إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 03:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سناء جعفر(sanaa gaffer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2008, 03:47 PM

Maawya Hussein
<aMaawya Hussein
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 10136

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

    " حوش بنات ود العمدة " رواية عن الحب والكراهية ..الخوف والفشل والعنصرية .. وبعض المسكوت عنه ..


    للكاتبه سناء جعفر


    الفصل الاول


    إنطلقت الزغرودة عالية مجلجلة بجرس موسيقي صاف وشقت عنان سماء إختلطت فيها ألوان السحب ما بين الأبيض الناصع والـرمادي المتدرج وطغى عليها لون إحتضار الشمس بزفيـرها النـاري وهي تغيب ببطء خلف الأفق المتأهب لغزو الظلام ... تتالت الزغاريد التي كانت تبدأ بعنفوان متحمس منساب ثم تنخفض برنات متفاوتة في الطول والنعومة ...
    وضجت سماء (حي أبوروف ) بالأصوات التي إعتادتها طيلة الشهرين الماضيين ..
    في الفضاء إرتفعت أعمدة دخان باهت ترافقها رائحة " الشاف " المحترق وأبخرة الشحم المخلوط بالقرنفل وأعواد الصندل ... قطع مزيج الروائح النفاذة الشارع الأسفلتي الضيق الذي يفصل منزل حامد الأمين عن النيل وتوغل حتى وصل إلى القوارب الصغيرة التي كانت تتهادى في رحلة عودتها من صيد موفق ... تبادل المراكبيه إبتسامات متواطئة عندما سمعوا رنات الفرح الصادحة المصحوبة بمزيج الروائح المغرية وهي تستفز خياشيمهم التي أدمنت رائحة البحر والسمك ... ظهرت علامات الإنتشاء في الوجوه الكالحة ... وصرخ أحدهم منادياً الآخر ...

    - بختك يا ورّاق ... ماشي حوش ود العمدة محل الريحة السمحة والوشوش السمحة...
    إرتفعت الضحكـات وتبادل الجميع الهمهمات المازحة وهم ينظرون إلى مركب ورّاق الصغير بحسد ... ونادى صوت آخر ...

    - والله سمح العرس عند بنات ود العمدة ... إلا هي الحفلة متين ؟؟؟

    رد ورّاق بفتور وهو يوجه قاربه الصغير نحو الشاطئ .. وإرتج جسده النحيل قليلا عندما اصطدمت المقدمة بالضفة الرملية :

    - العرس الأسبوع الجاي
    حمل كيس الخيش الممتلئ بالأسماك .. وبخطوات خفيفة حافية قطع الشارع الضيق ووقف قليلاً يتأمل المنزل المهيب بأبوابه الكبيرة ومساحته الشاسعة التي تمتد حتى نهاية الشارع ... كانت ألوان الغروب الدافئة تنعكس على الجدران الحجرية العالية وتضفي عليها ظلالاً ناعمة بددت جمودها حتى خيل لورّاق كأنها تتحرك ... هز رأسه كي ينفض عنه أوهامه ثم دخل بإلفة من الباب الحديدي العملاق واتجه مباشرة إلى خلف المباني وهو يتبع خليط الروائح المغرية ... عندما وصل إلى الزاوية التي يبدأ بعدها الحوش الفسيح ... راودته نفسه أن يتجاهل أسلوبه المعتاد في إعلان حضوره وإدعاء الغفلة حتى يرى ما تتوق نفسه إلى رؤياه ... همّ بالتحرك ثم توقفت خطواته بغتة عندما تناهى إلى سمعه صوت حجة " السرة " الجهوري وهي تأمر وتنهي كعادتها ...

    - يا بت يا بلقيس زيدي النار دي سريع ... الحفرة بقت باردة والحطب قرب يموت...

    تسمّر خوفاً .. ورفع صوته بأعلى ما يستطيع :

    - حجة السرة ... يا ناس هوي .. جبت ليكم السمك .. تعالوا شيلوهو مني .

    تمتم بالحمد على عدم مطاوعة نفسه الأمارة بالسوء عندما أتاه صوت السرة محذراً ...

