مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 12:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-22-2011, 02:37 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر

    مراجعات الإسلاميين السودانيين
    كسب الدنيا وخسارة الدين


    كتاب صدر حديثا للدكتور حيدر ابراهيم علي

    منع الاسلاميين تداوله ونشره في السودان

    ولانه كتاب جدير بالقراءة نتيحه هنا للكافة

    والتحية من قبل ومن بعد للدكتور حيدر الذي

    صبر علي اذي الاسلاميين وهو يشرحهم ويضعهم

    عراه امام جرائمهم وفسادهم .
                  

10-22-2011, 02:40 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:

    مراجعات الإسلاميين السودانيين
    كسب الدنيا وخسارة الدين




    حيدر إبراهيم علي












    حيدر إبراهيم علي: مراجعات الإسلاميين السودانيين

    الحضارة للنشر
    7 شارع أبو السعود - الدقى 12311 - القاهرة


    Al-Hadara Publishing
    7 Abou El-Seoud Street
    Dokki 12311، Cairo، Egypt
                  

10-22-2011, 02:41 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:
    Tel.: (20-2) 3761 94 39
    Mobile: (20-12) 316 48 67

    E-mail: [email protected]
    E-mail: [email protected]
    www.alhadara.com

    الطبعة الأولى: مارس 2011
    رقم الإيداع بدار الكتب /2010
    I.S.B.N. 978-977-476-



    جميع الحقوق محفوظة للمؤلف










    المتنبي


                  

10-22-2011, 02:43 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:
    "لقمة يابسة ومعها سلامة، خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام"
    الأمثال - الأصحاح السابع عشر
    العهد الجديد
    شر البلاد بلاد لا صديق بها وشر ما يكسب الانسان ما يصم
    المتنبي

















                  

10-22-2011, 02:45 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:


    مقدمة

    اتعاطف مع الاسلامويين علي المستوي الإنساني والوجداني، وارفضهم علي المستوي السياسي والوطني. فهم في النهاية سودانيون يعيشون مأساة حقيقة، وهم الآن أقرب إلى نهايات أبطال روايات شكسبير التراجيدية، منهم إلى أن يكونوا أناسا عاديين. ولا مجال للشماتة علي منكسر ومهزوم، فالشماتة تليق بالعظيم الشامخ، وليس بالمكابر، ومنهم من لايزال يكابر. وفي الواقع، ورغم امساكهم بالسلطة وأصبحت كل أعمالهم للجاه لا لله، ومع محاولتهم ادعاء القوة والجبروت، فهم يثيرون فيك الشفقة لمسكنتهم، وعزلتهم، وانكساراتهم الداخلية. كيف لا وهم قد خسروا أنفسهم ولم يكسبوا من الدنيا غير اوساخها: المال والعقار. لم يكسبوا الرحمة والتراحم والشهامة والبشاشة والمحبة ولم يمدحهم الحردلو: دا الاداك وكتر ما بقول اديت. وهم يستحقون فعلا تسمية "حزب الجراد" فهم قد جردوا البلاد والعباد من خيراتهم المادية والروحية.
    ومن يتأمل مراجعتهم ونقدهم يجدها أقرب إلى المراثي والمناحات. وقد قرأت بعض الاهداءات في كتب الاسلامويين وهي بكاء حزين علي الماضي وندم عقيم علي اللبن المسكوب. إذ يبدأ مدخل كتاب (المحبوب عبدالسلام) كمرثية أوبكاء مفجع علي الذات يستنجد فيه بمحمود درويش والفيتوري وحتي محجوب شريف. والعنوان حزين ونادم: الأشياء تتداعي.. أو.. خواطر اليوم الأول، ويستهل المقدمة بالأبيات التالية:
    مدّيت علي الأمل القريب أشواق كتيرة وقصّرت
    لابتعرف الزول البجيك ولا البيجيك بيعرفك
    ويختم بالاستشهاد:
    جدار الدّجي أعمي عيوني
    وفي يدي تساقط مصباحي بدمع مبدّد.
    ويكتب أخوه السابق - عبدالرحيم عمر محيي الدين- في اهداء كتابه:
    "...ثم يتواصل الاهداء لأبناء الحركة الإسلامية الذين قضوا نحبهم من أجل القضية والمشروع الإسلامي.. الشهداء الأحياء، وللذين تفرقت بهم السبل السياسية بعد الفتنة ومازالوا يتلمسون طريق النجاة القاصد نحو الله." (2009 ص5) اهداء حزين يجمع بين الذين ماتوا ماديا في حرب القتال، والذين ماتوا رمزيا في حرب الاختلاف والمفاصلة. فهو يبكي على "ميت الأحياء" وهذه قمة البؤس والمأساة لدي الاسلامويين، أن يرثوا صحابهم الاحياء الذين أصبحوا في عرفهم موتي.
    ويبحث اسلاموي - مصطفي ادريس بشير- آخر عن الكفّارة لهذا الذنب العظيم، فيقول: "لا أجد من فعل يكفّر عنّا ما جنيناه في حق الامة إلا جمع الصف من جديد وإعادة ترتيبه لخدمة الامة ومشروعها الحضاري برؤية جديدة وكوادر جديدة (...) أحلم - وتملؤني ثقة في رحمة الله بنا - بمستقبل أفضل تتم فيه ثورة من قواعد الحركة الإسلامية بالسرعة المطلوبة". (كتاب: مراجعات الحركة الإسلامية السودانية، إعداد: وليد الطيب. القاهرة، مكتبة مدبولي و2010، ص62).
    جمعت الحركة الاسلامية في تنظيمها، بين الشمولية والقدسية والقيادة الكارزمية، لذلك وجدت صعوبة في ممارسة النقد والنقد الذاتي ومن ثم المراجعة. فقد طغي الاحساس بالتفرد بين الاسلامويين، وتملكهم احساس الطليعة المؤمنة – كما ذكر (مكي) في إحدي المناسبات. كل هذا تسبب في قدر كبير من المكابرة، والشعور بالعصمة، وامتلاك الحقيقة المطلقة، وبعيدين عن المؤمن التّواب والنواب. فقد روى أحد الاسلامويين حادثة ذات دلالات عميقة في فهم التكوين النفسي للفرد الاسلاموي وعضو التنظيم الملتزم خاصة. إذ يروي الشيخ/ عيسى مكي عثمان أزرق: "في جلسة مجلس الشورى في21/7/1967 اثيرت قضية الأخ الركابي، والتي فحواها شكواه من التصريح الذي نشره الترابي بشأنه بخصوص مهاجمة الركابي للصادق فيما يختص بقضية فلسطين. فقد صرح (الترابي) لوكالة الانباء أن المحرر الذي هاجم الصادق محرر غير مسوؤل. وقال الركابي مقدما شكواه لاعضاء المجلس يطالب برد اعتباره أمامهم بصفته المسؤول عن الجريدة (الميثاق) في ذلك الوقت وأن التصريح المنسوب لأمين جبهة الميثاق فيه اساءة له. وطلب الحاضرون من الأخ حسن أن يعتذر له، ورفض حسن ذلك بحجة أنه لم يتعود أن يعتذر أمام الملأ! واحيل الأمر للمكتب التنفيذي لمعالجته هناك". (من تأريخ الأخوان المسلمين ص 105).
    يبدو أن الأخوان المسلمين والاسلامويين عموما، قد اقتنعوا بأنهم "شعب الله المختار"، باعتبار الأمانة الفكرية والرسالية التي اصطفاهم القدر لتحملها. فالاسلامي (..وى) يمتاز عن الشيوعي والطائفي والعلماني والقومي. وهذا إصطفاء ونعمة من الله، كونه مسلما ثم يهديه الله إلي جماعة تعمل علي إعلاء كلمة الدين. ويظهر هذا التصور عن الذات في كثير من مظاهر السلوك والمعاملة مع الآخرين. وهو أكثر بروزا في المجال السياسي وقد جاءت ممارسات العنف من هذا التصور. فالاسلاموي يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة التي تسمح له بأخذ القانون في يده. ويبرر فعله بأنه يمكن أن يغيّر أو ينهي عن المنكر بيده أو لسانه (أن ينصحك أو حتي يسبك أو يزجرك لو تماديت). وأنظر لهم الآن كيف يسمون سلطة الغلبة والانقلاب "التمكين" ويصلونها بالله: "والذين إن مكّناهم في الارض". وهذه الخصلة متعمقة في ثقافة وتكوين الاسلاموي بالذات المنظم. تقول مقدمة سيد قطب لكتاب الندوي: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" القاهرة، مكتبة السنة، 1990 "إن الاسلام عقيدة استعلاء، من اخص خصائصها أنها في روح الؤمن بها احساس العزة من غير كبر، وروح الثقة من غير اغترار، وشعور الاطمئنان من غير تواكل. وأنها تشعر المسلمين بالتبعة الانسانية الملقاة علي كواهلهم، تبعة الوصاية علي هذه البشرية في مشارق الارض ومغاربها، وتبعة القيادة في هذه الأرض للقطعان الضالة، وهدايتها إلى الدين القيم، والطريق الشوى، واخراجها من الظلمات إلى النور بما آتهم الله من نور الهدى والفرقان: "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..." و"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.." (5:1990) ولكن ضعف تمسك المسلمين بدينهم في أزمان لاحقة فاضاعوا العزة والتفوق .ودخل المسلمون مرحلة انحطاط طويلة. فكان "تخليهم عن القيادة التي يفرضها عليهم هذا الدين، والوصاية التي يكلفهم بها علي البشرية، والتبعات التي ينوطها بهم في كل اتجاه" (ص22). وهناك رواية متداولة عن الفيلسوف الاسلامي محمد اقبال يقول فيها ان المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية، ويفرض علي البشرية اتجاهه، ويملي عليها ارادته، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين. ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه. فليس مقامه مقام التقليد والاتباع، ان مقامه مقام الامامة والقيادة ومقام الارشاد والتوجيه. ومقام الأمر الناهي. والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والاقزام. أما المؤمن القوى فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد. (ص22-23)
    وجدت في الآراء السابقة ما أراحني في تفسير المرجعية التي ارتكز عليها الاسلامويون في التعالي وعدم الاحترام للآخرين المختلفين عنهم فكريا وسياسيا. وقد لاحظت ذلك كثيرا في تعامل المسؤولين مع ما يكتب عن ادائهم الحكومي، وغم أن هذا شأن يخص واجباتهم تجاه المواطنين.
    يحاول البعض تخفيف أثر الخلافات المتتالية باستخدام تشبيه يتكرر لدي الاحزاب العقائدية، وهذه وسيلة لتأكيد ثبات الايديولوجية مع تغير الاشكال والافراد. ولذلك، يشبه الاسلاميون مسار الحركة السودانية في مفهومها الحركي: "بقطار يسير خلال محطات كثيرة. سرعة هذا القطار تتفاوت وصولا وبقاء وقياما من تلك المحطات (...) بهذا النظام شهدت الحركة الاسلامية السودانية، عددا من عتاة المثقفين والمفكرين (...) تحرك هؤلاء في قطار الحركة وفق حركة القطار". (صحيفة قلب الشارع 1/11/1995) لم يحاول الاسلامويون تقديم مراجعة مؤسسية كما فعل العديد من الحركات، ولكن الحركة الاسلاموية السودانية دأبت علي عدم احترام شعبها وأنها غير مسؤولة امامه. وقد تكرس هذا الشعور بعد الاستيلاء علي السلطة ونجاح الاسلامويين في تغييب الشعب. وصار الاسلامويون الحاكمون في السودان يعتبرون الصمت أو السكوت صوتا لصالحهم، وهذا ما اسموه: الاجماع السكوتي! لذلك يجب عليهم أن يرضوا بالشماتة والاتهام بالكذب والتمثيل. فكثيرون لم يصدقوا المفاصلة، ويرون أنها مدبرة لإلهاء الناس وتوجيه انظار الجماهير إلى صراع غير موجود في الواقع. وفي هذا السياق يمكن ان يفهم تصريح علي محمود حسنين، يقول: "نحن لا نفرق بين البشير والترابي. كلاهما مسؤول عما حدث خلال العشر سنوات الماضية. وينطبق عليهم قوله تعالي: واقبل بعضهم علي بعض يتلامون." (الوفاق 15/12/1999).
    كشفت المفاصلة عن أخلاق وقيم الاسلامويين الحقيقية، فهم رغم إطلاق صفة الحديثة علي الحركة الإسلامية، كان واضحا تقليدية وتخلف العلاقات. ويعلق (عروة) علي العلاقات عقب المفاصلة، بقوله: "..لقد أصبحت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة" وهي العبارة التي تفضلها "مثلها مثل الكيانات الطائفية السودانية لا فروقات كثيرة بينها سوى المسميات وبعضا من أشكال وطبيعة الممارسة بحكم طبيعة التطور ولكن جوهرها واحد ولعل هذا بسبب طغيان الروح الأبوية والطائفية وثقافتها الغالبة في السودان" .(صحيفة الرأي العام 8/2/2000).
    يظهر أن الاسلامويين قد فشلوا مبكرا في الجنع بين السلطة وأخلاق المسلمين الحقة. فقد صادفتني حكايات عديدة تؤكد هذا التناقض. فهذه قصة مروية عن محمد عثمان محجوب: "في أيام الإنقاذ الأولي كنا حريصين علي أن تسير الإنقاذ علي هدى الإسلام وسيرة الصحابة والخلفاء الراشدين في القدوة الحسنة، وتقديم النموذج الحسن للقيادة السياسية، لذلك كان لنا يوم في كل أسبوع – صيام – نلتقي فيه نحن مجموعة من الإخوان ونختار أحد القيادات السياسية وندعوه لهذا اللقاء، ونقوم بنصحه وتوجيه الانتقادات اللازمة له، وتذكيره بأمانة التكليف والمسؤولية". ويقول أن الأمور سارت بلا مشكلات إلا أن (الجاز) يبدو أنه لم يقبل هذه الطريقة، فذهب إلى (الترابي) محرضا بأن الحركة قد انشقت بقيادة محمد عثمان محجوب. وارسل إليه (الترابي) ودار بينهم الحديث الغاضب التالي: "قال له الترابي: البلد دي فيها أنصار سنة؟ قلت: نعم! هل فيها جماعة بلاغ ودعوة؟ قلت نعم! هل فيها طرق صوفية؟ قلت: نعم!
    قال الترابي: من هذه الطرق والتنظيمات يجب أن تختار ليك واحدة!.. قلت: لكن الحركة الإسلامية ليست ملكك ولا ملك أبيك ونحن شركاء فيها وليس أجراء". ثم هدأت الامور وأخبره (الترابي) أن (الجاز) قد أوغر صدره. (عبد الرحيم، ص146).

                  

10-22-2011, 02:47 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:

    الفصل الأول

    دوافع واتجاهات النقد والمراجعة

    من البديهي القول بأن الحركات الاسلامية ليست كتلة واحدة متجانسة، ولكنها في نفس الوقت تجمعها مشتركات عديدة تسمح بقدر كبير من التعميم. فهي تشترك في القول بشمولية الاسلام وكونه منهج حياة. كما يجمع اغلبها الايمان بضرورة التنظيم، كما حاولت العمل تحت كيان عالمي موحد. ورغم حديثها عن مرجعية متعالية ولكن ضرورات الواقع كانت شديدة الأثر علي نشأتها وتطورها. والحركات الاسلامية هي في الأصل تعبير بشري لتصور مجموعة معينة في زمن ما للإسلام. وهذا الاجتهاد الانساني كان يلبّس غطاءا مقدسا يجعله غير قابل للحوار مع ذاته أو مع الآخر. ففي أحيان كثيرة كانت هذه المجموعات تتعامل كمالكة وحيدة للحقيقة المطلقة. وبسبب هذا الوهم لم تكن هذه الحركات والجماعات تتواني عن اللجؤ للعنف دفاعا عن "حقيقتها" أو لإجبار الآخرين علي قبولها. لذلك، تأخرت ممارستها للنقد طويلا.
    كانت هذه الجماعات في بداياتها المبكرة متماسكة وموحدة بسبب علاقاتها الاخوية والتي عبر عنها الأسم الرئيس نفسه. ولم تتعرض الحركات في مرحلة الأولي أي عهد الدعوة والارشاد والوعظ؛ للاختلافات والانقسامات. وذلك، لأن الأمر لم يتعد مرحلة الفكر والتأمل والنظر. ولكن حين اصطدمت بالواقع - سواءا كحركات أو أحزاب أو كسلطة حاكمة مفردة أو مشاركة - واجهت مشكلات عديدة هزّت كثيرا من ثوابتها وفرضت عليها المراجعة والنقد بانواعه، والخروج من المواجهات. ويبرر بعض أعضاء الجماعات هذه الوضعية، بأن البيئة كانت عدائية وعدوانية خاصة من قبل النظم الحاكمة.
    تمثلت أول مبادرة جادة لإنفتاح الحركات الاسلامية علي الآخر، في اللقاء الذي نظمه مركز دراسات الوحدة العربية في القاهرة خلال الفترة 25-27 سبتمبر1989، حيث اجتمع نحو خمسين مفكرا وباحثا من التيارين القومي العربي والديني الاسلامي، لمدة ثلاثة أيام نوقش خلالها ثماني أوراق عمل. فقد عاش التياران سنوات طويلة من الصراعات وصلت حد التصفيات الجسدية في بعض الأقطار التي حكم فيها القوميون. وكان الهدف العام هو فك الاشتباك والدعوة الي الحوار وتقريب الاختلافات في قضايا معينة. وقد عالجت الاوراق ما يلي: ورقة العروبة والاسلام حيث تركز النقاش حول رفع التناقض الذي يراه الجميع غير طبيعي. لذلك، كان البحث عن المشترك والجامع وليس ما يفرق. ونوقشت موضوعات مثل: مبدأ المواطنة، الموقف من الفكر والمؤسسات الحديثة والتقليدية؛ الدعوة إلى تطبيق الشرعية وهذا موضوع يثير من الجدل والخلاف مما يجعله عقبة حقيقية في التفاهم والتقارب الفكري. أما نقطة الخلاف الكبرى الاخرى فهي الديمقراطية والنظام السياسي المنشود. وقد توالت اللقاءات حول نفس الموضوعات، ثم تكون المؤتمر القومي العربي. ولكن المردود الفكري لهذه الجهود واللقاءات لم يكن مناسبا بسبب التسيس الفائض للعمل. وقضية مثل الديمقراطية لم تحقق إضافة نوعية بسبب الانحيازات التي كانت تمنع الإدانة المباشرة لنظم قمعية ذات انتماءات قومية أو إسلامية.
    تناولت عدد من الكتابات الفكرية الفردية خلافا للسياسية الحزبية الجماعية، مسألة النقد الذاتي والمراجعة بمقاربات أقرب إلى تجديد الفكر الديني عامة.ومن بين الاصدارات الهامة: محمد حسين فضل الله: الحركة الاسلامية - قضايا وهموم (1990)؛ خالص جلبي: في النقد الذاتي - ضرورة النقد الذاتي للحركة الاسلامية (1985)؛ يوسف القرضاوي: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف؛ فهمي هويدي: أزمة الوعي الديني (1988) وغيرها. ومن الملاحظ في الفترة الاخيرة قيام بعض منظمات المجتمع المدني ذات التوجهات الديمقراطية بمناقشة موضوع تجديد الفكر أو الخطاب الديني. كذلك بعض المؤسسات التي تصنف كعالمانية، مما جعل هذا الموضوع شديد الحساسية وسجالي.
    ومن الاسباب الهامة لفتح باب المراجعات، الموقف من العنف وتكفير المجتمع والحاكم. وكانت جماعة الاخوان المسلمين، وبالذات التنظيم الخاص، قد اتهمت ببعض الاغتيالات ومحاولات الاغتيال في الاربعينيات والخمسينيات من القرن. وقد أصدر حينها حسن الهضيبي كتابه المعنون: دعاة لا قضاة. ثم برز في الستينيات التيار القطبي والقادم من شبه القارة الهندية، والذي برر قتال جاهلية القرن العشرين. وأصبح الفكر أو الفعل الجهادي من أولويات العمل الحركي الاسلامي. وقد تزامن مع تصاعد النضال ضد الامبريالية والصهيونية وفي نفس الوقت تراجعت القوى الشيوعية والتقدمية والقومية التي مثلت طليعة هذا العمل في الماضي. ومع اندلاع حرب افغانستان مطلع الثمانينيات، بدأت عولمة الجهاد.

    بدايات المراجعة:
    قامت مجموعة من الاسلاميين ينتمون إلى تيارات وتنظيمات متعددة وإلى أقطار مختلفة، بكتابة أوراق في النقد الذاتي صدرت في مؤلف عنوانه: الحركة الاسلامية: رؤية مستقبلية (1989). وهذه تجربة جديدة ورائدة تحدث لأول مرة، لذلك، كانت ظاهرة مثيرة للجدل والتخوف والتشكك بين الاسلاميين. واضطر محرر الكتاب، د. عبدالله النفيسي، للاسهاب في مقدمة طويلة تقوم بمهمة الدفاع والتبرير والتوضيح. وحاول فيها تأكيد ضرورة النقد الذاتي، وتطمين البعض بأن هذا النقد يمارسه اسلاميون وبالتالي فهو نقد حميد وليس خبيثا. ويكتب من البداية: "سيلاحظ القاريء أن بعض المشاركين هم من مؤسسي الحركة الاسلامية، سجنوا وضحّوا وشرّدوا عن ديارهم وأهليهم من أجلها، ومع ذلك هاهم أؤلئك يضعون أصابعهم علي مكامن الخلل، ويغوصون في النقد الذاتي وهي عملية جديدة في الحظيرة الاسلامية". (ص12) ومع ذلك يراها عملية ضرورية: شرعا وسياسة ومنهجا ومصلحة. ويستنجد بـ(خالص جلبي) في قوله: "مفهوم النقد الذاتي يعتبر غريبا علي المسلمين كما ذكرنا، فهم لا يرون فيه مصطلحا اسلاميا ولا يفهمون تحته الا التشهير، وهذا يجب تعديله. فطائفة تري أنه مصطلح غير اسلامي، لأنه لم يأت في كتب القدامى! ولم يرد باللفظ في الحدبث أو القرآن (...) ولكن الالفاظ والمصطلحات هي ليست كل شيء، وانما ما تحمله من مفاهيم. فالاصح اذن هو عموم مفهوم القرآن وروحه واتجاهه، فالعبرة هي بالفكر الذي يدور بين نصوصه". (1984:164) وهو يري أن مفهوم النقد الذاتي بمعنى مراجعة النفس ثم محاسبته هو روح القرآن المكثفة. ويدعم هذا القول بالاستشهاد بالآية: "ولا اقسم بالنفس اللوامة" .(75:2)
    يستهل (النفيسي) المراجعة بتنبيه الحركة الاسلامية لبعض الثغرات ثم يخصص مقالا منفصلا لتنظيم الاخوان المسلمين. ويأخذ علي الحركة الاسلامية نقاط القصور التالية:
    1- غياب التفكير المنهجي ذي المدى البعيد، فالحركة رغم انتشارها الجماهيري وامكانيتها المادية والبشرية، الا أن مؤسساتها غارقة في الاعمال اليومية. ويري أن هذا الاسلوب في العمل "يقلّص امكانيات التفكير المنهجي ذي المدى البعيد ويشجع علي أسلوب حل كل مشكلة بعد نشوئها لا الاحتياط من نشوئها". (ص14).
    2- بسبب هذا الانشغال اليومي والابتعاد عن التفكير المنهجي الاستراتيجي، لم تبلور نظرية علمية للاتصال بالجمهور. فهي مطالبة بتحقيق شرطين، الأول: أن يفهم الجمهور اهداف الحركة. والثاني: أن يجد الناس لدي الحركة حلا عمليا لمشاكلهم الحقيقية. وهذا يعني البعد عن الماضوية أي عدم الوقوع في فخاخ الجدل حول التاريخ الاسلامي. وهذا ما يجعلها مشغولة أكثر بالمستقبل. (ص14-15).
    3- تدعي الحركة أن العالم يعيش في حالة فراغ فكري وروحي وقيمي وحضاري. كما يعيش حالة من الفوضى الفكرية والثقافية ومهمة الحركة أن تصحح هذه الفوضى. وينفي الكاتب الفراغ والفوضى، ويطالب الحركة عوضا عن هذه المواقف السلبية، أن يقدموا "نظرية اسلامية متكاملة تضع مواصفات التغيير الاجتماعي المطلوب علي كافة الصّعد في المشروع الاسلامي". (ص18).
    4- يحذر من التعصب الحزبي خشية أن: "يتحول الانتماء لحزب اتجاها عقليا في التفكير لدي المنتمي، فلا ينظر للظواهر السياسية والاجتماعية الا بمنظار الحزب ولا يري الا ما يراه الحزب وأن داخل الحزب مقدس وخارج الحزب مدنس". (ص26).
    5- تمثل اشكالية التنظيم أكبر معضلات الحركة الاسلامية، خاصة وهي التي تطلب من العضو أن يكون "كالميت أمام الغاسل!" ومشكلات التنظيم الاسلامي هي: 1- تعامل النظم الاساسية واللوائح الادارية وكأنها سر من الاسرار. اذ قد يقضي بعض الاعضاء كل العمر في التنظيم دون الاطلاع علي النظام الاساسي. 2- التداخل الخطير بين الدين وأمره ونهيه من جهة، والتنظيم كادارة بشرية وأمره ونهيه من جهة اخري. فمخالفة اوامر التنظيم لا تعني الخروج علي الاوامر الدينية. 3- يركز التنظيم علي الواجبات ويهمل حقوق الاعضاء. فاللوائح تهمل حقوق التظلم ولمن يتظلم العضو. ولذلك انفتح الباب امام القيادة لفصل واعفاء وتجميد عناصر كثيرة. (ص30-31)
    ويطبق (النفيسي) نقده علي تنظيم الاخوان المسلمين في مصر والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين. وتتكرر نفس العيوب العامة ولكن يضيف لها بعض نقاط الضعف لدي المرشد العام حسن البنا. وهي تتركز في ثلاث جوانب أساسية: اولها ضعف اشرافه علي (النظام الخاص) أي الجناح العسكري في الجماعة مما سبب له مشاكل مباشرة. وثانيها اهماله تدريب كوادر قيادية يمكن أن تخلفه. وثالثها تحامله الدائم علي الحزبية والاحزاب. (ص216). ويعيب علي التنظيم العالمي عدم توازن التمثيل بين الدول. ويظهر اعجابا خاصا بتجربة الجبهة الاسلامية القومية في السودان بسبب نجاحها في العمل الجبهوي واجتذاب النساء للعمل السياسي، والانفتاح علي القوى السياسية الاخري.
    يقدم عبدالله أبوعزة ورقة عنوانها: نحو حركة اسلامية علنية وسلمية، ويستهلها بقوله أنه رغم انجازات الحركة الاسلامية ولكنها مازالت تعاني من سلبيات ذاتية معوقة لمسيرتها معطلة لتقدمها نحو ما نذرت نفسها له من أهداف. وتشمل هذه المعوقات من بين ما تشمله قصورا في الفكر، وافتقارا للتخطيط، وخللا في التنظيم، وارتباكا في الممارسة. (ص182) ففي الجانب الفكري فقد اكتفت الحركة بطرح الشعارات العامة والنداءات والمقولات العاطفية: "بل إن التزام العموميات كان هدفا بالنسبة لبعض الحركات وذلك حرصا من قيادتها علي تجميع أكبر عدد من الانصار، حيث لا يختلف الناس علي المقولات الاسلامية ولا علي امتداح وقبول ما ينسب الي الاسلام من مقولات". (ص183)
    يهتم الكاتب بالعمل السلمي في نشاط الحركة الاسلامية مهما كانت التنازلات بهدف ضمان سلامة الدعوة وسلامة المجتمع والأمة. ويصل الي خيار لن يجد قبولا وسوف يتهم بالتخذيل. فهو يطلب أن تعلن الحركة أنها لا تريد الوصول الي الحكم أي "ستمتنع عن ممارسة العمل السياسي في صورة كونه تنافسا وصراعا من أجل الوصول إلى الحكم، ولكنها ستواصل العمل السياسي في صورة كونه دعوة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ونقدا للانحرافات والخلل الاداري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وحضا علي التصحيح ومساهمة فيه وضغطا من أجل ادخاله وتثبيته". (ص198)
    ويتطرق (فتحي عثمان) إلى ظاهرة تعاني منها كل الاحزاب العقائدية، يكتب: "تحتاج الحركة الاسلامية المعاصرة إلى تعزيز الحرية الفكرية في داخلها وتقبل آراء الغير من خارجها. واعتبار الحوار البناء الذي أكده الاسلام قوام الحياة، واعتبار الشورى الحقيقية الفعالة بمعني المشاركة في صنع القرار والاختيار الحر المسؤول للقائمين علي ذلك اساسا جوهريا لكل جماعة مسلمة حتي تكون ولاية الأمر بحق من الجماعة كما عبر القرآن "وأولي الأمر منكم". (في النفيسي، ص304)
    يتكرر النقد كثيرا للحركة الاسلامية بسبب الضعف الفكري، وهذا نقد يبدو غريبا حين يوجه لحركة لها هذا الانتشار والجماهيرية. وقد يكون هذا أحد وجوه أزمة الأمة الشاملة، حين تتدفق جماهير بمئات الألوف إلى تنظيم يفتقد الأسس الفكرية. ويكتب (عثمان) عن سلبيات الحركات المعاصرة، ويري أن أبرزها في مجال الفكر: افتقاد التجديد والاجتهاد والانفتاح علي جموع المسلمين العريضة وواقعهم، وعلي العالم الواسع المعاصر بثقافاته وممارساته، وافتقاد الحوار الجاد البناء مع النفس ومع العصر. (ص305) ولا ادري ماذا تبقي لها حين تقتفد كل هذه المقومات الفكرية الضرورية؟ لأن غياب هذه العناصر يعني أنها تصبح بالضرورة حركة سلفية ومحافظة ومنغلقة ومتعصبة.
    أما في مجال التنظيم فيري: "غلبة الطاعة للقيادة علي الشورى في حقيقتها وجوهرها، وغلبة الولاء للتنظيم المعين والتقوقع فيه عن النظر للحركة الاسلامية في مجموعها وللشعوب وللانسانية ككل" (ص305). وهذا يعني غياب الديموقراطية الداخلية وأن يكون التنظيم أقرب إلى هيئة عسكرية. ومع انحسار الشوري داخلها، يصبح من الصعب عليها أن تطالب الدولة بحقوق ديموقراطية وتمنعها عن عضويتها. ويشترط علاج هذه العيوب مقدما فيمن يريد اقامة حركة اسلامية حديثة حقيقة. ويختم قوله بهذه النصيحة: "وعلي دعاة الاسلام أن يؤكدوا أن هدفهم هو أن يتحول نهج الحكم في مقاصده ووسائله إلي اتباع تعاليم الاسلام لا أن يغيروا اشخاص الحاكمين، وأنهم لا يطمعون في سلطة وانما يبذلون وسعهم، لايضاح حقيقة حكم الاسلام". (ص308)
    ومن المساهمات الهامة في هذا الكتاب، ورقة فريد عبدالخالق، بعنوان: نحو مراجعة المقولات والآليات. ويعود ذلك لكونه من القيادات التاريخية للأخوان، بالاضافة لكتاباته العديدة. ويعدد بعض المآخذ علي أغلب الحركات الاسلامية، ويجملها في: افتقار الرؤية الموضوعية الشاملة للواقع العربي والاسلامي، غياب خطة العمل الاسلامي، عدم الالتزام الجاد بالمبادئ من داخل الحركة ذاتها مثل العدل والشورى والمساواة وحرية الرأى والنقد مع فرض الوصاية والهيمنة علي الآخرين؛ والامية الدينية لدي كثرة من الشباب المسلم. ويذهب إلى تحديد متطلبات أو بالأصح مشكلات تواجه الجماعات الاسلامية، منها: الحاجة إلى تحديد مواقفها من الصراعات الفكرية والمذهبية المعاصرة، تحديد مصطلح "الخلافة" من منظور الفقه السياسي الاسلامي قديمه وحدبثة وصلته بالشورى، حسم بعض القضايا الاجتماعية مثل المرأة، قضية الوحدة الوطنية؛ وقضية تطبيق الشريعة الاسلامية. (ص317-318) ومن هذا العرض للقضايا والمشكلات يتضح أن الحركات الاسلامية لم تحسم مواقفها الفكرية من أهم الافكار والمبادئ المعاصرة وبالتالي تأصيلها. وهذه يفضح شعائرية الحركة أو قيامها علي شعارات لم تتعمق ويكفي أنها تهيّج وتجيّش الجماهير دون حاجة لتثقيف وحوار. وهذا مرتبط برأي هام قد يفسر كل مشكلات وعيوب الحركات الاسلامية، بقول: "أن نجاحها يتوقف الي حد بعيد علي شخصية قادتها" (ص368)، أو "ذلك أن هذه الحركات سرعان ما تنجح حين يقيض الله لها قيادة حكيمة متفهمة لمتطلبات العصر، مؤمنة بأن الدين لا يضيق بغيره من الاولين". (ص367)

    مراجعات النموذج: الأخوان المسلمون في مصر
    ظهرت جماعة الاخوان المسلمين عام 1928 والمسلمون يشهدون احداثا جساما وتحديات عظيمة، أهمها الغاء الخلافة العثمانية علي يد اتاتوورك في 1924. وقد بدأت كحركة دعوية اصلاحية قليلة الاهتمام بالسياسة، رغم أن (حوراني) يري فيها توجها مختلفا، اذ يكتب: "أمّا من الناحية السياسية، فقد كانت حركة الاخوان المسلمين أقرب إلى الحركة القومية منها إلى الحركة المهدية أو الوهابية. اذ كان هدفها توليد الزخم الشعبي للاستيلاء علي الحكم، لا لاعادة حكم الفضيلة الاسلامية". (1986:430). ويري الكثيرون أن منطلقات (البنا) في المرحلة المبكرة كانت مجردة تماما من ايّ توجه سياسي "فاهتماماته كانت تنصب في مجال حماية الآداب العامة ومناهضة الارساليات المسيحية التي كانت تعج بها مصر". (النفيسي، 206) ولكن الجماعة عاصرت أهم وأخطر الاحداث في تاريخ مصر والمنطقة خلال اكثر من نصف قرن. لذلك، كان لابد لها من أن تراجع أداءها وتنقد ذاتها.
    يري (تمام) أن ما حدث لحركة الاخوان المسلمين هو تحولات عميقة أخرجتها من الثبات والسكون الذي عرفت به. ويتصور أن أهم ما يميز التحولات التي يعيشها الاخوان، سمتان رئيستان، الأولي: "أنها في مجملها تغيرات غير واعية أو مخطط لها مسبقا بقدر ما هي أقرب إلى التغير الذاتي الذي يجري وفق منطق الصيرورة الاجتماعية". (ص6) وهذا منطق لا تكون النظرية فيه سابقة للحركة والتحول، ولكن تأتي تالية ومنفصلة عن الحركة. أما السمة الثانية فهي انها بدأت في المجال السياسي ولكنها انداحت إلى دوائر أوسع. أما ميادين التحولات فقد كانت كما يلي: من الخلافة إلى الدولة الوطنية، من التنظيم الدولي إلى الجماعة القطرية، من الجماعة المفتوحة إلى الخصوصية الاخوانية، من النقاء الايدلوجي إلى العادية؛ ثم من تغيير العالم إلى التمتع به. (ص ص8-20).
    حمل البيان الصادر من الاخوان المسلمين في 30 أبريل 1995 الكثير من المواقف غير المسبوقة. ويبدو أن الحركة كانت تحت ضغوط عديدة استوجبت عليها تقديم رؤى ومواقف قاطعة في بعض القضايا الحيوية والمصيرية. وبالفعل وهذا ما ذكرته في الديباجة: "ففي خلال الاشهر الماضية تعرض الاخوان المسلمين لحملة أمنية شديدة الوطأة صاحبتها ولم تزل حملات اعلامية تتضمن الكثير مما يناقض الواقع وينافي الحقائق". وحدد البيان أربع قضايا رأي الأخوان المسلمون ضرورة الافصاح عن موقفهم منها بوضوح، وهي:
    القضية الأولي: الموقف العام من الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين. وفي الصدد يرفضون فكرة التكفير ويحددون موقفهم من غير المسلمين، ويرفعون شعار التعددية.
    الثانية: قضية الدين والسياسة. بيان موقفهم من الديمقراطية والشورى والمعارضة.
    الثالثة: قضية العمل السلمي ورفض العنف واستنكار الارهاب.
    الرابعة: قضية حقوق الانسان.
    وقد اتخذوا موقفا ايجابيا جديدا، كما أنهم أبرزوا هذه القضايا واعطيت اولوية. وابتعد الاخوان عن التعميمات وتعمد الغموض، فهم الآن يدخلون الانتخابات وينافسون قوى سياسية اخري وتطالبهم الجماهير بالوضوح. وأصدرت الجماعة مبادرة أخري للاصلاح في مارس من عام 2004 والتي يراها (تمام) أهم ورقة متكاملة طرحتها الحركة: "سنجد أنها خلت تماما من قضية الخلافة وجاءت محلية بحتة غارقة في قضايا وهموم الشأن المصري البحت، بل كانت المفارقة أن أبرز التعديلات التي طالت المبادرة التي كانت تطويرا للبرنامج الانتخابي للجماعة عام 2000 هو اسقاط البعد الخارجي تماما بما فيه القضيتين المركزيتين في العالم الاسلامي؛ فلسطين والعراق" (ص9). وهذا التحول عن الاهتمام بالخلافة والعالم الخارجي زاد تركيزهم علي الدولة الوطنية ولاهتمام بالقضايا الداخلية المحلية مما جعل خطابه ومفرداته لا تختلف عن الاحزاب السياسية الوطنية المحلية الاخري. ولم يعد التصور الديني للدولة واضحا في خطاب الجماعة، مما حدا أحد الباحثين إلى القول: "...أن الجماعة صارت أقرب إلى حزب وطني قطري بل وحزب يميني ذو توجهات ليبرالية في المسألة الاجتماعية الاقتصادية حيث القبول أو عدم الممانعة للتحولات التي طالت البلاد باتجاه إقرار سياسات التحول الإقتصادي نحو تبني إقتصاد السوق القائم علي الخصخصة واعادة الهيكلة وحرية التجارة وانسحاب الدولة". (تمام، ص10). وفي النهاية، بقي الخلاف محصورا في بعض القضايا الاخلاقية دون تناقضات جذرية لتقارب المرجعية في الثقافة الواحدة.
    ليس من المستبعد أن تكون الجماعة قد استفادت من مراجعات فكرية أكثر منها سياسية وحزبية، قامت بها شخصيات ذات صلات من زوايا معينة: تنظيمية أو رؤية فكرية. فقد قدم (ابو المجد) ورقة عبارة عن اعلان مبادئ، عنوانها: رؤية إسلامية معاصرة. وهي محاولة – كما يقول أصحابها - لوصف الوجه الآخر للظاهرة الإسلامية. فقد إجتمع علي مناقشتها عدد من المفكرين عام 1981 ثم كلفوه بصياغتها في بيان، عنوانه: نحو تيار إسلامي جديد. ولكنها لم تظهر للعلن الا بعد عشر سنين. ويذكر (أبو المجد) ثلاثة أسباب استوجبت ظهورها في هذا الوقت بالذات، وهي؛ السبب الأول: "التعميم، لأن" كثيرا من الداعين إلي الإسلام والمتحدثين عن مبادئه وقيمه ونظمه وثقافته يتحدثون في عبارات عامة وغامضة عما يسمونه (الحل الإسلامي) وعن منهج الله المقابل لمناهج البشرية.. وعن الحاجة إلي أسلمة الحياة.. وأسلمة المعرفة.. وأسلمة العلوم.. ثم لا يزيدون". (1991:6) أي ليس لديهم أي تصور عن عناصر ومكونات هذا الحل ولا وسائل تنفيذه، فهي مجرد شعارات. السبب الثاني وهو في جوهره ومضمونه دعوة للوسطية الإسلامية مقابل ما أسماه: تيار الغضب والرفض والذي يقود إلى عزلة المسلمين وتشويه صورة الاسلام والمسلمين في العالم. والسبب الثالث لا يذهب بعيدا عن السابق لأنه يرفض صعود تيار التطرف وخصومة العالم.
    يستهل إعلان المبادئ بضرورة تأكيد الحاجة إلى تيار يمثل رؤية إسلامية معتدلة ومستنيرة. وهذا يعني فهم أصيل ومعاصر في نفس الوقت مما يقتضي قيام إجتهاد علمي وفقهي في الفروع والاصول متطور أكثر من المؤسسة الدينية الحالية. وتدخل المبادئ التالية في الاشكاليات التي تواجه المسلمين: التمييز بين حكم الله وتشريع المسلمين (الفقه)، علاقة العلم والإيمان أو العقل والنقل. وهذه معارك ومصادر خلافات ونزاعات بين المسلمين لم تحسم ولن تتوقف. وتشرح الورقة بعد ذلك نظام الحكم والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وينطلق من القول بأن الإسلام نظام شامل للحياة غير أن الحكم في الإسلام ليس نظاما ثابتا
                  

10-22-2011, 02:48 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: فصلته النصوص. ويذكر الاعلان في هذا الصدد مبادئ حكم معاصرة يري أنها وردت ضمنا ومباشرة في الاسلام، مثل مبدأ الشورى، مسؤولية الحكام عن أعمالهم، احترام حقوق الافراد. وبقر الكاتب مطلب تغيير المجتمع وفقا لرؤية شاملة لا تتحرج من الاستفادة من تجارب الانسانية كلها. ويؤكد علي ضرورة الوحدة الوطنية والأخوة الوطنية، وفي هذا الجزء يسقط بصورة حاسمة فكرة: أهل الذمة ويحل محلها مفهوم المواطنة. أمّا القضايا الاخري، فهي: فلسطين والوحدة العربية، المرأة، البناء الاقتصادي أو التنمية ثم المسلمون والعالم.
    ويصل القارئ إلى أن الإعلان يري أن الاسلام هو الحل علي مستوى البشرية جمعاء. فهناك افتراض يعتقد ان العالم المتقدم ضحى بالروحي من أجل التقدم المادي. والاسلام – حسب ابو المجد – وحده القادر علي حل هذه المعضلة، لأنه في جوهره "نظام للقيم، يحفظ التوازن بين الإنسان الفرد والناس من حوله.. كما يحفظ التوازن بين الإنسان وبين مطالبه المادية وأشواقه المعنوية". (ص21).

