تمطت الكديسة سانتوت في كسل شديد في ذلك الصباح الشتوي الباكر، وهي ترمق زوجها الكديس سانتو بعين ملئوها الشفقة والحب، فقد كان جالسا تحت ظل شجرة ليف في حوش ذلك البيت الذي يسكنونه بمعية أسرة سودانية، وكان سانتو مصابا بحالة نفسية صعبة نظرا لعدم توفر ( العضة ) والتي باتت عزيزة في هذه الأيام على بني البشر فضلا عن الكدايس. كان سانتو يجلس طوال يومه في ظل شجرة الليف يجمع ما يستطيع من أغصان الليف الجافة ويقوم بتجويفها ثم يشعل فيها النار ليقوم بتدخينها وهو يردد جملته المعتادة والتي لا يمل تردادها صبح مساء: منعول أبوكي بلد .. دنيا خاينة ما بتدي حريف .. نياااااااااااااااااااااااااااااو منعول أبوكي بلد .. دنيا خاينة ما بتدي حريف .. نياااااااااااااااااااااااااااااو ويشرد سانتو بنظره بعيدا ويتخيل كمية اللحوم وبقايا الطعام والعظام التي كان ينعم بها في شبابه قبل أن يتزوج سانتوت وقبل تردي الأحوال الاقتصادية، وتقوده خيالاته بعيدا إلى أيام الضبيحة الأسبوعية في بيت حاج نورين ويتذكر جيدا أنه كان يتعفف عن بقايا اللحم والشحم المتساقط من الضبيحة ويأبى إلا أن يقدم له صحن شية أسوة بباقي أفراد الأسرة، ويتذكر كذلك أنه كان لا يطعم صحن الشية إلا إذا وضع له صحن أم فتفت مع شطة بالألتي ... وعندما يتذكر هذه الذكريات المؤلمة يردد: الشية الشية .. الله لي أنا كان قريبة جيبوها ليا ... الله لي أنا و كان بعيدة لازماها جية .. الله لي أنا الشية الشية .. .. الله لي أنا وتقترب سانتوت من زوجها وتلعق رقبته في حنان وتقول له: استهدى بالله يا حاج ... الدنيا ما دوامة ... دوام الحال من المحال والمقدر لا بد يكون .. شد حيلك معانا نربي وليداتنا ديل ونعرس ليهم عشان نؤدي رسالتنا في الحياة. لا يلتفت سانتو لكلام زوجته سانتوت وإنما يواصل: سا سا سادومبا .. كا كا كابوندي .. قودوين ذاااااتو وين ... نيااااااو نيااااو لموها الحبرتجية .. وعملوها الجبهجية والدنيا خاينة ما بتدي حريف ... ما بتدي حريف وتتراجع سانتوت في يأس وتعود أدراجها ناحية مسكنها والذي يتكون من تربيزة كبيرة مسكورة الرجل ومقلوبة في ركن الحوش .. اتخذاها مأوى لهما ولعيالهما .. ويتعالى صوت خربشة في سطح التربيزة وإذا بجارتها بُرَّة تصيح: هوي يا سانتوت سلام عليكم .. ناس البيت ازيكم سانتوت: أهلا وسهلا يا بُرَّة اتفضلي بُرَّة: والله جيت مارة ماشة الجزارة قلت أسلم عليك وأشوف أخبارك .. ويا خيتي ما قربتي تلدي ردت سانتوت وهي تربت على بطنها المنتفخة بحنان: والله يا بُرَّة ما فضل لي شي كلها اسبوعين تلاتة بس بُرَّة: إن شاء الله تولدي بالسلامة يا حبيبتي .. وعليك الله لامن تقربي رسلي لي واحد من العيال عشان أجي أحضرك سانتوت: ما بتقصري يا بت أمي .. اتفضلي أقعدي وكان دايرة موية أمشي على الخرطوش داك في شدرة الليف تراهو كابي حاج محمود خلاهو من بعد صلاة الصبح توجهت بُرَّة ناحية شجرة الليف لتجد سانتو غارقا في أفكاره وتدخين أغصان الليف الجافة .. وشربت بعض الماء ولم تنس أن تقوم بلعق يديها ورجليها في حصة النظافة اليومية .. ثم عادت أدراجها حيث جارتها تحت ظل التربيزة بُرَّة: إنتي يا سانتوت أضاني طرشة أبوكم ده في حالتو دي أصلو ما بقى كويس سانتوت: والله تقولي شنو يا بُرَّة