إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 01:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سناء جعفر(sanaa gaffer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2008, 03:56 PM

Maawya Hussein
<aMaawya Hussein
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 10136

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} (Re: Maawya Hussein)

    الفصل التاسع



    جلست " حبيبة " في ركن منعزل من الصيوان الكبير وهي تراقب الحفل بشرود ..كانت ترتدي ثوباً فاخراً ساعدتها نعمات في اختياره .. يداها مليئتان بالحلى الذهبية .. هيئتها ترفل في النعمة وتدل على الثراء ...بينما ارتسمت على ملامحها سمات الفقر ... والجوع ... كان التناقض الذي يلفها واضحاً وملفتاً ... ابتسمت بغموض عندما وقعت عيناها على " فاطمة " ابنتها البكر ذات السبع عشرة ربيعاً وهي ترقص بحماس وسط الدائرة التي تحيط بالعروس ... بدت جميلة بسمرتها الابنوسية وجسدها المخملي اللامع وقد تضارب لونه مع لون فستان الساتان الزهري .. تحايلت على شعرها القصير بتسريحة مبتكرة احاطت بوجهها الجميل الذي مثل ميراثها الوحيد من والدها ... اما هي فقد اورثتها لونها الداكن وشعرها الاكرت وقوامها الممشوق .. وروحها المشبعة بعقدة الدونية ...
    دارت عينا حبيبة وهي تبحث عن زوجها الذي وطنت نفسها على تقبله بكل ما فيه من عيوب .. اصيبت بخيبة امل عندما لم تجده وسط الحشود .. وانبأها حدسها بمكانه ... شعرت بغصة تسد حلقها كأن شيئا ما يخنقها .. رفعت يدها الى عنقها وهي تحاول ان تتلمس مجرى الهواء فتصادمت اساورها واصدرت رنينا لفت انتباه بعض النسوة الجالسات على مقربة منها ... نظرن اليها بحقد وتقاربت رؤسهن فعلمت انها ستكون مثار الحديث بين اقارب زوجها اللائي يبغضنها بمجاهرة مستفزة .. لم تعد تشعر بالراحة في مكانها المنعزل فهبت واقفة وبدات تسير على عجل محاولة تفادي المرور بهن وبرغم ذلك سمعت الجملة التي تعمدت احداهن قولها بصوت عال حتى تصل اليها ...

    - والله الدنيا دي غريبة جد ... عليكم الله عاينوا التوب وكمية الدهب اللابساهم ؟؟!! ... متضّرعة بيهم زي التقول جايباهم من بيت ابوها ... سبحان المعطي الاداها عزّ عمرها ما كانت تحلم بيهو ... مش كان اولى منها واحدة تستاهلوا ؟؟ الا بس دة الزمن الكعب الخلى ولد القبايل المأصّل المفصّل يعرس الفرخة بت الخادم ... الحمد لله الابوهو مات قبل ما يحضر اليوم دة ولا كان مات حسرة عليهو ...
    وتعالت مصمصات الشفاة من بقية الجالسات تعبيرا عن تضامهن مع الكلمات التي كانت تقطر سما زعافا في روح حبيبة ... تجاوزتهن بخطوات مقهورة وقطعت المساحة التي تفصل بقية الحوش عن بيت والديها بعيون غائمة .. اندست خلف سور الاشجار ودفعت الباب الخشبي بنزق ثم دلفت الى الحوش الذي لم تتغير معالمه منذ ان كانت طفلة صغيرة تركض خلف اخويها وابراهيم ... في منتصف الحوش اخذت ثلاث ( عناقريب ) شكل مربع انتزع ضلعه الرابع ... كانت نسمات الهواء تحرك الشراشف الخفيفة برقة فتطير الى اعلى حتى تحجب معالم الجسد النحيل الذي يحتل احدها ثم تهبط الى الاسفل بنعومة لتلامس الارض ... وقفت حبيبة بهدوء وهي تتامل العجوز النائمة بجلدها المجعد وعروقها النافرة ... كان شعرها الاكرت مجدول في ضفائر قصيرة ناصعة البياض بالكاد تصل الى حدود اذنيها ... بدت كالطفلة بيدها التي تحتضن خدها .. طفلة نال منها التعب والمرض والحزن .. همت حبيبة بوضع يدها على راس امها فايقظ صوت تصادم الحلى العينة من نومها الخفيف .. فتحت عينيها لتقعا مباشرة في عيني ابنتها الدامعتين فرفعت راسها بدهشة ...

    - حبيبة !! .. الحفلة خلاص انتهت ؟؟ .. مالك عيونك مدمعة ؟؟ انتي كنتي بتبكي ولا شنو ؟؟ اوعي تكوني اتشاكلتي مع نسيبتك ولا زول من اهلها ؟؟ انا مش وصيتك الناس ديل تبعدي منهم ؟؟

    كانت الكلمات تخرج من فمها الخالي من الاسنان بنغمة غريبة .. بدأ الانزعاج واضحاً في ملامحها الهرمة ... هزت حبيبة راسها وجلست في العنقريب القصير المواجه لامها وهي تخاطبها بحنو ..

    - يمة انتي لسة مصرة تتعبي نفسك وتفرشي التلاتة عناقريب كل يوم ؟؟ .. كفاية عليك تفرشي حقك بس .. ولو كمان رضيتي تجي تقعدي معاي يكون احسن عشان اراعيك اكتر انا طول الوقت قلقانة عليك وانتي قاعدة هنا براك ...
    تحاملت العينة على نفسها ورفعت يدها لتسند بها راسها وهي ترتكز على شقها الايمن وتواجه ابنتها...

