حوتة الجلابي يا تبارك!!

Quote: أشرنا قبل يومين إلى أن أول من تغنى بأغنية (العجب حبيبي) من كبار الفنانين في جلساته الخاصة، بعد أن كان التغني بها قاصراً على البنات فقط في بيوت الأفراح والدوائر الضيّقة.. أشرنا إلى أن ذلك كان هو الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود، وهي من أغنيات «التُم تُم» الشهيرة المعروفة.. لكن (أبو داؤد) - رحمه الله - ما كان ليجد الجرأة لتنطلق أغنية «العجب حبيبي» من خلال حنجرته لآذان العامة، وهي أغنية راجت وسادت في نهايات ثلاثينيات القرن الماضي وبدايات أربعينياته، ثم عادت بعد أن رفع عنها الستار الفنان الشاب محمود عبد العزيز في السنوات القليلة الماضية، فأصبحت من الأغنيات التي سادت ثم عادت..! و «التُم تُم» نوع من الغناء ظهر إبان اشتعال نيران الحرب الثانية، ويروى عن بداياته الكثير، البعض يقول إنه وفد إلى الخرطوم من غرب السودان، والبعض يرى أن انطلاقته كانت من كوستي - وهي الرواية الأرجح - بعد أن بدأ في حي الرديف وهي تعريب لاجتماع الأحرف الإنجليزية «R.D.F» وهي ذاتها مختصر لثلاث كلمات إنجليزية نترجمها إلى (متقاعدي قوة دفاع السودان) **يقال والعهدة على الرواة الثقاة، ومن بينهم الفنان الموسيقار الكبير إسماعيل عبد المعين **- رحمه الله - إن انتشار هذا النوع من الغناء كان من خلال «بنات كوستي» أو «تومات كوستي» وهن «أم بشاير» و«أم مساير» ثم وصل إلى الخرطوم فتلقفته البنات ليصبح سيّد الأفراح والسباتة و «رقيص البنات والعروس»، وأخذ الكثيرون يطربون لهذا النوع الجديد من الغناء.. رجالاً ونساء، بل إن بعض الفنانين تأثروا به وقام البعض بغناء «التُم تُم» مثل الفنان زنقار، ومن أشهر أغنيات ذلك الزمان أغنية (البنسلين يا تمرجي) التي ظهرت خلال فترة الحرب وعقب اكتشاف البنسلين كأقوى مضاد حيوي آنذاك. شعراء الحقيبة وكبار المطربين وقفوا بالمرصاد لهذا الفن الجديد وحاربوه بلا هوادة ووصفوه بالركاكة والخروج عن المألوف، لكنه رغم كل ذلك انتشر.. ووصل إلى الناس وتغنى بألحان «التُم تُم» فنانون كبار من أمثال الموسيقي الكبير إسماعيل عبد المعين، وله أغنيات كثيرة ومشهورة منها :(لما جيتنا.. يا سيدي لما جيتنا.. لما رجعت لينا.. الليمون مشتّل قدام بيتنا شبّ.. والغيم ينقط حبة حبة) ومنها :(قمري الضريح حرام صيدو) وغيرها.. ثم جاءت أغنيات الحرب من خلال صوت المرحومة الفنانة عائشة موسى التي اشتهرت باسم (عشة الفلاتية) مثل (الله لي ليمون سقايتو عشية يا حاج أنا) وأغنيات عاطفية على شاكلة (قطر الخميس الفات.. الفرق الحبان.. حبيبي يا حليلو.. خلى البلد مسخان) أو من شاكلة (هوي يا ليلى هوي.. هوي يا ليلى ومن جمال ناس ليلى.. حنين يا أبو ليلى.. ببكي وأهاتي.. من المحطة لفريق القطاطي.. حنين يا أبو ليلى).. وغيرها. بعض الفنانين الشباب في ذلك الوقت تأثر باللحن الجديد الذي ساد و«سار» وأصبح هو نمط الغناء الجديد، فتغنى حسن عطية - رحمه الله - بإحدى أغنيات البنات التي تقول :(يا صباحي.. الغزال الفي الضواحي) وقد ملأ لحنها الشاعر الكبير عبد المنعم عبد الحي بكلمات كانت هي بداية دخوله عالم الشعر الغنائي، إذ وضع على ذلك اللحن كلمات ما عرف لاحقاً بأغنية (سهران الليل أراقب نورو) التي يتغنى بها الفنانون إلى الآن.. لقد كان ذلك عام 1947م.. في القاهرة. وشاعرنا عبد المنعم عبد الحي أم درماني قح مولود في حي الموردة وعاش في الخرطوم فترة ثم انتقل إلى مصر للدراسة بعد المرحلة الأولية، ودرس هناك المرحلتين الابتدائية والثانوية بحلوان التي درس بها عدد كبير من أعلام السودان، ثم التحق بالكلية الحربية المصرية عام 1942م وتخرج فيها عام 1944م وعمل بعد ذلك في السودان ومصر، وكانت بدايته مع الشعر الغنائي عام 1947م لأول مرة وفي عام 1949م - تقريباً - كتب أغنية (أم درمان) التي خلدت في وجدان الشعب السوداني بعد أن تغنى بها الفنان الكبير الأستاذ أحمد المصطفى - رحمه الله - وهي أغنية وطنية خالصة تكونت من ثلاثة «كوبليهات» قام الفنان أحمد المصطفى بحذف «كوبليه» واحد منها لأنه كان عنيفاً قد يتسبب في منع الأغنية من الظهور.. وكان ذلك المقطع يقول:- أنا أم درمان في جيد الوادي دُرّة أصيلة من معدن.. وكريمة حُرّة أنا أم درمان إذا العادي تجرّأ أنا حجر القضاء.. وفي جبينه قرا بعد «أم درمان» أحمد المصطفى، طلب حسن عطية من عبد المنعم عبد الحي أن يكتب له أغنية عن «الخرطوم» فكتب تلك الرائعة الجميلة الجزلة الكلمات التي تغنى بها أمير العود حسن عطية، والتي تغنى بها لاحقاً الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي.