إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 01:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سناء جعفر(sanaa gaffer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2008, 03:50 PM

Maawya Hussein
<aMaawya Hussein
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 10136

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} (Re: Maawya Hussein)

    االفصل الرابع




    باقتراب موعد العرس ارتفعت حرارة الاستعدادات في حوش ود العمدة .. كانت جحافل النساء تغزو المكان دخولاً وخروجاً في كل الاوقات ... وترقّب سكان الاحياء المجاورة لحي ابوروف الموعد بلهفة .. كانوا يتوقون لحضور عرس آخر يذكرهم بما شهدوه في اعراس بنات ود العمدة السابقة ... بينما لم يعد احد يتذكر تفاصيل زواج ابراهيم من حبيبة ابنة بخيت والعينة الذي تم على عجل واقتصر على اقرب الاقربين .. لم يكن هناك حفل باذخ مثلما توقع الجميع لزواج الولد الوحيد في الحوش ... فبعد عقد القرآن المتواضع اخذ ابراهيم عروسه واختفى تاركاً جملة من التساؤلات والتكهنات عن سر هذا الزواج الغريب بين ابراهيم وهو من هو ... وحبيبة وهي من هي .. وانتشرت الشائعات عن وجود فضيحة محتملة كان لابد من سترها باسرع وقت ... وبدا الجميع في عد الايام لقدوم طفل حبيبة الاول حتى يتاكدوا من شكوكهم ... لكن ولادة فاطمة ابنة حبيبة البكر بعد سنة وثلاثة اشهر من زواجها دحضت الشائعة وجعلتها تنحصر في فرضية رفض السرة لهذه الزيجة والذي عبرت عنه صراحة بحزم امتعتها وسفرها الى القرية وبقاءها هناك لفترة طويلة بمرور السنين انمحت من الاذهان ذكرى هذا الزواج الباهت بينما بقيت صور زواج بلقيس وبسمة وبدور حاضرة بقوة ... كانت فرحة السرة لا توصف بزواج اولى حفيداتها .. فوزعت رسلها في كل مكان لتوجيه الدعوات والتاكيد على معارفها بالحضور ... اصبح حوش ود العمدة مهرجانا من الفرح المتواصل عندما اعلن حامد موافقته وانتشر الخبر فتوافدت جيوش المهنئين وبدات سلسلة من الطقوس التي ابدعت السرة في تنظيمها واخراجها ... حتى اول جلسة لرحمة في ( حفرة الدخان ) تحولت الى حفل مرتجل امتد الى ما بعد منتصف الليل ... وصار ايقاع ( الدلوكة ) موسيقى رسمية لا تنقطع في فضاء الحي ..
    صبيحة يوم العرس فتحت الابواب على مصراعيها ووقف حامد في صدر المكان محاطاً باهله وجيرانه وهو يشرف على الذبائح التي نحرت بالجملة ... كان الصيوان الواسع يموج بحركة الاطفال المتراكضين هنا وهناك ... عمال ينظمون الطاولات والمقاعد ... آخرين يرفعون عقود الاضاءة لتثبيتها .. وفود من النساء تدخل وتخرج ... وبين الحين والاخر تتعالى زغرودة طويلة وتجاوبها اخرى بايقاع يهز القلوب ...
    في غرفة بلقيس ارتمت رحمة بين ذراعي والدتها وهي تنتحب بصوت مكتوم وامها تحاول ان تتظاهر بالهدوء والحزم ...

    - بس يا رحمة ... بطلي بكا .. انتي عاوزة عيونك تحمر وتورم وبعدين الناس تقول العروس مالا ؟؟ طيب وريني انتي هسة بتبكي ليه ؟؟ المفروض تكوني فرحانة .. مش محمود دة انتي الوافقتي عليهو وقلتي عاوزاهو ؟؟

    رفعت رحمة وجهها الممتلئ بالدموع لدى ذكر رجلها الذي اختارته بعقلها ثم غزا قلبها .. وبصوت متحشرج سارعت تنفي عنه تهمة تسببه ببكائها...

    - امي انا ببكي لاني ما متخيلة بعد يومين اقوم من النوم وما القاك انتي ومنال جنبي .. ما القى امي السرة وابوي حامد .. ما متخيلة اني اصحى في مكان غريب مع راجل غريب ... خايفة يمة ... خايفة شديد .. صحي محمود انسان طيب ومتدين والكل شهد ليهو بالاخلاق والاحترام ... لكن انتي قلتي لمن ابوي جا يتقدم ليك برضو كل الناس قالت ليكم انو زول كويس .. وانتي ما عرفتي عيوبو الا بعد ما خلاص بقى امر واقع ما منو مفر ...

    تصاعد نحيبها مرة اخرى ...

    - خايفة يمة بعد فترة محمود يبقى زي ابوي ويعذبني زي ما ابوي عذبك ...
    على الفور تخلت بلقيس عن محاولتها التظاهر بالقوة والحزم ... احتضنت ابنتها بشدة وانهمرت دموعها كالسيل وهي تتذكر والد ابنتيها .. الرجل الذي تزوجته ارضاء لاهلها وتطلقت منه انتصارا لكرامتها بعد ان اذاقها صنوفا من الذل طيلة فترة زواجهما القصيرة التي خرجت منها حطام امراة..
    كانت في التاسعة عشرة من عمرها وقد انهت للتو سنتها الجامعية الاولى بتفوق جعل والدها يطير فرحاً .. فبعد الخيبة التي لازمت ابراهيم في كل مراحل دراسته .. اصبح تفوقها مصدر فخر لاسرتها خصوصا بعد ان اعلنت بدور عن عدم رغبتها في مواصلة دراستها الجامعية وقررت الموافقة على الزواج من احد اقرباء والدتها عقب الانتهاء من امتحان الشهادة الثانوية مباشرة ...
    بدات مأسآتها في الاجازة عندما قررت السرة اصطحاب بناتها لزيارة جدتهم المريضة في القرية التي تبعد مسافة قصيرة عن مدينة شندي ... كانت المرة الاولى التي يذهبون فيها جميعاً بعد الرحلة الحزينة التي تلت زواج حامد من نعمات منذ ثلاث سنوات عندما هجرت السرة منزلها وحزمت امتعتها وولدها الوحيد وبناتها الاربعة وعادت الى القرية لتؤجج مشاعر الغضب ضد حامد الغائب في شهر العسل مع عروسه ... رفضت كل محاولات الترضية والاصلاح ما لم يقم حامد بطلاق نعمات لكن عندما مرت خمسة اشهر دون ان ينفذ لها طلبها تغلب عليها حنينها لبيتها ولزوجها ولحياتها التي اعتادتها فابدت اشارة خفيفة عن رغبتها في العودة تلقاها حامد بلهفة واتي محملاً بكميات كبيرة من الحلى الذهبية والعطور والملابس لترضية الزوجة الغاضبة التي عادت وبداخلها احساس بالهزيمة والانكسار تمثل في كره شديد لضرتها ومحاولة دائمة للنيل منها...
    في هذه الزيارة قررت بلقيس المنتشية بنجاحها ان تخلع رداء المراهقة وتظهر في مجتمع القرية بصفتها فتاة جامعية ناضجة .. لفت قامتها المربوعة بالثوب ورفعتها بالكعب العالي .. وضعت الكحل في عينيها مما اظهر جمال لونهما البني الفاتح .. ونثرت العطر بسخاء حول جسدها فبدت مثيرة ومختلفة عن بنات القرية اللائي يماثلنها سناً ولفتت اليها انظار الجميع ...
    في عصر يوم غائم ايقظتها السرة من نومها بوجه يتهلل بشراً ..

    - بلقيس ... يا بت يا بلقيس ... اصحي ... النوم الليك شنو زي المواعيد دي .. قومي عندنا ضيوف ..

    كانت تهزها بعنف متجاهلة احتجاجاتها الناعسة

    - عارفة برة في منو ؟؟ خالتك ( الزهوة ) مرة العمدة سعيد ... عارفاها جاية لشنو؟؟ عاوزة تخطبك لعبد العظيم ولدها ..

