الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 06:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2009, 04:59 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الرحيل المُر (Re: munswor almophtah)

    شكرا منصور
    على الكلام الرائع والابداع
    نتواصل لكم وبكم

    وهنا مقال رائع للكاتب الكبير الاستاذ كمال الجزولى

    مُعَلَّقَاً بِخُيُوطِ الشَّمْسِ الغَارِبَةِ .. مَضَى! بقلم: كمال الجزولي
    الثلاثاء, 24 فبراير 2009 20:38

    "الحياة يا محيميد ما فيها غير حاجتين اتنين .. الصداقة والمحبة"!
    ود الرَّوَّاس
    (بندر شاه: مريود، ص 37 ـ 38)
    (1)
    في الثامنة من مساء الثلاثاء 17/2/09 قرَّر محمود صالح، الصديق الصدوق للطيِّب صالح، والذي بقي ملازماً له في رقدته الأخيرة، مثلما في كلِّ أوقات مرضه العصيبة خلال الفترة الماضية، أن يتوجَّه من مستشفى سانت هيلير في ضاحية ميرتون، بجوار ويمبلدون جنوب غرب العاصمة البريطانيَّة، حيث يرقد الطيِّب بعنبر هاري سيكوم لغسيل الكلى، إلى شقة إبنه الكائنة بناحية المطار غربيَّ لندن، كي يأخذ قسطاً من الراحة، يعود بعدها ليبقى قريباً من خدن روحه. لكنه ما كاد يبلغ الشقة، ولم تكن قد مضت على مغادرته المستشفى سوى أقل من ساعتين هي مسافة الطريق الزَّمنيَّة، حتى رنَّت نغمة جواله تنقل إليه الفاجعة:
    ـ "عُد فوراً. حالة الطيِّب تردَّت، فجأة، إلى أدنى درجة"!
    ............................
    ............................
    ظلَّ الطيِّب، طوال السنوات الماضية، في صراع يشتدُّ ويخفت، ليشتدَّ مجدَّداً، مع الداء الوبيل الذي أصاب كليتيه. وفي الأثناء ظلَّ يتردَّد على الأطباء بين لندن والقاهرة، أملاً في وصفة تستبعد مخايل عمليَّة نقل الكليَّة التي كان من رأي بعضهم ألا بديل عنها. ومع الأيام تكاثر، للأسف، أصحاب هذا الرأي من الاختصاصيين هنا وهناك، حتى صاروا أغلبية عظمى. فبدأ مشوار المعاناة في البحث عن مانح متطوِّع ملائم، وفي المفاضلة بين بلد وبلد، وبين مستشفى ومستشفى، وبين جرَّاح وجرَّاح.
    أخيراً وُجد المانح، وهو شاب من كوستي أصرَّ على عدم ذكر اسمه، فأدخِل مع الطيِّب مستشفى ميديكال كير الخاص بدُبَي، في فبراير 2008م، حيث تقرَّر إجراء العمليَّة هناك على يد الجرَّاح السوداني الكبير كمال ابو سن. سوى أن الفحوصات التحضيريَّة ما لبثت أن كشفت، للأسف، عن ضيق في أحد شرايين الطيِّب التاجيَّة، نتيجة إدمانه التدخين أغلب سنوات عمره، مِمَّا استلزم وضع دُعَامة في الشريان المعطوب لتوسيع مجرى الدَّم، مثلما استلزم تأجيل العمليَّة، ضربة لازب، لسنتين على الأقل!
    عاد الطيِّب إلى لندن ليواظب على الغسيل ويحاول التعايش معه. لكنَّ ارتخاءً مفاجئاً وقع في الدُّعَامة، بعد ما لا يزيد عن الخمسة أشهر من وضعها في الشريان، مِمَّا استدعى نقله، على عجل، إلى مستشفى برومتون التخصُّصي لأمراض القلب، حيث أجريت له، في يوليو، عمليَّة أخرى لاستبدالها. غير أنه أصيب، عقب العمليَّة، بجلطة في الدماغ أدخلته في حالة تنويم استمرَّت لثلاثة أشهر قضاها بغرفة العناية المركَّزة!
    في نوفمبر أفاق تماماً، وبمستوى أشاع التفاؤل في نفوس أطبائه وأسرته وأصدقائه، فتمَّ نقله إلى مستشفى سانت هيلير القريبة من مسكنه، ليبقى تحت العناية الاعتياديَّة، والمداومة الروتينيَّة على الغسيل ثلاث مرَّات في الأسبوع. وبالفعل بدا، خلال الشهرين التاليين، أنه قد استعاد شهيَّته للطعام، وللقراءة، وللمؤانسة، وأن صحته، بوجه عام، آخذة في التحسُّن، حتى أنه شرع في ممارسة رياضة المشي والتمارين على الدَّرَّاجة الثابتة.
    لكن حالته انتكست، فجأة، للأسف، مع خواتيم يناير المنصرم، فدخل في إغماءة أخرى. ورغم كلِّ ما بذل الأطباء من جهد، إلا أن خط التدهور العام في صحَّته راح يواصل انحداره بسرعة متزايدة، يوماً عن يوم، وساعة بعد ساعة، حتى أسلم روحه الطاهرة لبارئها قبل ساعتين من منتصف تلك الليلة الشتائيَّة التي ما انفكَّت ريحها تعول .. ويب .. ويب .. ويب!
    ............................
    ............................
    قابلته آخر مرَّة قبل عامين. كان في إحدى زياراته إلى القاهرة، وكنت هناك بالمصادفة. إلتقينا على مأدبة غداء بشقة محمود، مع لفيف من أصدقائه وندمائه السودانيين والمصريين، وكان فيهم الشاعر صلاح أحمد محمد صالح، والشاعر الياس فتح الرحمن، والكاتب حسن ابَّشر الطيِّب، والصحفي مرتضى الغالي، والكاتب المصري المتخصِّص في أدب الأطفال محمود سالم، والكاتب والمترجم المصري عبد الرحيم الرفاعي، صديقه المقيم، حالياً، مع أسرته بجنيف، والذي زامله، لسنوات طوال، بهيئة الإذاعة البريطانيَّة، والذي يحرص على مرافقته إلى القاهرة كلما نزل إليها، وآخرين. كانت الجلسة ودودة، ومحفوفة بكرم أسرة محمود الفياض. وكان الأنس شائقاً تتخلله، كالعادة، لمعاً من القفشات المصريَّة. لكنَّ الطيِّب كان بادي الهزال والإعياء والرهق والهمِّ، ولا يكاد ينبس ببنت شفة، بل لم يكن نادراً ما يدع رأسه يتكئ على كتفه، ويدخل في نوبات إغفاء متقطعة، كلما غافل العيون المشتاقة، وكلما انزلق الكلام بعيداً عنه! وعندما نهضنا إلى المائدة الدسمة لمحت إناءين كبيرين فاخرين يتوسَّطانها، في أحدهما (أم رقيقة)، وفي الآخر (ملوخيَّة مفروكة). تذكَّرت، على الفور، ليلة سهرنا، الياس وشقيقي محمد وشخصي، قبل سنوات طوال، في شقة الطيِّب بالقاهرة، ذات شتاء قارس لبرده أزيز في الحنايا، ولصقيعه عضَّة في العظام، برفقة أصدقائه محمود صالح وحسن ابشر وعبد الرحمن سعيد والسِّر قدور وعمر يوسف، ثمَّ تعشينا، آخر الليل، على مزاجه الموغل في سودانيَّته، بـ (مُلاح وَرَق) كان أحضره له، بناء على طلبه المخصوص، صديقه حسن ابشر الذي كان يقيم، وقتها، مع أسرته هناك. قلت أداعبه بتلك الذكرى، عساه يخرج من حالة الصمت والكآبة التي تغمره. لكنه اكتفى بابتسامة كابية، وبدا كما لو لم يسمعني جيِّداً، مثلما بدا فاقداً الشهيَّة، لا للكلام، فحسب، وإنما للطعام أيضاً .. حتى السوداني الذي يفضله من بين أطعمة العالمين، رغم أنه لا يأكل، في العادة، إلا قليلاً، لكنه يبتهج لمرآه على المائدة، مثلما يبتهج لمرأى كلِّ شئ سوداني!
    أوَّل المساء أوصلناه، الياس ومرتضى وشخصي، بعربة الياس، وكان نائماً تقريباً، إلى حيث يقيم بالشقة التي كان يؤثرها على ما عداها، كلما زار القاهرة، والكائنة في البناية رقم 34 بالمهندسين ـ شارع جامعة الدول العربيَّة، وكنت سمعته، مرَّة، يتحدَّث عن رغبته في شرائها، لكنني لا أعلم إن كان فعل أم لا. أيقظناه، فترجَّل بصعوبة، وودَّعنا. لكنَّ إحساس قلق غامض ما لبث أن اجتاح ثلاثتنا، ونحن نبصره يعبر الرصيف، بخطو متثاقل، إلى مدخل العمارة، محاولاً أن يتفادى ثلة من الصبية كانوا يتسابقون بدرَّاجات رياضيَّة ملوَّنة. مع ذلك رأيناه يتمكَّث قليلاً، قبل أن يدلف، ليردَّ تحيَّة البوَّاب وزوجته وعيالهما، وقد هبُّوا لاستقباله خفافاً، ثمَّ يدخل يده في جيب جاكتته الداخلي يوزِّع على الأطفال ما تيسَّر.
    ............................
    ............................
    نفس هذا البوَّاب كان سألنا، عندما جئنا، الياس وشقيقي محمد وشخصي، نلبي دعوة الطيِّب في تلك الليلة الصقيعيَّة قبل سنوات طوال:
    ـ "مين الراجل الطيِّب ده؟! أنا بشوف صورو في الجرانين، وبيجي عندو باشوات ياما .. ده باين عليه باشا حقيقي"؟!
    ـ "أيوه .. ده راجل مشهور قوي في العالم كلو .. إنت بتعرف نجيب محفوظ يا حاج؟! أهو ده بقى زي نجيب محفوظ"؟!