    المراجعة التونسية والبحث عن بديل:
    شهدت تونس محاولة تحديث فوقية قادها الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال. ولذلك يقارن البعض الحركة الاسلامية في تونس كما في ايران، بأنها نتيجة معارضة متنامية بين الدولة والمجتمع تعكس غياب القدرة أو القوة التعبوية وشرعنة الدولة الحديثة أو بلغة اخرى فشل مشروعات الدولة الحديثة. وبسبب هذا التاريخ المختلف عن كثير من المجتمعات العربية، عملت الحركة الاسلامية التونسية علي التخلص من تأثير حركة الاخوان المسلمين الأم. فقد تشكلت النواة الأولي للحركة الاسلامية في تونس عام 1970 واتخذت أسم الجماعة الاسلامية عام 1974 ثم أصبحت حركة الاتجاه الاسلامي، فحركة النهضة. وقد تميزت بتنوع مصادرها: التدين التقليدي التونسي، الخطاب السلفي الاخواني المشرقي، ثم التيار الاسلامي العقلاني. وفي البداية كان تأثير المكون السلفي الاخواني قويا. ولكن في أول احتكاك مباشر لأحد القياديين التونسيين بالحركة الأم، بدأ النموذج يهتز ويفقد قدسيته. ونقرأ في كراسة: المقدمات النظرية التقدميين (1989): "وكانت تلك بداية تشريح لأزمة نمو صامتة تعيشها الجماعة منذ أواخر سنة 1975. ومعها ولد السؤال كممارسة حضارية مقصاة من الثقافة السائدة التي صاغت الجماعة الأصلية. وبدأ البحث بسيطا عن العوامل الكامنة وراء قلة الفعالية عند العنصر الاسلامي التونسي، رغم مؤهلاته الايجابية قبل الانتماء. لكن التساؤل سرعان ما اتسع وامتد ليشمل كل مكوّنات المشروع النظري والحركي والتربوي للاخوان". (ص8-9)
    تتميز تونس بحركة نقابية عمالية نشطة وقوية، وكانت من نتائج ذلك الهبة العمالية في يناير 1978. وجاءت الثورة الايرانية لكي ترفع معنويات المسلمين عموما والحركات الاسلامية علي وجه الخصوص. وهذه العوامل شجعت الجناح الطلابي الاسلامي علي التفاعل مع الواقع الوطني والاهتمام بالقضية الاجتماعية. أو كما يقول المجددون: "لم يعد الحديث عن الطبقات بدعة ولم يبق أبو ذر مجرّد ثرثار لا يفقه السياسة". هذه هي الاجواء التي ايقظت الحاجة إلى التغيير بين الاسلاميين. وكانت بداية المراجعات الفكرية مع طروحات سيد قطب وموقفه من المجتمع ومن الآخر. ومع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، تبلورت ملامح التيار الجديد يقترب من التشكل.
    ويجمل بعض الباحثين أهم خصائص وموضوعات التيار، فيما يلي:
    1- النقدية والجرأة إلى درجة الحدة واحيانا التهور. وذلك نتيجة غياب تقاليد النقد الذاتي.
    2- أزمة الحركات والمجتمعات الاسلامية ليست روحية - كما هو سائد - ولكنها فكرية بالدرجة الأولي. يقول صلاح الدين الجورشي: "انّ نقدا ذاتيا لابدّ أن يحصل. انّ قداسة وهمية لابدّ أن تزول عن تاريخنا وعن أنظمة وحركات وشخصيات أفرزها نضالها الطويل من أجل تحول جاد (...) باختصار انّ روحا جديدة لابدّ أن تسري فينا وان فكرا جديدا لابدّ أن يطرح من قبلنا زمن داخل صفوفنا".
    3- نقد ينحو إلى الجذرية في المسألة التربوية.
    4- محاربة العقلية الحرفّية دون الطعن في مشروعية النص واسقاط مرجعيته.
    5- التحرر السياسي والاجتماعي كأصل من أصول المشروع ومقصد من مقاصد التشريع.
    6- التونسة أي الدفاع عن بناء تجربة ذاتية، وما تعنيه من نقد التجارب الاخوانية والتأكيد علي عدم الزاميتها بل والتدليل علي فشلها التاريخي. (المقدمات، ص9-12). يواجه أي ميل للنقد أو التجديد بهجوم كاسح ومحاولات لاغتيال الشخصية، وتهم بالتآمر. وهذا ما حدث للتيار التجديدي التونسي: "كانت النتيجة أن وجد الممارسون للنقد الذاتي أنفسهم علي هامش (الجماعة) وفضاءاتها، خاصة بعد حلّ قيادة العاصمة (ديسمبر 1978) الذي كان – من وجهة نظرهم – اعلانا صريحا عن فشل الاصلاح من الداخل،فقرروا تأسيس ناد لادارة حوارات حرة،بعيدا عن ضوابط التنظيم وفكر الاخوان المسلمين". (ص13).
    كان البعض يري أن لكل فكر جماعة تحميه، ولهذا تحوّل النادي إلى تيار فضفاض في تنظيمه. ومنذ منتصف 1980 برزت مجموعة أسمت نفسها "الاسلاميون التقدميّون" كتوجه حركي وفكري مستقل. ورغم التسمية التي لم تذكر اليسار الا أنه يصنف ضمن ما يسمي: اليسار الاسلامي. وهذا اسم استخدمه د. حسن حنفي عنوانا لمجلة ذات افكار اسلامية تجديدية. وتقول الجماعة عن نفسها: "لعلها الحالة الوحيدة في المنطقة الاسلامية السنية – خلال المرحلة الأخيرة – التي تتولي فيها مجموعة شبابية مسؤولية رعاية توجّه اسلامي تجديدي عقلاني يحاول تحرير المشروع الاسلامي من السياسوية القاتلة والمثالية المجنّحة". (ص16) وتري المجموعة أنها صارت ذات تأثير علي مجمل الحركة الاسلامية في تطوير خطابها بعد أن كان نسخة من الاخوان المسلمين. ويضرب البعض مثلا لذلك، ما نشر تحت عنوان: "الرؤية الفكرية والمنهج الاصولي" لحركة الاتجاه الاسلامي. ويضاف إلى ذلك أثر مجلّة 15/21، والعنوان يوحي بتطابق القرن الهجري والميلادي نافيا أي فجوة تاريخية.
    وفي نصّ يمثل المقدمات النظرية لدي الاسلاميين التقدميين، نجد الحد الأدني الفكري الذي يجمعهم ويوحد رؤيتهم للاسلام. ومن أهم القضايا التي توقف عندها النص ما يلي:
    1- في أولوية النضال الثقافي: ورغم تأكيدهم علي تعدد العوامل التي أدت إلى تخلف المسلمين وفقدانهم لشروط التقدم الاجتماعي والاستقلال الحضاري، الا أنهم يعطون الاولوية للعامل الثقافي. ويعتقدون، حسب النص: "أن كلّ تحليل عميق للأزمة الشاملة التي تعيشها المجتمعات العربية الاسلامية يفضي بالقول إلى أولويّة العقلي والثقافي سواء في فهم آليّات الأزمة أو في بلوغ تحديث اجتماعي واقتصادي وسياسي للمجتمع والدّولة". (ص26). وهناك اشارة إلى "دور طلائعي للمثقفين لانّ الاشكال في جانب رئيسي منه نظري، والفكر صناعتهم الوحيدة".
    2- في البعد الفكري للنضال الثقافي: ويركزون علي أن يكون خطابهم نسبيا ومنفتحا علي الآخر ويقبل الاختلاف، ومستقبلي.
    3- لماذا الاسلام أوّلا؟
    4- في الوعي التاريخي.
    5- تجديد التراث واعادة بناء العلوم القديمة.
    6- مشروعبة الاختلاف وحرّية التأويل.
    7- توحيد الانسان وتوحيد أبعاده المختلفة.
    8- التوحيد قاعدة للتصوّر.
    9- وظيفة الوحي.
    10- كيف نفهم القرآن؟
    وأخيرا تتلخص مواصفات الخطاب الاسلامي التقدّمي، في: الاسلامية والمستقبلية، الوعي التاريخي، ضرورة الاختلاف ومشروعيته، أوليّة العامل الثقافي، التنوير والعقلانية، تجديد التراث، الخروج من التبسيط والتعميم، والفهم المقاصدي للنّصوص.
    هذه محاولة لتعريف القارئ بالاضافات الفكرية والاجتهادات الجرئية التي قدمتها جماعة "الاسلاميين التقدميين". وهي مساهمة عميقة وشاملة تطرح اجابات لكثير من الاشكاليات النظرية والمشكلات العملية. خاصة تلك التي دأبنا علي ادراجها في سؤال: الأصالة والمعاصرة. ولكن الجماعة ظلت صفوية ونخبوية، وعجزت عن الوصول إلى الجماهير العريضة. ومن الملاحظ أن الحركات التجديدية تعاني من العزلة وعدم الانتشار بينما الفكر السلفي والمحافظ والمدروش (الصوفي) يتمدد كالنار في هشيم المجتمعات الاسلامية - العربية الراكدة. يساعد نظام التعليم بمناهجه المحنطة، والثقافة الاستهلاكية ومستوى المعيشة المتدني في تعطيل واستقالة العقل. وتبدو مسألة التغيير والتجديد صعبة مع وجود الدائرة الشيطانية للتطور. كيف ننتج القوى الاجتماعية القادرة علي المغامرة وان تكون طليعة فعّالة.
    ومن ناحية اخري، كان (راشد الغنوشي) يري اصلاح حركته في الاقتداء بالترابي. ويقول بأن التأثر بفكر حسن الترابي: كان من ثلالثة جوانب:
    الجانب الاول: قضية المرأة، "ففكر الترابي كان قد اعان في خلق تفاعل رشيد بين الاسلام التونسي وبين إشكالية قائمة في المجتمع التونسي هي التحررية البورقيبية والتي كانت الحركة الاسلامية تقف منها موقفا سلبيا تأثرا بالوافد الشرقي الذي يكاد يحصر مهمة المرأة في البيت والامومة. ففكر الترابي كان جسرا بين الحركة الاسلامية ومجتمعها الذي استحال رده إلى مرحلة ما قبل الحداثة في هذا الموضوع". أما الجانب الثاني، فهو المنهج السياسي أي التعامل مع السلطة، والعمل في اطار القانون وفي مؤسسات الدولة (الزيارة للسودان بعد المصالحة). وأخيرا، الجانب الثالث فهو الاعداد التنظيمي الاداري، ويتمثل في قيادة المؤسسة بدلا عن قيادة المشيخة في فكر حسن البنا. (ص210) (مقابلة اجراها المحبوب عبدالسلام مع راشد الغنوشي ونشرت في مجلة افكار جديدة العدد الثالث اكتوبر – ديسمبر 1997 تحت عنوان: (مراجعة في التكوين الفكري لحركة النهضة الاسلامية 210-229). ويعلن المبادئ الاساسية في استراتيجية العمل الإسلامي، وهي: أولا- تحديد موقف من التراث؛ ثانيا: تحديد الموقف من الغرب. ثالثا: تحديد نظرتنا إلى واقعنا بعيد عن فكرة مسبقة. رابعا: ما هي ادارة التغيير؟ القوة والاكراه أم الحرية والاقناع؟ (1984:32).

    مراجعات الجماعة الإسلامية:
    أحيت الحرب في افغانستان فكرة الجهاد التي جسّدت قوة المسلمين مع بزوغ الدعوة رغم أن المسلمين شكلوا آنذاك فئة قليلة. وقد أعطت فرضية "الجاهلية" مبررا نظريا لاستخدام العنف أو القوة من أجل عودة الإسلام. فقد استعادت الجماعات الجهادية طروحات سيد قطب عن المفاصلة بين مجتمعات الاسلام الأصل والعصر الذي نعيشه، أي محاربة الجاهلية الجديدة التي تتخذ من الانسان أو المادة إلها من غير الله. وقد بلور أفكاره، بالذات في كتبه: في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق، الإسلام ومشكلات الحضارة. كانت حادثة الكلية الفنية العسكرية عام 1974 محاولة فاشلة للقضاء علي حكم الطاغوت -حسب وصفهم – في مجتمع جاهلي. وقد اعطاهم القمع والملاحقة، دون قصد من السلطة، مكانة وتعاطفا. فقد أصبحت هذه الجماعات هي المعارضة الفعّالة لنظام ملئ بالعيوب. فقد إنحسر المديين الشيوعي والقومي في المنطقة. وقد اكتسبت زخما لاسباب، منها: حرب اكتوبر 1973 وما سببته من فورة نفطية - مالية، الثورة الايرانية 1979؛ ثم انهيار المعسكر الاشتراكي. ولكن تراجعت الجماعات وانحسر أثرها بسبب القمع وتم اعتقال أهم كوادرها وتشتت الباقي في العالم. ومن المؤكد أن العزلة في السجون وبعدهم عن الواقع والحياة، قد اجبرتهم لإعادة النظر في مواقفهم.
    استنت الجماعات الاسلامية المسلحة ما يمكن تسميته فقه المراجعات بعد احداث ايلول 2001، وهي تختلف تماما. فقد تسربت معلومات بان ثمانية من القادة التاريخيين لتنظيم "الجماعة الاسلامية" يقضي سبعة منهم عقوبة بالسجن في قضية الرئيس أنور السادات، انتهوا من اعداد "ابحاث شرعية" طرحوا فيها رؤيتهم لمستقبل الحركات الاسلامية والاسباب التي دعتهم إلى تغيير استراتيجية الجماعة والدعوة إلى اعتماد العمل السلمي بدل العمليات المسلحة. وسبق لهؤلاء، وهم اعضاء في مجلس شورى التنظيم، أن أطلقوا عام 1997 مبادرة سلمية لوقف العمليات العسكرية. وفي مارس 1999 أصدر مجلس الشورى قرارا بوقف العمليات المسلحة. وأهم ما جاء في الابحاث قولهم في بحث عنوانه: "رؤية واقعية"، ما يلي: "ان من الخطأ البين أن تتخذ المواقف وتبني الاحكام وتصدر الفتاوى بعيدا عن النظر للواقع واستقراء معطياته". (صحيفة الحياة اللندنية 2/2/2002)
    أصدر بعض قادة مجلس شورى الجماعة الاسلامية المصرية، سلسلة تحت إسم: "تصحيح المفاهيم" ظهر منها أربعة كتب حملت العناوين التالية: "تسليط الأضواء علي ما وقع في الجهاد من أخطاء"، "النصح والتبين في تصحيح مفاهيم المحتسبين"، "وحرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين"، و"مبادرة وقف العنف- رؤية واقعية ونظرة شرعية". ورأي فيها البعض بمثابة التأسيس الشرعي لما عرف بأنه مبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة منذ أعوام عدة لوقف مسلسل العنف الذي روّع مصر لسنوات. ولكن أحد الباحثين له رؤية أكثر شمولا: "والحقيقة أن الكتب الأربعة تجاوزت المبادرة إلى التأسيس لمرحلة جديدة في الخطاب الإسلامي الحركي يعود بالدعوة الإسلامية إلى موقعها الصحيح في قلب المصالح القومية العليا للأمة، بدلا من الانزلاق إلي دوامات الصراع الثأري مع السلطة". (جمال سلطان، صحيفة الحياة 7 أبريل 2002). ويؤكد علي ضرورة التمييز بين مراجعات ذاتية للحركة لتصحيح أخطاء منهجية أو سلوكية، وبين التراجع عن كونها حركة تغيير شعبي معارضة. ويري أن الدور المستقبلي للجماعة هو أن تكون حركة دعوية سلمية وقد تجاوزت – حسب قوله – بعد هذه المراجعات، المراهقة الفكرية. كما أنها تتحول تدريجيا من قضية أمنية إلى أخري سياسية.
    ومن الملاحظ أن التسميات الخاصة بهذه الجماعات مثل السلفية الجهادية أو منهج أهل السنة - كما يفضلون، أو الافغان العرب، قد تراجعت لحساب ربطهم بالقاعدة فقط. ولم يبق لهذه الجماعات أي مساهمات فكرية غير التفجيرات والأعمال الارهابية. وعوضت عن هذا الخواء الفكري ببيانات وخطابات بن لادن وأيمن الظواهري.

                  

10-22-2011, 02:50 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote:
    الفصل الثاني

    المراجعات السودانية

    تعاني الحركة الاسلامية في السودان من مشكلة الخواء الفكري رغم أنها ضمت كثيرا من المتعلمين (وليسوا المثقفين). فقد غطت ما تعتبر "انتصارات سياسية" علي عيوب الكسب الفكري. وهذه معادلة ضيزي، السؤال ليس إما.. أو، ولكن كيف يمكن أن يرفد المدد الفكري النشاط السياسي أي أن توجد رؤية تسبق الفعل. وما يحدث الآن، يأتي الفعل ثم تلحق به محاولات التفكير والتنظير. وهذا خلل عظيم بالنسبة لحركة نشأت في بيئة تعليم ومعرفة حديثين، وخاطبت شبابا في أعلي مراحل التعليم. ولكن غلبة البراقماتية بل وأحيانا الانتهازية السياسية فرضت عليها التخلي عن العقل والمنطق والحكمة بحثا عن النجاح والمكسب.
    أدرك الاسلامويون هذا العيب، وتعايشوا معه وقبلوه؛ لو كانت العقبى مكسب الحركة السياسي. ففي مقابلة مع بهاء الدين حنفي، والذي كثيرا ما هاجم فقر الحركة الفكري، يورد عنه:
    "وأنا اعلم مصير الكثيرين مثل جعفر شيخ إدريس ماذا حدث لهم؟ الحركة الاسلامية كانت واحدة من مآسيها أنها لم يكن فيها مجال للفكر والذين كان يعول عليهم دائما هم من لا علاقة لهم بالفكر ولا رأي لهم حتي يبدونه في أي موضوع من المواضيع". (في عبدالرحيم عمر، ص546) ويضيف: ظلت هذه الشعارات مرفوعة لمدة 35 سنة ولم تتبلور في فكر أو موقف سياسي أو أطروحة فكرية مبلورة". (ص551)
    يقول أحمد عبدالرحمن وهو من قيادات الحركة التاريخية، عن فترة ما بعد المفاصلة وغياب الترابي عن قيادتهم، بان الناس اصبحوا مسترخيين "وما يفقدوه هو الفكر.. نحن الآن نسير بقوة الدفع السابقة.. الآن المناخ أفضل كثير مما سبق ما ينقصه الرؤية.. الترابي فلتة لا تتكرر بسهولة". (عبد الرحيم عمر، ص587)
    لم يكن الخلاف ولا المفاصلة يرتكزان علي أسس فكرية عميقة وواضحة. فقد كانت، حتي: مذكرة العشرة، وهي بمثابة (مانيفستو) الإصلاح والتغيير، بعيدة عن الفكرية. فقد احتوت موجهات تنظيمية وشعارات عامة. فهي تؤكد علي أن الحركة متوكلة وعملية نفعية. ونقرأ في مقدمة مذكرة العشرة: "ظلت الحركة الإسلامية في السودان خلال الأربعين سنة الماضية تثب من نجاح إلي نجاح، بفضل الله القدير، ثم بروحها التي لا ترضي الجمود، بل تقتحم كل حقبة متوكلة علي ربها متوجهة إليه، وكانت نقلاتها من طور إلي طور محفوظة لأنها لم تكن تقيد نفسها بالإحجام رجاء شىء مثالي قد لا يأتي أبدا". ولم نتابع – آنذاك – أي حوار فكري متميز بل مجرد تبادل اتهامات. ففي رد علي اتهام بتنفيذ مخطط، يرد( الترابي): "لا علم لي بسيناريو خارجي.. ولكن ما اعلمه أنه يقدم علينا حاكم ذو تربية عسكرية وروحه لا تقبل كثيرا من المشاركات والضوابط الاخري التي يمثلها رمز ديني معين (في اشارة إلى نفسه)" (الصحافي الدولي 30/12/1999). هذا هو اسلوب الحوار بين الجانبيين. وقد تفوق عليهم بقدرات كثيرة، إذ من استراتيجيات الترابي الاختباء وراء اللغة والالفاظ التي لا تقول شيئا كثيرا. ففي سؤال عن اسباب الخلاف الدائر داخل الحزب الحاكم، يرد: "أولا أنا أدرجه في سنن الحكم أو العلاقة بين المجتمعات والحكومات في كل الارض.. ميزان العلاقات من حيث القوة.. ضغوط من اعلي وضغوط من أدني.. أو ميزان الوظائف من حيث اقتسام الوظائف العامة والخاصة.. هو دائما حركة تاريخ، وثانيا القوة التي تدفع من يمثلها إلى الحكم.. دفعته استلابا وقوة، أو دفعته وروجته ليفوز انتخابا علي الآخرين ان كانت طبقة اقتصادية أو كانت حزبا سياسيا." (الصحافة 29/4/2000)
    أما كيف يري احمد عبدالرحمن الصراع؟ يقول: "منذ أن اندلع الخلاف وحتي الآن لم أجد مبررا موضوعيا للخلاف بين الفريقين.. هنالك وجهة نظر لشخص واحد هو الذي يعتقد ان الحركة هي ما يراه لا يرينا الا ما يري (...) أكثر من مرة لا يلتزم بالشورى رغم أنه أكثر الذين يتحدثون عن الشورى ولكن عندما جاء البيان بالعمل لم يلزم نفسه ولم يحترم قرار مجلس الشورى بل آثر الا يحضر." (اخبار اليوم 24/6/2004)
    طالب رئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية رئيس قطاع الفكر والثقافة بالمؤتمر الوطني ابراهيم أحمد عمر بان لا يقتصر الحديث عن عودة وحدة صف الإسلاميين بالسودان علي المؤتمرين الوطني والشعبي. واكد عمر لـ"سونا" انه لم يعد يرى ان عودة وحدة الحركة الإسلامية تعني المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبي "لان التجربة دلت انه من الخير للناس ان تتكلم بصورة اوسع مما هو محصور فى مجموعات معينة". وابان ان تفكيره ينصب فى ان يكون الامر اوسع من ذلك لان الحديث عن الإسلام يجب الا يحصر فى الوطني والشعبي، بل يجب ان يكون اوسع لان التيارات الإسلامية لابد ان يكون معها تفاهم واهتمام بقدر الاهتمام بالحركة الإسلامية. واضاف "نهتم بكل اهل القبلة بل نهتم باهل السودان قاطبة"، وزاد "لكي تقيم دولة إسلامية لا بد ان يكون التفكير والكلام اوسع من الكلام عن المؤتمرين". (الصحافة 15/1/2011)
    وفي إفادة عن إجتماع مجلس الشورى قبل المفاصلة، يقول بدرالدين طه: "فالحكومة أعدت هذا الاجتماع ومولته، إحضارا للأعضاء وجلبهم لكي يؤيدوا قرارات الرئيس في النفرة التي لم يتفق عليها.. وهم لما جاءوا أيدوا قرارات الرئيس وهذا ما لم يحدث مثله في تاريخ الحركة الاسلامية.. تم شراء الوزراء بالمناصب الوزارية وهؤلاء كانوا معنا أربعين سنة ناهيك عن أعضاء مجلس الشورى الذين تسهل رشوتهم بالمناصب ترغيبا وترهيبا – القيّم انتهت.. لا توجد قيم في الحكومة". (عبدالرحيم عمر، ص599)
    وهنا يأتي إلى جانب غياب الفكر، غياب المؤسسية ايضا. ويمكن للقارئ أن يستنتج مما ورد في هذا الكتاب، كثيرا من مظاهر غياب المؤسسية. ولكن هناك بعض أحداث بعينها تبين عمق الأزمة. ففي اثناء تطورات مذكرة العشر، كان من القضايا مسألة اختيار رئيس الجمهورية والأمين العام للمؤتمر الوطني. وتبرع يس عمر الإمام بالقيام بالاتصالات المكوكية بين الاطراف. وضمن هذه الجهود، قدم اقتراحا خاصا باختيار رئيس الجمهورية، ووافق عمر البشير مبدئيا. ولكن (الإمام) يقول: "بعد يومين أو ثلاثة لاقيت عمر البشير وقال لي: أنه قابل وتشاور في اقتراحي مع بعض الناس وقالوا له: إن رئاسة الجمهورية هي الأساس، وهي التي تحلّ مشاكل الناس! وأن الحزب وخلافه دا كلام ساكت!!". (المصدر السابق، ص605) ويسأله (عبدالرحيم عمر): هل ناقشتم هذا الرأي علي أي مستوى من الأجهزة؟ ويرد (الإمام) بلا. فيعلق: "ما تقدم من اقتراح الأستاذ يس عمر الإمام يعكس العشوائية وتهميش المؤسسات الذي تمارسه حركة إسلامية راشدة تدعي أنها الأرشد بين الحركات الإسلامية وأنها الأكثر خبرة ودراية بالعملية المؤسسية والشورية وأنها الأبعد عن همهمات الشيوخ ودروشة الحركات الإسلامية التي تدور في فلك القداسات التاريخية القديمة أو السلفية المتخلفة". (ص605).
    وفي هذه الحالة علينا الا ننسي أن الحركة الإسلامية السودانية قد تميزت بكونها أول حركة اسلامية قامت بحل نفسها بعد أن وصلت الي السلطة.وهذا قد يفسر لماذا جاءت المراجعات فردية ولم يقم بها التنظيم كما فعل آخرون؟

    حقبة تدشين المراجعات
    الافندي نموذجا

    يقدم (الافندي) كتابه "الثورة والاصلاح السياسي" داعيا إلى ضرورة "نقد الذات، واكتشاف عيوب النفس، وتحري الحق والاعتراف به وان كان مرا" (ص8). وقد كان بالفعل أول من أصدر كتابا في التجربة الاسلامية من الداخل، والاهم من ذلك فقد ظل يعمل بدأب، لكي يتسق مع قناعاته الجديدة كديمقراطي.
    ومن الملاحظ أن (الافندي) في كتابه كان مهتما بقضيتين محورتين، هما: التحديث والديمقراطية، وبينهما ارتباط وثيق. ولذلك كان عليه مثل سائر الاسلامويين، ان يبحث عن مبرر لانقلاب الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989. والاسلامويون جميعا ينطلقون من مبرر "فشل التجربة الديمقراطية السودانية"، ويشطح بعضهم بعيدا ليتحدث عن فشل الديمقراطية نفسها أو علي الاقل الغربية. ومثل هذا المدخل عند (الافندي) يكلفه جهدا فكريا بعد تحوله الراهن نحو الديمقراطية. اذ يواجه السؤال: هل يستوجب أي اخفاق في تطبيق الديمقراطية، وأدها عن طريق الانقلاب؟ فالديمقراطية، هي التي ينطبق عليها القول: داوني بالتي كانت هي الداء، أو بمزيد من الديمقراطية.
                  

10-22-2011, 02:52 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: واجه الكاتب الاشكالية التي اصطدم بها كل الاصلاحيين الاسلاميين، وهي الاعتماد علي التركيبات الايديولوجية. لأن أي فئة اجتماعية تحس بالحاجة إلى الايديولوجية حين يكون في مواجهتها تهديد خارجي. ويكتب (شرابي):
    "ان العجز عن مواجهة الحقائق، كما قال مانهايم، يلد ايديولوجية خاصة به. لم يكن السبب الذي دفع المصلحين المسلمين إلى الاعتماد المتزايد علي التفسيرات الايديولوجية هو عجزهم عن رؤية الحقائق، قدر ما كان عدم توفر فهم منظم لهذه الحقائق. لم يكن المصلحون قادرين تماما علي الاحاطة بابعاد عملية التغيير التي واجهها الاسلام (....) ولما وجد المصلحون انفسهم عزلوا عن الواقع المحيط بهم والمتغير في سرعة، ادركوا أكثر فأكثر، انهم في حاجة ليس إلى نظريات في التفسير، بل إلى شعارات تبرر افعالهم." (1978:52)
    يلجأ الاسلامويون إلى تصوير الواقع في هذه الحالة حسب رغائبهم واحلامهم. فالكاتب يصف الانقلاب بلا تحفظ بالثورة، ويحلق به بعيدا، باعتباره: "والحلم الذي انطلق منه التغيير حلم عاشت عليه الأمة بأكملها قرابة اربعة عشرقرنا". (1995:24) ويضيف بزهو: "ومن وسط كل هذه الغيوم الداكنة، يطل فجأة التغيير السوداني. فهذه المرة الأولي منذ رحيل عمر بن عبدالعزيز التي تتولي فيها الحكم في أقليم اسلامي سلطة لا ولاء لها الا للشرع ومبادئه". (ص25)
    كتب (الافندي) هذا المدح - الأمل في فجر نشوة الانتصار، ولكن سرعان ما جاءت الصحوة. وبرز سؤال بناء الدولة الاسلامية الحديثة في عالم سريع التعولم يهيمن عليه القطب الواحد. وواجهت الانقلابيين الاسلامويين الاشكالية الصعبة الاخري، وهي أن السودان في مرحلة انتقالية ومجتمع متعدد ومتنوع وبالتالي تسود حالة الصراع وليس الاستقرار. بالاضافة لسؤال الدولة الغائب في الفكر السياسي الاسلامي طوال التاريخ الاسلامي. وكان علي (الافندي) أن ينجح في معادلة أن يوفق بين أن يكون اسلاميا حديثا وديمقراطيا، ومن قلب هذا المأزق جاء توجهات نقده الذاتي ومراجعته.فهي مواقف انتجتها أزمة التوفيق، أو قل التلفيق بعد أن غرقت الدولة الاسلامية - الحلم في الاخطاء والخطايا القاتلة خلال سنوات قليلة.
    ضم عنوان الفصل الثالث ثلاثة مفاهيم، وهي: التنظيم، السلطة والدولة، مثلت اهتمام المؤلف طوال الكتاب. وبدأ بدور الحركة الاسلامية في محاصرة التيار العلماني والشيوعي، متحالفة أو ملتقية مع الاحزاب التقليدية مستفيدة من التدين العام وتوظيفه من خلال شعارات تطبيق الشريعة. ويعتبر حل الحزب الشيوعي عام 1965 من انتصارات هذا الحلف المقدس. ولكن في النهاية انفرط الحلف مع تصاعد هجوم الحركة علي الطائفة خاصة في فترة الديمقراطية الثالثة (86-1989). فقد شهدت تلك الحقبة تذبذبا في التحالفات الحكومية حسمتها الجبهة الاسلامية حين احست باحتمال ابعادها من السلطة، بالانقلاب العسكري. وحتي بعد الانقلاب الذي حسم الامور مؤقتا لصالحها لم تفقد الحركة - حسب قوله - الأمل في حلفائها الزئبقيين. وداخل السجن، ناقش الزعماء الثلاثة: المهدي والميرغني والترابي، اقتراحا للأخير صريح وواضح يقول: "تدمج الاحزاب كلها في حزب واحد يتبني برنامجا اسلاميا. يتنحي القادة التاريخيين الثلاثه ولايترشح أي منهم للزعامة. يتم انتخاب قيادة الحزب الجديد ديمقراطيا من بين اعضائه". (ص37) بالتأكيد لم تمر فكرة خلع الترابي نفسه علي السيدين، ثم أن ولاية الأسير غير مقبولة. وهذه الحادثة تتشك في بديهية نشرها الاسلامويون وهي اسلامية الاحزاب الثلاثة الكبرى. ولكن لماذا لاتبادر تلك الاحزاب بتطببق الشريعة حين حكمت البلاد مرات عديدة؟ ولماذا طبقت الشريعة دائما في السودان بأيدي عسكرية وليس من قبل نظم منتخبة شعبيا؟ هل الطائفيون والتقليديون اكثر وعيا بالواقع من الاسلامويين "المثقفين" و"الحداثين"؟ ونحن الآن نري كيف اكتفي أصحاب اليوتوبيا التي بشرت بدولة المدينة باختزال الشريعة في جلد السكاري والفتيات صاحبات التنورات القصيرة. ويجادل الآخرون في بلاد غير السودان، بأن دولتهم قادمة لتملأ الارض عدلا، ويبشرون بفردوس الحريات والتنمية وقيمة الانسان. أما الاسلامويون السودانيون، فهذه دولتهم تري بالعين المجردة وتعاش يوميا، فهم في حالة تبرير صعب. وكيف تحولوا حين وصلوا الي السلطة، من حركة جماهيرية جديدة الي ملك عضوض؟ فقد فشلوا في حل معادلة دور التنظيم حين صاحب الدولة وفي يده السلطة، خاصة وهم يدركون حجم شعبية حزبهم. ولغياب نظرية لحل اشكالية الديمقراطية والتمثيل الشعبي، لجأ الاسلامويون الي آليات التجربة والخطأ. فكانت تجربة المؤتمرات علي الطراز الليبي قاصدين تجنب التحزب؛ ثم كانت دعوة تعددية فكرية بلا تعددية حزبية، واخيرا فكرة التوالي بكل صخبها الخلافي. واستقر الأمر علي الكيان الحزبي الفضفاض أو الجامع – حسب لغتهم: المؤتمر الوطني الحالي. ويطرح المؤلف سؤال: "من الذي سيقوم بأعباء انشاء هذا التنظيم الجديد والتصدي للقيادات القديمة ومنافستها علي كسب القواعد، والجهة نفسها قد تم حلها وذابت كأن لم تكن؟ "وكان الجواب والذي يمثل مقتل دولة الوحيدة القادرة للتصدي لهذه المهمة بأجهزتها، وعلي رأسها الاجهزة الأمنية". (ص39)
    ويفصح عنوان الفصل الخامس: "السياسة عبر أجهزة الامن"، عن عمق المأزق الانقلابي والحيرة الفكرية. ويستهل حديثه بمبرر لا يرقي الي مستوي فطنة وذكاء (الافندي) المعهودين، ولكنها الضرورة، يكتب: "..فان طبيعة الحكم لنظام انقلابي ثوري يريد اجراء تغييرات سياسية واجتماعية أساسية في البلاد تحتم الاعتماد علي أجهزة ضاربة قوية للتغلب علي المقاومة المحتملة لهذه التغييرات". (ص43) وهذا ما فعله النظام "الاسلامي الثوري"، وهنا يجد المؤلف نفسه عن مخرج أو حيلة لتبرئة نفسه وغيره من الاسلامويين الابرياء وغير المتآمرين. رغم أن هؤلاء كانوا من اكثر المتحمسين لتبرير الاخطاء والانتهاكات التي وقع فيها النظام الذي لم يصنعوه. ولكن لم يكونوا لبسمحوا بسقوط نظام "اسلامي" مهما كانت طريقة وصوله للسلطة أو اساليب تثبيت سلطته. وهو يؤكد بحسم وثقة: "..ان كل أعضاء الجبهة القومية الاسلامية والغالبية العظمي من قياداتها ظلت علي جهل بطبيعة التغيير وملابسته لفترة طويلة." (ص44).
    يحاول الكاتب حل لغز: كيف يكون التنظيم غائبا تماما وفي نفس الوقت يكون فاعلا في دعم النظام الجديد؟ (ص44) ويؤرخ للحركة الاسلامية، بأنه اصبح لها منذ 1977 حين قررت تغيير استراتيجيتها باتجاه الاستقلال عن الاحزاب التقليدية؛ أجندة سرية لأول مرة في تاريخها. ورغم ان التنظيم اضطر الي العمل السري مرات عديدة، ولكنه لم يلجأ لتبني اجندة سرية. وهذا سيحرم بعض الاعضاء من متابعة كل تفاصيل البرنامج، وهذا ما حدث حين نفذ الانقلاب. ويترتب علي مثل هذا الوضع، تميز مجموعة داخل التنظيم أو ما اسماه الـ"سوبر تنظيم" وقصد بذلك: "وجود تنظيم داخل التنظيم يكون هو المطلع علي هذه الاجندة والمشرف علي تنفيذها. وغني عن القول أن هذا (التنظيم) سيتمتع بنفوذ واسع في الحركة ويأخذ شكل: سوبر تنظيم، أو بنية فوقية يصعب علي عامة الاعضاء مراقبة كل تصرفاتها ناهيك عن ازاحتها عن موقعها القيادي". (ص44) ويقول بأن الذي حدث بعد الانقلاب هو انفراد الـ"سوبر تنظيم" بمقاليد الامور. ويؤكد أنه: "وقد تم هذا وفق الأسس القانونية والدستورية السليمة للحركة، اذ أن مجلس الشوري اجتمع وفوض القيادة العليا التصرف بما تراه مناسبا الي حين عودة الامور الي نصابها الطبيعي". (ص45) وحين تحددت وجهة النظام، تدفق الاسلامويون نحو التأييد غير المشروط. وتساوي في ذلك العوام والنخب، وكان (الافندي) من بين الذين تقلدوا منصبا اعلاميا هاما في احد الثغور الغربية للتصدي للهجوم أو الاستهداف الغربي. فهل فقدت النخبة الاسلاموية -آنذاك- حسها النقدي أو حتي حدسها، أم صحيح أن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة بصورة مطلقة؟
    كانت الحركة - الانقلاب مع غياب التنظيم وبسط الديمقراطية، تتجه بثبات نحو تمكين الامنوقراطية وليس الاسلام. يقرر المؤلف: "الجهاز الوحيد الذي كان له من التماسك والانتشار والقدرة كي يتولي بعض مهام التنظيم السياسي الغائب كان جهاز الأمن. فقد أعطي النظام أولوية كبيرة لبناء أجهزة أمنية فاعلة للأسباب التي أسلفنا. وقد كانت هذه الاجهزة هي الوحيدة المطلعة علي كافة ملابسات الوضع، والوحيدة التي تملك حرية الحركة الكاملة، والوحيدة القادرة علي تأمين قنوات الاتصال بين جميع المراكز الفاعلة في النظام. ومن هنا أصبحت الأجهزة الأمنية تلعب الدور الأكبر ليس فقط علي صعيد تأمين الحكم، بل ايضا علي صعيد التنسيق السياسي." (ص46). واستوعبت أجهزة الأمن الجديدة أعدادا كبيرة من الاسلاميين في صفوفها. وهذا وضع عادي حسب المؤلف لانه لم يختلف عن باقي الاجهزة الحكومية: "ولكن الاختلاف كان فب النوعية التي تم اختيارها وطبيعة المهام التي اوكلت لها. فقد كان لدي جهاز الامن موارد أكبر نسبيا من باقي المؤسسات، كما أن روح المغامرة فيه والنفوذ المتزايد استهوى كثيرا من الشباب." (ص46-47).
    عمليا - يري الافندي - أن جهاز الامن اصبح أقرب ما يكون الي التنظيم الحاكم في الدولة الجديدة. خاصة، وقد ضم أكثر الاعضاء حماسا وتفانيا في الدفاع عن النظام. وهذا مبرر ضمني للتجاوزات فهي قد تكون "حماسة شباب مندفع" وليست سياسة حزب ودولة. ويذهب أبعد من ذلك في التدليس، حين يقول بأن الوضع هذا أملته ضرورات ملحة، كان أهمها: "هو السعي لتجنب الافراط الثوري!" (ص47). وهذا الحل الأمني - حسب قوله -جنب السودان، منطق التحول الثوري، كما عبر عنه جاكوب بيركهارد وآخرون، والذي يحتم أن تتحول الثورة من تطرف الي تطرف أكثر حتي تتحول الي حكم استبدادي. ويستفيد الكاتب من قدرة اللغة العربية علي تزيين القبح من خلال اللعب بالكلمات، يقول: "واذا كان السودان جنّب مشاهد العنف ونصب المشانق في الطرقات فان هذا لم يمنع بعض العناصر من معاملة الخصوم بأساليب هي المقابل السلمي للعنف الثوري.الفرق هو أن هذه الأساليب، وان كانت
                  

10-22-2011, 02:54 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: أخف وطأ من العنف المكشوف، الا أن العذر لها والتبرير أصعب". (ص47) ولا أدري كيف كان يرتاح ضمير المدافعين عن النظام في مطلع التسعينيات ويتصدون لتقارير منظمات حقوق الانسان بكل جرأة ومكابرة. وللمفارقة كتب الافندي لاحقا مقالة اقرب الي تلك التقارير، دفاعا عن المدير التنفيذي لمنظمة الدعوة الاسلامية: الامين محمد عثمان. وقد كان عنوان المقالة: "زوار الفجر في الخرطوم يأتون عنـد الحر تمامـا"، (القدس العربية 18/6/2002) ويتحول "المقابل السلمي للعنف الثوري" الي مثل هذه الافتتاحيات:
    "المشهد يصلح لأن يكون من كافكا، ولكن بعد أن بكون الكاتب قرأ: مزرعة الحيوان لأوريل وتأثر بها. ضابطان من جهاز الأمن يطرقان باب الشيخ الكبير في موعد صلاة الفجر ويبلغانه أن مسؤولا كبيرا في الدولة..." وهكذا تمضي القصة الغرائبية التي كان تراها الكوادر الاعلامية الاسلاموية من مكونات المؤامرة الغربية حين يتصدون للرد علي اخبار التعذيب وبيوت الاشباح في السودان.
    ويأتي النقد متأخرا حين بدأ سلوك النظام الاسلاموي يحرج الحركات الاسلامية الاخري، حين تنتقد النظم الحاكمة في بلادها. واعتبر الافندي - بعد ست سنوات عاني خلالها الويلات والاذلال من حكم الاسلامويين؛ أن ما حدث "مأساة مضاعفة"، وذلك: "لأن الحركة الاسلامية السودانية كانت ولا تزال الحركة الاسلامية الوحيدة في المنطقة القادرة علي الاجتياز بالامة من صحراء الشقاق وجحيم الاغتراب عن الذات والعبودية للآخر، الي واحة الحداثة الاسلامية التي تمثل التعبير الافضل عن الهوية الاسلامية في العالم المعاصر". (ص138) ولكن الحركة ساهمت في نسب العنف والاستبداد الي الاسلام وعجزت واقعيا عن تقديم نموذج الاسلام الحديث، الذي يتغني الافندي به، لفظيا فقط.
    ويتكرر الحديث كثيرا عن الديمقراطية والتحديث. وكأن مراجعة الافندي هي مرافعة عنهما. ويقدم وصفة يري فيها الحل وخروج الحركة الاسلامية السودانية من مأزق حكمها الشمولي. ويظن أن السودان قد يكون البلد الوحيد في العالم الاسلامي الذي تطابق التحديث فيه مع مزيد من الاسلمة والتعريب. ومن الواضح أن هذا الحديث شديد العمومية، فلنترك السودان الكبير ونتابع التحديث في الحركة الاسلاموية وفق رؤية الافندي. ومن البداية نلاحظ عشوائية المفاهيم وعدم دقتها، فهناك خلط بين عند استخدام مصطلحيّ: الاصلاح والتحديث. فعلي سبيل المثال، يكتب: "ومن هذا التفاعل بين الاحيائية الصوفية والتحديث الاسلامي ولدت الحركة المهدية، التي انبثقت من رحم الطريقة السمانية، ومن الرفض الشعبي لـ(التحديث) الذي سعت اليه الادارة التركية المصرية". (ص86) هذه تركيبة مدوخة من الحركات والايديولوجيات كلها ليست ذات صلة بالتحديث كمفهوم اجتماعي. ويلج دون تحديد تعريف للتحديث في تحليل تطور الحركة الاسلاموية السودانية، مصرا علي الصاق صفة التحديث بها. وفي التاريخ الذي اورده يظهر التحالف المستمر بين الاسلامويين والطائفيين، فأين الفرق بينهما مع وجود قاسم مشترك باستمرار؟ وحتي اليوم لم تحدث قطيعة فكرية عدا الاختلافات السياسية القابلة للمساومات. والاسلامويون الذين يتحدثون عن "الاجهاز علي هياكل الطائفية السياسية" (ص94) يتحالفون الآن مع الطرق الصوفية وانشأوا: أمانة الذكر والذاكرين، في المؤتمر الوطني. ولكن في نفس يصر علي طرح اسئلة التحديث وعقد المقارنة مع الآخرين. ويكتب بلا تردد: "لا يختلف برنامج الاسلاميين الذي يجري تطبيقه حاليا عن برنامج اليسار في السبعينيات الا في أنه أكثر فعالية وأبعد أثرا". (ص 101)
    ويطرح الكاتب التحدي الخالد الذي يواجه المشروع الحضاري الاسلاموى، بل أغلب نظم العالم الثالث، وهو: "كيفية خلق هذا التوازن الضروري بين التحديث الحتمي والديمقراطية التي لا غنى عنها، وبين تقاليد المجتمع ومؤسساته التي يحرص عليها". (ص102). وهذا هو نفس التساؤل المتكرر: الاصالة والمعاصرة، أو تناقض التحديث مع الحفاظ علي تقاليد المجتمع. وفي الدولة الدينية، رغم رفض الاسلامويين للوصف، فهي كذلك لأنها تتميز عن بقية النظم السياسية بجعلها الدين مرجعيتها. واستغرب كثيرا لهذه المغالطة، اذ بينما يؤكدون عدم الاستحياء من تطبيق الحدود من قطع وجلد، فما الذي يجعلهم يرفضون صفة الدولة الدينية؟ ومن يحكم بالشريعة، عليه أن يقبل فرضية ابن خلدون: "واعلم ان الدنيا واحوالها كلها عند الشارع مطية للآخرة، ومن فقد المطية فقد الوصول".(ابن خلدون 256)
    ظل الاسلامويون يرجحون تطبيق الشريعة الاسلامية حين يكون الاختيار بينها وبين الديمقراطية والتحديث. فقد تحالفت الحركة مع زعيمي طائفتيّ الختمية والانصار منذ تشكيل "الجبهة الاسلامية للدستور" عام 1955، ولعبت دور جماعة ضغط وكان هذا سقف طموحها التنظيمي. وساندت قوانين سبتمبر 1983 التي اصدرها الجنرال جعفر النميري، ولم تكن القوانين مقترح الحركة ولا واضعتها، وقايضت الشريعة بقبول ومباركة الشمولية. ومن الملاحظ ان تطبيق الشريعة في السودان لم تقم به، مطلقا، قوى حديثة أو ديمقراطية. وظهر تحول الحركة السريع الي تأييد النميري أو حسب المؤلف: اصبح الاسلاميون فجأة في موقع الدفاع عن الوضع القائم بدل الدعوة لتغييره. (ص110-111). فمن الواضح أن الديمقراطية لا تشكل أولوية لدي الاسلامويين. ومع ذلك، يقول بأن التوجه الاسلامي "وضع الاسلام علي قمة الاجندة السياسية، وربط التحديث والبناء القومي بالاسلام". (ص111).
    ويعترف (الافندي) بأن نمو وتوسع الحركة منذ المصالة عام 1977، تم علي حساب المبادئ. (ص172) واصبحت الحركة تشبه خصومها من الطائفية، أو- حسب لغته - هبطت الي مستوي خصومها (ص173) ويرصد بعد المصالحة وبالتحديد بعد العام 1978، تحولا أساسيا في بنية الحركة والعقلية السائدة فيها. فقد كانت حركة ايديولوجية صغيرة تقوم علي المبادئ - كما يقول - ولا تعد اتباعها الا بالتضحيات. ولكن الوضع تغير بعد مشاركة الحركة في الحكم، أصبحت تتحكم في مؤسسات مالية ضخمة: "وفجأة تكاثر الانصار وانتشروا، وتبدلوا من التشرد والسجن والفقر غنى وجاها ونفوذا" (ص174) وأصبح توزيع المناصب والمزايا عاملا مهما في الوضع الداخلي للحركة: "وباختصار دخل الصراع علي المزايا الدنيوية الي لب العملية التنظيمية للحركة وأصبح ركنا هاما في اعتبارات الاعضاء". (ص175) ولكن الافندي - الناقد يأبي الا أن يجاري الاتجاه المنتشي بالنجاح بغض النظر عن الوسائل: الغاية تبرر الوسيلة. وهنا يستوي المفكرون مع "الدهماء"، يكتب: "المهم أن تلك المرحل مرت بخيرها وشرها، ومهما قيل عن الاستراتيجية ونقائضها وسلبياتها فانها نجحت في نهاية المطاف في اقامة دولة في السودان اعلنت التزامها بلاسلام وقيمه." (ص175) والدليل علي نشوة الانتصار وتحقيق الهدف، قررت الحركة حل نفسها والذوبان في النظام الجديد.
    يري الافندي أن حلم الاسلاميين قد تحقق رغم كل الظروف. وبقيت المشكلات قائمة امام التطبيق الاسلامي. وظلت القضية الأولي هي: ما هي وضعية غير المسلمين في الدولة الاسلامية وكيف يمكن تحقيق المساواة القائمة علي مبدأ المواطنة في ظل قوانين دينية؟ وهذا السؤال اجاب عليه استفتاء اتفاقية نيفاشا 2005! والقضية الثانية تتعلق بالديمقراطية، ويسأل الكاتب: "وكيف يمكن أن تعلن ساطة استبدادية مثل حكومة النميري قوانين اسلامية وما مدى شرعية مثل هذه القوانين واسلاميتها في ظل الوضع الاستبدادي؟ وماهي الآلية السليمة لتطبيق الاسلام وقوانينه؟" (ص112). والسؤال جاء بأثر رجعي، فقد هرعت الحركة الاسلاموية الي تأييد النميري بلا تحفظ. أما القضية الثالثة، فهي "تتعلق بالحقوق الاساسية التي يكفلها الاسلام للمواطن، وما هي هذه الحقوق؟ والي أي حد تتسق مع المطالب المعاصرة لاثبات حقوق اساسية للانسان والفرد لا يجوز لأي سلطة كانت التعدي عليها؟" (ص112). ويبدو أن هذه القضية تمثل مرجعية التحديث والديمقراطية عند الافندي، لذلك أفرد لها أربعة فصول من الكتاب. ويمكن أن نعود اليها، ونحدد لها حيزا منفصلا في المستقبل، عن حقوق الانسان في الاسلام. ولكنه يقرر قناعة هامة في الفكر السياسي حين يقول: "..أن مفهوم الدولة الحديثة القابضة والمسيطرة علي كل نواحي الحياة غريب علي الاسلام وقيمه وتقاليده". (ص205) وهنا يعلن عن ليبرالية ليس بالضرورة أن توصف بأنها ليبرالية - اسلامية. ومن هذا الموقف يمكن أن نفهم مقاله ذي العنوان الطريف: "متاعب المحافظين في بريطانيا والاسلاميين في السودان." (القدس العربي 14/10/1997).
    * * *
    هناك مشكلة تلازم اصحاب الايديولوجيات والعقائد، حين يحاولون النقد أو المراجعة. فهم يعلنون خروجهم من الحزب أو التنظيم لكي يضفوا علي مواقفهم قدرا من الحياد والموضوعية. فقد يخرجون من التنظيم ولكنه - هو - لا يخرج منهم. خاصة مع تمازج السياسي والفكري واحيانا الفلسفي داخل المرء، والمسألة شديدة التعقيد حين يتعلق الأمر بالاسلام الموصوف بالشمول والصلاحية لكل زمان ومكان. فالمؤلف قراءة دينية أو بالأدق اسلامية للتاريخ. وهذا موقف متوقع لمن يقرر: "الاسلام كان أعظم ثورة في التاريخ". (210) ويرجع ذلك ليس لانتصارات الجيوش الكاسحة، ولكن بسبب نشر رسالة بسيطة وسهلة؛ لخصها أحد الدعاة "في اخراج العباد من عبادة البشر الي عبادة الاله الواحد، ومن ضيق الدنيا الي سعة الآخرة". (ص210). ولذلك، نجد الافندي رغم حداثته، يستخدم منهج قياس فقهي في تناول التاريخ.