    كانت الكلمات تندفع من فم السرة يرافقها رزاز من البصاق كما هو شانها في حالات الانفعال الشديد مسحت بلقيس وجهها براحة يدها وهي تتطلع الى امها بانزعاج شديد ...
    - خطوبة شنو وعرس شنو ؟؟ انتي يا امي مش عارفة رائيي في الموضوع دة ؟؟ مش السنة الفاتت لمن جاني ولد صاحب ابوي يخطبني رفضت وقلت ليكم عاوزة اكمل دراستي واني ما حتزوج الا بعد اخلص الجامعة ؟؟ مش انتي وابوي قلتوا لي على كيفك وما حنجبرك ؟؟ ليه ما قلتي للناس ديل طوالي انو انا لسة بدري علي لغاية ما اخلص الجامعة وافكر في العرس ؟؟

    ضربت السرة صدرها بيدها واتسعت عيناها استنكاراً ...

    - سجمي يا بلقيس .. عاوزاني اقول للزهوة بت العمدة ومرة العمدة انو لسة بدري عليك ؟؟ بدري عليك لشنو ؟؟ انتي قايلة روحك صغيرة ؟؟ انا لمن كنت في عمرك كانوا عاقدين علي وبستعد للعرس ... واهي بدور الاصغر منك عرست وعلى وش ولادة ... وبعدين انتي لمن رفضتي العريس الجاك اول داك ما قلنا شئ ووافقناك على كلامك لانو ما كان شيتاً نتحسر عليهو والزيو كتار ... لكن عبد العظيم ولد العمدة سعيد دة الما بترفض .. اصل وفصل .. حسب ونسب .. قرش وجاه .. بنعرفو لغاية جدود جدودو عيلة تمام ما فيها شق ولا طق .. يا بت انتي ما عارفة انتي محظوظة قدر شنو لانو اختارك دوناً عن بنات الفريق كلهم ... تعرفي دة لو مشى لاي بيت من هنا لشندي بيدوهو بقلب قوي..
    وفجاة اصبح رايها هامشيا ولا يعتد به ... وافق الجميع وباركوا وابتهجوا ..حتى والدها الذي كانت تعتمد على دعمه في الوقوف بجانبها لرفض هذه الزيجة .. اتي مسرعا بامر من والده الذي اعطاه العمر الطويل سطوة ومهابة .. وبرغم تنازله عن لقب العمدة لابنه الاوسط ( بله ) الا انه ظل صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في كل الامور ..
    لم تستطع الصمود في وجه الضغوط التي حاصرتها ليلاً ونهاراً .. خاصة بعد ان حضر العريس شخصيا وطلب الجلوس معها بحضور اسرتها .. احست امام طوله الفارع بضآلة حجمها .. وعندما صافحها كانت قبضته قوية ومسيطرة ... كان رجلاً يعرف ميزاته ويستمتع بعرضها.. برغم وسامته الظاهرة .. الا ان فيه شيئا لم تستطع تحديده اثار نفورها .. قطع كل حججها بعد ان تعهد امام الجميع بتركها تواصل دراستها الجامعية واستعداده للاستقرار في العاصمة اكراما لخاطرها وحتى تظل قريبة من اهلها .. وقبل ان تعود اسرة ود العمدة الى منزلها .. تم عقد القرآن وسط مظاهر فرح وبذخ لم تشهدها القرية منذ زواج السرة وإبراهيم ...
    طارت الايام وهي ترجوها ان تتمهل .. وبعد شهر ونصف من عقد القرآن كانت تزف الى عبد العظيم .. الى رجل غريب لا تعرف عنه شيئاً ..كان شهر العسل هو بداية رحلة العذاب التي استمرت حتى نهاية الزواج القصير ... كانت معلوماتها عن العلاقة الخاصة بين الرجل والمراة قليلة وسطحية حصلت عليها من صديقاتها المتزوجات بالجامعة وكتب قرأتها خفية وعلى استحياء لتتعرف على اسباب مشاكلها الصحية التي بدات مع وصولها الى مرحلة البلوغ ... لم تكن مهيأة لطلبات عبد العظيم الشبقة ولا خبرته العميقة بعالم النساء .. في اول ليلة لهما معا دفعها خوفها للتعلل بالتعب ورغبتها في النوم بعد عناء النهار الطويل حتى تتفادى أي تواصل حميم بينهما .. كان نومها قلقاً متقطعا ً .. استيقظت منه مذعورة قرابة الفجر على ملمس شئ رطب يتجول ما بين وجهها وعنقها ...
    فتحت فمها لتبدا بالصراخ لكن عبد العظيم اغلقه بشفتيه في قبلة طويلة انقطعت معها انفاسها .. حاولت ان تتملص من الهجوم العنيف لكن يبدو ان حركاتها المقاومة وهي ترزح تحت ثقل جسده الضخم جعلته يزداد ضراوة واصراراً ... وفي لحظات تحول قميصها الابيض الناعم الى قطع متناثرة ظل بعضها معلقاً بجسدها وتناثرت البقية على الارض .. توقف عبد العظيم عن هجومه وهو يطل عليها من عل متاملاً بعيون لامعة جسدها شبه العاري المصبوغ بلون البرتقال الناضج .. ابتسم برضا وبدا يحدثها همساً بغية تطمينها وازاحة نظرة الرعب المرتسمة على ملامحها ..
    - تعرفي يا بلقيس .. انتي حلوة شديد .. انا ما كنت قايلك حلوة للدرجة دي ... اول ما جيتي البلد حكوا لي عنك لغاية ما اصريت اشوفك .. ومن اول لحظة قررت انك تبقي حقتي ..
    جفلت بلقيس من جملته الاخيرة ... وحاولت جذب الغطاء لستر نفسها لكنه قبض عليه بيد بينما اتكا بالاخرى على جنبه وعيناه تقومان بعملية مسح كامل لجسدها المسجي امامه بلا حول ولا قوة .. وواصل همسه المحموم ..
    - انتي عارفة لو ما كنت عرستك كنت جنيت .. ما عاوزك تخافي يا بلقيس .. سلميني نفسك بس .. انا عارف انو ما عندك خبرة برغم انك قاعدة في العاصمة ومشيتي الجامعة انا سالت عنك في كل مكان .. واكتر شئ عجبني انك بت خام وانا حكون الاول في أي شئ ..
    خرجت ضحكته متحشرجة من فرط الاحاسيس التي تعتمل في صدره .. وبدا يفقد السيطرة على حركات يديه فانطلقت تجوب الجسد المتخشب بجراة وحرية ... كانت لمساته خبيرة ... متأنية .. شعرت بها احيانا رقيقة كلمسة الفراشة .. واحياناً مؤلمة ولاسعة كقرصات النحل ..
    بدأ جسدها المتشنج يلين ويسترخى تحت تاثير الكلمات الناعمة واللمسات التي تعرف مكامن الاسرار ودخلت في مرحلة خدر لذيذ وانتابتها مشاعر لم تشعر بها قبلاً ... كانت قد بدات تستسلم للمتعة الغامضة عندما سمعت صرخة الاستنكار الصادرة من زوجها ... أحست كانها في بئر عميق وجاهدت كي تطفو على سطح وعيها مجدداً .. تحولت الكلمات الهامسة الى سيل من اللعنات جعلتها تنتفض مذعورة وتعود الى تشنجها .. رفعت رأسها بدهشة وهالها منظر زوجها .. كان ضوء الفجر الشاحب قد تسلل من النافذة وانعكس على ملامحه التي ارتسمت عليها تقطيبة حادة .. وتحول لون بشرته الذهبي الى لون داكن غير مميز ... تصلبت عضلاته وجمدت حركاته وهو ينظر اليها بغضب شديد ... وقبل ان تستطيع سؤاله عما حدث كان قد هب واقفاً .. ارتدى ملابسه على عجل .. وغادر الغرفة دون كلمة واحدة تبدد حيرتها وتهدئ خوفها ...
    عادت بلقيس الى الحاضر بارتعاشة قوية من جسد ابنتها المستكين بين ذراعيها ... فاحتضنتها بقوة ثم افلتتها وهي تسمح دموعها بيد حنونة وانخفض صوتها حتى صار اقرب للهمس ..

