الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 03:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2009, 10:58 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الرحيل المُر (Re: الكيك)

    التاريخ: الأربعاء 25 فبراير 2009م، 1 ربيع الأول 1430هـ


    في حضرة شيخي الطيب صالح (1)

    خالد عويس

    «لوقتٍ طويلٍ لن يولد، هذا إذا وُلِدَ،
    (سودانيٌّ) جليّ مثلك، وغنيّ بالمغامرة مثلك،
    ذا أنا أُعظّم أناقتَه بنائح الكلمات،
    ومتذكراً نسمة حزينة تخلّلت أشجار (النخيل)»
    الشاعر الإسباني الكبير غارسيا لوركا في (بكائية من أجل إغناثيو سانشيز ميخياس) - ترجمة الشاعر العراقي عبدالقادر الجنابي، وبتعديل كلمتي (إسباني) إلى (سوداني)، و(الزيتون) إلى (النخيل).
    الموت منتصر في النهاية !
    الموتُ منتصرٌ في النهاية، كما هجس الشاعر الإسباني، غارسيا لوركا.الموت يهزمنا نحن الباقين بعد رحيل من هزموا الموت.الموت يشرقنا بالبكاء.وكلما سقط «عصرٌ من الكلمات»، ونشيدٌ إنسانيٌ صرف، كالطيب صالح، سقطت ورقة من أوراق العمر، عمرنا نحن.
    الموت منتصر في النهاية.هزمنا - عنوة ? مرات ومرات، بسرقة أجمل المخلوقات منّا، المخلوقات التي تفيض شعرا وموسيقى، وقادهم إلى «ممر لولبي»، هو ممر بياض لن يعودوا منه أبدا.وها هو، اليوم، يجرحنا إلى أقصى حد، ويزرع طعم العلقم في حلوقنا، باختياره، هذه المرة، «المهاتما/الروح العظيمة»، الطيب صالح !
    يستعصي عليّ إلى أبعد درجة، ألا أرى الطيب صالح مرة أخرى، ولا أسمع صوته.وأن أعيش اليوم الذي أراه فيه - على شاشات التلفزيون -، محمولا على الأعناق، إلى مثواه الأخير.
    يصعب تصوّر ذلك، فالأمر فادح جدا.أن يغيب عن العالم فجأة، ذلك الطيف النوراني المشع إنسانية، كأنه ضوء الفجر الخفيف الذي ينسرب بين هامات النخل، ناهضا من النيل، ليعم الأرجاء، ويبعث في الناس شعورا عميقا بمعنى الحياة.
    إن كان الأمرُ أمرَ عبقرية أدبية متفجرة وحسب، لهان، لكنه أمرُ «إنسانٍ نادرٍ على طريقته» فعلا.إنسان «لا يجرح خدا»، ولا يؤذي زهرة، ولا فراشة. إنسان كأنه مخلوق من طينة سماوية، لا أرضية.
    هكذا كان الطيب صالح، لكل من عرفه عن قرب.روح خفيفة كالنسمة، وعقل جبّار.في حضرته، يصبح المرء - بلا إرادة - تلميذا صغيرا ينهل من نبع الإنسانية.ينهل من رجل عظيم، على ثقافته الشديدة الاتساع، إلا أنه آسر للغاية بمعشره وروحه الإنسانية المتوقدة الفذّة.
    ولعل ذلك هو سر عبقريته، التي لا انفصام بين شقها الأدبي العبقري، وجوهرها الروحي الذي قلّ أن تجد له نظيرا بين الناس، عامة الناس، الذين ما إن يبلغ الواحد منهم مرتبة ما، في سياق اللهث والصراع الدنيوي الفاني، حتى يحسّ بنشوة ذلك، وتعظم في عينيه نفسه، فما بالك بروائي عالمي كالطيب صالح! لكنه أبدى على مرّ السنوات، زهدا غريبا، وتقشفا نادرا، وتواضعا، وبساطة، وقلبا رقيقا، كقلوب الرضع، لا يخدش أحدا، ولا تغرّه الدنيا، ولا ينتظر من متاعها إلا أقلّ القليل، تصغر في عينيه العظائم.
    هذه هي عبقرية الطيب صالح.عبقرية السوداني البسيط، البالغ البساطة، الذي تكفيه تمرات يلتقطها من «نخلة على الجدول»، وجرعات من ماء عكِر، لينام قرير العين، متفيأً ظلال شجيرة، تغطي بالكاد جسده.
    ما أقسى خسارة أمثاله. وما أكبر فجيعتنا فيه على الصعيدين، الأدبي والإنساني.خسارته لا تُعوض.والمرارة ستبقى في حلوقنا للأبد، لأن أمثال الطيب صالح لا يولدون كل يوم، ولا كل سنة، ولا كل قرن. إنهم كالمستحيل، يضيئون سماوات العالم بأسره، ويشعون عليه، ويسبغون على شعوبهم، وعلى الإنسانية جمعاء، نورا وإلهاما يبقى أبد الدهر.
    عازف عن الضوء، وزاهد في الأضواء عاش سيدي الطيب صالح.وهكذا رحل في صمت.صمت الفلاسفة الكبار.عرف الدنيا وأختبرها وأدرك حقائقها الكبرى، فعزف عنها وعن إغوائها.بل حتى سخر منها ومن أضوائها الزائفة. كان ناموسا بحدّ ذاته، كالنواميس الكونية الكبرى، وكالظواهر الخارقة، غير أنها في غاية البساطة، وفي هذه المعادلة الصعبة، بين الخارق والبسيط تكمن عظمة الطيب صالح.