    - يا حبيبة عنقريب ابوك دة بيونسني .. وطول ما هو مفروش انا باحس انو ابوك حي ما مات ... تصدقي يا بتي مرات باصحى نص الليل وباعاين جهته وبتخيل لي انو بخيت راقد فيهو بعراقي الدمورية البيحبه داك .. ومرات باسمع طقطقة خشب العنقريب كانو بيتقلب في نومو .. ومرات بيجيني صوت شخيرو .. ابوك ما خلاني يا حبيبة ..كيفن عاوزاني اخليهو واجي عندك ؟؟ .. بعدين انتي وبناتك طول النهار عندي .. البجيني شنو ؟؟ بخيت حارسني .. واخوك حيرجع قريب .. عشان كدة انا مخلية عنقريبو مفروش .. عشان لمن يجي يلقاهو جاهز ..
    اطرقت حبيبة حتى لا ترى امها لمعات دموعها التي تهدد بالسقوط في أي لحظة ... ما زالت العجوز تامل بعودة عبد الرزاق رغم غيابه الذي امتد الى قرابة العشرين عاما بلا خبر او اثر يدل على حياته.. اعتبره الجميع ميتاً الا العينة التي ظلت تردد بعناد ...

    - ولدي حي ما مات .. انا قلبي بيحدثني وبيقول انو حي ... قلب الام ما بيكذب ... حيرجع ... لو طال الزمن ولا قصر حيرجع ..بس الله يديني العمر عشان اشوفه تاني قبل ما اموت ...