    - ما تخافي يا رحمة .. مستحيل محمود يكون زي ابوك ولا يعمل العملو ابوك .. احنا في زمن مختلف وظروف مختلفة ... محمود ولد متدين وبيخاف الله .. وفوق دة كلو بيحبك وبيحترمك .. وانا لو ما اتاكدت من الحتة دي مستحيل كنت حوافق انك تعرسيهو ... وبعدين انا حاسة انو انتي كمان حبيتيهو برغم نكرانك للشئ دة ... وعشان اكون حقانية يا رحمة في حاجة لازم تعرفيها .. فشل زواجنا انا وابوك ما كان هو براهو السبب فيهو .. انا كمان كان لي دور في الشئ الحصل .. يمكن دور ما اخترته بارادتي واتفرض علي غصباً عني لكن في النهاية النتيجة واحدة ... يا بتي انتي مختلفة عني وبالتاكيد تجربتك حتكون مختلفة عن تجربتي .. انا دخلت الحياة الزوجية وكنت صفحة بيضاء ما فيها أي شئ ... لكن انتي داخلاها وصفحتك مليانة ... انا وريتك وشرحت ليك وفهّمتك ... والما قدرت اشرحو ليك .. جبت ليك كتب عشان تقري وتعرفي .. انا لمن جيت اعرس كل القالتو لي حبوبتك السرة حاجتين .. خليك دائما نضيفة .. خليك دائما مطيعة .. بس وبدون زيادة .. ودخلت العالم دة وانا شبه جاهلة شنو الطريق الممكن يوصلني لبر الامان .. لكن يا رحمة انتي ماشة وانا محفظاك كل الطرق ... كنت عاملة حساب اليوم دة عشان كدة من يوم ما ولدتك ما اعتبرتك بتي .. اعتبرتك صاحبتي ... حتى لمن كنتي طفلة في اللفة كنت باحكي ليك كل حاجة وباشاورك في كل شئ .. كنت باشكي ليك همومي وباضحك معاك ساعة فرحي ... وعمري ما ختيت حاجز الامومة والبنوة بيني وبينك لاني ما عاوزاك تفشلي زي فشلي ... ومن هسة باقول ليك عمرك ما تخجلي مني .. أي حاجة ما تعرفي تتصرفي فيها اول ايام اساليني وانا بوريك .. لكن كمان في المقابل حاطلب منك طلب .. اوعك تحكي لاي زول مشاكلك الخاصة شديد مع راجلك مهما كانت صغيرة ولا كبيرة .. أي مشكلة تحصل ليك ما تطلع من باب اوضة نومك لانو تدخل الاهل بيزيد المشاكل .. فهمتي ؟؟
    احتضنتها مرة اخرى ثم ابعدتها عنها وهي تتامل ملامحها الجميلة التي ورثت معظمها من والدها ... ابتسمت لها ومسحت بقايا دموعها باطراف اناملها ثم امرتها بحزم...

    - يلا قومي غسلي عيونك بموية باردة وابدي اجهزي عشان تمشي الكوافير .. رسلي أي زول يفتش اختك .. اكيد محشورة عند ناس رجاء .. البت دي تقول انا دفنت صرتها هناك .. بس ما تلقى فرقة الا تشيل رجلينها وتجري عندهم .. شوفوا منو من بنات نعمات عاوزة تمشي معاكم وما تنسي بنات خالك ابراهيم انتي عارفاهم معقدين خلقة ولو ما كلمتيهم حتبقى مشكلة .. اطلعي واقفلي لي الباب دة وراك عاوزة ارقد شوية ... ولو أي زول سال مني قولي ليهم امي عندها صداع وما تزعجوها ... انا بعد شوية بطلع ..

    نظرت رحمة الى والدتها بحب كبير .. قبلتها في جبينها ثم خرجت واغلقت الباب خلفها .. بعد رحيلها جلست بلقيس وحيدة في غرفتها وهي تجاهد لابعاد شبح الذكريات المريرة .. لكن يبدو ان الدوامة التي بدات خلسة اصبحت اقوى بمرور الدقائق ولم يعد لها القدرة على مقاومة الانجراف والسقوط في اعماقها حتى القاع ...
    صبيحة زواجها غاب عبد العظيم طيلة النهار ..كانت تشعر بالخوف والالم والجوع لكنها لم تجرؤ على طلب خدمة الغرف ..كل ما فعلته هو الاستحمام وتبديل قميصها الممزق ثم الجلوس والتفكير فيما حدث .. ظلت ساعات طويلة تحدق في الباب وهي تامل دخول زوجها ليخبرها ما الخطا الذي ارتكبته ... كان الوقت يتمطى ببطء حقود ... فكرت في الاتصال بامها .. لكن ماذا ستخبرها ؟؟ بأن زوجها هجرها في ليلة زفافها ؟؟ اذا انتشر الخبر سوف تصبح فضيحة مدوية لها ولاسرتها .. كيف ستواجه ابيها ؟؟؟ لابد انها اخطات في شئ ما .. لابد انها فعلت او قالت شيئاً اغضبه .. كانت تحفر عقلها باصرار حتى تتذكر احداث الفجر الغريبة ... لكن معظم ذكرياتها كانت مطموسة ومشوشة وتشعرها بالخجل .. ربما هي قلة خبرتها ؟؟ ربما لانها رفضته وتعللت بالتعب لتتهرب منه في بداية الليلة ؟؟ غلبها النوم وهي متقرفصة في الكرسي الضخم المواجه للسرير ... استيقظت فزعة على وقع خبطة قوية فقفزت حتى كادت تسقط ارضاً... كان زوجها يقف في فتحة الباب مترنحاً بعينان دمويتان ... كانت ملابسه متسخة ومجعدة .. ملامحه مجهدة وجامدة ... اقتربت منه بحذر ..

    - عبد العظيم ؟؟ انت كنت وين ؟؟ مشيت وين وخليتني براي الوقت دة كلو ؟؟ في شنو ؟؟ انا عملت ليك شنو زعلك مني ؟؟

    خطا خطوة الى الداخل واغلق الباب بكعب حذاؤه .. تقدم نحوها بمشيته المهزوزة والكلمات تخرج من فمه ثقيلة ..

    - كنت في السما الاحمر ... مشيت في ستين داهية ..

    كانت تتراجع خلفاً وقد ازداد خوفها من اسلوبه ومظهره .. ورائحته ..

    - عبد العظيم ؟؟ انت سكران ؟؟

    - ايوة سكران ... عندك مانع ؟؟
    تعثرت خطواته المترنحة بطرف السجادة المفروشة على الارض وكاد يسقط .. فسارعت اليه بيد ممدودة لتساعده لكنه نفضها عنه بقسوة ونظر اليها شزراً ... ابتعد عنها وارتمى على طرف السرير وهو ما زال مرتدياً حذاؤه ... ومنذ تلك اللحظة بدا يمارس هوايته المفضلة بصب قطرات الاسيد الحارق على روحها ...

    - تعرفي يا حرمنا المصون انك طلعتي صفقة خسرانة ؟؟ بضاعة مغشوشة ؟؟

    انعقد لسانها من قسوة الكلمات وسالت دموعها غزيرة ..

    - بس يا بت السرة انا عاوز اسالك سؤال ... دة شنو ده العندك ده ... يعني عيب اتولدتي بيهو ولا شنو ؟؟ واهلك الطالعين بيك السما ديل وعاملين فيها انو بتهم مكملة .. ما عارفين انك مشوهة كدة وما بتنفعي تعرسي ؟؟ ما تقولي لي انك مطهرة فرعوني وكلام من النوع دة ... انتي ما اول مرا اشوفها .. شفت كتار قبلك ... والظاهر حشوف اكتر بعدك.. يا زولة اقول ليك كلام ؟؟ انتي ميح خالص .. انتي شئ ما مفهوم شئ مقرف ..

    خرجت من لسانه اصوات رفض واستنكار بينما كانت يداه تطاردان اشباح وهمية تحوم في الهواء فوق راسه ... فجاة رفع كفه امام وجهها الشاحب ...