    ـ "بس هوَّ يا بيه، الله يجبر بخاطرو، بيقعد معانا عالدكَّة هنا، وبياخد ويدِّي معانا في الكلام، وساعات كمان بيشرب معانا الشاي الكشري اللي بتعملهولو الوليَّة مراتي"!
    خطرت لي، لحظتها، خاطرة كاريكاتيريَّة غاية في الطرافة: الرِّوائي الكبير الذي صُنفت روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) ضمن أفضل مائة عمل أدبي في التاريخ البشري، والذي تتهافت كبريات دور النشر العالميَة على نشر أعماله بملايين النسخ، وبما يربو على الستين لغة حيَّة، ليطالعها الناس في القارَّات كلها، وتدرَّس في أعرق الجامعات، ويضع طلاب الدِّراسات العليا بحوثهم حولها ليحصلوا على درجات الدكتوراه والماجستير، وتتردَّد أسماء أبطاله في أركان الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، يقيم، في تلك الساعة، في شقة بسيطة بالقاهرة، يسهر مع الأصدقاء على سمر رائق، ويقدِّم لهم طعام السودانيين على العشاء؛ وفي الصباح، على حين تتبارى جميع المؤسَّسات الصحفيَّة والثقافيَّة على لفت انتباهه إليها، ويتسابق كلُّ المبدعين والنقاد، كبارهم قبل صغارهم، على الفوز بموعد للقائه، يروق له هو أن يجلس على (دكَّة) في مدخل عمارة ليتآنس ويشرب (الشاي الكشري) مع أسرة بوَّاب من عامَّة الناس!
    إلتفتُّ إلى الحاج قائلاً:
    ـ "آه .. طبعو كده، أصل هوَّ راجل حكيم، ومتواضع قوي .. وضارب الدنيا صرمة كمان"!
    فانطلقت زوجة الحاج تلهج بدعوات من القلب:
    ـ "إلهي يارب ينوِّلو اللي في مرادو، ويديلو الصِّحَّة وطولة العمر، ويزيدو كمان وكمان"!
    ............................
    ............................
    ما كاد محمود يغلق جوَّاله، حتى عدل عن دخول شقة إبنه وهي على مرمى حجر، ليخفَّ راجعاً، من فوره، إلى المستشفى، برغم الإرهاق الذي قشعه عن جسده، فجأة، قلق مزلزل! وصل المستشفى عند منتصف الليل. دلف إلى المبنى راكضاً، وقذف بنفسه داخل العنبر، يحدوه بصيص أمل في أن يجد الحالة قد تحسَّنت شيئاً. كانت هناك زوجة صديقه الاسكتلنديَّة جولي وبنتاهما سارة وسميرة يجهشن ببكاء حار. أما الإبنة الثالثة زينب، المقيمة، مع زوجها وأطفالها، في ألمانيا، فقد غادرتها على عجل في طريقها إليهم، لكنها لم تصل بعد. وأما بشير، شقيق صديقه، فقد كان، ساعتها، بين السماء والأرض، نهباً لقلق عاصف، حيث كانت طائرته ما تزال تقطع المسافة بين الدوحة، مقرِّ عمله، وبين لندن. وأما صديقه نفسه فقد كان مسجى على السرير الأبيض بلا حراك، تغمره المحارم الطبيَّة والسكينة الأبديَّة .. كان الأديب العظيم والإنسان النادر قد ودَّع الحياة والأحياء في تمام العاشرة من ذلك المساء الصقيعي الحزين!
    (2)
    ـ "كذابة المرة التقول ولدت مثل محجوب ود جبر الدار"!
    ود الروَّاس
    (بندر شاه: مريود، ص 39)
    في يوليو عام 1929م ولد الطيِّب بكرمكول لعائلتين؛ إحداهما، وهي عائلة مشاوي، تنتمي إلى البديريَّة الدهمشيَّة من جهة أبيه محمد صالح، والأخرى، وهي عائلة زكريا، تنتمي إلى الركابيَّة من جهة أمِّه عائشة حمودة.
    قضى الطيِّب طفولته الباكرة، هو وشقيقته علويَّة وشقيقهما الأصغر بشير، في كرمكول، حيث درس الكتاب. ولمَّا كان الفقر حالة عامَّة فاشية في كلِّ أنحاء السودان على أيام الاستعمار البريطاني، والناس ما ينفكُّون يرتحلون من الأرياف إلى المدن الكبيرة سعياً وراء الرزق الأوفر لأسرهم، والتعليم الأفضل لأبنائهم، فقد ارتحل والد الطيِّب، أيضاً، بأسرته، عام 1940م، من عمق مزارع الشمال، إلى ميناء بورسودان على ساحل البحر الأحمر.
    في مدرسة بورسودان الأميريَّة درس الطيِّب المرحلة الوسطى. ويروي عنه قريبه الأستاذ الصحفي عماد الدين أبو شامة أنه لم يكن يستنكف، خلال تلك السنوات، أن يعمل، أثناء العطلات، كبائع خُضَر متجوِّل في أزقة (ديم مدينة) ينادي على البصل والفجل والليمون، كي يخفف من أعباء مصروفاته عن كاهل والده. ولشغفه بالاطلاع فإنه كثيراً ما كان يغشى مكتبة كبيرة بسوق بورسودان، فإذا ما أعجبه كتاب، ولم يكن يملك ثمنه في العادة، قرأه بأكمله داخل المكتبة نفسها، خلال بضعة أيام، واقفاً، في كلِّ مرَّة، يتظاهر بالبحث عن كتاب ما (أجراس الحريَّة، 22/2/09).
    إجتاز الطيِّب المرحلة الوسطى، ونجح، عام 1944م، ضمن مائة وثلاثين تلميذاً فقط من جملة خمسمائة من كل أنحاء السودان، في الالتحاق بكليَّة غردون لدراسة الثانوي. لكنَّ الكليَّة ما لبثت أن خُصِّصت، عام 1946م، للمدارس العليا (الجامعيَّة)، فتوزَّع طلابها إلى مدرستين ثانويَّتين، حنتوب ووادي سيدنا، وكانت الأخيرة من نصيب الطيِّب، ثمَّ أنشئت خور طقت لاحقاً. هكذا أكمل الطيِّب دراسته الثانويَّة بوادي سيدنا، عام 1948م، وجلس لامتحان الشهادة السودانيَّة (كيمبردج)، فنجح في الالتحاق بمدرسة العلوم لدراسة الزراعة في الكليَّة بوضعها الجامعي الجديد. لكنه سرعان ما هجرها بعد عام واحد، لسبب غير معلوم، وإن كان الظنُّ الغالب أنه لم يكن، أصلاً، راغباً في ذلك التخصُّص. وما زال أبناء دفعته، حتى الآن، محتارين في سبب اختياره، منذ البداية، لمدرسة العلوم، مع أن مدرسة الآداب كانت تعتبر مكانه الطبيعي، خصوصاً وقد كان النجم الأدبي الأسطع المدرسة الثانويَّة، وسكرتير جمعيَّتها الأدبيَّة الدائم لا ينازعه في ذلك أحد!
    عقب مغادرته الكليَّة التحق الطيِّب بالعمل معلماً بمدرسة رفاعة الوسطى لمدة عام آخر انتقل بعده، في 1949م، إلى بخت الرضا لمدة سنتين. ومع نهايتهما تصادف أن أعلن القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانيَّة عن حاجته لمذيعين، فتقدَّم، واختير، وسافر إلى لندن عام 1952م، وعمره لم يتجاوز، بعد، الثالثة والعشرين.
    في لندن أتيحت للطيِّب الشاب فرص واسعة لإشباع طموحاته الإبداعيَّة، من خلال مواظبته على تثقيف الذات، وتجويده مهنة الإعلام، وانفتاحه على الدنيا الجديدة، فأبدى كفاءة مشهودة في تقديم البرامج الأدبيَّة والثقافيَّة، وفي ترجمة وتحرير وإعداد المواد الإذاعيَّة، وسرعان ما ارتقى، خلال السنوات التالية، إلى منصب مدير قسم الدراما، وتزوَّج من زميلته بالهيئة، واتسعت دائرة صداقاته وعلاقاته المهنيَّة والإنسانيَّة، يعينه في ذلك طبع ليِّن، وخلق دمث، وقلب حان، وذوق رفيع، حيث ظلَّ مبدأه الأسمى هو (المحبَّة والصداقة)؛ حتى النقد كان يرى أفضله ما صدر عن محبَّة.
    على أن السَّرد، إبداعاً وإحساناً وتجويداً، ظلَّ هو أكبَّر همِّ الطيِّب، وشغله الشاغل الذي منحه، على قلة إنتاجه من الناحية الكمِّيَّة، جُلَّ وقته وعافيته، فكافأه بالمقابل مجداً وصيتاً ما بعدهما مجد أو صيت، حيث حاز على الكثير من الشهادات الفخريَّة والجوائز والأوسمة من مختلف البلدان؛ وتمَّ تتويجه، عام 1976م، باعتباره (عبقري الرواية العربيَّة)، وقد أصدر عدد كبير من الباحثين المتخصِّصين كتاباً في بيروت بذات العنوان، تناولوا فيه لغته وعالمه الروائي، بكلِّ أبعاده وإشكالاته؛ كما تمَّ ترشيحه، ثلاث مرَّات لجائزة نوبل العالميَّة: الأولى، بصفة غير رسميَّة، من جانب نجيب محفوظ، يوم أبلغوه بفوزه بها، فقال: كنت أتوقع أن تمنح للطيِّب صالح! والثانية، بصفة رسميَّة، عام 2007م، من جانب البروفيسير عامي إلعاد ـ بوسقيلة، أستاذ الأدب العربي بكليَّة بيت بيرل؛ والثالثة، بصفة رسميَّة أيضاً، في يناير عام 2009م، قبل شهر من وفاته، من جانب مؤسَّستين سودانيَّتين هما إتحاد الكتاب السودانيين ومركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان؛ والمعلوم أن الأخير يدير، منذ سنوات طوال، برنامج (جائزة الطيِّب صالح للرواية في السودان).