    التيجاني عبد القادر: تأصيل الفتنة ويوتوبيا الحل

    يعتبر التيجاني عبدالقادر من الاقلام الرصينة والعميقة التي تناولت نقد الحركة الاسلامية
                  

10-22-2011, 02:56 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: السودانية، ودون انقطاع لفترة طويلة حتي بعد مغادرته البلاد.
    وهو من المتحمسين للنقد الذاتي ويكاد يراه فرض عين، وذلك لأن الحركة مرت بها احداث عظام كانت تستلزم قدرا من التقييم والمراجعة، ويقول: "ان لم يكن من أجل تصويب الاخطاء والتكفير عنها فمن أجل منع تكرارها، ولكن شيئا من ذلك لم يقع، مع أن بعضا من قيادات الحركة الاسلامية، التي شاركت في صناعة الأزمة، يقو في جلساته الخاصة بوقوع أخطاء كثيرة صاحبت التجربة، ويقبل نظريا فكرة المراجعة والتقويم، ولكن لا تري أحدهم ينشط في الكتابه والنشر الا حينما يتعلق الأمر بتجلية جانب من سيرته السياسية، أو الدفاع عن مواقفه السابقة." (ص8) ويعتبر هذا مجرد نوع من ضروب "اعادة" كتابة التاريخ بقصد توظيفه سياسيا في المعارك الجارية. ويعلن أن تأليف الكتاب يهدف "لتحريك مراجعة نقدية صادقة لمسيرة الحركة الاسلامية بغرض التمكن من تصويب الرؤية واعادة البناء." (ص11).
    ويتميز (التيجاني) بمحاولة التنظير ثم التأصيل للنزاع بين الاسلامويين متجاوزا الوصفية الي المنهجية والاستشراف. وهو يطمح الي الوصول لتركيب نموذج يمكن تعميمه لدراسة ظواهر النزاع والخلاف بين الجماعات الاسلامية. كما يأمل في الوصول في النهاية الي "ملامح نظرية الاصلاح الاسلامي". (ص6). تواجه فكرة النموذج كونها تاريخية ونسبية وبالتالي تقع في أخطاء كثيرة عند التعميم. ويحد من التطبيق العام مشكلة خصوصية الحالات المدروسة، والكاتب مدرك لحدود تجريدية النموذج. وهذا لا يمنع مناقشة النموذج الخاص الذي استخدمه الباحث في دراسة نزاع الاسلاميين السودانيين.
    ومن المعلوم ان أي نظرية تقوم علي عدد من المفاهيم الدقيقة والتعريفات المنضبطة. ويورد الكاتب قائمة بالمفردات السائدة لوصف المشكلة والتي تتكرر كثيرا؛ وهي لفظ "الفتنة" و"الأزمة" و"النزاع". وقد كان لفظ (الفتنة) الأكثر استخداما واستحوذ علي أكثر من 34% من الترددات. ويراها مفردة اسلامية بالدرجة الاولي، ولا يستخدمها الماركسيون السودانيون والمجموعات السياسية الاخري الا سهوا. وهو رغم ذلك لا يراها وحدها كافية للوصف كأداة تحليلية مفيدة في المجال السياسي. ويقدم الكاتب عددا من التعريفات والاستخدامات القراءنية والاحداثيات التاريخية. ولكنه أغفل بعض التعريفات الأكثر دلالة وانطباقا علي حالة نزاع الاسلامويين السودانيين. اذ يشرح: مختار الصحاح (طبعة 1988 مكتبة لبنان، ص 2005) الفتنة هي الاختبار والامتحان، فتنه مفتونا ايضا اذا أدخله النار لينظر ما جودته. ويسمي الصائغ الفتّان وكذا الشيطان، والفاتن المضل عن الحق. وفي المصباح المنير (طبعة 1987 ص 175) الفتنة هي المحنة والابتلاء. وقد جاء في الأثر: "أن النبي (ص) خرج في أحد أيامه الاخيرة الي ظاهر المدينة وهو يقول: "اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها... الآخرة شر من الأولي". وأنه خاطب أهل المقابر في البقيع، من ضواحي يثرب، قائلا: هنيئا لكم ما أصبحتم فيه! (العلوى 1988:144)
    رغم أن مفهوم الفتنة تقليدي وقديم وديني وسيكولوجي أو بوصف أدق نفسي - باطني، الا أنه الأقرب لوصف صراع الاسلامويين خاصة لو تبنينا معنى الابتلاء والاختبار والامتحان. فقد كانت شهوة السلطة والثروة اختبارا وابتلاءا لم يصمد أمامه الاسلامويون، ورسبوا رسوبا ماحقا. ولكنني اتحفظ علي المفهوم لو كان يريد أن يقول أن الشيطان كان ثالثهم أو هو الذي أوقع بينهم - كما يقال دوما. فمفهوم الفتنة يحمل ضمنا محاولة تخفيف الذنب وتقليل المسؤولية علي الفاعل المباشر، فهناك دائما رائحة عنصر خارجي في الحدث، عندما نصفه بالفتنة. فالنزاع بين الاسلامويين كان بادراك ووعي ومذكرات ومؤسسات، وقادته صفوة الحركة ولم يظهر العامة ابدا، فهم - لو وجدوا - لن يستوعبوا النقاش وعلام الخلاف؟
    يقدم الكاتب نموذجا عنوانه: جدلية الفكرة والتنظيم والدولة، وأعتبر "الرؤية" متغيرا مستقلا ومهيمنا في العلاقة. وهي تمثل المرحلة الأولي والاساسية لأي جماعة سياسية اسلامية. وتبلورت بالنسبة للمجتمع المسلم الأول الذي بناه "الرسول (ص) في تعاليم الوحى وقيمه الأساسية المبينة لأصول الدين ومعنى الحياة وغاياتها". (ص38) والمرحلة الثانية فهي: التآليف القلبي، ثم الثالثة: التنظيم، والرابعة: الفتح؛ واخيرا: مرحلة ما بعد الفتح و"التمكن في الارض". (ص39) ولأهمية الرؤية في نظرية (التيجاني) فلابد لنا عند دراسة الحركة الاسلامية السودانية من الاجابة علي أول أسئلة البحث الذي طرحه، وهو: "ماهي طبيعة العلاقة (أو الرؤية المشتركة) التي جمعت بين عناصر هذه المجموعة؟ هل استطاعت هذه المجموعة أن تستوعب الفلسفة والمقاصد العامة لدين الاسلام، وأن تركب منها رؤية خاصة تلامس الواقع، ثم استطاعت أن تحول الرؤية الي تلاحم أوتآخي علي المستوى الاجتماعي الواقعي؟" (ص56-57). وطالما ادخلنا (التيجاني) في اجواء المناهج والنماذج والنظريات، فهي فرصة لكي نجيب علي السؤال امبيريقيا أو ميدانيا وتطبيقيا. وفي هذه الحالة نفكك العناصر التكوينية للحركة الاسلامية السودانية، ثم نسأل هل هناك رؤية تجمعها؟
    كانت الانطلاقة الأولي للحركة الاسلامية، عندما وجّه الاخوان المسلمون و"جماعة التبشير الاسلامي والاصلاح" الدعوة الي الهيئات الاسلامية في السودان لعقد اجتماع. وقد عقد الاجتماع في 10 و11 ديسمبر 1955 بام درمان، وحضره ممثلون للهيئات التالية:
    اتحادات الختمية - هيئات الأنصار - الاخوان المسلمون - أنصار السنة - خريجو المعهد العلمي - صوت الاسلام - جماعة القرض الحسن - الجمعية الخيرية الاسلامية - جماعة التبشير الاسلامي والاصلاح - نادي ام درمان الثقافي - جماعة المحافظة علي القراءن الكريم - جماعة اللواء الابيض - جماعة السيرة المحمدية... الخ (عبدالقادر 1999:111).
    وشهد ذلك الاجتماع تأسيس جبهة الدستور الاسلامي. وبعد أكثر من ثلاثين عاما، وفي منتصف ابريل 1985 وبعد اسبوع من انتفاضة ابريل، اجتمعت قيادة الحركة الاسلامية في منزل الشيخ حسن الترابي. وقامت بكتابة الاعلان التمهيدي لتأسيس الجبهة الاسلامية القومية، والذي جاء فيه :"الجبهة القومية الاسلامية تأسست علي الاسلام، فهي اسلامية ترجو أن تكون قومية تسع أهل السودان كافة (...) تنفتح لنخب الشعب وعامّته، لأهل الحضر والريف، ولاهل السبق في حركة الاسلام الحديثة وأهل العهد من أهل التصوف أو العلم أو تجارب السياسة في ملل وأحزاب أخري ولغير المسلم الملتزم بخلق التدين المؤمن ببرنامجها، ولكنهم يؤمنون اليوم بالاسلام خلاصا لأهل السودان".
    هذه هي اشكال الحركة الاسلاموية التي تضم اشتاتا من الافكار أقرب الي جبة الشحاذ. وبالتأكيد لا توجد أي رؤية ولكن كوكتيل من الآراء قد يجمعهم صندوق أو مواكب جماهيرية لمساندة القدس مثلا. ظل الاسلامويون جميعا حتي الصفوة وبالأصح بالذات الصفوة، فرحين باستمرار بالتمدد الكمي أو العددي للحركة ولم يهتموا بالرؤية التوحيدية الموحدة التي يراها الكاتب الاساس لأي حركة. ولم ينتبه للخلل الا بعد أن تم ايقاظ الفتنة بمذكرة العشرة. وتوقفت الحركة عند حد الشعارات المثيرة للعواطف، مثل: لا بديل لشرع الله. ولكن لم يقدم محمد يوسف محمد ولا حافظ الشيخ الزاكي ولا عثمان خالد مضوى ولا حتي فتحي خليل، بمسودة للدستور الاسلامي مع شروحاتها وهوامشها لاثارة النقاش والحوار وايقاظ العقل. ولولا مساهمة أحمد صفي الدين عوض، لظل هذا الجانب خاويا. ولم يتناسب كسب الحركة الفكري مع حجمها وصوتها العالي. ويبدو أن الشيخ حسن الترابي قد سدّ السبيل أمام الكتاب والمفكرين الاسلامويين، كما يردد الادباء السودانيون عن الطيب صالح في الرواية والقصة. ولكن أظن أن الترابي قد قام بالتفكير نيابة عنهم باعتبار أن الفكر في الحركة الاسلاموية فرض كفاية قام به الشيخ فسقط عن الباقين. ومن اسباب التدهور الفكري لدي الاسلامويين، أن "الرؤية" كانت سالبة منذ النشأة الأولي أي معاداة ومحاربة الشيوعية والشيوعيين في المؤسسات التعليمية والنقابات.
    ومازال الاسلامويون يعدّون حل الحزب الشيوعي في العام 1965 من أعظم انجازاتهم المجيدة، غير مهتمين بقبول الآخر والديمقراطية التعددية التي تحترم الاختلاف بالذات المتناقض معك مثل الشيوعية. فهذا هو الاختبار والمحك الحقيقي للقدرة علي ممارسة التسامح أو ما يدعي احيانا التحمل.
    حظي الانقلاب العسكري علي الديموقراطية بمباركة جميع الاسلامويين، وحتي من قيل أنهم صوتوا ضد القيام بالانقلاب، شاركوا في جني ثماره بعد النجاح. فهم كانوا يخشون الفشل وليسوا حريصين علي استمرار التجربة الديمقراطية. ورغم النقد االذي جاء متأخرا كثيرا، فقد دلّ تطور الاحداث علي مدى هشاشة العقيدة الديمقراطية في الضمير الاسلاموي. فالديمقراطية هي مجرد مطية - حسب لغتهم - للسلطة لا أكثر؛ أو لكسب قدر من التحرك وقت المحن، ويردد كل الاسلامويين ادعاء وجود خطر علي البلاد وعلي الحركة. ويورد الكاتب التصور السائد آنذاك: "أن انقلاب 30 يونيو 1989 هو اجراء فني محدود أملته الضرورات الأمنية والسياسية التي كانت تحيط بالسودان وبالحركة الاسلامية خصوصا وما صاحب ذلك من خطر ماثل علي المصالح القومية". (ص60)
    ويمكن القول بأن الحركة الاسلاموية هي أكثر القوى السياسية استخفافا بشعبها وعدم احترام له. وهذا موقف متوقع بسبب الحق الالهي الذي تستند عليه فهي تقرر وتحكم باسم الله. ويرفض بعض الاسلامويين فكرة السلطة للشعب ويعتبرها كفرا، لأن الحاكمية لله. ويمكن فهم عدم اهتمام الحاكمين بالنقد الذي يوجه لهم في الصحف وأجهزة الاعلام، ولا يعطون أي قيمة لرأي الشعب. أما الدليل الدامغ لهذا الاستخفاف، فنجده في طريقة "هندسة" الانقلاب. اذ تتحدث وثائقهم عن خطة التمكين التي تقوم علي مراحل متدرجة هي: "مرحلة التظاهر بالقومية، ثم مرحلة اعلان الشريعة، ثم ظهور الرموز الاسلامية شيئا فشيئا وفق الاطمئنان الي رسوخ التمكين، وأن ادارة هذه المراحل قد تركت الي الأمين العام ونائبه والمسئولين العسكريين - دون حاجة الي بقية اعضاء المجلس التنفيذي الذي فوض صلاحيته الي هؤلاء،
                  

10-22-2011, 02:58 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: دون حاجة الي مجلس الشورى الذي حلّ نفسه!" (ص63). وأدي جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة الملتزمين ورئيسه قسم الولاء والعهد امام الامين العام للحركة بالتزام خطة الحركة وقرارها. ولكن بعد مرور السنوات الثالثة الأولي لم تطبق الخطة بل جري تعديل باقتراح جديد: "أن يبقي رئيس مجلس قيادة الثورة في موقعه لأن فيه ما يحقق ذات الغايات التي يمكن ان يحققها الأمين العام"، ويذهب التعديل أبعد من ذلك حين يطلب بان "يهيأ رئيس مجلس الثورة باللازم حتي يصبح هو نفسه أمين عام الحركة!" (ص3-64) ويخلص الكاتب الي ظهور "رؤية" د. الترابي مقابل "رؤية" البشير وآخرين. وهذه بداية "الفتنة" حسب رأيه، وهي تعبير عن "شراكة الضرورة القبول بامارة "الاستغلاب". فقد كانت الخيارات، اما أن يقوم العسكريون بانقلابهم الخاص دون الاستعانة بالحركة أو أن يقوم عدد محدود من الضباط الاسلاميين بالانقلاب ثم ينصبون الأمين العام للحركة الاسلامية رئيسا". (ص65) فكانت الشراكة سابقة الذكر وتوابعها.
    جاء عنوان هذا الجزء في الكتاب في شكل تساؤل: العسكريون الاسلاميون أمناء علي السلطة أم شركاء فيها؟ (ص60) وقد عرف الاجابة وجاءتنا جميعا من مسيرة الواقع، ومرة أخري يثبت العسكر انهم أذكي او بالأصح أكثر دهاءا من الانتلجنسيا الملكية. ولكن (التيجاني) مثل (المحبوب) أن عسكرهم ونخبتهم المنحازة لهم، بسبب اسلاميتهم، سيكونون أكثر نقاءا. "لم يكن منا من تصور أن (زكام السلطة) سيصيب (نخبتنا) الاسلامية الصاعدة كما اصاب النخبة المايوية المتهاوية، وسائر نخب اليسار العربي، ولكنها فيما يبدو سنة ماضية". (ص73). ويري العسكر في عهود الانقلابات أنهم قدموا تضحيات كبيرة تستحق التقدير والمكأفأة. وأذكر دائما المفاخرة المتكررة لدي عسكر مايو: "نحن الذين حملنا رؤوسنا فوق ايدينا صبيحة الخامس والعشرين من مايو". وكان بعض المثقفين يسخرون منهم بالرد: "نعمل ليكم شنو يعني لو شلتو رؤوسكم الفاضية دي!" وكان هذا رأيّ المثقفين في شركائهم الذي علقوا في النهاية الرؤوس "المليانة" في حبال المشانق بلا رحمة. والآن يجولون بـ"الامام المظلوم" من معتقل الي آخر دون اعتبار لأي شىء.
    صفة الامام "المظلوم" ليس من عندي تماما، فقد نحتّ المصطلح من التحليل الذي قدمه الكاتب لحالة الشيخ عقب المفاصلة. فهو يري أن الشيخ ظلم مرتين: "مرة من المعارضة الخارجية التي لم تتفهم أطروحاته المعتدلة، فتظل تتهمه بالأصولية وتحاسبه بكل سيئاتها في كل العهام الاسلامي، ومرة ثانية من قبل (تلاميذه) الذين جاء بهم الي الحكم فصاروا يتنكرون له ويتشككون في قدراته ويتجسسون علي تحركاته". (ص72)
    ويدخل الشيخ في دور شخصية شكسبيرية، فقد استطاعت مجموعة من تلاميذه "الاوفياء" الذين تخطتهم التعيينات الوزارية أو أخرجتهم الموازانات السياسية، أن يعودوا، في مثل هذا المناخ النفسي. تمحور هؤلاء حول الشيخ: "ويوحون له بأن مرحلة (الامام العالم) قد أطلت، وأنه لا أحد غير (صاحب المشروع) يستطيع أن يقود دولة المشروع". (ص72) ويزعم الكاتب أن هذه المجموعة "هي التي ساعدت من (خلال المناجاة والنميمة) أن ترفع التوتر والتوجس الي مستوى فقدان الثقة والعداء الكامل بين الطرفين". (ص72) ويؤرخ من تلك اللحظة لظهور البطانات لدي الطرفين والتي تحجب الوصول والاتصال بالشيخ أو الرئيس. ودخلت المجـال السياسي والتنظيمي، ما يسميها "الأطراف الجديدة المصنعة" والجماعات الوظيفية المساندة لها، وصارت تقوم بأدوار مؤثرة في تصعيد النزاع، وفي قيادة الحركة الاسلامية والدولة. ويحكم علي هذه الاطراف الجديدة بأنها: "لن تكون مهتمة بالفكر الاسلامي أو الشورى القاعدية أو العدل الاجتماعي مثل اهتمامها باستعادة السلطة المسلوبة أو تثبيت السلطة المغصوبة. وسيستمر الصراع المحموم بين الطرفين، وستظهر آثاره المدمرة تارة في دارفور وتارة في أسمرا، ولا نملك نحن بالطبع أدوات توقف هذه الحماقات والجنون." (ص72).
    لابد أن يقف القارئ لدي وصف (التيجاني) لاطروحات (الترابي) بالمعتدلة، بالذات في تلك الفترة المبكرة من الانقلاب. فقد كان منتشيا ويحلم بتكوين أممية اسلامية أو حتي امبراطورية. ولا أدري كيف يقييم ذلك الاكاديمي الحصيف والرصين تلك الاطروحات أم أغشي بصره ضباب الايديولوجيا؟ فقد كان يؤمن بتصدير الثورة، ولنقرأ بعض تصريحاته:
    "لكنني أري بوضوح أنه حان وقت قطاف كل الأنظمة، ليس لأنها بليت من العمر فحسب، ولكن لأنها فرغت أيضا من كل أصولها، حتي ولو استثنينا قضية فلسطين، اذ أن بعضها كان مؤسسا علي تاريخ ديني، وبعضها الآخر مؤسسا علي تاريخ حمية وطنية وثورية وقومية (...) هذا بالنسبة الي السلطة. أما من الناحية الاخري، فان الشعب أصبح الآن أقوي بوعيه الاسلامي من الدولة. وتدفعه طاقة الايمان وهي أشد من طاقة الدفع السياسي سواء كان يساريا أو قوميا أو غير ذلك. فالواقع الديني يدفع الانسان الي الموت في سبيل الله، في حين ان الدوافع الاخري تدفع نحو السلطة أي نحو متاع الحياة الدنيا". (مجلة شؤون الاوسط، عدد 38 فبراير 1995، ص26-27).
    رغم اختلاف المنظور الفكري، فقد أعجبني عرضه لتداخلات الحداثة والقبلية في العقل والممارسة بين صفوف الحركة الاسلامية. فهذا تناقض رئيس وتعايش يكاد يكون مستحيلا بين الأسلمة والتحديث. فالحركة بسبب اسلاميتها وسودانيتها، فالفكر الاسلامي لم يستطع تمثل أو التكيف مع كثير من القيم الحديثة بالذات في السياسى والحكم. ويرجع ذلك الي اختلاف الجذر الفلسفي للاسلام والحداثة، وبالتالي التطور في خطين متوازيين يصعب أن يلتقيا وحتي اليوم لم تنجح جهود التوفيق أو التلفيق بين الرؤيتين. ويقدم الكاتب ملاحظات ذكية ودقيقة لا تلفت انتباه كل شخص، مثل لقائه الأول مع الترابي والذي أبدي فيه الاخير قدرا كبيرا من الجفاف والرسمية. ويفسر هذا السلوك باعتباره نمطا "من أنماط القيادة الرشيدة التي تقود المؤسسات العقلانية الحديثة". (ص116) ويلاحظ أن (الترابي) قد تراجع عن نموذجه الحداثي الهش وتراجع عنه فعليا، يكتب (التيجاني) ممسكا بالظاهرة: "حيث صار بعد عقود من السودنة يتقبل لقب الشيخ هاشا باشا، واذا قدر لك أن تراه بالملفحة والمركوب الفاشري وهو يستقبل زعماء الريزيقات والمسيرية والزغاوة والبرتو ويأخذ منهم البيعة، لرأيت الحداثة وما قبلها يجتمعان في المنشية". (ص117) وهكذا بدأ التحول الاستراتيجي من التنظيم الحديث الي القبيلة. ويحكي الكاتب ان (الترابي) سأله ذات مرة ان كان ينحدر من شخص زعيم، شيخ أو عمدة أو نحو ذلك من الزعامات. وعندما اعطاه الانطباع بأنه عاطل من هذا التراث، صار (الترابي) يصنفه كـ"مفكراتي" وهذا مصطلح يستخدمه (الترابي) ثم يردده بعض المقربين في مكتبه التنفيذي "اشارة تهكمية الي كل من ليس له تجذر في النسيج القبلي، أو القطاع الاقتصادي، أو الأمني، فقد كانت المرحلة كما اعتقد مرحلة تحالف استراتيجي بين دوائر ثلاث متداخلة: القبيلة، والسوق والأمن" (ص117)
    يكون السؤال هنا: ما الذي يميز الحركة الاسلامية عن الاحزاب التقليدية التي تهاجمها وتعمل علي استبدالها حين تحي القبلية مجددا؟ هذا ما أردده عن الحركة التي تريد الوصول الي نموذج حديث بأدوات تقليدية عتيقة. ويشير الكاتب الي نقاشات شيقة وهامة دارت في السجن، علينا أن نسترجعها بعد أن انفصل الجنوب عن الشمال. وكان الحوار حول: "هل سيظل السودان برغم حدوده الجغرافية الراهنة، وبمجموعاته السكانية المتنوعة، وثقافاته المختلفة، قطرا واحدا تحت نظام اسلامي حديث، علي اختلاف في درجة الحداثة ونوعها؟" (ص120). ويحدث التحول الذي يبذر احدي بذور الفتنة، ويكمن في تحالف الثالوث: القبيلة، والسوق، والامن. وكان (التيجاني) يخشي ان تبتلع القبيلة تنظيمهم الاسلامي الحديث ويتم ذلك بأن: "يتلاشي في انساق من التحالفات والترتيبات والموازانات التي تتلاقي فيها المصلحة الاقتصادية، والانتماء القبلي، وتحرسهما شبكة من الكوادر والتدابير الأمنية اذ أنه بدلا من أن يضعف التنظيم الاسلامي الولاءات القبلية أو ينجح في ادراجها في الولاء الاسلامي العام فقد تتكاثر بعض العناصر القبلية داخل تنظيمنا الاسلامي وتستخدمه (مستقوية بالأجهزة الأمنية) لمصالحها الجهوية والعرقية". (ص123). وكانت اليوتوبيا التي يحلم بها (التيجاني) وأمثاله الذين يشغلهم الفكر احيانا، أن تكون وظيفة التنظيم هي: "أن يسد الفجوة بين المثال الاسلامي والواقع من جهة، وبين الدولة والمجتمع من جهة أخري، أي أن يكون مساحة يستولد فيها برنامج اسلامي وطني تنموي يقوم علي الطوع والتراضي". ولكن هذه الرؤية لم تتحقق، لأن التنظيم ازيح مثلما ازيحت حكومة الاحزاب، وأصبح الاتصال بين الحكومة وفئات المجتمع يتم غالبا من خلال الأجهزة الأمنية، وصارت جميع الملفات تتحول بصورة منتظمة الي الأجهزة الأمنية. ونحن أمام ظاهرة "أن يبتلع تنظيم اسلامي من قبل الاجهزة التي أوجدها" ويرآها الكاتب غريبة: "اذ كيف تهيمن عناصر أمنية علي تنظيم اسلامي يقوم أساسا علي عقيدة في الدين يؤمن بحرية الانسان وكرامته، وكيف تهيمن عناصر فرعية ناشئة علي تنظيم اسلامي عتيق ظل هو نفسه يعاني من وطأة اضطهاد ومطاردة الأجهزة الأمنية ردحا من الزمن". (ص124).
    امتدت جمهورية الصمت - كما يقول سارتر - حتي عام 1995، ولم نسمع حينها أي صوت يدين بيوت الاشباح والتعذيب وانتهاك بل كانوا يرددون تهمة الأمن، ان لم يكن هم الذين صاغوه، اعتبار حملات الدفاع عن حقوق الانسان جزءا من استهداف السودان. لم يحتج التيجاني ولا الافندي (الا بعد صدور كتابه عام 1995) ولا الطيب زين العابدين ولا المرحوم محمود شريف، خشية علي النظام الجديد من السقوط. والاجابة علي الاسئلة السابقة نجدها في هذا التواطؤ المثقف، وتفرعن الفرعون بفضلهم.
    ونرافق المؤلف في رحلة دور السوق في المشروع الحضاري وفي الفتنة. فقد ابتلع السوق أو العقلية التجارية، ما تبقي من التنظيم الاسلاموي. وسبق مناقشة موضوع الاسلام والخيار
                  

10-22-2011, 02:59 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: الرأس مالوي. ويثير الكاتب الاهتمام حين يبحث عن كيف بدأت العلاقة بين التظيم والسوق؟ وفي أي اتجاه تطورت والي أين تقود؟ ويعتقد أن بداية هذه العلاقة تعود الي فكرتين يري أن احداهما صحيحة والأخرى خاطئة. أما الأولى الصحيحة فهي: "أن اصلاح المجتمع السوداني أو اعادة بنائه علي قواعد الاسلام وهديه (وذلك هو الهدف الأساسي للتنظيم) يستلزم تجديدا في الفكر الاسلامي ذاته، تتمخض من خلاله رؤية تحريرية - تنموية، يتوسل بها لانتزاع الانسان السوداني من براثن الجهل والمرض والفاقة، وذلك من خلال بناء نماذج في التنظيم والقيادة، ونماذج في المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية". (ص136) ولأن الفكر الديني يتميز بالمثالية - حسب الفهم الفاسفي - فهو لا يبتعد كثيرا، في احيان عديدة، عن الخيالية.
    والحماس الديني والحمية العقدية يجعلان الخيالي ممكنا، وهذا ما قد يحفز الفرد للاستشهاد أو العمليات الانتحارية. وتظهر هذه الخيالية أو المثالية المحببة في السياسة والحكم، فقد تكون النفوس كبارا ولكن الامكانات والقدرات شحيحة ومحدودة. فقد دخل بعض الاسلامويين الي عالم المال بدون الرؤية السابقة وهم أقرب الثانية التي يراها المؤلف خاطئة، ولكنها ممكنة.
    وترى الفكرة الثانية الخاطئة: "أن التنظيم لا يكون قويا الا أذا صار غنيا، ولن يكون التنظيم غنيا في ذاته وانما يكون كذلك اذا استطاع أن يأخذ بعض المنتسبين اليه فيصنع منهم أغنياء، بأن يضعهم علي قمة المؤسسات الاقتصادية: مدراء للبنوك، ورؤساء لمجا لس الادارات والشركات، ومستشارين قانونيين، وفقهاء شرعيين ملحقين بالبنوك". (ص137) وسادت هذه الرؤية حتي ولو كانت خاطئة، لأنها الأريح والأسهل والأكثر جاذبية. والدليل علي هذا أن تولد في الحركة "مكتب التجار" ليكون بمثابة الأصابع التنظيمية في السوق. (ص137). ومع مجئ الانقاذ وقع التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية والمؤسسات الاقتصادية في الدولة: "فمن مديرا لبنك البركة صار وزيرا للمالية والاقتصاد، ومن كان مديرا لبنك فيصل صار محافظا لبنك السودان." ويقول الكاتب أن جميع هؤلاء - حسب المؤلف - لم يعرف لأحدهم اسهام أصيل في الدراسات الاقتصادية، أو رؤية عميقة للتنمية الاسلامية"؛ وقد جمعتهم المعرفة الشخصية والذكريات المشتركة في الدراسة والتنظيم. كونوا جماعة أو نخبة اقتصادية مغلقة ادارت الاقتصاد السوداني "كأنما هو شركاتهم الخاصة". (ص138) وفامت هذه الفئة الاجتماعية الجديدة أو النخبة الاقتصادية رسملة الاقتصاد السوداني أو بلغة أدق استتبعته بالرأسمالية العالمية تحت غطاء اسلاموي. ويكثر الكاتب من الادانة الاخلاقية لهذه الفئة، رغم أنه لا يعترض علي الغنى، فالمال الصالح للعبد الصالح، ولكنه يعترض علي الكيفية أو الطريقة التي اغتني بها هؤلاء. ولكن في هذا البلد الفقير والمتخلف، هل توجد طريقة أخري غير فاسدة؟
    يقدم المؤلف تعريفا في شكل حقيقة تنسب للحركة الاسلامية، أراها جديدة تماما في التعريف والتوصيف. ففي معرض بحثه عن الكيفية التي تحولت بها تلك البروليتاريا الاسلامية التي كانت تسكن بيوت الجالوص - وفق افادته - الي ما يشبه حالة البورجوازية؛ يصل بنا الي التناقض الأساس التي وصلته الحركة مع استيلائها علي السلطة. فهو يقول أن كثيرا منهم لم يأت الي الحركة الاسلامية، ويفني فيها زهرة شبابه - كما يقول - في خدمتها من أجل الحصول علي الثروة ولكن من أجل العدل الاجتماعي. وهنا يقطع الكاتب بلا أدني تردد بأن الاسلامويين انفصلوا من انتماءاتهم السابقة من أجل هذه القضية فقط، ولم يتصلوا بالحركة الاسلامية الا من أجلها. ومن العجيب انني كنت اشعر باستمرار بأن قضية العدالة الاجتماعية ولا أقول الاشتراكية هنا هي كعب أخيل الحركة الاسلامية السودانية. فالشيخ الترابي رغم كتاباته الغزيرة لم ينشر أي اصدارة حسب علمي عن العدالة الاجتماعية رغم انه أفرد اصدارة للمرأة وللفن. بل العكس، لديّ احساس ولا أقول يقينا بأن الحركة تبنت موقفا عدائيا من الموضوع لأنه يتلاقي مع طروحات الشيوعيين واليساريين، وكان عليها في زمن الحرب الباردة أن تتميز عنهم. ويعود العداء التاريخي مع حركة التحرير الاسلامي بقيادة بابكر كرار بسبب ميولها "الاشتراكية"، والتي عارضت تسمية "الاخوان المسلمين" عام 1954 لاختلاف الخطين. ونقرأ في سيرة كرار: "وعارض ذلك جناح بابكر كرار وميرغني النصري باعتبار ان موقف التحرير الاسلامي موقف تقدمي علي الآخرين. حيث كان الاخوان المسلمون يؤمنون بالرأسمالية، في حين يؤمن أعضاء التحرير بالاشتراكية والعمل السياسي الديمقراطي. وبما أن التوجه القوى العام كان مناهضة الفكر الشيوعي، فان ذلك لا يتم الا بتوجه اسلامي قوي وبقيم عظيمة اقتصادية وسياسية واجتماعية". (نادية يس، 2005:104) فلا تحزن ياسيدي فهذا التطور المتوقع كما تقول السخرية الشعبية: الكيزان دخلونا الجامع ودخلوا هم السوق! وبالفعل صارت الحركة مثلما خشي عليها لأنها لن تستطع تدارك نفسها فقد جرفها تيار قوة المال والسلطة، يقول: "واذا لم تتدارك الحركة الاسلامية نفسها بصورة جادة فانها سرعان ما تجد نفسها منقادة بقوى السوق، وسيكون أرقي مكاتبها هو مكتب التجار، وستكون أنشط عناصرهم هم المقاولون ورجال و(سيدات) الأعمال، الذين يكون انشغالهم بالأرصدة والصفقات أكثر من انشغالهم بالكتاب وبالناس وبالقسط الاجتماعي". (ص141). ويطلب من الحركة الاسلامية أن تكف عن تعلقها بالنخبة الرأسمالية، وأن تعلق أملها بالله وبالناس (ص151) وهذا مجرد وعظ لا يليق باكاديمي رصين، فهو يتحدث عما يجب أن يكون ما قد كان فعلا، وهناك فرق شاسع بين التاريخ والامنيات.
    وفي الختام، يطل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سؤال ما العمل؟ ويكتب عن ذلك فصلا تحت عنوان: نحو استراتيجية جديدة. ومن البداية، يري أن الفصيلين الاسلاميين المتناحرين: المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، يسيران في اتجاه التدمير المتبادل. لذلك فهو يتنبأ: "أن تيارا اسلاميا ثالثا سيولد، وستتولد فيه قيادات، وتتكتل حوله قوى اجتماعية جديدة، لتبدأ دورة جديدة من دورات العمل الاسلامي الرشيد". (ص188) وهنا يدعو بصراحة الي المراجعة والنقد ثم يبحث عن القوة الدافعة التي ستقوم بمهمة التغيير. وهي هذه المرة ليست القيادة الكارزمية أو الفعّالة، بل: "هي ما تنتجه من سبائك ثقافية/ اجتماعية جديدة تقوم علي المؤاخاة الروحية والانفتاح العقلي (...) هو انتاج واعادة انتاج هذه السبائك الاجتماعية القائمة علي الوضوح الفكري والتآلف الروحي والالتزام الاخلاقي والتأهيل العلمي والمهني، والتي تسعى بدورها الي الانصهار في وحدات اجتماعية أوسع". (ص201) في البدء، لابد أن نفرق بين الواقع والمثال ثم نعي كيف يعمل التاريخ؟ وهنا نؤكد علي القول الفلسفي العميق: انك لا تنزل النهر الواحد مرتين. ويستحيل أن يعيد التاريخ نفسه، خاصة حين يكون قد اعطاك في المرة الاولي الفرصة الكاملة. وفي لقاء تلفزيوني جمعني مع الاخ (التيجاني) قلت باستحالة بعث أو تجديد الحركة الاسلامية بسبب تغير الظروف. وقد كان تعليقه شديد الطرافة: نحن نريد احياء الحركة وناس (فلان) يريدون أن يهيلوا عليها التراب. وفي الحقيقة لقد هالت الحركة الاسلامية علي نفسها يوم أن قررت اللجؤ للانقلاب العسكري. والأهم من كل ذلك، هو استحالة تشكل "السبائك" البشرية لاسباب كثيرة، ذكر بعضها المؤلف، يقول: "..ان عملية الانسحاب والاحلال التي بدأتها الحركة الاسلامية لم تؤد الي اصلاح القديم أو الي تقوية الجديد بقدر ما أدت الي بعثرة وتلاشي الرصيد الاجتماعي الاستراتيجي الذي ستحتاج اليه الحركة الاسلامية الحديثة ذاتها في مرحلة الدولة ومابعدها". (ص166) فالقيادات الجديدة التي تمت تنشئتها في التنظيم الاسلامي الحديث، وفق قوله: "لم تعد قادرة بحكم تطلعاتها الجديدة وامتيازاتها المكتسبة علي العودة الي التكوينات الشعبية الاجتماعية القديمة بغرض اصلاحها، كما لم تعد قادرة من جهة أخري علي تفكيك دولة ما بعد الاستعمار واعادة تأسيسها، بل ان دولة ما بعد الاستعمار هي التي استطاعت أن تخترق النخبة الاسلامية، وتبعثر ايديولوجيتها، وتشتت شملها". (ص168)
    في مقابلة صحفية مطولة مع صحيفة "الصحافي الدولي" سئل المؤلف: وهل تري ثمة مخارج للاسلاميين من مأزقهم الراهن؟ جاء في اجابته: "الذين يوجدون المخارج من الأزمات هم المفكرون والمثقفون الذين يملكون مقدرة علي التأمل والتدبر في الظواهر، في مآلاتها قبل أن تستفحل ولا أخفي عليكم سرا اذا قلت ان وجود هذه الشريحة في داخل الحركة الاسلامية ضئيل وضامر، يغلب في الحركة الاسلامية الحركيون والمهنيون المتخصصون في جوانب بعينها يخلصون فيها ولكن لا يصلحون لغيرها". (ص2-283) ويذكر مفارقة تظهر مأزق وأزمة الحركة الاسلامية عارية، يقول: "فاذا أصاب البرنامج أو أسلوب انفاذه لعض الاعطاب أو بعض الفشل فالذين يقومون بالاصلاح هم الذين تسببوا في فشل البرنامج لأنه لا توجد بدائل قيادية كثيرة تستطيع أن تتقدم بأفكار ورؤى مغايرة". (ص183) وقدم الكاتب ملاحظة هامة وخطيرة، حين يقول: "لعلك تلاحظ أن الفلاسفة والمفكرين يستهزأ بهم في داخل الحركة الاسلامية وهذا أمر غريب في حركة فكرية وحركة تجديد وبناء فكري وليست حركة مزاحمة سياسية فقط". (284) وسبق للكاتب في حديثه عن تكون البطانة أن أخبرنا عن عزلة "الطيبين" داخل الحركة الاسلامية.فقد ذكر أن "أمثالنا" لا يمكن أن يصلوا للأمين العام ولا أن يتحدثوا للرئيس! (ص72).
    أمنية الاصلاح غير تاريخية، فالسياق الزمني الحالي يختلف تماما عن زمان نشأة الحركة الاسلامية الاولي. فقد عاشت من قبل في حقبة مجتمعات حركات التحرر الوطني فاستفادت من ذلك الزخم الفكري والسياسي رغما عنها. كما أن فترة الحرب الباردة تميزت بصراع الافكار والمنافسة حول شعوب العالم الثالث. وعلي المستوى المحلي والاقليمي، لم تكن العولمة قد هزّت الجذور واسقطت الحدود المادية وغير المادية. ولم يكن المجتمع الاستهلاكي قد فرض قيمه ونمطه السلوكي وثقافته بالطريقة السائدة حاليا. وفي السودان كانت حينذاك توجد نخبة صاعدة ومستنيرة وجيدة التكوين في كل المجالات. وكان الترابي وأقرانه نتاج ذلك الزمن الصاعد. ولكن الآن أنظر الي روؤساء الصحف ومقدمي البرامج الاعلامية،
                  

10-22-2011, 03:00 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: وعدد الكتب الصادرة، وشروط الترقيات في الجامعات، وقارن بين عدد الادباء والكتاب الشباب مع نجوم الغد (الغنايين والغنايات) والقيادات الطلابية الآن بالبدل الكاملة والسيارات الفاخرة والموبيلات الحديثة، لا يشبهونكم حين كنتم في مظاهرات شعبان. هل في الامكان صنع "سبيكة" من هؤلاء؟ لا توجد غير بقايا حركة وركام من البشر، وصحيح يري الناس "الحركة قوة سياسية متسلطة تود أن تهيمن علي كل شىء في الوطن وتقصي الآخرين". (ص206)
    رغم الرصانة التي ميزت آراء التيجاني، الا أن بعض كتاباته الأولي لم تخل من عاطفية التماهي مع الزعيم، وبالتالي الانزلاق في اللاموضوعية. وقد برز هذا الاتجاه جليا في رد فعله تجاه محاضرة جعفر شيخ ادريس التي قدمها في ندوة هيئة الاعمال الفكرية بجامعة الخرطوم في 18 اكتوبر 1995. جاء في مداخلة التيجاني أنه فزع لسببين في المحاضرة: "الأول: انه انحط بمستوي النقاش الفكري والمنهجية التي اعتدتها فيه. والسبب الثاني الذي افزعني هو الاطار الاستراتيجي الذي جاءت في داخله المحاضرة." (صحيفة السودان الحديث 20/10/1995) وعند التفصيل يبدأ بمقدمة حماسية وشديدة المبالغة تقترب من الخيال العلمي! يقول: "تعلمون أن الحركة الاسلامية في السودان احدثت اختراقا لم تحدثه حركة اسلامية منذ زمن طويل ربما منذ سقوط الخلافة الاسلامية." ومن الطبيعي أن يستدعي هذا ظهور استراتيجية غربية، نصرانية وصهيونية، لأن بروز الحركة تجاوز الحدود الحمراء - حسب قوله. ومن بين الابعاد الاستراتيجية الجديدة محاربة الحركة بوسائل ترتكز علي ذات المشروعية الدينية التي قامت عليها وهنا يدلف بنعومة شديدة الي الاستنتاج الصاعق: "اذن محاولة جعفر شيخ ادريس جاءت في هذا الاطار وهذا ما يفزع كثيرا. وجاءت لتقدم في اطار أن هناك معارضة ذات مشروعية دينية تستند علي تفسير سني سلفي للنصوص في مقابل حركة اخري منقوصة الشرعية الدينية لا تستند علي اصول ثابتة وتستند علي تأويلات ولا تستند علي سنة واضحة، وليس لديها منهج واضح". (نفس المصدر السابق). ومن هنا يري ان كل حديث التجديد ماهو الا تكريس لهذه الاستراتيجية الشيطانية!