    - عارفة كفة يدي دي فيها تضاريس اكتر من العندك ؟؟ ... انا في الاول كنت قايل المشكلة في يدي ... لكن بعد شوية عرفت انو المشكلة فيك انتي ... المشكلة فيك انتي المشكلة فيك انتي...
    ظل يردد هذه الجملة لفترة طويلة حتى اصبحت معلقة في فضاء الغرفة الساكن .. وعندما صمت اخيراً رفعت رأسها لتجده غارقاً في النوم براس معوج وقدم متدلية خارج السرير ... إنهارت ارضاً وبدات ترتعش من الالم الذي اجتاحها وسلب كل قواها ... هل من الممكن ان تنتهي حياتها الزوجية قبل ان تبدأ بسبب خطا لم يكن لها يد فيه ؟؟!! ...
    كانت في السابعة من عمرها عندما اخبرتها امها بان ختانها هي وبدور سوف يكون الاسبوع المقبل صورته لهما وكأنه شئ يستحق الاحتفاء به ... كانت تجهيزاته تشبه تجهيزات العيد ... حضرت الخياطة الى المنزل واحضرت الاقمشة فاختارت بلقيس اجمل الالوان .. وقبل يومين من تاريخ الختان حضر والدها مبكرا وهو يحمل اربع اساور ذهبية عريضة وقلادة طويلة واقراط لكل واحدة من ابنتيه فتوارى الخـوف خلف فرحة الهدايـا والملابس الجديدة ... في اليـوم المشهود حضرت ( الدايـة ) في وقت مبكر ومعها مساعدتها بحقيبتها السوداء الكبيرة ... تم الختان بسهولة بحضور السرة التي امسكت بيد بناتها بينما قامت المساعدة بتثبيت القدمين .. احست بلقيس بوخزة الحقنة ومن ثم تبعها وضع شريط لازق صغير في راس الجرح .. كان الختان ايذانا ببدء اسبوع من الدلال الزائد اصبحت فيه طلباتها هي وشقيقتها اوامر تنفذ بلا نقاش ... انهالت عليهما النقود التي تبارى الاهل والجيران بدسها تحت الوسائد ... كانت بدور ابنة السادسة سعيدة لدرجة انها طلبت من والدتها ان تجري لها عملية ختان كل شهر ...
    بعد انقضاء ثلاثة اسابيع ذهبوا الى القرية لزيارة الجدود ... وهناك حصلوا على مزيد من الهدايا والنقود ... عقب وصولهم بيومين وبينما كانت بلقيس تستعد للنوم مع صغيراتها اتت الجدة وبدا فاصل جديد من الاحاديث والحكايات .. فجاة طلبت منها جدتها طلباً غريباً جعل بلقيس تنكمش خجلاً..

    - كدي تعالي يا بت يا بلقيس خليني اشوف طهورتك ...

    رفضت بلقيس واختبات خلف امها .. لكن الجدة اصرت فما كان من السرة الا ان نهرتها بعنف

    - يا بت انتي بتخجلي من حبوبتك ؟؟ يلا امشي وريها طهورتك ...

    عندما خلعت سروالها الداخلي وباعدت بين قدميها , ارتسمت نظرة رعب في وجه الجدة وضربت صدرها بكفها وهي تشهق ..

    - سجمي يالسرة !!! دة شنو ؟؟ وينو الطهور ؟؟ ما تراها البت قاعدة زي ما هي !! انتي بتغشي على روحك ولا على الناس ؟؟ وافضيحتنا لو زول عرف بناتك ما مطهرات دي بكرة تبقى لينا نبزة .. تعالي يا بت يا بدور خليني اشوفك انتي كمان .. والله الداية دي ضحكت عليكم وشالت القروش ساكت ... انتي مالك يالسرة ؟؟ عميانة ؟؟ ما شفتيها ولا ما شفتي بناتك ؟؟

    عندما استطاعت السرة الرد على سيل التانيب ردت بحرج ...

    - يمة حامد هو الجاب الداية .. وحذرها قدامي انها ما تطهر البنات فرعوني ... والله انتي لو عرفتي هو حتى طهورة السنة دي ما كان راضي بيها الا انا اصريت عليهو شديد ..

    اخاف شكل الجدة الصغيرات فاختبان وراء ظهر السرة التي عجزت عن تهدئة امها الغاضبة

    - شوفي يالسرة .. ما تقولي لي حامد ولا ابوهو العمدة زاتو ... من متين الرجال بيتدخلوا في الحاجات دي ؟؟ كويس انك جيتيني عشان نصلح الغلط دة ..بكرة بدري انا حرسل للداية الليلنا عشان تجي تطهر البنات ديل طهورة زي الناس ..

    حاولت السرة الاحتجاج لكن الام المتسلطة قاطعتها بلهجة لا تقبل النقاش

    - بكرة حنعيد الطهور يا بلقيس .. ولو خايفة من راجلك ما تجيبي ليهو أي سيرة .. انا مستحيل اخلي البنات بالصورة دي ... يا غبيانة بكرة يكبروا ومافي زول يرضى يعرسهم ليك ...
    لم يكن امام السرة الا الموافقة على اصرار امها باعادة الختان شريطة اخفاء الامر عن حامد ... وفي صبيحة اليوم التالي تمت المجزرة ... وبرغم حقنة البنج الكبيرة التي وزعتها المراة الغليظة في جميع الاماكن .. لكن بلقيس احست بضربات الموس وهي تقطع لحمها البض تحت ارشادات جدتها..

    - اقطعي كويس شيلي من هنا ... واسي الجنبة دي ... ما تخلي أي حاجة بارزة .. عاوزاها طهورة صح .. خليو املس زي كفة يدي دي ... خيتي لتحت شديد ... ضيقي الفتحة اكتر من كدة ...

    كان الالم اقوى من قدرة بلقيس على الاحتمال فوضعت السرة قطعة قماش بين فكيها حتى لا تصرخ حاولت ان تبدي اعتراضها على ما يحدث لابنتها ... لكن الجدة لم تعطها فرصة واسكتتها بصوتها الجهوري ....

    - مالك يا السرة ؟؟ انتي قعدة امدرمان خربتك ولا شنو ؟؟ ما ياها دي الطهورة العملناها ليك ولكل اخواتك .. وقبل كدة عملوها لينا نحن ولاماتنا وحبوباتنا ... لو ما قادرة تحضري اطلعي برة وجهزي البت التانية ...

    غاصت الابرة المعقوفة عميقا في اللحم الطري وانتشرت رائحة الدم وعبأت جو الغرفة فافلتت بلقيس قطعة القماش واطلقت صرخات داوية هزت اركان البيت فانهارت السرة وهي تبكي عذاب ابنتها ..

    - كفاية يا امي .. عليك الله كفاية البت حتموت ..

    لمدة اسبوع بعدها ظلت بلقيس ترتعش من الحمي .. خاصمت الاكل .. امتنعت عن شرب الماء والتبول حتى تتفادى الالم الحارق للسائل الذي يخرج بصعوبة ويكوي جراحها النازفة ... احتباس البول داخل بطنها جعلها تنتفخ وتتكور حتى باتت كالحبلى .. اصيب الجميع بالقلق .. وعادت الداية المذعورة مرات ومرات ... واقتصرت مهمة الجميع في حثها على التبول بالاقناع احيانا .. وبالتهديد احيانا اخرى ... لم تعد والدتها تتزحزح من جانبها وهي تستجديها باذلال ..

    - يا بتي استريني الله يسترك دنيا وآخرة .. لو أبوك عرف حيطلقني ... انتي عاوزاني اتطلق يا بلقيس ؟؟ لو ما بقيتي كويسة دة الحيحصل .. انتي ما صغيرة وعارفة شنو معنى الطلاق مش كدة ؟؟ انا والله ندمانة وسافة التراب لاني وافقت حبوبتك على إعادة الطهور لكن خلاص الحصل حصل .. الله يرضى عليك يا بلقيس ما تبقي سبب طلاقي من ابوك ...
    تعللت السرة بمرض والدتها حتى لا تعود الى بيتها ويكتشف حامد ما فعلته بابنتهما ... وكانت تدعو الله عدم حضوره .. بعد اسبوعين تماثلت بلقيس جسديا للشفاء ...لكن روحها كان قد اصابها شرخ غائر لم تشف منه ابداً ... لكن ما حدث لها اعفى شقيقتها الصغرى من مؤامرة المجزرة ..
    بمرور الايام تناسى الجميع التجربة المؤلمة حتى وصلت بلقيس الى مرحلة البلوغ وبدات مشاكلها الصحية تتزايد ... كانت تعاني بصمت وخجل من التهابات متواصلة .. واصبحت ايام دورتها الشهرية فترة معاناة لا توصف ... لم تكن تشتكي .. لكن كثيراً ما تفضحها اهات المها ودموعها العاجزة .. في احدى المرات وبعد ان فشلت كل جهود السرة في تخفيف الآمها باكواب النعناع والحرجل المغلي ... سالتها بهمس ...