    ظل سبب اختفاؤه الغامض سرا لا يعلمه سوى حبيبة ... وابراهيم ... سر اسود قبيح حملته حبيبة كجرح متقيح ينفث سمومه بداخلها كل يوم ...
    استعادت حبيبة ذكرى ليلة شتوية قارسة البرودة ... صوت الريح يعوي بضراوة في الخارج .. تصده الجدران الطينية فيناور ويتسلل من شقوق الابواب والنوافذ الخشبية مشيعاً البرودة في المنزل الصغير محتدياً كومة الفحم التي اشعلتها العينة ووضعتها في ( الكانون ) القصير وغذتها باعواد سميكة من اخشاب الشاف والطلح .. فصمدت الرائحة وانهزمت الجمرات بعد ان تغطت بطبقة كثيفة من الرماد حجب حرارتها .. احتست حبيبة العشرات من كؤوس الشاي الاحمر المخلوط بالقرنفل في محاولة يائسة لمحاربة البرد والنعاس .. لا مجال للنوم فامتحانات سنتها قبل الاخيرة بكلية التربية على الابواب وما زال امامها الكثير لتستذكره .. كانت تجلس في منتصف سريرها محاطة بالكتب والدفاتر بينما تقترب الساعة من الحادية عشر ليلاً... لقد ظلت من المتفوقات منذ ان وطات قدماها ارض الجامعة برغم العوامل المحبطة التي تعيشها .. ارادت الحصول على شهادتها حتى تخرج من اسر الظروف التي تحيط بها ولكي تزرع الفرحة في قلب والديها بعد ان رفض شقيقها الاكبر عبد الستار مواصلة الدراسة وفضل الالتحاق بالجيش ... كانت قد احست بامتلاء مثانتها منذ وقت طويل لكنها تجاهلت الامر حتى تؤجل المشوار الصعب الى دورة المياه في آخر الحوش خوفا من مواجهة البرد والظلام في الخارج ... مع مرور الدقائق اصبح نداء الطبيعة اكثر الحاحاً ولم يعد بامكانها تاجيل المشوار البغيض ... كانت قد سطت على خزانة والدها واستولت على بنطلون قديم ربطته في وسطها تحت الرداء السميك باحدى احزمة عبد الستار .. استعارت جوارب عبد الرزاق المدرسية ودست قدميها في الخف الجلدي ... حملت غطاء سريرها وتدثرت به ثم استجمعت شجاعتها وفتحت الباب المؤدي الى الحوش ...
    كان القمر بدراً ينعكس نوره على قمم الاشجار ويمدد الظلال المتراقصة على عزف الريح المجنون ... اصطكت اسنان حبيبة عندما صفعها الهواء الثلجي فرفعت الغطاء حتى راسها وامسكته بقوة تحت ذقنها وهي تقطع المسافة عدواً ... اضاءت النور الاصفر الشاحب وهي تتمتم بآيات قرآنية في سرها ثم دخلت ... عندما خرجت كانت تلعن نفسها على شرب هذه الكمية الكبيرة من الشاي ... فوجئت بالسكون الغريب لصوت الريح .. اخافها الصمت فبدات تركض رجوعا عندما تناهت الى سمعها صرخة مكتومة متالمة ... بدا لها الصوت شبيها بصوت شقيقها عبد الرزاق ... تجمدت خوفاً وهي تتساءل ان كانت واهمة لان شقيقها خرج برفقة ابراهيم منذ العصر لزيارة بعض الاصدقاء ... فبعد التحاق عبد الستار بالجيش توطدت العلاقة بين ابراهيم وعبد الرزاق بصورة غريبة واصبحا كالجسد وظله لا يفرقهما الا النوم ... كانت اكثر الناس سعادة بهذه العلاقة التي تتيح لها رؤية ابراهيم كل يوم .. حبيبها الغافل عن مشاعرها نحوه .. لم تستطع لومه على غفلته ... الفارق بينهما يغطي نظره ويحجز احاسيسها عن الوصول اليه ... قد يصادق اخوانها .. لكنه ابدا لن يفكر فيها .. هي بالنسبة اليه فقط حبيبة ابنة بخيت والعينة ...
    اتتها الصرخة مرة اخرى مصحوبة باحتجاجات مبهمة حجبها صوت الريح التي استعادت نشاطها وسيطرتها على الجو .. ترددت حبيبة وهي تقدم قدم وتؤخر الاخرى في محاولة لاقناع نفسها بان الاصوات التي تسمعها مجرد خيال .. لكن الريح بين سكونها وهبوبها حملت اليها الاصوات مرة اخرى أكثر وضوحاً .. فحسمت ترددها وبدات تخطو نحو مصدرها ..
    كانت تسير بمحاذاة الحائط على اطراف اصابعها .. واستدارت مع الزاوية دون ان تعرف سببا لحذرها ... واجهتها راكوبة القنا المتقاطع التي شيدها عبد الستار منذ زمن بعيد وخصصها مكانا للعب وحفظ حاجياته البسيطة ومن خلال الفتحات المثلثية رات المشهد الذي غيّر حياتها الى الابد ..
    كان ابراهيم وعبد الرزاق ملتحمان في رقصة عنيفة ... غامضة ... لم تر من هيكل شقيقها غير يداه المرفوعتان اعلى راسه على الحائط المواجه له وهما تنقبضان وتنبسطان تبعا لحركات ابراهيم المحمومة بينما اختفى بقية جسده الضئيل خلف جسد ابراهيم الفارع الذي بدا غريبا بقميصه القصير وبنطاله الواقع تحت قدميه .. تسببت شهقتها العالية في بتر الرقصة المتناغمة وانفصال الجسدين من التحامهما الحميم ... تسمرت قدماها ولم تستطع الهرب وتفادي المشهد المخزي الذي يدور امامها .. عندما التفت الاثنان برعب وجداها تقف كالتمثال بعيون باكية وفم مفتوح .. برغم البرد القارس كانت قطرات العرق تلمع في جبين ابراهيم وتنحدر ببطء على عنقه وصدره ... بينما بدا عبد الرزاق بسنوات عمره التي تجاوزت العشرين بعدة سنوات كطفل صغير حطم اواني امه المفضلة ... امتلات عيناه الصغيرتان بالدهشة ... والخوف والخجل .. تدلت شفتاه الغليظلتان ببلاهة بينما كانت يداه المرتعشتان تجاهدان لالتقاط بنطاله ووضع حاجز بين نظرات اخته الخاوية وجسده العاري .. باءت محاولته لستر نفسه بالفشل وظل فترة من الزمن يحجل حائرا ... اخيرا حمل بنطاله الملئ بالتراب غطى به موضع خجله وفر هارباً خلف سور الاشجار الذي يفصل بين عالمهم ... وعالم ابراهيم ..
    اصبحت المواجهة بينها وبين الرجل الذي احبته بصمت منذ سنوات مراهقتها الاولى ... كانت تنظر اليه دون ان تراه .. لقد غرقت داخل روحها وهي تحس بالصنم الذي بنته له في احاسيسها يتفتت ويتهاوى ويملا اعماقها بتراب نتن .. كان يقابل نظراتها بعيون مفتوحة على اتساعها .. جامدة لا يرف لها جفن .. عيون ميتة لا حياة فيها ... احست بالريح تخترق مساماتها وتتغلغل الى دواخلها وصمّ عوائها اذنيها .. ارتعشت بعنف وسياط دموعها تجلد خديها بحرارة تتحدى البرد الذي استوطنها ... خفض ابراهيم عينيه ورفع بنطاله بهدوء ... غطى صدره المفتوح و تحرك بخطوات ثابتة ... تجاوزها مطرقاً ثم اختفى خلف سور الاشجار يتبعه مزيج غريب وخانق من رائحة عطر نفاذ مخلوطاً برائحة العرق ...
    لم تدر كم من الوقت ظلت مسمرة في مكانها .. لقد فقدت الاحساس بالزمان والمكان وكل الاشياء التي تحيط بها ... لذلك اصابتها الدهشة صبيحة اليوم الثاني عندما اكتشفت انها في سريرها ...لم تتذكر كيف ولا متى عادت الى الداخل ..اوهمت نفسها بان ما راته لم يكن حقيقيا ... انه مجرد كابوس مخيف وقد انتهى باستيقاظها ... لكن رائحة ابراهيم ما زالت عالقة بانفها ... نظرات شقيقهاوالاصوات التي سمعتها ... كل هذه الاشياء تؤكد انه لم يكن حلماً .. بل واقع مؤلم ..جارح .. قبيح ..
    كانت تلك الليلة آخر مرة ترى فيها عبد الرزاق ... لقد اختفى شقيقها ولم يترك وراءه اثر يقتفى .. كانه لم يكن يوما موجودا ... واصلت الشرطة البحث لفترة طويلة بتشجيع من ود العمدة المشفق على بخيت والعينة .. كان ياتي يوميا للسؤال عنهم يرافقه ابراهيم الذي نفى علمه بمكان صديقه المختفي والعينة تساله كل مرة بالحاح الام المفجوعة ...

    - ابراهيم يا ولدي انت متاكد انو ما قال ليك ماشي وين ؟؟ انتو كنتوا اصحاب ما بتتفارقوا وسرو كلو معاك .. ما وراك لو في زول شاكلو من اصحابكم ؟؟ ..