    لقد استطاع الطيِّب، خلال سنوات وجيزة بمعيار الإنجاز، أن يصل بأهمِّ أعماله، وكلها مترجمة في معظم اللغات الحيَّة، إلى مصاف العالميَّة، وأن يحفر اسمه عميقاً في لوح الخالدين، وأن يمنح وطنه رمزاً آخر، ومواطنيه هويَّة إضافيَّة هي أنهم (مواطنو الطيِّب صالح)!
    (3)
    لم يقتصر عمل الطيِّب على السَّرد، وإن كان هو الأهمُّ في حياته المهنيَّة، أو على هيئة الإذاعة البريطانيَّة، فحسب، بل لقد عاد إلى بلده عام 1967م مستشاراً للإذاعة السودانيَّة لمدَّة عام. وانتقل إلى دولة قطر، وكيلاً ومشرفاً على أجهزة إعلامها سنين عدداً. ثمَّ عمل مديراً إقليمياً لمنظمة اليونسكو بباريس، ثمَّ ممثلاً لها بدول الخليج. كما عمل كاتباً صحفياً لعمود (وراء الأفق) الشهير بمجلة (المجلة) اللندنيَّة، لأكثر من عقد من الزمن. وفي الأثناء حصل على عدة شهادة أكاديميَّة، من بينها شهادة في الشئون الدوليَّة من بريطانيا.
    (4)
    بدأت معرفتي بالطيِّب صالح الأديب وأنا، بعد، طالب بالثانوي، من خلال (موسم الهجرة)، عندما نشرت، لأوَّل مرَّة، بمجلة (حوار) البيروتيَّة، نحو منتصف ستينات القرن الماضي. كانت شيئاً صاعقاً يكاد لا يصدق، كأن من كتبها ليس من جنس البشر! أعدت قراءتها مرَّات ومرَّات، وما زلت، منذ ذلك الوقت الباكر، أعود إليها، بين الحين والآخر، في مختلف الطبعات، وأتسقط كلَّ ما يكتب النقاد والدارسون عنها، وعن جماليات الطيِّب عموماً، دون أن أزعم أنني ارتويت تماماً مِمَّا تمنح من متعة وفائدة معاً. ولا غرو، فإن تلك السرديَّة المركبَّة شديدة التعقيد هي، في رأيي، مفتاح (باب السِّر) إلى عالم الطيِّب السردي كله، حسبما ظللت أتتبَّعه بلهفة وشغف، عملاً وراء عمل، من (عُرس الزين) إلى (دومة ود حامد) إلى (نخلة على الجدول)، حتى بلغ أشده في روايته (بندر شاه) بجزئيها الصادرين، حتى الآن، (ضو البيت) و(مريود)، وأسأل الله العلي القدير أن تكشف محتويات مكتبته المنزليَّة عمَّا يكون الراحل قد أراد أن يستكمل به هذا العمل الجليل، وليس سوى محمود صالح من يُعَوَّل عليه في تنقيب كهذا. ثمَّ إن (المنسي) ليس ببعيد عن ذلك العالم. وما زلت أذكر، كمهتمٍّ باللغة والثقافة الروسيَّتين، كم كانت سعادتي عظيمة عندما تولى البروفيسير السوفيتي، آنذاك، فلاديمير شاغال ترجمة (موسم الهجرة) إلى اللغة الروسيَّة، ونشرها بمجلة (الآداب الأجنبيَّة) عام 1975م، ثمَّ عندما ترجم إيغور يرماكوف (عرس الزين)، ثمَّ عندما ترجم ل. ستيبانوف جزئي (بندر شاه)، ثمَّ عندما صدرت هذه الأعمال كاملة في مجلد واحد أنيق عن دار رادوغا بموسكو عام 1982م.
    لقد أفضت دقة رسم الطيِّب لشخصيَّة مصطفى سعيد المركزيَّة في (موسم الهجرة) إلى أن يتبدَّى للجميع كما لو أنه شخصيَّة حقيقيَّة تسعى معهم في الحياة، لدرجة أن الأديب علي أبو سن، صديق الطيِّب وزميله، زعم، مرَّة، أنه هو مصطفى سعيد، مستشهداً بما كان الطيِّب قد صرَّح به، ذات محفل دبلوماسي! غير أن الطيِّب، عندما سُئل، لاحقاً، عن جليَّة الأمر، اكتفى بالصمت والابتسام، مفضِّلاً، في ما يبدو، الإبقاء على المسألة برمَّتها في دائرة الغموض!
    على المستوى الإنساني تعرَّفت إلى الطيِّب، شخصياً، حين زار السودان في خواتيم سبعينات القرن المنصرم، أو أوائل ثمانيناته. قدَّمني إليه صديقي الراحل الشاعر النور عثمان أبَّكر. وبعدها جمعتنا به الفنانة المسرحيَّة آسيا عبد الماجد في حفل مرطبات صغير أقامته، على شرفه، بباحة بيتها بالشعبيَّة. ثمَّ جمعتنا سهرة لطيفة بصالون قريبه وصديقه السِّر محمد الحسن بحي المقرن، وكان ضمن الحضور الناقدان عبد القدوس الخاتم وعبد الهادي الصديق، والشاعران سيد احمد الحردلو والنور عثمان، والقاص عيسى الحلو، والمغني ود اليمني، وآخرون أنسيتهم. ومنذ ذلك الوقت صرت ألتقيه كلما جاء إلى السودان في زيارات غير رسميَّة، وكلما حباني الحظ، خلال سفراتي المتعددة إلى القاهرة، بأن يكون هو متواجداً فيها. وما عرفت محبَّاً لمصر والمصريين كالطيِّب، اللهم إلا ما بلغنا من تاريخ الإبداع السوداني عن الخليل والتيجاني ونفر آخرين اشتهروا بهذه المحبَّة. وقد قامت للطيِّب هناك صداقات يجلها، لمست بعضها بنفسي وبعضها من مؤانساته الشخصيَّة، ولعلَّ على رأس هؤلاء ناقده الأوَّل، بل أوَّل من شدَّ الانتباه إليه، الراحل رجاء النقاش، وإلى ذلك جابر عصفور، وآخرين.
    كان الطيِّب بسيطاً، دائماً، في لغته، وفي حياته، وفي أسلوبه في الكتابة، وفي كلِّ شئ، اللهمَّ إلا الحكمة التي أوتيها، والتي ما تلبث أن تتكشف، لمن يتروَّى ويدقق، من خلال بساطته هذه نفسها التي يمكن اعتبارها، أيضاً، وفي بعض أهمِّ جوانبها، (بساطة مظهريَّة)! فهي، بالقطع، ليست ضرباً من (الغشامة)، بل إنها تلتمُّ، في حقيقتها، على شخصيَّة بالغة الرُّقي، هائلة العظمة. ولقد صدق تماماً عندما ردَّ على من وصفوه بأنه هو مصطفى سعيد، قائلاً: لا، أنا أقرب إلى الزين .. أنا الزين!
    بساطة الطيِّب هي (واجهته) الاعتياديَّة في التعامل مع بسطاء الناس، بل ويحبِّذ، ابتداءً، التعامل بها مع كلِّ مَن حوله، ريثما تغوي أحدهم بالتنطع، حينذاك يستل من قرابٍ خفيٍّ أدوات دهاء ما علمت أن مثلها يتوفر لدى سواه!
    (5)
    ورغم أن الطيِّب ينفي مقاربته الشعر إلا هذراً، لكن ما من عين يمكن أن تخطئ شيئاً من عناصر شعريَّته الخاصَّة التي تشكل، في النهاية، بعض مقوِّمات البناء الجمالي في سردياته؛ وهي شعريَّة بصريَّة سينمائيَّة بأكثر منها لفظيَّة بحتة.
    ففي وصفه، في (عُرس الزين)، للإمام في مشهد علاقته الغريبة بأهل القرية الذين كانوا يمقتونه، ومع ذلك يجمعون له مرتبه آخر كلِّ شهر، بينما هو لا يكفُّ عن تذكيرهم في خطبه، دائماً، بالحساب والعقاب، اقتصاصاً لنفسه منهم، يقول الطيِّب: "كان مثل الضريح الكبير وسط المقبرة!" (عُرس الزين، ص 96 ـ 97). وبعد أن رأى نفس الإمام الراقصة سلامة وقد انحسر ثوبها ".. عاد بوجهه إلى محدثه (و) كانت عيناه مربدتين مثل الماء العكر" (المصدر، ص 124). واستطراداً لعلَّ ذاكرة كلِّ مَن شاهد فيلم المخرج الكويتي خالد الصديقي (عُرس الزين ـ 1976م)، الفائز بجائزة خاصَّة في مهرجان كان، سوف تظل تختزن الأسلوب الرائع الذي أدى به الممثل السوداني الكبير الراحل محمد خيري هذا المشهد، رغم أنه لم يستغرق سوى بضع ثوان من زمن العرض!
    على أن هذه الشعريَّة بلغت أقصى قممها في (ضو البيت) و(مريود)، بالذات، حيث لم تعُد محض عنصر فني، فحسب، بل جزءاً وقائعياً ضرورياً في السَّرد لا يتجزَّأ من نسيج قماشة (الواقعيَّة السحريَّة) التي كان الطيِّب أوَّل من بدأ اجتراحها باكراً، من خلال (موسم الهجرة) و(عرس الزين) بالأخص، وسبق فيها دهاقنتها الحاليين من روائيي أمريكا اللاتينيَّة الذين ينسب أكثر النقاد، أبوَّتها، خطأ، إليهم! فالزين، في (عُرس الزين)، مثلاً، "ولي من أولياء الله" (ص 35)، أو "لعله نبي الله الخضر (أو هو) ملاك أنزله الله في هيكل آدمي زري" (المصدر، ص 37). لكن، لئن كان (الزين)، أصلاً، نتاج مجتمع (ود حامد)، فإنَّ جُلَّ شغل الطيِّب انصبَّ، بوجه خاص، على ثيمة (الغريب) الميتافيزيقي الذي يهبط، فجأة، من لامكان، ويتلاشى، فجأة، في لامكان، سوى أنه، بين هذا وذاك، يهزَّ المكان المحسوس المرئي هزَّاً، ويرجُّه رجَّاً، محدثاً فيه تحولات عظيمة، خيراً أو شرَّاً، كما لاحظ ذلك باحثون كثر، من بينهم، على سبيل المثال، صديقي عبد الرحمن الخانجي في كتابه (قراءة جديدة في روايات الطيِّب صالح، 1983م).