    - بلقيس ؟؟ انتي بتبلعي حبوب المغص الجابها ليك ابوك ؟؟

    - آي ببلعها.. لكن ما عاملة لي أي شئ .. انا اكتر شئ متعبني انو الدم ما بنزل كويس عشان الفتحة ضيقة شديد .. ومرات بتجمع وبيكون قطع لمن تجي تنزل بتالمني تعرفي انا مرات الا ادوس شديد عشان طرفها يطلع واقوم اجرها لبرة ... يمة ؟؟ ممكن توديني لدكتورة تعمل لي عملية توسع الفتحة دي شوية ؟؟؟ انا خلاص تعبت وما قادرة اتحمل الالم دة كل شهر ...

    كانت المرة الاولى التي تناقش فيها بلقيس مشكلتها مع أي مخلوق آخر ... واتى رد فعل السرة الغاضب ليجعلها الاخيرة ...

    - سجم خشمي .. كيفن يعني تعملي عملية وتوسعي الفتحة ؟؟ يا بت انتي جنيتي ولا شنو ؟؟ ما عاوزة اسمع كلام فاضي زي دة ... وما عافية منك لا دنيا ولا آخرة كان جبتي السيرة دي تاني .. انتي ما اول ولا آخر بت تتالم .. ياهو دة سلو البنات كلهن من الله خلق الدنيا ولمن تقوم القيامة .. اتحملي شوية ... بكرة تعرسي والمشكلة تخلص ...

    لكن يبدو ان مشكلتها الحقيقية قد بدات بعد الزواج ولم تنته به ... كان راس بلقيس المتلصق بالارض ينبض الماً وهي تستمع الى شخير عبد العظيم الرتيب ... الحت عليها افكار يائسة ..كان اشدها إيلاماً ان التعاسة ستكون قدرها المسطور الذي لن تملك منه فراراً ...
    مر الاسبوعين المقررين لبقائهما في الفندق ببطء السلحفاه ... واحست بلقيس كأن معاناتها تزيد من طول الزمن وتمدده الى ما لا نهاية ... وعندما اعلن زوجها برغبته في مغادرة الفندق احست بالفرح لاول مرة منذ فترة طويلة لان البقاء في غرفة الفندق المنعزلة اصبح عذابا يفوق الوصف ... كان عبد العظيم يغيب عنها بالساعات الطوال تاركاً لها حصيلة من الكلمات المهينة التي تجرحها بصورة لم تكن تتخيل انها قد تتحملها ... وعند حضوره يبدا فاصل العذاب الجسدي .. لم يعد للامر علاقة بالمتعة او الرغبة بعد ان تحول الى تحد وصراع بين رجل فخور بقدراته وامكاناته .. وحاجز منيع رفض الاستسلام ... كانت تستعد له كما الشاه التي تساق الى الذبح .. تستلقي في السرير جسدا بلا روح وتنتظر الهجوم الشرس الذي تزيده مناعة الحاجز شراسة ... احيانا كانت تضع طرف الغطاء بين اسنانها حتى لا تفضحها صرخاتها .. تماما كما علمتها امها يوم اعادة ختانها ... وكثيرا ما انقذها فقدانها للوعي من معايشة الالم الرهيب ...
    عادت الى المنزل الفخم الذي اثثه لها زوجها قريبا من اهلها ... وهناك حاولت الحفاظ على الصورة المتوقعة للعروس السعيدة وبدات في استقبال المهنئين وتلبية الدعوات ... بعد عودتها بيومين زارتها امها واخواتها وهن محملات بالهدايا والحلويات ... حاولت اخفاء هزال جسدها بالثوب السميك ... ووضعت طبقات من مساحيق التجميل حتى تخفي شحوب وجهها والهالات السوداء التي ارتسمت تحت عينيها ... تظاهرت بالسعادة .. ضحكت للدعابات .. واستمعت للاخبار ببال شارد ... اخيرا انفردت بها السرة في غرفة نومها واغلقت الباب بوجه بناتها المحتجات وهي تحاول معرفة احوال ابنتها مع زوجها ...

    - اها يا بلقيس انشاء الله مبسوطة مع عبد العظيم ؟؟ شكلك ما عاجبني .. ضعفتي ولونك غمق وبقيتي عاملة زي الليمونة الممصوصة ... يا بت هوي ما تخلي الراجل دة يعذبك شديد ..

    واصلت كلامها بغمزة موحية ...

    - باقي يا بتي رجالنا ديل ما شاء الله عليهم ما بيفتروا .. خصوصا اول ايام ... لكن انتو لسة صغار والعمر كلو قدامكم ... بكرة تزهجوا من بعض وتتذكروا الايام دي وتضحكوا على روحكم ..

    انحدرت دموع بلقيس غزيرة فرسمت خطوط متعرجة على قناع البودرة السميك ... اندهشت السرة فهبت من مكانها وجلست بالقرب من ابنتها لفت ذراعها حول كتفيها وسالتها بانزعاج ...

    - بلقيس ؟؟ مالك بتبكي ؟؟ في شنو ؟؟ عبد العظيم زعلك في شهر العسل ؟؟ قولي لي ما تدسي مني انا امك ومافي زول حيشيل همك اكتر مني ..

    هزت بلقيس راسها ومسحت دموعها بسرعة

    - لا يا امي مافي حاجة ... عبد العظيم كويس خالص معاي .. انا بس اشتقت ليكم شديد وفرحانة بشوفتكم ... صدقيني ما في حاجة ..

    تاملتها السرة بنظرة فاحصة وخبيرة ثم تنهدت بعمق ...

    - معليش يا بلقيس انا عارفة الايام دي صعبة عليك قدر شنو ... انتي بالذات لانو وضعك مختلف عن باقي اخواتك ... لكن اتحملي ..بعد شوية بتبقى الامور عادية .. اتحملي يا بتي .. اتحملي ...
    حاولت ان تتمسك بنصيحة امها .. فتحملت شتى صنوف الالم الجسدي والمعنوي ... لكن يبدو ان تقدم عبد العظيم البطئ وعدم قدرته على اختراق السد المنيع اصبح اكبر من قدرته هو على التحمل خصوصا بعد ان فقدت الوعي ثلاث مرات خلال ثلاث محاولات متتالية .. في المرة الاخيرة وبعد ان افاقت اتجهت الى الحمام بخطوات واهنة ... عند عودتها وجدته جالسا على طرف السرير وهو ينفث دخان لفافة التبع بشراهة ... نظر اليها بحقد واحتقار ..

    - تفتكري يا بت السرة انا اعمل معاك شنو ؟؟!! انا زهجت وقرفت وكرهت اليوم العرستك فيهو ..

    قاطعته بهدوء ...

    - وديني لدكتورة ...

    هب صارخاً...

    - اوديك دكتورة ؟؟ والدكتورة حتعمل ليك شنو ؟؟انتي عاوزة تفضحيني ؟؟ عاوزة الناس تقول علي ما قدرت ؟؟ لعلمك انا مافي ( مـرا ) قبـل كـدة غلبتني ... لكن انتي ما ( مرا ) انتي حاجة كدة مشوهة ومبتورة وما معروف ليها راس من قعر ... انتي ..

    قاطعته بصوت حاد زاعق ... صوت امراة اصبح جرحها اكبر من قدرتها على السكوت ..