    كان يرد عليها بثقة وهو ينفي علمه بمكان عبد الرزاق او اسباب اختفاؤه بينما عيناه تواجهان عيني حبيبة الصامتة بتحدى وحذر ... كانت احيانا تلحظ نظرة متواطئة بين ابراهيم وعبد الستار الذي حضر من ثكنته للمشاركة في البحث عن شقيقه .. كانت نظرة غريبة ..تعبر الفضاء بينهما وهي تطلق شرارات من الحقد والتسامح والكراهية والحب ...مما جعل حبيبة تتساءل عما يدور بينهما ...
    مرت الايام .. وتقلصت حدة المرارة الاولى لغياب شقيقها ... تخرجت من الجامعة بتقدير متوسط بعد ان هدم ما حدث رغبتها في التفوق ودافعها للنجاح ... فمنذ تلك الليلة ... فقدت الاشياء بريقها .. انكسرت روحها وتبعثرت احلامها وخيمت على حياتها سحابة رمادية كئيبة .. لقد خنقها السر الاسود الذي تحمله وصبغ عالمها بطعم مالح ... فجيعتها المزدوجة في شقيقها والرجل الذي احبته كانت اكبر من قدرتها على الاحتمال ... اجبرت نفسها على قبول وظيفة معلمة في المدرسة الثانوية المجاورة لبيتهم حتى تشغل نفسها عن التفكير واستعادة تلك الذكريات التي قلبت عالمها راسا على عقب ...
    كانت الذكرى الثانية لاختفاء عبد الرزاق موعداً لانفجار قنبلة اخرى بعثرت ما تبقى من حياتها ... حضر ابراهيم بمفرده وطلب يدها من والدها ... كانت دهشتها اكبر من فرحة العينة وخوف بخيت فرفضته بلا تردد ... برغم ان حبها له لا زال يراود قلبها بين حين وآخر ... الا ان ذكرى الرقصة المخزية التي شهدتها كانت تغمرها بحضورها كلما حاولت نسيانها ... تزيح الحب لتترك قلبها مليئا بالغضب والمراراة ...
    جزعت امها لرفضها الفوري المقرون باستهجان رمته في وجه ابراهيم الذي جلس هادئا وهو يحاول طمانة بخيت المتوجس من هذا الطلب وظل يسال بالحاح ...

    - ابراهيم يا ولدي .. امك وابوك عارفين انك جاي تخطب حبيبة ؟؟؟ موافقين على الموضوع دة ؟؟ ليه ود العمدة ما كلمني ؟؟ لو كان ناداني انا كنت مشيت ليهو لغاية عندو ...

    لحظتها انفجر غضب حبيبة من الذلة الواضحة في ملامح والدها فصاحت ..

    - ابوي !! .. كيف يعني تمشي ليهو ؟؟ ولدو عاوز يخطب بتك وانت التمشي ليهو ؟؟ وبعدين لا تمشي ولا يجيك ... انا ما موافقة .. وما عاوزة اعرسك يا ابراهيم .. ولو بقيت آخر راجل في الدنيا دي ما حعرسك ... انسى الموضوع دة تماما وشيلو من راسك ...

    نهرها بخيت بفزع ...

    - اسكتي يا بت يا قليلة الادب يا عديمة التربية .. معليش يا ابراهيم البت دي غبيانة ساكت وما عارفة بتقول شنو ... والله ود العمدة يناديني الا اجري ليهو حفيان ... دة سيدي وولد سيدي وتاج راسي ولحم اكتافي من خيرو .. وجمايلوا مغرقاني من راسي لرجليني ...

    قاطعه ابراهيم وهو يواجه حبيبة بنظرات متحدية ...

    - عم بخيت ... اهدا وخلي حبيبة دي عليَ .. انا بعرف كيف اقنعها ... المهم انت وخالتي العينة موافقين ؟؟

    همس بخيت بانكسار ...

    - عاد يا ابراهيم يا ولدي إنت بتترفض ؟؟ إنت ولد الحسب والنسب ... لكن بس انا عاوز اعرف امك وابوك موافقين ؟؟ ...

    رد ابراهيم بلامبالاة ...

    - امي وعم حامد عاوزين سعادتي .. والشئ البرضيني لازم يرضيهم ... انا شايف سعادتي ورضاي مع حبيبة ... احنا اتربينا مع بعض وانا باعرف كل حاجة عنها وهي بتعرف كل حاجة عني ...

    ضغط على كلماته الاخيرة ونطقها ببطء متعمد وهو يغرز نظراته المتحدية في عمق عينيها ...

    - يعني يا عم بخيت انا ما محتاج افتشكم ولا انتوا حتفتشوني ... وانا ما حالقي احسن من حبيبة وهي ما حتلقى احسن مني .. اها قلتوا شنو ؟؟ ...

    ردت العينة بفرحة لم تستطع اخفاءها ..

    - بالحيل يا ولدي .. حبيبة ما بتلقى احسن منك ..

    صدرت صرخة غيظ وتمرد من حبيبة الغاضبة التي رمقت الجميع بحدة ثم اعطتهم ظهرها وغادرت الغرفة على عجل ..
    في اليوم التالي لزيارته فوجئت به واقفا امام باب المدرسة حيث تعمل .. كان متكئا على سيارته باهمال وهو يلهو بسيجارته بين اصابعه متجاهلاً نظرات الاعجاب الموجهة اليه من الطالبات المفتونات بوسامته وسيارته الفارهة ... تبادلا نظرة طويلة قبل ان يرمي بعقب السيجارة ويسحقه بقدمه وهو يتجه اليها .. تكلمت معه عبر اسنان مطبقة فأتت عبارتها هامسة .. حانقة ...

    - بتعمل شنو هنا يا ابراهيم ؟؟ .. الجابك شغلي شنو .. انت عاوز تحرجني قدام الناس وتعمل لي فضيحة ؟؟ انا مش قلت ليك امبارح اني ما حعرسك ؟؟

    رد عليها بلامبالته التي تبغضها ...

    - انتي عاوزة تناقشي الموضوع دة هنا ؟؟؟ في نص الشارع وقدام الناس ديل كلهم ؟؟ !!

    دارت نظراتها لتصطدم بالكثير من العيون الفضولية المندهشة ...واحست بالحرج الشديد عندما تناهت الى سمعها العبارات الهامسة ...

    - دة منو الزول السمح الوافقة معاهو ست حبيبة دة ؟؟!! ...

    كانت المقارنة بين مظهريهما محبطة .. هي بلونها الداكن وشعرها الاكرت القصير وانفها الافطس وهو بلونه الذهبي وشعره الناعم .. ملامحه الوسيمة وقامته الفارعة ... أحست بالضآلة وغرقت داخل احساسها بالدونية امامه ... استدارت لتنصرف فامسك بذراعها بقوة جعلتها تشهق ... حاولت ان لاتثير مشهدا امام طالباتها وزميلاتها فالتفتت اليه برجاء ...

    - ابراهيم .. فك ايدي وخليني امشي .. كفاية العملتو لغاية هسة ... هسة الناس حيقولوا عليّ شنو ؟؟ تلميذاتي حيفكروا فيني كيف ؟؟ ...

    تمسك بذراعها اكثر وهو يقودها تجاه السيارة ..

    - ولا شئ .. قولي ليهم دة خطيبي وجا عشان يرجعني البيت .. أنا متاكد كتار منهم حيحسدوك ... اركبي خلينا نمشي لاني ماناوي امشي من غيرك ... انا عاوز اتكلم معاك شوية وفي مكان هادئ ..
    اذعنت لامره على مضض حتى لا يزداد الوضع سوءاً وهي تفكر في التبرايرات التي يجب ان تقدمها غداً لزميلاتها عن ابراهيم واسباب ركوبها سيارته ... رفضت بعناد ان تنزل الى أي كافتريا اختارها .. فاوقف ابراهيم سيارته تحت شجرة ضخمة في بقعة هادئة مواجهة للنيل .. اشعل لفافة تبغ ثم استدار ليواجهها ...

    - حبيبة انتي ليه رفضتي تتزوجيني ؟؟!!...

    ردت عليه بحدة ...

    - انت بتستهبل ولا شنو يا ابراهيم ؟؟!! يعني ما عارف رفضتك ليه ؟؟ طيب خليني انا اسالك سؤال ... انت ليه اخترتني انا بالذات دونا عن باقي بنات الدنيا كلها عشان تتزوجني وانت عارف الفروقات البينا ؟؟ ولمن انت عاوز تتزوج ليه ما خليت امك تخطب ليك واحدة من بنات الحسب والنسب الفالقة بيهم راسنا ؟؟ وليه مصر عليَ انا بالتحديد خصوصاً بعد الشئ الانا شفتو وبسببه عبد الرزاق هرب ؟؟ انت قايلني عويرة ؟؟ جاهلة ؟؟ ما بفهم ؟؟

    كان هوانها يتصاعد وذكرى الرقصة المحمومة تقفز امام عينيها باصرار ... تهدج صوتها وصار اقرب للبكاء .. كانت ترغب في ايلامه لانه تسبب في هروب شقيقها ... ارادت ان تعاقبه لانه قام بتدمير الصنم الذي بنته له بداخها وظلت تعبده سراً لسنوات طوال ... هاجمته بضراوة ...

    - هو انت اصلاً ياابراهيم بنفع تعرس ؟؟ يعني ممكن تعيش حياة زوجية طبيعية مع أي واحدة ؟؟؟ ولا يمكن عشان كدة اخترتني وقررت تتزوجني ... حبيبة المسكينة بت خادم ابوك وجدك... البت الشافتك مع اخوها في احقر وضع ممكن يتشاف فيهو بني آدم وبعد داك سكتت وما قالت كلمة واحدة .. يمكن قلت لنفسك طالما هي سكتت عن الموضوع دة يبقى ما بيهمها ؟؟!! ... ويمكن كمان قلت دي ما حتصدق اني اقول عاوزها وحتوافق طوالي ؟؟ ... لا يا سليل الحسب والنسب .. اول شئ انا ما سكت عن موضوع عبد الرزاق عشان خاطرك ولا خوفا منك .. انا سكت عشان خاطر امي وابوي لانهم لو عرفوا الحقيقة ممكن يموتوا فيها ... وتاني شئ اذا انت مفتكر انك اول ما تقول دايرني حجيك جارية واقول ليك شبيك لبيك انا بين ايديك تكون غلطان .. تالت شئ اذا انت متخيل انكم لسة بتملوكنا ولازم ننصاع لاوامركم تكون واهم .. عهد الاقطاع دة انتهى زمان ... واحنا قاعدين معاكم بس عشان ابوي مصر ما يفارق ابوك بدافع ولاء غبي وما عندو معنى ... وبعدين يا ابراهيم انا لمن اجي اعرس بكون عاوزة ارتبط براجل كامل مش نص راجل .. راجل احترمه واثق فيه ... وانت فاقد لكل الحاجات دي ...
    انقطعت انفاسها وفقدت السيطرة على دموعها فسالت باندفاع ... دل ارتعاش جسدها على غضبها العارم فغطت وجهها بيديها وانخرطت في بكاء حاد ... تركها تفرغ انفعالاتها حتى هدأت ... ساد السيارة صمت ثقيل لا يبدده سوى هسيس احتراق لفافة التبغ التي يدخنها ابراهيم بعصبية .. عندما رفعت وجهها اخيرا ونظرت اليه هالها وجهه الشاحب الممتقع ... كانت يداه ترتعشان وهما تشعلان اللفافة الخامسة منذ بداية الجلسة المؤلمة ... نظر اليها بامعان ..

