من اقوال الامام الصادق المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 10:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة من اقوالهم
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-29-2010, 05:35 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من اقوال الامام الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الوفـــاق والفــــراق

    بين "الأمـــة" و"الجبهة" فــي السودان

    "58- 1995م"

    الصــــادق المهـــدي



    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة:
    في هذا الكتيب يستعرض السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة حقيقة الموقف الفكري والسياسي لحزب الأمة من الجبهة الإسلامية القومية منذ ميلادها في منتصف الأربعينيات من رحم حركة الأخوان المسلمين " في مصر" مرورا بتطورها وسلوكها السياسي عبر منحنيات الممارسة السياسية السودانية حتى إلي ما انتهت إليه كتنظيم انقلابي يفرض قهرا حزبيا علي المسلمين وغير المسلمين بالسودان. ما هي حقيقة الوفاق والفراق بين حزب الأمة وحزب الجبهة الإسلامية القومية عبر جميع مسمياتها؟
    ما هي الأخطاء التي ارتكبتها الجبهة الإسلامية القومية؟
    من خلال رؤيتها القاصرة في قضايا أساسية .. الديمقراطية، الحرية، السلام، الاقتصاد، التأصيل العلاقات الدولية وغيرها؟
    إن حزب الأمة إذ يحدد موقفه من ممارسات الجبهة القومية الإسلامية من خلال رؤاه السياسية ومنظوره الفكري إنما يقدم الوجه الحقيقي للجبهة الإسلامية القومية خاصة وأنها انطلقت من إعلام واسع تصور لنفسها وللناس إن الإسلام هو ما عليه حزبها.
    إذا قالت خزام فصدقوها
    فإن القول ما قالت خزام
    إن مكتب الإعلام الخارجي بحزب الأمة ليسره أن يقدم للقارئ السوداني والعربي ما يعين علي تبين حقيقة الجبهة القومية الإسلامية من خلال هذا المقال الذي كتبه السيد الصادق المهدي والذي يشرفنا نشره في هذا الكتاب.
    مكتبة الإعلام الخارجي
    حزب الأمة
    القاهرة 26 مارس 1995م
    الجبهة الإسلامية في السودان انطلقت من إعلام واسع الذمة تصور لنفسها وللناس إن الإسلام هو ما عليه حزبها " إذا قالت خزام فصدقوها فإن القول ما قالت خزام "!!
    الذين يرفضون الشعار الإسلامي يرون أن كل مقولات الإسلاميين واحدة ولا يفرقون بين الشحم والورم.
    ..هذان الموقفان طمسا كثيرا من الحقيقة وخلطا الحابل بالنابل!
    لذلك كثرت تساؤلات المعنيين بأمر السودان عن حقيقة التوافق والاختلاف بين الأمة والأنصار من ناحية والجبهة الإسلامية القومية من الناحية الأخرى.
    أن الخريطة الإسلامية في السودان ليست قاصرة علي هذين التيارين، وقد تناولت بيان تلك الخريطة في محاضرتي عن مستقبل الإسلام في السودان ( مؤتمر جماعة الفكر والثقافة الإسلامية- أكتوبر 1982م ). ولكن ملابسات معينة جعلت العلاقة بين هذين التيارين محلا للشبهات، فلزم البيان.
    لقد نشأت الحركة الإسلامية الحديثة في مؤسسات السودان التعليمية المدنية كجواب إسلامي لمبادرات الحركة الشيوعية التي هجمت علي المسرح السياسي السوداني بعد الحرب العالمية الثانية.
    هذه الحركة الإسلامية نشأت من أصول سودانية في مرحلة طفولته، ولكنها في مرحلة صباها ارتبطت بحركة الأخوان المسلمين – الأم – المصرية واستمدت منها أدبها ونظامها.