    * روائي سوداني مقيم في الإمارات
    [email protected]


    ---------------------------------------

    التاريخ: الأربعاء 25 فبراير 2009م، 1 ربيع الأول 1430هـ


    الطيب صالح..نفحة الطمي

    بقلم: لمياء شمت

    ما يقارب نصف قرن من سير الزمان وما زالت الأقلام تحرث في محاولة للقبض على سر ذاك المتن الإبداعي المتجاوز، و تلك الروح الساردة الحكائية في تعبها المستطاب وهي تعاين تفاصيل الوجود بمحبة وتتماس معه بشفافية مطلقة تحوله هوناً الى خزائن رؤى وأفكار لا تنفد، والى تأمل متمهل و إستكناه متبصر ينسج أمشاج الحياتي والخيالي بأبعاد رؤيوية توثق عراها لغة هي زبدة البساطة والطلاوة والنفاذ. يقول الطيب صالح عن منجزه الإبداعي: «هو نوع من الاصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم الذي أعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له».


    و كما أن الألماني هنريش هاينة قد إرتفع بالكتابة الصحفية الى مقام الشعرية، فإن الطيب صالح قد جعل من المقال الصحفي مفاعل تخصيب رؤيوي عظيم، يهدر فكراً وجمالاً معافاً من رهن الإشتراطات وجمود القولبة وسلفية ترسيم الحدود بين أجناس الكتابة.ليفيض مقاله بالمحاورات و الخواطر والتأملات والأنساق الحكائية و الكشوفات التي تتبدى كمغامرات وعي باهرة تحتمل كل الأفكار، ويتسع أفقها نحو اللا محدود واللانهائي في الكتابة.
    ولعل تلك السعة والقدرة على الإصغاء والتدبر هي ما جعلت وعي الطيب صالح يلتقط بوضوح أدق إشارات وإرهاصات الحياة الثقافية في منطقة الخليج تحديداً، التي التصق بها و بفعالياتها المختلفة على مدى ربع قرن من الزمان. «إذا كان الخليج عنده أدباً حديثاً وأصيلاً وليس ازدهاراً مجبراً فسيكون مكتوباً على يد امرأة، لأن النساء هنّ اللواتي يعشن تحت ظروف اجتماعية صعبة تجعلهن مؤهلات للكتابة في الرواية والشعر .. وأنه إذا كانت هناك رواية خليجية خلال العشر سنوات المقبلة فإنها سوف تكون رواية امرأة كتبت بالقهر والغضب».
    تلك هي نبوءة الطيب صالح الباهرة التي أطلقها في العام 1981م، وما زال أهل الفكر و الثقافة في منطقة الخليج يتحلقون حولها مستضيئين بنفاذ تلك الرؤية المتبصرة خاصة السعوديين وهم يستحضرون روح الطيب صالح كأحد الرموز الباذخة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، الذي ظل الطيب صالح يزينه بحضوره الأنيق ويرفده باستمداداته الفكرية و الجمالية التي لطالما قدحت الأذهان وحركت كوامن الروح والعقل والوجدان. وفي عهد إزدهار الفن الروائي السعودي الحالي وعلو مده بتصدر الرواية النسائية بجدارة لواجهة المشهد الثقافي، ما زالت تلك المقولة تقتبس وتستدعى باستمرار. فها هو إبن عقيل يكتب بعد ما يزيد عن الربع قرن مستصحباً ذاك الحدس الطيبي الملهم وهو يمضي متأملاً ملامح الأدب السعودي ليدون شهادة جيل : «المرأة هي الأفضل فيما يتعلق بالرواية في المنطقة، بل أن تلك الأعمال لها أثر عظيم حتى في تغيير آليات التلقي داخل المجتمع».
    ذلك هو حضور الطيب صالح الذي لم تغيبه سهوب الجغرافيا ليظل على عهده براً حفيا. تحيلنا خصوصية غربته الطويلة الى تمثلات إدوارد سعيد للمثقف كذات مرتحلة واقعاً و مجازاً، تتأبط غربتها لكنها لا تكف عن التواصل والإندغام في هموم بيئتها، يخبر عن ذلك إتصال الطيب صالح العضوي بأوردة أمته وبلده، وأرقه بإنسانه، ووعيه النافذ بالتحولات السياسية والإقتصادية وما أحدثته من تجريفات رهيبة في بنية المجتمع.
    وعبر البلاد وفي جوف ضباب لندن المتناسل لم يجنح الطيب صالح يوماً لتدبيج مراثي الإغتراب الشكاءة البكاءة، التي تختزل التجربة الى محض إنكسار وشتات وحالة رهابية، وإنما أنخرط بكل جوارحه في تلك التجربة الوجودية المهمة بيقين راكز بحقيقة اتصال كوني أبدي ووحدة وجود إنساني يسقي جذره الود والمحبة والسعة وإحترام الآخر. يحلم الطيب بأن يلملم شعثه و يرتق فتقه ظاهراً و باطناً، «لو كان لي من الأمر شيء لربطت العالم كله من طنجة الى مسقط، ومن اللاذقية الى نيالا بشبكة من السكك الحديدية».
    و لعل تلك الأريحية المتسامحة البشوشة هي ما جعلت الطيب صالح تماماً كصديقه منسي «كان أصدقاؤه من مختلف الأجناس و شتى المشارب والأقدار والمراتب، وكانوا كلهم عنده سواسية؛ الأمير مثل الفقير».
    رجل هو حقاً بلا مزاعم ولا رهانات كبرى ولا ادعاءات. يقول كلمته و يمضي هيناً زاهداً في الأضواء والألقاب والحظوات و التعلق بأشجار النسب، ورغاوي المرابد وصبوات الإستعلان والانتفاخ و ترويج الذات. يصر على انه محض فلاح بسيط يقلب حواسه في قبة الكون. فلاح قدره أن يشع في الأذهان و يخلد للأبد الأسم الذي هو صفة ذاته الحيية، نقية الطوية دافئة الانسانية، طيبة النفحة، عظيمة الخصب كطمي الأرض البكر التي أخرجتها.


