إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 05:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سناء جعفر(sanaa gaffer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2008, 03:53 PM

Maawya Hussein
<aMaawya Hussein
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 10136

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} (Re: Maawya Hussein)

    االفصل السابع


    جلس حامد ود العمدة على الطاولة المربعة وسط مجموعة من معارفه واصدقاؤه وتجار السوق .. كان يحاول ان يركز في احاديثهم عن احوال السوق وغلاء الاسعار والمنافسين والكساد ... ثم ينحرف الكلام ويصبح همسا متآمراً عن النساء والمغامرات السرية فتعلو الضحكات المتخابثة لتخرجه من شروده للحظات قصيرة تدور فيها عيناه بين الحضور فيبستم لاحدهم .. ويرفع يده بتحية مجاملة لآخر ... ثم تعود نظراته دائما الى الطاولة المقابلة له حيث يجلس ابراهيم بنظراته الجائعة وجسده المتوتر ... تأمله حامد طويلاً وهو يحس بالحسرة على الولد الذي لم يكن له يوما ... ابتسم بسخرية متحدياً احاسيسه المتقلبة تجاه من غير له مجرى حياته حتى قبل ان يولد ... لا عجب انه لم يحس يوما تجاهه بابوة ولو كاذبة .. لقد حاول ان يخلق هذا الاحساس لكنه فشل .. حاول ان يجبر نفسه على قبول ابن اخيه كابن له .. لكنه لم يستطع .. كانت اعماقه قد تشبعت برفضه منذ طفولته ... كانت مجرد رؤيته تشعره بالالم والغضب خصوصا عندما يرى الحيرة في عينيه البرئيتين وهما تواجهان صده ونفوره الذي يزداد ضراوة مع كل محاولة يقوم بها ابراهيم للتقرب منه او الحصول على انتباهه وحبه ... كان في اعماقه يحس برغبة عارمة في معاقبة هذا الكائن الصغير الذي اجبره على هجر امونة والزواج بالسرة ...
    ظل حامد يتابع نظرات ابراهيم فوجدها مركزة على مجموعة من الصبية الذين شكلوا حلقة متراصة يتبادلون فيها الرقص بحماس .. بدا ان اهتزاز الاجساد اليافعة كان اكبر من قدرة ابن اخيه على التحمل فهب واقفاً وقطع المسافة التي تفصله عن المخرج بخطوات عجولة .. عندما مرّ بجواره لم تفت حامد رؤية قطرات العرق المنحدرة على صدغيه برغم نسمات الهواء الباردة .. ولا لمعات عيونه ونظراته الشبيهة بنظرات صياد يبحث عن فريسة ... ولطمت انفه رائحة عطره النفاذ المخلوط برائحة عرقه لتصنع مزيجا غريباً وخانقاً ... تجاهل حامد الغمزات التي تبادلها ضيوفه عند مرور ابراهيم فاطرق وهو يفكر بغضب ان لا سر يخفى في مجتمع السوق الذي يعشق افراده نبش الصناديق المغلقة وتداول الحكايات الممنوعة ... وتظاهر بعدم ملاحظة ما يدور حوله ... لقد بات خبيرا في التظاهر و علمته تجاربه في الحياة ان يحبس انفعالاته بداخله ولا يبدي منها الا ما يرغب الناس في رؤيته ... منذ متى وهو يتظاهر ؟؟!! لم يعد يدري .. فقد توقف عن العد منذ زمن طويل لم يعد يجدي عد الايام والسنين بعد ان ضاع كل شئ ... بعد ان اصبحت كل الاشياء باهتة ... خاوية .. لا طعم لها ولا لون ولا معنى ... احيانا عندما يجلس وحيدا مع نفسه .. يتشوق لفترة من حياته كان فيها لكل شئ لذته حتى الاحساس بالالم كانت له لذته الغامضة ... وبحركة لا شعورية امتدت يد حامد خلف ظهره تبحث عن الآثار التي خلفها ضرب السوط على جلده يوم زواج ابراهيم شقيقه الذي يكبره بعشر سنوات من السرة ابنه عمهم واجمل فتيات القرية ... كان يومها في الثالثة عشرة من عمره ويخطو على عتبات الرجولة بثقة تعززها ملامحه الوسيمة وحبه لامونة ابنة خالته التي تصغره بعامين .. تعلق بها منذ ولادتها وادمن التواجد في منزل خالته ليلعبا معا ..
    كانت طفلة رقيقة ... نحيلة .. وهشة .. عندما تعلمت المشي اصبحت تتبعه كظله وتتعلق باذياله في اصرار ناعم جعله يحس بالمسئولية تجاهها وبرغبة قوية في حمايتها .. وكلما تقدما في العمر زادت احاسيسه عندما اصبح في التاسعة اخبر امه وخالته بانه يريد الزواج بامونة .. تلقتا الخبر بابتسامة عريضة كانت الضوء الاخضر لاحلامه ومشاعره كي تنطلق ... اصبح تعلقه بامونة مثار تندر وسط العائلة ومثار فخر لابنة السابعة التي اصبح حامد الهها في الارض ... كانت مشاعرهما اكبر من اعمارهما الغضة حتى اصبح الجميع يتعامل مع ارتباطهما كانه امر واقع لا محالة .. واصبح اقتران اسميهما يأتي تلقائيا وطبيعيا ...