    مراجعات المرارة وخيبة الأمل
    المحبوب عبدالسلام نموذجا

    والتعاهد والتصالح... مؤسسا علي أصول راسخة وثوابت مجمع عليها متصلة بمدد الحيوية الفقهية التي تكسب ذلك النشاط مرونته وفعاليته داخل اطار تلك الثوابت. ويضاف الي ذلك: طغيان السياسي علي الفكري، والذاتي علي الموضوعي، والجدلي علي الفقهي. (ابراهيم الكاروري (ب.ت.) 20-21
    يكثر نقد الكاتب للفقر الفكري مع غلبة السياسوي، ولكن لا أدري لماذا لم يجعل منه السبب الرئيس خلف المفاصلة؟ ففي المعركة الانتخابية عام 1986 تجاهلت الحركة تماما، رغم تقديم نفسها كحزب شامل "لكل وظائف المؤمن ودوره في الحياة" (ص77) ولكن الحركة توقفت عند سجالاتها السياسية مع المعارضة ومعاركها الحزبية حول المشاركة في الوزارات غير المستقرة. وينتقد هذه الوضعية بقوله: "واذ لم تبسط فصول البرنامج الفكري التربوي، رغم وجود أمانة للفكر والدعوة ضمن منظومة الامانات القيادية ووجود فروع لها في الأجهزة الاقليمية." (ص77) وقد أوقع غياب الرؤية والنشاط الفكريين، الاسلامويين في انحرافين قاتلين، هما: غياب الديمقراطية الداخلية وصعود القبلية والعنصرية. ويمدنا الكاتب بالدليل القاطع لهذا السقوط دون بذل جهد، خاصة مع التحول الي المؤتمر الوطني، محاولا أن يرمي بالعيب علب الطرف الآخر، يكتب: "لقد كشفت لحظة الانتقال بما حملت من تكاليف مواضع الهشاشة والخلل في البناء، فالقيادة ظلت تختار وتقرر والقاعدة ظلّت توافق وتقرّ، ولكنها غافلة عما تموج به عضويتها من حركة وانفعال يستشعر ظلما وتهميشا ويطلب العدل والانصاف حتي داخل الصف التنظيمي." (ص160) ويأتينا بالدليل القاطع لفرضيته حين يستعرض معركة غازي صلاح الدين - ابن المركز والشفيع احمد محمد - ابن الهامش البعيد. ويكشف بعد عشرية كاملة عن الممارسات المشينة للاسلامويين في الانتخابات، حين يقول: "أخيرا لجأت قيادة المؤتمر الوطني في معركتها الضروس لفوز مرشح القيادة وهزيمة تحالف الهامش الي اباحة التزوير، وهو خلق استشري بغير فقه ولا تقوى في منافسات الحركة الاسلامية مع خصومها في اتحادات الطلاب ونقابات المهن وبرعت فيه الأجهزة الخاصة للمعلومات والأمن." (ص161) ولكن ما لم اكبره في الكاتب ذلك التعليق الذي أراد به تبرئة شيخه، يكتب: "واذ أن التزوير ظل سريا ومكتوما حتي عن الأمين العام للحركة لم يتح لأي من أجهزة الحركة أو عضويتها النهي عن منكره ومحاسبة مقترفيه، بل دأبت العناصر الغافلة لانكاره حتي عندما بلغ خاصة اجهزتها ضمن سنن الله في المجتمع والتي تدير الفوضى علي من يمارسها علي الآخرين الي داخل بيته." (ص161)
    قامت الحركة الاسلامية بعملية افساد وتجهيل خطيرين للشباب، ويعود ذلك الي ضعف التثقيف ورفع الوعى في مرحلة حساسة في تطور الانسان. فالحركات العقائدية في السودان عموما تتحمل وزر سطحية وضياع الشباب. فقد اهتمت في عملها بالجامعات والمعاهد العليا والثانويات بالعنف والسيخ والعصى أكثر من الكتب والمجلات خاصة حين يكون المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف حسب فهمهم. ورغم تخلي الحركة عن الصفوية، حسب ادعاء الكاتب، الا أنه يقول بأن خطة الحركة الأولي "أن تبسط الحريات وتباح المنافسات في القطاعات الحديثة، المرأة والشباب والطلاب، وان يتدرج من ذلك نحو كمال الحرية للمجتمع." (ص165) وهذا قول ماكر يريد أن يبرر غياب الحرية خلال العشرية الأولي بسبب سياسة التدرج وليس بسبب اللامبدئية وعدم القناعة التامة بالحرية. وكان من الطبيعي ان يكون الوعي بالحرية داخل صف الحركة "غائما أو غائبا" (ص165) لانه لا يشكل أولوية. وكان من نتائج ذلك ان: "بدت قطاعات من تلك في خضم المدافعة المتصلة، لا سيما الطلاب بعيدة عن اطروحات الحرية وموغلة في أدب الجهاد وشعاراته ومفاهيمه ومواقفه التي تتجدد بين جبهة الحق وجبهة الباطل ومن ثم تصنيف المنافس السياسي الي عدو مقاتل". (ص165) ولم ينج اتحاد الشباب من أمراض النخبة الاسلامية "رغم جسارة قادته الفكرية والسياسية" (ص168) فقد قامت الخلافات بين "الرئيس ذي الخلفية الامنية" وبين "القيادة التنفيذية ذات الثقافة المنفتحة". وقد "امتدت فيه صراعات أخرى هي فروع للصراع الأمني الداخلي مع الفكري المنفتح". ويضيف بأن عقدة الصراع جاءت من ثقافات وافدة تبناها افراد من الحركة درسوا في الخارج، فكانت النتيجة: "..وعاد المخلصون منهم بعلم وحيوية ومبادرة ينفعون بها جمود الداخل ويحركونه وعاد آخرون بصنوف من ثقافة الحيل والمؤامرات دون تقوى أو أمانة". (168) هذه العناصر الاخيرة بقيت داخل الحركة.
    سبق (الافندي) الجميع في الحديث عن هيمنة الفكر الامني علي العقل الاسلاموي بعد استلام السلطة، باعتباره الاسهل والانجع والاسرع في تثبيت اركان الحكم. وتحولت العناصر التي كونت في السابق اجهزة معلومات الحركة الي تكوين جهاز الأمن الرسمي. ويصف (المحبوب) الفترة الاولي لانقلاب الانقاذ، وكيف اطلقت يد الاجهزة بلا رادع. كما نشط فقه الضرورة باعتبار أن القبضة الامنية اقتضتها ظروف الطوارئ والتأمين. وقد يمكن تمرير هذه الحجج في الايام الأولي، ولكن الكاتب يقول أنها امتدت حتي أصبحت سمة لازمت الانقاذ حتي اليوم. فقد احاط "عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة، وتولّي اعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسؤولين كافة (...) وأصبحت وظيفة (مدير المكتب) حكرا لعناصر الاجهزة الخاصة بلا منازع، فهم فضلا عن طمأنة القيادة بأن كل شىء يجري أمام سمعها وبصرها، يؤمنون قنوات الاتصال الفاعل السريع الذي يوافي شرط السرية والكتمان الذي كان مطلب المرحلة الأقصى، ولكنه اتّصل في الزمان مرسّخا أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة لطبيعة الحركة الاسلامية السودانية المتحررة الشورية". (ص111) مشكلة الاسلامويين بكل فئاتهم وتياراتهم هي سريان البراقماتية وبالتالي التبريرية والكيل بمكيالين، في جيناتهم الفكرية والسياسية. فالمحبوب الذي ظل عشرية كاملة يرعي هذه الاخلاق وصار جزءا اصيلا منها، يحاول أن يلصقها في المعسكر الآخر، والذات النائب الاول أو العدو الأول: علي عثمان محمد طه. ويكتب في هذا السلوك: "فان تمحور كل حراك الحركة والدولة حول نواة مركزية مستورة، يقوم عليها نائب الامين العام، بدت تجربة جديدة." (ص111)
    من المهم العودة الي ما يسميه المؤلف: "سيرة الاجتهاد الفكرى للحركة الاسلامية السودانية بعد ظهورها عبر بوابة المؤتمر الوطني وتولي الأمين العام المنتخب ادارة غالب وظائف الحركة غير الرسمية". (ص170-171) ويقول الكاتب أن التطلعات والطموحات كانت كبيرة لأن عهد الانتقال الي مرحلة الدولة طرح تحديات فكرية تتطلب اجتهادا كبيرا وعميقا، وفي قضايا عديدة، أهمها في أسئلة السياسة حسب اختياره: المعادلة الأوفق بين الحرية والنظام، وبين المواطنة والجهاد، والموازنة الأعدل بين المركز والولايات. ثم اسئلة الاقتصاد وقضايا فقه المجتمع؛ وقد قدم فيها الامين العام (الشيخ حسن الترابي) الاجتهادات الصحيحة. ولكن مع ابتعاده أو ابعاده، لم تجد من ينزلها اثناء ممارسة الحكم، علي الواقع، أو كما قال المؤلف في لغة خشبية بلا معنى: "لم يتصد له (أي الاجتهاد) بما يستحق من افراغ الوسع الفكري والتذاهن والاجتهاد الفردي والجماعي الذي تهديه التجرية ويطّوره النظر."
                  

10-22-2011, 03:02 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: (ص171). وقد أنشـأت الحركة - الانقاذ عددا من المؤسسات وانفقت عليها الاموال الطائلة، لسد الثغرة الفكرية التي غلب عليها الهم اليومي السياسي. ومن هذه المؤسسات: مركز الدراسات الاستراتيجية، هيئة الاعمال الفكرية ومستشارية التأصيل برئاسة الجمهورية. وكل هذه الجهود كان هدفها: "...استصحاب كل تجارب الحركة الاسلامية السودانية واجتهادها الفكرى في ضوء علوم العصر وتقدمه التكنولوجي لتأسيس دولة اسلامية عصرية ومجتمع مسلم حديث". ولكن الغاية لم تتحقق وبالتالي يصعب ان لم يستحيل قيام مثل هذه الدولة: "وهو ما بدا عصيا علي همة الدولة وحكامها التنفيذيين، وعلي عناصر الحركة التي أعدت لمثل ذلك اليوم". (ص175). ويتخلي الكاتب عن طموح الاجتهاد والتجديد الفكري، ويكتفي بتمجيد "ثورة التعليم" أي التوسع الكمي في الجامعات والمدارس، دون التوقف عند التقييم الكيفي ومستوى هذه المؤسسات التعليمية.
    هذا الكتاب هو سجل الانجازات والاخفاقات أو "هاكم اقرأوا كتابيا". لذلك، يستوقفني الحديث أو الاشارة الي الانجازات. ويركز المؤلف علي الفدرالية أو اللامركزية، وقد أفرد له الفصل السادس. وكانت الحركة تحاول أن تطبق اللامركزية في بناء تنظيم نفسها ايضا. أما في الحكم، فقد عقدت من بدايات خطواتها مؤتمر النظام الأهلي، والذي يمكن اعتباره عودة للقبلية والادار الأهلية. ومن الواضح أن الحركة الاسلامية قصدت بعث وتنشيط هذا القطاع التقليدي المحافظ الأقرب الي فكرها رغم قشور الحداثة. وكان الحضور من العمد والمشائخ والنظار وزعماء العشائر. ويظهر تملق الحركة جليا لهذه القوى، في تعليق المؤلف: "واذ لم تعهد الحركة الاسلامية في تاريخها مبادرة عداء تجاه الادارة الأهلية وكسوبها في السلطة منذ الاستعمار، كما ظلت شعارات اليسار السوداني تناصبها الخصومة وتجعلها من عوائق الجمود والتخلف أمام تحديث المجتمع وعمدت الي حلها وتفكيكها، استثمرت الحركة الاسلامية علاقاتها التالدة والطريفة لصالح مشروعها الجديد الذي يتطلع لبناء مجتمع اسلامي رشيد، مسوؤل ومبادر". (ص201) وأظن أن معضلة وأزمة الاسلامويين الحقيقية هي محاولاتهم المستمرة لفعل وتأسيس أشياء جديدة بأدوات قديمة وتقليدية. فهنا تريد بناء مشروع جديد في القرن الحادي والعشرين بمؤسسة مثل القبيلة. طبعا سوف يتحدث الاسلامويون عن تحديث وتجديد القبيلة! (ص201). ويبدو أن الحركة قننت القبلية فقد تم تعيين أحمد علي الامام مستشارا للتأصيل، ومصطفي عثمان اسماعيل وزيرا للخارجية. يكتب المؤلف: "بطلب مسبب من رئيس الجمهورية للأمين العام،أنه يريد تعويض المنطقة التي فقدت باستشهاد النائب الأول بمنصبين التأصيل، اضافة الي وزارة الخارجية." (ص393)
    وفي موقع آخر، يورد أن الرئيس ومحوره رفضوا اقتراح الانتخاب المباشر للولاة بدعوى: "أن الانتخاب الحر المباشر للولاة قد يجعلهم جميعا من أصول الغرب والجنوب!" (ص425) علي أساس أن أغلب السكان صاروا من تلك المناطق بسبب الهجرة والنزوح. فالصراع تنامي وتفشى في الولايات وعادت القبلية بشراسة مع تعاظم الغنيمة. ولم تنفع عودة "وزير الديوان الي وثيقة المدينة التي أسّس لها النبي الكريم (ص) العلاقاتبين طوائف مجتمع المدينة". (ص214) فلا يمكن أن يكون التاريخ دائريا لا يتقدم. ويعود مرة أخري للغة الخشبية لتبرير هذه التجربة: "واذ اقتضى الاجتهاد النظري استفراغ الوسع في تلمس الاصوب من أصول الاسلام مع قلة الكسوب النظرية والعملية في اجتهادات الفقه السياسي، فان مشكلات الحكم المباشر المتنزّل لواقع معاش الناس اقتضت كذلك بذل الطاقة." (ص202) ويختم الفصل بالقول: "لكن الاجتهاد بالفكر والجهاد بالعمل كان ناقصا عن التحدى الكبير الذي يطرحه وطن بقامة السودان". (ص222) وهذه نتيجة منطقية فحين تحل الايديولوجيا محل الواقع يأتي الفكر بالضرورة ناقصا ومزيفا.
    كان الجهاد من مفاخر الاسلامويين، ولكن لم نكن ندري انه: "لم يصاحب حركة الجهاد الواسعة عطاء فكري أو أدبي" (ص261) ورغم الدعاية والابتزاز والعنف الفائض في تجييش الشباب، لم يستطع الاسلامويون تحويل القتال في الجنوب الي حرب مقدسة أي "جهاد". وتسبب انشاء الدفاع الشعبي في تنافس مع المؤسسة العسكرية الرسمية، مما أضر بعملية القتال كلها المقدس والمدنس منه. ولم يتحقق هدف "الجهاد" رغم الثمن الغالي من أرواح الشباب، ويكتب (المحبوب) في هذا الصدد: "واذ أخلّت تلك العلاقات الملتبسة والرّوى المتناقضة بسيرة الجهاد وتسييت في منتهى تطورها في ذات أزمة الحركة الاسلامية التي أفضت الي المفاصلة، فان الهدف الرئيس وراء رؤية استيعاب الشعب في الدفاع الشعبي ليس محض التجييش ولكن ليقوم المجتمع كله مؤمنا منضبطا عاملا فاعلا متزكيّا". (ص260) أودت الفوضى والصخب والتخويف المصاحب للجهاد الي نتائج عكس المرجو تماما، ومنها ما ذكره الكاتب: "لكن كلّما تكثّفت العمليات واشتد الاستشهاد أو كلما استطال المقام والارتكاز، تبدّت مظاهر التدين الصوفي التقليدي، وانتشرت (المسابح) في أيدي المجاهدين كافة وأتخذ كل منهم ورده ومأثوراته." (ص261) وهنا برز التناقض داخل التدين الواحد ولم تجد له الحركة تجديدا ولا تكيفا، يكتب: "فكلّما أوغل المجاهدون في أنماط التربية التقليدية تضاءلت مفاهيم الفكر الاسلامي وانحسرت قراءاته ومداولاته وظهرت في أيدي المجاهدين كتب عصور الجمود الصفراء." (261) ومن الملاحظ أن كحلفاء من أهل القبلة. ففي العمل السياسي يقيمون لهم "أمانة الذكر والذاكرين"، أمّا في الفكر فسقفهم: "تقاليد من ثقافة الأخوان القرءانية القديمة منذ تعاليم الامام حسن البنّا في ختم القرءان بالدعاء المطوّل وما يعقبه من أحاديث الايمان والمدائح والانشاد، ثم الطعام المحدود احتفالا بختم القرءان مما عهد في أغلب مساجد السودان (والتّمور والزلابية والشاى) في ذات المناخ الذي لا يحب الفكر والثقافة ويتشائم من الكتب". (ص262) والكاتب حانق علي المجاهدين لأنهم ادي المفاصلة عام 1999 انحازوا في غالبيتهم الي الحكومة باعتبارها جبهة الجهاد، وأن ينصرفوا عن صراع السلطة في الخرطوم. ويقول: "تصدى لهم المجاهدون أهل الوعى والعزائم أن الجهاد يقوم سجالا وقتالا وشهادة في سبيل أصول ومبادئ وقيم تؤسس عليها دولة الاسلام، فاذا انقلبت طغيانا بغير شورى ودهرية بغير مبادئ، بطل الجهاد". (هامش صفحة 262).
    • قامت محاولة الاجتهاد التأصيلي لمشاركة النساء في القتال عبر منتدى (المرأة والبندقية).
    ومن مظاهر فشل تطبيق شعيرة الجهاد، ما وقع علي القطاع الطلابي. لأنهم حين ذهبوا الي ساحات القتال "...انفتحت بالفراغ الحاجة للكلمة والدعوة والعمل الثقافي والفكري، فضلا عن النشاط السياسي في مرحلة تحول دقيق لقطاع الطلاب من المعارضة المعهودة لأيّما نظام حكومة الي المدافعة واستفراغ الوسع عن الانقاذ،ولو حربا وجهادا واستشهادا." (ص284) ويعتقد الكاتب أن فترة اندفاع الحركة الاسلامية في الجهاد كان علي حساب تأثيرها علي الحياة العامة. ولكن قطاع الطلاب كان الأعمق تأثيرا، يكتب المؤلف: "...اذ غابوا عن ساحة الحياة التي لا تعرف الفراغ لتمتلئ بأصوات أخرى وأفكار عادة رجعية عن الأفق الرحب لحركة الاسلام الحديثة الي أطر الاسلام البدوي وتقاليده الميتة، أو انفتحت الأجيال الجديدة للأفكار المستوردة القاتلة". (ص284). وكان سقوط فكرة الجهاد مدويا وصادما للاسلامويين واصابهم بقدر كبير من خيبة الأمل والخذلان. فقد كان جزءا أصيلا من مشروع "اعادة صياغة الانسان" والذي انشئت من أجله وزارة التخطيط الاجتماعي والتي ماتت بدورها. وقد ثار جدل حول أصول فقه الجهاد، ويبلغنا (المحبوب) بأثر رجعي أن الامين العام الشيخ حسن الترابي، كان ضد أي شكل من الفرض والالزام وأن الانسان يذهب الي الجهاد طوعا ورضى. والغريب في الأمر أن الكاتب يورد حادثة معسكر (السليت) بمنطقة العيلفون الشهيرة في 21/4/1998 (أي قبل المفاصلة) وراح ضحيتها نحو 70 طالبا ماتوا غرقا حين حاولوا الهرب. ويختم الكاتب تقييمه لاسطورة الجهاد: "لكن المخادعة أفضت الي سمعة سيئة لجهاز الخدمة الوطنية وأسدت ضربة ثانية لقطاع الطلاب في الحركة الاسلامية، كما لم تثمر نصرا في الحرب اذ لم يقاتل اليفع المقهورين بما يصد غوائل الهجوم المجتمع، الذي أخذ يتبلور من كل الحدود، كما أضيرت ذات سمعة المشروع الحضاري، اذ لم يعقب الحادثة السؤال والتحقيق والعقاب بل رفعت الأقلام وجفّت الصحف". (ص287).
    قارن محمد وقيع الله كتاب المحبوب بكتابات تتهم بتشويه التاريخ مثل نعوم شقير وسلاطين وابراهيم فوزي
    تمثل أدب اليسار التفسخ الفكري والنفسي (سودانايل 15/9/201) ومن التعقيبات التي اعفتني من الدخول في التفاصيل مقالات الاخ مصطفي عبدالعزيز البطل تحت عنوان: المسيح المصلوب في لوح المحبوب (الاحداث 10/2/2010)

    أخيرا،هل توصل الكاتب الي بديل أم تاه في عتمور مثل كثيرين كدكتور فاوست باعوا عمرهم لشيطان الايديولوجيا؟ ويقول في احدي المقابلات: "والله تعلمنا، اعتقد أننا تعلمنا". (الصحافة 24/8/2008)
    وهل صحيح هو الصراع بين خطاب الحرية مقابل خطاب السلطة؟ ولماذا تم تاجيل المطالبة بالحرية لعشرية كاملة؟ الحرية مبدأ لا يؤجل ولكن ضرورات التمكين كانت تقتضي تقديم الأجهزة الخاصة للتمكين لتعمل بلا عقبات. ولا ادري لماذا نردد ان شرف البنت مثل عود الكبريت يشعل مرة واحدة ولا نقول نفس الشىء عن الحرية؟ تاريخ الدولة الاسلامية بعد الخلفاء الراشدين عدا عمر بن عبدالعزيز، هو تاريخ لفساد الرخاء الاقتصادي او الترف.هل يوجد نموذج لدولة اسلامية؟ أو حزب اسلامي؟ الحركة الاسلامية أم حركة الاسلام (اجراس
                  

10-22-2011, 03:03 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: الحرية 18/8/2008)هي باختصار الدعوة الي اصلاح الحياة العامة وفقا للاسلام (ص1-832).



    غازي صلاح الدين أو هاملت الاسلامويين:
    يقدم (غازي صلاح الدين) نفسه أو يفضل أن يصنّف كمفكر ومنظّر وصاحب رأي متجدد أكثر منه كتنفيذي أو حركي أو مفاوض. ولكن الظروف كثيرا ما حرمته من هذه الرغبة أو الامنية، فتغلب الدور العملي مرات كثيرة علي ما يتمناه. فهو مقاتل في عملية غزو 1976، وحركي كأمين عام للمؤتمر الوطني، ثم مفاوض للجنوب ثم حاليا لدارفور. وهكذا لا يجد المفكر الممكن أو المحتمل الوقت والمزاج للكتابة والتأليف وتخلو المكتبة السودانية من كتاب أو إصدارة لغازي- حسب متابعتي. ولكن هذا القصور أو التقصير يعود لأسباب كامنة في شخصية (غازي) تتناقض مع خصائل ومقومات المفكر. فهو اقصائي لا يقبل الاختلاف، وذاتي يشخصن الامور مما قد يدخله في طاؤوسية واعجاب غير مبرر بالنفس اللّوامة والأمّارة بالسوء مما يحجب عنه رؤية أخطائه. ولذلك، لو جرحت ذاته النرجسية فهو يفجر في العداوة وقد فعلها مع شيخه الترابي وكسب استياء الجميع. ويعلق أحد الكتاب علي حملة الحكومة الشعواء علي الترابي عقب المفاصلة وقد قادها (غازي): "وقد تولي كبر تلك الحملة أمين القطاع السياسي في المؤتمر الوطني ووزير الاعلام حينها غازي صلاح الدين الذي خسر تعاطف الناس معه بجرأته علي شيخه وأستاذه التي تجاوزت كل عرف سوداني خصوصا أن الخصومات السياسية نسبية لا يتطرف فيها الفرد، وإنما يترك مساحة للرجعي والظروف". (عبدالرحيم عمر، ص485) وشكا أحمد عبدالرحمن "حتي غازي صلاح الدين ويس عابدين والسنوسي كلهم كانوا ضدنا لأن الترابي حرضهم علينا." (المصدر السابق، ص586). والتحريض دليل عدم الاستقلالية وقد ظل شبح الترابي مهيمنا عليه حتي بعد الفراق. ومن صغائره أن ابعاده عن أمانة المؤتمر الوطني شكّل كثيرا من مواقفه "الفكرية" (المصدر السابق، ص607) ويبدو أن الندم قد حاصره فبادر بتبادل الرسائل مع شيخه المقيم في داخله، فقد ترك حضانته ولكنها لم تتركه ولازمته كالظل. ويعتبر الكثيرون أن (غازي) كان أكثر الناس ارتباكا نتيجة انشقاق الحركة ورغم انحيازه الي المؤتمر الوطني الا أنه غير مرتاح لهذا الخيار. إذ لا يري فيه أمثر من هيمنة عسكرية وصراع أجيال. (نفس المصدر السابق، ص618).
    ساهم (غازي) مبكرا في عملية المراجعة والنقد، وكان ذلك في الندوة الشهيرة التي عقدتها (هيئة الأعمال الفكرية) تحت عنوان: "الحركة الإسلامية – كسب الماضي وآفاق المستقبل"، في الحادي عشر من اكتوبر 2002 وقدم الورقة الرئيسية. وفي مثل هذه الاوقات الحرجة من وجود الحركة يتوق الحاضرون الي سماع: آفاق المستقبل أكثر. ولكن الحدبث عن كسب الماضي استهلك أغلب الوقت. وهذا في حد ذاته دليل علي أن المستقبل لم تعد فيه وعود كثيرة. فهو رجل يحكم دولة كبيرة مثل لا يقول لنا ماذا فعلوا بها؟ وماذا فعلت بهم؟ بل يهرب الي العموميات، ويقرر ببساطة شديدة أن أهم مساهمات الحركة الاسلامية هي "تصحيح العقيدة بتأكيدها لشمول الإسلام القائم علي وحدانية الله." ويعدد كثيرا من التحديات التي ترد في كتابات الاسلاميين، ولكنه يكتفي بالينبغيات وكأنه لا يحكم. وقد تجنب تماما ملامسة أي قضايا ملموسة تستطيع من خلالها تقييم الانجازات والفشل. وقد كان تعقيب ربيع حسن أحمد أكثر واقعية حين قال بأن تنظيم الحركة ورؤاها السياسية والفكرية، حدث فيها خلاف كبير بعد تسلمها الدولة. فقد فشلت في الاجابة علي سؤال: دور الحركة الإسلامية في الدولة والمجتمع. فالحركة لم تتطور في هذا المجال، لانها لم تقدم البرامج والكوادر التي يمكن أن تقنع الناس بجدوي الدولة المسلمة. وانتقد عدم حل مشكلة العلاقة بين الحركة الإسلامية والحزب الحاكم والدولة. وأكد علي أهمية وجود عقل يضبط حركة الدولة، مشيرا الي أن الحركة الاسلامية هي ذلك العقل. وتساءل عن وجوده في التجربة السودانية! (الصحافي الدولي 17/10/2002).
    يري (الجورشي) ان "خطاب الحركات الاسلامية كما وفر لنفسه قواعد ارتكاز أيديولوجية، ابتكر جهازا مفاهيميا لتبرير الاخطاء وتفسيرها ضمن سياق يحمي التوجهات العامة، ويحافظ علي المسار". (1989:127) وهناك بعض الاسلامويين السودانيين آلوا علي أنفسهم القيام بمهمة صناعة المبررات وليس المسببات، وبالتالي تتم تعمية الرؤية وعدم تبين الاخطاء لاصلاحها. ورغم أن (غازي) يبدو عميقا ومتأملا، الا أن مهمة التبرير الشاقة تورطه في البحث عن مخارج وحيل فكرية، هي في كثير من الاحيان غير صحيحة ومختلقة. لذلك، تجيء طروحاته ومداخلاته مغرقة في التعصب مع أنه الدبلوماسي المفاوض وبالتالي المرن. فهو – مثلا – يخرج عن الاجماع الاسلاموي الذي يعترف بالضعف الفكري ويحاول تفسيره ثم اصلاحه. ولكن (غازي) الباحث الدؤوب عن المبررات، يرد علي سؤال عن الضعف الفكري، بقوله: "ليس هناك ضعف فكري، فالحركة الاسلامية علي وجه الخصوص، علي ما يمكن أن تنتقد به كانت من أكثر الحركات التي ساهمت اسهامات فكرية جادة، ورغم أنها ضعفت في الفترة الاخيرة، فانها قدمت نماذخ أصبحت معتمدة عالميا". (في وليد الطيب، 2009:173)
    وتضم هذه الجملة القصيرة مغالطتين: ليست ضعيفة وضعفت في الفترة الاخيرة، ولنلاحظ أن الفترة الاخيرة هي فترة "التمكين" حيث يفترض ان الحركة وهي ممسكة بالسلطة يكون لديها مدخلات مادية وروحية ومعنوية، تجعلها – منطقيا – أكثر قوة. اما النماذج "المعتمدة عالميا" ولا أدري من الذي يقوم بمهمة الاعتماد؟ فهي تجربة الاقتصاد الاسلامي وتجربة العمل الجبهوي مع القوى غير الاسلامية. وهنا يخلط (غازي) متعمدا ليطور "جهاز مفاهيم التبرير" بين النموذج العملي (الممارسة) وبين النموذج النظري (الفكر). فنحن في هذه الحالة نطالبه ببيبلوغرافيا أو قائمة بمنشورات الحركة الاسلامية الخاصة لموضوعيّ الاقتصاد الاسلامي والعمل الجبهوي.
    يلجأ (غازي) الي آلية اخري في عملية دعم جهازه المفاهيمي لتبرير الاخطاء. فقد تكررت الاسئلة التي تبدأ بالسؤال عن السند الشرعي في قضايا سياسية آنية، مثل: ما هو السند الشرعي الذي اعتمدتم عليه في قتل مدبري انقلاب رمضان 1990؟ ويحلق هنا فوق كل ضروات الصراع السياسي المدنسة ليجعل من الجريمة صراعا بين الاسلام والعلمانية أو بين الخير والشر، اذ يقول: "... فقد كان انقلابا علي مؤسسة بواسطة عناصر شيوعية أو علمانية، والنظام كان يعتمد بأنه يقوم علي فكر اسلامي (...) وقد عدّ القائمون علي الامر هؤلاء (خوارج!) وسرت عليهم الأحكام التي حكمها القضاة يومذاك". (المصدر السابق ص1164) ولا أدري هل هم خوارج فجر الاسلام أم خوارج الجنوب حسب لغة العسكريين؟
    وتكررت اسئلة السند الشرعي ويتجرأ (غازي) بالرد عليها وهي ردود سياسية سيّارة عاطلة من أي شرع. مثال للاسئلة: ما هو السند الشرعي الذي أسستم عليه خروجكم المسلح علي الرئيس النميري في عام 1976؟ ثم: ما هو السند الشرعي الذي بررتم به خروجكم علي الحاكم في 1989؟ ويجئ الرد – بالطبع – سياسيا ولكنه يستدرك بنفسه، فيقول حرفيا: "قد يكون ما ذكرته، لا يتضمن اشارة لنصوص شرعية فيما سبق، ولكن الخلاف كان في (دالة) اقامة الصلاة، وهو المؤشر المتفق عليه شرعا (ما أقاموا فيكم الصلاة) فالحركة الاسلامية كانت تري أن النظام يمثل حالة من الطغيان، واتجه لمحاصرة العمل الاسلامي (الدعوة) - خاصة أنه - أي النظام – جاء بوسائل غير متفق عليه أو غير شرعية - اذا تجاوز حدا معينا فهو عندها كمنع الصلاة ويفتقد الشرعية". (ص163) ولنا أن نتخيل أن الحكومة التي تتكون من ائتلاف السيدين المهدي والميرغني، تمنع الصلاة بأي معنى رمزي، علما بأن الجبهة الاسلامية كانت مشاركة في السلطة.
    ولا يتواني (غازي) عن توظيف القرآن والتاريخ الاسلامي والتراث بهدف دعم منهجه التبريري. فالجميع يلاحظ ماذا فعلت الحركة بالوطن والدولة والانسان السوداني دون حاجة الي كثير ذكاء. ولكن حين سئل: هل ترهلت الحركة الاسلامية وأصبحت مرتعا للوصوليين والانتهازيين ممن يقدمون اذا أقبلت السلطة وينفضون اذا أدبرت؟
    ويرد (غازي) بثقة عجيبة: "حتي لا يصيب الاحباط، فهناك سنة كونية في القرآن: اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسيح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا. فالنصر الأول في العهد البنوي جاء باصناف كثيرة جدا لم تكن في مستوى الجيل الأول، جيل ما قبل الفتح، فأي نصر ولاسيما ان كان الوصول الي السلطة، سيأتيك بطوائف من هؤلاء، ولكن لا ينبغي أن نفقد الثقة في أنفسنا، وقد ظلت التجارب الاسلامية منذ عهدها الأول تعتمد علي ثلة وطليعة ملتزمة، وحولها تجد كل الاشكال والدرجات وفيها المنافق". (ص168). وقد دخل (غازي) في قياس فاسد حين قارن: "الفتح" ونصرالله بانقلاب أو مؤامرة تمت بليل علي الديمقراطية. والمقارنة خاطئة ولا تاريخية، فهم ليسوا انصار النبي (ص) ولا بقية السودانيين الكفار والجاهلية. ومن الذي قال بأنه من سنن الكون لأن يتقدم الانتهازيون الصفوف عند كل نصر؟ ولكنه يستدرك – كالعادة – متأخرا، فيقول: "أنا لا أدافع عن وجود الانتهازيين، ولكن أقول ان أصحاب الحاجات والأغراض، يهرعون دائما الي مواطن الغنيمة، وهذا شيء طبيعي ولا يزعجني، ولكن يقلقني اذا أصبحت السمة الغالبة هي الانتهازية، وانعدم من يعملون باخلاص من أجل الآخرة". (ص168). ويحاول (غازي) تبرئة رفاقه وحزبه، ولكن من أجل ذلك يجعل من الانتهازية "شيئا طبيعيا" عندما تظهر الغنيمة، مع أن عنترة
                  

10-22-2011, 03:05 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: الجاهلي: يعف عند المغنم. ولا يعتقد أن الاغلبية انحرفت، وكأنه لا يقرأ تقرير المراجع العام الدوري ولا العمارات الشاهقة التي بناها صغار الموظفين.
    وتقدم الاسئلة المتعلقة بمستقبل الحركة الاسلامية السودانية – باستمرار - نمطا من النقد الذاتي والمراجعة. يقول في أحد ردوده: "...كنت اتطلع لأداء أفضل، ومن قناعاتي التي لا أخفيها هي أن الحركة لم تحكم أبدا، بخلاف ما يري عامة الناس، بمعني أنها لم تحكم بمؤسساتها وتقاليدها ونظمها، ولكنها حكمت برموزها واعلامها. وعندما حلّت الحركة في بداية الانقاذ، حكمت برجالها، وأنا واحد منهم، وهم قد عولوا علي فطرتهم وغرائزهم التنظيمية أكثر من اعتمادهم علي المؤسسية الراسخة في الحركة لأنها لم تعد موجودة. وكثير من الاخطاء التي حدثت في البداية كان يمكن تجنبها لو أن المنهج هو الذي حكم وليس تقديرات الرجال مهما كانوا أفذاذا. نحن في الاساس جماعة تدعو لفكرة ومنهج ولسنا مكلفين بالتسلط في رقاب الناس بأدوات الحكم، وما لا تحصله بالقناعة والعقيدة الراكزة في الوجدان لا تحصله بالاكراه، الا اذا أعجبك أن تري الناس قد خضعوا لك نفاقا وتقية". (صحيفة أخبار اليوم 27/4/2004). ويبشر (غازي) كتنفيذي ومنظر بخطوات اصلاحية تدخل في صميم المراجعات. ويقول ان المؤتمر دعا الي: "الاهتمام بالدعوة من خلال الحياة العامة، والي استعادة مكانة الحركة وتراثها في هذا المجال"، كما دعا: "الي الاهتمام بالفكر والخطاب العام"، وشدد علي تكريس الشورى والديمقراطية، والي تبني الحوار مع القوى السياسية الوطنية، ومع أهل الاديان والملل الاخري، ومع الغرب. (نفس المصدر).
    قال د. غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية إنه لا يرى عيبا أو حرجا في المراجعات في القضايا بين حين وآخر، وأكد أن الإرادة السياسية متوافرة لذلك، وتساءل: لماذا تطرح كخلاف وتهديد كما طرح الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، وأكد غازي الذي حرص على التنويه إلى أنه يتحدث بصفته الشخصية إلى أن هناك مراجعات دستورية تستوعب الوحدة أو الانفصال. وأضاف د. غازي للتلفزيون أمس، أن تحميل الحركة الإسلامية أوزار المشاكل التي حدثت في السودان نوع من الكسل الفكري، مشيراً لتداعيات أزمة الجنوب من الخمسينات. وفي رده على سؤال حول إمكانية توحيد الإسلاميين قال د. غازي: بعد كل هذه التجربة علينا إعادة توصيف من هو إسلامي وتعريفه، وأوضح أن أي مشروع لتوحيد الإسلاميين يجب أن يأتي ضمن مشروع قومي. والآن أجد نفسي إسلامياً وعقدياً وسلوكياً أقرب الى بعض من كانوا في خانة العداء لنا من القوى السياسية الأخرى، واضاف: حتى لو قدر للحركة الإسلامية أن تبعث من جديد لن تكون كما كانت في السبعينات، وأوضح أنه كان يطمح أن يتم توقيع إتفاق في الدوحة بنهاية الشهر، بيد أنه قال أبلغنا الأطراف بأن لنا بدائل إن لم يتم، وقال: لو كنت أملك الأمر لما طرحت القضية على المستوى الخارجي وإن قضيتي دارفور والجنوب كان يمكن أن تحلان داخلياً من خلال القيام بالدور الذي يمكن أن تقوم به كل الزعامات والحكومات.
    الطيب زين العابدين والمثال المحال
    يعتبر الدكتور الطيب زين العابدين من اصحاب الصيت في نقد التجربة الاسلاموية. ولكنه يكاد أن يكون من المهمشين تماما داخل الحركة الاسلامية. فهو ينتمي الي مجموعة داخل الحركة رغم كسبها وقدراتها ابعدت من المواقع المتنفذة. وقد يكون هذا البعد أو الإبعاد بسبب هذه الميزات نفسها! فقد تكون الحركة بعد التمكين أصبحت لا تطيق وجود العناصر النزيهة والمقتدرة. وقد منح هذا التهميش (زين العابدين) مساحة أوسع للحركة والحرية. ولذلك، تميزت كتاباته بقدر كبير من النقد والمراجعة. ومن هنا يمكن القول أنه يلعب دورا في تقويم مسار الحركة، رغم أن موقفه في البداية، كان حائرا، في جوهره. ففي احدي المرات كتب ناقدا الحد من الحريات باعتبار ان النظام ما زال عسكريا شموليا يعتمد علي تقريب الموالين وطرد المعارضين. ولكن كل هذا لم يمنعه من القول: "أنا من أبناء المشروع الاسلامي وانتقادي له من هذا الباب لأنني لا أريد لع أن يفشل أو يشوه. ونقدي من هذا المنطلق ليس من منطلق المعارضة السياسية وان ظهر اتفاق معهم في بعض وجهات النظر ثم ان مشاركتي اكاديمية ولا يمكن ان تعقد لساني عن النصح والتقييم". (الوان 6/12/1997). ولكن بعد المفاصلة اتخذ موقفا يمكن ان نصفه بالجذرية دون مبالغة. فقد دعا الي: فك الارتباط بين الحركة الإسلامية والإنقاذ. فهو يكتب: "وكان العسكريون في السنوات الاولي مطيعين لقيادة الحركة لا يطمعون في أكثر من تبليغهم بالقرار قبل إعلانه للناس! فقيادة الحركة مسؤولة سياسيا وأدبيا عن الانقلاب الذي أودي بالحياة الديمقراطية، وعن كل سياساته بما فيها من أخطاء وموبقات في حق المواطنين مثل الإحالة إلي الصالح العام والسجن والملاحقة والتعذيب ومصادرة الممتلكات والقتل وكبت الحريات والعبث بالمال العام". (البيان الاماراتية 13/11/2002) ولكن عندما شبّ العسكريون عن الطوق -حسب قوله حرفيا - ظهرت الخلافات بين قيادات الحركة وانحاز بعضهم للجيش: "وغاب الجسم المؤسسي الذي يمكن أن يفصل في تلك الخلافات، أعلن العسكريون تمردهم علي قيادة الحركة". وترتب عن ذلك التطورات الدراماتيكية المعروفة. ولكن المهم في الامر أنه ما عادت الحركة هي صاحبة القرار والكلمة. وأصبحت "حزب الحكومة" وليس الحزب الحاكم، رغم وجود كثير من قياداتها السابقة في مؤسسات الحزب.
    ويحاول أن يعيد الحركة الي براءتها وبريقها السابق، وذلك من خلال تأكيد أن "النظام الإسلامي نظام اخلاقي في المقام الأول". فهو لذلك لا يقبل أي انتهاك لحقوق الانسان. وبسبب الممارساب الانقاذية التي اساءت لكرامة المواطن السوداني، فهو يدعو الي ان تفك الحركة ارتباطها بحكومة الانقاذ؛ وتعلن نفسها حزبا سياسيا مستقلا يتخذ مواقفه حسب قناعاته وطبيعة الحدث. ويكتب: "ولا ينبغي الجمع بين عضوية حزب الحركة وحزب الحكومة بل من الأفضل ألا يكون لقيادات حكومية مواقع أمامية في حزب الحركة حتي لو تخلوا عن عضوية المؤتمر الوطني (...) وهذا الوضع يجعل الحكومة في حل أن تتبع من الساسيات ما تشاء دون أن تضطر للجديث بلسانين للمجتمع الدولي الذي يهددها بالعقوبات ولسان لشباب الحركة الإسلامية الذي تدفع به إلي محرقة الجنوب". (نفس المصدر السابق).
    يحاول (زين العابدين) الدفاع عن الاتهامات القائلة بأن الحركات الإسلامية لا تملك برامج سياسية مفصلة لحل المشاكل الواقعية التي يعاني منها الناس. ولذلك، فهي ترفع شعارات شديدة العمومية، مثل: الإسلام هو الحل أو القرآن دستورنا. كما لم تحدد مواقف فكرية وعملية واضحة من قضايا مثل المرأة، حقوق الإنسان، العدالة الإجتماعية، الأقليات غير المسلمة، والعلاقة مع الآخر المختلف. ويعترف بعدم وجود رؤية واضحة تجاه هذه القضايا. ويختتم برأي طريف يطالب الحركة الاسلامية "...وكمقدمة لتوجه الحركة الإسلامية في السير علي طريق توضيح رؤاها في مشكلة الحكم ينبغي أن تتخذ لها أسما يلخص هدفها السياسي"، ويقترح علي الحركة الاسلامية السودانية اسم: الحزب الإسلامي الديمقراطي الاجتماعي". (الرأي العام 18/12/2002)
    يصنف احمد عبدالرحمن كشخصية انفتاحية لا تريد أن تغضب أحدا وهو رجل الحلول الوسط. ولذلك، جاء موقفه بعيدا عن الحدية، بل طالب بتكوين احزاب وفقا "للموديل الامريكي" تكون مهمتها قاصرة علي تكوين الحكومات بعد اجراء الانتخابات تتحرك بعد اربع سنوات "هنالك الكل ينصرف بعد الانتخابات الي ما ينفع الناس لما فيه خير الناس.. تختفي الالوان وتوظف الطاقات لللبناء" (أخبار اليوم 24/6/2004) وهذا حل اسلامي - ليبرالي يذهب أبعد من اقتراح (زين العابدين) والذي اقتصر علي الاسلاميين فقط.
    وحتي يتحقق هذا الحل المثالي يظل (زين العابدين) يعمل علي تبرئة الحركة الاسلامية من ممارسات الانقاذ المخزية وسياساتها الكارثية. وفي حوار حديث:
    من سيتحمل مسؤولية الانفصال التاريخية حال وقوعه الحركة الإسلامية أم المؤتمر الوطني؟ الطيب زين العابدين حوار سودنايل 19/9/2010
    هل الحركة الإسلامية حاكمة؟ المؤتمر الوطني هو الحاكم، المؤتمر الوطني نفسه ليس حاكما، الذين يحكمون لا يتعدون الـ(5-6) أشخاص في المؤتمر الوطني لكنهم بالطبع حركة إسلامية لكنهم يحكمون بحكم مناصبهم الدستورية ولأنهم على قيادة الحزب الحاكم، وهم المسؤولين الأوائل باعتبارهم مهندسو الاتفاقية "ساطوها وطبقوها" لكن المسؤولية في نهاية المطالف تضامنية، ولطالما أنك تتحدث بإسم حزب، إذا الحزب راض عن تلك القرارات فإن الحزب مسؤول عن الانفصال، وأنا أسألك هل نما إلى علمك أن الحركة الإسلامية سئلت عن رأيها في تلك القضية؟ وهل توجد دار للحركة الإسلامية؟ هل أقامت الحركة الإسلامية محاضرة أو ندوة باسمها؟ وهل الحركة الإسلامية موجودة على الساحة السياسية وتعمل؟ وأجيب وأقول لا توجد حركة إسلامية لأنها جسم "مجمد" تجتمع كل (4) سنين لانتخاب أمين عام وبعد ذلك يضعوه في "الديب فريزر" إلى أن تتنهي فترة الـ(4) سنوات تلك، لكن لا يوجد حراك للأمين العام على أساس أن كل نشاطه ينتقل إلى المؤتمر الوطني، فالحركة الإسلامية لا تفعل شئيا وحتى نشاط الطلاب والنقابات سُلم إلى المؤتمر الوطني "صرة في خيط"، والحركة الإسلامية "مُجمدة"، الدولة فيها أعضاء كثر ينتمون إلى الحركة الإسلامية لكنهم لا يتصرفون كمؤسسة للحركة الإسلامية و يتصرفوا كأفراد، أي أحد منهم في أي موقع في وزارة الزراعة أو الخارجية أو الأمن يتصرف كفرد، ولا يلتقي بأشخاص داخل الحركة الإسلامية حتى على مستوى مؤسسته، وزير الخارجية مثلا ينتمي إلى الحركة الإسلامية لكنه لا يجتمع مع أشخاص ينتمون إلى الحركة الإسلامية في وزارة الخارجية بغرض التشاور معهم..
                  