    ---------------------------------------------
    التاريخ: الأربعاء 25 فبراير 2009م، 1 ربيع الأول 1430هـ


    الطيب صالح: قراءة سريعة في خطاب الرحيل

    عبد الماجد عبد الرحمن

    - رحل الطيب صالح فالحزن عريض. لكن ورطة أكبر، ستواجه كل من يحاول الكتابة عنه . خاصة إن كان الكاتب من النوع الذي يعاني «قلق التأثر»- حسب المفهوم النقدي لهارولد بلوم الذي عرضنا له سابقاً (في الحقيقة كل النصوص مثقلة بقلق التأثر!). فليس أصعب من الكتابة عن كاتب كبير أو نص كبير(وكذلك النص الصغير والكاتب الضعيف هو الآخر ورطة!). إذ كيف يمكن لأي كاتب أن يضيف جديداً لما كتب ويكتب باستمرار.. لهذا السيل العارم المنهمر بلا حدود. لعل مثل هذه الورطة هي التي جعلت الكاتب المفكر السوري هاشم صالح يكتب مقالا - حين مات محمود درويش - يشتمه بشدة أو كأنه يشتمه! وتبريره لذلك أن درويش مثل كل الشعراء العظام في التاريخ لم ولن يموت، فدعنا نعامله وكأنه حي بشتمه (لعلها طريقة ذكية لطرد الحزن)! فالطيب صالح كشكسبير أو ديكنز أو ميلتون أو طاغور أو غيته أو ماركيز أو كافكا أو هوقو وكل المائة الآخرين الأعظم في تاريخ الأدب الإنساني الذين صنف بينهم ولم يفخر. تابعت التغطيات الصحفية لرحيله ووجدت المعاناة تفوح من كل قلم حاول الكتابة عن الطيب صالح. وتحضر هنا عبارة قالها الكاتب عثمان الحوري تلخص ورطة الكتابة عن الطيب صالح وهي أن من يحاول الكتابة عن الطيب صالح فهو كمن يحاول « أن يبيع الماء في حارة السقايين» ( يعني حيقول شنو الناس ما عارفنه). وفي أحد أعداد مجلة الثقافة السودانية القديمة محاولة لكتابة ببليوغرافيا عن كتابات الطيب صالح . ستندهش من كم الدراسات والمقالات والبحوث العلمية التي أحصيت عنه (عشرات). لاحظ هذا العدد القديم يعود إلى السبعينيات!
    ---
    - مع هذا السيل الجارف، أعتقد أن من الكتب والدراسات الأخيرة الجديرة بالقراءة كتاب د.احمد البدوي(الطيب صالح - سيرة كاتب ونص ) وكتاب آخر لباحث عربي في بريطانيا يحمل رؤية جديدة عن «موسم الهجرة»(سنعرض لهذه الدراسة لاحقاً)، ودراسة الدكتور عبد الرحمن الخانجي عن «رؤية الموت و دلالتها في روايات الطيب صالح (نموذج موسم الهجرة وبندرشاه)»، ومقالة منصور خالد الفاخرة (الزين يغيب عن عرسه) حين اختير الطيب صالح ضمن المائة كاتب الأعظم في التاريخ(نشرت في الشرق الأوسط والصحافة). الكاتب الصحفي الممتاز إسماعيل آدم تحدث عن «صعوبة الكتابة» عند الطيب صالح ووصفها «بالجنزير» الثقيل. وهو يريد أن يقول إن الطيب صالح يخرج الكتابة بعد كدٍ وجهدٍ وتعب، وهذا صحيح. فأحمد البدوي هو رجل بحاثة وذو حس توثيقي نادر قال في كتابه (سيرة كاتب ونص) إنه وجد في المتحف البريطاني عدداً قديماً من مجلة (التايمز) يعود إلي العشرينيات من القرن الماضي. في هذا العدد القديم وجد الباحث خبراً أو تقريراً موجوداً بالنص في «موسم الهجرة» (في أوراق مصطفى سعيد في غرفته الخاصة التي فتحها محجوب بعد اختفائه الغريب). وكأن الأخ إسماعيل يريد أن يقول أيضا إن الكتابة صعبة عند الطيب صالح وعنه أيضا !
    - في احدى هذه التغطيات الصحفية عن رحيل الكاتب في جريدة (الرياض - السعودية) قال د. حسين المناصرة أن (موسم الهجرة إلى الشمال) رواية يمكن أن تقرأها عشر مرات أو مائة مرة ثم تحس وكأنك تقرأها للمرة الأولى. وهذه على الضبط ميزة النصوص الكبيرة.. لا ستنفد ولا تنضب وتبقى باستمرار في انتظار قراءة جديدة أعمق وأجمل. وقال الروائي السعودي يوسف المحيميد إنه لم يكد يفق من صدمة موت محمود درويش حتى فاجأه الطيب صالح، ومما قال: «فكما تعلمنا جماليات اللغة ومفرداتها الشعرية على يدي محمود درويش، كنا التقطنا جماليات خيوط السرد من رائعته «موسم الهجرة إلى الشمال». وتتذكر الكاتبة السعودية منى المالكي كيف أن «موسم الهجرة» كانت تتناقل سراً بين أيدي طالبات المرحلة الثانوية في السعودية وأن دهشتهن كانت بالغة بعوالم ولغة هذه الرواية فائقة الجمال.
    - لم نستثمر نحن السودانيين الحضور الطاغي للطيب صالح على مستوى الدوائر الثلاث التي نقع فيها(العربي والأفريقي والعالمي). فلو استثمرنا (10%) فقط من هذا الحضور الفريد لما كنا اليوم نشكو من الإهمال لأدبنا وثقافتنا، وهي التي جاءت بالطيب صالح . هذا مع أن الكثير من أهم مبدعي السودان عاشوا أو يعيشون في منطقة الخليج : إبراهيم اسحق(قضى حوالي عشرين عاماً في الرياض) والنور أبكر وبشرى الفاضل وعالم عباس وحسن البكري وعصام عيسى رجب والطيب برير وغيرهم كثيرون ولا تكاد تسمع لهم ذكراً حتى في المدن التي يعيشون فيها!!