    جعله حبه لها اكثر نضجا من اقرانه فاصبح يتصرف كالرجال وهو ما زال في طور الطفولة .. لذلك اصر ان يشارك في " البطان " يوم عرس ابراهيم .. وعندما رفض شقيقه بحجة صغر سنه وخوفه من عدم تحمله لضربات السوط القاسية .. هدده حامد بمقاطعة العرس فوافق ابراهيم على مضض .. كان السبب الوحيد وراء رغبته المتقدة بالخضوع لهذا الطقس المؤلم هو ان تراه امونة وسط الرجال وان تفخر به.. يومها كشف عن ظهره بشجاعة ووقف ثابتاً بينما ضربات السوط تحفر بعمق في لحمه الطري ... امتلات خياشيمه برائحة الدماء لكنه لم يتزعزع مستعينا على الصمود بزغاريد النساء ونظرات امونة المبهورة به ... يومها كانت المرة الاولى التي يتذوق فيها طعم دموعها ... فبعد ان انتهى دوره واثبت قوة تحمله .. غطى ظهره الدامي واتجه بخطوات ثابتة الى داخل المنزل احس بخطواتها الخائفة تتبعه خلسة خوف العيون المراقبة المنتقدة ... كان الفزع قد احتل مكان الفخر في عينيها الحالمتين ... وعندما دخل غرفته ورفع جلبابه اجهشت بالبكاء وهي ترى خطوط الدم المتقاطعة في ظهره... فنسي حامد الآمه واحتضنها برفق محاولا طمانتها وهو يؤكد لها عدم شعوره بالالم ... لكن كلماته جعلت دموعها تزداد غزارة .. فامسك بوجهها بين يديه .. وقبل عينيها بشفتين وضع فيهما كل ما اختزنه لها من حب وحنان .. بدا له طعم دموعها المالحة كاشهى عصير في الكون كله .. واستكانت الصغيرة بين يدي حبيبها حتى هدا نحيبها .. وعاد اليها خوفها من اكتشاف امرها فطبعت قبلة حانية اعلى كتفه وخرجت مسرعة وهي تتعثر بخجلها ...
    لم يستطع النوم على ظهره بارتياح لمدة اسبوع او يزيد .. وكلما اشتد عليه الوجع داواه بذكرى نظرة فخورة وطعم دموع شهي وملمس قبلة حانية ..
    مرت الايام كالحلم .. وتسارعت الشهور لتصبح سنين ... كان يوزع وقته بين دراسته ومساعدة والده واخويه في شئون التجارة .. كان يحرص على التفوق في كل شئ من اجل عيني حبيبته وحتى يكون جديرا بها ... استغل تقدمه عليها في مرحلة الدراسة ليقضي معها وقتا اطول بدعوى مساعدتها فيما يستعصى عليها من دروس في الجلسات التي كانت تتم تحت مراقبة صارمة ... استطاع ان يكتسب ثقة الجميع بتصرفاته المسؤولة حتى تخطى حاجز الممنوع المتعارف عليه بحظر اللقاء ... اصر على اداء مهمة تدريسها بجدية تشتكي منها امونة التي تتوق لكلماته الجميلة فينهرها بهمس رقيق ان تنتبه حتى لا تعطي أي كان سبب لحرمانهما من هذا اللقاء .. فتنصاع له بابتسامة تشتت بها تركيزه لفترة طويلة ..
    تم الاتفاق بين الاسرتين على ان يتم عقد القرآن ما ان ينتهي حامد من امتحان الشهادة على ان يحدد الزواج بعد حصول امونة على شهادتها .. وعندما حصل حامد على مجموع يؤهله لدخول اعرق الجامعات بالعاصمة زغردت امونة بفرح جرئ .. وبدات تجهز نفسها لعقد القرآن الذي سيتم فور عودة ابراهيم من رحلته الى الخرطوم ... اصيب حامد بالتوتر عندما تاخر شقيقه عن مواعيد حضوره المعتادة .. فقد نفذ صبره ولم يعد يطيق لحظة تاخير واحدة تبعده عن حبيبته ... وحين استقبل الاتصال الذي يبشره فيه ابراهيم بعودته في اليوم التالي .. استاذن والده وتوجه الى بيت خالته ليعلنهم بمواعيد حضورهم في الغد ... سالت دموع امونة عند سماعها البشارة بقرب تحقيق حلمها واختفت من امامه بحياء ... راودته رغبة قوية في تذوق طعم هذه الدموع مرة اخرى لكنه لم يجرؤ على اللحاق بها امام عيون اسرتها المراقبة .. فاكتفى بالقاء التحية بصوت جهوري وخرج وهو يكاد يطير فرحا .. وبدا يحسب الساعات المتبقية التي تفصله عن اليوم الذي قضى نصف عمره بانتظاره
    في صبيحة اليوم التالي ذهب الى الحلاق ورتب خصلات شعره الناعم .. حف لحيته وجعلها تستدير باناقة حول حنكه فظهرت الغمازات العميقة على خديه واصبح وجهه الفتّي اشد وسامة واشراقا ... كان قد ورث عن والده طوله الفارع وقوامه النحيل شانه شان اخويه ... بينما اعطته والدته لونها الذهبي الوهاج وعيناها المتموجتان بدرجات البني والعسلي ... في الثامنة عشرة من عمره ... اصبح حامد ود العمدة رجلا فخورا باصله ونسبه ... مليئا بالثقة والحب ... متطلعاً لسعادته القادمة بكل لهفة ...
    في ذلك اليوم مارس اعماله الروتينية بذهن شارد .. وعندما ارتفع صوت آذان الظهر قرر ان يعود الى المنزل مباشرة بعد الصلاة حتى يريح اعصابه المتوترة .. لم يكن قد انهى وضؤوه عندما اندفع الصبي الذي يرافق ابراهيم في كل سفراته من مدخل الدكان وقد بدا منهكا ومذعورا ... بعيون دامعة وجسد يرتعش بعنف داخل الجلباب الابيض الملطخ ببقع دم طازجة ... خرجت الكلمات بصعوبة من بين شفتين داميتين ...