10-22-2011, 03:07 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: "هذا لا يمنع من القول ان هناك حركات اسلامية سياسية اصابت المواطنين بخيبة أمل سواء في أفغانستان أو في السودان، أنا أعتبر أن الحركات الاسلامية ناجحة الي حد كبير لكن هذه الخيبة لا تعني نهاية الاختبار" (ندوة مجلة الخرطوم الجديدة، عدد اكتوبر 2007، ص7)
    ولا أدري هل معيار نجاح أي حركة اسلامية هو شعبيتها أم تجديدها الفكري وقدرتها علي مخاطبة الاسئلة المعاصرة؟ اغتر كثير من الاسلاميين بالشعبوية - الاسلامية وغضوا الطرف عن قصورها الفكري والسياسي. ويرجع (زين العابدين) فشل التجربتين الي ظروف خارجية احاطت بالنشأة. ففي افغانستان ظهرت حركة طالبان في مجتمع متخلف جدا، ولكن للمفارقة هذا هو سبب "نجاحها" وانتشارها لأن فكرها هو المطلوب في ذلك المجتمع! وأرجع الخيبة في السودان الي أن التجربة جاءت في معادلة انقلاب عسكري، ونسي ان كل تجارب تطبيق الاسلام قام بها الانقلابيون وفشلت في المجئ عن طريق الانتخابات رغم عدم حدوث قطع الطريق امام وصولهم ديمقراطيا كما كان في الجزائر. ويقول بضرورة التجديد مها كانت الملابسات، وفي نفس الوقت لابد من الابتعاد من الشعارات العامة التي اثبتت التجارب عدم صلاحيتها، مثل: الاسلام هو الحل، وتطبيق الشريعة وغيرها. لأنها غير محددة، فهو يسأل: "ما المقصود بتطبيق الشريعة الاسلامية؟ وكيف ستتعامل فيها مع الآخرين؟ وماهو رأيك حول ممارسة الحرية؟ أين يمكن أن نجد نظاما يؤطر لهذا الامر؟ ثم أين يمكن أن تجد الاطار نفسه؟" ويري أن هناك خوفا من الاجتهاد باعتبار أنه سيبعد الناس عن هذه الحركات. لذلك تتركهم الحركات "خاما" وتفضل ايمان العجائز، خشية ظهور مطالب – كما يقول - بالديمقراطية مثلا، وهنا سوف يرفضونك بعض الناس، "ومجرد الدخول في مثل هذه التفاصيل سيقود للتفريق وستبرز شعارات حقوق الانسان وحقوق المرأة وغيرها ويصبح الأمر قابلا للتفكيك ولذلك فالحركات الاسلامية لاتزال ترفع الشعارات العامة حتي يلتف حولها الناس، وهذا اسلوب لم يعد مقنعا" (نفس المصدر) ويقترح علي الحركات ضرورة الانتقال من الشعارات العامة الي برامج واضحة ومحددة. ولكن القيادات تجد في هذا المنهج طريقة سهلة في كسب الاتباع والمؤيدين المخلصين. ويتحدث (زين العابدين) عن نموذج مثالي لن تغامر حركات الاسلام السياسي بالتخلي عنه في العمل اليومي.
    حسن مكي ومنهج الغرائبية
    "والله الانقاذ هذه كالدبيب رأسه الترابي انقطع. فالانقاذ الآن مثل السفينة عندها ربان وملاحين.. فالربان الآن لا يؤدي دوره والربان الثاني هو المسيطر ولكن له مشاكل مع البحارة او مع الربان الاول فهل سيسمح له بالقيادة أم سيأخذها الربان الاول ام البحارة سيتخلصون من الاثنين؟" (أخبار اليوم 24/6/2004)
    لاحظ كيف يستهل (مكي) تحليلاته بالواقعية السحرية ومع ذلك، بدأ قلمه مبكرا في النقد مستهلا هجومه بالشيخ نفسه. وكأن لسان حاله يقول بأنه سيغامر ولن يقنع بما دون النجوم. وقد اكسبته هذا الجرأة اهتماما وموقعا رغم أن ذلك كان علي حساب العمق والتأمل. فهو عندما يتحدث يبحث عما يريده مستمعه أن يقول. كما (مكي) كثير الطلّة ومنتشر في العديد من المنابر والمناسبات ووسائل الاعلام مما يفقده التركيز نفسه أو اللجؤ للشطحات والغرائبية والي تصريحات ينطبق عليها: "ما قالها زول وما أظن يقولها وراي بشر". وبسبب هذا المنهج جاءت آراؤه أقرب الي الانطباعية والسجالية وردود الفعل الآنية أو اشبه بالمادة الخام التي تقدم مصدرا هاما للكشف عن عيوب وأخطاء الحركة الاسلامية. ولكنه للأسف لا يسعف القارئ بنظرية أو مفاهيم جديدة يكتب بلا تردد النقد التالي والذي يطال تغير زعامة الترابي وشكل الحزب، يقول:
    "يبدو لي أن الحركة الاسلامية أو الحركات الاسلامية واحد من أخطائها أنها أحيانا تشبه الطرق الصوفية في انها تتصور مخلص كان هذا الشخص هو الشيخ أو القوي أو الملهم أو المخلص أو المهدي أو الختم، بينما ينبغي أن تستفيد الحركات الاسلامية من التراث والحداثة ومن فقه السياسة وهذا تراث انساني". (صحيفة الرأي الآخر 26 يونيو 1999)
    ويعتقد الكاتب أن الحركة الاسلامية السودانية في البداية أدركت هذه الحقيقة لذلك اختارت الدكتور الترابي "الحداثي" القادم من باريس ولكنها لم تستطع معه صبرا، فعادت الي ما هو أسوأ: التحول الي المؤتمر الوطني، والذي يكتب عنه:
    "المؤتمر الوطني غير قادر علي خطاب المدنية والحداثة.. الآن أين صوت إعلام المؤتمر الوطني وأين صوته الفكري وأين منتدياته السياسة ومدارسه وأين مدارس أطره وكوادره، بل كثير من لوازم المؤتمر الوطني مجهولة: تمويله، تأصيله، علاقته الداخلية والخارجية". (نفس المصدر السابق). ويجيب علي سؤال استرجاعي: هل كان للحركة الاسلامية منهج ثابت؟ يقول: "لم يكن هنالك منهج ثابت لأنه في كل الفترة السابقة كان المطلوب إقامة الدولة كما تراها المرجعية الممثلة في الشيخ الترابي ولم يكن هناك منهج ثابت". ويواصل حين سئل عن النتائج: "...فعدم وجود لوائح ودستور ومحاسبة، فالمحاسبة أصلا لم تكن موجودة: فمن يحاسب من؟ كل ذلك أدي الي ظهور مشكلات.. لأن الحركة الاسلامية في فترة لم تكن معروفة، في فترة الانشقاق كان يفترض سحب الشرعية من الترابي وإقامة تفويض جديد". (نفس المصدر السابق).
    يقول (مكي) بأن: "خطاب الحركة الاسلامية في المرحلة الحالية يتأثر بثلاث عوامل: أولها المهدد الخارجي، وهذا ما جعل الناس تلتف حولها بصورة واضحة، ثم المهدد الداخلي، والمتمثل في القبلية والجهوية، ثم، اخيرا، مشكلة الفقر". (الخرطوم الجديدة، اكتوبر 2007، ص9) ويعتقد أن أهم اشكال يواجه الحركة، هو أن الولاء تحول فيها من الافكار والتنظيم للاشخاص، والسبب في ذلك طلب السلطة والتي فيها المال والجاه. ويري أن الولاء للشخص اصبح مهما جدا "لانه مفتاح للوصول الي المال والسلطة والوظيفة وغيرها، ولذلك حدث تغيير نوعي في البنية الفكرية التي تقوم عليها الحركة الاسلامية". (نفس المصدر). ونتج عن هذا التغيير تحول الحركة الي كتل ومراكز، وتوزعت الاسرار والمعلومات حسب المجموعات ومراكز القوى والولاءات المختلفة. وقد اصبح الاصلاح صعبا بسبب تكريس المصالح وتبلور المراكز. ولكنه ليس يائسا، شرط ان تتغير القيادات كبيرة السن ويتقدم الشباب للقيادة. ويضيف الي ذلك حل مشكلة الفقر لانه يدفع الشباب الي التطرف.
    ويؤيد هذه الملاحظة القيادي بدر الدين طه بقوله أنه رغم أن الحركة عرفت الانقسامات في الماضي ولكن الانشقاق الحالي مختلف، لأنها حينذاك تمت بعيدا عن اروقة السلطة. ويؤكد: "الاخير كان مؤثرا في مسيرة الحركة لأن هناك كان يملك السلطة واستطاع عبرها أخذ كثير من ارثها والتأثير علي الطرف الآخر والمضي قدما بالمسيرة مدعوما بالمال والاعلام والسلطة، وكانت الاجراءات التي اتخذت ضد الطرف الآخر علي المستويين التنظيمي والشخصي كبيرة". (الانتباهة 24/2/2010) ويتحدث (طه) بطريقة مختلفة عن كثيرين، ليس عن الاصلاح أو التجديد: "توصلت الي أن الهدف الاساسي الذي دفعني الي الانضمام للحركة الاسلامية هو البحث عن الشفافية وقول الحق وخدمة الآخرين لكن انقسام الاحزاب الاسلامية وغيرها والتكتلات الداخلية ونشؤ مراكز القوة اقنعني بضرورة ترك التحزب وخدمة الشعب بعيدا عن الكيانات الحزبية". (نفس المصدر السابق)
    ويستنتج (مكي) في النهاية ما يلي: "إن الحركة الاسلامية في حاجة الي قيادة جديدة غير ديكورية لإصلاح حالها ومعالجة أزمتها". وأوضح أن ملف الحركة الاسلامية ظل مغلقا من يونيو 1989. وأن القضايا المحورية التي كانت تناقش في مجلس الشورى ما قبل 89، لم تعد تناقش في الهيئة الشورية التي أنشئت بعد 30 يونيو 89 وحرصت الحركة علي مناقشته في تقارير ما يسمي بالولايات والبناء التنظيمي وبعض إنجازات الدولة.
    مراجعات أخرى:
    هناك أشكال وطرائق عديدة للنقد لدي الاسلامويين بقصد التهرب من مواجهة الذات والإقرار بالخطأ. ويعتبر يس عمر الامام من الذين يرفضون الاعتذار للبشر ويرفضون الصفح منهم. فعندما يسئل عن التعذيب، يرد: لقد أخطأنا واتمني أن يغفر الله لنا. وهو يتحدث بفخر عن دوره في الانقلاب ولا يري غضاضة أو عيبا في التآمر علي الديموقراطية أو البرلمان الذي يشارك فيه. وهذا تجسيد لازدوجية موقف الحركة الاسلاموية عموما: المعلن والمضمر. ويكتب أحد الباحثين عقب لقاء معه: " فالحركة هي التي قررت اعتقالات أعضائها وأعضاء الأحزاب الأخرى.. كما بدت الآراء المتطرفة للاستاذ يس عمر التي كان يعبّر خلالها عن ضرورة تصفية القيادات التقليدية في السياسة السودانية وإراحة السودان من دوامة صراعات البيوتات الكبيرة، التي لم تقدم السودان قيد أنملة". (عبد الرحيم عمر، 2009:193).
    وهو يمثل تيارا عنيفا، ويعتزّ بذلك، يقول في مقابلة صحفية: "... فأنا دموي.. حيث كنت أري أن الدم لو لم يصل الي الركب، فلن يقوم اسلام! فالقوى الدولية المعادية للاسلام، لن تسمح، بالطرق السلمية بوصول الاسلاميين للسلطة". (أخبار اليوم 14/10/2003)
    وفي حوار صحفي ينقد التجربة السودانية لاإراديا، حين سئل: * هل هناك مجال للمقارنة بين تجربة "حماس" فى السلطة مع تجربة الحركة الإسلامية السودانية؟ - اعتقد أن تجربة "حماس" أحسن لأنها دخلت السلطة وخرجت منها وهى نظيفة ومتماسكة ولديها مد شعبي والحركة الإسلامية دخلت السلطة وخرجت مضعضعة وفيها فساد شديد وفيها ظلم وأدت مفاهيم معاكسة للقيم التى تحملها للناس، وزارني بعض الأخوان بالمنزل وكان من ضمنهم
                  

10-22-2011, 03:08 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: حسن الترابي وقلت لهم بأنني أخجل أن أحدث الناس عن الإسلام فى المسجد الذى يجاورني بسبب الظلم والفساد الذى أراه وقلت لهم بأننى لا أستطيع أن أقول لأحفادي انضموا للأخوان المسلمين لأنهم يرون الظلم الواقع على أهلهم "فلذلك الواحد بيخجل يدعو زول للإسلام فى السودان، أنا غايتو بخجل".
    * كيف تنظر لمستقبل الحركة الإسلامية فى السودان مع الأخذ فى الإعتبار التجربتين؟
    - مستقبل الحركة الإسلامية فى السودان ضعيف للغاية أضعف من أى بلد إسلامي وذلك لسببين: حماس وصلت القمة فى مرحلة لا تملك فيها سلطة على بلد محتل ولكن فى السودان السلطة كانت فى يدهم مائة بالمائة وسلمتها للعدو والقيم المرفوعة كلها والشعارات أنهارت ودفنت ولم يعد هنالك شعار واحد منفذ منذ قيام الثورة مثل "ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" حيث لا توجد زراعة ولا صناعة ولا تجارة. وأريد من الصحفيين وللاسف كلهم ليس لديهم احتكاك مع الجمهور بما فى ذلك الصحيفة التى أنا مسؤول عنها إذا دخلوا السوق لوجدوا التجار "قاعدين ساكت" وقد كثرت ديونهم ودخلوا إلى السجن بسبب ذلك والتجارة الآن أمتلكتها الحكومة عبر شركاتها الخاصة واليوم الذى تنهار فيه الحكومة ستنكشف عورات كثيرة. أعتقد أن تجربة السودان جعلت المواطن العادي لديه ظن سيئ فى شعار الإسلام ولا عشم له حوله، والمعاملة سيئة حتى مع أخوان الحركة الإسلامية بإذلالهم. (المصدر السابق).
    يتخذ علي عثمان محمد طه من الهاجس الامني مبررا لاخطاء الانقاذ وبالطبع لقيام الانقلاب نفسه. فهو ينطلق من معادلة الأمن والحرية، اذ يري أن "أية حكومة تزيد جرعة الأمن علي حساب الحريات تتحول الي أداة قهر وبطش وتكتب أجلها بنفسها. وأية حكومة تزيد مساحات الحرية بما يتجاوز مقتضيات الأمن القومي والمحافظة علي مصالح المواطنين تنتهي الي فوضى." (صحيفة الخرطوم 19/5/2001) ويري أنه مع تراجع الخطر الامني والمهددات الخارجية، تراجع الانقاذ نفسها "وهذه فائدة الشورى السياسية المطروحة داخل المؤسسات التي فيها كثير من النقد ولا أظن أن هناك تجربة سياسية حاكمة صوبت اليها سهام النقد والتقويم من ابناء التجربة نفسها والمنتسبين اليها والمحسوبين عليها بمثل ما تعرضت له التجربة الاسلامية في السودان وهي في سدة الحكم"، ويضيف: "نحن نفخر بأن التجربة الاسلامية في السودان مهما اختلف الناس في تقويمها لا أحد في السودان يمكن ان ينكر أنها كانت تجربة مفتوحة من حبث النقد والتقويم حتي لابنائها من الحركة الاسلامية دون أن تحدث أية محاكمات سياسية ولا فرمانات الابعاد من العضوية". (نفس المصدر السابق)
    يورد (طه) خطأين داخلي وخارجي احتاجا للمراجعة والنقد وقد تم ذلك حسب رأيه. فقد فرضت ظروف الخطر علي النظام في ايامه الاولي – كما قال - اجراءات تضييق علي التنفيس والتعبير في الشارع. ولكن "ومؤكد ان انعكاس هذه الروح في الاجهزة قد تجاوز الجرعة المطلوبة التي يمكن ان تتخذها الدولة". أما الخطأ الثاني، والذي عبر عنه بقدر من الغموض: "ايضا هناك مسائل ارتبطت بتقييم التجربة نفسها، منها مسألة التناصح والنصرة مع الحركات الاسلامية. أيضا حدث فيها بحكم العاطفة نوع من الاندفاع أحيانا قدرة الدولة علي تقديم شىء وتفسير هذه المواقف لدي الآخرين. كم هذه فيه مراجعات دون أن يكون هناك انقلاب علي المبادئ. كان واضحا أنه بعد 4 رمضان تواصلت المراجعة وكان هناك حوار ضخم وسط الحركة وتململ عبّر عن نفسه بمذكرات ونصيحة ومقترحات وظلت تتصاعد بمكاتبات وارشادات خارج جسم التنظيم الحاكم (...) كل هذه المواقف والاحداث كانت هي محاولة للوصول الي المعادلة الوسطي والأقوم التي تجعل النظام قادرا علي الالتزام يشعارات ومضامين اسلامية لكن في اطار من الواقعية التي تمكن من التعامل مع الآخرين وتحقيق المصالح الكلية للشعب والوطن". (الخرطوم 19/5/2001)
    مثل انقسام تيار الاخوان المسلمين بزعامة الشيخ الصادق عبدالله عبدالماجد، التعببير العملي عن ادانة الخط الذي ظل يقوده الشيخ حسن الترابي. وقد وقف (عبدالماجد) ضد أي نقد للحركة الاسلامية، ويري أن الحركة مازالت موحدة في السودان ولها تأثير فاعل في المجتمع. وينبع هذا الموقف من عدم تغليبه للدور السياسي للحركة والتي يراها "حركة دعوة وتوعية لعامة الناس فالظروف التي نشأت فيها كان وقتها يخيم علي البلاد جوا من السطحية في فهم الاسلام ومبادئه ومراميه وكان همها الاول هو تحقيق هذا الغرض وفعلا نجح الاخوان في ذلك نجاحا ظاهر وشملت هذه الدعوة كل ارجاء السودان بلا استثناء". (الصحافة 19/10/2002) وكانت هذه نقطة الخلاف الحاسمة مع جماعة الترابي منذ مؤتمر 1969 تعرضت الحركة الي ما يمكن تسميته نقد الممارسات، وهو في الغالب نقد صحفي يميل الي الاثارة وكشف عورات التنظيم وهو مؤثر كثيرا لأنه يثير الجدل ويتم تداوله في المناسبات الاجتماعية. وكان المرحوم (محمد طه محمد احمد) من الذين يجيدون هذا النوع، لأنه دون كوابح في المسكوت عنه. فقد طرح قضية العنصرية أو القبلية والجهوية، وهي ظاهرة منتشرة وعميقة داخل الحركة الاسلامية. رغم محاولة تغطيتها بـ"أخوية اسلامية غير تمييزية". انطلق (طه) من الكتاب الاسود، قائلا: "حينما تسقط رايات الانتماء الفكرية يرفع الطامعون في استمرارهم في السلطة مظلة اخري ويحاربون بسلاح من صفيح صدئ وهكذا يشعلون الفتن القبلية والعنصرية والجهوية، والسلاح الاخير الذي رفعه وللأسف بعض قيادات الحركة الاسلامية هو (الكتاب الاسود) وزعموا فيه أن السلطة مركزة ومحتكرة وكذلك الثروة في ايدي ابناء ولاية الشمالية والنيل". (صحيفة الوفاق 29/4/2000). وأخذ علي الشيخ الترابي أنه لم يدن بشدة وحسم هذا الاتجاه العنصري داخل الحركة. ويذكره كيف تكتل ابناء الغرب والجنوب ورفضوا مرشح الحزب غازي صلاح الدين لمنصب الامين العام. وكان بديله الشفيع احمد محمد. وفي تلك الفترة أي قبل المفاصلة ومذكرة العشرة، كان غازي طفل الترابي المدلل فوقف معه ضد الشفيع الذي هزم ولكن ارسل سفيرا للسودان في ايران. وفي السياق نفسه يحمّل الترابي مسؤولية مأساة داؤد بولاد، ويتهمه بانه سبب تسريب وثيقة تتحدث عن تعاون بولاد مع اجهزة النميري، وكان الترابي وقتها النائب العام وكان (بولاد) بعد ان تخرج في كلية الهندسة قد فرغ للعمل التنظيمي في غرب البلاد وافتتحت له بعض الورش لتمويل النشاط التنظيمي. ويبدو انه لم تكن له خبرة في هذا المجال، ففشل المشروع فلم يسلم من غمز ولمز اخوانه في الله. ويكتب أحد الاسلامويين في هذا الموضوع: "...وبدأت تسريبات تنظيمية غامضة المصدر تطعن في ذمته المالية (...) وبدأت ملاحقات بنك فيصل. وضاقت علي داؤد أرض (الاخوان) بما رحبت، حيث بدأت تنتشر بعد فشل الاستثمار الاقاويل في اوساط (الاخوان)... ولم يتم تحقيق تنظيمي في ضياع اموال استثمار ورشة نيالا، حتي يخلص ذلك التحقيق ان كان ضياع المال بسبب فساد الذمة المالية أم بسبب سوء ." (عبد المحمود نور الدائم الكرنكي، صحيفة الاحداث 14/1/2010) ويقال ان الرجل كان كريما ومتلافا وبالتأكيد يكون قد صرف الاموال علي نفس الذين اطلقوا عنه الشائعات. ولم تراجيديا بولاد الاغريقية عند هذا الحد. فقد حارب دولة (الاخوان) رغم أنه حاول العودة وشارك في مظاهرة مؤيدة للانقاذ. ولكن تعقيدات علاقته استمرت "...فأصبح داؤود في انعدام وزن تنظيمي ومالي ومهني واجتماعي، حيث لم يصعد به سلم السياسة والتضحيات والعطاء التنظيمي والولاء الاخواني الي الدرجة المستحقة". وحارب في دارفور ووقع في الاسر وكان والي الولاية – للمفارقة - عضو اتحاد الطلاب دورة 74/1977 الطيب ابراهيم محمد خير، وكان رئيس الدورة نفسها: بولاد! وتم اعدامه فوريا ولم يغفر له تاريخه، ويكتب (الكرنكي) عن الاجواء: "في (رقصة الهياج) والنصر كان نسيان أن النبي (ص) قد قال أنه لا يحب أن يقول الناس أن محمدا بقتل اصحابه. ولقد عفا عليه الصلاة والسلام عن حاطب بن ابي بلتعة بعد أن قام بالتجسس في غزوة الاحزاب لصالح قريش". ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل انتشرت تسريبات غامضة بعد اعدامه، فقد نشرت الصحف بانه عند العثور علي جثته وجدوه يعلق علي عنقه قلادة عليها صليب! وهكذا لاحقته عملية الاغتيال المعنوي ولم تعط أي قدسية للموت. ويختم الكاتب: "كان تنظيم الاخوان قمرا مضئيا. لكن لكل قمر مضئ وجه مظلم تنبعث منه اشعاعات خفية لتدمير السمعة (...) هناك عدد من التسريبات الغامضة، أو في حقيقة الامر هناك عدد من حادثات الافك في حركة الاخوان تحتاج الي مجلد. مثل تلك التسريبات الغامضة ضد الراحل الدكتور (م.ع.ب) والدكتور (ع.أ.ب) والعالم العابد الفقيه (ح.ن) والراحل داؤود بولاد".
    وبعد سنوات يفضل امين حسن عمر، شرعية الانجاز علي فلسفة المشروع الحضاري. ففي ورقة تحت عنوان: "التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في السودان في الفترة 1989-1999"، في ندوة ضمن نشاط الاتحاد العام للطلاب السودانيين، تحول الي اقتصادي وليس منظرا ومفكرا. ولجأ الي نظرية شرعية الانجاز في تبرير نجاح الانقاذ، وتحدث عن زيادة الرقعة الزراعية من 18 الي 30 مليون فدان، وانتقال السكان من البداوة للحضر...الخ. (راجع نص المحاضرة بصحيفة الانباء 27/6/1999)
    كان للعسكريين طريقتهم واسلوبهم في ادارة الصراع، وهو "القصف بالتهم" فقد قال البشير في لقاء جماهيري، أن الترابي "ظل عمره كله يغش ويخدع الناس ويدعو الي تطبيق الشريعة الاسلامية، ولكنه لا يريد الشريعة، لأنه أحلّ الخمر وفتح البارات في الخرطوم بعد ما اغلقها الرئيس السابق جعفر النميري العام 1983"، في اشارة الي افتراح الترابي تطبيق القانون في العاصمة علي أساس شخصي، نظرا الي تعدد ساكنيها". وقال في لهجة غاضبة: "الترابي كان شيخنا وزعيمنا، لكنه خدعنا فتخلينا عنه. أنه رجل منافق وكذاب ضد الدين ويسعي الي الفتنة يحرض المسلمين علي قتل بعضهم في دارفور". (الحياة 4/4/2004).

                  

10-22-2011, 03:09 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: الفصل الثالث

    مابعد الاسلام السياسي
    هل كان السودان في حاجة حقيقية لحركة إسلامية؟

    يدور في خاطري مستمر بعد أن عاش السودان تجربة النظام الاسلامي: هل كان السودان في حاجة الي وجود حركة إسلامية أيّا كان اسمها؟ وماذا أضاف وجود الحركة لتطور السودان السياسي والفكري؟ وهل ساهمت الحركة في نهضة إسلامية وفي تجديد الفكر الاسلامي؟ وماهي الاضافة والمساهمة التي نجدها في الكتب التي ألفها أعضاؤها، والاجتهادات والنظريات أو الافكار الجديدة التي ترجع الي منتسبيها؟ ما هو مردود هذه السنوات علي الوطن والدين أم كله مجرد حصاد هشيم وقبض ريح؟ هل ساهمت الحركة الاسلامية في دعم الوحدة الوطنية وتعايش الثقافات أم سارعت بسبب السياسات الخاطئة وغياب الرؤية، في انفصال جنوب السودان؟ وعدوا بدولة يقول عنها رئيس المجلس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر: "حركة التشريع القائمة الآن في البلاد حركة هادفة داعية، تستمد قوتها من سمو للاهداف التي تسير الدولة، فالدولة ليست دولة أفراد أو دولة حزب انما دولة رسالة وحاملة حضارة شاملة". (1995:64) ويضيف: "المجتمع فهو مجتمع رباني عابد عادل مشحون بالقيم الاخلاقية العالية، إذ هي ضمانته الكبرى للبقاء والنماء". (ص90) ولكن هذه المدينة الفاضلة بدأت ببيوت الأشباح وانتهت باغتصاب الناشطة صفية اسحاق داخل مقار أجهزة رسمية. فهل كان هذا المشروع الحضاري الاسلاموي يستحق أن تبذل من أجله كل هذه الارواح في الجنوب ودارفور والشرق ومعارضي السدود؟ وأن يهان بسببه كل هولاء المواطنين في بيوت الاشباح والمعتقلات ومعسكرات التدريب التي اغتيل فيها غسان أحمد الامين هارون ومعسكر العيلفون؟ وأن تستنزف أموال تطعيم الاطفال ضد الشلل ومكافحة الملاريا من أجل الدعاية والترويج للمشروع لدرجة أن يؤسس منها أحد الاسلامويين التوانسة قناة فضائية من أموال اليتامي - ياله من سفه؟

    في حوار صحفي مع عبدالرحيم علي رئيس مجلس الشوري، سئل: هل يمكن أن تقوم حركة في بداية القرن الحادي والعشرين علي نمط حركة في منتصف القرن العشرين؟ اذا وضعت السؤال بهذه الطريقة الاجابة (لا)، اما إذا سألتني هل يمكن تحقيق أو استعادة بعض ميزات الحركة التي كانت تتميز بها في أوائل عهدها، فهذا ممكن. هذا ما يسمي بالتجديد في الحركات الاسلامية. (....) الكاريزما في بدايتها تكون قوية ثم تصبح كما يسميها رجال الاجتماع روتينا (...) تنقص روح الحماس في الكاريزما ولكن تكتسب أشياء أخري منها المؤسسية والاستقرار ووضوح المناهج (...) لكن الشعور بأنك فقدت أشياء عزيزة أيضا يولد رغبة في استعادة بعض الأشياء القديمة. هذا يحدث مع التجديد (...) وأشواق كثير من الشباب تحملهم الي حركات أخري، حركات صوفية مثلا." (الرأى العام 17/11/2002)
    هذه الاجابة ذات دلالات عميقة، فهناك ظاهرة لم ترصدها الحركة الاسلامية جيدا وهي توجه قوي واندفاع كبير من الشباب نحو الطرق الصوفية الجديدة والمتجددة. وهذا ينفي الادعاء التاريخي الذي بنت عليه الحركة الاسلامية كثيرا من مبررات وجودها كبديل وكحركة تصر علي صفة "حديثة". تدفق الشباب أو عودته للتصوف، يؤكد لديّ أكثر من حقيقة. أولها أن وجود الحركة الاسلامية لم يكن ضرورة تاريخية ونتيجة تطور طبيعي. فقد كانت اصطناعية ووليدة عملية قيصرية. ثانيها العودة دليل علي فطرة وبساطة تدين الطرق الصوفية وملائمتها للواقع السوداني. ورغم احتقار أعضاء الحركة المتعلمين "الحداثين" لممارسات المتصوفة وتفكيرهم؛ فقد عادوا الي تملقهم سياسيا. وخصصت لهم أمانة "الذكر والذاكرين" في المؤتمر الوطني، كما لا تنقطع زيارات الرئيس ونائبه لهم في قراهم وقبابهم.
    لم تكن الحركة الاسلامية المعاصرة نتيجة اصلاح وتجديد قامت به الجماهير الريفية والبدوية ملتفة حول شخصية كارزمية، صاحبة شعار بسيط، هو: أن يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. فقد كانت المهدية – الحركة الاسلامية الاولي حركة شعبية قواها الاجتماعية الفقراء والفلاحين والرعاة وصغار التجار والحرفيين (صناع المراكب والسواقي، والنسّاجين). ولكن الحركة الاسلامية الحالية هي صناعة صفوة أو أفندية، هندست في الجامعات والمدارس الثانوية بقصد محاربة الشيوعية وليس محاربة الفقر والجهل والمرض، وهي شعارات الحركة الوطنية في نفس فترة نشأة الحركة الاسلامية والتي كانت مشغولة فقط بهزيمة الشيوعيين وابعادهم من اتحاد الجامعة.
    ويصف أحد مؤرخي الحركة النشأة والبدايات عقب الصدمة التي ولدتها الهجرة الي المدينة والتعرض للتعليم الغربي الحديث، يقول: "إنها حياة جديدة بكل المقاييس، ولكن أين أصالة المجتمع السوداني وقيمه وموروثاته الرفيعة في هذا المجتمع الجديد؟ أين تعاليم الإسلام وأنماطه السلوكية التي يتلقاها الطفل في بيئته منذ نعومة أظافره؟ هكذا أخذ الفتية يفكرون ويتساءلون. ثم جاءت الطامة عندما خبروا طبيعة المناخ السياسي في أروقة اتحاد طلاب الكلية الجامعية. كان الاتحاد في قبضة الشيوعيين الذين أشاعوا جوا من الإرهاب الفكري والسياسي بين الطلاب... واستغلت الحرية الجامعية لممارسة أنماط من السلوك لا يرتضيها الخلق والعرف والدين وأخذت الأصوات المعارضة تهمس بالامتعاض والإنكار لما تري ولكن المعارضة كانت سالبة." (عبدالقادر، ص65).
    ويسرد الكاتب نشأة الحركة التي كانت عفوية تماما من خلال قصة الطالب بابكر كرار حين قال لزميل دراسته محمد يوسف محمد: "لم لا نفكر في إحياء الفكرة التي نقلها إلينا أستاذنا الصائم محمد إبراهيم، عندما زارنا في حنتوب عام 1948". (ص65) والفكرة كانت امتدادا لمبادئ جبهة الهرم التي أسسها في مصر بهدف: "حماية الطلاب السودانيين في مصر من خطر الشيوعية وحثهم علي الانصراف للدراسة والتمسك بأخلاقهم وقيمهم الحميدة". (هامش صفحة65). ودعاهم الصائم الي استقطاب "العناصر الخيرة من بين الطلاب لمواجهة هذا النشاط الشيوعي الهدام علي أساس من قيم الإسلام وتعاليمه". ويقول ان الفكرة سرت بين الكثيرين، فحددوا موعدا للقاء (خلال مارس 1949) في الميدان الغربي بجامعة الخرطوم. ودار نقاش طويل انتهي بقرار بناء حركة إسلامية "تتصدي للهجمة الشيوعية ومقاومة الاستعمار سعيا نحو مجتمع فاضل علي أسس تعاليم الإسلام وقيمه." وفرض الظرف علي المشاركين أي صعود الحركة الوطنية، أن تكون "حركة تحرير إسلامي". ويؤكد الكاتب أن المؤسسين لم تكن لديهم أي ايديولوجية، يقول: "ولم تكن في أذهانهم وقتئذ رؤية واضحة لعمل هذه الحركة: من أين تبدأ وماذا تفعل؟ ولكن حسبهم الاستعانة بالله وصدق التوجه وعزيمة الشباب". (ص66).
    ويقدم الشيخ حسن الترابي بطريقته المسرحية - كتابة وخطابة - وصفا للمرحلة السابقة لقيام الحركة الاسلامية. فقد قسم النخبة السودانية إلي تيارات، هي: الوطني، الليبرالي القومي والشيوعي؛ وجميعها نتيجة مؤامرة أو تكييف خارجي. ويكتب الشيخ: "ونشط اليهود في نشر الشيوعية في الشرق الأوسط كما نشط النصاري في نشر القومية. وكان نصيب السودان بالطبع من كسب اليهود المصريين الذين استمالوا طائفة من الشباب السوداني للشيوعية، ولقي هؤلاء رعاية من عناصر غربية وسوفيتية، وصادفوا فراغا عقديا في الحركة الوطنية في البيئة الطلابية، فتمكنوا بيسر في قيادة الطلاب، وتسللوا لمواقع نقابية في العمال والزراع والعاملين، وسبقوا في مجال الصحافة والتحرك السياسي، فكان لهم صوت مقدر في الحياة العامة". (1992:19). وبالطريقة التبسيطية التي لا تحترم العقل، يحاول (الترابي) أن يقلب الصراع الايديولوجي إلي آخر ديني: اليهود خلف الشيوعية والنصاري خلف القومية. لذلك، حين يضرب طالب اسلاموي، شيوعيا أو قوميا بسيخة؛ فهو في الحقيقة قد ضرب يهوديا أو نصرانيا.
    فالحركة ذات نشأة غير صحية لأنها قائمة علي النفي والسلب أي أنها في البداية قامت ضد كذا ولم تحدد مع ماذا؟ فقد جاءت دعوتها الهلامية للدستور الاسلامي لاحقا. وسيطرت فوبيا الشيوعية أو الشيوعيوفوبيا، علي عملها وفكرها؛ مما جعل منها حركة دفاع عن الذات فاقدة للمبادرة وتكتفي برد الفعل فقط. وقد اخترع الافندية ذوي الاصول الريفية (في الغالب) هذا الجهاز والذي احتاروا في تسميته في البداية، ومالوا الي اسم الاخوان المسلمين ثم فضلوا اسم الجبهة الفضفاض بتنويعاته المختلفة. ماهي مهمة أو وظيفة الجهاز الاساسية؟ وقف المد الشيوعي في الداخل والتحصن ضد مفاسد الحضارة القادمة من الخارج أو التي قد يحتكون بها لو اوجدتهم الظروف في الخارج. ظلت الحركة مجرد رد فعل ولذلك لم تبدع فكريا، وبقيت نشطة سياسيا وخامدة وخاوية فكريا ونظريا.
    وفي هذا المناخ السياسي الخائف والمتربص كانت ولادة الحركة الاسلاموية في الجامعات والمدارس وليس في الجوامع والخلاوي والمسيد. وهذه بداية هامة في مسيرة العمل الاسلامي كان لها عظيم الأثر في التفكير واساليب العمل. وقد ظهر الفرق حين وصلوا للسلطة، إذ لا يتورع الافندي أو الاسلاموي البورجوازي الصغير في الولوغ في الترف والفساد لانه لا يعرف ولم يمارس قيم الزهد والتقشف. بل العكس، الافندي يهمه المظهر والمكانة والتميز. وكانت أولوية الحركة الاسلامية لعقود طويلة هي التصدي للشيوعية والشيوعيين، بكل الوسائل فهو جهاد مقدس. وهذا عطّل الحوار داخل البيئات التي يزدهر فيها الفكر: دور العلم. وحدث العكس، فقد تربي كثير من الاعلاميين الحاليين في اركان نقاش الجامعات حيث دربوا علي المهاترات والسب، وسؤ الخلق في التعامل مع الآخر، وعدم توقير الكبير. ويقول(الترابي): "هناك نشأت الحركة الاسلامية الحديثة استجابة تلقائية من الفطرة الدينية العرفية المتمكنة في وجه الاستفزاز الذي مثلته أنماط منكرة من مسالك ومقولات روجتها التوجهات الليبرالية والشيوعية في أوساط الطلاب." (نفس المصدر السابق، ص19) ويكتب (محمد الخير عبدالقادر) عن بدايات الصراع الفكري والسياسي في السودان مطلع خمسينيات القرن الماضي، فيقول: "...وفهم بعض الطلاب الأمر علي حقيقته فرفضوا دعوة الشيوعيين وأنشأوا الجمعيات الدينية لمقاومتها في وادي سيدنا وحنتوب، وكانت تجربتهم مع الخلايا الشيوعية سببا في انتمائهم إلي الحركة الإسلامية فيما بعد، كما أصبحوا شهداء علي إلحاد الفلسفة الماركسية وما تنضح به من بغضاء للمعتقدات الدينية. ومن ثم كان ظهور الفكر الماركسي ونشاط الحزب الشيوعي من أخطر التحديات التي ألهبت حماس الكثرة الغالبة من طلاب المدارس والمعاهد والجامعات للانتصار للعقيدة، فتدافعوا إلي صفوف الحركة الإسلامية". (ص58) واستمر الاسلامويون في خلق صورة للخصم وللوضع تبرر الحاجة لقيام الحركة الاسلامية. وما نقرأه أدناه، فيه كثير من المبالغة ولكنه يوجد في الصراع السياسي: "وتبدلت احوال كنا فيها في الاربعينات والخمسينات في المدارس وفي المعاهد كنا لا يستطيع احدنا أن يؤدي الصلاة خشية أن يوصف بالرجعية والتخلف (...) كان في الساحة كلها طائفية وجاهلية ويسارية ماكرة وحزبية عمياء كانت جاهلية ليس من نور فيها يضئ موضع قدم لمستبصر، ولا بصيص أمل لمستنصر، فانطلقت بعدها هتافات الاخوان (لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية) (الله غايتنا) (دين ودولة) اصابت تلكم الظلمة بصدمة فأفاقت حشود كانت غافلة". (أزرق، ص16-17). ويشعر القارئ وكأنه في مكة اثناء أيام البعثة الأولي أو في موسكو نهاية عام 1917؛ وليس في السودان بلد الخلاوي والمساجد ومئات الفقرا والشيوخ. ومشكلة الاسلامويين، أنهم يتخيلون أن الاسلام دخل للسودان مع مؤتمر العيد التأسيسي في عام 1954 أو انطلق من مزرعة عثمان خالد مضوى بالعيلفون عام 1962. وهكذا اصطنعت الحركة الاسلاموية السودانية وهم أن الاسلام في خطر.
    يمكن تصنيف جذور الحركة الاسلامية السودانية الحالية بأنها صناعة مصرية بامتياز، رغم أن (الترابي) تمرد لاحقا علي التنظيم العالمي للأخوان بسبب طموحه الشخصي وليس لأي أسباب فكرية أو سياسية. ويظهر ذلك منذ حقبة النشأة الأولي في النقاش حول تسمية الحركة بالاضافة الي تأثير الرافد الأول. كانت حركة التحرير الاسلامي عند انبثاقها سودانية مستقلة وجديدة، ولكنها حوصرت من قبل العناصر المحافظة التي تضايقت من الحديث عن اشتراكية الإسلام التي كان يروج لها بابكر كرار. وكان تأثير أخوان مصر قد غرس مع زيارة جمال الدين السنهوري عام 1944. ويكتب أحد مؤرخي الحركة: "وكانت لطريقة جمال الدين في الخطابة والحماس الذي صاحبها أثر عميق في نفوس المستمعين خاصة وأن الناس عامة في هذا البلد ما كانوا يعرفون العمل الديني الا من خلال العمل الديني الطائفي الذي له شعائر غير مقبولة عند الفطرة الدينية السليمة". (أزرق، ص6). وفي هذه الجملة القصيرة يقوم الكاتب بنقد عمل الطرق الصوفية (الطائفية) بطريقة قاسية تخرجهم من الفطرة الدينية السليمة. ويبدي إعجابه بطريقة السنهورى في نفس الوقت: "ويبدو أن الاسلوب المنبري العام الذي سلكه السنهورى ومن معه وكان أقرب الي الطريقة الحزبية هو الاسلوب الذي توجت به تلكم المحاولات التي كانت متجانبة لمنهاج الاخوان". (نفس المصدر السابق). وبعد احدي تلك الخطب كان البعض يقوم بتوزيع شارات الاخوان المسلمين (السيف والمصحف –واعدوا لهم) علي الناس دلالة علي قبولهم الدعوة. ونلاحظ البداية العشوائية والبسيطة لنشأة الحركة. فهي لم تكن تحتاج الي برامج ودستور وتثقيف سياسي. فهي تعمل وسط مسلمين ملتزمين بشعائر الدين، ومهمة الحركة ستكون سهلة وهي تأطيرهم تنظيما باضافة نشاط سياسي يوسع التزامهم الشعائري الي استنباط معاني أشمل للاسلام مثل: دين ودولة. لذلك كان للزيارة رغم السطحية والعجلة أثرها الكبير في التعريف بالاخوان المسلمين المصريين ودعوتهم، وشرع الكثيرون في تبادل رسائل الإمام البنا.
    ازدهر النفوذ الأخواني المصري في هذه الظروف، ويقول (أزرق) أنه وجد مناخ طيب: "يهئ للأخوان المسلمين الوافدين من المصريين وغيرهم من الافراد المتواجدين هنا وهناك، مجال العمل وكان بعضهم أصلا من الطلبة الذين تم التحاقهم بالجماعة في مصر، فأوجد لهم مناخا طيبا هيأ لهم أن يضعوا البذرة الأولي في تكوين خلايا (أسر) علي منهج جماعة الأخوان في أماكن عديدة من البلد". (ص6-7). واخذت التبعية شكلا رسميا حين تم تعيين علي طالب الله مراقبا عاما للأخوان المسلمين في السودان من قبل المركز العام للجماعة في مصر. وكان التنظيم الجديد تحت رعاية مباشرة من المركز. فقد أرسل عبد الحكيم عامر والسنهورى الي السودان عام 1948 يقول الكاتب: "وكان لنشاطهما أبان زيارتهما التي شملت بلدان عديدة كان له أثره في المجالين التنظيمي (ربط الأفراد بالجماعة وفق المنهج التكويني) وفي الحقل العام بالاتصال بالجماعات الاخري. كان لتحركهما أثر واضح امتد طويلا بالرغم من اختفاء القيادات التي كان يمكن أن تقود الجماعة بكفاءة ومقدرة وادراك وعلم بطبيعة الدعوة". (نفس المصدر السابق).
    لم يكن للحركة الاسلامية البازغة أي مرجعية تاريخية محلية حين إنطلقت. فالفكر الديني السوداني حينذاك تمثلت مصادره في الاسهامات الصوفية ومنتسبي المعهد العلمي والقضاة الشرعيين ومدرسة العرفاء وخريجي الأزهر ودار العلوم المصرية لاحقا. وشعر الرواد بالحاجة الي التثقيف الذاتي قبل مخاطبة الآخرين. وتم تكليف الطالب الجامعي محمد يوسف محمد بإعداد بيان عن "اشتراكية الإسلام". وهذا الاختيار للموضوع يوضح مدى التنافس مع
                  

10-22-2011, 03:11 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: الشيوعيين، فمن البداية كانوا يرون أنفسهم في مرآة الشيوعيين. وشرع العضو يبحث في كتاب "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل، واقتبس منه حديثا عن الحضارة الإسلامية وعجز الحضارة الغربية عن إسعاد الانسان، وعن العدالة الاجتماعية في الاسلام. وكانت هذه المادة هي أساس أول بيان تصدره الحركة الاسلامية في الكلية الجامعية للتعريف برسالتها وأهدافها. (عبد القادر، ص67)
    شهدت نهاية الاربعينيات حركة نشطة من وإلي مصر، وكان من نتائجها تواصل اخواني، تدفق أكثر من الشمال. وكانت البداية وصول بعض رسائل حسن البنا، مثل: "إلي أي شىء ندعو الناس؟" و"رسالة المؤتمر الخامس" و"نحو النور". وبدأت علاقة وثيقة شكلت عقل الاخوان المسلمين السودانيين ورغم أنهم حاولوا مرات عديدة قتل الأب، ولكن دون جدوى. ويقول عنهم أحد مؤرخيهم "... عرفوا الكثير عن دعوة الإخوان المسلمين وأسلوبهم في العمل ووجدوا في رسائل حسن البنا الغذاء الفكري والروحي الذي كانوا يبحثون عنه، وفي نظام الأسر والكتائب والرحلات الرياضية عونا علي التربية الإسلامية التي تصوغ الفرد صياغة جديدة". (عبدالقادر، ص68) ويستشهد الكاتب بأقوال أعضاء في الحركة الإسلامية الناشئة. يقول أحد الذين عاصروا تلك الفترة: "لقد كنا نبحث عن أدب للحركة الإسلامية فلم نجد غير رسائل حسن البنا". ويقول قطب من أقطاب الحركة الإسلامية وقتئذ: "لقد أغنتنا رسائل حسن البنا عن البينات المتواضعة التي كنا نجد في إخراجها وننسخها بخط اليد". وقال ثالث: "وعندما اطلعت علي رسائل البنا ومجلة الدعوة، أحسست بأنني وجدت كنزا كنت أبحث عنه وأننا: أخوان مسلمون". (راجع المصدر السابق، ص69). ويكتب (عبدالسلام): "كانت ثقافة الحركة الأخوانية التقليدية في السودان تجد كفايتها من قراءة أدب حركة الإخوان المسلمين المصرية (حسن البنا، عبدالقادر عودة، البهي الخولي، سيّد سابق، محمد الغزالي، يوسف القرضاوي، سيّد قطب، محمد قطب). وبالاضافة لهؤلاء، مالك بن نبي وأبو الأعلي المودودي، أبو الحسن الندوي ثم فتحي يكن وسعيد حوي من الشام.
    اعتمدت الحركة الاسلامية السودانية بالكامل علي المصدر المصري في الفكر والثقافة، ولذلك ظلت كسولة وغير مبدعة. وقد أكد (الترابي) نفسه هذه الحقيقة، حين كتب: "ومهما كان فقد كانت الحركة في هذه المرحلة أقرب إلي أن تكون عالة في زادها الفكري والتنظيمي علي الخارج، وكانت تتناول أغلب أدبها من كتب الأخوان المسلمين في مصر أو كتابات المودودي، وكذلك كانت أشكال التنظيم البسيطة السائدة فيها هي تقريبا من التجارب التنظيمية في مصر". (1992:25) وكما تصف إحدي القيادات التاريخية هذه العلاقة: "...ووثقت عرى الاتصال بينهم وبين إخوانهم في السودان وتدفقت من خلالهم أفكار الإخوان وأساليبهم في الدعوة وأدبهم ومطبوعاتهم نحو الخرطوم، لقد كان عطاء الحركة الإسلامية اليافعة في السودان متواضعا الي حد كبير قبل اتصالها بالإخوان المسلمين في مصر، فلم يكن لها زاد تقدمه الا في حدود الاجتهاد الفردي لأعضائها المتحمسين وهم في بداية المرحلة الجامعية وعلي أثر هذه الصلة الوثيقة التي نمت بين الحركة وجماعة الإخوان في مصر امتد نشاط الدعوة في السودان إلي مواقع التأثير بين الطلاب وغير الطلاب، وكانت الصلة أشبه بصلة التلميذ بأستاذه". (عبدالقادر، ص70). ومن الواضح أن الحركة لم تكن ذات جذور محلية وبالتالي لم تستطع أن تتحول من النخبوية الي حركة جماهيرية. وفي الانتخابات الاخيرة (1986) اكتسبت الحركة ثقلها البرلماني من دوائر الخريجين وليس الدوائر الجغرافية. وهذا يفسر نجاحهم في التضييق علي الشيوعيين سواءا بمفردهم أو بتحالفاتهم الوقتية، بينما فشلت في وقف النفوذ الطائفي في الريف والبادية حتي بعد ان حكمت السودان. ومن ناحية أخري، فقد استراحت لأنها وجدت كما هائلا من الادبيات.
    كشف ميلاد الحركة عن فقرها الفكري المدقع، إذ لم تدشن ميلادها بأي أدبيات مطبوعة. وقد بحثت عن كتاب واحد أو رسالة أو مخطوط للمرشد الأول للحركة، الرشيد الطاهر، فلم أعثر علي شىء. وكان أول انتاج مكتوب لحسن الترابي هو كراسة صغيرة لدعم حملة حل الحزب الشيوعي، عنوانها: "أضواء علي المشكلة الدستورية – بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي" (1967). وشعرت الحركة الاسلامية بهذا الخلل والعيب، خاصة وهي يفترض ان تكون حركة مثقفين. وبدأ الاهتمام مؤخرا ومتقطعا، بعد المصالحة الوطنية حين رعت الحركة مبادرة مجموعة متنوعة من الاسلاميين حتي غير المنظمين. فقد عقدت "جماعة الفكر والثقافة الاسلامية" مؤتمرها الأول بالخرطوم خلال الفترة 27-30 نوفمبر1982. وقد صدرت البحوث في كتاب عنوانه: "الإسلام في السودان". وتعتبر الجبهة الفكرية والأكثر خمولا رغم وجود أمانة للفكر والدعوة في التنظيم ولها فروعها الاقليمية. ويعترف بعض الاسلامويين بغلبة السياسوى علي الفكري؛ والحركية علي الذهنية والتأملية. ففي فترة الديمقراطية الثالثة (6-1989) انتعشت الاجواء الثقافية وتنافس الجميع في هذا الميدان ودخلت الجبهة الاسلامية المنافسة. ولكنها اقتصرت علي الصحف والمجلات، ومع ذلك أرضت الاسلامويين. يكتب أحدهم: "اتسعت إصدارات الجبهة الإسلامية ومنابرها الصحفية بعد العام الإول، فقامت إلي جانب الجريدة اليومية مجلات تصدر شهريا، وأخري تصدر أسبوعيا، وتوسّعت في تغطية ثغرات الفكر والحوار والثقافة التي طغت عليها السياسة في تجربة الجبهة الاسلامية". (عبد السلام، ص79) ولكن التدهور استمر بالذات بعد الاستيلاء علي السلطة، يواصل: "وهو مناخ لم يقدّر له أن يتصل عندما تركت الحركة الإسلامية مع بزوغ فجر الإنقاذ منابر الدعوة لتحرس ثغور المجتمع ألا تؤتي من قبلها". ومن الواضح أن الحركة لا تعطي اولوية للجوانب الفكرية، فهي مهجوسة بالوصول الي السلطة. فكان من الطبيعي أن تركز علي وسائل عملية تساعد في تحقيق الغرض الأهم في برنامجها.
    عرفت تلك الفترة التكوينية الهامة تزايد النفوذ الاخواني المصري، لذلك تطغي معارك الخارج دائما علي أوضاع الوطن مما يطعن في قومية الاسلامويين السودانيين فهم مسلمون أكثر منهم سودانيين. ويكتب أحدهم عن تطور الحركة في السودان: "وتكمن قمة تحدياتها الآنية في تشكيل الشخصية الحضارية الإسلامية بدلا عن الشخصية القومية السودانية". (دفع الله، 1995:106). وقد ظهر هذا الموقف جليا حين استلموا السلطة حيث منح بعض الاسلامويين العرب جوازات سفر دبلوماسية بينما وجد بعض السودانيين صعوبات في تجديد جوازاتهم لأنهم معارضون. وهذا بيان للسكرتير العام للاخوان المسلمين، الاستاذ الرشيد الطاهر. فهو لم ير في الاستقلال الا مناسبة "للانتقام" من الرئيس جمال عبدالناصر بسبب صراعه مع أخوان مصر،ولم يغمره الفرح كسوداني.يقول البيان:
    "إن مصلحة الدعوة الإسلامية تقتضينا أن نطالب بإصرار بمبدأ الاستقلال لأننا سنجد فيه الحماية والطمأنينة التي تزدهر في ظلها دعوتنا ولأن الاستقلال يمكّن الشعب السوداني المسلم من أن يمد يد العون للشعب المصري المنكوب ليتخلص من الوضع الذي يرزح تحت وطأته ومن ثم ينطلق الإسلام السجين من وراء القضبان ليحرر مصر من طغيانها". (محمد الخير عبدالقادر، 1999:107).

