كمال علي الزين: متمردو دارفور على خطى المنظمات اليهودية(2)

Quote: كمال علي الزين: متمردو دارفور على خطى المنظمات اليهودية ونحن نقبل على سنة رابعة حرب في ذلك الاقليم النائي من السودان الذي دائما ما تكون حروبه بسوسية الأمد، تتضح معالم اللوبي الأفريكاني المعادي للعروبة، ذلك اللوبي الذي نشأ داخل الحركة الإسلامية السودانية وكان عماده بعض دارفوري الحركة الذين يتوزع ولاؤهم بين السودان وجارته تشاد ويعود أصل أغلبهم إلى قبيلة حاكمها ديبي ذلك اللوبي الذي شكل حركة العدل والمساواة التي تبحث الآن عن أكثر مما يرمز له مسماها. والمراقب لتطور الأزمة في دارفور، والتي عرفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية في مستهل هذا القرن، يجد أنها تطورت بفضل الاستفادة من دروس تاريخية ودعم جهات متعددة معادية للعروبة، تتطلع إلى أفرقة السودان وتجزئته إلى كانتونات عرقية وإثنية تعلو فيها أصوات كل من يدعي زيف عروبة أهل السودان واستلابهم الثقافي، والدرس الأكبر كان مستوحى من تجربة الهولوكوست اليهودي، تلك الدعوة التي ابتدأت بالبحث عن رد مظالم تاريخية إلى نوع من التمييز الإيجابي حظي به اليهود في عالم اليوم. والمتابع للحراك السياسي السوداني ربما سيسهل عليه ملاحظة أن حركة العدل والمساواة، تسير على خطى المنظمات اليهودية في طريق البحث عن التمييز الايجابي وربما كان التركيز على تذكير العالم المدني والرسمي باستخدام النظام السوداني لقنابل حارقة عن طريق طائرات «الانتنوف» العتيقة فاضحا بعض الشيء لأنه يمثل رسالة ذات مدلولات عاطفية تنبه «اللوبي اليهودي» في اميركا وبعض المنظمات التي تمثل واجهات للمنظمات الصهيونية مفادها ان اهل دارفور هم ضحية «نازية عروبية»، وهذا امر يتخطى جريمة التطهير العرقي التي تعتبر احدى سمات اغلب حروب القارة السمراء في تاريخها قديمه ومعاصره الى خطورة تكرار «الهولوكوست» ولكن هذه المرة بأيد عربية وضحاياه أفارقة سمر لطفاء مغلوبون على امرهم وقد نجحت الحركة في استقطاب دعم وعطف المنظمات اليهودية التي لم تتوان عن استخدام كل ما تملكه من نفوذ مادي واعلامي في دعم دعاوى «الهولوكوست» الدارفوري. والمثير للسخرية ان هذه الحركة في الاصل خرجت من عباءة الاصولية الاسلامية والتي وقفت وراء كل ما يعانيه السودان من عزلة وازمات اهلكت الحرث والنسل. وبالمقارنة بين المحرقتين نجد ان دعاوى «المحرقة الدارفورية» خلافا «للمحرقة اليهودية» لم تستغرق الكثير من الزمن حتى تطورت الى «حقيقة» يتهم كل من يحاول التشكيك في صحتها، بموالاة النظام الحاكم والتعنصر والاستعلاء العرقي وخلافه من التهم التي تطلق جزافا فيما استغرق اليهود قرابة نصف القرن من الزمان حتى يتحقق لهم ذلك، لتنجح الحركات الدارفورية مرة أخرى في الاستفادة من التجربة اليهودية في استصدار فرمان شبيه بفرمان (معاداة السامية) ذلك السلاح الذي يشهر في وجه كل مناصري حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وثمة دور فاعل للتداخل القبلي بين السودان وتشاد أدى إلى نشوء حالة من الانتماء المزدوج لدى بعض قبائل دارفور التي ترفض الانتماء للعروبة، ويغلب عليها الولاء القبلي ولا تحفل بالانتماءالقُطري. ولأن غالبية أرحامها وصلاتها ووشائج قرباها في تشاد تجدها أكثر حرصاً على أمن واستقرار (تشاد) التي تنتمي إليها عاطفيا، ربما لأن العرق الإفريقي له الغلبة والصوت الأكثر جهارة باعتبار أن العرب يظلون أقلية تشكل قبائل رعوية ليست مستقرة. إذا فأهل دارفور عرباً وأفارقة رغم ما يجمعهم من رحم وصلات تاريخية وقعوا فريسة أطماع جار وسلطة سودانية لا هم لها سوى البقاء على سدة الحكم، فاستطاع الطرفان تجييش القبائل الإفريقية من جهة والعربية من جهة اخرى ليدفع المواطن البسيط ثمن تصفية حسابات سياسية داخل الحزب الحاكم المنشق على نفسه اولا وتدافع دولتين جارين تحاول كل منهما التأثير على الاوضاع الداخلية لدى الاخرى وزعزعة امن واستقرار الطرف الآخر. ولان «حركة العدل والمساواة» هي ذراع عسكرية غير معلنة للمؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور «حسن الترابي» وانصاره من القيادات الدارفورية تظل هي الحركة الاكثر تأثيرا لانها الاكثر تنظيما وثراء بينما يتمتع فصيل «مناوي» الموقع على اتفاقية ابوجا للسلام هو الاكثر تسليحا لحرص تشاد على دعم ابناء قبيلة الزغاوة الذين يمثلون 95% من منتسبي حركة «مناوي». وبينما يتقاسم الفصيلان المال والسلاح يبقى فصيل عبدالواحد هو الفصيل الذي يتمتع بالقاعدة الشعبية الأوسع لأنه يمثل أكبر قبائل الإقليم من فور ومساليت. وبالنظر إلى محاولة الحركات الدارفورية الاستفادة من تجربة اليهود في التمتع بنوع من التمييز الايجابي نجد أنها تقع في خطأ أساسي هو خلق نوع من «المطابقة» وليس «المقاربة» في الكيفية التي تمت بها جريمة الإبادة العرقية وهو «الحرق» وهو ما يضعها في مأزق كبير للانفتاح الكبير الذي تشهده دارفور بفعل الضغوط الدولية التي تمارس على نظام الخرطوم وفي مقبل الايام ستصبح دارفور منطقة مكشوف اعلاميا بحيث ان مصداقية الحكومة من جهة والحركات الدارفورية من جهة اخرى ستكون مرهونة بمطابقة ما ستعكسه وسائل الاعلام العالمية والاقليمية وبين دعاوى الطرفين. فما بين 10 آلاف قتيل هي حصيلة الاعلام الرسمي و 400 الف قتيل هي احصائية الحركات تظل الاوضاع في دارفور لغزا ستكشف عنه الايام على ايدي المنظمات الدولية التي صار تدخلها المباشر امرا حتميا.