    - ابوي العمدة ... الحق .. عملنا حادث في السكة وابراهيم شالوهو ودودهو مستشفى شندي ...

    انتشر الخبر كالنار في الهشيم .. اغلقت معظم المحال ابوابها وسرعان ما تكون موكب من السيارات المختلفة التي اذدحمت بركابها ... عند وصولهم الى باب المستشفى تدافع الجميع لمساعدة العمدة الذي خانته قدماه بعد ان اخبره قلبه قبل الطبيب بوفاة ابنه البكر ... وشهد زوار مستشفى شندي على رجال بكوا بحرقة هزت الجدران والارض والبشر ...

    كان حامد يعيش حالة من الذهول وعدم التصديق طيلة ايام العزاء التي تمددت مع وصول افواج جديدة من المعزين يوميا من جميع المدن والقرى المجاورة وحتى العاصمة ... مضى قرابة الشهر وتقلصت مساحة الصيوان المنصوب امام بيت العمدة حتى انتقلت الجلسة الى الديوان الكبير واقتصرت على الاقارب والاصدقاء الذين شهدوا في عصر يوم غائم انطلاق صرخات قوية من داخل المنزل جعلت القلوب تقفز توجسا ... تدافع الجميع داخلين ليجدوا زوجة العمدة تسد الباب بجسدها وهي تمتم بفزع ...

    - حاج الامين ... الحقنا ... السرة بتولد ..

    اصيب الجميع بالدهشة وارتفع صوت العمدة بانزعاج ...

    - بتولد ؟؟ كيف تولد هسة ؟؟ هي مش في شهرها السابع ؟؟

    في فجر اليوم التالي خرج الكائن الصغير الى العالم ..كان قطعة مجعدة من اللحم الازرق .. امتنع عن الصراخ وظل يتارجح بين الحياة والموت لفترة طويلة قبل ان يختار البقاء لمواساة امه التي احالها الحزن الى شبح صامت ... اصرت على اعطاؤه اسم ابيه الراحل وكانت تحمله طيلة الوقت وتنطق اسمه بحنان مخلوط بالحزن ...
    عندما اكمل ابراهيم شهره الثالث بدات الاحداث التي عصفت بحياة حامد ...
    اتى عمه والد السرة قبل صلاة العشاء ... جلس على طرف الكرسي متململاً وهو يتنحنح طيلة الوقت كأن شيئا ما علق في حلقه ... بعد الصلاة جلس ملاصقا لاخيه العمدة .. وضع عصاه امامه واتكأ عليها بكلتا يديه .. بدا كلامه بصوت ضعيف متردد ...

    - اللمين يا اخوي ... انا جيت اسوق السرة وولدها ...

    انتفض الجميع لدى سماع العبارة والتقت نظراتهم المندهشة للحظات قبل ان يستجمع العمدة نفسه ويرد بصوت حاد زاعق ...

    - تسوق السرة وولدها ؟؟ تسوقهم وين ؟؟ وليه ؟؟ ...

    انكمش الاخ الاصغر من رد فعل شقيقه ورد بخفوت ..

    - اسوقهم بيتي يا اخوي ... مش أي مرة بيموت راجلها بترجع بيت ابوها ؟؟ حتى حبسها مفروض يكون في بيت ابوها ... والسرة ما عليها عدة لانها ولدت بعد وفاة ابراهيم الله يرحمه .. وهسة كملت تلاتة شهور معاكم ... والناس بدت ترمي لي في الكلام عن قعدتها هنا .. و ...

    هب العمدة واقفاً وضرب بعصاه الارض فقفز جميع من في الغرفة وقوفاً .. خرج صوته هادراً وتبدلت ملامحه بصورة مخيفة ...

    - عدة شنو وناس شنو الجاي تكلمني عنهم يا محمد احمد ؟؟ انت جنيت ولا شنو ؟؟ الكلام دة يتقال لمن البت تكون معرسة راجل غريب وقاعدة مع ناس غربا .. لكن السرة قاعدة في بيت عمها ومقطوع لسان أي زول يقول كلمة واحدة في قعدتها هنا .. دة مكانها ومكان ولدها الطبيعي ... وابراهيم لازم يتربى في بيت ابوه وجده مع اعمامه واولاد اعمامه..

    ارتفع الصوت الخفيض .. واكتسب حدة غذاها العناد بقوة وتصميم ...

    - اللمين انت عارفني ... لو علي انا ما عندي مشكلة بخلي السرة تقعد عندكم انشاء الله لاخر عمرها .. لكن انا وانت عارفين انو دة وضع ما صحيح ... والناس حتاكل لحمي انت اخوي الكبير .. وكلمتك على راسي من فوق بس السرة لازم ترجع بيتي ... لا عرف ولا شرع بيحلل قعادها هنا بعد ما راجلها مات .. والولد حيفضل ولدكم زي ما هو ولدنا ..وبيتي ما بعيد من بيتك وحيكون معاكم الليل والنهار .. تاني في شنو يخليها تقعد هنا ؟؟

    اذدادت ثورة العمدة وهزّ صوته جدران البيت بينما اصبحت مفاصله التي تقبض على عصاته بيضاء ومتنشنجة...

    - انت يا ولد جاي تعلمني العرف والشرع ؟؟السرة دي انا عمها .. وبله ود عمها و راجل اختها..

    كانت ثورة العمدة تزكي نار العناد في قلب شقيقه فاصبحت ردوده اكثر حدة ...