    أولويات الحركة وإشكاليات المؤسسية
    1: قيام الكيان وتحديد الهوية:
    تكاثرت اعداد المقتنعيين بفكرة الإسلام الشامل وأصبحت الحاجة ملحة لقيام تنظيم أو كيان مؤسسي يعمل علي تجميعهم للعمل معا حسب اهداف مشتركة أو متقاربة مثل الحكم بالاسلام ومواجهة الحركة الشيوعية. ولكن التصور كان مشوشا عند الكثيرين خاصة وقد تبنوا إسم (حركة التحرير الإسلامي) والذي يري البعض أن الإسم وليد أجواء الحركة الوطنية حتي حين قررت المجموعات والشعب المختلفة التجمع وعقد أول مؤتمر، لم يكن الاسلامويون قد حددوا أهداف للحركة غير معاداة الشيوعية، وحتي فكرة الدستور الاسلامي كانت غائبة أو لم تكتشف بعد ليشغلوا بها الناس كما حدث لاحقا. ويكتب أحد الرواد: "القضية الاساسية كانت هي تأصيل إنتمائية هذه الحركة الاسلامية التي انبثقت في هذا البلد والتي أصبحت في ظن كل الحادبين علي الدين هي طوق النجاة وهي السلاح الذي يدفع عن هذه الأمة تغول التيار اليساري الكاسح يومذاك وجهالات الطائفية." (أزرق، ص10)
    ومن الملاحظ أنه لم تكن مسألة التسمية أمرا شكليا، وظل المنتمون الجدد لفترة حائرين في الأسم/ الهوية. وكانوا في البداية رافضين أو حذرين تجاه اسم الاخوان المسلمين بسبب ظروف سودان ما قبل الاستقلال بقصد البعد عن صراع الاتحاديين والاستقلالين. لأن الأسم مرتبط بمصر وبالتالي يلقي عليهم شبهة الميول الاتحادية مما يضايق الاستقلالين من الاسلاميين. ويصف أحد الرواد ومن الذين وثقوا لتلك الفترة (عبد الرحيم) بدقة واصفا الحيرة والتشويش الذي البداية وبالذات قبل المؤتمر الأول أو مؤتمر العيد. فقد اختارت المجموعة الاولي -كما اسلفنا- إسم (حركة التحرير الاسلامي) ولكن نتيجة لاتساع دائرة النشاط الاسلامي بين الطلاب، وتوثيق صلتهم بالأخوان في مصر، لم يعد الاسلامويون يشعرون في نسبهم الي (الأخوان). ولم يهتموا بقضية ضرورية وهي الوضوح الفكري. ورغم كل إدعات التجديد والاختلاف إلا أنهم انطلقوا مثل الاحزاب التقليدية الأخري: الأمة والوطني الاتحادي. وكان الفرق الوحيد هو أن عضويتهم متعلمة. وقد حاولوا التحديث ولكنهم مع الزمن صنعوا لهم شيخ طريقة وصاروا يخاطبونه بشيخ "حسن". وأرجع هذه النهاية الي ان البداية لم تكن صارمة فكريا. فقد كانت الحيرة والفوضى الفكرية والتسطيح هو السائد، ودخلوا للمؤتمر دون حسم فكري، يكتب أحد مؤرخيهم: "ومن ثم تباينت صورة الحركة في أذهانهم - من الوجهة الشكلية - فمنهم من انتمي إليها حركة إسلامية لا يعرفون لها أسما محددا، ومنهم من فهم أن للحركة صلة بالإخوان المسلمين من غير أن تفصح عن ذاتها، ومنهم من اطلع علي أول بيان أصدرته الحركة عام 1949 الي مدرسة حنتوب الثانوية وانضم إليها باعتبارها حركة تحرير إسلامي لها أهدافها ومنهجها الذي لا يتعين – بالضرورة - أن يتفق مع منهج حركة الإخوان المسلمين". (عبدالقادر، ص77). ويضيف إن منهم من دعي إلي الانضمام إلي حركة إسلامية إصلاحية لا يعرف اسمها للاستزادة من فهمه للإسلام، وبعضهم اعجبته كتابات سيد قطب. ولم يكن هناك أي اهتمام بدلالات اسم الحركة ولم ينشغلوا بمسألة الاصالة او التبعية. وقد كانت الاولوية مختلفة وبعيدة عن مشاغل الفكر وتعقيداتها، وقد لازم هذا العوار الحركة حتي اليوم. ويقر أحد كتابهم: "وكانت القضايا التي استأثرت باهتمام قادة الحركة آنذاك تتمثل في كسب المزيد من تأييد الطلاب واستيعابهم في صفوفها وهذا يعني ممارسة نوع من النشاط السياسي الذي تمرست به الحركة الشيوعية كالتصدي لقيادة الإضرابات والدفاع عن قضايا الطلاب والتجاوب مع الحركة الوطنية في صراعها مع إدارة الاحتلال البريطاني". (المرجع السابق، ص78). من الواضح أننا لسنا أمام حركة بعث وتجديد ديني، لذلك لم تقدم للسودان أي اضافات ومساهمات فكرية يعتد بها، رغم صوتها العالي وتمجيدها لذاتها.
    شهدت اعوام 1953 و1954 تباينات في داخل التيار الاسلامي وتعددت الاراء حول هوية هذه المجموعات وكيفية العمل وسط الجماهير. وكادت الخلافات أن تقضي علي كل الجهود التي راكمتها التيارات الاسلامية النشطة بالذات حركة التحرير الاسلامي والاخوان المسلمين. واخيرا، نجحت اللجنة المشرفة علي قيام المؤتمر في حشد اعضاء الجماعة. وعقد في 21/8/1954 المؤتمر الذي عرف بمؤتمر العيد. ويعتبر لدي الاسلامويين حدثا تاريخيا. فقد حسم مسألة الأسم، إذ قرر: "تسمي الجماعة الأخوان المسلمين، مع استقلالها إداريا عن أي جماعة إسلامية أخري". وتقرر انتخاب أمين عام ومكتب تنفيدي مسؤول عن إدارة الحركة. وكان من الطبيعي أن تنقسم الجماعة الرافضة للتسمية، وكونت "الجماعة الاسلامية" بقيادة بابكر كرار. وقد مثلت هذه الجماعة توجه أكثر تقدمية وارتباطا بقضايا الوطن، ولكن التوجه الغالب كان محافظا ورجعيا يكتفي بتقليد واستنساخ النموذج الإخواني المصري. فقد أصدرت بيانا بعنوان: "الجماعة الاسلامية – دعوة ومنهاج" يقول أن الجماعة تعمل علي ربط أصيل بين النضال السياسي والعمل الاشتراكي علي أساس أن الإسلام ثورة شاملة. (عن ميرغني النصري نقلا عن: عبد القادر، مصدر سابق، ص81). وقد تم ابعاد علي طالب الله، أول مراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، باعتبار أنه لم يعد ملما بتطورات الحركة بالذات بين الطلاب. فقد كان يسعي الي علاقة وثيقة جدا مع إخوان مصر. ويري البعض أنه لم يفطن الي ان التيار الاسلامي الطلابي وغم أنه يبدو كمجموعة مستقلة إلا أنها: "كانت تنهل بعمق من فكر الإخوان في مصر ومؤلفاتهم وصحفهم ومناهجهم التربوية، وأنها أصبحت منذ أغسطس 1954 القاعدة الأساسية لحركة الإخوان المسلمين في السودان". (المصدر السابق).
    مع نهاية المؤتمر دشن السودان غير المحظوظ ميلاد حركة إسلامية محافظة ورجعية، حصرت كل مشكلات البلاد في محاربة الشيوعية والدستور الاسلامي. ولم تكن التنمية والتقدم الاقتصادي والرفاهية والعدالة الاجتماعية التي ركز عليها اسلاميون مثل سيد قطب. ولم تهتم بالوحدة الوطنية والتنوع الثقافي وبالتالي قضية الجنوب والاقاليم المهمشة مثل دارفور والتي تبنوا الآن قضيتها بقصد المكايدة السياسية – وفق لغتهم - وليس مبدئيا. ولم يطوروا فكرو الديمقراطية في السياق السوداني ولم يدافعوا حتي ولو شكليا لذلك لم يوقعوا علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية عقب الانتفاضة. وبعد انقلابهم ظلوا يحاولون تأكيد أن الديمقراطية غير صالحة للسودان أو أن السودانيين غير مؤهلين لممارسة الديمقراطية. وهكذا كان للسودان قدر انتاج حركة اسلاموية جلبت له كل الكوارث التي يعاني منها الآن.
    رغم أن قرارات مؤتمر العيد اشارت الي بعض الاهداف السابقة، ولكن في تعميم يفقدها اي مضمون. ففي البند (5) نقرأ: "تحرير السودان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا علي أساس المبادئ الإسلامية والمشاركة في بناء المجتمع العالمي الإسلامي". تصور خيالي أن يشارك السودان الفقير الجائع المثقل بالامية والجوع والمرض في بناء مجتمع إسلامي عالمي. ولكن هذا المساهمة لن تكن اقتصادية واجتماعية وسياسية بل تشريعية وفقهية ودستورية. فقد اسرع (الإخوان المسلمون) في اطلاق مبادرة الدستور، وذلك بتكوين (جبهة الدستور الإسلامي). وكان هذا عمل في توظيف ما تسميه: الواجهات. فهم يقومون بتأسيس منظمات أو هئيات، بدعوى أنها مستقلة ولكنها في حقيقتها معبرة عن افكارهم وامتداد لبرنامجهم. فالإخوان يهيمون علي المواقع المفصلية، ويمررون ورقة العمل أو الخطة والأهداف المتضمنة لروح أفكارهم. فقد عقد إجتماع تأسيسي للجبهة في العاشر والحادي عشر من ديسمبر 1955 وحضرته أغلب الهئيات ذات الطابع الديني أو ترفع شعارات دينية. وقد التف (الاخوان المسلمون) حاول احتمال تحفظ الحزبي الكبيرين. ولذا تمت دعوة اتحادات الختمية وليس الحزب الوطني الاتحادي وهيئات شؤون الانصار وليس حزب الامة. ولم تنج المقار من خطط الواجهات فقد كان نادي ام درمان الثقافي (كاد ان يصبح بمثابة المركز العام) ودار جماعة التبشير الاسلامي حيث عقد الاجتماع التأسيسي. ويكتب احدهم عن هذا الاختراق كسلوك عادي: "واختير الاخ عمر بخيت سكرتيرا للجبهة الإسلامية للدستور، وقد كان عمر مساعدا للأخ الرشيد في المكتب الاداري حينذاك، ومما لاشك فيه أن مجالات الحركة في الجبهة كلها كان يقوم بها الشباب الإخوان وانها كانت جزءا من عملهم اليومي المطلوب انجازه ووفق خططهم". (أزرق، ص19).
    كانت تلك اللحظة بداية انفصال جنوب السودان، فقد تجاهلت (جبهة الدستور الاسلامي) تماما أن ثلث السكان في البلاد من غير المسلمين. وتقول مذكرة قاضى القضاة، حسن مدثر، عن مشروع الدستور الاسلامي: "ولاشك أن قطرا إسلاميا كالسودان قد قام نظام جماعته علي العادات العربية والنظم الإسلامية وتقوم عقائد أكثر سكانه علي الإسلام فالضرورة والواجب تحتمان في بلد مثل هذا أن تسن أسس دستوره العامة من قواعد الإسلام." (في عبدالقادر، ص196). ومن الواضح أن (الأخوان المسلمين) قد فرضوا هوية للسودان تقوم علي ثقافة الأغلبية علي حساب الثقافات الاخري. وتربط المذكرة الاسلام والعادات العربية نافية اسلام الافارقة. وبينما انشغل السودانيون بمهام ما بعد الاستقلال، شغلهم (الاخوان المسلمون) بالدستور الاسلامي، وعكسوا أولويات دولة حديثة الاستقلال. وجاء في تقرير الأمين العام لجبهة الدستور، أمام مؤتمر اللجان الفرعية الأول المنعقد في مايو 1956: "أن وضع دستور أسلامي للبلاد لن يكون إلا عن الانتخاب الشعبي العام ومن ثم كان لزاما علي جبهة الدستور أن تنزل إلي ميدان الشعب وتعمل علي تعبئته في صورة قومية للمناداة بالدستور الإسلامي، ومن أجل ذلك اتخذت التعبئة سبل الاتصال بالافراد والهيئات والجماعات وقادة الأمة وإقامة الليالي الإسلامية والندوات والمحاضرات." وبالفعل تم الاتصال بالسيدين المهدي والميرغني واسماعيل الازهري رئيس الوزراء، وبعدد من النواب وكونت لجنة اتصال بينهم وبين وجبهة الدستور، ولقاءات مع شيوخ الطرق الصوفية والاتحاد النسائي! وشكلت وفود للأقاليم. ونظمت العديد من المحاضرات والندوات والمقالات في الصحف. ورغم كل هذا الصخب، لم يظهر أي مشروع دستور اسلامي مفصل يمكن ان يقدم للبرلمان لاجازته مثلا. ماعدا مجموعة مقالات كتبها أحمد صفي الدين في صحيفة الاخوان المسلمين، خلال اكتوبر ونوفمبر 1956 تحت عنوان: "معالم الدستور الاسلامي" ثم جمعت في كتاب صدر في يونيو 1967. وهذا هو كل ما انتجته الحركة الاسلامية من كتابات عن الدستور الاسلامي. فقد كان الجانب الفكري مدقعا في فقره رغم الحركية المفرطة. ولهذا السبب عندما حكم الاسلامويون لجأوا للتجربة والخطأ لغياب الاسس الفكرية والنظرية للدولة والحكم في الاسلام.
    يمارس الاسلامويون بمختلف مدارسهم الفكرية وتياراتهم السياسية، نوعا من المراجعات والنقد الذاتي وبالتالي العودة لتفسير كثير من الثوابت. وخلال الانتفاضات الشعبية التي انتظمت العالم العربي اخيرا مطالبة بالديمقراطية والحرية، حدث تغيير في خطاب القيادات الاسلامية، فقد صرح الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج تلفزيوني مع قناة (الجزيرة) مساء الجمعة 11/2/2011 بقوله: "أن الحرية مقدمة علي تطبيق الشريعة بل هي جزء من الشريعة وثمرة لتطبيقها."
    2: صناعة العدو: الشيوعية نموذجا:
    كانت محاربة الشيوعية ووقف المد اليساري مكون أساسي في استراتيجية الحركة الإسلامية. ومن أهم مبررات وجودها حين نبحث عن المنطق والحاجة الي وجود حركة إسلامية في السودان. فقد كانت بداية الحركة في الجامعات بمصر والسودان مع المدارس الثانوية. وقد مرت كثير من المعلومات عن هذا التطور. وتكاد الحركة الاسلامية تكون مجرد رد فعل لوجود الحركة الشيوعية في السودان. هذا، وقد أكد هذه الحقيقة عدد من رواد الحركة ومن المؤرخين. ويمكن القول بأن استراتيجية الحركة الاسلامية قامت علي ركيزتين اساسيتينن، هما: تطبيق الشريعة ومحاربة الشيوعية.
    ويصف (الترابي) هذه العلاقة بطريقة دقيقة وكافية لبيان دقائق العمل السياسي للحركة في محاربة الشيوعية والشيوعيين. ويكتب: "ويكاد يكون الشطر الأول كله من عمر الحركة - نحو ربع قرن من الزمان - مشغولا بالمنافسة مع الشيوعيين، فلا تعرف البغض في الله ولا المجاهدة الا ضدهم، ولا تتحرك بدعوتها إلي قضية عامة أو قطاع اجتماعي ألا استجابة لاستفزازهم، ولا
                  

10-22-2011, 03:13 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: تكاد تعرف نفسها للرأي العام إلا مقابلة لهم". (1992:144) ويضيف مستدركا ويحاول تخفيف حدة العداء، بالقول أن الحركة:
    "فتحت أعينها لتجد الشيوعيين متمكنين في أوساط الطلاب ثم الاتحادات المهنية والعمالية يناصبونها العداء تشنيعا عليها وإرهابا لعناصرها وحملة متصلة لوأدها في الوسط الطلابي والنقابي". (نفس المصدر السابق). ويؤكد هذا التحليل صحة الفرضية التي تري في الحركة الاسلامية مجرد رد فعل وليس فعلا ايجابيا، لذلك تضاءل عطاؤها الفكري.
    اخذت محاربة الشيوعية، أحيانا، اشكالا سيئة وغير أخلاقية. ويبدو أن بعض السياسيين أعتقد أنه طالما كانوا "كفارا" فكل شىء ممكن أن يوجه ضدهم، مثل القول السائد: عجمي فألعب به! فقد ظهرت بعض الممارسات غير الشريفة ضد الشيوعيين. ومن هذه الاحداث، نشرت جريدة (الايام) في عددها 304 الصادر في 3/10/1954 أن منشورات قد وزعت في العاصمة وارسلت لبعض الناس بالبريد تهاجم الدين الإسلامي وتنادي بحياة الشيوعية. ويقول الذين قرأوها أنها (مقلب) غير ناضج وطريقة جديدة مبتكرة في محاربة الشيوعية تقوم بها بعض الهيئات. (محمد سليمان، ص63). وتكررت المحاولة عام 1965 في حادثة (شوقي) ونجحت المؤامرة في حل الحزب الشيوعي السوداني. وقد أفسد المؤامرة –للمفارقة - السيد عبد الرحمن المهدي، الذي يصفه الشيوعيون واليساريون وحتي بعض الاسلامويين، بالرجعية والطائفية. والمفارقة الاخري، هي أن حفيده خريج اوكسفورد -السيد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، خضع لابتزاز الأخوان المسلمين، وشارك في حل الحزب الشيوعي بعد حوالي عقد من الزمن من هذه الحادثة. نشرت جريدة (الميدان) يوم 14/10/1954 الخبر التالي، بعنوان:
    السيد عبدالرحمن المهدي يحذر من الفتنة، "في صلاة الجمعة بمسجد عبدالرحمن المهدي بود نوباوي وقف شخص إسمه الغبشاوي وخاض في حديث الإفك وأعاد علي المصلين منشور شيخ العلماء وحرض الناس وأثار الخواطر ودعا للفتنة بصورة عمياء (...) وبسبب هذه الإثارة هاج الناس وأصبحوا في حالة توحي بأي شىء. "وهنا تدخل السيد عبدالرحمن، وخطب في الناس قائلا بأنه حسب ما يعلم فإن المصدر الحقيقي للمنشور تحيطه الشكوك والريب ولم يثبت أنه من عمل الشيوعيين. واضاف الي ذلك أنه قرأ في الصحف أن أحد الشيوعيين قد نفي أنهم يحاربون الدين وهذا يكفينا كمسلمين وفوق هذا فإن الإسلام لا يأخذ الناس بالشبهات. وحذر أتباعه من الفتنة والا يخوضوا في هذا الأمر، وختم بالقول: "لا توجد سلطات للمسلمين في هذا البلد اليوم وليس من حق أحد أن يهدر دماء الناس".
    وكانت هذه فرصة للأمين العام للحزب الشيوعي السوداني، ليعلن عن حقيقة الشيوعية التي يدعو لها. فقد كتب السيد عبدالخالق محجوب مقالا بعنوان: كيف أصبحت شيوعيا؟ في جريدة الأيام بتاريخ 5/10/2011. وما يهمنا في المقال هو موقف الشيوعيين السودانيين من الدين. يقول عن سبب اعتناقه الشيوعية: "إن تجربتي البسيطة توضح أنني لم اتخذ الثقافة الماركسية لأنني كنت باحثا في الأديان، ولكن لأنني كنت ومازلت أتمني لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي - أتمني وأسعي لاستقلال بلادي وإنهاء الظروف التي حطت علينا منذ عام 1898، أتمني وأسعي لإسعاد مواطنيّ حتي تصبح الحياة في السودان جديرة بأن تحيا". ويكتب بصورة قاطعة وساطعة المعني بلا لبس يفهمها أولو الالباب ومن يبحث عن الحقيقة. ولكن الذين في قلوبهم مرض وغرض ثم يتعمدون طمس الحقيقة ويصنعون من وهمهم ما يريدون. ويكتب (محجوب) بلا مواربة وغموض: "هل صحيح أن الفكرة السياسية الشيوعية في السودان تددعو لإسقاط الدين الإسلامي؟ كلا هذا مجرد كذب سخيف. إن فكرتي التي أؤمن بها تدعو الي توحيد صفوف السودانيين المسلمين منهم والمسيحيين والوثنيين واللادينيين ضد عدو واحد هو الاستعمار الاجنبي وبهدف واحد هو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه. وأن القوى التي تقف حائلا دون إسعاد وحرية السوداني المسلم أو المسيحي.. لا يمكن أن تكون الإسلام". ويصوب (محجوب) هجومه مباشرة نحو صناعة العدو: "... أن الرجل الشريف يصرع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق، إن محاولة تزييف أفكار أعدائكم – أو من تتوهمون أنهم أعداؤكم – بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق، فوق أنها عيب فاضح. أما أساليب الدس فهي من شيم الصغار". وكانت عملية صناعة العدو تتم بطريقة ساذجة ولكن الخبث الاخواني كان يستغل التدين البسيط لدي السودانيين وغيرتهم الدينية. وسمموا الاجواء للشيوعيين بإطلاق دعاية إلحادهم وإنكارهم لله وأنهم يقولون خلقتنا الطبيعة، وأنهم يتزوجون أخواتهم. ولكن علي مستوى آخر يكتب (الترابي): "أما التنافس الأحمي في العهد الأول فقد كان مع الحركة الشيوعية، وقد لا أقول مع الفكر الشيوعي لأن الشيوعية لم تعرض مذهبا وعقيدة إلا إشاعة للمصطلحات الماركسية والشعارات الشيوعية، ومتابعة للمعسكر الدولي الشرقي، ونمطا من المواقف السياسية والاقتصادية، ونوعا من السلوك الشخصي والعام". (ص144). وهذا اعتراف صريح أن الفلسفة أو النظرية الماركسية بمقولاتها المادية والجدلية لم تكن مطروحة في الصراع السياسي السوداني ولكنها تقحم عسفا لشيطنة الشيوعيين.
    اتخذ الأخوان المسلمون من هذه الصورة النمطية ذريعة لاستخدام العنف والارهاب ضد الشيوعيين، وتصبح ممارستهم الفاشية جهادا مقدسا ودفاعا عن الاسلام. وشهد السودان مدا شيوعيا وتقدميا عارما مع ثورة اكتوبر 1964 مما اخاف الاخوان والقوى اليمنية السودانية عموما. وقد اقنع (الاخوان) بقية القوى اليمينية بتعاظم الخطر الشيوعي، وقدمت نفسها كرأس حربة في الصراع. وتبني (الاخوان) قيادة معركة اليمين ضد اليسار. وأكتسح الحزب الشيوعي دوائر الخريجين في انتخابات 1965 مما جعل الخطر ماثلا وملموسا. وفي هذه الفترة تصاعد العنف والارهاب الاخواني في الجامعات وأماكن العمل. وأدخل (الإخوان) ثقافة السيخ والمطاوي في حسم الحوار والنقاش. وكان لهم شرف الهجوم علي مهرجان الفنون الشعبية بجامعة الخرطوم. ومازالوا يفتخرون بـ(ع.ع) الذي رمي بأول كرسي علي خشبة المسرح. واصبح هذا الطالب الآن مسؤولا كبيرا ولكن اخوانهم يصرون علي التذكير بسبقه الجهادي. وعرفت حقبة انتكاسة اكتوبر ممارسات عنيفة مثل: الهجوم علي دار الحزب الشيوعي في بيت المال (وللإثارة أطلق علي الحي أسم موسكو)، وعلي مركز الحزب بالخرطوم، والتصدي المسلح لمظاهرات القوى الديمقراطية، والتهجم علي اجتماعات النقابات، والدعوة لتكرار مجازر اندونيسيا ضد الشيوعيين في السودان. (راجع مجلة الشيوعي).
    كانت ذروة الصراع مع "العدو" مهزلة (شوقي محمد علي) طالب معهد المعلمين العالي، ورغم ان المسرحية كانت سيئة الإخراج إلا أن الظروف كانت ملائمة لنجاحها. فقد كانت هناك أطراف كثيرة متربصة بالحزب الشيوعي وعلي رأسها إسمماعيل الازهري رئيس مجلس السيادة. فقد توترت علاقته مع الشيوعيين ووصلت درجة المهاترات الشخصية، وهيأ له (الاخوان) الفرصة للانتقام. ومن ناحيتهم لم يستطع (الإخوان) رغم تربصهم ان يقبضوا علي شيوعي متلبسا في كتابة أو فعل يسئ إلي الإسلام. فلم يظهر من بين الشيوعيين السودانيين من له جرأة المفكر المصري اسماعيل أدهم الذي كتب: "لماذا أنا ملحد؟" (1937) ومع ذلك لم ينج الشيوعيون من شباك (الإخوان) المنصوبة في أماكن نشاطهم الفكري والحزبي. ففي ندوة نظمها الاتجاه الاسلامي بمعهد المعلمين العالي، هاجمت المتحدثة ممارسة الشيوعيين بدعوى موقفهم المعادي للدين والاسلام، بالذات فيما يخص الزواج والأسرة. وواصل باسلوب استفزازي: "أنا أتحدي أي واحدة تقول أنا شيوعية بالمعني الاخلاقي... أنا ما عندي دين ولا أخلاق." وتلقف قفاز التحدي الاستفزازي طالب شيوعي وفي حالة انفعال، قال: "أنا شيوعي وملحد وأفخر بأنني تحررت من خرافة الله. وغير آسف علي فقد الحور والولدان.. أما الدعارة فهي فطرة غريزية في الانسان وفي بيت رسول الله كانت تمارس الدعارة (يقصد حادثة الإفك)." ومن العادة أن يكون رد الفعل علي استفزاز المشاعر الدينية فوريا وفي الموقع. ولكن رد فعل (الاخوان المسلمين) جاء اليوم التالي بعد أن تم تنظيم كيف سيكون رد الفعل؟ المهم تسارعت عمليات الحشد والتجييش وإثارة الكراهية.
    تصاعدت الضغوط علي النواب والوزراء ومجلس السيادة حتي انتهي الأمر إلي قرار البرلمان بحل الحزب الشيوعي وتجريد نوابه من عضوية. ويعتبر القرار من أعظم وأخطر القرارات التي ارتكبتها القوى السياسية لأنها ضربت الديمقراطية في مقتل. فقد اثبتت الحادثة عدم القدرة علي قبول الآخر، وهذا مبدأ جوهري في فلسفة الديمقراطية. فالديمقراطية ليست مجرد تداول سلمي للسلطة، بل هي تأسيس لفضاء حر تتنافس فيه الآراء بلا قيود خاصة تلك المختلفة أو حتي المستفزة. وقد دأب (الأخوان المسلمون) والمتدينين عموما علي ترديد عبارة: جرح المشاعر الدينية، لمصادرة ومنع الأفكار الدينية المخالفة أو الجديدة.
    ورغم أن المحكمة الدستورية رأت عدم دستورية القرار في 22/12/1966، أي بطلان تعديل المادة الخامسة من الدستور، إلا أن البرلمان ومجلس السيادة والقانونيين لاسلامويين والتقليديين رفضوا قبول قرار المحكمة. ودخلت البلاد في أزمة دستورية حادة وتضاربت السلطات التشريعية والقضائية وكذلك التنفيذية حين قامت الحكومة باغلاق دور الحزب الشيوعي واعتقال اعضائه. وكانت سابقة نادرة، أن يقوم نواب انتخبهم الشعب باسقاط عضوية نواب أيضا إنتخبهم الشعب مثلهم! إذ يمكن أن يسقط الناخبون في دائرة النائب عضويته، لو نص قانون الانتخابات علي ذلك في حالة تغيير انتمائه الحزبي بعد الفوز. ولكن الشاذ أن يطرد نواب نوابا آخرين مثلهم. وكان لهذا القرار آثاره الكارثية، فنحن أمام ديمقراطية شكلية ومفرغة من مضمونها تماما لأنها لا تحترم الدستور أو بلا دستور. لذلك، لم يكن من المستغرب أن يشارك أو يبارك الحزب الشيوعي، إنقلابا عسكريا يطيح بمثل هذه الديمقراطية العرجاء.
    ويظهر زيف ايمان الاسلاموييين بالديمقراطية في تقييم (الترابي) للحدث وهو الذي فصّل التبريرات القانونية والدستورية، يكتب: "ولم تتجاوز الحركة الاسلامية منافسة الشيوعيين أو مجاراتهم إلا منتصف الستينات بعد الحملة الكبرى التي نظمتها لحل الحزب الشيوعي (...) ولكن الحركة اكتسبت قوة من دورها في ثورة اكتوبر ودعوتها الرائجة للدستور الاسلامي. فأعملت تلك القوة ضد الشيوعيين بمناسبة إساءة أحدهم لمقدسات الدين، فعبأتها حملة شعبية قومية لتدمغ الشيوعيين بالإلحاد في الدين والعمالة في ولاء الوطن ونية الغدر بالديمقراطية، مما انتهي إلي حظر دستوري وقانوني للحزب الشيوعي وطرد لنوابه في إطار ديمقراطي بإرادة شعبية خالصة. وكانت تلك الواقعة معلما في ميزان العلاقة مع الشيوعيين. فقد شفت الحركة نفسها مما نالت منهم سياسيا، وكسبت دفعا زائدا للإقبال علي أهدافها في المجتمع والاتجاه لمنافسة ذات الاحزاب التقليدية التي كانت حليفتها ضد الشيوعيين". (ص145).
    يسسبب الاسلامويون إنقلابهم الحالي بمحاولة القوى السياسية الداخلية سد الطريق أمام مشاركتهم في السلطة. فقد تم إبعادهم من حكومة الوحدة الوطنية، كما أن مذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989 اشترطت ابعاد الجبهة الاسلامية القومية عن أي حكومة قادمة. وبهذا المنطق يحق للحزب الذي أبعد نوابه المنتخبين عن البرلمان أن يقود إنقلابا عسكريا علي السلطة القائمة.
    الاسلامويون وتحديات التجديد الديني
    كان الكثيرون وأغلب الاتجاهات الفكرية والتكوينات الاجتماعية تظن منذ فترة طويلة أن الظاهرة الدينية ذات علاقة عكسية مع التطورات العلمية والاجتماعية والثفافية التي سادت العصر الحديث، ولكن الدين ظهر بأشكال جديدة وأظهر حضوراً واضحاً بل وضاغطاً في كثير من المجتمعات البشرية. ولم تكن المجتمعات الصناعية المتقدمة استثناءاً ولكن في المجتمعات العالمية كان دور الدين أكثر تعقيداً بسبب تأثيراته في مجال التنمية والنهضة لأن البعض اعتبره معوقاً للتقدم بسبب محافظته وممنوعاته ومحرماته التي تقف ضد التجديد والمغامرة. لذلك، كان لابد أن يحتل الحديث عن الدين مساحات كبيرة في كتابات وعقول المثقفين والمهتمين والناس العاديين، لأنه أصبح قضية محورية تمس كل مجالات الحياة وليس مجرد معتقد.
    كان العالم الإسلامي الأكثر انشغالاً بالدين من نواحي متعددة. فالصدام المتوقع مع الحضارات يضع الحضارة الإسلامية في مقدمة الحضارات التي سوف تتناقض مع القيم الجديدة التي تدعي العالمية وبالذات فكرة الليبرالية. ويلاحظ البعض احتمالات نشوب حرب مجتمعية باردة بين الغرب والإسلام تقف فيها أوروبا على خط المواجهة. وقد عرف العالم صراع الجهاد والصليب وقد ميّز العقيدتين عن الأديان العالمية الأخرى. ويورد هنتجتون مجموعة من العوامل التي زادت من الصراع بين الإسلام والغرب خلال السنوات الماضية، منها:
    أولاً: تسبب النمو السكاني الإسلامي الهائل أعداداً كبيرة من الشبان والعاطلين الذين أصبحوا مجندين للقضايا الإسلامية ويشكلون ضغطاً على المجتمعات المجاورة ويهاجرون إلى الغرب.
    ثانياً: أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمتهم المتميزة مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
    ثالثاً: جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من أجل الحفاظ على تفوقه العسكري والاقتصادي، والتدخل في الصراعات في العالم الإسلامي تولد استياءاً شديداً بين المسلمين.
    رابعاً: سقوط الشيوعية أزال عدواً مشتركاً للغرب والإسلام وترك كلاً منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر.
    خامساً: الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساساً بهويته الخاصة وكيف أنها مختلفة عن هوية الآخر (هنتنجتون، 1998:342).
    كان هذا التحليل قبل الحادي عشر من سبتمبر وقبل غزو العراق والتفجيرات التي أطالت مدريد والرياض، والتهديدات المتكررة من الجماعات المتطرفة. وقد انعكس ذلك في التعامل مع المسلمين بصورة سلبية للغاية جعلت من التفاهم والتمازج مهمة صعبة لارتفاع فواصل عديدة بين المسلمين والغربيين. وعلى مستوى الحرب الفكرية طرحت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الأكبر الذي سوف يناقش في يونيو/ حزيران القادم من قبل الدول الصناعية الكبرى. والذي يمثل الاستراتيجية الغربية – وليس فقط الأمريكية في التعامل مع المسلمين. لأن مفهوم الشرق الأوسط الأكبر ليس مجرد تحديد جغرافي أو سياسي بل حضاري إذ يضم معظم المسلمين في العالم. ويمكن القول بأن المسلمين أصبحوا مطالبين أكثر من أي وقت في التاريخ بمواجهة هذه التحديات العصبة. فكيف تكون الاستجابة من دين يمتلك كل هذه الطاقة الروحية والتي يحولها أصحابها إلى إنجازات مادية تمكنه من التنافس في هذا الكوكب ومن رفع مستوى حياة شعوبه كمياً وكيفياً. وزادت موجة العودة إلى الدين بأشكال متنوعة ولكن تتفق كلها حول أنها دفاع عن الذات. ويبقي السؤال هو ما هو الدين الذي عاد اليه المسلمون؟ هل هو مجتمع المدينة أم الاندلس أم تركيا العثمانية؟ ويحاول المسلمون جاهدين الحفاظ علي "جوهر" الدين أو ثوابت الدين وفي نفس الوقت أن يكونوا معاصرين وجزءا من سيرورة العولمة الحالية التي يستحيل أن تستثنئ أحدا.
    أهتم الاجتماعيون بدراسة الدين كظاهرة إنسانية هامة شديدة التأثير على العلاقات الاجتماعية والثقافية، بل يعتقد باحثون أن علم الاجتماع في جوهره بديل للتفسير الثيولوجي أو اللاهوتي للظواهر الاجتماعية. فقد كان الدين أو اللاهوت هو أداة إدراك الإنسان لعالمه الطبيعي والاجتماعي والأخلاقي. لذلك، فإن وضعية كونت كانت تهدف لتأكيد هذا الإحلال أو التحول من هيمنة الفكر الديني على عملية فهم أو رؤية العالم. ولكن برز السؤال الهام: كيف يمكن عملياً أن يحافظ علم الاجتماع على حياده وموضوعيته تجاه دراسة الدين وهو الذي أبعده ونقده كرؤية؟ هذا التوتر في علم الاجتماع لم يبعده تماماً، رغم أن الاجتماعيين أصبحوا أكثر حذراً في ادعاءاتهم، مالوا إلى إثبات تدهور الدين كعملية اجتماعية، وليس إلى إعلان مانيفستوا. أو بيان لوصف النظام الاجتماعي. والاهتمام بوظيفة الدين في المجتمع(Wilson,1982:1-5). وهذا ما جعل الاجتماعيين الأوائل يهتمون بالدين، مثل ماكس فيبر في تفسيره للعقلانية الغربية وتطور الرأسمالية والنظام الاقتصادي الذي اشتمل تماماً على مبادئ العقلانية الشكلية وأعطى للدين دور أساسي في النظام الاجتماعي – الاقتصادي الغربي. ويلاحظ اهتمام الاجتماعي بالوظيفة، ولذلك يقول Davis Kingsley أنه قصة مفيدة وكلنها قد تكون غير صحيحة. فالوظيفية لديها جاذبية لدى الاجتماعيين. مثل الوظيفة الكامنة في الدين مثلاً نظرية الحرمان النسبي في فهم الدين أي استجابة تعويضية للمحرومين.
    كان لابد أن تختلف مداخل الاجتماعيين في دراسة الدين "فليس على السوسيولوجيا أن تدرس جوهر الظاهرة الدينية بل السلوك الذي تتيحه هذه الظاهرة كونها تستند إلى بعض التجارب الخاصة وإلى تصورات محددة". "لذلك فالمهم لديهم هو السلوك المعبر عن المتدين" وليس المطلوب التأمل في القيمة الخاصة بالعقائد والنظريات اللاهوتية المتنافسة وبالفلسفات الدينية ولا حتى في شرعية الإيمان بالعالم الآخر بل لدراسة السلوك الديني كنشاط إنساني في هذا العالم يتوجه بصورة معبرة وفقاً لأهداف عادية. ليس المقصود اتخاذ موقف من الدين (مثل إنكار أو احتقار الوضعيين) إنما فهم تأثير السلوك الديني على بقية النشاطات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية أو الفنية".(فروند:87) وهذا ما حدا بأركون أن يقول بأنه ليس من المهم إثبات قوة عقلانية العقائد الدينية لأنها قد تنحرف عن معايير العقل القائمة على الفرضية والاستنباط والتجريب، ولكنها تعوض عن هشاشتها العقلانية هذه عن طريق صرامة الضبط النفسي والاجتماعي الذي يتحكم بهذه العقائد. فالمؤمنون أنفسهم لا يهتمون بالجوانب العقلانية كثيراً في معتقداتهم خاصة إذا تعارضت مع دوقمائية إيمانهم المطلق. وهنا يأتي دور المخيال، فالأحداث عند المؤمن تتجاوز كل زمان ومكان وتستعصي على التاريخ: "لا يستطيع عقل المؤمن التقليدي أن يستوعب تاريخية الأحداث التأسيسية والشخصيات الكبرى المندمجة لأنها تملأ عليها أقطار وعيه ويشعر نحوها برغبة التقديس وبالتالي فلا يستطيع أن يفهم أنها مشروطة بالتاريخ أو بلحظة محددة في لحظات التاريخ".(أركون،1978:20) فالمتخيل الديني أو المخيال هو فضاء عقلي ملئ بالصور ومشحون بالأخيلة والأفكار الموروثة. وهناك – كما يقول أركون – قادة سياسيون وشيوخ محنكون يعرفون كيف يتلاعبون بهذا المتخيل الديني المنغرس في أذهان الشباب والناس العاديين.
    تساعد هذه النظرة السوسيولوجية في فهم الظاهرة الدينية بالذات في حالة التحولات والتغييرات التي تطرأ عليها مثل لاهوت التحرير والتجديد والعلمنة. وبالتالي يكون الدين مؤسسة اجتماعية والعبادة نشاط اجتماعي والعقيدة قوة اجتماعية، ويعتمد كل هذا على تثبيت التجربة الدينية من خلال أشكال رمظية. يرى الاجتماعيون أن المنظومة الرمزية الواحدة هي التي تضمن مجموعة ما في تضامن اجتماعي. فالرموز أدوات تواصل نتيجة معرفة تمثل سلطة رمزية تتكون من خلال ما يسميه – بورديو- الرأسمالي الرمزي. وهذه خطوة ضرورية في البدء في التعامل مع الدين، مما يقتضي عدم التورط في نقاشات لاهوتية أو فقهية حول جوهر
                  