    - كنا صباح الأربعاء 81/2 وزميل كاتب وصحفي سعودي محاضر بجامعة القصيم (د.خالد العوض) نتحدث عن (دومة ود حامد)، حيث سألني الزميل عن هذه الدومة ودلالتها حين وصلتني فجأة رسالة حزينة من الأخت لمياء شمت تقول: (الطيب صالح رحل يا ماجد!). أخبرت الزميل فرأيت سحابة هائلة من الحزن تحط على وجهه. القاريء السوداني عبد الرحمن محمد الحسن كان أول ما فعله بعد سماعه نبأ الرحيل المؤلم هو أن أمسك»بموسم الهجرة»ولم ينم حتى أكمل قراءتها من جديد. هذه طريقة ممتازة للتعامل مع إحساس الفقد الكبير (فالطيب صالح لم يمت، ها هو موجود طالما أنك تستطيع أن تلمسه بيدك في» موسم الهجرة»).
    - معظم اتحادات الكتاب العرب نعته وعددت مآثره. واللافت في هذه التغطيات محاولة كل بلد عربي أن يحوز على شيء ما في الطيب صالح . فالموريتانيون ذكروا في بيان كتابهم أن الطيب صالح من أصل شنقيطي- موريتاني وأنه أسرّ لهم بذلك في إحدى زياراته مع الاعتزاز، والسعوديون ذكروا علاقته الحميمة بعبد الله الناصر وعبد العزيز التويجري ومجيئه الدائم إلى الجنادرية. والمصريون أشادوا بحبه لمصر وعلاقته بالمثقفين المصريين (منسي، الأبنودي...الخ). ولا شك أيضا أن المغاربة سيذكرون حبه للمغرب واختلافه الذي لا ينقطع إلى مهرجان أصيلة (في العام 2002 منحوه جائزة محمد زفزاف للرواية العربية). ولا يحتاج القطريون إلى قول شيء كون حبه وعلاقته بحكام وأهل الدوحة بائناً بشدة. وكذلك الحال في العراق وسوريا ولبنان التي أحبها الكاتب جميعاً وبادله كتابها ومثقفوها حباً بحب أكبر. لكن السوداني طلحة جبريل قال في الشرق الأوسط «كان الطيب صالح هو السودان، وكان السودان هو الطيب صالح». وكانت المرحومة المذيعة اللامعة ليلى المغربي تقول إنها تشعر بزهو طاؤوسي حين يذكر الطيب صالح في المحافل الخارجية وخصص التلفزيون السوداني برنامجاً خاصاً من تقديم المذيع الناضج (طارق كبلو) عن رحيل الطيب اختار له عنوناً مهيباً غاطساً في الحب(وداعاً النيل الثالث) ! هو خطاب الحب إذاً، دائما استحواذي وخاص حتى مع كاتب عالمي النزعة والترحال كالطيب صالح.
    - عبد الرحمن الأبنودي لفت القراء العرب إلى الاهتمام بكتابات الصالح الأخرى غير» موسم الهجرة»، كونها لا تقل روعة عن هذه الرواية الفريدة. وكذلك أشار جابر عصفور إلى صفة التجديد والانفتاح في أدب الطيب الصالح وتميز مقالاته في مجلة( المجلة)- خاصة عن المتنبي. ميزة «التجديد»تنسجم مع رؤية الأستاذ عيسى الحلو الذي يرى أن «عبقرية الطيب صالح» تكمن في أنه استطاع أن يتجاوز عقبة نجيب محفوظ ويكسر حاجزها. هذه النكهة الجديدة والدم الجديد التي يتكلم عنها نقاد الطيب صالح مرتدة إلى (الواقعية - الصوفية) ذات الأفق الحداثوي المُصعّد للمحلي التي انتهجها كاتبنا الكبير. وهذا ما جعل كاتبة سعودية تقول: «إن مما تعلمته من الطيب صالح هو أنك إذا أردت العالمية، فعليك الإغراق في المحلية»!
    - ومن الصفات الإنسانية التي كانت حاضرة بشدة في خطاب الرحيل صفة التواضع. رئيس تحرير» القدس العربي»- عبد الباري عطوان قال إن الطيب، كان «مثل الغالبية الساحقة من أبناء السودان، قمة في التواضع وهو المبدع الكبير، وعاش حياة بسيطة هادئة، محاطاً بمجموعة من الأصدقاء وفي البيت نفسه، وكم كنت أتمنى لو أنه حصل على جائزة نوبل تكريماً لمسيرته، لكنه مع ذلك يسجل له أنه جدد دم الرواية العربية وأضاف إليها نكهة لم تكن تعرفها من قبل «. وذكر طلحة جبريل أن الطيب صالح كان حقيقة لا يشعر بأهمية ما كتب وكانت تزعجه هذه الهالة حوله وكان يقول بتواضع مخيف «إن قصيدة واحدة للمتنبي تساوي كل ما كتبته وأكثر». ووصف الصديق الشاعر عصام رجب في مقالة أنيقة الطيب صالح بالتميز في أدبين (أدب الحرف وأدب النفس) وقال عنه إنه كان «صوفي الأدباء وأديب الصوفية». وصديق الكاتب المعروف حسن أبشر الطيب دائم الكلام عن صفة التواضع عند الطيب صالح. الناس منذ القدم يحبون هذه الصفة، ووراء كل مبدع عظيم تواضع عظيم!
    - كان الطيب صالح لافت العذوبة حتى في صوته وطريقة كلامه. فله طريقة تنغيم لافتة حلوة عذبة ويعمل ضغطات مميزة في بعض الكلمات والعبارات. ولعل أميز الأصوات السودانية وأعذبها كانت للمحجوب (في التنغيم والنبر الخطابي) والطيب صالح وعلي المك وإبراهيم أحمد عبد الكريم - فكأنهم يغنون حين يتكلمون (يشاركني في هذه الملاحظة الأخ الشاعر عصام عيسى رجب)! والدكتور عبد الله علي إبراهيم أشار إلى تميز جلسات الطيب صالح كونها لا تقل في قيمتها الأدبية والثقافية عن كتاباته. ويبدو أن جزءاً مهماً من حلاوة مشافهات الطيب ووسامة أنسه، عائدة إلى حلاوة صوته وطريقته الأنيقة في مد الكلمات والعبارات وتنغيمها بطريقة معينة.
    هذه قراءة سريعة إذاً لخطاب الرحيل الكبير والحزن الأعرض، وتحتاج بالتأكيد زيارة أخرى لتحليلٍ أوسع.. وما زال وابل كتابة الرحيل يهطل بلا حدود.