    - وراق ؟؟ اقيف قبلك أوعاك تدخل ... اجري يا بت يا فاطنة شيلي منو السمك ووديهو لحبوبتك بهناك تنضفو ..وكلمي جدك حامد يديهو القروش ... أتحركي يا بت وبطلي المحركة بتاعت أمك دي ...


    تراجع وراق بجسده إلى الخلف ومد رأسه مختلساً النظر داخل الحوش العريض ... كانت فاطمة تتقدم نحوه بخطواتها الراقصة وجسدها الرشيق ... تفوح منها ذات الروائح المستفزة ... بدا جلدها المتراوح بين لون البن المحمص ونعومة ثمرة الطماطم الناضجة ولمعة الدهن السائح يقترب منه ويثير فيه أحاسيس لا يستطيع احتمالها ... ابتلع ريقه بصعوبة عندما وقفت أمامه كإحدى تماثيل الأبنوس المصقولة التي يراها في سوق امدرمان .. خاطبته باستعلاء ..

    - أٌف منك ومن ريحتك يا وراق... انت القال ليك منو احنا عاوزين سمك الليلة ؟؟ شايفنا فاضيين ليهو ولزفارتو ؟؟ .. يلا هاته وطير عند ابوي حامد شيل قروشك ... وتاني حسك عينك تجيب سمك لغاية ما العرس ينتهي ...

    انتزعت كيس الخيش من يده بعنف واتجهت الى آخر الحوش ... ظل يراقب خطواتها حتى اختفت عن ناظريه خلف سور كثيف من الاشجار المتلاصقة التي كونت ما يشبه دغل صغير بدا واضحاً لمن يراه انه وضع بفعل فاعل كي يفصل ويغطي ما خلفه اكثر من كونه زينة .. وقبل ان يستدير عائداً إختلس نظرة اخرى إلى طرف الحوش الآخر المسكون بمنبع الروائح ...
    إرتعشت مفاصله وتسارعت دقات قلبه عندما لمح شبح فتاة رائعة الجمال وقفت بتململ وصبر نافذ ... بدت حبات عرق لامعة تغطي وجهها وتسيل في خطوط متنافسة حتى عنقها ... كانت خصلات شعرها الناعم المتمردة مبعثرة وملتصقة بجبينها الضيق وتدلى بعضها متلوياً على خدودها اللامعة ... حركاتها القلقة جعلت " الشملة " تنحسر عن كتف ذهبي مستدير .. بينما خرجت من أسفلها ساق تشبعت بالدخان حتى صار لونها مائلاً للسواد ...
    كانت " بلقيس " كبرى بنات حجة السرة منحنية وهي تلتقط جمرات من "الكانون " أمامها وتضعها بحرص داخل الحفرة العميقة حسب توجيهات امها ...

    - رصي الحطب كويس يا بلقيس ... زيدي الجمر دة ووزعيهو عشان يقبض سريع ... وانتي يا بت يا رحمة غتي صدرك ما يلفحك الهوا ... أرفعي الشملة دي لفوق وبطلي الدلع الفارغ البتسوى فيهو ده واقعدي زي الناس في الحفرة ... بنات آخر زمن !! ... الواحدة تقعد عشرة دقايق وتبدا تتململ وتنقنق .. أحي الحفرة حارة ... واي الدخان خنقني ... ما شفتونا إحنا في زمنا نقعد بالساعات الطوال في عزّ الحر وعزّ البرد ... ونتمسح بالودك لمن يسيل ويملا الواطه ... ونتغطى من راسنا لرجلينا مافي مخلوق يشوفنا حتى اقرب الاقربين لغاية ما الدخان يبقى طبقة تخينة لمن يجوا يطلعوها الا يدخلوا القشة .. يلا تعالى اقعدي خلينا نخلص مواعيد الغناية قربت ...