    ففي (موسم الهجرة) قلب مجئ مصطفى سعيد ود حامد رأساً على عقب، ابتداءً من خصائص شخصيَّة حسنة بت محمود، وليس انتهاءً بمقتلها الدراماتيكي هي وود الريس في ليلة واحدة. لقد بلغ التغيير نخاع القرية، ودفع بأسفلها إلى عاليها. وهكذا، برغم ما قد يبدو على حال الحياة، في الغالب، من استمرار (مظهري)، حيث "مع كلِّ هبَّة ريح يفوح أريج الليمون والبرتقال واليوسفندي، خوار ثور أو نهيق حمار أو صوت فأس في الحطب"، إلا أنَّ "الدنيا قد تغيَّرت" (موسم الهجرة، ص 131).
    وفي (ضو البيت) كان ما أحدثه بندر شاه من تغيير يستحيل، بذات القدر، نظمه في سلك عاديَّات الحياة، حيث "فجأة اختلَّ ذلك التناسق في الكون، فإذا نحن، بين عشيَّة وضحاها، لا ندري من نحن، وما هو موضعنا في الزَّمان والمكان" (بندر شاه: ضو البيت، ص 19)، و"كانت البلد كأنَّ طائراً رهيباً اقتلعها من جذورها، وحملها بمخلبيه، ودار بها، ثمَّ ألقاها من شاهق!" (نفسه، ص 24)، و"كنا مثل سرب عظيم من طيور مذعورة تفترق لتلتقي، تعلو وتهبط، وتدور بعضها حول بعض، محدثة صراخاً منكراً يصمُّ الآذان" (نفسه، ص 25).
    وفي (مريود) يقول الطيِّب على لسان الراوي: "فجأة أحسست بمريم، بُعيد العِشاء أو قبيل الفجر، لا أعلم، لكنني أذكر ظلاماً رهيفاً، وضوءاً ينسكب على وجهي من عينيها .. (و) سمعت صوتها كأنه ينزل من السماء، ويحيط بي من النواحي كافة، تطويه رياح وتنشره رياح" (بندر شاه: مريود، ص 85). ويقول، أيضاً، عن صوت بلال (روَّاس مراكب القدرة) الذي استيقظ عليه الناس، ذات فجر، ينادي من على مئذنة الجامع، بعد إذ كان قد امتنع عن الأذان وعن دخول الجامع منذ وفاة شيخه نصرالله، إنه ".. كان كأنه مجموعة أصوات، يأتي من أماكن شتى ومن عصور غابرة، وإن ود حامد ارتعشت لرحابة الصوت، وأخذت تكبُر وتكثر وتعلو وتتسع، فكأنها مدينة أخرى في زمان آخر" (بندر شاه: مريود، ص 46).
    (6)
    خريف 1988م، وأثناء سيوله وفيضاناته الشهيرة، كان الطيِّب في إحدى زياراته إلى السودان. فأبلغته رسمياً بقرار اتحاد الكتاب بمنحه العضويَّة الشرفيَّة، فأدهشني الحبور الذي بدا على محياه وهو يحمِّلني شكره للزملاء بلجنة الاتحاد. تفسيري الوحيد لذلك أنه، مع كلِّ هالات الضوء والتكريم والتشريف التي تحيط بهامته السامقة عالمياً، كان يعزُّ أقلَّ القليل الذي يأتيه من وطنه بوجه خاص، ما جعله، طوال العُمر الذي قضاه في بريطانيا، يصرُّ على التمسُّك بجواز سفره السوداني!
    قلت له:
    ـ "لا .. إنت حتشرفنا في دار الاتحاد وتجتمع مع اللجنة، لكين بعد ما نعمل ليك محاكمة"!
    وسألني ضاحكاً:
    ـ "محاكمة كيف يعني؟! إنت بتجيب جنس الكلام ده من وين"؟!
    ثمَّ ما لبث أن وافق، متحمِّساً، بعد أن شرحت له مشروع الندوة الطريفة التي نعتزم إقامتها لتدارس بعض أهمِّ الإشكاليات التي تثيرها أعماله، في شكل محاكمة بممثل اتهام وممثل دفاع وقاض رمزي لإدارة الجلسة، على أن القاضي الحقيقي سيكون الجمهور!
    وهكذا انعقدت (محاكمة الطيِّب صالح) غير المسبوقة، وقتها، بحديقة دار الاتحاد بالمقرن. جلس الشاعر فضيلي جماع في مقعد القاضي الرَّمزي، ووقف المرحوم الناقد عبد الهادي الصديق في خانة الاتهام، والشاعر محمد المكي ابراهيم في خانة الدفاع، وكان حواراً ساخناً امتدَّ إلى منتصف الليل، بمشاركة نقاد وأدباء آخرين من مقاعد الجمهور، بالإضافة إلى الجمهور نفسه. وكان القاضي فضيلي يتيح الفرصة للطيِّب، كلما طلبها، للتعقيب على ما يقال. وما زلت أذكر، على نحو خاص، تعقيبه على ما أثار ناقد متزمِّت، حيث قال الطيِّب ما يعني إن أكثر ما يثير لديه الإشفاق حال من يخترعون للقرية (أخلاقاً) سرمديَّة لا تتأثر بالصراع الاجتماعي، كما وأن أكثر ما يثير لديه الرثاء حال من يحاكمون (الإبداع) بمقايسات (الأخلاق العامَّة)، فلا أرضاً يقطعون للأوَّل، ولا ظهراً يبقون للأخرى!
    بعد (المحاكمة) جلس معنا في اجتماع استثنائي للجنة الاتحاد، وسألنا: "كيف يمكنني مساعدتكم"؟ قلنا: "ديوان (إشراقة) تعدَّدت طبعاته الشائهة، حتى لقد التبس شعر التيجاني تماماً. فلو وجدنا منحة من اليونسكو العالميَّة أو الأليسكو العربي لتحقيقه ونشر طبعة منه بكميات كبيرة، لأضحت هذه خدمة للشعر السوداني لا تقدَّر بثمن. ونريد أن نستثمر علائقك في هذا السبيل". تحمَّس للأمر أيَّما حماس، ووعد بالسعي فيه، حالما يصله منا ما يفيد بالميزانيَّة المطلوبة.
    رشَّحنا عبد الله علي ابراهيم لتولي المهمَّة، وعبد الله اقترح ضم المرحوم عبد الحي إليه، لكنَّ سوء تفاهم وقع، في ما بعد، من جانب عبد الحي، حول أصل الموضوع وفصله، مِمَّا استغرق فضُّه شهوراً، حتى وقع الإنقلاب، وحُلَّ الاتحاد، وانتزعت الدار، وتفرقنا أيدي سبأ!
    (7)
    ـ "قلت نعم. قلت نعم. قلت نعم. ولكن طريق العودة كان أشقَّ لأنني كنت قد .. مشيت"!
    (خاتمة بندر شاه: مريود، ص 86)
    شعب السودان سوف يظلُّ مديناً لأرملته وبناته اللاتي حرمن أنفسهنَّ، بمشاعر إعزاز فياض لذكرى حبيبهنَّ الغالي، حين تنازلن عن فكرة دفنه إلى جوارهنَّ بلندن، ولو أصررن لكان القانون الإنجليزي في صفهنَّ. لكنهنَّ رأين أن من الأوقع تماماً دفنه في ثرى الأرض الغبشاء التي أحبَّها بكلِّ جوارحه، وقال إنها "لا تنبت إلا الشعراء والأنبياء"، وبين ملايين الناس الذين أحبهم، وحملهم في حدقات عيونه، وجعل لهم ذكراً في العالمين، وبقي وفياً لهم إلى آخر رمق في حياته العامرة بجلائل المكرمات، المزيَّنة ببساطة وتواضع المتصوِّفة النائين بأنفسهم عن عرض الدنيا الزائل، حتى مضى وكأنه كان معلقاً، أصلاً، بخيوط الشمس الغاربة!
    هكذا أمكن لنا أن نستقبل جثمانه بمطار الخرطوم في الرابعة والنصف من صباح الجمعة 20/2/09، وأن نشيِّعه، في التاسعة والنصف، في موكب مهيب، لنواريه الثرى بمقابر البكري بأم درمان.
    ............................
    ............................
    إنَّ "موته .. خسارة لا تعوَّض"!
    محجوب عن مصطفى سعيد
    (موسم الهجرة، ص 104 ـ 105)
    وإنا لنشهد بأنه عاش "كأنه وطـَّن نفسه على الموت"!
    عبد الخالق عن ضو البيت
    (بندر شاه: ضو البيت، ص 132)
    فقد "أحبَّ بلا ملل، وأعطى بلا أمل، وحسا كما يحسو الطائر .. حلم أحلام الضعفاء، وتزوَّد من زاد الفقراء، وراودته نفسه على المجد فزجرها، ولما نادته الحياة .. لما نادته الحياة ..!"
    (بندر شاه: مريود، ص 85)
    وكثيراً ما كان يردِّد أن "ابن آدم إذا كان ترك الدنيا وعنده ثقة إنسان واحد يكون كسبان"!
    ود الرَّوَّاس
    (بندر شاه: مريود، ص 38)
    وكان يقول، أيضاً، إن "القوَّة ليست للجسد، بل للروح والعزيمة"!
    (بندر شاه: ضو البيت، ص 35 ـ 39)
    كما كان يقول: "يوم يقف الخلق بين يدي ذي العزَّة والجَّلال، شايلين صلاتهم وزكاتهم، وحجَّهم وصيامهم، وهجودهم وسجودهم، سوف أقول: يا صاحب الجَّلال والجبروت، عبدك المسكين الطاهر ود بلال ولد حواء بنت العريبي يقف بين يديك خالي الجراب، مقطع الأسباب، ما عنده شئ يضعه في ميزان عدلك سوى المحبَّة!"
    الطاهر ود بلال
    (بندر شاه: مريود، ص 64)
    ............................
    ............................
    اللهم، ها هو الطيِّب أمسى في رحابك، ضارعاً يتكفَّف غوث عزَّتك ببابك، وإنا لنتوسل بك اليك أن تكرم نزله وأنت خير المنزلين، وأن تؤنس وحشته وأنت خير المؤنسين، وأن تغفر له وترحمه وأنت خير الغافرين الراحمين، وأن تعيذه من العذاب وأنت الغني عن عذابه يوم الدِّين، فيمِّن، يا ربُّ، كتابه، ويسِّر حسابه، وثبت علي الصراط اقدامه، وثقل بالحسنات ميزانه، وافرش قبره من فراش الجنة مع الصِّدِّيقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    الخرطوم بحري

