جهاز الامن و المخابرات الوطنى السودانى يحتجز بوردابى ,اريترى و صحفى

Quote: تداعيات فى مدينة متوسطية - جمال عثمان همد ‎ ‎ الشمس ترسل حممها الى ركام الاسمنت الهندسى الشكل .. فيزداد صلابة ، ويغدو اكثر قسوة . اعتاد الزحام فى هذا الوقت من العام ،فالمدينة تستقبل وافدين جدد لتعلكهم فى طاحونتها .. الضجة والفوضى المنظمة تعم الشوارع ... هياكل بشرية تسرع فى كل اتجاه تحيى بعضها بعبارات مغتضبة جافة خالية من كل ود !. سيارات فارهة تزمر بين الفينة و الاخرى تزيد شمس ايلول قسوة ، وجسده النحيل المحشو فى بنطلون ( البلو جينز ) ينز ما تيسر له من املاح. " سكان المناطق الحارة لا يشعرون بالحرارة " ، هه ... ابتسم بسخرية من هذا الاستنتاج الساذج ، وواصل سيره فى الزحام . نظراته المتعبة الباحثة عن شئ ما تصطدم باعلانات تجارية ، ولافتات باذخة . السيارات الحديثة ، وافخاذ النساء البيض تجلس بعرى فادح فى المقاعد الخلفية .. وملابسهن الصيفية تزيدهن جمالا وتزيده بلاهة . ( سيكتب ذلك لصديقه ... لكن سوف لا يعى ذلك .. سوف لا يعى معنى ذلك ... سوف لا يعى ما معنى ان لا يتحدث رجل مع انثى طيلة سنوات !!.. ما معنى ان ينهض " جدارا برلينيا " بينهما فى مقاعد الدراسة وحتى مدرجات الجامعة .. حتى الذين يقضون سنوات طويلة فى السجون يأتون لهم بزوجاتهم وصديقاتهم .. شاهد ذلك فى شريط سينمائى! ) . الشمس تلسعه بشدة ، عوادم السيارات تملأ الافق ، رائحة الاسفلت احسها فى حلقه .. توتره ترسخ فيه هامشيته رغم الزحام البشرى . وجوه لا تحمل اية ملامح سوى اللهفة والسرعة الى مكان ما .. لشئ ما . رائحة الاجساد المسلطة عليها شمس تموز نفاذة و مقززة .هل للشمس رائحة ؟ سؤال غريب فجأة قفز الى ذهنهالساهم . المهجع الخشبى يسلم روحه للعاصفة الترابية الهوجاء ..من اين كانت تاتى تلك القوة العمياء ؟!! . يجيب شيخ عجوز : "انها سياط الرب ، يسلطها على الفاسدين و المفسدين " . كانت تلك الاتربة تعزلهم عن العالم ! رياح خماسينية .. سواد عظيم يحتوى كل شئ فى المدرسة الحدودية السودانية . كان للظلام رائحة ما !! امام واجهة المكتبة ، واجهه " كافكا " عبوسا غامضا ، كأنه عاش زماننا هذا ، .الضحك والتفاؤل الذى يشع من وجوه الشعراء . مارلبورو .. كنت .. ونستون بخمس ليرات . المهربون الصغار ينتشرون فى الارصفة .. العمالقة الخمسة .. حب وتضحية ... الخ اعلانات لافلام هابطة. والجسر الجاثم كتنين يتوسط المدينة ، تتناسل فيه الاعلانات والشعارات الرسمية ، من مبيد الحشرات واجهزة التصوير ، الى" لا حياة فى هذا القطر الا للتقدم و الاشتراكية".. واجهات المحلات المشعة شبعا تحاول امتصاص ما بداخله .. احس نرغبة فى ممارسة فعل الاكل و التقيؤ فى آن معا . يهرب الى الوجوه المسرعة والارتال المتقاطعة محاولا الاحتماء بها .. ملامحها الممسوخة تسقطه كخرقة بالية ..يتماسك يعيد ترتيب روحه يلملم ما تبقى ويغامر بالمسير . ساعدان لدنان يتلقفانه بعذوبة زائدة .. زائدة حد الاحراج . فى شجيرات السدر .. وبرودة كف "ام منيا" بعد مراسم الختان فى البلد البعيد . دمشق القديمة برائحتها الاموية ..شوق قديم يتعاظم لملامسة الاطفال المنتشرين فى الازقة كما الفراشات.. الجلسات الودودة فى المساءات الاليفة .. وشوشات الغرف العليا رائحة من التاريخ البعيد حملته بعيدا اعطته احساسابالامان . داهمته سيارة مسرعة مجنونة .. وقع قلبه وجمدت قدميه .. ركبتاه تلامسان بعضهما .. كل ما فكر فيه هو ان يتحسس اوراقه الثبوتية ، < ... نرجوا التعاون معه وتقديم العون له لظروف بلاده النضالية ... > ، احس بامان مشوب بالحذر. تاه فى الازقة .. سقطت كل مخاوفه امام الوجوه التى ظل يجرى مقارنات بينها وبين ... ، الازقة تمتص كل عذاباته الصغيرة .. راقه ان يسمع ما يتهامس به حبيبان ..اجتاحه جنون "منيت" الذى اخذ يكبر.. يتورد .. ينهض فيه .. يقوى .. يتفتح ، اندفاع الصدر ، تكور الفخذين ، اللون الخمرى... ويغوص فى المدى البعيد ، الغابات الاقمار فى ليالى الصيف .. الخريف .. الحليب الطازج والزرقة التى يقابلها الاخضرار ... وجنون "منيت" يكبر والمسافة تتسع ، ويعود الى المدينة ..المدينة تمور .. تعلك ساكنيها والوافدين ، تتسع طاحونتها .. تدور وتدور . يعود الى الزحام ، يخوضه ، تبتلعه الامواج .. ويسير ، يسير حد التلاشى.