    أدرك وراق بأنه قد أطال الوقوف فخاف من إفتضاح أمره وأجبر قدميه المسمرتين على الحركة رجوعاً الى مقدمة المنزل وهو يدور بعينيه آملاً في رؤية المزيد من فتيات الحوش الحسان ... أحس بخيبة امل عندما وصل الى " الديوان " دون ان يصادف احداً ...
    في " المصطبة " العاليـة جلس حـامـد الاميـن الشهير " بود العمدة " في كرسي منخفض وأمامه " إبريق " ملئ بالماء وقد شرع في الوضوء بينما تعالى صوت الآذان الشجي من المئذنة العالية التي تطل على الحوش ...
    كان ود العمدة رجلاً نحيلاً منتصب القامة بصورة مهيبة وتثير الحيرة في إمكانية تحديد عمره الحقيقي .. بدا التناقض واضحاً بين ملامحه الطفولية الوسيمة والشيب الذي غزا فوديه وتوزع بفوضى محببة في الشارب الغزير والذقن المستديرة الخفيفة التي لم تستطع اخفاء نغزة عميقة توسطت الحنك الدقيق ... كانت نظراته الحادة تنطلق كالشرر من عيون واسعة يتمازج فيها اللونين البني والعسلي بانسجام غريب .. وعندما يبتسم احدى ابتساماته النادرة تنفرج شفتيه عن أسنان بيضاء لامعة تتوسطها " فلجة" صغيرة وتظهر غمازتان عميقتان على خدوده المشدودة ...

    بعد ان فرغ حامد من وضوؤه رفع راسه ونظر الى وراق الواقف بصبر وخاطبه بصوت هادئ

    - اهلاً يا وراق .. جبت السمك ؟؟ حسابك كم ؟؟

    خفض الشاب نظراته إحتراماً وأتت كلماته متلعثمة كما هو حاله عندما يخاطب صاحب المنزل ...

    - خليها عليّ المرة دي يا ود العمدة .. دي هدية بسيطة ما قدر المقام عشان العروس المرة الجاية بشيل منك ...

    فتح حامد محفظته المنتفخة وأخرج منها رزمة أوراق مالية ومدها للسماك الخجول ...

    - هدية مقبولة يا وراق .. وهاك المبلغ دة هدية مني ليك ...

    همّ وراق بالاحتجاج فاسكته ود العمدة باشارة من يده ...

    - شيل القروش يا وراق .. مش انا قبلت هديتك ؟؟ انت كمان لازم تقبل هديتي ... يلا بطل نقة عشان ما تفوٍت علينا الصلاة .. المغرب غريب وما بتحمل التاخير ...

    تناول وراق النقود الممدودة والتي قدر قيمتها بأربعة أضعاف قيمة السمك الذي احضره .. جاهد ليبدو حاسماً وهو يخاطب ود العمدة ...

    - انا حشيلهم المرة دي ... لكن المرة الجاية لو أديتني قروش تاني ما بجيب ليكم سمك..

    إكتمل مشروع الابتسامة في الوجه الوسيم ... إستدار ود العمدة دون أن يرد .. إتجه إلى سجادة الصلاة وشرع في التكبير بخشوع ...

    داخل المنزل الفسيح كانت هناك حركة دائبة لفتيات يجمع بينهن الجمال ويفرقهن اختلاف الأعمار وتباين الألوان التي تدرجت ما بين الذهبي البراق الى الخمرى الناعم والقمحى الفتان والاسمر اللامع ...
    في إحدى الغرف المغلقة جلست فتاتان في منتصف السرير تتهامسان بخفوت متآمر وهما لاهيتان بحديثهما عما يدور خارج الغرفة ... فجأة فتح الباب بعنف شتت شمل الهمس ووقفت على عتبته فتاة تتأرجح بين الطفولة والنضج وقد وضعت يديها في وسطها بتحد مما أظهر صدرها العارم الذي لا يتناسب مع قوامها النحيل ... كانت لهجتها المتسلطة ونبرتها الحادة إرثها الواضح من السرة ... تراقصت علامات الغيظ في عينيها الكحيلتين وهي تتكلم بصوتها الجهوري ...