    - انت نسيت حامد ولا شنو يا اللمين ؟؟ حامد دة ما راجل .. وما محرم للسرة .. وما بيصح تقعد معاهو في بيت واحد ...
    فجاة تركزت الانظار على حامد الواقف بجمود يتامل الجميع بدهشة وافكار شاردة ... احس برعشة باردة تعبر جسده عند سماعه لكلمات عمه المتحدية ... بينما ظهرت لمعة استدراك غامضة في عيني العمدة ... عمّ الصمت في الغرفة بعد العبارة الموحية التي تحمل معان لم يفكر فيها احدهم من قبل عاد العمدة الى كرسيه وتبعه الباقون ... اطرق صامتاً لفترة طويلة والجميع يرقبه بتحفز ... عندما رفع راسه كان هناك شبح ابتسامة يراود شفتيه ويحجم ... وعندما تكلم اخيراً كان الهدوء قد عاد الى صوته وملامحه ..

    - خلاص يا اخوي ... خلي الموضوع يوم يومين وانشاء الله يكون خير ..ارجع لي بعد بكرة وما حتلقى عندي الا الرد البرضيك ويرضينا كلنا...

    ليلتها اصيب حامد بارق منعه من النوم وظل يدور في ارجاء المنزل متحاشياً الاقتراب من الحوش الصغير المفصول عن باقي المكان بجدار قصير حيث ينوم والديه .. ظل النور الاصفر الكئيب مضيئا حتى الفجر .. وعندما هبت الريح حملت اليه اصوات نقاش خافت ارتفع فيه صوت ابيه بينما بدا له صوت امه وكانها تبكي ...
    عندما دخل العمدة الديوان مع اذان الفجر فوجئ بوجود حامد بعيونه المتقدة من السهر ... وكانت المرة الاولى في حياته التي يلمح فيها حامد علامات التردد على وجه ابيه وهو يحاول ايجاد الكلمات المناسبة للبدء بحديث ... اقلقه الامر وشعر بانكماش مؤلم في صدره ... انقذ حضور شقيقه الموقف وتهيأ الجميع للصلاة ... عندما همَ حامد بمغادرة المكان استوقفه العمدة بذات الصوت المتردد ..

    - حامد .. ما تمشي .. تعال انا بدورك في كلام .. وانت كمان يا بلة تعال اقعد ..

    اتت كلمات العمدة مختصرة ومندفعة كأنه يخاف أن تابى الخروج إن ابطاها

    - حامد ... انت لازم تعرس السرة ..

    قفز حامد على قدميه ووقف في منتصف المسافة ما بين ابيه والباب ...اتسعت عيناه وتسارعت انفاسه من خلال فمه المفتوح بذهول ..

    - قلت شنو يا ابوي ؟؟ انا اعرس السرة ؟؟ اعرس السرة كيف يعني ؟؟ السرة دي ما مرة ابراهيم !! وبعدين انا حعرس امونة .. كيف اعرس السرة وامونة في نفس الوقت ؟؟ امونة ما حترضى .. وانا زاتي ما بقدر ...

    اصبحت كلماته متقطعة ومفككة كانها هذيان محموم .. وبدا صوته يرتعش .. ثم انتقلت الرعشة الى كامل جسده ... اقترب منه "بلة " وقاده من ذراعه حتى اجلسه في المقعد القريب وظل واقفا بجانبه وهو يحس بالاشفاق عليه .. لم يكن يستطيع التفوه بكلمة في حضرة ابيه فالتزم الصمت بينما كان العمدة يحاول جاهدا منع امواج العطف ان تغزو عقله .. استجمع ارادته وتكلم بحدة حتى يخفي تردده وضعفه امام حزن ابنه الاصغر ...

    - حامد يا ولدي ... احيانا الواجب بيبقى فوق كل شئ ... فوق القلب والمشاعر .. وحتى فوق الصح ... انت لازم تعرس السرة عشان دي الطريقة الوحيدة الممكن نخليها بيها تقعد عندنا هنا ونقدر نربي ولد اخوك وسطنا ... ولا انت عاوزها ترجع بيت ابوها وبكرة تعرس وولد اخوك يريبهو راجل غريب ؟؟ دة اقل شئ نقدر نعملو لابراهيم ( الله يرحمه ) اننا نحافظ على مرتو وولدو .. السرة لسة صغيرة وسمحة .. ومليون زول بيتمناها ... لو رجعت بيت ابوها ما بيبقى لينا حكم عليها ولا نقدر نمنعها من الزواج .. ولو اتزوجت ما بنقدر نقلع منها الولد ... يبقى الحل الوحيد انك تعرسها .. ما في زول غيرك حيحل الموضوع دة ... لو كان بلة معرس أي واحدة تانية غير اختها انا كنت خليتو يعرسها لاني عارف انو امونة حلم حياتك من انت صغير .. عشان كدة ما حقول ليك ما تعرسها بس لازم تعرس السرة بالاول وبعد ما نحسم الموضوع دة نشوف موضوع امونة ... دة قرار نهائي وما عاوز أي نقاش ...وقف حامد مترنحا وقد انحدرت الدموع ساخنة من عينيه .. اتجه الى الباب بخطوات آلية لا حياة فيها ... قبل ان يخرج استدار وخاطب والده بصوت متحشرج ..
    - شوف يا ابوي .. مهما قلت وعملت انا ما حخلي امونة عشان السرة ... شوف ليك زول غيري .. اقتلني لو عاوز .. لكن ما تقول لي خلي امونة وعرس السرة ...
    وخرج تاركا الغرفة تسبح في جو خانق من الحزن والغضب والتحدي ... يومها قاد سيارة والده بلا هدى كان يسابق الريح وافكاره .. لم يوقفه الا نفاذ الوقود ليجد نفسه في منطقة موحشة لا يوجد فيها غيره والنيل والصحراء التي اعطاها ظهره وجلس ساعات طوال وهو يتامل تضارب قطرات المياه في صفحة النيل المضطرب ... ثم استسلامها لقوة التيار وضغط الاتجاه الواحد ... كانت حركة الدوامات الصغيرة تتمرد على رتابة الانسياب وتتراقص بخبث وهي تبتلع الاعشاب وفروع الاشجار الصغيرة الطافية ... افاق من غيابه على صوت محرك سيارة بدد سكون المكان وهي تقترب منه من خلف الزجاج الاغبش تعرف على ملامح شقيقه القلقة ... كانت الشمس قد بدات رحلتها نحو المغيب بجلال مهيب .. جلس بلة بقربه و ترافقا مراقبة احتضار الضوء بصمت .. هبت نسمة ناعمة لاطفت الوجوه الحزينة المجهدة من عبء الافكار التي تحلق حولها ...
    بعد ان ساد الظلام انسحب بلة بهدوء .. اخرج خرطوش صغير وجالون ملىء بالوقود.. عبأ سيارة شقيقه وادار محركها ثم جلس في سيارته في انتظار حامد الذي غزا صوت المحرك عقله المستكين لصمت الصحراء وهدير الماء .. هب واقفا وتبع سيارة بله عائدين الى الديار ...