    الأحد 22/2/2009م
    [email protected]


    ---------------------------------------

    الطيب صالح: تعظيم إبداعي وتساؤلات .. بقلم: صلاح شعيب
    الثلاثاء, 24 فبراير 2009 23:29

    [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
    سيمر وقت ليس بالقصير، بعد وفاة الطيب صالح، لكي يجد مبدع سوداني حظا من إحتفاء محلي وأقليمي وعالمي، كما وجده صاحب "موسم الهجرة إلى الشمال" والتي هي، على كل حال، بستان القراءة المخضر الذي وجد فيه معظم من عرفوا أدب الراحل ملاذا للاستمتاع به أكثر من بساتين أخرى حرثها قبل ما يقارب الثلاثة عقود.
    والغريب أنه برغم قلة روايات المبدع الراحل بالمقارنة مع مجايليه المصريين، على الأقل، إلا أن رواياته، التي أخذت الشهرة وعرفت به كعبقري للرواية العربية، لم تصدر في النصف الثاني من السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات من القرن الماضي أو في مطلع الألفية الجديدة، وإنما مثلت أعماله قمة إنتاج الستينات الأدبية، وهي الفترة التي لا تزال منجزاتها على مستوى الأدب والغناء السودانيين محكا للتجاوز من قبل الأجيال المتعاقبة.
    ليس ذلك فحسب فمرحلة الستينات، وما قبلها، أفرزت، على نطاق الوطن العربي، رموزا في مجال الثقافة والأبداع ولا يزال تأثيرها إلى الآن ملاحظا بكثافة على مستوى الدراسات والاهتمامات بالنسبة للنقاد حتى من الأجيال الجديدة، بل ويصعب لهذه الأجيال التي جاءت بعد الجيل الذي بدأت أزاهيره تتفتح في الستينات أن تشكل حضورها المختلف والمستمرعلى الحقل الإبداعي من دون التعرف والإستناد على تنمية الثيمات الإبداعية التي أنجزها جيل الطيب صالح، وهو الذي سوق إبداعه في الربع الثاني من القرن الماضي وينافس لتأكيد حضوره إلى الآن، سواء من خلال أعمال المبدعين الأموات أو الأحياء. وبرغم أن
    لا ينوي المرء هنا سكب الدمع الحرى على فقدان شخصية مهمة لبلادنا مثل الأديب الطيب صالح، فالشاهد أن هناك الكثير من هذا الدمع الصادق الذي بلل الصحف. مثلما أن النية ليست أيضا لتعداد مآثر الراحل الفنية والإنسانية، وذلك فعل وثقه النقاد المعنيون بالأمر، ومعلوم مواقعه في أرشيف الصحف والمجلات والكتب ومنابر الانترنت، ولكن تأتي النية للقول إنه ينبغي النظر إلى الأفكار التي تسهم في تخليد الإسم الكبير للراحل ليكون ذلك تكريما له جزاء ً لما قدمه للثقافة السودانية، فالطيب صالح لم يكن روائيا فحسب، وإنما كانت مواضيع كتاباته وحواراته والندوات التي شارك فيها تمثل محطا ثقافيا متمايزا، تمتع فيه الكثيرون، وتألق به نجما، وتشرفنا عبره وسط العالمين.
    إن العلاقة بين الدولة التي أنتمى لها الطيب صالح وكثير من رموزها الثقافيين تخصيصا ظلت متأرجحة منذ أمد بعيد، وبرغم أن الحديث عن الدولة، من الوهلة الأولى، يفترض عند البعض وضعا لا يتحكم فيه المثقفون، فإن الشاهد أن هذه الدولة التي لم تراع لخصوصية المبدع السوداني ــ إهتماما بذاته وبمنتجعاته الثقافية ــ إنما هي من صنيع المثقفين أنفسهم سواء كانوا سدنة شمولية أم ديمقراطية. ومن هنا يبقى عجز الدولة عن تكريم الطيب صالح وزملاء له من الراحلين، وعدم بذلها الغالي والنفيس لصالح إزدهار محافل إبداعية، وإهمالها تخليد ذكراهم هو عجز المثقف عن العناء بالآخر منه.
    فالطيب صالح والذي عاصر فترات الحكم الوطني التي تعهد التخطيط لها مثقفون لم يجد التكريم الذي يوازي عطاءه الإستثنائي بالنظر إلى عطاء من شاركوه في التجييل ومن أتوا بعدهم. وإذا نقبنا في السيرة الذاتية للرجل لوجدنا أن دولا في المنطقة وظفت بذكاء خدماته في مجال التخطيط الثقافي الإستراتيجي، وأن منظمات أقليمية ودولية إمتصت خبراته من خلال إرتباطه العملي بها، حتى وجدنا أن عطاءه في الكتابة الحرة، طيلة حياته، ظل موصولا بصحف ومجلات غير سودانية، فضلا عن ذلك فإن المئات من المهرجانات الأدبية التي شارك فيها واسهم في نجاحها، سواء في جدة أو القاهرة أو دمشق أو بغداد أو المغرب، لم يكن من بينها مهرجان ثقافي سنوي في الخرطوم.
    صحيح أن عطاء شخصية الطيب صالح تجاوز السودان، ومثله في ذلك مفكرون وأدباء كثر تجاوزوا القطرية وأصبح النظر إليهم كرموز في حقل الثقافة العربية والأفريقية والعالم الثالث، بل أن إسهاماته الثقافية والعملية الخارجية أعطت بلادنا حضورا لافتا في هذه المهرجانات، غير أن الناظر لرموز ثقافية عربية أمثال محمود أمين العالم أو يوسف أدريس، أو محمد عابد الجابري، أو محمد جابر الانصاري، أو محمد إبراهيم الفقيه سيجد أنهم ظلوا يمثلون بلادهم في هذه المهرجانات ويعودون إليها كما يعود الطائر إلى عشه، إذ أن حكومات بلدانهم عملت على تهيئة ظروف الاستقرار النسبي للمبدعين واسهمت في مكوثهم داخل أوطانهم وبالتالي إستفادت منهم في الجامعات، ومراكز الابحاث، والمؤسسات الثقافية والإعلامية، وبرغم أن قائلا قد يجادل بأن مبدعين آخرين في تلك البلدان العربية نفسها قد عانوا من شظف العيش وغياب الحرية وتعرضوا للملاحقات الأمنية وفضلوا أن يعيشوا في الخارج إلا أن ذلك ليس سببا لأن نسلم بتقصير الدولة في عدم الإهتمام مرة ثانية بالطيب صالح، والذي كان قد عمل مستشارا بوزارة الثقافة والإعلام لفترة قصيرة ولم يجد دعما كبيرا من الدولة في عمله.
    والأنكى وأمر أن ذات الدولة التي حرمت تدريس رواية الطيب صالح لأسباب تتعلق بتصريحه الشهير ذاك عادت في لحظات ضعفها تستنجد به من أجل أن تجير مواقفه لصالحها، وليت كان هذا الموقف الحكومي الأخير تصحيحا لمواقف قديمة جاءت في سياق محاربة الابداع وكل المبدعين، فالذي حدث هو أن هذا الإهتمام الأخير بالتودد لبعض المبدعين والخروج منهم بتصريحات تخدم خطها السياسي إنما هو شئ لا علاقة له بتمجيد المبدع في شخصه، أو إحترام عطاءه، أو تحقيق رغبته بأن يجد الحرية التي تتيح له الإبداع.
    فالموقف الإيجابي من المبدعين ينبغي أن ينعكس في شكل إهتمام مدروس وراسخ من الدولة بالمؤسسات الثقافية والمبدعين أثناء وضع الأوليات في الإهتمام المركزي، وأثناء التخطيط السنوي للميزانية العامة، وكذلك لا بد لهذا الموقف الإيجابي أن ينعكس في شكل تحفيز المبدعين من غير دعاية إعلامية، أو بصورة تهين كرامتهم أمام الشعب، أو دعم منظماتهم الأهلية وتجنيبها الحملات الضرائبية والقوانيين التعجيزية لأي عمل أهلي. وقبل كل هذا وذاك لا بد أن ينعكس موقف الدولة في شكل تهيئة لمناخ الحرية الذي يساعد المبدعين في تنمية منتجاتهم الفكرية والأدبية والفنية. وأعتقد أن أي إحتفاء يبذل للراحل الطيب صالح أو بقية المبدعين الراحلين سيكون ناقصا وغير ذي جدوى إذا لم يلب الحاجيات الأساسية التي تحتاج لها العملية الثقافية وتطورها بإضطراد.
    والشئ الجدير بالذكر هو أن الطيب صالح خصص من ماله الخاص ما يعنى بتطوير العملية الثقافية في السودان، تلك التي تشجع الجيل الجديد من الروائيين والقصصة في السودان، وما جائزته السنوية التي يقدمها عبر مركز عبد الكريم ميرغني بأمدرمان إلا أحساس عميق منه بأن هناك قصورا كبيرا للدولة تجاه دعم الإبداع أو الأجيال المبدعة. والسؤال هو كيف تأتى للطيب صالح الفرد أن يقوم بهذه المهمة والتي هي من ضمن مهمات وأولويات مديري المؤسسات الثقافية، أو فلنقل القائمين بأمر الدولة ما دام أن المسؤولية عن رعاية الإبداع وتحفيز العاملين في حقوله من صميم عملهم..؟