    - منال وجاكلين ؟؟ انتو قاعدين هنا تتوسوسوا والدنيا برة جايطة ؟؟ .. انتو يا بنات ما بتفتروا من الكلام ... الوقت كلو مقابلين بعض وتنقوا .. اصلكم بتقولوا شنو ؟؟ بتحلوا مشكلة فلسطين ؟؟!! ما مكفيكم الوقت البتقضوهوا مع بعض في الجامعة ؟؟...

    إنتفضت جاكلين فزعاً وهي تتمتم " يا عدرا يا أم النور " رفعت يدها وقد فردت أصابعها الخمس في وجه بدرية فظهر التناقض واضحاً بين باطن كفها الشديد البياض والصليب الموشوم في أسفله باللون الرمادي الداكن وهي تتمتم .. خمسة وخميسه .. الله اكبر على عينك .. ثم مالت على أذن رفيقتها هامسة خوفا من أن تسمعها بدرية...

    - تعرفي يا منال خالتك المفعوصة دي يوم حتجيب لي سكتة قلبية بصوتها العامل زي الرعد دة ...

    ثم رفعت صوتها وهي تستدير لتخاطب بدرية ...

    - في شنو يا بدرية ؟؟؟ القيامة قامت ولا حاجة ؟؟
    تدخلت منال بسرعة وقبل أن ترد خالتها بلؤمها المعتاد على صديقتها المقربة ...

    - مالك هايجة يا بدرية ؟؟ في شنو ؟؟ .. إحنا جينا نرتاح شوية لغاية ما الناس تخلص صلاة المغرب وبعدين نطلع ...

    رمقتها بدرية بنظرة تنفث ناراً ...

    - يعني انتي عارفة دة وقت الصلاة ؟؟؟ طيب مالك يا ختي ما قمتي تصلي ؟؟ عرفنا صاحبتك مسيحية .. اها انتي مالك ؟؟

    - انا عندي عذر شرعي يا بدرية وما علي صلاة ... خلصينا عاوزة شنو ؟؟ ...

    - ما انا العاوزة يا منال ... امي وبلقيس قالوا ليك تعالي جهزي حاجات التعليمة ... مش انتي عارفة انو الليلة آخر تعليمة لرحمة ؟؟ .. ولا عاوزة الناس تجهز ليك حاجات اختك وانتي قاعدة تتونسي ؟؟ ...

    - طيب يا فالحة ... اجري قولي لامي وحبوبة انا وجاكلين جهزنا الحاجات كلها من قبيل ومنتظرين الغناية تجي عشان نطلعها ... يلا هويّنا ...

    إستشاطت بدرية غضباً .. وظهرت نزعتها الطفولية في حركة قدمها التي رفعتها وضربت بها الارض ...

    - اوعك يا منال تقولي لي هوينّا ... والله اكلم ليك امي وبلقيس ... انا صحي اصغر منك لكن مفروض تحترميني .. انا خالتك ولا انتي ناسية ؟؟ ..

    - طيب يا خالتي ... خلاص رسالتك وصلت .. ممكن تمشي هسة ؟؟ ولمن رحمة تخلص دخان والغناية تجي تعالي ناديني ...

    إستدارت بدرية والدموع تتلألأ في عينيها ... إتجهت مباشرة الى خلف المنزل وبدأت بالشكوى ما إن رأت امها وشقيقتها الكبرى تحيطان برحمة المتبرمة من حرارة الدخان ... إنتفضت السرة هلعاً عندما رات صغرى بناتها تشرق بدموعها ..

    - سجمي .. مالك بتبكي يا بدرية ؟؟ في شنو ؟؟ ...

    تجاهلت بدرية امها واتجهت الى شقيقتها ..

    - يا بلقيس شوفي منال دي .. بتعاملني كاني طفلة صغيرة وما بتعمل لكلامي أي اعتبار وطول الوقت قاعدة مع جاكلين ولو جيت اقعد معاهم يطردوني ... هي أولى ليها تقعد مع منو ؟؟ انا ولا جاكلين ؟؟

    كانت بلقيس تدرك إحساس الغيرة الذي يعتري شقيقتها الصغرى من علاقة إبنتها بجاكلين .. وظلت تراقب بإشفاق محاولاتها المستميتة لدخول الدائـرة المغلقة عليهما ورغبتها الملحة في تصنيفها ضمن ( البنات الكبار ) حتى تخرج من صفة الطفولة التي تلازمها .. من جانبها حاولت بلقيس جاهدة خلق علاقة تآلف بين شقيقتها وبين " هادية " إبنة نعمات زوجة أبيها التي تماثلها سناً .. لكن العداء المستعر بين السرة ونعمات خلق شرخاً عميقاً بين الاخوات لم تفلح حكمة ود العمدة في تضييقه برغم إسلوبه العادل في المعاملة بين زوجتيه وبناتهما ...

    هبت بلقيس من جلستها واحتضنت شقيقتها التي تحس بالامومة تجاهها وخاطبتها بحنو زائد وهي تمسح دموعها بطرف ثوبها ...

    - معليش يا بدرية ما تزعلي .. إنتي مش عارفة منال وطريقتها ؟؟ لكن والله هي بتحبك اكتر من أي زول تاني ... بس انا كلمتك من زمان .. وقت المذاكرة ما تمشي ليها .. وبالذات الايام دي امتحاناتها قربت وعرس رحمة عامل ليها ربكة شديدة .. هي وجاكلين بينتهزوا أي فرصة عشان يذاكروا .. وبكرة لمن تدخلي كلية الطب زيهم حتعرفي زنقة المذاكرة كيف ...

    ازدادت بدرية التصاقاً بشقيقتها وهي تحتج ...

    - ما كانوا بيذاكروا يا بلقيس ..كانوا قاعدين يتونسوا وأول ما دخلت عليهم قطعوا الكلام كالمعتاد ... انا عاوزة اعرف ليه بيسكتوا كل ما اجي اقعد معاهم ؟؟

    كانت الكلمات تندفع من فمها كالسيل حتى طغت عليها زغرودة عالية مميزة تعالى بعدها صوت رفيع يتكلم بلكنة محببة ...

    - السرة ... بلقيس .. يا جماعة انتو وين ؟؟ لسة ما جهزتوا ؟؟ ... انا جبت اللقيمات وبلح القنديلة الما خمج جابوهو من الشمالية امس ... تعالوا يا بنات شيلوا معاي ..يا بت يا اميرة .. مالك واقفة متنحة كدة ؟؟؟ اتناولي مني كورة المديدة دي ووديها لرحمة خليها تشربها دافية عشان تشد حيلها في الرقيص ...

    افلتت بلقيس شقيقتها من بين ذراعيها وهي تحذرها ...

    - بدرية .. اوعك تتكلمي فارغ قدام خالتك رجاء ولا تجيبي سيرة منال وجاكلين فاهمة ؟؟

    وقبل ان تجاوبها بدرية ارتفع صوت السرة مهدداً ...

    - امشي يا بت بلاش دلع فاضي وشوفي ليك شغلة اعمليها بلا كل يوم فالقة راسنا منال وجاكلين .. جاكلين ومنال ... وبحذرك لو لحقتي فتحتي خشمك دة قدام رجاء ولا جبتي السيرة دي بالغلط ما تلومي الا روحك وشوفيني حاعمل فيك شنو ..

