, 06:09 PM
  الحداثة الإسلامية وتجديد الخطاب الديني ذاتيًّاالجزء الرابع والأخير osama elkhawad10-15-04, 06:15 PM
  رأي اسلامي يرفض العولمة ويربطها بالحداثة وما بعدها osama elkhawad10-15-04, 06:23 PM
  الإسلام في مواجهة الحداثة الشاملة osama elkhawad10-15-04, 07:57 PM
  صبيانية الحداثة وعبثها وربطها بالفساد والجنس والمخدرات osama elkhawad10-15-04, 08:04 PM
  راي حول وجود نماذج للحداثة غير النموذج الغربي osama elkhawad10-15-04, 08:20 PM
  رؤية توفيقية للعلاقة بين الاسلام والحداثةمن كاتب ايراني osama elkhawad10-15-04, 08:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de