    وإذا كان للناس حق مساءلة مواقف الأديب، مهما تكن إسهاماته الفنية، من الانظمة الشمولية فإن الطيب صالح قد واجه في السنين الأخيرة نقدا لتصريحات صحفية بدرت منه ورأى البعض ومنهم كاتب هذا السطور أنها تعطي صورا متناقضة للتساؤل الكبير الذي طرحه في بدء مثول الإنقاذ، وكذلك متناقضة للمواقف السياسة الضرورية التي يتوقعها الناس من مثقف كبير مثله.
    ولقد كان ذلك (التساؤل التهكمي) الذي قذف به في جوف العقل السوداني ضروريا من المثقف الطيب صالح، خصوصا وأن جانبا من وظيفة المثقفين، كل المثقفين، أن يتصدوا لمسؤولياتهم في الجهر بالموقف الإيجابي من سلطات القمع والبؤس والكآبة، وسوف يكون من عدم الإحترام لعقل الشعب إذا ظن مثقف ما أن صمته دون قول الحق أمام القمع الذي يتعرض له الناس يعبر عن عدم علاقته بالسياسة.
    إن الذين إستماتوا للدفاع عن المثقف الراحل الطيب صالح وتصريحاته التي لم تقع موقعا حسنا أمام كثيرين من محبي أدبه حاولوا أن يخلطوا الأمر وكأنما أن الراحل يتعرض إلى إستهداف إلى شخصيته الأدبية، أو عدم تقدير لما قدمه لأمته. والحقيقة أنه لا بد أن يكون هناك فصلا حادا بين مواقف كل أدبائنا من القضية القومية والمجهودات الفنية التي لا ينكرها إلا مكابر. فالأديب والشاعر والفنان والكاتب والرسام ليسوا مطالبين بالإنتماء إلى المنظماتنا السياسية حتى تستبين مواقفهم سواء من الأنظمة الشمولية أو الديمقراطية أو الشموقراطية، ولعل العقلاء من الأدباء وغير الادباء لا يجهلون أن الشموليين يقضون على روح الإبداع قبل القضاء على الروح الوطنية التي تتسامى بالحرية والديمقراطية لمضاعفة إسهاماتها. وبطبيعة الحال ليس من حق أحد أو مجموع تقديس قاماتنا الابداعية والفكرية والسياسية للدرجة التي يمنعون الناس من مراجعة أفكارهم، الناس سواء تواضعوا معرفيا أو الذين يمتهون الأعمال ذات الصلة بالتثقفيف، فكما حق للذين إنتقدوا عبارة "من اين أتى هؤلاء" والطعن في شخصية الطيب صالح، فقد كان على الذين رأوا فيه تنازلا عن تلك العبارة الموحية أن يعبروا عن إنتقاداتهم وهؤلاء لم يصلوا إلى درجة إعدام العمل الفني للراحل في الجامعات.
    إن المرء لا يحتاج إلى تكرار القول بعبقرية الطيب صالح الفنية ولكن يحتاج لتكرار القول إن منهج النقد السياسي يجوز تجاه الادباء وغير الادباء، خصوصا وأن للأفراد/المتلقين، ضعف مستوى تعليمهم أو تعالى، الحق أن يعبروا برأيهم عن القامات الفنية من زاوية تعاطيهم أو عدم تعاطيهم مع الشؤون التي تتعلق بواقع ومستقبل بلدانهم. وسيكون من التغبيش الفكري التصريح بأن لا يقوم الناس بنقد الناشطين في العمل العام من الاحياء والاموات إلا الذين يوازونهم في التجربة والصيت والعمر. وإذا كان الذين يتخذون مرجعيات دينية ويصرون على ألا تتعرض قاماتنا الفكرية والسياسية إلى نقد من ما يسخرون من مستوى تعليمهم وينادونهم بـ"العامة والدهماء" فماذا يقولون في ذلك الإعرابي الذي واجه سيدنا عمر رضي الله عنه فأثنى عليه وحمد الله أن في أمة عمر من يقوم إعوجاجه بسيفه.
    إن ما أقعد وطن الطيب صالح عن التطور والتقدم هو سعي البعض الدائب لتأليه بعض رموزنا السياسية والفكرية والثقافية، إلخ، وعدهم فوق النقد، بأي منهج جاء. ولاحظنا كيف أن التبريرات، غير الموضوعية، تترى حين يتعرض رموزنا السياسيين أمثال الصادق المهدي أو نقد أو الميرغني او الترابي وغيرهم إلى نقد صارم لإجراءات عملية بذلوها في إطار إجتهاداتهم غير المعصومة.؟
    وبذاك المستوى من قمع الناقدين للزعماء ورموز الحياة العامة غاب الإصلاح واصبح دور الناقدين الحريصين عليه هو أن يتجاوزوا سخائم القلوب وظنها التي يوفرها الكارهون لوضع هؤلاء الزعماء والرموز في موضع النقد المستحق، بل وعلى الإصلاحيون أن يتجاسروا دون أن تلحقهم مساعي حرق الشخصية، وهو الطريق الاسهل الذي يبذله الزعماء ومناصرينهم، بدلا عن الدفاع بالحوار والحسنى مع الآخر الناقد، وتفنيد زعمه بناء على المنهجية التي إتخذها اصحاب النقد، والأخذ بيده إن كان منهج نقده ومضمونه ينتابه الفقر المعرفي.
    إن لا سلطة لأحد أن يحدد المنهجية النقدية لكل أمرئ يريد أن يطبق منهج النقد السياسي للعاملين في مجال التثقيف والإعلام والفنون الذين يواصلون إبداعهم أو رحلوا إلى الدار الآخرة. فمن الحق الأصيل أن يعيد الدارسون بحث المواقف السياسية من السلطة الشمولية للمبدعين عبدالله الطيب والمجذوب والنور عثمان أبكرأو عبد الكريم الكابلي أو عمر الطيب الدوش أو الطيب حاج عطية أو إسماعيل الحاج موسى أو مكي سنادة أو هاشم صديق وغيرهم. وبصرف النظر عن النتائج التي يتوصلون إليهم في مباحثهم، فإن هؤلاء الدارسين سيطرحون معرفة عامة من خلالها ندرك إلى أي مدى توطأ أحدهم حيال إدانة سلوك الإنظمة الشمولية أو بذل جهدا لتنوير الشعب بما إنتوت عليه من دجل وتدجين وأفك، وندرك أيضا كيف أن المطلوب من الإنسان أن يتسق في مواقفه الأدبية والفنية والقومية.
    والسؤال هو ما علاقة النتائج التي يتوصل إليها هؤلاء الباحثون ــ إذا وجدوا ــ بالنتائج التي يتوصل إليها باحث آخر يقول بأن عبدالله الطيب أزجى خدمة كبيرة للأدب العربي أو أحسن أيما إحسان في خدمة جامعة الخرطوم والاكاديميا وتأهيل طلبته؟ وايضا ما علاقة نتائج النقد السياسي بما قدمه مكي سنادة من دور في تثقيف جمهور المسرح بالأعمال الابداعية التي نالت مدحا وثناء ً، وهو دور لا ينكره إلا مكابر أو ناكر جميل، بل وما علاقة الموقف السياسي المطلوب الذي بذله هاشم صديق وعمر الطيب الدوش بخدمة وضع إبداعهما فنيا..؟
    إن وضع اي صناجة للأدب سيظل كذلك، ولا يستطيع ناقد منهجه السياسي أن يقلل من إضافاته الفنية المفارقة، وسيظل أديبا إذا رأى هذا الناقد ميلا منه نحو الديكتاتور أو حربا لا هوادة فيها نحوه، وسيظل دورا الأكاديمي والمغني محفوظان مهما برهن الناقد السياسي إنكسارهما نحو منافع السلطان.
    عليه دعونا نعظم الطيب صالح فنيا وندعوا له بالرحمة ونقول بعبقريته وخدمته الإستثنائية للادب المكتوب بالعربية. على أن لا تثنينا عاطفة الحب التي إستحقها منا بجدارة وإقتدار أن يدرس أحد منا كل جوانب حياته العامة، بما فيها رؤاه في السياسة ورموزها ومراحلها، ولا أعتقد أن تلك شنشنة من أخزم أو خطل من متنطع ما دام أن الناقد يتقصى الموضوعية ويفرز البرهان في متن أفكاره، فقيمة إنسان الطيب صالح الاساسية أنه حقل الدرس الخصيب، وإبداعه وحياته موئل التأويل اللامتناهي. واللهم اسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
    نقلا عن الأحداث


    ---------------------------------------------
    وهنا مقال للاستاذ الفاضل عباس وهو من اصدقاء الفقيد


    الطيب صالح =الحنين+الزين+مريود..و أكثر ...