    - خلاص خلصتي كلامك يا حبيبة ؟؟!! .. ممكن انا اتكلم ؟؟...

    هزت راسها بصمت وركزت نظراتها على مركب شراعي صغير يتهادى بعيدا عن الشاطئ ... بدا حديثه بصوت خفيض وبلهجة تتمايل بين الحدة ... والضراعة ...

    - عارفة يا حبيبة انا عاوز اعرسك ليه ؟؟ .. عشان اكون على طبيعتي .. بدون ما البس قناع يدس حقيقتي .. بدون ما اتظاهر اني انسان تاني ... معاك بحس بالامان وبدون خوف من انو سري يتكشف ولا اتفضح ... انا عاوز اعرسك انتي بالتحديد لانك جزء من مأساتي الانا عايشها من طفولتي ... تفتكري يا حبيبة انا اتولدت كدة ؟؟؟ لا .. لانو مافي انسان بتولد كدة ... احنا اتربينا مع بعض في حوش واحد .. وانا قعدت في بيتكم اكتر مما قعدت في بيتنا ... يعني لو الوصلت ليهو هسة دة بسبب غلط في تربيتي يبقى من بيتكم ما من بيتنا ... واذا بتفتكري اني ولد بايظ حقول ليك ايوة انا ولد بايظ .. ومن زمان شديد ... لكن ختي في بالك انو الاولاد هم البيبوظوا الاولاد وانتي عارفة بيتنا كلو بنات .. ما تتخيلي اني بقول ليك الكلام دة عشان الوم اخوانك ولا ابرئ نفسي الحصل حصل من زمان وخلاص انتهينا منو ... المهم اني بقيت كدة .. وما بقدر اتغير دة بس عشان تكوني عارفة انو حتى بعد ما نتزوج انا حافضل كدة الا اذا انتي قدرتي تغيريني وتطلعيني من الشئ دة ...

    استنشق نفساً طويلا من لفافته .. واخرجه بتدرج من فمه وهو ينظر في عينيها مباشرة ..

    - السبب التاني الخلاني افكر فيك انتي بالتحديد هو حبك لي ..
    شهقت حبيبة بصوت عال عندما سمعت جملته الاخيرة .. التفتت لتنكر الاتهام الصحيح الذي ظنت انه سرها وحدها .. فرفع ابراهيم يده مقاطعا نيتها ..

    - انتي كنتي قايلاني ما عارف ؟؟ قايلاني ما حاسي بيك ؟؟ انا عارف وحاسي من زمان يا حبيبة وكنت مبسوط بحبك لي لاني كنت متاكد انك بتحبيني انا ابراهيم .. لشخصي مش عشان ابوي منو .. ولا عمي منو .. ولاعندنا شنو ... حبيبة .. انا لو عاوز اعرس أي بت من اجعص البيوت هنا ولا في البلد بقدر .. عارفة ليه ؟؟ لانو الناس ليها بالظاهر .. وانا قدام الناس فارس الاحلام .. امنية أي بت .. لكن انا ما عاوز أي بت انا عاوزك انتي ... لانو انتي الوحيدة الحتفهميني ...

    اصطبغ صوته بسخرية غريبة وهو يواجهها ..

    - يا زولة احنا بينا حاجات مشتركة كتيرة ما محتاج اعدها ليك .. لكن حاقول ليك بس كفاية يكون بينا عبد الرزاق وعبد الستار ...

    انتاب حبيبة خوف مبهم من اسلوبه وردت عليه بوهن ...

    - عرفنا عبد الرزاق !! .. مالك كمان بعبد الستار ؟؟!! .. دة حتى لمن خلى البيت ومشى الجيش انت كنت شافع .. عاوز تقول عليهو شنو ؟؟ ...

    لمعت عينا ابراهيم بومضة مفاجئة ... وارتسمت ابتسامة صغيرة على ركن شفتيه وهو يجاوبها بلهجة اكدت شكوكها التي راودتها بعد ملاحظة نظراتهما المتواطئة يوم اختفاء عبد الرزاق ...

    - عبد الستار ؟؟!! .. دة يا ستي المعلم .. كبيرنا الذي علمنا السحر ... هو العنصر البخلي المعادلة موزونة .. هو بدا معاي وانا انتهيت مع عبد الرزاق ... مش بلاهي عليك الله دة منتهى العدل ؟؟ هو ابتدع النظرية وانا طبقتها .. هو فتح الباب وانا مشيت في الدرب ...
    عندما عادت الى المنزل بكت طويلاً ... واذدادت تصميما واصرارا على رفض ابراهيم ... وتمسكت بموقفها حتى اليوم التالي .. بعد الزيارة العاصفة التي قامت بها السرة الى الجزء الذي يخصهم من المنزل لاول مرة في حياتها ... اتتهم تحمل غضبها وعنجهيتها واذدراءها ورفضها ... هيمن صوتها الجهوري على فضاء المنزل وهي تصرخ منادية ..