    ظهرت رجاء في طرف الساحة وهي تحمل الاغراض بكلتا يديها وسيل الزغاريد يندفع من فمها بلا توقف ... كانت امراة قصيرة القامة ممتلئة باعتدال وذات ملامح ناعمة .. يحيط بوجهها المستدير شعر قصير تداخلت فيه الخصلات السوداء مع الفضية لتكسبها عمراً يفوق عمرها الحقيقي .. من خلف اطار النظارة الطبية الذهبي الرفيع شعّت عينان تفيضان لطفاً وحناناً ... وتزينت شفتيها الرفيعتين الباهتتين بابتسامة لا تعرف الخمول ... ظهر بياض بشرتها من خلال فتحة الفستان الاسود الذي اصبح علامة مميزة لم تفارقها منذ ثمان سنوات حينما ارتدته حزناً على وفاة زوجها الشاب بحادث سير ماساوي تاركاً لها جمال على أعتاب الشهادة السودانية والتوأم جانيت وجاكلين في الثانية عشرة من عمرهما ... حملتهم مع فجيعتها وعادت بهم الى منزل والدها العجوز الملاصق لحوش ود العمدة .. كانت دماثة خلقها هي جواز مرورها الى قلب حامد والسرة ..وخلال فترة وجيزة اصبحت كاحدى بناتهم .. واصبح اولادها بمثابة الاخوان لبنات الحوش .. وبعد وفاة الوالد العجوز زادت رعايه حامد للاسرة الصغيرة .. وبرغم حضور شقيق رجاء من " الدبة " مسقط راسهم للاقامة معها .. الا ان احساس ود العمدة بالمسئولية تجاههم لم ينقص بل زاد وشمل القادم الجديد فاحتضنه ووفر له عملاً في سوق امدرمان وقدم له الدعم والحماية حتى قوى عوده...
    بحضور رجاء ارتفعت حرارة الزغاريد وبدا توافد الجيران لحضور التعليمة ... اغتنمت " رحمة " الفرصة وهبت بفرح من حفرة الدخان ... تجرعت " المديدة" التي احضرتها رجاء على عجل ثم ركضت الى الداخل تتبعها صرخات امها ...

    - يا بت اركزي وبطلي الجري ... امشي ارتاحي شوية واجهزي الغناية قربت تجي ... يا اميرة نادي لي منال .. البت دي مشت وين ؟؟!! ...

    اتاها صوت من داخل المنزل مجيباً...

    - منال مافي ... مشت بين ناس خالتي رجاء مع جاكلين ...

    تنهدت بلقيس بغيظ وهي تتمتم .. والله ما خاتية عليك بدرية يا منال يا بتي... الوقت كلو يا قاعدة مع جاكلين ولا عندهم في البيت ... اليتكل عليك يتكل على حيطة مايلة ... اخير اقوم اسوي حاجاتي براي ... بس لو اعرف سرك شنو مع بيت ناس رجاء كنت ارتحت !!! ...

    كانت جدران المنزل الصغير الملاصق لحوش ود العمدة مطلية بلون الكركم الأصفر فاظهر سواد الباب الحديدي العريض الذي يتوسط حائط قصير انتصبت في قمته قطع من الزجاج الناتئ باشكال مثلثية متنافرة ... إتكأ الباب على ثلاث عتبات خشنة وإستظل تحت تعريشة من " القنا " المتقاطع التي تشكل ممر ضيق يمتد الى البوابة الداخلية للمنزل .. على الاعواد المطلية بمختلف الالوان تسلقت فروع شجرة عنب عجوز واصبحت اوراقها مظلة خضراء تدلت من بينها العناقيد المخفية في قطع صغيرة من القماش الابيض ... في جنبات الحوش تناثرت اواني الزرع الفخارية الرطبة ... وغلبت على محتوياتها ورود " الجهنمية " الحمراء والبرتقالية ... بينما شكلت شتلات الفل والياسمين أقلية نشرت رائحتها العطرة لتختلط برائحة البسطرمة وضفائر السجق المتدلية من حبال متوازية اصطفت في طرف الحوش البعيد ...
    بدا الضوء المنبعث من الداخل ناعماً بتموجات صفراء توحي بالدفء ... كان النظام يميز الصالة المربعة المفروشة بأثاث بسيط ... على الجدران توزعت صور مريم العذراء وهي تحمل طفلها وتحيط براسيهما هالات من نور ... وصور متنوعة للمسيح وهو يتناول عشاؤه وسط حوارييه ... و لوحة كبيرة إحتلت نصف الجدار لقديس يرتدي درعاً ويحمل رمحاً طويلاً يغرزه في احشاء تنين مطروح ارضاً ... كانت أبواب الغرف تطل على الصالة الصغيرة ... بينما انزوى المطبخ والحمام في احدى الاركان .. تسللت روائح البسطرمة والسجق الى الداخل واختطلت بعبق بخور اللبان المتصاعد من مبخر صغير لتخلق جواً مثقلاً بمزيج مميز ...