    - كفاية حرام عليك يا عبد العظيم .. انت ما بتتعب من التجريح والاهانة ؟؟ يا اخي انا جبرتك تعرسني ؟؟ انا جريت وراك ؟؟ مش انت الجريت وراي واصريت برغم انك كنت عارف اني ما عاوزة اعرسك ؟؟ انت بتعاقبني على شنو ؟؟ وضعي دة انا ما لي ذنب فيهو ... دة شئ حصل وانا عمري سبعة سنين ... يا ود الناس قدامك حاجة من اتنين يا توديني لدكتورة تشوف لينا حل .. ولا ترجعني بيت ابوي .. ولغاية ما تقرر تاني ما تلمسني ولا تجي جنبي .. كفاية العذاب الانا عايشة فيهو لي شهر كامل ..كفاية يا عبد العظيم .. كفاية ..
    خيار الانفصال بعد شهر واحد من الزواج لم يكن وارداً في حساباته ولا يستطيع تحمل تبعاته ... اخذها الى طبيبة معروفة في مجالها ... وبعد الكشف جلسا متقابلين امام مكتبها ...

    - شوف يا سيد عبد العظيم ... حالة زوجتك دي ما اول حالة تجيني بالصورة دي .. وان كانت اصعب حالة ختان اشوفها لغاية الان ... يبدو انكم حاولتوا بالطرق العادية وفشلتوا ودة واضح من الجروح والتمزقات الشفتها ... انا عندي حلين للموضوع وانتو اختاروا البناسبكم .. الحل الاول اننا نعمل جراحة صغيرة نوسع بيها الفتحة لمستوى معقول والباقي الطبيعة حتتكفل بيهو ... الحل التاني انك تصبر لفترة ممكن تطول او تقصر حسب التجاوب والاستعداد وانا ممكن اديكم مراهم وملينات تحد من الالم وتساعد على سلاسة العملية .. القرار راجع ليكم انتو الاتنين فكروا وادوني ردكم ..

    اتت كلمات بلقيس في شكل رجاء حار ..

    - العملية

    واتى رد عبد العظيم حاسماً

    - عملية لا ..

    نهضت الطبيبة من مقعدها ... ونظرت اليهما بتفهم ..

    - انا حخليكم مع بعض شوية .. اتناقشوا وقرروا .. لمن ارجع وروني عاوزين شنو ..
    حاولت بلقيس اقناع زوجها بالموافقة على العملية لكنه رفض بشدة .. خرجا من عيادة الطبيبة بروشتة طويلة قام عبد العظيم بشراءها من الصيدلية المجاورة ... ليلتها خف الالم قليلا كما قل تذمر عبد العظيم ... عندما اكتمل الشهر الثالث لزواجها ... بدات اعراض الحمل تظهر على بلقيس ... وانحصر وحمها في رفضها العنيف لزوجها .. لرائحته ولوجوده وكل ما يختص به ... كانت تصاب بالغثيان ما ان تراه وتغيب داخل الحمام فترات طويلة وهي تتقيا كل ما بداخلها حتى هزلت صحتها ولم تعد تقوى على الوقوف ... فوافق عبد العظيم على مضض بانتقالها الى بيت ابويها .. وظلت هناك اربعة اشهر وهي تحاول ان ترمم روحها المتصدعة ... بعد عودتها .. اعفاها زوجها من رؤيته الا فيما ندر ... يغيب طيلة النهار .... يعود عصراً ليتناول طعامه وحيداً .. يستحم ويتعطر ويخرج ... يعود بعد منتصف الليل منتشياً وتفوح منه روائح نساء أخريات ...
    اتت رحمة الى الوجود فزرعت السعادة في قلب بلقيس المتقرح ومكثت اربعون يوما في منزل والديها وعندما عادت الى منزلها ملأها احساس بالغربة والخوف ...كانت اول ليلة هي الاسوأ ... عاد زوجها متاخراً كالمعتاد فتظاهرت بالنوم كي لا تواجهه .. لكنه اضاء نور الغرفة ووقف في نهاية السرير يراقبها بصمت حتى اضطرت الى رفع راسها والنظر اليه .. خاطبها بابتسامة ساخرة

    - اهلاً يا حرمنا المصون .. حمد الله على السلامة .. شنو نايمة من بدري كدة ؟؟ مش تستنيني لمن ارجع ؟؟ ما اشتقتي لي بعد الغياب دة كلو ؟؟

    اجابته ببرود وهي تشيح بنظراتها تجاه سرير ابنتها النائمة

    - اهلاً عبد العظيم ... اتكلم براحة البت نايمة ... ما قدرت استناك لاني تعبانة .. وبعدين انت مش عارف اننا جايين الليلة .. اتاخرت برة قدر دة ليه ؟؟

    وبذات اللهجة الساخرة اتى رده وهو يدنو من السرير

    - آسفين ياستهن .. كان مفروض استناك وافرش ليك الارض ورد كمان ... ما رديتي على سؤالي .. ما اشتقتي لي ؟؟ انا شخصياً اشتقت للضيق ويباس الريق .

    ردت بلقيس بلهجة منتصرة ...

    - ما تتعب روحك يا عبد العظيم ... ما بقى في ضيق ولا يباس ريق ..

    ابتسمت شامتة وهي تتذكر رفضها القاطع لمحاولات السرة بان تعيدها كما كانت قبل الانجاب وغضبها عليها عندما طردت الداية التي احضرتها خصيصا للقيام بالمهمة قبل ان تكمل اربعينها بيومين .. لقد اسكتتها بحدة لم تكن معهودة فيها ..

    - امي .. عليك الله كفاية العملتي فيني زمان .. ارجوك ما تلحي كتير لاني مستحيل اكرر الغلطة دي تاني .. المرة الاولى ما كنت بقدر ارفض ولا اقول لا ... لكن المرة دي لو بقى التمن طلاقي من عبد العظيم ما بسويها ... انتي يا امي كيف ترضي لي اني اتعذب بالصورة دي عشان هو يستمتع ؟؟ انا ما انسانة ؟؟ ما عندي احساس ؟؟ انتي عاوزاني ابقى زي الغنماية رسني في يد غيري وما عندي رأي حتى في ادق خصوصياتي ؟؟ كلمة واحدة والله واحد يا امي .. لو السماء انطبقت على الارض عملية ما بسوي ... واي شئ حيحصل خليهو يحصل ما هاميني ...
    يبدو ان ابتسامتها الشامتة ولهجتها المنتصرة قد اثارتا غضبه من ضمن اشياء اخرى .. فكان هجومه ساحقاً ... لكنه فوجئ بان الحصن المنيع قد اشرع ابوابه على مصراعيها واستسلم بلا مقاومة .. فتوغل بعنف الغازي الحانق من سرعة الاستسلام .. عندما انتهى من هجومه .. نظر اليها بغضب وخرجت كلماته محملة بالكراهية ..

    - بالاول كنتي علّة لكن على الاقل كان فيك شئ يخلي الزول يتحملك ... هسة بقيتي مقرفة وخسارة الواحد يتعب فيك ... انعل ابو اليوم الاسود العرستك فيهو ...

    بعد شهرين بدات تظهر آثار غزوة تلك الليلة في دورة جديدة من الوحم الرافض لوجود الزوج واللجؤ الى بيت والديها والعودة المتقطعة التي فوجئت في احداها بوجود امراة اخرى في بيتها ... مع زوجها .. وفي سريرها ... كانت في شهرها الثامن ترافقها بدور لاحضار بعض اغراض رحمة التي تركتها نائمة في احضان السرة ...
    كان اصعب ما فعلته هو الجلوس مع والدها وشرح مجمل معاناتها مع زوجها دون التطرق للتفاصيل المخزية ... وطلبت منه ان يدعمها في طلب الطلاق ..