    - بخيت ... العينة ... انتو وين ؟؟!!..

    خرج بخيت من غرفته مفزوعاً وعلامات التوجس تملا وجهه الكالح .. بينما اتت العينة مهرولة وهي تحمل يديها الملطختين بالعجين ...

    وبادرتها بالتحية ..

    - السرة ؟؟!! ... اهلاً حبابك .. اتفضلي لجوة ... البيت نوّر ...

    قاطعتها السرة الهائجة بحدة ..

    - السرة كدة ساكت يالعينة ؟؟ انا ستك السرة .. ولا انتي نسيتي انتي منو وانا منو ؟؟!! وانت كمان نسيت يا بخيت ؟؟ .... واضح جداً انكم نسيتوا .. لانكم لو كنتوا متذكرين ما كنتوا غشيتوا ولدي وجرجرتوهو لغاية ما يقول عاوز يعرس بتكم ... ولدي انا ؟؟!! ابراهيم ود ابراهيم ود العمدة الامين يعرس بت بخيت والعينة ؟؟!! ... صحي نسب يشرف ويرفع الراس ... اسمعوا هنا ...

    قاطعتها حبيبة التي وقفت بانزعاج وهي تتامل والديها الذليلين امام سطوة السرة الجارحة ...

    - لو سمحتي يا خالتي السرة مافي داعي للاهانات دي كلها ... ولدك مافي زول غشاهو ولا جرجرو !! ولدك جانا براهو وعشان ترتاحي انا رفضتو وقلت ليهو ما عاوزاك ... يبقى خلاص انتهينا ..
    التفتت اليها السرة بتحفز وهي تكور قبضتي يديها كانها تهم بضربها ... اتسعت عينا بخيت وندت عن العينة صرخة واهنة بينما تراجعت حبيبة خطوة الى الوراء ..

    - خالتي السرة ؟؟!! انشاء خلل الضروس .. خالتك بوين يا بت العينة ؟؟!! اوعك اسمعك تقولي خالتي دي تاني ... وكان نكرتي من هسة للسنة الجاية ما بصدقك ... ولدي غشيتيهو وجرجرتيهو .. بس وريني عملتي شنو ؟؟ ... مشيتي ليك لفكي ؟؟ كتبتيهو ؟؟ اصلكم معروفين بتاعين فقرا .. تكونوا ليكم سنين بتشربوا العروق والمحايات لمن عميتو عيونو .. هو كان ما عميان صحي صحي يقول عاوز يعرسك انتي ؟؟!! ليه من جمالك ولا من اصلك ولا من قروش ابوك ؟؟ ولا يمكن تكوني حامل ؟؟!! ايوة بس قولي كدة .. ما هو مافي سبب تاني يجبرو يعرسك الا اذا حملتي منو ... ولدي انا عارفاهو ولد اصول ومتربي صح .. بيكون عاوز يصلح غلطو ويتحمل مسئوليتو ... وانتي يا حربوية بتكوني عملتي كدة مخصوص ... اصلاً ياهو دة اسلوبكم من زمان تحملوا من اسيادكم عشان يعرسوكم ... لكن اسمعوني هنا وفتحوا عيونكم ... خلاص انتهى الزمن البيجي فيهو السيد يقول الخادم حامل لبسوها توب وشبشب وما تخلوها تعوس وتخدم .. اها يا بت العينة اكان دايرة توب وشبشب بديك .. لكن عرس ليك مافي .. دايرة قروش بديك لكن ولدي لا .. ما بديهو ليك .. اهون علي اقطعو وارمي لحمو للكلاب ولا يعرسك انتي .. وكان قايلة روحك بتغشيني بكلام انك رفضتيهو تبقى غلطانة ... انتي ترفضي ولدي ؟؟!! هو انتي اصلا كنتي تحلمي انك تلقيهو عشان ترفضيهو ؟؟ جاية تقولي الكلام دة بعد ما سكيتيهو لمن روحك طلعت ؟؟؟ لكن مليت خشمي بالله ... ابراهيم ما يعرسك طول ما انا حية ...
    رفعت حبيبة الموجوعة من اهانات السرة لها ولوالديها راسها بتحدي واتي ردها باردا ...

    - طيب يا السرة بدون خالتي ... شفتي عشان كلامك دة انا حوافق على ابراهيم .. وحعرسو .. واتحداك لو بتقدري تمنعي الحاجة دي .. وهسة لو سمحتي اتفضلي برة من غير مطرود ..كفاية السم السمعناهو منك من لحظة ما عتبتي الباب ... اتفضلي برة

    بدات حبيبة تتجه نحو السرة المسمرة من الدهشة بخطوات مهددة وهي تحس بالالم لانكماش ابيها ودموع امها العاجزة ...

    - انتي بتطرديني يا بت العينة ؟؟ .. بتطرديني من بيتي .. والله دة كلام !! يا قليلة الادب يا ما مربية ... بتطرديني من ملكي وحقي ؟؟ دي قوة عين انا ما شفت زيها ... لكن ما غريبة على صنفكم دة ... طيب والله عشان قلة ادبك دي الا ابيتكم الليلة في الشارع ... لموا كروركم دة واطلعوا من بيتي ... امشوا شوفوا ليكم راكوبة ولا ضل شجرة اقعدوا تحتوا ... اصلا داك حيكون مكانكم الطبيعي ...