10-22-2011, 03:14 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: العقيدة وصحتها، تكون في النهاية مجرد وقوع في تيه لا نهاية له ملئ بالاتهامات المتبادلة دون الوصول إلى نتائج مقنعة أو إلى قبول الآخر المختلف. وجميع المعارك المثارة الآن هو بسبب إدارة النقاش على أرضية التعامل مع العقيدة كمجموعة أفكار أو أيديولوجيا. ويمكن للمنهج الاجتماعي أن يقربنا كثيراً في فهم الظاهرة دون التواترات الجانبية التي تضر بجميع الأطراف وأخطر ما فيها أنها اختلافات ومعارك مفتعلة.
    السوسيولوجية التي تقول بأن بعض الأديان والعقائد قد تكون أكثر مقاومة للتغيير والتحول من عقائد أخرى. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنها ثابتة تماماً، فهي تخضع للتغيير حتماً ولكن بجهد أكبر ووقت أطول. ويلاحظ أن العالم الإسلامي لا يشهد حركة تجديدية قوية وفعالة يمكن أن تبشر بانبثاق لاهوت تحرير إسلامي، حتى الأمثلة الجينية التي أوردتها في كتاب سابق، تجربة الأستاذ محمود محمد طه وعلي شريعتي وحسن حنفي وتونس مجموعة 15/21، لم يحدث لها أي تطوير في اتجاه تأسيسي لاهوت تحرير إسلامي.
    يصعب التحدث عن حركة تقدمية إسلامية معاصرة يمكن تصنيفها ضمن منظومة فكرية تنتمي للاهوت التحرير عموماً بالمعنى الذي يركز على جوانب تحرر الإنسان المتدين من الضرورات والأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية أي مساعدته في إلغاء الاغتراب بكل تجلياته، وفي الدين أن يكون "صورة الله" أو خليفته على الأرض. ولم يشغل هذا المعنى العقل المسلم لفترات طويلة وحتى الآن رغم التحديات التي سبق ذكرها. وقد لجأ الفكر الإسلامي العاصر – كما يقول أركون – إلى إعادة التثريث وبالتالي لم يقتحم مناطق جديدة في العقل والمجتمع. وهذا ما أبعده عن إمكانية إنتاج لاهوت تحرير إسلامي والذي يتطلب تفكيراً، في ضوء الإيمان، يتناول الممارسة التاريخية لرجال ونساء انخرطوا في النضال اليومي ضد الاضطهاد والاستغلال والتبعية. وهو نضال يعبر عن الإيمان ولا يكتفي بأن يكون مجرد حكمة ومعرفة عقلية. وهذا يغيَّر مسيرة اللاهوت أو يقلبها تماماً، لأنه عوضاً عن الانطلاق من معطيات التنزيل والسنة وحسب كما يفعل اللاهوت التقليدي، عليه أن ينطلق من الأفعال والمشكلات الناشئة عن علم التاريخ .(غارودي ،1978:236)وهذا يعني الارتباط بالواقع ومحاولة تفسيره والإسهام في تغييره أيضاً.
    يمكن إرجاع تخلف الفكر الإسلامي عن بلوغ مثل هذه المرحلة إلى أسباب تاريخية واجتماعية بحتة. يرجع غارودي السبب الأول في أمريكا اللاتينية إلى حوار الكنيسة أو بعض رجالها مع الفكر الماركسي والذي لعب دوراً كبيراً في هذا التطور اللاهوتي، خاصة وأن تلك المنطقة كانت حافلة بالاختمار الثوري "وحيث تبدو الاختلافات الطبقية وتبعية الشعوب تحت مجهر شديد التكبير، يصبح من المحال الاكتفاء بالتصريحات الكنسية العامة عن (المحبة) في الحقل السياسي أو الاجتماعي، وعن الادعاء الوهمي بالبقاء (فوق) أشكال التعارض وصور الكفاح".(نفس المصدر السابق). ولا يوجد هذا الوضع الاختصامي بين المستغلين والمستغلين، في العالم الإسلامي لأن الوضعية الطبقية والتعراض بين الذين يملكون والذين لا يملكون. فالقضية الاجتماعية لا تشغل العقل الإسلامي كثيراً مقارنة بالقضية الثقافية وبالذات إشكالية الصراع الثقافي ثم تأتي بقية التناقضات، فالغزو فكري غالباً في كتابات كثير من المفكرين الإسلاميين ثم تأتي مظاهر الهيمنة الإمبريالية الأخرى. لذلك رأى البعض الحركات الأصولية الإسلامية كرد فعل قومي جديد مماثل للفكر القومي التقليدي.
    تمثل حركة اليسار الإسلامي رغم محدودية تأثيرها على مستوى الشارع والإنسان العادي، مقابلاً للاهوت التحرير، بالذات في محاولتها إعادة تفسير أو تأويل الدين. وهذا بالضبط ما قصده أحد اللاهوتيين: "إن القارة الفقيرة تحتاج إلى كنيسة فقيرة، لكنها غنية وقوية، لأننا لا نريد الكنيسة الانعكاس بل الكنيسة النبع".المصدر السابق،ص243) وقد حاولت إحدى مجموعات اليسار الإسلامي استخدام منهج يساعدها في فهم جديد للإسلام وهذا هو ما يسمى بالاجتهاد كما يعتبر امتداداً لفكر الإصلاح أو الإحياء الإسلامي الذي بدأ منذ محمد عبده والأفغاني. ولكن محاولة اليسار أكثر تقدماً من حيث منهج التجديد والموضوعات المطروحة. وقد انطلق اليسار الإسلامي من نظرية جديدة للمعرفة تحاول تحديد أدوار الوحي والعقل والواقع في تشكيلها. وتصل المقدمة النظرية للإسلاميين التقدميين إلى هذه الفرضية: "لا يوجد فهم واحد وموحد للإسلام كمحتوى ووظيفة. وليس هذا القول بدعة وتمييعاً للدين. فالإسلام مصدره الوحي والوحي نصوص والنصوص لا تنطق بنفسها. لهذا اختلفت الرؤى والتقييمات بين الصحابة فيتدخل الوحي أو الرسول (ص) ليحسمها. بالإضافة إلى ضغوط الزمان والمكان وتدخل التاريخ في توجيه الوحي، هناك استعداد الرسالة نفسها لتقبل الاختلاف وإضفاء المشروعية عليه والعمل على تأطيره. إن التأويل والصراع جزء من فلسفة القرآن ومنهجه وذلك اعتماداً على نوعية الخطاب المجازي (الرمزي) ودعوته إلى استقاء الحكمة والتأمل في فضاءات الفكر البشري الواسعة".
    يثير موضوع الوحي جدلاً واسعاً في أوساط المسلمين ويظل السقف الذي لا يمكن تجاوزه في الفكر الإسلامي. وهذا يعني وود ما هو ثابت وبالتالي لا يمكن التعامل معه اجتماعياً وتاريخياً وهذا هو النسبي. وكان على المسلمين حل مشكلة الانسجام بين الوحي والعقل والواقع أو تفاعل الوحي والعقل في ميدان الواقع. وحاول بعضهم تفسير نزول الوحي (القرآن) منجماً وليس دفعة واحدة بأنه دليل على تاريخيته وإنسانيته أكثر من تعاليه وإطلاقيته، واستناداً على أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وختم النبوة. ويرى بعضهم في ختم النبوة حكمة عميقة فهي تعطي الإنسان الحق في استخدام عقله في تطوير الشريعة انطلاقاً من مقاصدها. ومن هنا حدد دعاة اليسار الإسلامي مقاصد مثل العدل الاجتماعي والحرية السياسية والإنسانية والتقدم.
    يعطي ما يسمى بالفهم المقاصدي، دعاة اليسار الإسلامي أو التجديد الإسلامي عموماً حرية في الحركة والتفكير لا يقيدها النص كثيراً. ولكن هذا ما يثير ضدهم النقد والهجوم باعتبار أنه في حالة البعد عن النص ماذا يبقى من الإسلام والدين؟ ويبقى العقل فقط هو الذي يحدد الأحكام والوسائل المحققة للقاصد. وينتقد بعض الإسلاميين منهج المقاصد بأنه يختزل الشريعة في عدد محدود من المقاصد، ففي حالة اليسار الإسلامي انحصرت في خمسة مقاصد فقط. كما أن الفهم المقاصدي – حسب رأي هذا النقد – دعوة للعلمانية، لأن هذه المقاصد تجمع بين المسلمين وغير المسلمين فليس من الضروري في هذه الحالة أن يكون الشخص مؤمناً أو مسلماً لكي يحقق مقاصد شرع الله. ويختلف نقاد اليسار الإسلامي معه في كون الشريعة منهجاً وليس مجرد مقاصد وإلا نفينا فكرة المقاصد نفسها لأننا نلغي الشريعة. ويتساءل أحدهم: "فهل من مقاصد الشريعة أن ننسخ أحكامها ونتجاوزها باسم الفهم المقاصدي أي باسم التقدم المستمر نحو الأفضل".(الميلي،1983:107).
    يمثل تراجع اليسار الإسلامي تعطيلاً لاحتمالات قيام لاهوت تحرير إسلامي، باعتبار أن هذا اليسار كان يمكن أن يقدم برنامجاً سياسياً وإطاراً فكرياً لحركة اجتماعية جديدة وليس مجرد التجديد الفقهي أو الاجتهاد. لأنه يرتكز على نظرية متكاملة يريد أو يوظفها في إحداث التغيير ولا يكتفي بالاجتهادات الجزئية التي تُحسن إمكانية أن تتكيف الأوضاع الإسلامية بالمستجدات والتطورات الخارجية. وظهرت كتابات في الآونة الأخيرة تحاول تقديم لاهوت تحرير ينقصه الفكر الاجتماعي أي الحديث عن التنمية أو الاشتراكية، إذ تفرض قضايا جديدة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ووضعية المرأة، نفسها على الفكر والمجتمع. ولذلك تبحث المجموعات الفكرية الحالية عن منهج ومعرفة تفتح الباب امام تضمين هذه القضايا في الاهتمام الإسلامي وإعطاءها أولوية في الواقع والنظر. ومن هذه المجموعات أصحاب المنبر الدولي للحوار الإسلامي والتي تصدر من لندن نشرة تسمى إسلام 21. وهي تتبنى دعوة جريئة مثل نحو خطاب إسلامي علمي ونسبي في تأويل النص. وتطرح المجموعة تصوراً يربط بقوة بين الدين والواقع، وهذا ما فعلته كنيسة أمريكا اللاتينية، تقول إحدى النشرات: "فليس الإسلام بديلاً عن الطبيعة الإنسانية ولا ضامناً لإزالة الفساد عن الحياة العامة ولا مفتاحاً لتغيير طبيعة المجتمعات، ولذا فلا يوجد عندنا بديلاً عن مواجهة الحياة إلا بأدوات الحياة ومواجهة سننها بسننها ويتطلب ذلك أعلى درجات الفهم والواقعية". (العدد الخامس/ تموز 1996).
    التجديد والعلمنة
    يبدأ أي دين أو معتقد مقدس – بالضرورة – في العلمنة حين ينزل إلى الناس ويؤمنون به لتبدأ عملية إخضاعه للحياة والتاريخ وكلاهما متغير وغير ثابت. ففكرة التجديد أو الإصلاح هي عملية علمنة بامتياز، لأنه يفترض أن يكون النص ثابتاً ونهائياً ومطلقاً، وبالتالي يتكيف الواقع أو يدخل في شروط النص كما هي. ولأن هذا مستحيل، يتعلمن الدين باستمرار لكي يستمر، ولكن الدين يفقد أصوله ولذلك هناك من يرى أن الدين الذي يلجأ إلى الإصلاح لا يعد ديناً a reformed religion is not a religion. وهذا ينطبق تماماً على إسلام الكثيرين وبالذات الأصوليين، لأنهم يرون أن الحياة والمجتمع مجرد انعكاس لما أتي به الدين في البداية مهما تغيرت الظروف الزمانية والمكانية. وهذا تفسير سائد لمقولة: الإسلام صالح لكل زمان ومكان، فقد جاء الإسلام كاملاً وبالتالي لا يحتاج لإصلاح أو تجديد أو تحديث. فالنموذج المثالي وجد واكتمل في عصر النبي (ص) أو مجتمع المدينة، وما علينا – الآن – إلا أن نقيس مدى كمال مجتمعاتنا حسب قربها أو بعدها عن ذلك النموذج. وذلك يفسر أي فساد أو تدهور في المجتمعات الإسلامية المعاصرة بالانحراف عن دين تلك الفترة والحل بالعودة وليس بالتجديد أو التحديث – حسب رأيهم – لأن الشريعة كاملة ولا تحتاج إلى تدخل بشري إلى إكمال نواقصها. وهنا تكمن إشكالية العديد من الإسلامويين إنكار فكرة التغير ومحاولة تأكيد الثبات، وفي حالة صحة هذه النكرة تنتفي الحاجة إلى التطور وعدم وجود مشاكل جديدة على الشريعة أن تحلها. وهم يقدمون إسلاماً مكتفياً ذاتياً ولا تاريخي وبالتالي يمكن أن يكون نموذجه في الماضي وليس في المستقبل. فالتاريخ ثابت والأهم من ذلك الطبيعة البشرية ثابتة. وهذا ما جعل مشاريع الإسلامويين في الحكم فاشلة بسبب إنكارهم للطبيعة البشرية المتغيرة والمتنوعة.
    يحاول الإسلامويين تأكيد صلاحية الإسلام المطلقة، عقلياً، فيجدون أنفسهم – بلا قصد - قد علمنوا الدين لأنه بدون هذه العلمنة غير المقصودة – يبقى محصوراً ودين طائفة صغيرة العدد أو جماعة تاريخية. يقول محمد عمارة:
    "الإسلام دين عالمي. لكن الإسلام كعقيدة وشريعة في كل بيئة من البيئات، يفرز ويحدث تأثيرات حضارية وفكرية وثقافية واجتماعية عديدة، يحدث بناءً حضارياً متكاملاً، هذا البناء يأتي كثمرة لتفاعل النواة الإسلامية أي العقيدة والشريعة مع البيئة والواقع والإنسان، مع معطيات المكان وقوى الإنتاج، هنا يحدث التمايز بين البيئات الإسلامية، رغم أنها تدين جميعاً بالعقيدة والشريعة المتحدة... إذن عالمية الإسلام لا تعني إنكاره للواقع... هذا واقع الإسلام يتعامل مع الواقع ولا يقفز عليه ويلغيه، العلاقة بين الإسلام كدين والواقع علاقة وثيقة ومن هنا نزل القرآن منجماً... لأن مشكلات الواقع هي التي تستدعي النص، تستدعي النزول"(جودت،1990:76).
    هذه هي العلمنة بامتياز رغم إصرار الإسلامويين ربط العلمانية بالإلحاد واللادينية، فالمقصودة زيادة أنسنة كل مجالات الحياة ومن هنا قد تطابق العلمانية secularism الإنسانية humanism. ويؤكد تعريف الموسوعة البريطانية هذا الجانب، باعتبار العلمانية:
    "أي حركة في المجتمع تبتعد عن الآخروية، للحياة على هذه الأرض. كان هناك توجه قوي خلال العصور الوسطى الأوروبية عند الأشخاص المتدينين أن يزدروا الأمور الإنسانية متصلين بالله وحياة ما بعد الموت. كرد فعل لهذا الميل، قدمت العلمانية نفسها – خلال عصر النهضة – في تطور الفكر الإنساني عند ما بدأ الإنسان يبدي اهتماماً أكثر بالإنجازات الثقافية الإنسانية وإمكانية أن يحقق كماله في هذا العالم"(Britannica1994:594).
    كانت بداية العلمانية في أوروبا ونظرت إليها الكنيسة باعتبارها معادية للمسيحية وهذا سبب الربط بين العلمانية والإلحاد أو اللادينية. ولكن مع تقدم العلمانية سعى بعض اللاهوتيين إلى التوفيق بين النظرتين وتحدث بعضهم عن علمانية مسيحية ترى أن المسيحية يجب ألا تهتم فقط بالمقدس والعالم الآخر وعلى الإنسان أن يجد في هذا العالم الفرصة لتطوير القيم المسيحية. وقالوا بأن المعنى الحقيقي لرسالة المسيح يمكن أن ينجز ويكتشف في شؤون الحياة اليومية وفي معيشة علمانية وحضرية. وهذا فهم يقترب أكثر من المعنى الحرفي لكلمة Secular الإنجليزية وهي من الكلمة اللاتينية Saeculum التي تعني: هذا الزمن. وفي الأصل هذه الكلمة اللاتينية هي واحدة من كلمتين تشيران إلى العالم والأخرى هي (mundus) ويرى – كوكس أحد المتخصصين في موضوع العلمانية – أن وجود كلمتين مختلفتين للعالم ألقى بظلاله على مشكلات لاهوتية خطيرة لأنه يدل على ثنائية أو ازدواجية معينة، غريبة للغاية على الإنجيل. وهذا يعكس لاحقاً الفرق بين الفهم المكاني الإغريقي للحقيقة، مقابل الفهم الزمني العبري. عند الإغريق العالم كان، موقع، والأحداث الهامة تحدث في العالم ولكن لا يحدث شيء مهم للعالم. بينما عند العبرانيين وهكذا، فهم الإغريق الوجود مكانياً وأدرك العبرانيون العالم الزمني مقابل الكون غير المحدود. وفي العصور الوسطى تم تلطيف التناقض بأن يكون العالم المكاني هو الأعلى أو الديني، بينما العالم المتغير و الأدنى أو الزمني (Secular). وهذا يعني – عنده – تعتيم الحقيقة الإنجيلية التي تؤكد بأن تحت إرادة الله تدخل كل الحياة في التاريخ أي علمنة الكون. وتم استخدام المصطلح بحيث يعني أي انتقال للسلطات أو المسؤوليات من الأكليروس إلى السلطة السياسية، خاصة حين أصبح الفصل بين البابا والإمبراطور حقيقة واقعية في المسيحية، حيث تجسد الفصل بين الروحي والزمني (العلماني) في مؤسسات وهذه هي عملية العلمنة. والآن لو تحولت مدرسة أو مستشفى – على سبيل المثال – من الأكليروس إلى الإدارة العامة، تسمى علمنة(Cox,1966;18-20). وكان أكثر الأشكال تطرفاً في العلمنة قد ظهر في الثورة الفرنسية التي حرمت الكنيسة من امتيازاتها وممتلكاتها، كما واجهت تحديات فكرية وفلسفية مثل إعلان دين العقل (روبسبير). وحاول نابليون كسب الكنسة التي كانت تحارب من أجل السيطرة على النظام التعليمي ونظام الزواج الذي صار مدنياً. وفي 1905 حدث الفصل التام للكنيسة عن الدولة واعتبارها هيئة خاصة ولكن لم ينص على علمانية الدولة في الدستور الفرنسي إلا في عام 1946.(العظمة،1992:34).
    لم تشهد المنطقة العربية – الإسلامية الظروف التي تسببت في تسارع عملية العلمنة مثل أوروبا، إذ يمكن القول بأن التحديث هو مولد العلمانية. لأن دخول التحضر والتصنيع في غرب أوروبا جعل من الدين في شكل مؤسسة الكنيسة أمراً مستحيلاً، لأن الكنيسة تتطلب التجانس الثقافي أو وجود نخبة قوية مسيطرة تفرض التطابق والتجانس. كذلك توسعت المجتمعات لتشمل مجموعات عديدة: دينية، إثنية، لغوية... إلخ. كما تطورت سبل الاتصالات والمواصلات التي أتت بمعرفة متزايدة للتعدد. كما أضعف التحديث البني التراتبية الجامدة التي سمحت بأحادية الثقافة. وهذه هي فكرة دور كايم عن تقسيم العمل والتخصص الناتجة عن التوسع الاقتصادي. وهذا مجتمع فردي ومن ناحية أخرى صار الإنسان يقوم بتدبير أموره الإنسانية وبالتالي كل الشؤون التي تؤثر على الإنسان هي ما يجب أن يقوم به الإنسان. ونشأ نظام إنساني على الأرض جعل الإنسان في المركز وأنه النقطة التي يدور حولها كل شيء – كما تقول الأدبيات التي توصف ذلك التطور)Heelas,1998:60-61)
    عملية العلمنة ظاهرة عامة تعيشها كل المجتمعات مع اختلاف في الدرجة فقط، ففي القرن الحادي والعشرين لا توجد أي ثقافة تستطيع أن تدعي حصانتها ضد العلمنة مهما كان عمق تدينها الظاهري. وحتى المجتمعات العربية – أو بالأصح بالذات – هذه المجتمعات تتعرض إلى تأثيرات قوية على صلابة وتماسك الديني في داخلها. ورغم الرفض المعلن والقدح والهجوم على كل ماله صلة بالعلمانية، تشهد المنطقة عملية علمنة سريعة وهي في بعض جوانبها ما يسمى بالهجمة أو الغزو الثقافي. ولكن قبل الاسترسال لابد من التنويه لتفريق هام في المصطلح بين العلمنة والعلمانية. فالأولى هي: "سيرورة أو عملية تاريخية لا يمكن وقفها، يتخلص فيها المجتمع والثقافي من هيمنة الدين والرؤى الميتافيزيقية المغلقة، فهي عملية تحرير". أما العلمانية فهي اسم لأيديولوجية تعمل كأنها دين جديد.)Marly &Appleby,1991:27)
    لا توجد عملية واحدة للعلمنة ولا شكل خاص للعلمانية، فهناك عدد من المسارات تختلف حسب ظروف نشأة العلمنة أو العلمانية. وحتى التسميات اختلفت حسب الأوضاع اللائكية (Laic) مشتقة من اللاتينية (Laicus) وهي تعني الناس العاديين أو عامة الشعب مقابل الأشخاص الكهنوتيين أو الكنسيين (الكهنة) وهذا معنى يبعدها عن تهمة الإلحاد ويظهر فيه وصول المعرفة الدينية إلى فئات جديدة غير تلك التي احتكرت العالم. ولم تكن اللغة العربية تستخدم المصطلح في توسع، لذلك سماها جمال الدين الأفغاني بالدهريين. واستخدم فرح أنطون مصطلح الحيادة عام 1905، وهذه تسمية جيدة تستبعد كثيراً من اللبس والتهم عن المصطلح. إذ يمكن أن تكون العلمانية هي الحياد الديني للدولة. ويكتمل ذلك بأن يكون الدين شأناً خاصاً بالفرد أو التخصيص المتزايد للدين. والشعار القائل: أمريكا أمة واحدة تحت الله وليس تحت الكاثوليكية أو الإنجليكيانية أو المسيحية البروتستانية، يؤكد عدم إلحادية العلمنة ولكن في نفس الوقت عدم الإنشغال بالانقسامات الدينية وانعكاساتها على الحياة. وهي في بريطانيا كما يعرفها العظمة: "مذهب فكري مستقي من الدين الطبيعي وقائم في إطار فلسفات نفعية ووضعية ترى في تحسن الحياة المادية شرطاً كافياً لإسعاد البشرية".(ص34)
    تحاول القوى المحافظة في العالم العربي – الإسلامي ربط العلمنة والعلمانية بالإلحاد ومحاربة الدين. ومثل تلك الحملة ليست لها أي صلة بالدين فهي معركة أيديولوجية تكتسي بالدين وأحياناً تصل لغة الحوار فيها حد التهريج. فأنور الجندي يرى في العلمانية مؤامرة على الإسلام وهي نتاج يهودي تلمودي أصيل ويربط بين العلمانية والماسونية ومخططات الصهيونية والثورة الفرنسية وعصر التنوير (الجندي،1973:107) كما أن قضية العلمنة حصرت في معركة تطبيق الشريعة الإسلامية ومثل هذا الطرح يتناسى أو يغفل العلمية التاريخية للعلمنة التي يدخل فيها حتى دعاة الشريعة أنفسهم من خلال عيشهم في هذا العصر واستخدامهم للتكنولوجيا والتأثر بنمط حياة وتفكير يختلفان عن النموذج الذي طبقت فيه الشريعة لأول مرة.
    من جهة أخرى، يفسر بعض دعاة العلمنة بأنها حالة مساواتية يبعد فيها الجميع عن احتكار السلطة السياسية لفرض عقيدة معينة. وهنا تتساوى كل الأديان والمعتقدات وتتنافس بحرية والأهم من ذلك بتسامح أي قبول الآخر. ويأتي رفض المتدينين لأنهم يرون في ذلك إجحافاً لهم لتميزهم عن الآخرين، فهم لديهم عقيدة يريدون حمايتها ونشرها وأنها مقدسة ولا تحتمل النقد والتجديف وفي ذلك تقليل من تعاليها وقدسيتها حين تعامل مثل بقية العقائد. والدولة في هذه الحالة تحقق الوحدة الوطنية لأنها لا تبشر بأي إيمان ولا تنتمي إلى أي دين، وفي نفس الوقت لا تشجع صراحة اللادينية فهي بعيدة عن الاختيار الديني. وتكون لديها قدرة استيعابية لكل الاختلافات والتنوعات التي تميز كثيراً من المجتمعات وتقدم الفرص المتساوية للتعبير مما يقلل احتمالات التناقض العدائي والصدامي بين الثقافات والأديان.
    عرّف محمد أركون العلمانية بأنها: "موقف للروح أمام مشكلة المعرفة" أو "حق الإنسان في معرفة أسرار الكون والمجتمع على عقله وخبراته، بهذا لا تكون العلمانية موقفاً من الدين فقط... بل من قضية المعرفة. والعلمانية الفلسفية ليست الكفر أنها بحث عن المعرفة يدخل
                  

10-22-2011, 10:29 PM

ibrahim alnimma
<aibrahim alnimma
تاريخ التسجيل: 03-28-2008
مجموع المشاركات: 5197

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: أما في مجال التنظيم فيري: "غلبة الطاعة للقيادة علي الشورى في حقيقتها وجوهرها، وغلبة الولاء للتنظيم المعين والتقوقع فيه عن النظر للحركة الاسلامية في مجموعها وللشعوب وللانسانية ككل" (ص305). وهذا يعني غياب الديموقراطية الداخلية وأن يكون التنظيم أقرب إلى هيئة عسكرية. ومع انحسار الشوري داخلها، يصبح من الصعب عليها أن تطالب الدولة بحقوق ديموقراطية وتمنعها عن عضويتها. ويشترط علاج هذه العيوب مقدما فيمن يريد اقامة حركة اسلامية حديثة حقيقة. ويختم قوله بهذه النصيحة: "وعلي دعاة الاسلام أن يؤكدوا أن هدفهم هو أن يتحول نهج الحكم في مقاصده ووسائله إلي اتباع تعاليم الاسلام لا أن يغيروا اشخاص الحاكمين، وأنهم لا يطمعون في سلطة وانما يبذلون وسعهم، لايضاح حقيقة حكم الاسلام". (

    وحينما تسمعهم يرددون في نشوى ببغاوية ، ان التنظيمات والاحزاب السياسية السودانية تفتقر للمؤسسية ومنهج الديمقراطية ، تتعجب وكان القوم يتجشأونها حرية مطلقة داخل التنظيم الاسلاموي ..........
    الاستاذ العجب تحياتي وتقديري علي هذا العطاء منك ومن الدكتور المفكر السوداني العظيم دكتور حيدر ابراهيم علي
    شكراً واتمني صادقاً ان يرفعه الاخ بكري عالياً لكي يستفيد مه القراء والاعضاء
    شكرا كثيرا
                  

10-23-2011, 02:10 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: بحث عن المعرفة يدخل فيها الدين أيضاً... تقول بالدين وتبحث عنه بحثاً علمياً ولا تقصد هدمه البتة. فهدف كل موقف علمي هو فتح الثوب التنكري والتمويهي الذي ارتداه الفكر الإسلامي العربي".(أركون،1979:13) ولذلك رآها البعض ضرورة فكرية واجتماعية وسياسية لما توفره من حريات. وارتباط نظام العلمانية في الغرب بمضمون ديمقراطي حقق في كثير من الأحيان ما يسمى حرية العقل أو الحرية الفلسفية (ميلتون) فقد كانت حركة سياسية وثقافية بمضمون ديمقراطي (لم يحدث هذا في تركيا لأنها جاءت من فوق) وقد تعني في السياق العربي التسامح الديني أو قبول أديان أخرى والتسلح العقلي أي الاجتهاد.(المهداوي،1990:101). وهي تعطي الفرصة إلى التنوع والتمايز والتعايش وتكون بالتالي مبدأ أصيلاً وضرورياً للبشرية كلما نشب الصراع بين استقلالية الفكر وخضوعه.(حلاوة،1996:110).
    هذه هي الأبعاد الحقيقية لفكرة العلمانية والتي توظف الآن في ابتزاز وتخويف الخصوم الفكريين. فقد أصبحت صفة علماني بديلة لملحد أو كافر وسرعان ما قبل العقل الشعبي والإعلام السطحي مثل هذه التحويرات بسبب غياب الوعي النقدي وفي التدهور العام الذي تعيشه مجتمعاتنا صار من السهل تغذية الوعي الزائف.
    يؤخذ علي الترابي تأكيده المستمر علي تجديد الأصول الفقهية بتوسيع القياس بصورة تفتح الباب واسعا للاجتهاد.
    إن الإقرار بتغير حضور الإسلام بسبب ظروف خارجية وتنوعه حسب البيئة الجغرافية والجماعات الاجتماعية والظروف التاريخية ومستوى الحداثة والاحتكاك بالآخر، يعتبر اعترافاً ضمنياً بعلمنة ما للإسلام. وقد جاء قول Goldzieher ليؤكد ذلك حين ذكر بأن الإسلام قد جعل الديون دنيوياً حين أراد أن يبني حكماً لهذا العالم بوسائل هذا العالم. وحتى محمد عبده يقول بأن مصدر السلطة في الإسلام ديني ولكن طبيعتها ووظائفها وحقل تطبيقها مدني في الجوهر.(قرم،1992:224). وقد تكرر القول بأن النص الديني الإسلامي ظهر كإجابة عن أسئلة شتى طرحتها الثقافة في المجتمع العربي – الإسلامي الأول. وبالتالي تتحول مصادر الفكر الإسلامي إلى نص – مشروع وهي أربعة مصادر لا يكاد النص الإسلامي يخرج عنها، وهي: القرآن، السنة، تجربة الصحابة والإجماع، ويبدو أن المصادر الأخيرة تم إلحاقها بنصوص الوحي، وبالتالي فإن الفكر الإسلامي قد لبس النص الموحي بالمحدث الثقافي "لأن للثقافة سيادة تحتاج إلى شرعية ملزمة وهذا ما يدعي محاورة النص الديني للثقافي.(عبدالجليل:44)
    اعتمد المسلمون خلال حياة النبي (ص) على الوحي في توضيح كيفية السلوك والتصرف في المواقف العادية والمعقدة. وأثناء الخلافة الراشدة وحياة الصحابة كان من الممكن اللجوء إليهم في المسائل المستعصية. ولكن تعقدت الحياة وتوسعت الدولة ظهرت مشكلات جديدة لم يرد فيها نص أو حكم قاطع ومقنع. وإزداد الشعور بالحاجة إلى نصيحة قانونية أو فقهية مع الأعداد المتزايدة للأتباع الجدد للدين الجديد والذي يحكم حسب طبيعته الشمولية جميع النواحي الدينية والدنيوية في الحياة اليومية للمسلم. كما أن وجود قوانين وعادات بين الشعوب التي أخضعت كان يجب أن تتسق بطريقة أو أخرى مع التعاليم الجديدة وأن تتكامل مع الجسم الفقهي الإسلامي الناشئ. كل هذا اقتضى قيام مؤسسة الفتيا حيث لعب المفتي دوراً هاماً في تأسيس القانون الإسلامي من خلال الاستجابات لأسئلة ومشكلات الناس. وأصبحت مثل هذه الفتوى مصدراً هاماً للقوانين الإسلامية. لذلك حذر الطرطوشي من تعليم العامة وامتهانهم الإفتاء معتبرين تفقه الرعاع فساد الدنيا وتفقه السفلة فساد الدين.(1959:72) ويبدو أن هذه الشروط تهدف إلى تقوية سلطة المفتي وعدم فتح الباب إلا لقلة أو نخبة تكون قريبة من السلطان وذات ولاء. رغم أنه – نظرياً – يجب أن يكون مستقلاً لأنه يختلف عن القاضي الذي يمثل صوت السلطة أو وكيلها.
    الفتوى عمل وضعي ودنيوي رغم ارتباطه الديني والمتابع بسوسيولوجية الفتوى يمكن أن يتوصل إلى نسبيتها فهي تتغير باستمرار حسب ظروف المكان والزمان والمعاش. فالفتوى تتعلق بجانب تشريعي أي تتطلب بيان حكم الشريعة في وضع عام أو حالة عامة، "إما أن تكون طرأت مع الزمان أو أن تكون وجدت في إقليم معين، ولكنها حالة يعمم وجودها بحيث تستدعي استنباط حكم عام لها من أصول الشريعة الإسلامية" وتظهر علمانية الفقه والفتوى، في قول البشري بأنه مع اتساع الدولة وظهور أمور مستجدة على أحكام التشريع الإسلامي، من الأمصار المفتوحة وأحوالها ونظم عيشتهم احتاج ذلك إلى اجتهاد وفقه جديد. ويقرر: "كان الفقه ينمو ويتطور بواسطة عمل أهلي شعبي بعيد عن نشاط الدولة وأجهزتها (...) هذا الوضع الشعبي التلقائي صان الشريعة من أن تكون مجالاً لتدخل ما رأيناه من حكومات عصور الاضطراب في التاريخ الإسلامي".(البشري،1989:79).
    الدليل على علمنة الفتوى والفقه عموماً هو الخصائص التشريعية لكل عصر، فعلى سبيل المثال في العصر العباسي، ظهر اشتداد الخلاف بين مدرستي أهل الرأي والحديث، نهوض الفقه نهضة عظيمة وشموله لنواح مختلفة في الحياة العملية وبالتالي نشأت المذاهب الفقهية المتعددة، وتم تدوين السنة والفقه وأصوله، كذلك ظهور الفقه التقديري الذي لا يقف عند الحوادث التي تقع فقط، بل يتجاوزها إلى افتراض الوقائع وتقدير الأحكام الملائمة لها، وكان للمذهب الحنفي عناية الاجتهادية.(جعفر،1986:177) وقد تحددت المدارس الفقهية جغرافياً وسوسيولوجياً مثل المدينة مع مالك والمدرسة العراقية أبو حنيفة والسورية الأوزاعي. وقد استشهد أبو حنيفة باعتماده على الكتاب والسنة واستخدام القياس والاستحسان. ويلاحظ أنهم قبلوا العرف، وهو كما يحدده الغزالي: "ما استقر في النفوس وجهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول، أو ما يعتاده الناس ذوو الطباع السليمة من أهل قطر إسلامي بشرط ألا يخالف نصاً شرعياً".(المصدر السابق،236 عن الغزالي). والعرف وضعي أيضاً. وهذا وقد قبل الناس اختلاف الناس في المذهب الواحد أو عدولهم عن فتاويهم السابقة وهو ما يطلق عليها الفقهاء بأنه اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان. ويكتب كولسون عن الخلافات التي وقعت في فروع الفقه في مدرستي الكوفة والمدينة: "... فسنجد أن نظرتهما العامة وموقف كل منهما، إنما خضع للظروف الخاصة به. فالروح المحافظة المتمسكة بالموروث هي السمة المميزة لفقهاء المدينة المبكرين، على حين استلهم زملاؤهم الكوفيون روح البحث والتفكير الحر، نظراً لحياتهم في مجتمع تأسس حديثاً، وليست له هذه الجذور التي تربطه بالماضي مثل مجتمع المدينة".(ص76). ويضيف بأن مدرسة الكوفة كانت من الناحية الجغرافية أكثر اتصالاً بالنظم القانونية الأجنبية. وقد عكست الحالة القانونية للعبيد في المدينة مركزهم كأعضاء مقبولين بين أفراد العائلة، فكانت لهم ضمن ما نعموا به أهلية للتملك، ولكن قنن أهل الكوفة لأهليتهم هذه بمنطق صارم أساسه أنه إذا كانت ذواتهم مملوكة فلا يتحملون الحق في التملك. وينبع هذا الموقف المنهجي إلى حد كبير من التأثر بالقانون الروماني ومن التمييز الطبقي الحاد في مجتمع الكوفة أيضا.(المصدر السابق،ص77). ويعطي أحمد أمين أمثلة عديدة لأثر اختلاف البيئات على التشريع، فعلى سبيل المثال يقول: "ظرف أهل الحجاز ورقة شعورهم وأنهم في ذلك العصر فاقوا أهل العراق والشام، حتى لقد كان فقهاء الحجاز أوسع صدراً وأكثر تسامحاً في الغناء والمجون من أهل العراق. تشدد أهل العراق كان وليد الفرس". ويضيف: "الحجاز كان به ارستقراطية العرب وهم العنصر الفاتح وقد نال هؤلاء الارستقراطيون خير الجواري وأرفعهن نسباً وأكثرهن تأدباً ومنهن من تربى ببيت الملوك والأمراء وتأدب بآداب الحضارة، فنقلن ذلك إلى الحجاز وصبغنه بالصبغة العربية". ويقول عن العراق أنه قطر أسس على مدنيات قديمة لهم علم مأثور وهو قطر غني يتوافر فيه العيش فيجد الناس من أوقاتهم ما يسمح لهم بالعلم. لذلك كان أهله الأكثر جدالاً، فكان طبيعياً أن يكون مصدراً للكثير من المذاهب الدينية(امين 1996:283)
    ومن أهم مظاهر العلمنة في الفتوى استخدام ما يسمى بالحيل الفقهية وهي تعادل مصطلح (Legal Fictions) بمعنى الفروض القانونية. وفي نظام الحيل تستغل فيه حرفية التشريع القائم بقصد تطويعه لتحقيق أهداف قد تخالف روح هذا التشريع مخالفة أساسية (مع ملاحظة عدم الخروج عن النص الحرفي). ويقولون أن المهم علاقة الأفعال بمآلاتها من حيث موافقة قصد الفاعل مقاصد الشريعة أو مخالفته إياها. ويعرفه الشاطبي: "تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة في الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فراراً من الزكاة. ولكن المالكية حرموا الحيل، أما الأحناف والشافعية وما بعدها فلم يحكموا ببطلان مثل هذه الحيل.
    يمكن تتبع أثر العلمنة على الفتوى من خلال التركيز على نوع معين من الفتاوى في فترة تاريخية معينة. فهذه الأيام يهتم رجال الدين بفتاوى ترتبط بالتكنولوجيا والاكتشافات العلمية. وهذا وضع جديد وأغلب المشكلات الراهنة جديدة، لذلك يلجأ الفقهاء إلى القياس والذي يكون في كثير من الأحوال متعسفاً.



    خاتمــــة

    يواجه الدين تحديات كبيرة في عصر العولمة حيث تغمر التدفقات الثقافية الآتية من الخارج كل المجتمعات من خلال وسائل الاتصال والمواصلات والاقتصاد الاستهلاكي، وهذا ما يجعل العالم يعيش حالة من الحراك السريع دون وجود بدائل أكثر إنسانية. والدين له لغة وآليات وفهم خاص به يختلف عن العلم أو الفلسفة مثلاً ولكنه كان طوال تاريخه يحاول تقديم الطمأنينة والأمل للمؤمنين. أما في هذا العصر فقد انزاحت اليقينيات التي كان يعتمد عليها الدين وصارت كل الأشياء نسبية ومتغيرة. كذلك مضى عهد الأيديولوجيات الكبرى واليوتوبيات، ويبدو العالم ساحة لصراح سيطول. ولم تستطع العولمة حتى الآن إبراز الوجه الأكثر إنسانية، وما هو ظاهر هو وجه الرأسمالية المعاصر.
    مآلات المشروع الحضاري الاسلامي

    لا يمكن تقديم رؤية من الخارج لمشروع الحركة الإسلامية السودانية دون اعتماد أولي على رؤية المشروع عند دعاته والقائمين عليه، وتأتي من ثم الرؤية من الخارج ناظرة للتجربة ومدى نجاحها بمقياسين: الأول: أصحابها أنفسهم، والثاني: مقياس الدولة الوطنية الحديثة ومطلوباتها، ومدى اقتراب الإسلاميين السودان من النموذجين.
    ولا يفوت على الكاتب أن يذكر بأن المشروع الإنقاذي يتجاوز السودان الجغرافي إلى عموم حالة الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي، فتجربة حكم الجبهة الإسلامية القومية في تحالف مع العسكريين اختبار حقيقي لجدال وسجال استمرا منذ القرن الماضي حول الدولة في الإسلام، وبعد ذلك ما هو موقف الأحزاب والتيارات الإسلامية في الديمقراطية؟ فنحن الآن أمام تجربة عينية ملموسة وصل فيها الإسلاميون تجديديون إلى السلطة السياسية في نهاية القرن العشرين، وكانت لهم اجتهادات وتنظيرات في موضوعي الدولة والديمقراطية، والآن في يدهم سلطة سياسية كاملة وبدون مشاركة أي طرف قد يحد أو ينقص إطلاقية وشمولية سلطتهم، فكيف كان التطبيق؟ وكيف نزّلوا اجتهاداتهم ونظرياتهم إلى أرض الواقع ؟

    المشروع الإسلامي عند دعاته

    من البداية نلاحظ تعدد تسميات التجربة السودانية؛ فهي المشروع الحضاري، أو المشروع الإسلامي السوداني، أو مشروع النهضة الحضارية الشاملة، أو النموذج الإسلامي في السودان.
    وهناك من يرى عملية التحديث والحداثة من منظور إسلامي؛ لذلك نصطدم بمفهوم واسع وليس شاملاً يقول كل شيء ولكن لا يقول شيئاً، لكن الحركة الإسلامية الحاكمة تكتفي بمخاطبة أجزاء دنيا من العقل، وقد ترضى بمجرد الانفعالات والعواطف، فنحن الآن أمام "مشروع حضاري" يطبق من دون أن يرهق مفكرونا بتحديد ماذا يقصدون بهذا اللفظ الذي تحول إلى تشريعات وقوانين وممارسات وأدوات لقمع الناس أو لتمييز الناس؟ ثم ألا يحتاج هذا المشروع إلى تنظير وتعميق فكري؟ وهذا الإبهام يظهر في الإصدارات والكتابات التي تتناول الموضوع على مستوى أعلى من المقابلات الصحفية والأحاديث الإعلامية.
    ينطلق دعاة المشروع الإسلامي في تبريرهم للمشروع أنه محاولة للعودة للأصالة والاستقلال؛ إذ إن وضع السودان قبل الإنقاذ وقع ضحية تبعية مؤسسية للغرب في مجال المؤسسات الدستورية والحزبية ومؤسسات الثقافة والتعليم الحديث والإعلام، بالإضافة إلى التبعية الطائفية حيث تحالفت النخب العلمانية المتغربة مع الطائفتين الكبيرتين بهدف التواصل مع الجماهير التقليدية، وهذان هما مصدر الأزمات التي أدت إلى أن يكون السودان دولة أسيرة؛ لأن الاستعمار خرج ولكن خلف دولة أسيرة مرتبطة بالمصالح الاستعمارية من خلال ممثليه في قيادة مكونة من الصفوة الحديثة والزعامات الطائفية التقليدية، أما عامة الناس فقد تحول التدين لديهم إلى شعائر وطقوس خاوية من معاني القرآن والدين الحق، ومن ثم يصبح المشروع الإسلامي السوداني عند دعاته، كما يرى د. أمين حسن عمر، ود. التجاني عبد القادر: "هو مشروع للتحرير من الهيمنة الإمبريالية الغربية، ومن حيث إنه مشروع لإعادة البناء الاجتماعي وفق رؤية تجديدية للدين تجمع بين الأصل السابق للظاهرة الاستعمارية والعصر التالي لها، كما يهمنا من حيث إنه يوفر طاقة معنوية هائلة تمكن الشعب من تجاوز واقع التخلف بأقل قدر مما يتوفر من الإمكانات المادية والوسائل التقنية".
    أما المفاهيم التي يعتمدها المشروع الجديد في بناء نظامه فهي الثورة، ومبدأ الثورة هو أهم ما يميز المشروع، ويقصد به: فك علاقة التبعية للإمبريالية الغربية سواء أكانت أشكالاً مؤسسية أم أنماطها سلوكية، وتفكيك العلاقات الطائفية سواء أكانت علاقات استراتيجية كالتي بينها وبين أتباعها في الريف، أم علاقات تكتيكية كالتي بينها وبين العلمانيين في المدن، والنفاذ إلى العمق الجماهيري المسلم، وإخراجه من هوامش الحياة، وإعداده ليخوض معاركه المصرية بنفسه والثورة – حسب المفهوم المعروض – لا يمكن أن تتصالح مع الغرب والطائفية، وليست عملاً عسكرياً أهوج، ولكنها عمل دءوب نحو "إحياء الأمة بالتذكير والتفكير والموعظة الحسنة، والقدرة وترفّع الهمة".
    يرتبط العامل الثالث بما سبق مباشرة، وهو مبدأ الاعتماد على الذات باعتبار "أن تحرير الولاء لله، والاستقلال بالقرار وتأسيس الحياة الاجتماعية" لا يتم دون ذلك المبدأ.
    المفهوم الرابع في نظرهما هو الجهاد الشعبي، والعنصر الأخير يكتسب أهمية قصوى في فهم سياسة نظام الجبهة الإسلامية في عسكرة المجتمع وتنمية العنف، وتهميش دور القوات المسلحة، أو على الأقل يوظفه أيديولوجيا وسياسياً لنظام حاكم.
    وقد لا يغيب عن فطنة القارئ أن هذه طروحات عالم – ثالثية وطنية وليست إسلامية، وقد نجدها عند فرانز فانون صاحب كتاب "المعذبون في الأرض"، وعند رواد حركات الحرر الوطني من نكروما ونهرو ونيريري وكاسترو وكابرال وغيرهم، وعند مفكرين أمثال سمير أمين ومنظري التبعية في أمريكا اللاتينية، وفي منظري لاهوت التحرير المسيحيين، كما هي لدى التقدميين الإسلاميين مثل علي شريعتي ومحمد خاتمي.
    ولكن السؤال هو: هل تستطيع الحركة "الإسلامية" برؤيتها الدينية وأصول عضويتها الاجتماعية والطبقية وطريقة تنظيمها أي العلاقات الحزبية والبناء التنظيمي والشخصية الكاريزمية التي أسبقتها على زعيمها التاريخي د. حسن الترابي وزعمائها الذين خلفوه أن تنجز مهام الثورة الوطنية؟ فالحركات "الإسلامية" تقدم برنامجاً غير واقعي، كما أنها تعجز عن تأسيس دولة وطنية قوية باعتبارها الوسيلة لتحقيق شروط النهضة، فالدولة الدينية لا تقوم على حق المواطنة، ولا تضم كل المواطنين بل تقصي الكثيرين.
    وقد طرح الإسلاميون هذا السؤال على أنفسهم، كما تساءل د. التجاني عبد القادر في مطلع التسعينيات: كيف تستطيع طليعة إسلامية ما أن تدير دولة حديثة؟ أي أن تسير حهازاً بيروقراطياً عريقاً يرابط مفاهيميا ومصلحياً بالقوى الأجنبية المعادية، وتسخره لتوطيد أركان الإسلام وترطبه بأصوله في الاعتقاد والاجتماع؟ ويتفرع – في رأيه – عن هذا السؤال تساؤلات فرعية كثيرة مثل:
    1- ما هي الصورة التي يجب أن يتحول إليها العمل الدبلوماسي الحالي، هياكلاً ومقاصد وثقافة؟
    2- ما هي الصورة والفلسفة الإسلامية التي تنظم فيها القوة العسكرية، تدريباً وعناصر وأهدافاً مرجوة؟
    3- ما هي صور التنظيمات التي تتخذها القوة العاملة في دولة إسلامية حديثة؟ وكيف تكون العلاقات بينها وبين رأس المال الخاص ورأسمال الدولة؟
    4- ما هو شكل النظام السياسي الإسلامي الحديث، وما هو هرم السلطة فيه، وما هي علاقته بالفاعليات الاجتماعية الرئيسية؟
    5- ما هي خطط نمط التعليم في نظام إسلامي حديث، وما هي علاقته بالأصول الإسلامية وبالحضارة الغربية، وبالطبقات الدنيا في المجتمع وبالخدمة العامة؟
    6- كيف تدار حركة الاقتصاد في نظام إسلامي معاصر؟
    يعترف الكاتب بعدم وجود إجابات مثالية جاهزة على الرغم من أحاديثهم عن أن الإسلام هو الحل، وأن الشريعة تحتوي على كل الإجابات، والسبب في غياب الإجابات هو أنه أثناء حكمهم أي من خلال التجربة والخطأ جعلوا من السودان معملاً كبيراً للتجارب، وبعد عشر سنوات على استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة، يعترف الكاتب الإسلامي نفسه: "إننا أغمضنا أعيننا وسرنا في مرحلة الدولة باستراتيجية ما قبل الدولة، وبعدد محدود من الشعارات الجميلة التي لا تستند إلى عمق فكري ولا تتحول إلى فعل محسوس، وتحولت الشعارات وبقايا الاستراتيجية القديمة إلى نوع من الأيديولوجيا المغلقة"، "إن الأفكار التي فسرت الواقع ذات مرة لم تدرك كم تحرك الواقع بعيداً عنها".
    وأصبحت التجربة الإسلامية تخاف الشعب بعد أن كان الشعب في عمقها الإستراتيجي، والدليل قوانين الطوارئ المستدامة، والقبضة الأمنية المستمرة، مع ممارسة التعذيب والقهر وكل أساليب الفترة الأولى ولكن بطريقة نعامة تخاف الإدانات العالمية بينما لا تستحي من شعبها.
    وأصبح المشروع رهيناً لأزمة أخلاقية كبيرة؛ فالناس أخذوا على دعاته مآخذ تتعلق بالمسألة الأخلاقية كبراغماتية الحركة الإسلامية التي تمثلت في التحالف مع نميري، وما يتناوله الشارع السوداني عن سلوك أفراد الحركة، خاصة بما يتعلق بدنيا المال والأعمال.
    ويرجع د. عبد الوهاب الأفندي قضية الأزمة الأخلاقية في الحركة الإسلامية إلى فلسفة الترابي في العمل والتغيير والتي يمكن ترجمتها بالتالي: (إن أنصار علي رضي الله عنه ما كانوا ليخسروا لو أنهم اتبعوا أساليب معسكر معاوية رضي الله عنه) (القدس العربي 7 سبتمبر 1999).
    ويضيف الأفندي مؤكداً الأزمة: "وقد شهدت فترة ما بعد يونيو 1989 تدنيا متزايداً ليس فقط بالالتزام الأخلاقي، بل في الإيمان بدور الأخلاق في المنظومة الاجتماعية، وفي حوار خاص مع أحد كبار المسئولين أخبرني الرجل مرة بأنه أصبح فاقداً للثقة في الدوافع الأخلاقية
                  