    بقلم: الفاضل عباس محمد علي
    الثلاثاء, 24 فبراير 2009 20:44

    [email protected]

    (و نظرت من خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير، انظر الى جذعها القوي المعتدل، و إلى عروقها الضاربة في الأرض، و إلى الجريد الأخضر المتهّدل فوق هاماتها، فأحس بالطمأنينة. أحس أنني لست ريشة في مهب الريح، و لكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف. الراوي – لسان حال الطيب- في موسم الهجرة إلى الشمال.
    سمعت بالطيب صالح أول مرة عام 1963 في بخت الرضا من الصديق الأستاذ محجوب محمد عثمان الذي كان يعطّر ليالينا بأنسه اللطيف و حكاوي المدرسين بالمناطق النائية، و من ضمنها الدبّة عند منحنى النيل بين قنتي و تنقسي، و كيف أن المدرسين بالأميرية الوسطى كانوا ينتظرون إجازات الطيب صالح المذيع بالبي بي سي بفارغ الصبر مرتين في العام: عطلة الكريسماس في ديسمبر، و موسم حصاد البلح في أغسطس، لأنه كان من التواضع و دماثة الخلق و طلاوة الحديث و تدفق الشعر بمكان، و كان يضرب لهم كبد حماره من كرمكول على بعد خمس كيلومترات كل يوم تقريبا، يؤانسهم بالليل و النهار و يزوّدهم بالمعرفة بلا تكلف أو استعراض و ثرثرة، كان يواسيهم في قسوة الحياة بذلك الريف النائي كأنما يشكرهم على ما يقومون به تجاه أبناء اخوانه و أخواته البديرية الدهامشة القادمين للدبة الوسطى من الجابرية و كرمكول و العفّاض و جرا و قشابي و ابدوم و أرقي، و يتعامل مع المدرسين كزميل مهنة بحكم السنتين اللتين قضاهما بالأحفاد و رفاعة الأهلية عامي 53 و 1954 قبل أن يذهب للعمل بالقسم العربي بالاذاعة البريطانية، و ينشدهم أشعار الحاردلو التي حفظها عن ظهر قلب من أيام رفاعة؛ و في حقيقة الأمر كان القادمون للعطلات كثيرين، من طلاب وادي سيدنا و الجامعة و موظفي السكة الحديد و مشروع الجزيرة، مما يسمّون ب(السكاّكة) أي الذين ضربوا في الأصقاع النائية بفضل السكة الحديد، الا أن الطيب هو الوحيد الذي كان يحفل بالمدرسين و يلاطفهم و يعاشرهم، فحببّني فيه محجوب قبل أن اقرأ رواياته بعد ذلك بسنوات.
    و تناهت الينا في بادئ الأمر (عرس الزين) في سنار عام 1965 حيث أتى بها رئيس شعبتنا بالثانوية الراحل فيصل العمدة من بريطانيا، فقرأتها عدة مرات، و قرأتها لأمي عليها رحمة الله، و هي التي جاءت من قنتي عروسا في الرابعة عشر من عمرها و لم تعد لها ثانية و لكنها ظلت تتحدث كأنها قادمة للتو...بلهجة شايقية لم تبرحها حتى غادرت الدنيا بعد ذلك بعقدين، تماما كالطيب صالح الذي التقيته أول مرة بلندن عام 1999، و جلست معه لعدة ساعات تحت ظل وهيط لشجرة بلوط شامخة بهايد بارك، و كان يتحدث معي كأنه جاء لتوّه من كرمكول؛ و حكيت له كيف أنيّ تعرفت على رواياته و فككت بعضا من طلاسمها بمعونة أمي التي لم تكن متعلمة، و لكنها كانت متشرّبة بثقافة أهلها و متابعة لمجريات الأمور في مسقط رأسها، فكأنما تلك المشاهد في ود حامد و كرمكول و الدبة شاخصة كذلك في قنتي، و كأنما الشخصيات جميعها موجودة بقنتي و لكن بأسماء مختلفة بعض الشيء، فالزين هو جنا علي، زاهد مبروك رغم أنه يحب الأكل voluptuous و مهزار مع النساء كالعديد من الأشخاص "البنّوتيّين" الذين يجدون أنفسهم في مجالس النسوة، و قابل للجديّة و للتقمص الكامل لدوره في منظومة القرية عندما يحين الزواج و يشرع في بناء حياته الجديدة مثل فسيلة النخل التي تغرس في جوف تلك الأرض الخصبة وسط آيات كريمات و تعاويذ و طقوس أخرى تعود لآلاف السنين. و العمدة هو العمدة. و الحنين(ود القلباوي) هو فكي ابراهيم ود السيد. و محجوب و احمد اسماعيل و الطاهر الرواسي و عبد الحفيظ و حمد ود الريس و سعيد التاجر ركاّزة القرية جمال الشيل رجال الملمات الحارسون للعقاب و نحن في الشتات، سواء في الصعيد و الصّي أو في أقاصي بلاد الترك.. حتى مصطفى سعيد الذي عادة ما يحيله المثقفاتية الى لغز أو طاقة مشحونة بعوامل السلب و الايجاب، ما هو الا واحد من الأفندية الذين أتى بهم المشروع منذ تدفق جنّابيته من وابورات حسينارتي عام 1927، أو المسّاحون الذين توافدوا على تلك الديار منذ بداية عهد الانجليز و أقاموا في مخيّماتهم بأطراف القرية، أو هذا و ذاك من المعاشيّين الذين عادوا للقرية بعد طول ترحال في مصلحة الدريسة أو قوة دفاع السودان داخل أو خارج البلاد. و الجد هو الجد، نحيف رغم صلابته البدنية، و شعرصدره يشبه(شجيرات السيال في صحاري السودان..سميكة اللحي، حادة الأشواك، تقهر الموت، و لكنها لا تسرف في الحياة.) و قد لا يكون من السهولة ادراك المعاني الأدبية و الفلسفية المختبئة وراء هذا التشخيص الدقيق و استعارته المكنية، و لكن القارئ( أو المستمع) العادي لمثل هذه اللوحات imagery لسكان قرية محدوفة بأقصى شمال السودان يتماهى معها و يرتاح لها و يحسّ كأنه هو الذي سطرها بيراعه، و يستنتج أن الكاتب له نفس الاهتمامات و تؤرقه نفس الهموم، لا يحكى قصص أهله كالمتفرّج أو السائح العابر أو المتكسّب باسمهم ، و لكن كواحد منهم مقيم بينهم ما أقام عسير، حتى لو كان جسمه في بلاد الترك، و منفعل بقضاياهم و مجتهد في سبيل توصيل خبرهم للعالمين لأنه فخور بهم و لأنه يرى فيهم السريرة النظيفة و القدوة الحسنة و السعادة و الطمأنينة felicity التي أخذ العالم يفتقدها من فرط لهاث الحياة و سطحيتها و شبقها المادي و اسرافها و تخمتها؛ فهؤلاء قوم كشجيرات السيال أقوياء الشكيمة و لكنهم لا يسرفون في الحياة، و يجيدون لعبة العرض و الطلب الوجودية السرمدية.
    و لكن الذي ساهم منذ وقت مبكر في شرح روايتي عرس الزين و موسم الهجرة الى الشمال هو رجاء النقاش، في حوالي عام 1966، اذ كانت تلك أول مرة يتذكر النقاد المصريون و العرب إبداعا أو مبدعا سودانيا، و رغم أن الصدفة لعبت دوراً في أن ينتبه رجاء النقاش لروايات الطيب صالح الا أن الروايات نفسها كانت تستحق تلك الاشادة، و استمر دفعها الباطني بعد ذلك في تحريكها بدور النشر و المكتبات العربية، بل و الجامعات و المنتديات و على مستوى القراء في الوطن العربي من محيطه الى خليجه طوال الأربعين عاما المنصرمة.
    و أذكر أنني قابلت حنان عشراوي في جامعة برمنجهام عام 1983 خلال سمنار دام لثلاثة أسابيع اسمه (اللغة الانجليزية في العالم العربي)، و كانت وقتذاك متخصّصة في تدريس أدب الطيب صالح بجامعة دير زيت، و ما أن علمت بأنني ذو جذور في منطقة الطيب حتى اكثرت من استنطاقي عن التفاصيل و التضاريس و الحياة عند منحنى النيل قبل أن يتجه شمالاً صوب مصر؛ و عن عادات الناس و تقاليد العمل الجماعي (البوغة أي النفير بلغة الصعيد..صعيد السودان)، مثل تلك اللحظة في "عرس الزين" عندما اجتمع رجال القرية مستنفرين لدى العمدة في حقله، و صاح الزين فجأة..( أنا يا ناس مكتول في حوش العمدة!)، معبرا عن اعجابه باحدى كريمات العمدة اسمها عازة، و انفجر الغضب في صدر العمدة و لكنه خبا لما انفجر الباقون بالضحك؛ و عن دور الزين في رفاهية القرية و كلفة بالأعراس و توصيل أخبارها للكافة، و دوره كعامل مساعد catalyst في سعادة الآخرين تسعى وراءه جميع الأمهات كوسيلة اعلامية مجانية للاعلان عن بناتهن و جاهزيتهن للزواج؛ و سألتني حنان عن الأكل و طريق تناوله الجماعية، و عن كل شيء تعلمتْه من قصص الطيب وهي في رأيها أفضل ما صوّر الحياة بتفاصيلها في القرية الفلسطينية، و كان ذلك مثار دهشة بالنسبة لي عندما اكتشفت أنها مسيحية، فتأكد لدي أن رسالة الطيب صالح تنفذ لجوهر الانسان و تستجلي عوامل الخير و الشر المتصارعة في داخله و تجلّياتها في مجتمع القرية ( أي قرية في الكون) الذي يشبه خلية مايكروكوزمية للمجتمع الاكبر،فالادب لحقيقي هو الذي يجد الجميع أنفسهم فيه، قروية رحلت الى مدن بعيدة أو مسيحية تناضل ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني و هي مقيمة بأرضها حتى الآن.
    ثم تتلمذت بكلية الآداب جامعة الخرطوم (بعد ما شاب أدخلوه الكتاب) على يد الناقد العبقري المتواضع هو الآخر، و النافر من الأضواء و الشهرة، د.علي عبد الله عباس رئيس شعبة الانجليزي في النصف الثاني من السبعينات، الذى درّسنا روايتي عرس الزين وموسم الهجرة ترجمة دنس جونسون ديفز، ضمن برنامج الادب الافريقي ممثلاً في شنوا أشيبى ووول سوينكا ( روايتي الاشياء تتداعى Things Fall Apart و المترجمون The Interpreters )، مع الفارق بين هذا و ذاك، فرغم أن عرس الزين دارت حوادثها أيام الاستعمار البريطاني ..لا وجود فيها للسلطة أجنبية أو مسودنة، و ليس هنالك احتكاك من نوع القسيس رمز التبشير المسيحي الغربي في ( الأشياء تتداعى) أو الادراي البريطاني الذي يستهجن معتقدات الايبو و يهتك حرماتها؛ في عرس الزين يسوس أهل القرية أمورهم بأنفسهم و تتوالى عليهم الفصول و يتقلبون معها في سلاسة و تصالح و يفضّون النزاعات حتى قبل أن تحدث proactively بفضل التوزيع العبقري للأدوار بين جميع الفئات الممثلة لكافة المصالح، و الطبقة الوسطى هي الحاكمة برغم وجود العمدة رمزا للسيادة، و تلك الطبقة هي التي يرمز اليها الطيب مازحا(بالعصابة)، مجموعة محجوب والطاهر الرواسي و احمد اسماعيل...حتى عندما لامستهم الدولة بآخرة في (عام الحنين)، سنة البركة و الفال الحسن (النسوان القنعن من الولادة ولدن.البقر و الغنم جابت الاثنين و الثلاثة. تمر النخيل كتير. التلج نزل. و الحكومة جاءت بالمشروع الزراعي، شيدت بناه التحتية و تركته للعصابة لتديره. و شيدت المستشفى و المدرسة الثانوية..الخ). القرية التي تفجرت فيها معجزة (عام الحنين) هي نتاج لتصالح مع النفس و طمأنينة يتمتع بها أهلها منذ قديم الزمان، مشبّعة بالإسلام الصوفي ممثلا في الحنين و حواره الزين الذي ظفر باجمل فتاة في القرية، نعمة ابنة عمه ابراهيم، كما تنبأ له الحنين رغم أنه كان عوير القرية الشبيه بأحدب نوتردام، يسميه صبيان القرية الزرافة،(الذراعان طويلتان كذراعي القرد، الصدر مجوف و الظهر محدودب قليلاً و الساقان رقيقتان و طويلتان كساقي الكركي)، كما يصفه الطيب في أول الرواية.
    و حتى عندما كان هنالك احتكاك لصيق بالحضارة الغربية كما جاء بعد ذلك في موسم الهجرة فهو يتم في(بلاد تموت من البرد حيتانها)، يمثله مصطفى سعيد بصورة أكثر دراماتيكية من شخوص قنديل أم هاشم ليحي حقي و عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم. و حتى مصطفى سعيد رجع (في المغيرب) لتلك القرية كفسيلة مطعومة، و اشترى أرضا بحر ماله و تزوج و أراد لجذوره أن تضرب وسط هؤلاء القوم الأصيلين المتصالحين مع أنفسهم، و لكنه كالعضو المزروع في جسم الانسان بمبضع جراح لفظه ذلك الجسم في آخر الأمر، و فجأة اختفى كأنما ابتلعه النيل، و لم يطب له المقام حتى في مقابر تلك القرية الوادعة. أما الملامسة الايجابية مع الحضارة الغربية فهي التي يبشر بها الراوي في موسم الهجرة، و غالبا هو لسان حال الطيب، الذي يقول في بداية الرواية:(عدت الى أهلي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام كنت خلالها أتعلم في أوروبا)، لأنه متجذّر في بيئته السعيدة التي يرمز لها جده الذي بلغ التسعين و ما زال يتسلّى و يضحك ملء شدقيه لأحدوثات بت مجدوب مع كافة أنواع الرجال الذين عاشرتهم (بالحلال طبعا)؛ثم يقول الراوي بعد ذلك بصفحتين:(أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع و يثمر. ثمة آفاق كثيرة لا بد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، و صفحات بيضاء في سجل العمر. سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ.) ذلك هو الطيب صالح شخصيا، و قد أوفى بما وعد عبر كل مراحل حياته: عندما كان مذيعاً بالبي بي سي بلندن لم يتوارى من الضيوف و كان حتى مماته أخ الأخوان و عشا البايتات و المدافع عن السودان و السودانيين في كل المحافل، و جميعها تجهل السودان تماما، و عاد للسودان بعد ثورة أكتوبر و عمل مستشارا للاعلام فأعطى الكثير و لم يأخذ شيئا، و عمل بقطر فأنشأ بنيتها الاعلامية التحتية، وساعد العشرات من السودانيين الذين لا زالوا يعملون في تلك الدولة المضيافة التي عشقت الطيب و أحسنت وفادته، و من اجل عيونه أكرمت مئات العيون. و أعطى بسخاء ايضا عندما كان في منظمة اليونسكو بباريس فكانت داره مفتوحة للأدباء و المثقفين السودانيين و غيرهم من الأعراب و الأفارقة، و فاض الحب من قلبه فأنجب بنات أحداهن برفيسورة الأدب الانجليزي بجامعة كامبريدج، و ارتاد آفاقا كثيرة في مجال القصة و المقال الصحفي الاسبوعي و سجل صفحات بيضاء لأنه يتأسى بالقول السوداني المأثور:(الكلمة أطول من العمر) فترك الناس كلهم يذكرونه بالخير، و لا يكاد يوجد عدو واحد له، و بالفعل قرأ كتبا كثيرة و كتب جملا واضحة بخط جرئ.
    ألا رحم الله أبا زينب فقد كان نوارة الركابية و البديرية الدهمشية و السودانيين و جميع العرب، و إن بخل عليه الغرب بجائزة نوبل فهو يذهب مرفوع الرأس كما ذهب سمرست موم و حي.بي بريستلي و قراهام قرين الذين حرموا منها كذلك و الذين كانت قاماتهم أعلى بكثير من جائزة نوبل و اللوبي المحلّق حولها في السويد. و يكفي أستاذنا الطيب أنه ترك إرثا أدبيا لا يشيخ على مر الدهور، كالثريا و دونه الشيب و الهرم، و ترك ملايين القلوب المفعمة بحبه على نطاق الوطن العربي كله. ألا رحم الله الأستاذ الطيب و جعل الجنة مثواه بين الصديقين و الشهداء.