    وقفت حبيبة في وجهها بتحفز ويداها مغروزتان في وسطها ... كانت نظراتها تلمع بالتشفي والسخرية

    - بيتك ؟؟؟ ملكك ؟؟ بيت شنو الملكك يا ام بيت انتي ؟؟ انتي ما عارفة انو عمي حامد كتب البيت دة لابوي بيع وشرا وسجلو باسمو في المحكمة قبل عشرة سنين ؟؟ .. شكلك ما عارفة ؟؟ لكن ما بلومو لانو دسّ منك .. هو اكتر زول عارف انك انسانة عنصرية ومليانة كراهية وحقد ... داخلة في وهم انك احسن من الناس ... لسة عاوزة تصنفي البشر اسياد وعبيد ... عايشة في الماضي وما قادرة تستوعبي انو الزمن اتغير والناس اتغيرت والافكار اتغيرت !!
    وقع الخبر كالصاعقة على راس السرة .. مفاجاة البيت الذي وهبه حامد لبخيت دون علمها اخرستها اصبحت كالتمثال وهي تسمع عبارات حبيبة الشامتة ... كانت نظراتها تدور بين افراد الاسرة بفم مفتوح ... ظلت تبحث عن صوتها حتى وجدته فخرج خشنا ومبحوحاً .. تدفقت كلماتها مخلوطة برزاز بصاقها الذي تناثر في وجه حبيبة ...

    - تعرفي يا بت العينة ..مش لو اتعلمتي ولا دخلتي جامعة ولا حتى جبتي دكتوراه تفتكري انك ممكن تبقى زينا ولا حتى توصلي طرف مكانتنا ... مهما عملتي حتفضلي طول عمرك حبيبة بت بخيت والعينة ..وكان رضيتي ولا ابيتي .. انا ستكم وبت اسيادكم ... وولدي بقتلو بايدي قبل ما يعرسك ويفضحني بيك قدام الناس ...

    استدرات وسارت بخطوات متعبة دون ان تهتم برفع طرف ثوبها الذي تبعها ماسحاً الارض خلفها فرفعت حبيبة صوتها وهي تاكد لها ...

    - طيب يا السرة .. حنشوف ... انا ولا انتي ؟؟ وبكرة ولدك يعرس الخادم غصباً عنك كان رضيتي ولا ابيتي ..وحاقعد ليك في قلبك ... وحابقى ليك زي شوكة الحوت .. وشوفي حتقدري تعملي شنو ...

    بعدها باسبوع تم عقد قرآن حبيبة على ابراهيم في حفل مختصر باهت غابت عنه السرة وبناتها ... وبعد سنة انتقلا الى المنزل الصغير الذي شيده ود العمدة في ركن بعيد من الحوش بعد ان رفض خروج ابراهيم وزوجته من المنزل نزولا عند رغبة السرة الغاضبة .. وبعد الانتقال بثلاثة اشهر انجبت حبيبة ابنتها البكر " فاطمة " لتخرس الاشاعات التي انتشرت عن سبب الزواج الغريب ...
    مرت السنوات وحبيبة تحارب السر الاسود في حياة زوجها ... لكنه كان اقوى واعمق واكبر من كل اسلحتها ... فاعلنت هزيمتها امامه وانسحبت من المعركة مكتفية بانتصاراتها المتمثلة في بناتها الثلاث .. تظاهرت بالسعادة والاكتفاء امام العالم الخارجي وهي تتهاوى داخلياً ... كان ابراهيم يدفع ثمن صمتها وبراعتها في تزييف واقعه بسخاء شديد .. فاصبحت ترتدي افخم الثياب واغلى المجوهرات كي تخفي جوع انوثتها المهدورة وفقر روحها المدقع واحساسها المستمر بالذل في حضور زوج اثبت رجولته بالانجاب والغى انوثتها بمباركة صامتة من مجتمع غافل لم يستطع ان يحل لغز التناقض الغريب بين مظهرها الطافح ثراء .. وملامحها المشبعة بالحزن ... والجوع ...
    ارتفعت موجة من الزغاريد فاعادت حبيبة الى واقعها ... رفعت راسها لتخاطب العجوز الواهنة .. فوجدتها غطت في نوم عميق وفمها يصدر صفيراً خافتا متقطعاً ... حملت الغطاء ووضعته فوقها برفق وهي تقبل مفرق الراس الابيض وتسقط فيه دمعة ساخنة ... اتجهت بخطوات بطئية نحو السور الشجري الذي يفصل بين عالم تحبه .. وعالم يكرهها ...



                  

العنوان الكاتب Date
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:47 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:48 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:49 PM
      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:50 PM
        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:51 PM
          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:52 PM
            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:53 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:55 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:56 PM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:57 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:00 PM
                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:01 PM
                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:03 PM
                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:04 PM
                            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:05 PM
                              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:29 PM
                                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:30 PM
                                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:31 PM
                                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:32 PM
                                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:33 PM
                                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:34 PM
                                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:38 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} najma12-21-08, 03:59 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-22-08, 09:36 AM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} nadus200012-22-08, 04:25 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-23-08, 08:40 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} محمد عبد الماجد الصايم12-23-08, 08:07 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-24-08, 08:17 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-31-08, 04:21 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein01-14-09, 12:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de