    - طلاق ؟؟!! طلاق شنو يا بلقيس ؟؟!! احنا ما عندنا بنات بتتطلق .. وبعدين انتي ناسية انك حامل وعلى وش ولادة ؟؟ كدة استهدي بالله وخليك في الطفل الجاي دة .. انا حشوف الموضوع مع عبد العظيم وحخليو يجيك لغاية عندك ويبوس راسك كمان .. ولمن تتحلي بالسلامة انشاء الله ترجعي بيتك معززة مكرمة ..
    لم يقتنع والدها بفكرة الطلاق الا بعد ان اتاه ابراهيم غاضبا من منزل عبد العظيم وهو يحمل رده الوقح على طلب والد زوجته بالحضور اليه ...
    - لقيتو في البيت ومعاهو واحدة شكلها غريب كدة وقال انها مرتو مع اني اشك في الكلام دة .. المهم لمن قلت ليهو انك عاوزو رد علي بكل قلة ادب وقال لي مش ابوك العاوزني ؟؟ يبقى هو يجيني .. انا ما بمشي لزول .. وبعدين لو عاوزني عشان ارجع اختك ما حيحصل .. زي ما طلعت براها ترجع براها .. ولو عاوز يقول لي طلقها .. ما بطلقها حخليها كدة زي البيت الوقف ومعلقة بين السما والارض ... اها تاني عاوزين شنو ؟؟ عليكم الله ما تحمدوا ربكم اني راضي ببتكم دي وماسكها ليكم ... هي دي محسوبة مرا مع النسوان ... والله دي ربع مرا ما جاية ...
    في صبيحة اليوم التالي غادر حامد في رحلة قصيرة الى القرية ... عاد وهو يحمل معه حرية ابنته التي اصبحت فعلية بعد انجابها لمنال ... يومها اقسمت بلقيس ان لا يدخل حياتها رجل آخر ... وبرغم الضغوط التي تعرضت لها على مرّ السنين .. وبرغم تميز كل من تقدم طالباً يدها .. كانت ترفض باصرار شديد وبجملة ثابتة لا تتغير ...
    - انا الرجال ديل ختيتهم مكان حامد ابوي وابراهيم اخوي ...
    ما ان اكملت منال سنتي رضاعتها حتى قررت بلقيس العودة الى دراستها الجامعية ... تفوقت بجدارة حصلت على شهادة الماجستير في الادب الانجليزي ثم تبعتها الدكتوراه ... هاهي الان ... تعمل استاذة بالجامعة ... رحمة على وشك الزواج .. ومنال في سنتها الاولى بكلية الطب ... كانت تفكر بان القدر قد تصالح معها اخيراً ...
    توالت طرقات قوية على باب الغرفة فاعادت بلقيس الى واقعها .. فوجئت بصدرها المبلل بالدموع .. فمسحت عينيها وحاولت استعادة اكبر قدر من السيطرة على افكارها .. نهضت ببطء وفتحت الباب لتجد حبيبة زوجة ابراهيم منتصبة امامها بقوامها المتمرد ونظراتها الكسيرة

    - بلقيس ؟؟ انتي هنا وحجة السرة قالبة عليك الدنيا برة ؟؟!!

    - اهلاً يا حبيبة .. كان عندي حبة صداع وقلت ارقد اريح شوية .. قولي ليها جاية ... بناتك مشوا مع رحمة الكوافير ؟؟

    رمقتها حبيبة بنظرة ممتنة

    - ايوة .. رحمة اصرت تسوقهم كلهم معاها ..

    اهدتها واحدة من ابتساماتها الشحيحة ثم غادرت بخطواتها الراقصة التي اورثتها لبناتها ... كانت بلقيس تراقبها والافكار تتضارب في راسها

    - والله يا حبيبة انتي حكايتك حكاية !! اصلاً الزول ما بيطلع منك بحق ولا باطل .. لكن كونك اتحملتي امي وعمايلها فيك ما يوم ما عرستي ابراهيم .. انا بعتبرك بطلة .. وهي امي بس !! ابراهيم راجلك زاتو مشكلة ماشة على رجلين .. وما عارفة انتي بتحبي فيهو شنو ولا من الاساس وافقتي تعرسيهو ليه ؟؟

    كانت تهم باغلاق الباب عندما اندفعت نحوها ابنتها الصغرى منال

    - امي استني دقيقة ... اديني قروش زيادة .. العالم كلو مشى مع رحمة الكوافير ويمكن العريس ما يكون عامل حساب ناس كتار ونقوم نحرجو ..

    اخرجت بلقيس محفظتها واعطت ابنتها رزمة من الاوراق المالية

    - اسمعي يا منال ... ادفعي للبنات كلهم وخلي العريس يدفع لرحمة بس ... وما تاكليني زي كل مرة .. جيبي باقي القروش راجعة ...

    اختطفت منال الرزمة ودستها في حقيبتها وهي تطبع قبلة قوية على خد امها

    - حاضر يا احلى ام في الدنيا .. لو ... يعني باقول لو فضلت حاجة كتيرة بارجعها ليك ولو شوية حلال علي بتك الصغيرة ...

    همت منال بالمسير فسالتها بلقيس ...

    - انتي ماشة مع منو ؟؟ ما تركبي تكسي براكي سوقي معاك زول يتقلك في السكة ..

    اجابت منال دون ان تلتفت لوالدتها بصوت بدا متردد ومهتز ..

    - ما تخافي يا امي .. جمال ولد خالتي رجاء حيوصلني ... يلا مع السلامة .. اشوفك بعدين ..
    فتحت منال باب السيارة وما ان استقرت داخلها واغلقت الباب حتى انطلق جمال بسرعة ...

    - بسم الله .. مالك مستعجل كدة ؟؟

    قالتها بلهجة تقطر رقة وعلى شفتيها ابتسامة حانية .. وكانت لهجة جمال لا تقل عنها رقة وابتسامته تضاهيها حنواً ..

    - عشان عاوز اقعد معاك اطول فترة ممكنة قبل ما اوصلك الكوافير ... منال انا لي قريب اسبوع ما شفتك زي الناس ومشتاق ليك شديد .. ما كنت قايل قلبك قوي للدرجة دي وحتقدري تقعدي من غير ما تشوفيني !!

    حرر يده اليمنى من عجلة القيادة وقبض بها على يدها اليسرى .. رفعها ببطء وطبع قبلة حارة على راس كل اصبع ... احست منال برعدة تجتاح جسدها من تاثير ملمس شفتيه .. احست بانها تذوب فهمست له ..

    - جمال يا مجنون .. احنا في الشارع ..

    انزل يده وهي ما تزال قابضة على يدها ووضعها على فخذه ... سحبت منال يدها .. قلبت كفه وبدات ترسم فيها خرائط وهمية وهي تتابع خطوطه المتقاطعة بلمسات خفيفة .. توقفت قليلاً في وشم الصليب المرسوم اعلى كفه واصبعها يدور حوله بشرود .. ثم تابعت رحلتها في مجاري عروقه النابضة بخربشة حانية من اظافرها القصيرة ... ارتعش جمال وتسارعت انفاسه وهو ينطق باسمها

    - منال ... انا ما عدت قادر اتحمل الوضع دة ... لازم نقعد ونتكلم عشان نعرف حنعمل شنو ...

    على الفور تغيرت ملامح منال الهائمة وارتسمت عليها تقطيبة حادة ... سارعت بوضع يدها على شفتيه برجاء

    - جمال .. ارجوك ما الليلة ... حنتكلم بس ما الليلة ... خلينا نخلص من عرس رحمة وبعد كدة اوعدك اننا نقعد مع بعض قعدة طويلة ونناقش كل شئ ... انت ما حتقدر تتخيل انا تعبانة كيف من وضعنا دة ... لدرجة مرات باحس اني حاجن من التفكير الكتير .. ما عارفة حتصرف كيف ولا حاعمل شنو ... الشئ الوحيد المتاكدة منو يا جمال هو احساسي ناحيتك ... احساس نقي وصادق وقوي وعميق ... احساس اتجاوز من زمان عائق اني مسلمة وانت مسيحي..
    تهدج صوتها وامتلات عيناها بالدموع ... ترك جمال يدها وبدا يلتفت يمينا ويسارا .. ابطا سيارته وانحرف في احد الازقة الضيقة وتوقف ... التفت الى منال الباكية .. فتح ذراعيه على اتساعهما .. احتواها بينهما وضمها الى صدره بحنان جارف وتغلغلت يداه بين خصلات شعرها الناعم تمسده بلمسات متتابعة ... بينما وضع شفتيه بالقرب من اذنها هامساً ...