    اتجه بله الى منزلهم مباشرة .. بينما واصل حامد سيره حتى منزل خالته ليجد ان نبأ إختفاؤه منذ الصباح قد وصل اليهم ... عندما واجه نظرات امونة الجزعة انهارت كل حصون القوة التي كان يحتمي خلفها .. تجاهل كل من حوله .. واتجه اليها .. احتضنها بعنف .. وبكى في صدرها كطفل صغير ... كانت نظرات الحزن والاشفاق تحيط بهما بعد ان انتشر خبر قرار العمدة ... وانفطر قلب الام على ابنتها التي كانت ترى في حامد كل الرجال .. لم تجرؤ على اخبارها بنوايا زوج خالتها ... فقط اخبرتها باختفاء حامد بعد شجار دار بينه وبين ابيه .. وظلت طيلة النهار تراقب الفتاة النحيلة التي جعلها خوفها على حبيبها بركان من القلق يقذف حممه في كل الاتجاهات امتنعت عن الاكل والشرب .. والجلوس .. كلّت قدماها وهي تزرع ارض البيت طولا وعرضا .. تركض بلهفة كلما سمعت صوت الباب يفتح .. وتعود خائبة باكية لتواصل تجوالها القلق ... عندما راته امامها تهاوت فيه واصبح العالم كله متمركزا بين ذراعيه .. سالته بهمس عن سبب اختفاؤه طيلة النهار ... حاول ان يوصل اليها قرار العمدة باسلوب ناعم تستطيع تقبله ... عندما انهى كلماته جاوبه الصمت المطبق ... لقد انهارت امونة وسقطت ارضا فاقدة الوعى ..
    رجع حامد الى منزله وهو اكثر تصميما على رفض الزواج المفروض عليه واكثر اصراراً على التمسك بالفتاة التي احبها منذ طفولته ... كانت مواجهة عاصفة بينه وبين الاب المتعنت ... وعندما احس العمدة باصرار حامد على موقفه .. لجأ الى اسلوب التهديد ...

    - شوف يا حامد .. كلمة واحدة والله واحد ... لو ما عرست السرة لا انت ولدي ولا انا ابوك .. واتبرا منك ليوم القيامة ..

    - ابوي .. انت ما هاميك كمية الناس الحيتظلموا في الموضوع دة ؟؟!! انت ما حتظلمني انا وامونة بس .. حتى السرة حتظلمها لانها طول عمرها بتتعامل معاي زي اخوها الصغير ... انت نسيت فرق العمر البيننا ؟؟ نسيت انو السرة اكبر مني بسبعة سنين ؟؟ نسيتها حبت ابراهيم قدر شنو ؟؟ انت منو القال ليك انها عاوزة تعرس تاني بعد ابراهيم سواء انا ولا أي زول تاني ؟؟ انت ما قادر تحس بيها حزينة قدر شنو ؟؟ خليها على الاقل تعيش حزنها بصورة طبيعية بدون ما تحاول انت وعمي تختزلوهو ليها بسبب افكار ما عندها معنى ... ابوي انا عمري ما عصيتك ولا غضبتك ... طول عمري جاي على طوعك وباعمل أي حاجة بتامرني بيها .. ولا مرة في حياتي قلت ليك لا .. لكن المرة دي حقول ليك لا .. لانك عاوز تشيل مني حياتي كلها ... لا يا ابوي ما بعرس السرة ... وبكرة حامشي اعقد على امونة حتى بدون موافقتك ... ولو اتبريت مني زي ما بتقول .. ما بتفرق معاي ... انا ما كنت عاوز غير رضاك عني .. لكن قروشك ما بتهمني .. واسمك حافضل شايلو لغاية ما اخش التراب .. وطول ما انا عايش حتفضل ابوي بالنسبة لي ...

    كان رد العمدة صفعة قوية على خد حامد رمته ارضاً .. فقفز بله مذهولاً من تصرف ابيه الذي لم تمتد يده الى ابناؤه حتى اثناء طفولتهم ... وخرجت كلمات العمدة اشد ايلاماً من صفعته ...