أبو العيال ده ياها حالتو .. ما راضي بالقدر ولا داير يتعايش مع واقعو وقاعد يبكي على ايام اللحمة والشية ودي حاجات البني آدمين ذااااتهم ما لاقينها خلي نحنا .. والله تصدقي وتآمني بالله بس بقيت بي فيلليل أخش متبخ حاجة زينب دي وافتش في القرقوش الداسنو في شوالات البلاستيك .. أشوف لي قرقوشتين تلاتة يكون فيهن باقي ملاح واجيبن بس أموصن في موية وناكلهن أنا والعيال وأبوهم ده مرات ياكل ومرات يعاف ويقعد يتذكر في الشية. بُرَّة: أضاني طرشة يا دي .. تسرقي أكل ناس البيت؟ سانتوت وهي ترمقها بنظرة عتاب: والما بسرق منو الزمن ده يا بت أمي؟ هو البني آدمين خلوا السرقة لامن نخليها نحنا الكدسة؟ هو لو الناس خلت السرقة وخافت ربها ما كنا نحنا شبعنا. بُرَّة: والله صدقتي ياختي .. هسي أنا دي ماشة الجزارة أشوف لي كسار عضم وللا شحمة شحمتين أجي اسوي لي بيهن دمعة. سانتوت: إنتي مجنونة؟ إنتي ما عارفة مرغني سيد الجزارة جاب ليهو كــلــب وســخ وشرس ولئيم .. والله يا بُرَّة الكــلــب ده من لآمتو يشم ريحتك من طرف الشارع ويقعد ينبح لامن مرغني الجزار ينطط عويناتو ويشيل سوطو ويجي كاردك .. النصيحة الزمن ده كعب وصعب. بُرَّة: إنتي في الكــلــب بتاع مرغني وللا في عصابات الكدايس الاحتلوا الشوارع وعملوا نقاط تفتيش وبقوا أي كديس مارق يسترزق يقطعوهو إيصال!!! تصدقي وتآمني بالله عصابة الكديس الأسود ماسكة راس الشارع .. وعصابة بربور الرهيب قاعدة في نص الشارع .. وعصابة كدايس بورسودان قاعدين تحت اللالوبة والبقول ليهم ما عندي تعرفي بقولوا ليهو شنو؟ يقولوا ليهو تمضى لينا تعهد الشي البتجي راجع بيهو تدينا منو .. تصدقي مرات أجي شايلة لي كسار عضم وحتات شحم ولمن أدي أي عصابة حقها أرجع البيت فاضية وكمان المرة الفاتت أديت العصابات دي كلها حقها ولمن وصلت طرف الشارع لاقوني عصابة الكديس الأسود وقالوا لي وين حقنا قلت ليهم ما عندي أنا قبل ما أصلكم العندي كملت تصدقي قاموا علي خربشوني وعضعضوني راقدة في البيت 3 يوم ما قدرت أتحرك!! سانتوت: لا حول ولا قوة إلا بالله .. وانتي ذاتك البوديك بي تحت شنو انتي زاتك غلتانة ليه ما تمشي بي روسين البيوت لامن تصلي؟ بُرَّة: انتي عويرة وللا شنو؟ إنتي ما عارفة إنو روسين البيوت دي محتلنها عصابة الهررة السواكنية ؟؟ دي أخطر عصابة كدسة في التاريخ .. ديل حيروا حتى البني آدمين .. أخير منهم عصابات الواطة .. إنتي عارفة ديل ما بسألوك تمشي وتجي فيهم حتى لو ما جبتي ليهم شي ما بسألوك لكن كان جيتي مارة 6 مشاوير بدون ما تدفعي يشيلوا منك واحد من أولادك يودوهو خدمة إلزامية في العصابة بتاعتهم شفتي جنس الشقاوة دي يا بت امي؟ سانتوت: أها نسوي شنو نحنا مع العصابات دي؟ يعني يا عصابات الواطة زي ما قال المثل: تلت الطير وتلت الاسبير وتلت الزبير والكديس في النهاية فاعل خير .. وللا عصابات راص البيت وفي النهاية يودوا أولادنا خدمة إلزامية وممكن يموتوا فيها؟ وانخرطت الكديستان في بكاء حار وقامت كل واحدة بحضن الأخرى ولعق وجهها والتبتبة على ظهرها، وبعد أن فرغتا أخذتا تفكران في طريقة لتحسين المعيشة ونيل العضة التي أصبحت عزيزة حتى على البني آدمين. بُرَّة: إنتي عارفة يا سانتوت هسي أنا بفكر في شنو بفكر نغير من الأسر الساكنين عندها التعبانة دي ونشوف لينا ناس مغندلين ومرتاحين نتم معاهم باقي عمرنا الوضع ده أصلو ما ممكن يستمر بالدرجة دي. سانتوت: والله تقولي شنو يا بُرَّة ناسنا ديل الحاج والحاجة ناس كويسين وحنونين ولمن الله يوسعها عليهم ما قاعدين يقصروا معانا ما دايرين نمشي لينا بيتا تاني نتورط مع ناس ما بنعرفهم المثل بقول: جنا تعرفو ولا جنا ما تعرفو. بُرَّة: إنتي عارفة ما ده ذاتو المضيعنا نحنا معشر الكدايس السودانية ما بنحب التغيير ولا عندنا الشجاعة للمخاطرة وتجريب الأوضاع الجديدة .. هسي عليك الله عيشتنا دي الموت مو أخير منها؟ سانتوت: أها طيب قولي اقترحي لي اقتراحات .. نمشي وين في الحلة دي؟ بُرَّة: إنتي عارفة ما ضروري نغير سكننا هنا ممكن نمشي بس البيوت المرتاحة نرمرم فيها ونجي صادين آخر النهار .. يعني هسي عندك بيت ناس حاجة سيدة داك اليومين ديل شايفة لي قدامو عربية لوحاتها سعودية لأنو منتصر ود سيدة المغترب بكون جاء نازل إجازة وفي الحالة الزي دي الناس ديل بكونوا بياكلوا لحمة على الأقل مرة يوميا .. وبكون في سمك وجداد كذا مرة كده في الأسبوع وأنا أعتقد إن ده خيار كويس. سانتوت: إنتي غبيانة وللا غبيانة .. إنتي ما عارفة بيت حاجة سيدة ده فيهو منو؟ ده مافيهو عائلة الكديس سنتر ومرتو سنتورة وأولادهم: عنتر ودندر وهنتر .. إنتي ما عارفاهم ساكنين في البيت ده وما بدوا أي فرصة لي كديس وللا كديسة يخش البيت ساكت خللي من نمشي نرمرم فيهو؟ وكمان تعرفي هم متعاقدين مع عصابة الكديس الأسود خاتين ليهم حراس أمن سكيوروتي من العصابة ما يخلوا أي كديس يهوب بيهناك وبدوهم كل يوم باقي الفضلة .. إنتي عارفة سنتر وسنتورة ديل من عفانتهم وفسالتهم لمن جوا يعرسوا لي بتهم درية ما عملوا العرس في بيت حاجة سيدة عملوهوا جنب الكوشة عشان مافي كديس وللا كديسة تخش البيت وتشوف النعيم العايشين فيهو .. لا لا شوفي ليك بيت تاني. وأخذت القطتان تفكران وتتناقشان في أي البيوت أنسب للرمرمة والعثور على العضة، وبينما هما كذلك إذا بصديقتهم الكديسة ميمي تدخل عليهم .. كانت ميمي مثالا للجمال والغنى والثراء الفاحش في عالم القطط، فقد كانت القطة المدللة لعائلة الدكتور وجدي المهدي ذلك المسؤول الحكومي البارز والذي يعيش في قصر منيف في الجانب الآخر من الحي .. كانت ميمي قطة بيضاء اللون .. سمينة .. مدغلبة .. نظيفة .. يزين رقبتها طوق جلدي أنيق به فيونكة حريرية ناعمة .. وكانت لديها نظارات سوداء ترتديها أحيانا فتكون مثالا للأرستقراطية الكدايسية تمشي على قدمين. أخذت سانتوت و بُرَّة تتطلعان إلى ميمي في انبهار شديد لا يخلو من غيرة وحسد .. وميمي نفسها كان يسعدها أن ترى هذا الانبهار في عيون قرينتيها .. فإخذت تبطئ في مشيتها وتتمطى حينا وتصدر ذلك الصوت القططي المميز: غررررر غررررر غررررر
