|
Re: هكذا يـرحـل الصـامـديـن أو غـدرك ياوطن ـ العمدة مــوسي عبـد الـرحـمن عمدة قبيلة الكدالو (Re: سفيان بشير نابرى)
|
الكلمات التالية التي صاغها الأستاذ الصحفي فتحي الضو بناء على توثيق خاص له مع العمدة الشهيد، وجاءت في كتابه الأخير ”السودان.. سقوط الأقنعة.. سنوات الأمل والخيبة“.
((على صعيدٍ آخر، يتساءلُ المرء: لماذا استطاع تنظيمٌ حديث النشأة، كقوَّات التحالف السُودانية، التمدُّد في المنطقة سياسياً، وعسكرياً بتحريرِ مناطق إستراتيجية، والمحافظة عليها لفترةٍ من الزمن، أجرى فيها انتخابات مدنيَّة، وأقام فيها مشاريع صحيَّة وتعليميَّة وتنمويَّة، وأشرف على حفر آبارٍ لتزويد أهالي المنطقة بالمياه العذبة.. كما تمكَّنت قوَّات التحالف في تلك المنطقة مِن بناء قوَّة عسكريَّة ناهزت في تعدادها الألفي ”مقاتلٍ“، وأحدثت تجرِبتها تحوُّلاتٍ دراماتيكية في مجتمع المنطقة؟! ذلك ما يلخِّصه توثيقٌ خاص مع العُمدة موسى عبدالرحمن، البالغ من العمر حوالي 80عاماً، إذ قال: «كانت منطقة ”مينزا“ معزولة عن العالم الخارجي، ومقفلة، كل السنوات التي سبقت الاستقلال وفي فترة الاستعمار الإنجليزي.. وكنا لا نستطيع الخروج منها، وعندما عرفنا أن السُودان نال استقلاله عام 1956، سافرتُ إلى الخرطوم على رأس وفدٍ من المنطقة, وطلبتُ لقاءً مع السيد إسماعيل الأزهري، رئيس الوزراء.. وأنا أُمِّيٌ، لا أعرِفُ القراءة ولا الكتابة، فتحدَّثتُ إليه بلغة أهل البلد، وقلت له: ”رغم حصولنا على الاستقلال، لكن نحن في مينزا ليست لدينا خدمات, ولا نعرف كيف نتدبَّر أمورنا حتى في ديننا، فلا توجدُ لدينا مدرسة, وجميع أبنائنا أمِّيون، وليس لدينا مسجد، ولا شيخ، ولا مأذون، وما زلنا نعقدُ قِرانُ الأزواج على الطريقة التقليدية, بمسحِ زيت السمسم على جسديهما“.. أرسل الأزهري برقية بمطالبي إلى مديرية الدمازين, وعندما وصلتُ مينزا كان برفقتي مأذونٌ ومُدَرِّسان، وشُيِّدت أولُ مدرسة ومسجد.. لكن المؤسِف، مُنذُ ذلك الوقت لم يزيدا على ذلك.. وعندما جاء أهل الإنقاذ، كنا نتوقع تطويراً للمنطقة، لكن ما حدث أنهم صادروا أراضينا وأعطوها لتجَّارٍ من غير أبناء المنطقة، وتذمَّرنا لهذا الوضع، لكن لم يكن لدينا أي وسيلة للاحتجاج.. حتى المدرسة الوحيدة، أُغلِقَت!! أثناء ذلك، في العام 1996، كان قد زارني شخص يُدعَى مصطفى عوض الكريم، وعرض أمامي برنامج قوَّات التحالف، وقال لي إن قائدُهُ شابٌ اسمه عبدالعزيز خالد.. أُعجبتُ بالبرنامج, وزادَ إعجابي أكثر عندما التقيتُ قائِده، وكان بسيطاً، يتحدَّث عن هُموم السُودان ومنطقتنا، فجذبني إلى التنظيم, وتعهَّدتُ أمامه بأن أساعده حتى لو بروحي.. وبالفعل بدأنا في تجنيد أبناء المنطقة، وإرسالهم إلى مُعَسكر قوَّات التحالف.. وأظن أن ذلك وصل إلى سمع الحكومة، فجاءوا واعتقلوني, ولم أعترف لهم بشيء، فأرسلوني من سجن إلى آخر، إلى أن وصلتُ سجن كوبر في الخرطوم، وبقيتُ فيه نحو ستة اشهر، وأفرِجَ عني بعد زيارة كاسبار بيرو.. وكانت التهمة الثابتة: الانتماء إلى المُعارَضة المُسَلَّحَة.. عُدتُ إلى المنطقة التي حرَّرتها قوَّات التحالف, وسُكَّانها الآن حوالي 12 ألف شخص، يتوزعون على 21 قرية، ولدينا أربع مدارس، وثلاث وُحداتٍ صِحِّية، وإدارة مدنيَّة، ومحكمة، وتسع آبار للمياه، وكلها تمَّت بفضل قوَّات التحالف وأبنائها المتجردين، الذين كانوا يقاسِمُوننا لقمة العيش والهموم معاً.. وكان ذلك هو التطوُّر الوحيد الذي حَدَثَ في المنطقة منذ أكثر من نصف قرن».
|
|
|
|
|
|