    - انت يا ولد قايل روحك بقيت زول عشان قريت ليك حبة قراية وعملت فيها متعلم ؟؟!! ولا يمكن متخيل انك بتبقى حاجة بدوني ؟؟ انت من غيري ومن غير اسمي الشايلو دة ما بتسوى عتوت جربان ... عاوز تعملها لي فلسفة فارغة قايلني ما باقدر ارد عليك ؟؟ ظلم وحزن وكلام فاضي ؟؟ انا العدل الوحيد البعرفو انو ولد ولدي يتربى هنا في بيتي وانو مرت ولدي ما تمشي لراجل غريب من بعدو .. بتحب بت خالتك وعاوز تعرسها ؟؟ طيب مالو .. حبها وعرسها زي ما عاوز .. بس بعد ما تعرس السرة ... بت عمك لحمك ودمك الما هاميك ... واقول ليك قول ؟؟ حتعرسها يا حامد ... حتعرسها ورجلك فوق رقبتك .. عليّ الطـلاق بالتلاتـة وتبقى امك حرمانة عليّ ليوم الدين ان ما عرستها .. اها دة آخر كلام عندي .. وشـوف انت يا راجل يا كبير يا متعلم يا فاهـم شـن قولك وشن بتسوي ؟؟

    لف العمدة عبائته حول جسده بعصبية واندفع خارجاً تاركاً خلفه صدى دقات عصاته وهي تحفر الارض غضباً .. انهار حامد على اقرب كرسي وهو يحس كانه حيوان محاصر من كل الجهات ... لقد حمله والده اقصى مما يستطيع .. زواجه من امونة مقابل طلاق امه ...يا لها من معادلة !! وياله من اختبار !! .. سيطر التوتر والغضب على اجواء المنزل كاتما انفاس كل المقيمين فيه ..

    اصبحت السرة كالشبح متسربلة بحزنها وصمتها الا من دموع لا تنقطع كتعبير عن رفضها الذي لم تستطع المجاهرة به خوفا من غضب ابيها وعمها ..
    بينما اعتصمت الام المنكسرة من يمين الطلاق الذي يحوم حول راسها وهي تتقطع حيرة بين رغبتها في سعادة ولدها وابنة شقيقتها .. وبين خوفها من فضيحة الطلاق في هذا العمر ...
    اما بله فقد تقبل كل ما حوله بخنوع كما اعتاد ان يفعل مع كل اوامر العمدة .. وان تنازعته الشفقة والتعاطف مع شقيقه الاصغر ...
    تسلح حامد المتمرد على قرارات العمدة بحبه لامونة وتقدم الى زوج خالته طالبا يد حبيبته .. وعاد خائبا عندما رفض والد امونة طلبه بصرامة وكبرياء واعلنه بانه لن يزوج ابنته لرجل ياتيه وحيدا بلا اهله .. ومنعه من العودة مرة اخرى او محاولة رؤية امونة والتحدث معها .. ضاقت به الدنيا فهجر المنزل واصبح يهيم على وجهه بلا هدى .. تساوى ليله مع نهاره وبدات خطواته تقوده الى الشوراع الخلفية للقرية حيث بائعات الخمور اللاتي يمارسن تجارهن سراً ... اصبح زبون دائم لهن .. ووجد في الخمر وسيلة فعالة لالغاء عقله ونسيان همومه ... بعد اسبوعين من الشراب المتواصل انهار جسده الذي لم يعتد على الخمر .. ووقع على عتبة احدى البيوت .. كان الجميع يعرف من هو .. ووصل الخبر الى اهله لياتي بله مسرعا وحمل الجسد الهزيل الى المستشفى ...
    احتاج الاطباء فترة طويلة لاخراج آثار الكحول من جسده
    وقبل اليوم المحدد لخروجه من المستشفى سمع بله الذي كان يرافقه طرقات واهنة على باب الغرفة ... عندما فتح الباب فوجئ بامونة تقف امامه باعياء تسندها امها .. وخلفهم زوج خالته بقامته الضخمة تعلو وجهه نظرة غاضبة الجمته الدهشة من حضورهم في هذا الوقت .. كانت الساعة قد اقتربت من العاشرة مساء وساد الهدوء ممرات وغرف المستشفى بعد ان خلد معظم المرضى ومرافقيهم للنوم .. جمود حركة بلة امام الباب دفعت حامد لسؤاله بصوت مبحوح ..

    - في شنو يا بله ؟؟ منو في الباب ؟؟

    عندما سمعت امونة صوت حامد ازاحت شقيقه المندهش عن طريقها واتجهت نحو مصدر الصوت بلهفة .. وتبعها الجميع .. حاول حامد ان ينهض من رقدته لكنها اسرعت واعادته الى مكانه .. جلست في الكرسي المواجه له دون ان تتكلم ... تبادلا نظرة طويلة ... انغرزت عيونهما داخل بعضها البعض وسالت دموعهما حارقة .. بدت امونة ابنة الستة عشر ربيعاً كانها امراة في العشرين بعد ان اكسب الحزن ملامحها نضوجاً وعمقاً بينما بدا قوامها اكثر نحولاً خلف الثوب ... ارتسمت دوائر سوداء حول عينيها الغائرتين .. كانت تحاول ان تخفي رعشة يديها بوضعهما تحت ثوبها ... عندما نطقت .. خرج صوتها ضعيفا .. ناعما..
    - سلامتك يا حامد ... دة شنو السويتو في نفسك دة ؟؟ ليه عملت كدة ؟؟ انت ما عارف انا حالتي كانت شنو الفترة الفاتت دي كلها ... كنت بموت كل يوم الف مرة وانا بسمع عن مشيك لبيوت الشراب ومبيتك برة البيت ووقيعك في الشوارع .. حرام عليك يا حامد والله حرام عليك ..