سانتوت: يا مراحب يا ميمي اتفضلي ميمي: إزيكن يا حبيبات .. فطرتن وللا لسة بُرَّة بغيظ شديد: نفطر نفطر من وين وللا وين .. انتي الظاهر عليك فاطرة ميمي: أكيد فاطرة والله أنا ذاتي مرات بتحير أفطر بي شنو .. والله شي كبدة وشي كستليتة وشي ريش ومرات سجوك .. ولمن ساكت كده أكون زهجانة باكل سمك .. آه بابا وجدي أصلو ما مقصر معانا. سانتوت: وهسي يا ميمي ياختي قاعدة تصلينا هنا كيف؟ عصابات الكدسة ديل ما قاعدة تسألك؟ ما قاعدين يقطعوك إيصال ولا يفرضوا عليك إتاوات؟ ميمي: هؤ .. يسألوا مين وللا مين يا سنتو ياختي .. يسألوني أنا؟ يسألوا الحكومة ذاتها؟ قالت يسألوا !! أنا لمن أجي ماشة ساي شفتي الشفاتة ديل القاعدين في نقاط التفتيش العاملنها ليكم دي.. شفتي ناس دنجل والكديس الأسود وعصابة أولاد بورسودان شفتي ديل كلهم بقيفوا لي على حيلهم ويدخلوا ضنبتهم تحت كرعينهم ويضربوا لي تعظيم سلام ,, ومافيهم واحد إلا بقول لي يا آنسة ميمي ويعرض لي خدماتو .. نحنا الحكومة يا سنتو. بُرَّة : والله يا ميمي حظك يا بت أمي حظك ربنا وفقك ووقعتي مع ناس شبعانين ما شاء الله ثروة وسلطة وكديس واحد ما يقدر يهبشك .. إن شاء الله ربنا يوعدنا نحنا. ميمي تواصل في بوبارها: وتعرفي يا برة أنا أكتر يوم بزهج من الأكل متين؟ يوم الخميس .. تعرفي يوم الخميس ده اجتماع المجلس الأربعيني بتاع أصحاب بابا وجدي عندنا في البيت اليوم ده كل ما تتخيليهو من أنواع الأكل والعضة متوفرة .. اللحوم والدجاج والأسماك والتبايخ والحلويات بأنواعها وأهم من ده كلو الشية دخلنها يلوي في السماء. لم تنتبه الكدسة الثلاث أن سانتو زوج سانتوت كان يستمع لهذا الحوار بكل جوارحه فمنذ أن بدأت ميمي في سرد النعم التي تحظى بها في بيت ذلك المسؤول الحكومي الكبير نصب سانتو أذنيه ونفض عن نفسه الخمول والكسل وجلس على قدميه الخلفيتين ينصت جيدا .. ولما وصلت ميمي لذكر الشية هب واقفا وقفز قفزة واسعة ليحط بين الكدسة الثلاثة اللاتي فوجئن به بينهن، وقد كن في حالة استرخاء شديد وما أن دخل سانتو حتى لملمت ميمي رجليها وكذلك فعلت بُرَّة في حياء. وصرخ سانتو: شية شية؟ قلتي شية؟ وين الشية؟ كان قريبة جيبوها ليا وكان بعيدة لازماها جية .. الله ليا الله ليا .. الشية الشية. ميمي: سجمي ده منو يا سانتوت الداخل علينا في خلوتنا ده لا طق طق ولا دستور. سانتوت في حرج شديد: ده سانتو راجلي. نظر سانتو إلى ميمي في انبهار شديد ونسي الشية والجوع وبقي يبحلق في ميمي التي خفضت عينيها في حياء. تنحنحت سانتوت ونظرت إلى سانتو وإلى ميمي في غيرة شديدة وقالت: أطلع برة يا حاج دي ونسة نسوان مالك انت ومالنا .. أمشي هناك على شدرتك. سانتو يتجاهل زوجته ويواصل التحديق في ميمي ويقول: مشتاقين و SO LONG والظروف مانعانا .. نجيكم VISIT كيف يا ربيع دنيانا حي أنا
اقشعر جسد ميمي وخفضت عينيها في خجل وهي تقول: يااااي كلام حلو شديد ميرسي أوي يا عمو وهنا ثارت ثائرة سانتوت وقامت بالنرير (نرّت) في وجه زوجها وصاحت به: نياااااااااو ففففففففففف أمشي أطلع برة يا شايب يا عايب كمان آخر عمرك داير تشاغل البنات السغار؟ خرج سانتو مسرعا من مخدع زوجته .. ولكنه كان قد تحول إلى إنسان جديد (عفوا كديس جديد) فقد نبض قلبه بحب ميمي وقرر أن يحضر اجتماع المجلس الأربعيني يوم الخميس بأي ثمن ليحصل على شيئين: ميمي والعضة. ------------- ترى هل ينجح سانتو في التسلل إلى منزل الدكتور وجدي المهدي يوم الخميس؟ وهل يظفر بالعضة ويتزوج ميمي؟ انتظرونا في الجزء الثاني بإذن الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد جلال عبدالله
Elawad Eltayeb
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست