رحيل نغم .. إبراهيم عوض صور وإفادات وتذكار عزيز

Quote: في تذكر أبوخليل وأغانيه توقف القلب الكبير بعد ان تراكمت عليه الأوجاع وسكت معه الصوت الجهير، وصمت الجرس الرنين وغاب النغم الحنين وانقطع الوتر (العمرو ما فتر)، وضاعت الكمنجات بعد ان كانت ترقص في ليالي الأفراح ها هي تبكي معنا في الأتراح.. كيف أرثيك يا ابراهيم ودموع عيني تتسابق الى المحاجر كلما ذكرتك؟ وأنا صبي يافع وأنت في بداياتك بوجهك الكوكب المنير وخديك تلمع فيهما الشموس وكل شئ فيك كان يتلألأ كأنك مادة فسفورية انعكست عليها جسيمات مشعة.. كيف ابكيك وكنت لنا نحن أبناء حي العرب أغلى الناس وأعز الناس وأكبر الاخوان بل كنت لنا صندوق الأشياء الجميلة الذي حفظنا بداخله كل مقتنياتنا الغالية والنفيسة ومعها علب الألوان التي جمعناها لنلون بها لوحات مسيرتك الفنية، وأنت تبدأ طويل القامة سامق الفرع تملأ الدنيا مع كل صباح زاكي العبير تفوح كأنفاس الزهر تهيج فينا الذكرى، منذ البداية كنت كبيراً لا تملك من عرض الدنيا شيئاً ولكنك ملكت قلوب كل الناس فقد خرجت من بيئة حي العرب التي تعتز بالانتماء اليها وإلى اصالتها وتفاخر بتراثها الذي نهلت من معينه الذي ما نضب حتى الآن وأبناؤها أحياء؟.. مرة أخرى كيف أرثيك وكيف أبكيك عندما اتذكر والدة الجميع عشة بت شرارة؛ تلك الأم الرؤوم ذات الوجه النوراني ذي القسمات المبتلة بندى الحنان الذي تنبعث منه طراوة رائحة (الكركار) وهي تشمك وتحتضنك وتدعو لك بالنجاح في بداياتك الفنية تغرس فيك الشموخ والشعور بالعزة.. (ان شا الله يا ابراهيم يا ولدي ربنا يعلي مقامك ويقوي حزامك ويعليك ويرقيك فوق الدايرك والمابيك وتبقى جبل ما ينطلع.. ووتد ما ينقلع).. وهي في هذه اللحظات كانت تتذكر يوم كان ضرعها يحدثك عن معاناتهم في بداية الحياة، وكان كل همها وصيتها لك بأهمية الدين والمواظبة على الصلاة. كيف انعيك يا وسيم الطلعة كلما تذكرت ابتسامتك المشرقة وأنت تطل علينا كأنفاس الريحان بضحكتك الصافية أيها الظريف العفيف ابراهيم صاحب الدم الخفيف؟؟.. كنت الشعور الحي وزينة ربوع الحي.. لبقاً في حديثك ظريفاً لأنيسك حلو المعشر لجليسك.. يا من كنت قمراً مزروعاً في حدائق الفرح الجميل وحولك أسراب الحسان تأتي من أماكن بعيدة تتناثر في شوارع حي العرب فقط لرؤياك يوم أصابك هوس الغناء وانفتح الطريق أمامك، وكنت مثالاً لجيل الوقوف الذي نحت في الجدران الحاجبة للنور ثقوباً يخرج منها الضوء المشرق الذي أضاء الدرب لمسيرة فن الغناء السوداني.. فقد كنت يا ابراهيم عوض قمة من القمم الشبابية التي تدفقت نهراً يعطي ولا يسأل، وكم أفلحت ونجحت في ان يكون اسمك في ذاكرة تاريخ أمة بأسرها، فكنت خيطاً في نسيجها ويوم فارقتها خفوا بنعشك مسرعين. لماذا استعجلت يا ابراهيم؟ وكنا نريدك بعد عودتك من الأردن ان تفرد جناحك و(تورينا) فيك كم لون.. يا قنديلنا المضاء، لماذا استعجلت والجنرال الطاهر ابراهيم يوزن اعمدة الأوتار منتصف الليل وعز النهار وينبري باكياً: بمهد ليك تتخلص مني ألقى خطاي تجمعني معاك لماذا استعجلت؟ وسيف الدسوقي يقود موكباً وهو محمول على الأعناق يهتف: تاني ما تقول انتهينا نحن يا دوب ابتدينا نحن قلب الدنيا دِيا ونحن عز الدنيا بينا ومعهما شيخ المحامين وكبيرهم الذي علمهم الشعر والنثر عبد الرحيم الطاهر قد لاذ بالصمت والصمت الرهيب.. كيف رحلت وذهبت وانسحبت يا ابراهيم وغبت كالنيزك وجعلت كل حي العرب وأم درمان والسودان يصرخون: كان بدري عليك تودعني وأنا مشتاق ليك وداعاً يا ابراهيم عوض ود عشة بت شرارة، وكيف حي العرب بدونك وقد غاب عنه ليلتها ضوء القمر ونهاره انسحب منه ضل الضحى المهزوم؟. فقط بقيت له اجراس كنائس حي المسالمة وهي ترن وتئن: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.. تعانقها مآذن المساجد في حي العرب تناشد الناس بالصبر وتنادي بالصلاة.. لا حول ولا قوة إلا بالله. بشرى النور [email protected]