                  

العنوان الكاتب Date
الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:46 AM
  Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:49 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-21-09, 12:37 PM
  Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:52 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 04:59 AM
    Re: الطيب صالح ...موسم الحزن والرحيل ...ماذا قالوا عنه ؟......للتوثيق الكيك02-19-09, 05:05 AM
  الرحيل المُر عبدالله الشقليني02-19-09, 05:02 AM
    Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:32 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:36 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 05:39 AM
    Re: الرحيل المُر محمد فضل الله المكى02-19-09, 05:39 AM
      Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 06:19 AM
        Re: الرحيل المُر اسعد الريفى02-19-09, 06:44 AM
          Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 07:45 AM
            Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:31 AM
              Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:38 AM
              Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:41 AM
                Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 10:50 AM
                  Re: الرحيل المُر الكيك02-19-09, 11:22 AM
                    Re: الرحيل المُر نصر الدين عثمان02-19-09, 12:00 PM
                      Re: الرحيل المُر Alfarwq02-19-09, 12:55 PM
                        Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 11:19 AM
                          Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 03:12 PM
                            Re: الرحيل المُر الكيك02-20-09, 04:24 PM
                              Re: الرحيل المُر عبدالباقى الظافر02-21-09, 05:26 PM
                                Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 05:41 AM
                    Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 11:31 AM
                Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:10 AM
                  Re: الرحيل المُر waleed nayel02-22-09, 06:13 AM
                    Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:19 AM
                      Re: الرحيل المُر الكيك02-22-09, 06:50 AM
                        Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 06:13 AM
                          Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 06:33 AM
                            Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 08:13 AM
                              Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 08:32 AM
                                Re: الرحيل المُر جعفر محي الدين02-24-09, 09:24 AM
                                  Re: الرحيل المُر الكيك02-24-09, 11:15 AM
                                    Re: الرحيل المُر munswor almophtah02-25-09, 00:07 AM
                                      Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 04:59 AM
                                        Re: الرحيل المُر ضياء الدين ميرغني02-25-09, 05:46 AM
                                          Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 08:59 AM
                                            Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 10:58 AM
                                              Re: الرحيل المُر الكيك02-26-09, 05:16 AM
                                              Re: الرحيل المُر الكيك02-26-09, 05:20 AM
                                                Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 05:19 AM
                                                  Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 07:44 AM
                                                    Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 07:49 AM
                                                      Re: الرحيل المُر الكيك03-02-09, 08:03 AM
                                                        Re: الرحيل المُر الكيك03-03-09, 05:19 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-03-09, 05:54 AM
                                                            Re: الرحيل المُر الكيك03-09-09, 07:38 AM
                                            Re: الرحيل المُر الكيك02-25-09, 10:58 AM
                                              Re: الرحيل المُر Hadeer Alzain03-14-09, 08:28 PM
                                                Re: الرحيل المُر الكيك03-15-09, 05:44 AM
                                                  Re: الرحيل المُر Hadeer Alzain03-15-09, 10:05 AM
                                                    Re: الرحيل المُر الكيك03-17-09, 05:19 AM
                                                      Re: الرحيل المُر الكيك03-19-09, 04:30 AM
                                                        Re: الرحيل المُر الكيك03-19-09, 05:00 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-31-09, 06:52 AM
                                                          Re: الرحيل المُر الكيك03-31-09, 06:55 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de