10-23-2011, 02:12 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: لكل الخلق، بينما أخبرني الرجل نفسه مرة أخرى في معرض حديث آخر بأن المال قادر على اجتراح المعجزات، وسمعت آخرين يتحدثون عن فاعلية الردع والتخويف، وكان هذا في حال إسلامي مخالف اعتقل بغرض "تلقينه درساً".
    حتى أضحت الحركة الإسلامية القائمة على رأس المشروع الإسلامي في السودان عند بعض دعاتها بمفهومهم عنها (كحركة تلتزم الإسلام وقيمه – لا وجود لها في السودان، وأن كل ما عندنا هو حفنة من الانتهازيين تجري وراء المكاسب والمغانم). (المصدر السابق).
    يكاد تقويم د. الأفندي أن يكون هو المفسر الوحيد لدافع الكتابة عن المشروع الحضاري؛ لأنه كان الوعد بالسمو الأخلاقي وهذا ما يمكن أن يكون الإنجاز الحقيقي لو حدث، ولكن كما يقول الكاتب: والدرس من كل هذا هو أن هناك حداً أدنى من الالتزام الأخلاقي والديني لا تستحق الحركة بدونه أن تنسب إلى الإسلام.
    موقف المشروع من مطلوبات الدولة الحديثة

    بعد انهيار النظم الشمولية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وبعض دول إفريقيا، أتضح بما لا يدع مجالاً للتردد أن هناك مطلوبات جوهرية للدولة الحديثة، كالديمقراطية، والتعددية، وقيام الدولة على قاعدة المواطنة، والاحتكام للمؤسسات، واحترام حقوق الإنسان.
    بالنظر للتجربة القائمة باسم الإسلام الآن في السودان، نجد أن موقف الإسلاميين السودانيين من الديمقراطية أنها سبيل فيها للفرقة والفتنة مقابل الوحدة والشوكة، وللإسلاميين نظرة أبعد من الرفض سياسياً للتعددية، بل موقف فلسفي ثابت يقود إلى حاكمية الله من خلال التوحيد؛ ففي سؤال عن فكرة النظام الديمقراطي في الحكم وجه للشيخ الترابي: هل تغير موقفك من هذه المسألة أم لا؟ وما هو انعكاس ذلك على تجربة الحكم الإسلامي في السودان؟ كانت الإجابة: "إن هدف الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية هو العودة بالأمة إلى نقاء المجتمع الأول، والانتقال بها من التمزق والشتات إلى الوحدة والانسجام، ورد الخلق عن كل ما يمكن أن يفتنهم من متعلقات بالله سبحانه وتعالى، ورد القوى المتباينة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى هدي الدين، ورد نسبية الظروف والأمكنة إلى الأزلي المطلق الخالد، ولو نزلنا إلى النظام السياسي فهو تقريباً محاولة للربط والبدء بما هو ابتلاء وقدر من تباين المناسك والأعراف ورد إلى أصل الوحدة بالدين لا بوسيلة القهر".
    ويرون في الشورى محاولة لجمع مسيرة المسلمين الخالصة؛ حيث يسعون إلى إجماع يمثل وحدهم، وينبغي لهذه الصورة السياسية الوحيدية أن تجسد في مؤسسات سياسية تعبر عن المسلمين وتبرز هويتهم، وهذا الرأي يتعارض مع القول بأن الإسلام دين الفطرة، لذلك أقر بالاختلاف والتنوع والتعدد بين البشر، بحكم إنسانيتهم، وبالتأكيد تواجه مسألة الوحدة بمطلب الحرية والتي يمكن أن يضحى بها بسهولة ولو خشينا من الانقسام والاختلاف.
    فالديمقراطية عند الانقلابيين جميعاً وعلى رأسهم الإسلاميون السودانيون (الجبهة الإسلامية القومية) ليست مبدأ ولا قيمة فكرية وأخلاقية بل هي واحدة من أدوات الوصول إلى السلطة السياسية، وهذا الفهم الأداتي للديمقراطية سبب الاستخفاف بالممارسة الديمقراطية.
    ويرى منظر المشروع الإسلامي السوداني حسن الترابي أنه ليس هناك أي داع لكي يقلد المسلون هذه الصور، وألا يخجلوا من رفضها مهما كانت التسميات جذابة أو سائدة مثل الديمقراطية أو التعددية الحزبية، وكل هذه النظم – في رأيه – لا تعبر عن مضمون الإسلام وهو التوحيد والنظرية التوحيدية السياسية، ولكن الذي يعبر عنه، هو نظام يقوم أولاً على الإيمان منطلقاً لسيادة الشريعة كدستور في الحياة السياسية العامة، وثانياً على الحرية رمزاً لعقيدة التوحيد حيث ينبغي أن يكون كل فرد متجردً لله.
    ولهذا يدخل الاختلاف السياسي عند الإسلاميين إلى دائرة خطرة يخرج من المعارضة السياسية إلى مجال الكفر والتجديف، وتعتبر عملية التنميط وإلغاء الفوارق في كل شيء حتى اللبس والشكل، من الأدوات المهمة في النظم الشمولية؛ لأنها تضمن الخضوع والطاعة والاستقرار أو ما يدعي الوحدة الوطنية وهي الصفة المفضلة.
    عملياً اتخذ "الإسلاميون" موقفاً شديد الارتباك حيال الأحزاب والتعددية الحزبية؛ مما يدل على أنهم لم يجتهدوا مطلقاً في الوصول إلى صيغة جديدة لوضعية الأحزاب في نظام سياسي إسلامي حديث، وما زالوا متوقفين عند الفهم القديم لكلمة الأحزاب والتي لم تكن تعني تشكيل حزب سياسي، ولكنها تعني التعصب والوقوف معاً ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
    وبالجملة، تسعى النظم الشمولية ومنها نظام الإنقاذ رغم بدائيته إلى تحقيق السيطرة الكلية على المواطنين، وهذه العملية كما تعرفها حنة أرندت (إن السيطرة الكلية هي التي تجهد في تنظيم تعددية الكائنات البشرية وتمايزهم اللانهائيين، وكأنما البشرية كلها إن هي إلا هوية ثابتة من ردود الفعل، هكذا يتسنى لكل مجموع من مجاميع ردود الفعل هذه أن يُستبدل بأي مجموع آخر).
    وعلى هذه الرؤية الكلية يمكن أن نفهم أن تنصيصهم على المواطنة كأساس للحقوق والواجبات في دساتيرهم المتعددة إنما هي خطاب للخارج بقصد تجميل الصورة وتبييض الوجه.
    أما احترام حقوق الإنسان، فإن ما أصابها من سوء على يد أصحاب المشروع الحضاري غير مسبوق بحال في السودان، وتشهد بذلك سجلات حقوق الإنسان العالمية، وما يزال ملف حقوق الإنسان في السودان مفتوحاً في طاولة المؤسسات الحقوقية العالمية.
    ماذا بعد؟
    رغم تشدق القائمين على المشروع الحضاري بإسلام الدولة والمجتمع واعتبار دستور 1998 هو النموذج النهائي والمرتجى للدستور الإسلامي الذي ظلوا يدعون له من قبيل الاستقلال، ويكتسب هذا الدستور والموقف منه أهميته إن أجيز قبل انشقاق الحركة الإسلامية وخروج الترابي وجماعته من الدولة وأورقتها.
    ورغم احتفال أصحاب المشروع الحضاري بدستورهم، تحفظ الكثيرون من ذوي الاتجاهات الإسلامية على دستور 1998؛ لعدم ذكر الدين الرسمي للدولة وعلى المواد 24 و25 الخاصتين بحرية العقيدة، ولـ "غامضة المعنى ضبابية المضمون"، ويعلق الشيخ عطية محمد سعيد: (وعدم النص في هذا الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي فيه استخفاف بالإسلام والمسلمين الذي يشكلون أغلبية ساحقة من السكان، فكيف أغفل ذكر الدين الرسمي في دستور السودان في عهد الإنقاذ في الوقت الذي ارتفعت فيه رايات الجهاد تعلن على الملأ عودة الإسلام إلى الحياة مخصباً بدماء الشهداء من شباب الإسلام بالسودان، وأخيراً إنني أتساءل وأرفع صوتي حتى يسمعه ولاة الأمر الذين جاءوا إلى السلطة على أكتاف الإسلاميين وبثقة الشعب السوداني المسلم هل هذا هو الدستور الذي ظلت الحركة الإسلامية تعمل له لأكثر من نصف قرن؟ وهل هو الدستور الذي من أجله وقف الإسلاميون في وجه الأحزاب وزعماء الطائفية والشيوعيين والعلمانيين وقوى الاستكبار في المشرق والمغرب، وهل هو ذلك الدستور الذي سالت من أجله دماء شهدائنا في الناصر وبور وتلشي وتوريت وتركاكا وجبل سندرو، اللهم لا).
    والشيخ عطية رجل أفنى عمراً طويلاً يدعو لدولة إسلامية وهو قد عاش ليرى رفاقاً له يسنون مثل هذا الدستور الوضعي ومع ذلك يتحدثون عن عدم تراجعهم عن الشريعة!
    تصاعدت حملة أئمة المساجد والدعاة في السودان ضد دستور المشروع الحضاري، ونشطت الجماعات الإسلامية في توزيع المنشورات المعارضة للدستور في المساجد والجامعات، ودعت إلى إسقاط مشروع الدستور، وأصدر طلاب أنصار السنة في الجامعات بياناً سياسياً انتقدوا فيه مشروع الدستور، وقالوا إنه أشار إلى الإسلام في خمسة مواضع "غامضة المعنى ضبابية المضمون"، وقالوا إن الدستور لم يحدد هوية البلاد ولم يحسم أمر الدولة الإسلامية وأعطى الديانات الأخرى شرعية دستورية في أول سابقة من نوعها في السودان، في وقت حسمت دولة إسلامية كثيرة هذه المشكلة بجعل الإسلام دين الدولة الرسمي.
    وقال البيان إن المادة الرابعة ذكرت أن الحاكمية لله وهي كلمة فضفاضة لا تعني الشريعة الإسلامية، واعتبروا المواد (1 ، 4 ، 24 ، 33 ، 37 ، 65 ، 139) مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية وأنه جاء مخيباً للآمال، ويعتبر علمانياً، والمشاركة في الاستفتاء عليه جريمة، وقد أعربت الجماعة أنها كانت تأمل أن يجيئ الدستور محدداً للهوية الإسلامية للأمة السودانية ولكن جاء عكس ذلك. (صحيفة الحياة 11 مايو 1998).
    وقالت جماعة الإخوان المسلمين، التي يقودها الصادق عبد الله عبد الماجد: "إن القول بأن الشريعة الإسلامية وإجماع الأمة – استفتاء ودستوراً وعرفاً – هي مصادر التشريع، قول يحتاج إلى وقفة"، وأضافت أن "الدستور حمل مخالفات شرعية، منها أنه لم يشترط أن يكون الحاكم مسلماً، وهذا أمر لا يملك أحد تغييره أو إنقاصه، ثم إنه جعل مصدر التشريع مشتركاً بين الشريعة ومصادر أخرى، من استفتاء وعرف، وهذا أمر لا يملك أحد أن يغيره أو يضيف إليه أو يتقص منه، فالشريعة عن المسلمين هي مصدر التشريع، ولا نحتاج لغيرها، فهي المهيمنة على كل أمر خارج عنها، ولا يجوز شرعاً أن يلي قضاء المسلمين غيرهم، والدستور جعل غير المسلم يمكن أن يحكم بين المسلمين، فكيف يطلب من المسلم أن يطيع حاكماً أو قاضياً غير مسلم؟! ومن الأمور التي يجب النص عليها حكم المرتد، الذي أغفله الدستور".
    سبب السقوط
    يعود سبب سقوط المشروع الحضاري إلى أن الفكر الإسلامي عموماً لا يملك أي نموذج إرشادي مستمد من التاريخ لشكل ومضمون الدولة، وعلى الرغم من التمجيد لنموذج "مجتمع المدينة" فقد عجز الحكام (الإسلاميون) السودانيون عن التأسي بروح ذلك النموذج؛ إذ ليس المطلوب إتباع مؤسساته وتنظيمه، وأعني بالروح قيم ذلك المجتمع مثل العدالة والمساواة وتكريم الإنسان، وزهد الحاكم وعفته وبعده عن الترف والكبرياء والتكبر، وزاد غياب مرجعية تقدم شكلاً مفصلاً أو تقريبياً لدولة إسلامية تاريخية من صعوبة مهمة التأسيس لدولة إسلامية في نهاية القرن العشرين؛ مما يجعل الإسلاميين أسراء للوعي العربي القديم للدولة والسلطة، وكما قال العروي: "هل يتصور أن يتحول ذلك الجهاز إلى أداة طيعة تخدم هدفاً روحياً مستحدثاً وهو بين أناس لا خبرة لهم به ؟! الأقرب إلى الواقع المعهود هو أن يبقى وفياً لهدفه التقليدي متجاهلاً دعوة الإسلام، لا مؤثراً فيها ولا متأثراً بها".


    خاتمة المراجعات الاسلاموية
    أثار النقاش الإسلاموي الذي يدور هذه الأيام جملة من التساؤلات. فقد جاء جدل الإسلامويين كمحاولة جديدة للتبرير والتفسير والبحث عن كبش فداء من الجماعة نفسها واللوم المتبادل، دون أن يلمسوا جوهر القضية. ولكن قبل ذلك، لماذا هذا التوقيع بالذات؟ وهذا سؤال تاريخي – اجتماعي، بمعنى إن إثارة أية قضية أو موضوع لابد أن يكون خلفه دافع أو دوافع. والا لسألنا: لماذا لم يثار قبل هذا التوقيت أو لا يصار بعده؟ لقد بدا لي أن شعوراً بغرق الدولة والحركة الإسلاموية، أثار الهواجس والمخاوف والحرص على إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لذلك فإن شعور الفئران داخل المركب بقرب الغرق، لا يعطيها الفرصة الجيدة لحسن التصرف والتفكير الجيد. ومن هنا، قل استغرابي من طريقة تناول أقلام احترمها رغم الاختلاف الكامل معها مثل د. التيجاني عبد القادر ود. عبد الوهاب الأفندي.
    ولو بدأنا من الخاتمة لسألنا: هل ما نعيشه الآن هو حلم الحركة الاسلاموية الذي قدمت من أجله كل التضحيات العظيمة من سجن وهجرة واقتتال مع نظام النميري؟ إذا كان الإجابة بلا، فهل يكتب عن الكارثة التي حلت بكم وشارككم فيها الوطن عنوة وقسراً بهذه الطريقة التبريرية والتبسيطية لوضع عظيم الأثر؟ فقد ضاعت الحقيقة في اللوم المتبادل وكأنم لم تشاركوا جميعاً في الإنقلاب على نظام الحكم المنتخب. فالدكتور عبد الوهاب الأفندي، كان صوت النظام عالمياً من لندن، وفي أسوأ سنوات النظام في قمعه وانتهاك حقوق الإنسان. وكان يصرح بضمير بارد ومستريح بأن كل التقارير التي تتحدث عن التعذيب وحقوق الإنسان ملفقة ونتيجة مؤامرة، ويؤكد: "أن سجل السودان في حقوق الإنسان أكثر نصاعة منكل الدول المجاورة" وكان المقارنة المطلوبة هي مع رواندا وإفريقيا الوسطى وليس بمجتمع المدينة. كانت الإيديولوجيا تعمي ذلك الشخص الذي عن أن يتقصى الحقائق. وهذا هو جوهر القضية، وهو أن انحراف الإنقاذ والمشروع الحضاري، ليس بسبب شخصية الترابي، أو تغير دور العسكريين. ولكن الفكرة والمنهج.
    لم تحاول الحركة الإسلامية في العالم والإسلاموية في السودان الإجابة على السؤال/ التحدي: هل يمكن قيام دولة إسلامية حديثة ديمقراطية ومتقدمة اقتصادياً وتحقق العدالة الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين على أساس فكرة الإسلامويين والإسلاميين عموماً عن الدولة الحديثة المتقدمة؟ لم تكن الفكرة القائمة على اجتهاد جرئ موجودة ولذلك فضل اسلاميو السودان ممارسة التجربة والخطأ على الشعب السوداني. وكانت الأزمة في مصر أن الأخطاء كانت هي الغالبة والمتزايدة باستمرار. ولكنهم وجدوا صعوبة في المراجعة والتراجع لأنهم يحكمون بتفويض إلهي سمح لهم بالانقضاض على الديمقراطية. وصار كل الطرق، بأثر رجعي، يقول بأن قصدهم نبيل، فقد كانوا يريدون إصلاح الديمقراطية وإعادة تربية الأحزاب وقادتها والشعب كله، ثم إرجاع الديمقراطية مبرأة من كل عيب! هذا منطق غير معقول، لذلك من العبث الحديث عمن كان يريد إعادة الديمقراطية مقابل من يرفض أو يتباطأ كما يوحي حديث السيدين إبراهيم السنوسي ومحمد الأمين خليفة.
                  

10-23-2011, 02:14 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: لم يكن لكل الأقلام التي تكتب وتبرر الآن، أية فكرة آنذاك عن الديمقراطية الجديدة التي ينوون تقديمها إلى الشعب السوداني. فقد كان العقل الإسلاموي مشغولاً، بكيفية الاستيلاء على السلطة فقط. وقد استخدم عراب الإنقلاب الشيخ حسن الترابي، كلمة ذات دلالة عميقة، وهي: لقد تذوقنا السلطة! ولم يقل مارسنا أو جربنا. فقد تعامل الشيخ وكل الإسلامويين حتى النقادين الآن، مع السلطة بلذة وشبق ونشوة. وقد أعماهم ذلك الشعور عن البدهيات والظاهر من الأمور فقد كانوا في حالة جذب سلطوي يغيب العقل تماماً فهو مصدر إزعاج وقد يتسبب في اليقظة.
    إن الحديث عن شخصية الترابي وطغيانه، هي محاولة لاستنساخ ستالين إسلاموي، وهذا عمل عقيم فالتاريخ لا يكرر نفسه رغم وجود المتشابهات أحياناً، ولكن سواء أكان ستالين أو الترابي، من هو صانع الطاغية ومن الذي يفرعن الفرعون؟ رغم إيمان الإسلامويين الظاهري، فقد مارسوا عبادة الفرد بامتياز لدرجة تصل مستوى الشرك. إذ تصورا أن الشيخ الترابي لا يخطئ ولم يكونوا يحتملون أي نقد لشيخهم المعصوم. واعتقد أن أثر السحر ما زال يجري فيهم حتى بعد المفاصلة والخصام والتي لم تحدث نتيجة لعودة الوعي ولكن للخلاف حول تذوق السلطة، فقد تذوق البعض أكثر ولم تكونوا لتفرطوا، لأن الترابي لو استلم السلطة فسوف يسلمها عيسى، ولن يفعل الآخرون أي شيء أمامه. وهو لم يكن يضع للآخرين أية قيمة – كما فهمنا من حديث د. التيجاني والسنوسي – وهو لم يكن سلطة شرعية، فما بالك لو وقعت في يده السلطة. إذاً، المفاصلة استباق في تذوق السلطة ولم تكون هناك أي دوافع ذات صلة بالمبادئ. فالترابي لم يكن مستعداً للتعددية ومشاركة الأخرين، خاصة وقد أبعد في تلك الحالة أخوانه في الله.
    جمع الإسلامويون السودانيون بين فعل العيب والمكابرة والإصرار على الخطأ. فقد عجزوا رغم الكتابات والتبريرات عن تقديم نقد ذاتي صادق. وأجدلهم العذر في صعوبة الإقرار بأن تجربة إسلامية قد فشلت فالشيوعي يمكن أن ينقد تجربة الاشتراكية، والعروبي يمكن أن ينقد تجارب الوحدة العربية. ولكن الإلاموي يصعب عليه النقد لأن تجربة فصيل حزبي أو تنظيم سياسي محدد تتماهي لديهم مع الإسلام نفسه. فهم يتحدثون عن الإسلام وكأنه الجبهة القومية الإسلامية والعكس أيضاً، لذلك يعني نقدهم لتجربتهم وهو نقد للإسلام. وهذا يستحيل بالتأكيد حسب رؤيتهم، ولن يمكن للإسلامويين السودانيين ممارسة النقد إن لم يفصلوا بين تجربتهم والإسلام. وهذا يحتاج إلى تواضع وصدق قبل أن يحتاج إلى موضوعية وعلمية. ومما يزيد الأمر تعقيداً هو أن الإسلامويين يظنون أن ما يكتبونه نقداً ذاتياً، بينما هو تفسير لصراع سلطة بأثر رجعي. وإلا فأين الحديث عن خطايا الجبهة والإسلامويين وموضوعات التعذيب والفساد والتدهور الأخلاقي؟ كنا نتوقع أن يكتبوا عن كيفية سقوط نظام إسلامي جاء ليكمل مكارم الأخلاق، بدأ بالتعذيب وبيوت الأشباح صحيح أن الشعب متسامح وسريع النسيان، ولكن ألا يوجد ضمير حي يرف وسط الجوانح يؤكد أخلاقية المتدين، أم قد ابتلعت السلطة، الدين والأخلاق؟
    جادل البعض من الإسلامويين حول وجود نقد ذاتي ولكننا لا نتابع ونصر على إدانة التجربة. وعقب أحدى الندوات، حدد لي الأستاذ أمين حسن عمر، مجلة "أفكار جديدة" كمنبر لهذا النقد. وفي الحقيقة لم أجد أي نقد ذاتي للتجربة السودانية بالتحديد، غير الحديث العام عن قصور المسلمين في اللحاق ببعض جوانب التقدم والعلم. ومن الناحية الأخرى، لا يفوت الإسلامويون أية فرصة لتأكيد. أن السودان الذي نعيشه الآن يهنا بثمار المشروع الحضاري الإسلامي. وأكرر ما قلته مراراً هل المشروع الحضاري الإسلامي هو شركات الاتصال واستخراج البترول وجياد؟ ففي مقابلة مع أحد الأكاديميين الذي يعيش في أمريكا، أكد على نعيم المشروع الحضاري الذي يعيشه السودانيون. وقد نعذره لأنه بعيد، ولكن قبل أيام ولدى افتتاح مؤتمر إصلاح التدريب الطبي، قال السيد غازي صلاح الدين أنه يرفض تصنيف السودان ضمن الدولة الفاشلة. وكان دليله بسيطاً: أن السودان بلد تخرج جامعاته 1500 طبيب سنوياً. وها هم الإسلامويون يمارسون لعبة خداع الأرقام التي يأخذون على الغربيين استغلال وتوظيف الأرقام. ولكن لابد أن أسأل سيادة المستشار هل حدث وخضع للعلاج تحت يد خريجي الجامعات التي أنشأتها الإنقاذ خلال الثورة التعليمية؟ ومن الجدير بالذكر أن نفس أساتذة هذه الجامعات تحدثوا قبل أيام عن مستوى خريجي كليات الطب.
    فكرة النجاح أو الانتصار قد تصبح غمامة تحجب رؤية الاسلاميين ، فيرغبون عن ممارسة التقد الذاتي. يكتب غازي صلاح الدين عقب الانتخابات الماضية، والتي يدرون هم قبل غيرهم حقيقتها، يقول: "بالنسبة للمؤتمر الوطني فقد اثبت أهليته لأن يكون حركة سياسية حديثة ومعاصرة، لا هي طائفية ولا قبلية ولا جهوية، بل حركة سياسية واجتماعية مفتوحة لجميع السودانيين الراغبين في الالتحاق بها والعمل من خلالها". (الشرق الاوسط 20 ابريل 2010) وهذه هي الاشكالية الفكرية وهي أنها خلال المنعطفات التاريخية في البلاد، تهرب من الالتزام الفكري والسياسي الصلب والمحدد الي اشكال مثل جبهة الميثاق الاسلامي، الجبهة الاسلامية القومية واخيرا المؤتمر الوطني. فالاسلامويون يستغلون الحس الاسلامي العام في البلاد لكسب الجماهيرية والشعبوية علي حساب كل اجتهاد أو تأصيل فكري مجدد.
    جعلت السلطة كثيرا من الاسلامويين يعيشون خارج التاريخ، فكريا. ويرجع ذلك الي تبني منهج القياس الفقهي في تفسير التاريخ ويظهر بالتالي وكأنه لا يتغير أبدا.
    فقد اتخذ البعض معاوية نموذجه التاريخي كمؤسس للدولة وتوسعها. وكان المطلوب الارتقاء بفهم الدين الي مستوى فلسفي عال أو الافادة من بساطة التدين الشعبي علي مستوي اخلاقي سلوكي رفيع.اسلام الجماعات الدينية السياسية أو الدين الحركي يحول الناس الي الآت تفريخ للعنف السياسي بسبب حدتها الاقصائية في ضرورة الوصول الي السلطة بهدف تطبيق نموذج خيالي، وليس لديها الصبر علي العمل طويل النفس.
    الاسلام السياسي يمتلك البنية الرمزية البديلة فقط، ولكن عاجز عن ان يملأ المشروع الواقعي بهذه الرمزية.
    التضخم السياسي
    السلبية المزدوجة double negation
    المراقبة والرفض.

    * المقارنة مجحفة مع ماليزيا وتركيا وايران
    * لم يكونوا مثل البروتستانت الكالفيين في تقديس الشغل لبناء عالم جديد مبني علي المثل العليا التي آمنوا بها، عالم بحسن بنائه،يكون كل معتنق للبروتستانتية قد عبر عن طاعته لله.
    * استلموا سلطة وحكموا بلا فكر،لجأوا للتجربة والخطأ.
    * شيوخ بلا حكمة،سنوات كاربونية تكرر نفسها.
    * كثيرون انتقلوا من اركان النقاش بالجامعات الي حكام ووزراء
    "ما كنا فيها بالفجرة الاقوياء ولا بالورعين الاتقياء (وهم لا بشاركون في سفك الدماء) اما الفجرة الاقوياء فينتصرون.
    * هل الخليفة السابع للمؤمنين هو والي شمال كردفان؟" فيصل... رجل مفتوحة عينه... اول ما يرفع المؤذن النداء لصلاة الفجر تبرق مويجات عيون الاشقاء... يلبس الجلباب والعمامة وييمم وجهه مسجد أو جامع أو زاوية لاداء صلاة الفجر.. الجامع الذي يصلي فيه اليوم يتركه الي مسجد آخر يصلي فيه، حتي يكون قد ادي الصلاة في كل المساجد". (صحيفة آخر لحظة 27/7/2007)
    مازلنا ننتظر أن يقدم الإسلامويون نقداً يطال الفكرة والمنهج وليس الأشخاص سواء الترابي أو العسكريين. هنا تأتي الحاجة إلى اجتهاد ديني جديد وليس اجتهاد سياسوي متدين، لكنه في هذه الحالة يكون ابتلاع السياسة والإيديولوجيا للدين كاملاً. وتحدث الأزمة الكبرى، إذ يأتي الطغيان والفساد في رداء ديني وتختلط الأمور التي تظهر المعركة مع الطغيان وكأنها معركة مع الدين.



    المراجع
    - البرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1939. بيروت، دار النهار للنشر، الطبعة الرابعة، 1986.
    - أحمد أمين: فجر الإسلام. القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1996
    - احمد سليمان: ومشيناها خطى. الخرطوم، دار الفكر، 1983.
    - أنور الجندي: سقوط العلمانية. بيروت، دار الكتاب العربي، 1973،
    - أحمد كمال أبو المجد: رؤية اسلامية معاصرة - اعلان مبادئ. القاهرة، دار الشروق، 1991.
    - أحمد جودت: حوارات حول الشريعة. القاهرة، دار سينا للنشر، 1990، ص75.
    - - The New Encyclopedia Britannica, vol. 10, 1994,
    - حسام تمام: تحولات الاخوان المسلمين - تفكك الأيدلوجيا ونهاية التنظيم. القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة الثانية، 2010.
    - حيدر إبراهيم علي: الدين والثورة – لاهوت التحرير في العالم الثالث. القاهرة، الطبعة الثانية، 1999، عن مركز الدراسات السوادنية.
    - روجيه غارودي: حوار الحضارات. ترجمة عادل العوا. بيروت، منشورات عويدات، 1978
    - حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان.. التطور - الكسب، المنهج. الخرطوم، 1992.
    - حسن مكي: حركة الأخوان المسلمين في السودان 1944-1060. الخرطوم، دار البلد، 1998.
    - حسن مكي: الحركة الإسلامية في السودان 1969-1985. تاريخها وخطابها السياسيي. الخرطوم، الدار السودانية، الطبعة الثانية، 1999.
    - خالد موسى دفع الله: فقه الولاء الحركي - ملامح من التجربة السودانية. الخرطوم، مطبوعات الحركة الاسلامية الطلابية، 1995.
    - الإسلام في السودان. جماعي. الخرطوم، دار الاصالة، 1987.
    - محمد الخير عبد القادر: نشأة الحركة الاسلامية الحديثة في السودان، 1946-1956. الخرطوم، الدار السودانية للكتب، 1999.
    - محمد سليمان (إعداد): اليسار السوداني في عشرة أعوام 1954-1963. واد مدني، مكتبة الفجر، (ب.ت.).
    - عيسى مكي عثمان أزرق: من تأريخ الأخوان المسلمين في السودان 1953-1980. الخرطوم، دار البلد (ب.ت)
    - صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي. ترجمة طلعت الشايب، القاهرة، دار سطور 1998/1999، ص342.
    - عبدالوهاب الأفندي: الثورة والاصلاح السياسي في السودان. لندن، منتدي ابن رشد، 1995.
    - مكسيم رودنسون: الاسلام والرأسمالية. ترجمة نزيه الحكيم. بيروت، دار الطليعة، 1982.
    - المحبوب عبد السلام: الحركة الاسلامية السودانية - دائرة الضؤ – خيوط الظلام. القاهرة، دار مدارك، 2010.
    - ابراهيم أحمد محمد الصادق الكاروري: الحركة الاسلامية - نظرات حول جدلية الحوار والتعاهد. (ب.ن.) (ب.ت).
    - هادي العلوي: من قاموس التراث. دمشق، الأهالي، 1988.
    - خالص جلبي: في النقد الذاتي – ضرورة النقد الذاتي للحركة الاسلامية. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1984.
    - عبدالله النفيسي (محرر): الحركة الاسلامية - رؤية مستقبلية. أوراق في النقد الذاتي. القاهرة، مدبولي، 1989.
    - التيجاني عبدالقادر حامد: نزاع الاسلاميين في السودان - مقالات في النقد والاصلاح. الجزء الأول. (ب.ن.) (ب.ت.)
    - عيسى مكي عثمان أزرق: من تأريخ الاخوان المسلمين في السودان (1953- 1980). الخرطوم، دار البلد (ب.ت.)
    هشام شرابي: المثقفون العرب والغرب. بيروت، دار النهار للنشر، الطبعة الثانية 1978.
    Fred Halliday: The Politics of Islamic Fundamentalism –Iran, Tunisia and the Challenge to the Secular State. In: Islam, Globalization and Postmodernity. Akbar S. Ahmed & Hastings
    -Harvey Cox:The Secular State.New York,1966.
    وليد الطيب (إعداد): مراجعات الحركة الإسلامية السودانية القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010.
    - أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ القاهرة، مكتبة السنة، 1990
    أحمد إبراهيم الطاهر: حركة التشريع وأصولها في السودان. الخرطوم، المركز القومي للانتاج الاعلامي، 1995.
    محمد الخير عبدالقادر: نشأة الحركة الاسلامية. الخرطوم، دار الكتب السودانية، 1999.
    - Bryan Wilson: Religion in Sociological Perspective. Oxford U.P.,1982.
    - Paul Heelas (ed.) Religion, Modernity and Postmodernity. London, Blackwell, 1998,
    - كولسون: في تاريخ التشريع الإسلامي. ترجمة محمد أحمد سراج، بيروت، المؤسسة الجماعية للدراسات، 1992،- ،
    - جوليان فروند: سيوسيولوجيا ماكس فيبر. ترجمة جورج أبي صالح. بيروت، مركز الإنماء العربي (ب.ت) .
    - محمد أركون: الفكر الإسلامي – قراءة علمية. ترجمة هاشم صالح. بيروت، مركز الإنماء العربي، 1978، .
    - عزيز العظمة: العلمانية من منظور مختلف. بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1992

    - Martin E. Marty and R. Scott Appleby: Fundamentalisms Observed. Chicago, 1991.
    -- محمد أركون: مجلة الإحياء العربي، العدد 5، أكتوبر 1979.
    -- إسماعيل المهدوي: معنى العلمانية. مجلة عيون المقالات، عدد 14-15 عام 1990، ص 101.
    - كريم حلاوة: العلمانية. مجلة النهج، 7 ربيع/ صيف 1996، ص110.
    - جورج قرم: تعدد الأديان وأنظمة الحكم. بيورت، دار النهار، 1992، ص 224.
    - المنصف عبد الجليل: قراءة النص. تونس (ب.ت) ص44.
    -- - الحوادث والبدع، تحقيق محمد الطالبي. تونس، 1959، ص72.
    - طارق البشري: مؤسسات الدولة في النظم الإسلامية. مجلة منبر الحوار، العدد 14، صيف 1989،
    - - على محمد جعفر: تاريخ القوانين ومراحل التشريع الإسلامي. بيروت، المؤسسة الجماعية للدراسات، 1986، ص176-177.
    - كولسون: في تاريخ التشريع الإسلامي. ترجمة محمد أحمد سراج، بيروت، المؤسسة الجماعية للدراسات، 1992،
    - محسن الميلي:ظاهرة اليسار الاسلامي.تونس،1983.
                  

10-23-2011, 04:13 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    شكرا ابراهيم النعمة

    سنحاول جعل هاذا البوست موجودا باستمرار

    لمزيد من الاطلاع

    ولمن يريد نسخة (ويرد) علي بريده الالكتروني

    [email protected] 
                  

10-23-2011, 06:51 PM

احمد محمد بشير
<aاحمد محمد بشير
تاريخ التسجيل: 06-17-2008
مجموع المشاركات: 14987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدرابراهيم .




    الاخ الاستاذ / علي عجب تحياتي وتقديري لك علي هذا الجهدالمبذول و للمفكر السوداني / الدكتور حيدر ابراهيم
    لعطائه الثر في مجال الفكر الانساني ..
                  

10-23-2011, 07:09 PM

M A Muhagir
<aM A Muhagir
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 3918

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: احمد محمد بشير)

    thanks
                  

10-23-2011, 11:09 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: M A Muhagir)

    شكرا استاذ احمد محمد بشير

    والاستاذ مهاجر

    اتمني ان يتمكن اكبر عدد من السودانيين من

    الاطلاع علي هذا التحليل الوافي والاسلاميين

    بشكل اخص.

    خالص الود

    (عدل بواسطة على عجب on 10-23-2011, 11:11 PM)

                  

10-24-2011, 05:08 AM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20359

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    الكلمه الحره لا تحدها الحدود ..
    شكرا على عجب ..

    وأطمع فى نسخة وورد على الايميل [email protected]
    والشكر كل الشكر من قبل ومن بعد
                  

10-24-2011, 06:15 AM

محمد الأمين موسى
<aمحمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: محمد حيدر المشرف)

    أخي الفاضل علي عجب... نهارك سعيد.
    هل سمح الدكتور حيدر بحقوق نشر هذا الكتاب على الويب؟
                  

10-24-2011, 08:54 AM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: محمد الأمين موسى)

    الأخ الأستاذ/ علي عجب .. سلام،

    نبارك للدكتور حيدر إبراهيم .. إصدارته الجديدة الهامة......
    وهي سانحة لتوجيه تحية حب واحترام للدكتور ..
    فقد ظل يرفد المكتبة السودانية بكتاباته القيمة
    التي تسهم في نشر الوعي والاستنارة

    ____________
    آمل التكرم بتزويدي بنسخة (وورد) من الكتاب على إيميلي:
    [email protected] مع فائق مودتي وتقديري
    Quote: سبق (الافندي) الجميع في الحديث عن هيمنة الفكر الامني علي العقل الاسلاموي بعد استلام السلطة، باعتباره الاسهل والانجع والاسرع في تثبيت اركان الحكم. وتحولت العناصر التي كونت في السابق اجهزة معلومات الحركة الي تكوين جهاز الأمن الرسمي. ويصف (المحبوب) الفترة الاولي لانقلاب الانقاذ، وكيف اطلقت يد الاجهزة بلا رادع. كما نشط فقه الضرورة باعتبار أن القبضة الامنية اقتضتها ظروف الطوارئ والتأمين. وقد يمكن تمرير هذه الحجج في الايام الأولي، ولكن الكاتب يقول أنها امتدت حتي أصبحت سمة لازمت الانقاذ حتي اليوم. فقد احاط "عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة، وتولّي اعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسؤولين كافة (...) وأصبحت وظيفة (مدير المكتب) حكرا لعناصر الاجهزة الخاصة بلا منازع، فهم فضلا عن طمأنة القيادة بأن كل شىء يجري أمام سمعها وبصرها، يؤمنون قنوات الاتصال الفاعل السريع الذي يوافي شرط السرية والكتمان الذي كان مطلب المرحلة الأقصى، ولكنه اتّصل في الزمان مرسّخا أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة لطبيعة الحركة الاسلامية السودانية المتحررة الشورية". (ص111)
    Quote: قامت الحركة الاسلامية بعملية افساد وتجهيل خطيرين للشباب، ويعود ذلك الي ضعف التثقيف ورفع الوعى في مرحلة حساسة في تطور الانسان. فالحركات العقائدية في السودان عموما تتحمل وزر سطحية وضياع الشباب. فقد اهتمت في عملها بالجامعات والمعاهد العليا والثانويات بالعنف والسيخ والعصى أكثر من الكتب والمجلات خاصة حين يكون المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف حسب فهمهم. ورغم تخلي الحركة عن الصفوية، حسب ادعاء الكاتب، الا أنه يقول بأن خطة الحركة الأولي "أن تبسط الحريات وتباح المنافسات في القطاعات الحديثة، المرأة والشباب والطلاب، وان يتدرج من ذلك نحو كمال الحرية للمجتمع." (ص165)
    Quote: ويمكن القول بأن الحركة الاسلاموية هي أكثر القوى السياسية استخفافا بشعبها وعدم احترام له. وهذا موقف متوقع بسبب الحق الالهي الذي تستند عليه فهي تقرر وتحكم باسم الله. ويرفض بعض الاسلامويين فكرة السلطة للشعب ويعتبرها كفرا، لأن الحاكمية لله. ويمكن فهم عدم اهتمام الحاكمين بالنقد الذي يوجه لهم في الصحف وأجهزة الاعلام، ولا يعطون أي قيمة لرأي الشعب. أما الدليل الدامغ لهذا الاستخفاف، فنجده في طريقة "هندسة" الانقلاب. اذ تتحدث وثائقهم عن خطة التمكين التي تقوم علي مراحل متدرجة هي: "مرحلة التظاهر بالقومية، ثم مرحلة اعلان الشريعة، ثم ظهور الرموز الاسلامية شيئا فشيئا وفق الاطمئنان الي رسوخ التمكين، وأن ادارة هذه المراحل قد تركت الي الأمين العام ونائبه والمسئولين العسكريين - دون حاجة الي بقية اعضاء المجلس التنفيذي الذي فوض صلاحيته الي هؤلاء، دون حاجة الي مجلس الشورى الذي حلّ نفسه!" (ص63). وأدي جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة الملتزمين ورئيسه قسم الولاء والعهد امام الامين العام للحركة بالتزام خطة الحركة وقرارها. ولكن بعد مرور السنوات الثالثة الأولي لم تطبق الخطة بل جري تعديل باقتراح جديد: "أن يبقي رئيس مجلس قيادة الثورة في موقعه لأن فيه ما يحقق ذات الغايات التي يمكن ان يحققها الأمين العام"
                  

10-24-2011, 01:14 PM

ibrahim alnimma
<aibrahim alnimma
تاريخ التسجيل: 03-28-2008
مجموع المشاركات: 5197

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: نصر الدين عثمان)

    فوق لمزيد من الاطلاع
                  

10-24-2011, 04:03 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: ibrahim alnimma)

    شكرا ابراهيم النعمة للاهتمام

    ارجو ان تكون قد استلمت النسخة علي بريدك
                  

10-25-2011, 10:37 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: ibrahim alnimma)

    `
                  

10-25-2011, 10:06 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-29-2011, 02:36 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-30-2011, 11:15 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-24-2011, 04:02 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: نصر الدين عثمان)

    نصر الدين عثمان


    شكرا للمشاركة الضافية


    تجد نسخة علي ايميلك

    خالص الود
                  

10-24-2011, 08:54 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: تجد نسخة علي ايميلك

    استلمت النسخة

    ألف شكر ...

    حاشية:

    أرجو مراجعة إيميلك للأهمية.

    (عدل بواسطة نصر الدين عثمان on 10-24-2011, 08:56 PM)

                  

10-24-2011, 03:59 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: محمد الأمين موسى)

    محمد الامين موسي

    نهارك اسعد

    ما عندي فكرة
                  

10-24-2011, 03:58 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: محمد حيدر المشرف)

    شكرا محمد حيدر المشرف

    تجد النسخة علي ايميلك

    خالص الود
                  

10-26-2011, 06:34 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-28-2011, 08:22 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-31-2011, 10:17 PM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

10-24-2011, 04:17 PM

حماد صابون
<aحماد صابون
تاريخ التسجيل: 11-24-2010
مجموع المشاركات: 110

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    نعم شى متوقع ولكن عملية منع التداول ممكن يكون داخل السودان مؤقتا وسرعنا ما يتوفر الكتاب فى ايدى كل السودانيين فى الخارج والداخل ------- وحتى كسب الدنيا لم تدؤم لهم اكثر من كدا لان ما دامت لقذافى بعد 40 عاما ولا بقية الطغاء الذى ينتظرة سيناريوهات السقوط
                  

10-25-2011, 04:00 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: حماد صابون)

    شكرا استاذ علي عجب

    واتمني ان احصل علي الكتاب في عضمو

    من يستطع فاليمنحني هذا الكتاب هذا لاهل السودان في القاهرة
                  

10-26-2011, 10:24 AM

Aymen Tabir
<aAymen Tabir
تاريخ التسجيل: 12-02-2003
مجموع المشاركات: 2612

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا لحريه تكسر حاجز الصلف والكبت
    شكرا د/حيدر إبراهيم علي ..
    جميل ان نرى تكملة مستحدثه وقراءه جديده مواصلة في نقد فكر الاخوان المسلمين لسابقتها :
    أزمة الإسلام السياسي : الجبهة الإسلامية القومية في السودان نموذجاً
    ما حرمنا من نور وبحر معرفتك يا دكتور
    شكرا علي عجب ولو امكن نسخه على الايميل مع جزيل الشكر
    [email protected]
    فوق
    ــــــــــ
    تابر

    (عدل بواسطة Aymen Tabir on 10-26-2011, 10:27 AM)

                  

10-27-2011, 11:21 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: Sabri Elshareef)

    .
                  

10-30-2011, 07:25 PM

عبدالكريم عبدالله
<aعبدالكريم عبدالله
تاريخ التسجيل: 06-20-2011
مجموع المشاركات: 480

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    شكر وفير علي هذا الجهد المقدَر لك أخ علي عجب
    والتحية لـ د.حيدر إبراهيم علي

    وفووووووووووووووووق
    لمزيد من الإطلاع

    .............كريمو
                  

10-31-2011, 10:40 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: عبدالكريم عبدالله)

    شكرا كريمو
                  

11-03-2011, 01:36 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    .
                  

11-18-2011, 06:52 PM

معاوية عبيد الصائم
<aمعاوية عبيد الصائم
تاريخ التسجيل: 06-09-2010
مجموع المشاركات: 22458

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: على عجب)

    Quote: .وفووووووووووووووووق
    لمزيد من الإطلاع
                  

11-18-2011, 07:54 PM

محمد علي شقدي
<aمحمد علي شقدي
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 2730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: معاوية عبيد الصائم)

    شكرا علي العجب

    نعد افلاك النجمو كان شارق فلا نرى غير بعض انوار من امثالك يا د حيدر
    فلك الف تحيه
                  

11-18-2011, 08:03 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: محمد علي شقدي)
                  

11-19-2011, 10:09 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: عاطف مكاوى)

    Quote: شكرا علي العجب

    نعد افلاك النجمو كان شارق فلا نرى غير بعض انوار من امثالك يا د حيدر
    فلك الف تحيه


    د.حيدر يستحق فعلا الاحترام والتقدير علي المجهود العظيم الذي يبزله

    في سبيل تتبع دورة حياة الاسلاميين وفضح جوهر فكرتهم وامراضهم

    خالص الود
                  

11-19-2011, 10:11 AM

على عجب

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 3881

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين د.حيدر (Re: عاطف مكاوى)

    عاطف مطاوي سلامات ارسلت لك نسخة

    وللفائدة العامة كل من يريد نسخة من الكتاب علي الايميل

    [email protected]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de