    وانخرطت في بكاء مكتوم أدمى قلوب الحاضرين .. تحامل حامد على نفسه ورفع ظهره وهو يحاول الوصول اليها .. خذله جسده الضعيف فارتمى على السرير وهو يطلق آهة الم .. كان ينطق اسمها بلا انقطاع ... يضغط على كل حرف من حروفه ... وغرقت الغرفة في حزن عميق لم يستطع بله تحمله فخرج مسرعا وهو يمسح دموعه خلسة ..
    رفعت امونة راسها والتفتت الى والديها .. خاطبتهما برجاء ...

    - ابوي سوق امي وانتظروني برة شوية ... عندي كلام عاوزة اقوله لحامد .. ما بتاخر..

    تردد الاب في قبول طلب ابنته .. لكن الام العالمة ببواطن الامور امسكت بذراعه وقادته خارجا واغلقت الباب بهدوء .. مدت امونة يدها المرتعشة وقبضت بقوة على يد حامد المتهاوية على جانب السرير .. فتح عينيه على اتساعهما عندما احس بلمستها السحرية التي ظن انه قد حرم منها الى الابد تسارعت انفاسه حتى اختلط شهيقه بزفيره .. انتفض جسده بعنف .. لم تكن امونة احسن حالا منه لكنها لملمت حواسها وبدات تحدثه بصوت خفيض وثابت ...

    - حامد ... اسمعني كويس ... وافهم كلامي الحقولو ليك ... انت ما محتاج اوريك انت شنو بالنسبة لي ولا اوصف ليك مشاعري لانو الجواي جواك .. والشئ البينا اكبر بكتير من أي كلام ممكن اقوله ... انا عمري ما اتخيلت في يوم من الايام اني حاكون لانسان غيرك .. ولا انك ممكن تتزوج واحدة تانية غيري لاني اتعلمت الحب على ايدك وعاوزاك تتاكد من حاجة مهمة شديد .. طول ما انا حية مافي راجل في الدنيا دي حيقدر يحتل مكانتك جواي ...

    كان صوتها يزداد خفوتاً ويقل ثباته كلما تكلمت اكثر ... بينما اذدادت قوة قبضتها وما ترسله لكفه من احاسيس ...

    - حامد .. انا عاوزاك تسمع كلام عمي العمدة وتعرس السرة ...

    صدرت منه شهقة الم وعدم تصديق عندما سمع جملتها .. حاول ان يتكلم لكنها قاطعته بلهجة اقرب للبكاء ...

    - انا عارفة اني السبب في كل البيحصل ليك ... عارفة انو تمسكك بي هو الوصلك للانت فيهو هسة ده ...

    حاول مقاطعتها لينفي عنها التهمة لكنها وضعت اصابع يدها الحرة على فمه لتسكته .. فاغمض عينيه واستسلم لهذه الهبة وبدات شفتاه ترسلان الاف الرسائل السرية لاطراف الانامل الرقيقة .. ارتعشت امونة وبدات دموعها تسيل مرة اخرى من فرط الاحسايس التي غمرتها ..حاولت ان تسحب يدها لكنه قبض عليها بقوة وابقاها في مكانها ...

    - حامد ... انا اهون علي اشوفك معرس واحدة تانية من اني اشوفك بتدمر نفسم بالصورة دي ... اهون علي انك تعرس السرة من انو ابوك يتبرا منك ويطلق خالتي ... احنا خلاص ارتباطنا بقى مستحيل .. عمي ما حيوافق .. وابوي ما حيوافق بدون موافقة عمي يبقى ربنا ما اراد نكون مع لبعض .. ومافي داعي ناس تانيين احنا بنحبهم يتعاقبوا بسببنا ... حامد لو بتحبني صحي صحي عرس السرة .. وخليك متاكد ومقتنع انو البيني وبينك لو عرست نسوان الدنيا كلهم ما بيتاثر ولا بتغير ولا بنتهي الا بالموت لازم تعرف انك جواي زي دمي الجاري في عروقي .. زي نفسّي الطالع ونازل في صدري وزي دقات قلبي .. يعني طول ما انا عايشة في الدنيا دي انت حتفضل جواي وانا عارفة اني جواك بنفس المستوى ... لكن مرات القدر ببقى اقوى مننا .. والانسان الغبي بس هو البتحدى القدر .. وافق يا حامد وعرس السرة .. وافق عشان خاطري وبرضاي .. وافق لو بتحبني .. دي رغبتي وعاوزاك تنفذها لي .. انت عمرك ما رفضت لي طلب .. ودة آخر طلب حطلبو منك ... نفذ لي طلبي يا حامد ..

    اجهشت امونة بالبكاء ... وبكى حامد لبكائها .. للحلم الذي تبدد ... للالم القادم حتى آخر العمر نظر اليها من خلف دموعه بحسرة ودهشة من النضج الذي اعتراها في فترة وجيزة .. من الحكمة التي تتكلم بها .. احس بالفخر لقوتها في مواجهة ضعفه ...اصبح حزنه غمامة سوداء تغطي افق حياته لان هذه المراة لن تكون له .. سوف يفقدها الى الابد ... عندما خرجت امونة من الغرفة بدت شاحبة كالاموات .. لكن كلماتها خرجت واضحة ...

    - خلاص حامد وافق يعرس السرة ... بشَر ابوك يا بله ... قول ليهو امونة بتقول ليك مبروك ..

    اعطتهم ظهرها وبدات تمشي بخطوات آلية لا حياة فيها ...
    " ابشر يا ود العمدة ... ابشر بالخير " ...
    رفع حامد يده وتجاوب تلقائيا مع العبارة .. ثم هب واقفاً عندما وجد نفسه محاطاً بحفيدته وزوجها وثلة من اهله .. احس بيد احدهم تندس تحت ذراعه وتقوده تجاه حلبة الرقص المزدحمة .. ترك نفسه تنساب مع تيار البشر .. رفع عصاه الى اعلى في رقصة وقورة افسح لها الجميع المجال حتى اصبح وسط دائرة هو مركزها .. كان الجميع يتابع حركاته الرشيقة بتصفيق متحمس ..
    في ركنها البعيد جلست السرة تراقبه ..كانت الوحيدة التي تدرك بان الفرح ليس جزءا من هذه الحركات ... الوحيدة التي تعلم مدى الحزن الذي يتلبس هذه الرقصة ... دمعت عيناها عندما التقتا في صدفة خاطفة بعيني زوجها اللتان عكستا رهق روحه وعذابها ..
    نهضت ببطء وهي ترمي بحملها على ظهر الكرسي الذي ناء بثقله وكاد ينكفئ بها ... امتدت يد قوية ودعمت الكرسي بينما احاطت بها الاخرى ...

    - اقيفي يا خالتي .. انا حاسندك لغاية ما تدخلي ..

    ابتسمت السرة في وجه عمار ابن شقيقتها بحنان امومي جعلها تتذكر ابراهيم .. الذكرى الحية من حبيب عمرها .. ولدها المتباعد عنها حتى يخيل اليها احيانا انه يبغضها ... احست بالاسى يعتصر قلبها وهي تتمنى لو كانت يده هي التي تسندها وتقودها .. بدات تمشي بخطوات متئدة وهي تتمتم بالحمد لان ابراهيم لم يعش ليراه في هذه الحال .. ثم تنهدت بعمق وهي تفكر ...ربما لو عاش والده لما وصل ابدا الى ما هو عليه الان ...


    ظهرت رجاء فجاة امامها بوجهها المبتسم ...

    - شاردة وين يا ام ابراهيم ؟؟ ... لسة الحفلة في بدايتها ... اوعي تقولي لي حتنومي من دلوقت ...

    ابتسمت السرة في وجه رجاء التي تحبها كإحدى بناتها ..

    - انتي الوين يا ولية ؟؟ انا من بداية الحفلة بافتش عليك ... يعني لا شفتك باركتي لرحمة ولا رقصتي مع بلقيس .. ووين التومات وجمال ؟؟

    اجابتها رجاء بصوتها الجرسي وابتسامتها الراقصة ..

    - البت مقصوفة الرقبة جانيت ما جات .. قالت عندها دروس حتقدمها في الكنيسة بكرة ولازم تحضر ليها من الليلة ... هسة انا ماشة اودي ليها العشا وراجعة .. لكن جاكلين مهيصة مع منال في نص حلبة الرقيص .. وجمال واقف في توزيع العشا ... اسمعي يا السرة ... عليك الله ما تنومي انا بس حامشي البيت خمسة دقائق وارجع .. انتي عارفاني ما عندي كبير غرض في الحفلات بجي اقعد معاك جوة ونتونس ...

    كان عمار ينتظر بصبر انتهاء حديث خالته مع جارتها .. انه يحبها مثل امه وهي تعامله بحنان لا يقل عن حنان امه .. كان يعتمد على رصيد على هذا الحب عندما يفاتحها برغبته في الزواج من ابنة ضرتها ... دق قلبه دقات سريعة متتابعة عندما تذكر اميرة بوجهها الفتان وقوامها البديع وهاتين الغمازتين اللتين تفقدانه صوابه ويشعر برغبة في لمسهما كلما رآها .. استفاق من افكاره على يد خالته وهي تربت علي كتفه ..

    - يلا يا عمار دخلني جوة .. ولا اقول ليك خلاص اهي ديك بدرية جاية وبتوصلني .. ارجع انت للحفلة ...

    تهللت اسارير بدرية عندما رأت عمار .. شدت فستانها حول جسدها ورفعت يدها تتحسس تسريحة شعرها ... يجب ان يراها ابن خالتها في اجمل هيئة ... تمايلت في مشيتها وبرز صدرها العارم امامها وهي تتقدم بخطوات ضيقة .. تاملتها السرة بتمعن وهي ترى فيها نسخة عنها عندما كانت بعمرها حتى نظرات الوله التي تملا وجهها عندما تنظر لعمار ذكرتها بنظراتها لابراهيم ... احست بفرحة تتسلل الى قلبها وهي تفكر بان ابنتها مغرمة بابن خالتها ... ليس هناك من يستحق بدرية اكثر منه ... وسوف يكون زواجهما صورة اخرى من زواجها بابراهيم ... سوف تنتظر اللحظة التي يفاتحها فيها عمار برغبته في الزواج من بدرية بفارغ الصبر .

                  

العنوان الكاتب Date
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:47 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:48 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:49 PM
      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:50 PM
        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:51 PM
          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:52 PM
            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:53 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:55 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:56 PM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:57 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:00 PM
                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:01 PM
                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:03 PM
                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:04 PM
                            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:05 PM
                              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:29 PM
                                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:30 PM
                                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:31 PM
                                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:32 PM
                                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:33 PM
                                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:34 PM
                                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:38 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} najma12-21-08, 03:59 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-22-08, 09:36 AM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} nadus200012-22-08, 04:25 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-23-08, 08:40 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} محمد عبد الماجد الصايم12-23-08, 08:07 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-24-08, 08:17 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-31-08, 04:21 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein01-14-09, 12:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de