    - آسف يا منال .. صدقيني حبيبتي ما قصدت اعكنن عليك او ازعلك ... وحياتي ما تبكي انتي عارفة انا ما باتحمل اشوف دموعك ... انا بس كنت عاوز نقعد نتكلم مع بعض عاوز نلقى حل لوضعنا ... منال انتي عارفة انا بحبك قدر شنو ... انا مش بحبك وبس انا بعبدك بعد ربنا .. انا حبيتك من انتي طفلة عندك تلتاشر سنة .. يشهد ربنا اني حاولت اقاوم احساسي بيك ... حاربت نفسي ومشاعري .. حاولت المستحيل عشان ما اتورط معاك لدرجة اني سعيت ارتبط باي بت من جماعتنا ..كنت عارف انو أي علاقة بيننا مستحيلة وانو حبي ليك حيدخلنا احنا الاتنين في متاهات ومشاكل ما بنقدر نواجهها كنت بكتم احساسي بصعوبة خصوصا لمن اشوفك قدامي .. عشان كدة اول ما دخلت الجامعة قررت اقعد في الداخلية برغم احتجاج ماما اني اخلي البيت .. حاولت اركز كل تفكيري في الدراسة عشان انساك ... بس انتي بوظتي كل العملتو عشان اتفاداك لمن دخلتي انتي وجاكلين نفس الكلية معاي السنة الفاتت .. بقيت مسئول عنكم الاتنين وحاولت اتعامل معاك زي ما بتعامل مع جاكلين ... دخلت نفسي في دور الاخو الكبير عشان ما اتذكر حبي ليك .. وكنت مسيطر على الوضع كويس لغاية اليوم الجاتني فيهو جاكلين تجري وقالت انو اغمى عليك في المشرحة لمن بدا الدكتور درس التشريح على جثة حقيقية .. لمن وصلت ليك كنتي واعية لكن شكلك مخيف .. اصريت ارجعك البيت وخليت جاكلين تكمل محاضراتها عشان تجيب ليك الدفاتر وما يفوتك شئ .. متذكرة الحصل اليوم داك يا منال ؟؟ في نص السكة قلتي لي انك ما عاوزة ترجعي البيت بحالتك دي عشان امك وحبوبتك حيتخلعوا لو شافوك كدة .. طلبتي مني اني الف بيك شوية بالعربية لغاية ما تهدي ... ما تتخيلي فرحت قدر شنو للفرصة الجاتني من السما عشان اكون معاك براي ولو لفترة قصيرة ... لكن في نفس الوقت كنت خايف ... ايوة يا منال خفت افضح نفسي قدامك .. قلت اعمل فيها الولد جاد وعرضت عليك ندخل متحف التاريخ الطبيعي اهو في سكتنا ... دخلنا وبدينا نحوم .. ما عارف الحصل شنو ولا كيف حصل لكن فجاة اكتشفت اننا ماشيين وماسكين ايدين بعض .. قعدنا وبرضو ماسكين ايدين بعض ..كأنو دة الوضع الطبيعي المفروض يكون بيننا .. كاننأ متفقين ... كان تصرف تلقائي وبسيط لكن خلاني اطير من السعادة لانو لحظتها بس عرفت انك ممكن تكوني بتبادليني نفس الاحساس ....
    انسلت منال من بين ذراعي جمال بعد ان وجدت فيهما السكينة التي كانت تحتاجها ... تاملت وجهه القلق وملامحه المقطبة .. رفعت يدها الناعمة وبدات تمسد مكان التقطيبة بين حاجبيه .. فانحبست انفاس جمال وقبض على يدها المرتعشة فتح كفها المتعرق ... طبع عليه قبلة طويلة وقوية .. ثم اغلقه .. اغمضت منال عينيها واسندت راسها على ظهر المقعد وقد لفهما صمت هائم .. وعندما استعادت منال قدرتها على الكلام كانت كان صوتها مبحوحاً ...

    - تعرف يا جمال يمكن ما تصدق انا حبيتك متين ... من اول مرة شفتك فيها ... أي والله كان حب من اول نظرة ... لمن طلعت اقدم صحبتي ولقيتك واقف بتعاين للعمال البنزلوا عفشكم من اللوري ... لفت نظري شكلك .. كنت حزين شديد وزي البتبكي .. لحظتها حنيت عليك وقربت اجي اسالك مالك بس خجلت ... ولمن اتصاحبنا كلنا وبقيت اجي بيتكم كتير .. كان اعجابي بيك بيزيد يوم ورا يوم ... بعترف انو بالاول كان شكلك هو العاجبني ... لكن بعد فترة بقيت مبهورة بادبك واخلاقك وشطارتك واحساسك بالمسئولية ... وبالطريقة البتعاملني بيها .. حسستني كأني اميرة في واحدة من القصص الخرافية ... كنت قدام الناس كلها زول جاد وعرفت تدس مشاعرك كويس ... الا مني انا ... كنت حاسة بيك ... كنت عارفة انك بتبادلني نفس الاحساس ... مرات كتيرة وفي فورة اندفاع المراهقة داك قربت اصارحك .. لكن الخوف والخجل منعوني ... لمن مشيت الداخلية زعلت وفرحت في نفس الوقت ... زعلت لانو غيابك خلق جواي فراغ مافي أي شئ قدر يملاهو .. وما كنت باحس اني ملانة الا لمن تجي من الداخلية نهاية الاسبوع واشوفك ... فرحت لاني كنت خايفة من الاحساس الجواي ... وقلت اثناء غيابك حاقنع نفسي انو دي مشاعر عابرة ولازم اتخلص منها ... كنت عارفة شنو ممكن يحصل لو أي زول عرف بمشاعري الانا داساها بحرص ...لكن يا جمال المشكلة بقت انو انت في وجودك ولا غيابك كل يوم بتتزرع جواي اكتر ... وكل ما اكبر يوم احساسي بيك بيكبر معاي .. يوم مشينا المتحف داك كان اسعد يوم في حياتي برغم اننا ما قلنا ولا كلمة لبعض دخلنا ومشينـا وقعدنـا واحنا ساكتين تصدق انا حتى ما متذكرة منو فينا مسك ايد التاني !! لكن الشئ المتذكراهو انو ايدينا دي قالت كلام كتير كان اللسان خايف وعاجز يقولوا .. ومن اليوم ولغاية هسة مشاعرنا زادت الاف المرات وبقت اعمق وانضج ... انت عارف انو دي اول مرة تنناقش في موضوعنا ؟؟ انا كنت عارفة انو حتجي لحظة لازم نقعد ونتكلم ونحدد حنعمل شنو ... وكنت خايفة من اللحظة دي خوف الموت ... لاني بالجد محتارة احنا حنتصرف كيف ...

    عندما صمتت بانفاس متهدجة .. ادار جمال محرك السيارة واصبحت تعابيره مصممة وجادة ...
    - ما تخافي يا منال انشاء الله ربنا بيسهل علينا الامور لانو هو بس العالم بالاحساس الجوانا وقدر شنو هو نقي وصادق ... " الله محبة " وهو العادل ... ما حيرضى اننا نتظلم ... انا بس عاوزك تكوني قوية خالص ... وتقتنعي من جواك اننا حنكون لبعض مهما حصل وتختي في بالك انو قرار ارتباطنا حيكون اصعب قرار نتخذه في حياتنا كلها .. واننا لازم نحارب عشان ناخد حقنا ...

    ساد بينهما صمت طويل حتى وصلت منال الى " الكوافير " وقبل ان تترك السيارة ضغطت على يده بقوة .. ثم ترجلت بخطوات تعبة تتابعها عينا جمال باشفاق حتى اختفت خلف الباب الزجاجي المظلل باللون الاسود ...


                  

العنوان الكاتب Date
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:47 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:48 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:49 PM
      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:50 PM
        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:51 PM
          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:52 PM
            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:53 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:55 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:56 PM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:57 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:00 PM
                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:01 PM
                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:03 PM
                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:04 PM
                            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:05 PM
                              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:29 PM
                                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:30 PM
                                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:31 PM
                                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:32 PM
                                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:33 PM
                                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:34 PM
                                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:38 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} najma12-21-08, 03:59 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-22-08, 09:36 AM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} nadus200012-22-08, 04:25 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-23-08, 08:40 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} محمد عبد الماجد الصايم12-23-08, 08:07 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-24-08, 08:17 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-31-08, 04:21 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein01-14-09, 12:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de