    ------------------------------------------------


    التاريخ: الأربعاء 25 فبراير 2009م، 1 ربيع الأول 1430هـ

    من يعزينى فى فقد مبدعنا الكبير ولمن التوجه بالعزاء؟؟
    وسرادق الاحزان قد نصبت عليه من المحيط الى الخليج

    مها محمد بشير

    كنت طفلة- ياسادتى- حين سمعت بان رجلا ولد فى قرية صغيرة عند منحنى النيل تربى وسط جروفها ونخيلها وحين اضحى رجلا حمل تلك القرية بين جوانحه وهاجر جنوبا الى مدن الصقيع والضباب وكان كلما غالبه الحنين يسبح بخياله حتى إذ ما ادرك ذاك المنحنى رصد الاماكن وساكنيها وكل مايدور وخط بقلمه ذلك الواقع قصصا ساحرة وحكى عن تلك النخلة على الجدول- عن بندر شاه عن الزين ومفارقات عرسه وعن دومة ودحامد ثم كل هؤلاء وغيرهم حين عاد لواقع مهجره الضبابى مزجهم جميعا فى قصة موسم شغلت مدن الشمس والضباب على حد سواء...وقد كان.
    وعند ذلك المنحنى النيلى فى الشمال قريتان متجاورتان بريفى الدبة فى احداهما ولد مبدعنا الكبيروهى (كرمكول) وفى القرية المجاورة موقعا ونسبا (جرا-بكسر الجيم) ولد ابى واجدادى هكذا عرفت منذ طفولتى واحتفظت لنفسى بفخر التفرد والانتماء وانتظرت يوما ليس بالبعيد يلوح فى الافق.
    كنت اعشق القراءة منذ سنوات دراستى الاولى وحين عرفت من والدى فى مناسبة ذكر فيها اسم اديبنا الكبير خصوصية الاواصر والمكان طلبت منه ان يشترى لي كل رواياته وافق ابى مع إدراكه باننى فى هذا العمر سوف يصعب على استيعاب المعانى العميقة التى تكمن بين سطور الحكايا - بعد سنوات ادركت بان والدي كان محقا- فقد كنت قبلها مأخوذة بالشخوص والاماكن وفضولى الطفولى لم يستطع إدراك ان وراء ذلك السرد الذى بدا كالسهل الممتنع تكمن كنوز من المعاني العميقة وابداع ساحر.
    كان مصطفى سعيد فى( الموسم) بالنسبة لى لغزا وظننت بذلك الادراك القاصر بانني إذا سافرت وتواجدت بتلك القرية سأتمكن من حله كان فضولى لايحتمل الانتظار وحاصرت أسرتي بالحاح لاينقطع بانني اريد ان ارى موطن اجدادى واستجابت السماء حين جاءتنا دعوة لحضور مناسبة زواج وسافرت وكانت امنيتى ان اسافر بنفس الوسيلة وعبر الصحراء وكنت كمن يضع الرواية خريطة للطريق كنت اقرأ واراقب ادهشتنى دقة الوصف وتلك التفاصيل الصغيرة والتى تصادف كل المسافرين من هنا ولكنها حتما لايلتقطها بتأمل الا مبدع يعرف متى واين وكيف يضعها فى نسيج غزل ببراعة وسحر..وقد كان
    حين وصلنا القرية قابلني اهلي كعادتهم مع كل القادمين بترحاب ودود وكرم اصيل كان قصر المسافة بين القريتين وتواجد اهلي فى هذه وتلك قد سهل تواجدي هنا وهناك وكنت اختار الجدول الذى يشق الجروف وتتهادى حوله اشجار النخيل واقول فى سري سيقودني هذا الطريق حتما الى تلك النخلة التى على الجدول ثم امضى الى حيث دومة ود حامد لاعرف كيف حل امر الصراع حولها بعد ذاك على اخذ قسط من الراحة فى منزل بندر شاه او مريود وقبل مغيب الشمس سابحث عن محجوب ليأخذنى الى تلك الغرفة الغامضة التى تركها مصطفى سعيد حتى اتمكن من حل اللغزلماذا عاد من مدن الضباب؟ لم اختار ان يعيش هنا؟ وحين اتعبني السؤال وارهقنى البحث تيقنت بان الاجابة لن اجدها الاعند الراوي نفسه....عندي احساس عميق بانني يوما ما سألقاه وستنتهي حيرتي وحين إنفلات تلك السانحة الحلم سأخبره انني حضرت وكان وجوده طاغيا لكننا لم نلتق............وقد كان.
    كنت فى الرباط حين سمعت بمقدمه الى اصيلة سافرت الى هناك وشوقى يسابق خطوتي وفي احدى مقاهي المدينة الساحرة وجدته جالسا وبرفقته الدكتور محمد إبراهيم الشوش بمرحه وخفة ظله المعهودة وكأنني على موعد معهما اقتحمت الحضور المهيب دون اذن فقد اخذت موعدا لنفسى منذ طفولتي رحبا بى سألني اديبنا الكبير بتلك اللهجة التى اعرفها جيدا من اهلى- من وين جيتي ياشافعة؟
    اجبته من حيث أتيت أنت من قرية مجاورة عند منحني النيل. إزداد وجهه الصبوح اشراقا وصافحني بود من جديد وقال باسما وقد شرد ببصره بعيدا وهو يرنو لصخب موج المحيط : عفارم عليك يا نيل بنياتك وصلوا فاس..ثم التفت اليّ كيف انفلتي من الحصار؟ اجبته منذ نعومة اظافري رباني ابي على انني ولده الكبير ولم اترك حظا للذكور على الاناث الا واغتنمته............. وقد كان.
    فى المغرب كانت المحطة التى عرفت فيها الجانب الانسانى فى هذا المبدع الكبير ففي لقائنا الاول هذا حين هممت بالانصراف بعد ساعتين من اروع الحديث- وكانت لهفته على السودان واهله لاحدود لها- سألنى نازلة وين؟ اجبت هنالك استضافة مجانية لكل الصحفيين بالفنادق لاتقلقوا على معى بطاقة صحفى و.......لم اكمل حديثي التفت لصديقه الشوش انت معاك الاولاد ومؤجر بيت بنيتنا ضيفتك معقول اعمامك قاعدين وتنزلي فى الفنادق؟ اجابه الدكتور الشوش ضاحكا مستحيل طبعا- واخذني مباشرة وعرفني بزوجته وبناته وكانوا معى فى غاية الود والكرم حتى غادرت اصيلة الى الرباط وقد كان محقا إسماعيل حسن حين قال (لو ماجيت من زي ديل وااسفاي وامأساتي واذلي)الحمد لله إنني قد كنت، ما انتهى الحديث ولكن وطأة الشجن المسربل بالدموع استدعت الصمت قليلا ... وفي حلقة اخرى نواصل .