    داخل احدى الغرف وقفت جاكلين أمام المرآة وهي تمشط شعرها الطويل وتزيد من حمرة شفتيها بينما جلست على السرير نسخة طبق الاصل منها تراقبها بغيظ .. وأخيراً خاطبتها من بين اسنان مطبقة...

    - جاكلين ؟؟ انتي مش عارفة الليلة عندنا درس الكتاب في الكنيسة ؟؟ البص حيجي ياخدنا بعد شوية ... انتي ما ناوية تمشي ولا شنو ؟؟

    ردت جاكلين بلهجة عابثة لا مبالية ...

    - جانيت يا حبيبتي ... انتي مش عارفة انو الليلة تعليمة رحمة الاخيرة ؟؟ كيف يعني عاوزاني افوتها ؟؟ لو على درس الكتاب ما هو كل اسبوع ... حامشي الاسبوع الجاي ولو قسيس نجيب سال عني قولي ليهو عيانة ...

    هبت جانيت وقد احمر وجهها غضباً ..

    - والله عال يا جاكلين ... ما مكفيك انك ما ماشية وكمان عاوزاني اكذب عشان اغطي عليك ؟؟!! انتي انسانة ما مسئولة .. الاهم ليك شنو درس الكتاب ولا التعليمة ؟؟ انتي يا بت ما ناوية تتعدلي وتمشي صح ؟؟

    هزت جاكلين راسها فتماوج شعرها الكثيف بنعومة .. استدارت لتواجه توأمها بتحدى ...

    - يا جونا يا اختي .. بطلي تعقدي الدنيا لانها ما ناقصة تعقيد ... انتي عاوزة تمشي الكنيسة ؟؟ امشي .. انا ما حايشاك .. وما في داعي تكذبي .. لو سألوك عني قولي ليهم مشت تعليمة بت الجيران .. اوكيه ؟؟ يلا يا حلوة باي ... لمن ترجعي احكي لي درس الكتاب وانا بحكي ليك التعليمة..

    غمزت شقيقتها بعينها وهي تخرج من الغرفة منادية ...

    - يلا يا منال جيبي الكتاب وتعالي اتاخرنا ...

    انتفضت منال عند سماع صوت صديقتها وسحبت يدها النائمة بدعّة في يد جمال .. تلاقت عيناهما في نظرة طويلة معبرة وهمست له قبل ان تخرج من باب الغرفة الموارب ...

    - جمال ... لازم اشوفك بعدين ... انا ما بقدر اجي عندكم تاني الليلة .. وبكرة طالعة مشاوير مع امي نقضي باقي حاجات العرس ... يعني إحتمال ما الاقيك ... بعد ما تنتهي التعليمة انت تعال عندنا البيت .. اعمل روحك عاوز أي حاجة من خالتي رجاء ولا جاكلين .. خلاص اتفقنا ؟؟ انت عارف انا لو ما شفتك يومين ورا بعض بتعب شديد ...

    احس بالخدر وهو ينظر الى عينيها الجميلتين فاختفى صوته وأومأ ايجاباً وهو يرسل لها قبلة في الهواء التقطتها وردتها اليه قبل ان تخرج على عجل ...
                  

العنوان الكاتب Date
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:47 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:48 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:49 PM
      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:50 PM
        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:51 PM
          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:52 PM
            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:53 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:55 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:56 PM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:57 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:00 PM
                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:01 PM
                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:03 PM
                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:04 PM
                            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:05 PM
                              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:29 PM
                                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:30 PM
                                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:31 PM
                                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:32 PM
                                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:33 PM
                                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:34 PM
                                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:38 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} najma12-21-08, 03:59 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-22-08, 09:36 AM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} nadus200012-22-08, 04:25 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-23-08, 08:40 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} محمد عبد الماجد الصايم12-23-08, 08:07 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-24-08, 08:17 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-31-08, 04:21 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein01-14-09, 12:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de