الزميل محمد عبد القادر سبيل يُعمق جراحنا النازفة حول العنصرية !!

Quote: كيف استجدت العنصرية في حياتنا ومؤسساتنا العامة؟ هل أبالغ؟ ربما.. فأنا معذور حينئذ، فقد عدت تواً الى السودان بعد غيبة طالت، لأفاجأ بتحولات دراماتيكية في المجتمع جعلت ما سأخلص اليه ادناه حقيقة ماثلة. وما دخلت مؤسسة وتعاملت مع كبار قيادييها الا وسئلت عن جنسي «!» عبر السؤال «انت من وين»؟، وما أن آتي على ذكر النيل الأزرق حتى يبدأ الكلام عن ترك «الهظار» لاختلاف السمت ! وتتطاير العيون من الاندهاش، وطالما انا مصر على ذلك فإن حصيلتي مما جئت من أجله تغدو في خطر داهم. احدهم اضحكني حينما قضى لي حاجتي واحترمني وزكاني لمنصب مرموق، وحينما سنحت له الفرصة ليعرف من أين اهلي، قال دون أن يشعر «والله انا كنت قايلك من الشمالية»، صدقوني هذا حدث معي فعلاً! ولقد فقدت وظيفتين مرموقتين لأنني لست من شعب الله المختار، بينما بقي المنخنقون والنطيحون لأن هذه من مكتسباتهم التي ورثوها من المستعمر ! ، وبالطبع فإن المبررات الأخرى من اجل الرفض جاهزة، لكي لا تقول انهم عنصريون فحسب. فماذا حدث يا ترى لأهل السودان !؟ هل نحن نتقدم في المدنية والتواضع الاجتماعي مع التطور وتراكم التفاعل المشترك ام ننكص، أم من أين أتى هؤلاء؟ من الذي ادخل في «امخاخ» الذين يجذرون العنصرية في بلادنا انهم مستهدفون عرقياً لا سياسياً؟ هل الحركة الشعبية هي التي فعلت ذلك؟ ولكن معظم الشعب في الغرب والشرق ليسوا حركة ولا يحبذونها؟ فما ذنبهم حتى يؤخذوا بجريرة غيرهم؟ ثم من المسؤول عن هذا الانحدار الأخلاقي والمدني؟ قادة أبناء الهامش «غير العرب» يقولون: ان عنصريتنا التي يتهموننا بها انما هي ردة فعل لما ابتدره الآخرون «في ونساتهم الصادقة» ثم جعلوه دافعهم للاستئثار بكل شيء. ومن ناحيتي خبرت انه يكفي ان يتولى قيادة مؤسسة من المؤسسات أحد قيادات تلك المنطقة من مناطق السودان حتى يقوم بعمليات استباحة عرقية لا تصدق، فتجري عمليات الازاحة والاحلال على مرأى ومسمع من الدنيا والعالمين، وهو غير عابئ او آبه، والنتيجة هي أن اتباعه واحساب رفاقه ومعارفه هم فقط من يسود ويتولى معظم الوظائف المفتاحية بتلك المؤسسة «الإقطاعية»، دون ان يؤاخذه احد بالقانون ومبدأ الأهلية في ما هو فيه سادر، وبالطبع فإن كبار قيادات الحزب الحاكم في معظمهم من ابناء منطقة واحدة، وبالتالي فإن كل المؤسسات «السمينة» تصبح ملك يمين لأهلهم وأهل منطقتهم الذين بدأوا متحابين بإخوة الإسلام ولكنهم رضوا بأن ينتهوا بذميمة «دعوها فإنها منتنة»، دون أن تطرف لهم عين. معقولة؟ فبالفعل تمت عنصرة المؤسسات «الرسمية» التي هي ملك كل الشعب، بدعوى تأمينها ومنع اختراقها من جانب الأعداء المتربصين بنا الدوائر!! «إنا لله وإنا إليه راجعون». لقد عرفت الآن لماذا يتربصون بكم؟ ثم من أنتم حتى تكونوا في جهة ويكون باقي الشعب كله في صعيد آخر؟ وكم عددكم وكم عددهم؟ ولماذا حدث هذا كله رغم علمكم بسوئه وخطره؟ لقد كنت استنكف قول ابناء الهامش الذين يكررون ان السودان ظل يحكم ظلماً وعنوة على اسس عنصرية بواسطة ابناء ثلاث قبائل تتبعها فروعها واتباعها، ولقد كنت اقول لهم، ربما اصدق ان نفراً منحدرين من ثلاث قبائل فقط، استطاعوا في ظرف ما ان يهيمنوا على المؤسسات الاقتصادية والأمنية والسياسية والخدمية بما فيها الاعلامية مثلاً، ولكن ما لا اتقبله عقلاً هو كونهم يديرون هذه المؤسسات بروح عنصرية؟ ظللت ارفض ذلك لأنني لم اكن ادرك معناه الإجرائي. هل معناه رفض تقديم الخدمة لغيرهم من أبناء جهات السودان الأخرى؟ أم ماذا يفعلون حتى ينعتوا بالعنصرية في ادارة المؤسسة العامة، واخيراً فهمت عملياً معنى ما يقولون. فما حدث هو أن استبعاد ابناء المناطق الأخرى ظل يجري منذ البداية عبر آلية الإزاحة والإحلال، وتلك آلية لها فنونها وطرقها اللا اخلاقية مثل تفضيل اولئك على هؤلاء في التوظيف، غض الطرف عن عيوب وخيبات اولئك وترصّد غيرهم ، استخدام اسلوب وضع الفخاخ بحثاً عن الأخطاء او اعتماد الضغط عن طريق المضايقات الشخصية، أو التآمر، او الاذلال والاضطهاد بمختلف صوره وأساليبه اللا إنسانية واعتبار ذلك كله نوعاً من الشطارة والذكاء طالما أنه يفضي الى التطفيش في النهاية، وهكذا يتحقق هدف التمكين للإسلاميين على حساب المتواطئين المحتملين!!، وفي الحقيقة فهو تمكين لابناء تلك المناطق وحدهم او من يرضون بالتبعية المطلقة تحت ضغط الحاجة وطلب العيشة. اذا قدر لك العمل في احدى تلك المؤسسات العنصرية، ولا توجد مؤسسة غير عنصرية الآن ! فلسوف تصادف حتما صنوفا من الأعاجيب دون ان «يختشي» احد او يستغرب، حتى اذا كنت من الأشراف !، فأنت لم تولد جهوياً في مناطق أسياد السودان وقبائله النبيلة المتحدة. أحدهم كتب لي رسالة نشرت وكان يدعونني فيها لأحدد «شايت وين؟» هل انا مع اولاد العرب واجندتهم المركزية ام مع ناس مالك عقار واجندتهم الهامشية؟، وآخر كتب رسالة مشابهة حول قضية نزع الجنسية عن جميع الجنوبيين دون فرز، ذاكراً كلاماً قاسياً بحق قبائل غير عربية، مع أن قبائل مثل القرعان والزغاوة سودانية أصيلة وايضاً هي تشادية أصيلة «حدودية»، ولكن الرجل لا يريد السودان إلا وطن قبائل معينة والبقية لا، مع أنه «السودان!». ترى هل سيستمر هذا الوضع ويتفاقم ويورث للاجيال المقبلة بعد ان كدنا نتخطاه بفضل التعليم والاستنارة وقيم الإيمان؟ وكيف للمشروع الاسلامي ان ينتج هذا في نهاية المطاف؟ هل نريد دولة العدل والسلام والوحدة والتعايش كأمة سودانية مسلمة، ام ترانا نريد القهقرى والتفتيت بحثاً عن نقاء عرقي مزعوم؟ مزعوم طالما ان ام المك نمر نفسه فونجاوية، والمك هو سيد الجعليين وتاج رأسهم. فهل أصبتم بالجنون؟ ام بفوبيا الجنوب؟! وإذا كنا حقاً نريد مجتمع الاسلام، فماذا فعلنا لأجله تربوياً وإعلامياً؟ لا مفر أبداً، فيجب أن نحدد البوصلة اذاً بملء ارادتنا قبل أن نتباكى على انفصال «الواقفات»، فهؤلاء «الأغيار» عرفوا تماماً الطريق لتحويل حياتنا الى جحيم طالما تركنا قيم الاسلام وخضعنا الى قيم الاستعلاء العرقي، والحمية الجاهلية، واذا كانت أغاني الحماسة ورفع العقيرة بالحرب دفاعاً عن هيمنة العرق تنفع، لنفع ما فعلناه طيلة ما انصرم من السنين في سبيل ذلك، وها هي النتيجة، نستعلي الآن على بعضنا، ونطعن ونحط من قدر بعضنا، كالنار تأكل بعضها حينما لا تجد ما تأكله.