    لاديبنا الكبير الطيب صالح مواقف انسانية عديدة وعظيمة معي ومع غيري ابناء وبنات وطنه لاتحصى ولاتعد كان كثير الاهتمام بالطلاب وظروفهم واحوالهم فى المغرب وفى دول اخرى. بعد عام من مهرجان اصيلة قدم الى الرباط فى زيارة سريعة بدعوة من احدى المؤسسات الثقافية لما عرفت ذهبت ايضا دون اتصال اواستئذان فأبوابه دائما مشرعة للجميع سألنى عن احوالي وعرج بالسؤال الى اهلي طلب ان احدثه بالتفصيل ان كنت زرت البلد قبل حضورى المغرب - البلد يعني بها القرية- حدثته عن زيارة الطفولة وضحك كثيرا عن مزاعمى بفك لغز مصطفى سعيد وأخبرته بان له الفضل بان اذهب اليها مرة ثانية وثالثة وحدثته عن انطباعاتى حول الزيارة الاخيرة كان يستمع باهتمام شديد وضحك مرة ثانية حين اخبرته كنت محقا فى البلد الان اكثر من طاحونة دقيق وطلمبة ري ومشروع زراعي ومع ذلك ظلت دومة ودحامد فى مكانها والنخلة بقيت صامدة على الجدول. سألني مرة اخرى وبعد هذه السنوات التى مرت حليتي طلاسم اللغز؟ اجبته إزداد اللغز غموضا فقد كنت اعتقد وقتها بانك ومصطفى سعيد شخصية واحدة وحين عرفتك عن قرب تأكدت بانك ليس هو سأعيد القراءة للمرة الثالثة او حتى الثلاثين وسأعرف.
    أكملت دراستى بالمغرب وكنت مهمومة ببحث التخرج ومناقشته اسبوع فقط ويحدد موعد المناقشة وانا فى قمة إنشغالى اتصل بى الاستاذ طلحة جبريل وطلب مني الحضور لان هنالك أمانة ارسلت لي من لندن دهشت وجالت بخاطري آلاف الاحتمالات وحسمت الامر بان ذهبت لارى وبمكتب الاستاذ طلحة جبريل وكان مديرا لمكتب الشرق الاوسط بالرباط سلموني ظرفا مغلقا وقالوا من الاستاذ الطيب صالح كنت اعرف بان صداقة عميقة تربط بين الرجلين ومكتب طلحة جبريل كالعادة مزدحماً لم اجد فرصة لاعرف اي تفاصيل عندما فتحت الظرف وانا اجلس مع السكرتيرة اندهشت وجدته مبلغا من المال حوّل من لندن سألتنى بلهجة مغربية علامك؟ يعنى مابك لم اجبها الجمتني الدهشة وذهبت لاقرب هاتف عمومي واتصلت بالاستاذ الطيب صالح بلندن سألته وانا فى غاية الارتباك والدهشة لماذا ياأستاذي إننى اتلقى منحة واعمل و............... قاطعني مبروك النجاح (القريشات) ديل ما عشانك للبحث الموضوع عجبنى قضايا السودان فى الصحافة العربية اطبعيه طباعة فاخرة وما( تكلفتيه) الشكل الخارجى مهم والمغرب نصف اهله تشكيليون وخلي نسخة لي (عمك) الطيب وبمجرد إستلامك الشهادة ارجعي البلد ولو كنت بعشرة رجال وجع الغربة قاسي اسألي عمك ودعتك الله. لم يترك لى مجالا حتى لقول شكرا وبكيت. رحمه الله فقد ابكانى وهو حيا بانسانيته.
    لم نلتق مرة اخرى- فقد نفذت وصيته وعدت فور إستلامى الشهادة-
    فى العام 2005 فى قاهرة المعز ذهبت وزوجى جمال الخبير للعلاج من وعكة صحية المت بى واقول مرة اخرى ان الاقدار احيانا ترتب لنا امورنا بصورة افضل مما نفعل.........وقد كان
    وانا فى قمة معاناتى مع المرض جاءني جمال منشرحا قائلا أنا والدكتور ياسر اعددنا لك مفاجأة(الدكتور ياسر محمد علي مستشار بالسفارة السودانية بالقاهرة هو وزوجته تربطنا بهما صداقة عمل والمفاجأة كانت وجود الطيب صالح بالقاهرة ودعوته للعشاء غدا هنا بمنزل الدكتور ياسر وكأنما كان المرض غطاءً اتدثر به ازحته جانبا وقفزت يايوم غدا رحماك اقبل صباحا سألت الدكتور ياسر للمرة العشرين هل انت متأكد بانه سيأتى اليوم؟ اجابنى بلى واخبرته باننى ساعرفه على صديقى جمال وان له منهجية متفردة فى التفسير القرآنى ووافق الطيب بحماس وانا على علم باهتماماته الصوفية............وقد كان
    حضر بكل وقاره وهدوئه كالنسمة ومعه الشاعر السر قدور ووصل قبله عدد من الدبلوماسيين وكانت المفأجأة ان يجدني مع هذا الجمع وتساءل مندهشا حين رآنى بنيتنا تاني؟ وتأثر جدا حين عرف بانني اتيت للعلاج. وفى هذه الليلة فاض شلال من التصوف حين حدثه جمال عن رؤى الحياة من منطلق قرآنى بمنهج جديد كان يستمع بتواضع جم ثم انداح معلقا ومحلقا فى سموات التصوف ولم نشعر بخيوط الفجر تتسلل برفق خشية إنقطاع الحديث وحين صافحني مودعا قال لي هامسا: عفارم عليك..........ودعتك الله.
    فى زيارته الاخيرة للسودان فى نفس العام فاجأنا باتصال هاتفى ونحن نرتب لدعوته ادهشنا حين قال إنني اذكر النقطة التى توقف فيها حوار القاهرة اعتذر بشدة فبرنامجه كان قصيرا ومزدحما وكنا حريصين على الاتصال باستمرار وفى اتصالنا الاخير ودعنا قائلا: المرة القادمة إذا اذن المولى ستكون لي معكم جلسات فحديثي مع جمال توقف عند منعطف مهم وانا صوفيى فضولي......... ودعناكم الله.
    كنت سعيدة بذاك الوعد ولم اكن اتصور ان الاقدار يمكن ان ترتب الامور ايضا بقسوة تفوق الاحتمال ففى صباح جمعة حزين عاد الطائر المهاجر ولم يكن الحضور المرتجى اكفهر النيل وعبست السماء ونكست كل اشجار النخيل........ رحل الطيب الصالح.
    فمن يعزيني فى فقد مبدعنا الكبير.... ولمن التوجه بالعزاء...........وسرادق الاحزان قد نصبت عليه من المحيط الى الخليج .
    ماذا .........اقول؟
    خطبٌ جلل
    من هوله جف المداد
    رفعت صحائف الابداع عن هذا الوجود
    ونجمها الساطع أفل


