الفقر يهدد الولايات المتحدة (المتنوضلين يشوفوا مخارجة)

Quote: يشير "التقرير الاستراتيجي السوداني" إلى أن البلاد شهدت خلال العقدين الأخيرين ازدياداً مطرداً لظاهرة الفقر، حيث بلغت نسبة الفقر 94% من إجمالي السكان ، وتتراوح هذه النسبة بين 75.4% لولاية الخرطوم ، 95.4% لولاية غرب دار فور (مركز الدراسات الاستراتيجية ، 1997: 322). وقد نالت ظاهرة الفقر ، خلال العقدين الأخيرين في السودان ، اهتماماً من قبل الباحثين والدارسين والمخططين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ، حيث عقدت المؤتمرات والندوات ، ونظمت ورش العمل ، كالورشة التي أقامتها وزارة التخطيط الاجتماعي بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1997 عن الفقر وأسبابه وآثاره ومستقبل السياسات لمحاربته. وهدفت تلك الورشة لوضع إطار للسياسات المستقبلية ، وإعداد الإستراتيجيات المناسبة لمحاربة الفقر وتخفيف حدته. كما نظمت مجموعة "أبحاث الفقر" بالتعاوذن مع مؤسسة "فريد ريش أيبرت" الألمانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ورشة عمل أخرى عن الفقر في السودان مع نهاية عام 1998. ويعزى انتشار الفقر في السودان لأسباب عديدة ، أهمها: ( أ ) الفشل المتوالي للسياسات الاقتصادية الكلية ، خاصة سياسة تحرير الاقتصاد، التي تبنتها الدولة منذ التسعينات. (ب) حدوث الكوارث الطبيعية كالجفاف والتصحر والفيضانات بصورة متكررة. (ج) الحروب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي . ( د ) نزوح سكان الريف المنتجين إلى المدن والمراكز الحضرية الكبرى. (هـ) فساد الإدارة وأجهزة الحكم وغياب الشفافية والمسؤولية. ( و ) فشل السياسات الزراعية لأسباب ترتبط بمشاكل الري وارتفاع تكلفة الإنتاج وإعسار المزارعين. وقد زادت نسبة الفقر في ولاية الخرطوم نتيجة للأسباب أعلاه ، وبسبب ما نتج عن ذلك من هجرة ونزوح الأسر والأفراد ، الذين تأثروا كثيراً بالجفاف والتصحر والحروب الأهلية. وتشير تقديرات المجلس القومي للسكان ، بأن نسبة الفقراء في ولاية الخرطوم تبلغ 70% من إجمالي السكان لعام 2002م (وزارة الشئون الاجتماعية والثقافية ، 2002م). والجدير بالذكر أن حد الفقر في السودان يقدر بنحو 261 دولاراً في السنة للأسرة الواحدة. وتشير تقديرات ديوان الزكاة إلى أن عدد الأسر الفقيرة التي تم حصرها في ولاية الخرطوم تبلغ نحو 240.000 أسرة ، وهي تمثل نحو 35.6% من إجمالي الأسر بالولاية ( وزارة الشئون الاجتماعية والثقافية ، 2002 ) . وقد يعزى انخفاض تقديرات ديوان الزكاة لعدد الأسر الفقيرة بولاية الخرطوم إلى عدم دقة الإحصائيات ، وعدم شمولها لجميع المحليات والمحافظات بولاية الخرطوم ، وغالباً ما تعتمد تقديرات ديوان الزكاة على الأسر الفقيرة التي تستطيع الوصول لإدارات ديوان الزكاة ، فهنالك الكثير من الأسر الفقيرة على أطراف المدن ، التي لم تسمع بمساعدات ديوان الزكاة. وتشير خطة ولاية الخرطوم لمحاربة الفقر إلى أن المناطق الطرفية ومناطق السكن العشوائي حول العاصمة المثلثة التي تستقطب المجموعات النازحة، تتمدد فيها مساحة الفقر بمعدلات متزايدة ، ومن الجانب الآخر يلاحظ أن آليات مكافحة الفقر ليست بالفعالية المطلوبة لتتمكن من تخفيف حدة الظاهرة ، ناهيك عن القضاء عليها. لقد أقيم " مشروع الترقية الحضرية ومحاربة الفقر" في عام 1997م ، بطلب تقدمت به حكومة السودان لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي (undp) لمساعدتها في القضاء على الفقر الحضري ، ووضع الإستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية لتحسين مستوى معيشة السكان وتحسين صحة البيئة وصحة المجتمع، للمجموعات التي تعيش في مناطق الفقر المطلق. وقد أشرف مكتب الترقية الحضرية ومحاربة الفقر على العديد من المسوحات والدراسات الخاصة بتقييم الفقر الحضري في ولاية الخرطوم. وكشفت نتائج المسح ، الذي أجري في المناطق المستهدفة لبرنامج مكافحة الفقر (خلال الفترة من ديسمبر 1998 – فبراير 1999) عن أن عدد السكان الذين يعيشون في مناطق الفقر يبلغ 1.022.000 نسمة ، ويمثل هؤلاء نحو 14% من إجمالي سكان ولاية الخرطوم في ذلك الوقت. كما أوضحت نتائج تلك الدراسة أن نحو 47% من إجمالي هؤلاء الفقراء من النازحين ، وأن 43% من هؤلاء النازحين لولاية الخرطوم كانوا عاطلين عن العمل. كما أوضحت تلك الدراسة أن وظائف معظم الذين يعملون من هؤلاء النازحين تنحصر في الأعمال غير الإنتاجية كغسيل السيارات والأعمال المنزلية والباعة المتجولين وغير ذلك من الأعمال الهامشية. وفي المقابل يلاحظ أن معظم النازحين الذين يقيمون حالياً بمنطقة دار السلام (غرب مدينة أم درمان) كانوا يعملون قبل نزوحهم للعاصمة المثلثة في الإنتاج الزراعي (69%) والإنتاج الحيواني 13.6% والعمل الحرفي 8.80% (mosca, undp, unchs, 1999). كما أوضحت نتائج ذلك المسح تدني متوسط الدخل الشهري للأسرة النازحة ، حيث لا يتعدى 6100 ديناراً (24 دولاراً) ، وينفق نحو 44% من هذا الدخل على الطعام ، ونحو 32% على شراء مياه الشرب وعلى المواصلات مما يترك نسبة قليلة من دخل الأسرة لضروريات الحياة الأخرى المتعددة ، كالعلاج والتعليم والمسكن والملبس وخلافه. ومعظم هذه الأسر تعاني من فجوة كبيرة بين الدخل والمنصرف قد تبلغ 30% من إجمالي متوسط دخل الأسرة. وتلجأ معظم هذه الأسر إلى ديوان الزكاة وإعانات الكنيسة والمساعدات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية لتغطية العجز في الميزانية الشهرية للأسرة. وخلال أغسطس/ سبتمبر من عام 2000م أجريت دراسة مسحية لمنطقة "دار السلام" (غرب أم درمان) لتقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي وتحديد المخاطر الصحية التي يتعرض لها سكان المنطقة التي يقدر عدد سكانها بنحو نصف مليون نسمة ، ومعظمهم من النازحين الذين قدموا من كردفان ودار فور بسبب الجفاف والتصحر ، الذي أصاب المنطقة في منتصف الثمانينات. وعلى الرغم من أن غالبية سكان المنطقة من إقليمي كردفان ودار فور ، إلا أن المنطقة يسكنها نحو سبع وعشرين قبيلة من مناطق كردفان (58.2%) ودار فور (31.8%) ، وأواسط السودان (5.5)% وجنوب السودان (4.5%) وتنحصر أسباب نزوح سكان منطقة "دار السلام في الجفاف والتصحر (42.8%) والحرب الأهلية (10.9%) والبحث عن فرص عمل (30%) وعدم توفر الخدمات في المناطق التي نزحوا منها (3.6%) (mosca, undp & unchs, 2000). كما اتضح من نتائج مسح منطقة "دار السلام" أن متوسط دخل الأسرة يعد أعلى نسبياً من متوسط دخل الأسرة في معسكرات النازحين ، كمعسكر "السلام" ومعسكرات منطقة جبل أولياء ومعسكرات منطقة شرق النيل ، حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة الشهري في منطقة دار السلام نحو 14604 ديناراً (56 دولاراً) مقارنة بنحو 7200 ديناراً (27 دولاراً) في معسكرات النازحين. وعلى الرغم من الارتفاع النسبي لمتوسط الدخل الشهري للأسر في منطقة "دار السلام" ، إلا أن هذا الدخل يقل عن إنفاق الأسرة بنحو 7855 ديناراً شهرياً (30 دولاراً). وتحاول هذه الأسر تغطية هذه الفجوة بين الدخل والإنفاق بالاستدانة ، والبحث عن أعمال إضافية ، وبيع بعض الأصول والممتلكات والبحث عن المساعدات من ديوان الزكاة ومنظمات الإغاثة.