.... ضيعناك وضعنا وراك يا عبود ......

Quote: ثورة أكتوبر 1964...بين الاحتفاء والتشكيك بقلم أحمد محمد خير حقاني - الخرطوم [email protected] تمرهذه الأيام ذكرى ثورة أكتوبر 1964،وكثير من اللغط يدور حولها ،فمنهم من اعتبرها فرصة للاحتفاء وتجديد دماء الثورة في شرايين السياسة السودانية،ومنهم من يشكك في أنها ثورة أتت بارادة سودانية خالصة،حيث ذهبت كثير من الكتابات السودانية الى أن ثورة أكتوبر هي في الأصل صنيعة (مجلس الكنائس العالمي) ،لانقاذ حركة التمرد في الجنوب وقتها بعد أن تلقت ضربات موجعة من قبل حكومة الفريق ابراهيم عبود..ولعل هذا ما دفع الدكتور حسن عبد الله الترابي أن يقول في احدى ندواته ابان فترة الديمقراطية الثالثة (أن الحركة الاسلامية كان لها القدح المعلى في اطلاق شرارة اكتوبر) ويستدرك قائلا (ولكنا اليوم نقول ليتنا لم نفعل)،في اشارة منه أن ما اتت به رياح أكتوبر لم تشته الحركة الاسلامية... الشاهد أن مجلس الكنائس العالمي، كان مهتما بما يجري في الجنوب وقتها، خاصة بعد تجميد نشاط التبشير المسيحي في الجنوب عقب الخطوات التي اتخذتها حكومة (17نوفمبر) بطرد المبشرين الأجانب، وعدم اعطاء تأشيرات دخول الى السودان للقسسة الذين كانوا في اجازاتهم بالخارج،اضافة لانشاءها للمدارس الحكومية، وفق المنهج السوداني القومي داخل المدن الجنوبية على حساب المدارس التبشيرية...اذا من مصلحة مجلس الكنائس العالمي ازاحة حكومة عبود،يدعم هذا الاتجاه رعاية مجلس الكنائس العالمي لمؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في العام 1965،والذي ناقش مشكلة الجنوب، ليتوج المجلس جهوده باتفاقية أديس ابابا العام 1972 والتي وصفها بعض المحللون انها كانت بمثابة انقاذ للتمرد في الجنوب عقب الضربات التي وجهها له النميري. لم يطلع الجيل الحالي على الحالة التي كانت عليها البلاد ابان حكومة نوفمبر1958-1964،كماهي بموضوعية وحيادية،فكل الذي يعرفه عن تلك الفترة انها نظام شمولي عسكري ديكتاتوري،وذلك للاعلام الموجه ضد تلكم الفترة والذي أعقب ثورة اكتوبر الى وقتنا هذا،فكثير من النخب السياسية والاعلامية سارت على نهج ادانة فترة عبود، دون التطرق لايجابيات الفترة من باب الانصاف وعكس الحقائق التاريخية للأجيال المتعاقبة...فالشاهد أن فترة عبود رغم أنها نظام عسكري الا أنها كانت من أخصب حقب السودان الاقتصادية،حيث كانت البلاد تشهد رخاءا لم يسبقه رخاء منذ العهد التركي المصري،وقامت كثير من المشاريع التنموية الضخمة التي لازال بعضها قائما اليوم ونفعها مستمر في مجالات الطرق والجسور(كبري شمبات،طريق المعونة،طريق الخرطوم مدني وغيرها)،هذا غير مشاريع التنمية في الجنوب (مشروع انزارا نموذجا ) ، كذلك امتدت انجازات ذات الفترة الى مجال الاعلام والثقافة ،حيث انشئ التلفزيون القومي والمسرح القومي والانتاج السينمائي وغيرها الكثير...أما أعضاء المجلس العسكري الأعلى الحاكم وقتها فكانوا من أنزه الناس، بدليل أن واحدا منهم لم يدان عقب ثورة اكتوبر بجريمة فساد مالي، بل بعض منهم ماتوا فقراء ،ويكفي أن الرئيس ابراهيم عبود نفسه عند التفاوض معه حول نزوله من السلطة، لم يشترط شيئا سوى تمليكه منزلا يأويه هو وأبنائه لأنه لا يملك منزلا،مما أبكى اللجنة التي كانت تتفاوض معه ،هذا غير الصفات السودانية النبيلة التي كان يتحلى بها رجال (نوفمبر)،والمجال لا يسع لذكر تلك المواقف التي تظهر معدنهم الأصيل ...الاخفاق الوحيد الذي يمكن أن يحسب على حكومة (نوفمبر)، هو تفريطها في اتفاقية بناء السد العالي، حيث خسر السودان جزءا من أراضيه المتمثلة في وادي حلفا دون مقابل، بل أن خزينة السودان دفعت أغلب كلفة ترحيل أهالي وادي حلفا وتعويضاتهم، لعدم ايفاء مصر بتعهداتها،ويعزي كثير من المحللين هذا الاخفاق من جانب حكومة عبود لقلة خبرتهم السياسية. وتبقى عدة تساؤلات قائمة .. ماذا قدمت الأحزاب بعد ثورة اكتوبر؟ هل انجزت لصالح المواطن السوداني بمثل ما أنجز عبود؟ وهل السودان فعليا كان في حاجة الى ثورة وقتها أم هي الارادة الأجنبية هي التي ارتأت ذلك؟