    -----------------------------------------------

    التاريخ: الأربعاء 25 فبراير 2009م، 1 ربيع الأول 1430هـ


    جيلي..بعيداً عن مصطفى سعيد..

    مجاهد بشير

    الطبعة الأخيرة من مؤلفات الطيب صالح، كان على غلافها الخلفي صورة مكبرة لوجهه، لكن تلك النسخة القديمة من موسم الهجرة إلى الشمال، التي كان أبي يخبئها وسط الكتب الأخرى، كان غلافها من ورق خفيف نوعاً. (ما) متغضن بعض الشيء، وعندما نجحت في التسلل ذات يوم إلى الغرفة التي يحتفظ فيها والدي بكتبه، ونقبت في الأرفف المعدنية العالية، ووجدت الرواية، وأسرعت إلى غرفتي لأقرأها قبل أن يعود والدي من عمله، أثناء إحدى الإجازات الصيفية المدرسية، عرفت السبب الذي من أجله تخفى هذه الرواية عن أعين الصغار، وظللت منذ ذلك الوقت، لسنوات، أفتح الكتاب وأبحث عن صفحات محددة لأعيد قراءتها، خاصة تلك السطور التي تتحدث فيها بت الريس عن أزواجها بلسان سليط، وصفحات دفن الوجوه في الإبط.
    لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي أن أعرف، أن عدداً من أصدقائي الأطفال، من أبناء الأفندية، حدث لهم ذلك مع آبائهم، سرقوا الرواية وقاموا بقراءتها سراً، وأصبحنا نتكاشف فيما بيننا بتفاصيل ذلك العالم الذي بدا لنا مدهشاً، وجذبت عبارات بت الريس اهتمامنا بشكل خاص، من جانبي، بعد ذلك، بحثت عن بقية مؤلفاته وقرأتها في تلك السن الباكرة، ولم أفهم حينها معني أن يوجد شخص اسمه الزين، شبيه بالقرد، ويمتلك من الاسنان القليل فحسب، وأن يكون شخصاً وضيعاً يعين نساء القرية ما استعنه، في الناحية الأخرى أعتقد أننا كنا مسرورين لوجود شخص اسمه مصطفى سعيد، وجدة تدعى بت الريس، آخر سرور، لكن الكيفية التي عرفنا بها جميعنا أن هناك كتاباً يُسمى موسم الهجرة إلى الشمال يضم أشياء مثيرة جداً، وأن ذلك الكتاب يرقد معنا في بيوتنا ذاتها، تبقي تلك الكيفية غامضة، وسحرية بعض الشيء.
    تفرقت سبل أولئك الاطفال بالطبع، وابتعد جميعهم عن الأدب والكتب، ولسوء الحظ أو لحسنه لا أدري، لم ابتعد بل بقيت، إلا أن بت الريس ومصطفى سعيد لم يبقيا معي، ويمكنني الآن القول إن بت الريس مجرد امرأة بقليل من الحياء، مثل كثيرات قابلتهن فيما بعد، ولم يعد ذلك مثيراً جداً على أية حال، ومعها اضمحل مصطفى، فتلك الشخصية العائدة لأفندي سوداني من أواسط القرن، يسافر إلى أوروبا، ويعود بعد أن يفعل الكثير أو القليل، لم تعد أفعالها - أي الشخصية - تلك تجذبني كما السابق، ولا دلالات تلك الأفعال التي رحت أخمنها شيئاً فشيئاً، ولعل أبرز ما يمكن أن يستدعى في هذا المجال، هو قول الأديب السوداني النمساوي طارق الطيب أن جيله الوسيط تختلف ظروف حياته وقدومه إلى أوروبا عن جيل الخمسينيات، وبالتالي فإن تفاصيل حياة الجيلين جد مختلفة، وخلاصة ما يمكن قوله هنا، أن مصطفى سعيد هو شخصية متقنة الصنع، في رواية بديعة السبك، لكن بعض الكتاب اللاحقين، لا يحبونها.
    الطيب صالح بالنسبة إلينا كان كبيراً جداً وبعيداً جداً، ليس بسبب شهرته فحسب، بل بسبب عمره أيضاً، لذلك لم نكن نعرفه إلا عبر مؤلفاته، ولم نحب موسم الهجرة إلا في طفولتنا، لكننا كبرنا ولم نجد فيها شيئاً يخصنا، شيئاً لنا، وإذا كان مصطفى سعيد البطل الأثير بالنسبة لأجيال أواسط القرن الماضي، فإن الزين هو بطلنا الخاص، وعرس الزين ليس في واقع الأمر سوى عرس هذا الجيل، فهذه الرواية في حدها الأقصى، ليست سوى معجزة أن تتحقق رغبة الإنسان وإرادته، في واقع محدود للغاية، وبأسلوب يسير للغاية ومذهل في حد ذاته، ورغم أن جيلنا لا يمكن أن تتحقق إرادته بالأسلوب السحري الذي تحققت به رغبة الزين، إلا أن ما يتقاسمه الجيل مع الزين، أكثر بما لا يقاس مما يتقاسمه مع مصطفى سعيد، وربما كان ذلك سر محبة كثيرين من أدباء الجيل والمستنيرين من أبنائه للزين، ونقلت إلىَّ إحدى كاتبات القصص الشابات أنهن أثناء الدراسة، كن يكرهن مصطفى سعيد ويتعاطفن مع الزين.
    وإذا كنا تحدثنا عن علاقة شخصية تقريباً بأدب الطيب صالح، فلا بأس في اتجاه آخر من الإشارة إلى أن رواية عرس الزين، لكونها حققت اللا معقول ضمن شروط معقولة، وبأسلوب سحري، تمثل مزيجاً ذكياً من المعقول واللا معقول، والأسطورة والواقع، والحقيقة والخيال، ونوعاً من واقعية ساحرة ولا معقولة ومعقولة في ذات الوقت، وهو أمر قد نعود إلى تفاصيله، وأساليبه، وتأويله، مستقبلاً.


    الراى العام
                  

العنوان الكاتب Date
الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:46 AM
  Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:49 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-21-09, 12:37 PM
  Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:52 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:59 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 05:05 AM
  الرحيل المُر عبدالله الشقليني02-19-09, 05:02 AM
    Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:32 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:36 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:39 AM
    Re: الرحيل المُر محمد فضل الله المكى02-19-09, 05:39 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 06:19 AM
        Re: الرحيل المُر اسعد الريفى02-19-09, 06:44 AM
          Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 07:45 AM
            Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:31 AM
              Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:38 AM
              Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:41 AM
                Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:50 AM
                  Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 11:22 AM
                    Re: الرحيل المُر نصر الدين عثمان02-19-09, 12:00 PM
                      Re: الرحيل المُر Alfarwq02-19-09, 12:55 PM
                        Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 11:19 AM
                          Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 03:12 PM
                            Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 04:24 PM
                              Re: الرحيل المُر عبدالباقى الظافر02-21-09, 05:26 PM
                                Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 05:41 AM
                    Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 11:31 AM
                Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:10 AM
                  Re: الرحيل المُر waleed nayel02-22-09, 06:13 AM
                    Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:19 AM
                      Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:50 AM
                        Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 06:13 AM
                          Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 06:33 AM
                            Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 08:13 AM
                              Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 08:32 AM
                                Re: الرحيل المُر جعفر محي الدين02-24-09, 09:24 AM
                                  Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 11:15 AM
                                    Re: الرحيل المُر munswor almophtah02-25-09, 00:07 AM
                                      Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 04:59 AM
                                        Re: الرحيل المُر ضياء الدين ميرغني02-25-09, 05:46 AM
                                          Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 08:59 AM
                                            Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 10:58 AM
                                              Re: الرحيل المُر الكيك02-26-09, 05:16 AM
                                              Re: الرحيل المُر الكيك02-26-09, 05:20 AM
                                                Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 05:19 AM
                                                  Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 07:44 AM
                                                    Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 07:49 AM
                                                      Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 08:03 AM
                                                        Re: الرحيل المُر الكيك03-03-09, 05:19 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-03-09, 05:54 AM
                                                            Re: الرحيل المُر الكيك03-09-09, 07:38 AM
                                            Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 10:58 AM
                                              Re: الرحيل المُر Hadeer Alzain03-14-09, 08:28 PM
                                                Re: الرحيل المُر الكيك03-15-09, 05:44 AM
                                                  Re: الرحيل المُر Hadeer Alzain03-15-09, 10:05 AM
                                                    Re: الرحيل المُر الكيك03-17-09, 05:19 AM
                                                      Re: الرحيل المُر الكيك03-19-09, 04:30 AM
                                                        Re: الرحيل المُر الكيك03-19-09, 05:00 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-31-09, 06:52 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-31-09, 06:55 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de