    لقد التقيت بهذه الحركة في جامعة الخرطوم في عام 1953م وشهدت مرحلة انشقاقها الأول بين تيار يقوده المرحوم بابكر كرار،وأخر أكثر انتماء لحركة الأخوان المسلمين في مصر يقوده المرحوم الرشيد الطاهر.
    كنت أتابع نشاط الحركة من خارجها وكان واضحا لي أنه مهما شغلنا الإهتمام بقضية استقلال السودان في تلك المرحلة فإن التزامنا الفكري الأصيل هو التزام إسلامي.. وبدأ لي أن التحالف بيننا كاتجاه إسلامي يستمد من دعوة الأمام المهدي ويستمتع بقاعدة شعبية عريضة، وبينهم كاتجاه إسلامي حديث يحظي بوجود مهم في القطاع الاجتماعي الحديث، تحالف طبيعي يمكنه أن يقوم بدور دفاعي في حماية المجتمع من الهجمة الشيوعية وبدور إيجابي يقدم الإسلام نظاما حديثا وبديلا حضاريا بأسلوب شعبي ديمقراطي.. هكذا نشأ بيننا تحالف تطور مع ظروف البلاد السياسية، وأثمر الأتي:
    أ‌. تعاون في إطار قومي في التصدي للدكتاتورية الأولي (58-1964م)، وتعاون فعال في الإطار القومي في تفجير ثورة أكتوبر 1964م.
    ب‌. عمل مشترك لادارة الحوار مع القوي السياسية الجنوبية حقق إيجابيات في مؤتمر المائدة المستديرة 1965م، وإيجابيات في لجنة الأثني عشر 1966م، وإيجابيات مؤتمر الأحزاب السودانية 1976م.. تلك الإيجابيات ساهمت مساهمة كبيرة في تحضير الأدب الوفاقي الذي تبناه فيما بعد النظام المايوي(69-1985م) وأقام علي أساسه اتفاقية أديس أبابا 1972م.
    ت‌. التصدي المشترك الفعال لمحاولات السيطرة الشيوعية علي ثورة أكتوبر 1964م وعلي حكومتها الانتقالية (64-1965م) مما أدي للالتزام بميثاق أكتوبر وبإجراء الانتخابات في موعدها وقيام مؤسسات الديمقراطية الثانية.
    ث‌. تكوين مؤتمر القوي الجديدة 1967م لاقامة منبر موحد للقوي السياسية الجديدة في الشمال والجنوب علي أساس تجديدي غير شيوعي.
    ج‌. تعاون فعال أثناء الديمقراطية الثانية(65-1969م) في كتابه مشروع دستور البلاد بصورة جمعت بين أفضل ما في النظم الديمقراطية الحديثة، أقصي درجة ممكنة للامركزية في شكل الحكم الإقليمي، والنص علي إسلامية التشريع .. هذا المشروع كان قاب قوسين أو أدني من المرور ثم قضي عليه انقلاب 25 مايو 1969م.
    ح‌. مواجهة النظام المايوي في مرحلة اتجاهه اليساري، وتنظيم المعارضة في شكل الجبهة الوطنية المتحدة التي كان الحزب الاتحادي الديمقراطي ضلعها الثاني والتي أفلحت في تنظيم سلسلة من المواجهات زعزعت النظام المايوي وكان أخرها انتفاضة 2يوليو 1976م.
    خ‌. إبرام المصالحة الوطنية 1977م كخيار أفضل متاح للحركة السياسية السودانية في تلك الظروف.
    د‌. تكوين جماعة الفكر والثقافة الإسلامية 1980م لتكوين المنبر القومي القومي الإسلامي السوداني الجامع لتيارات التوجه الإسلامي في البلاد.
    ذ‌. العمل المشترك عبر المجلس الإسلامي العالمي لإقامة منبر إسلامي عالمي يوحد موقف العلماء والمفكرين والحركيين الإسلاميين من أهم قضايا الساعة.
    هذا ديوان تعاون إسلامي وطني بيننا مجالاته .. تعاون بآدابه الأمة والأنصار وقام فيه الجبهويون بدور فعال وكان له عائده الإيجابي للإسلام والسودان. على طول فترة التعاون والتعامل بيننا التي امتدت ثلث قرن وانتهت عام 1989م فرقت بين طرفينا العوامل الأساسية الآتية:
    #61558; أحداث الجزيرة أبا ودنوباوي – مارس 1970م :
    عندما وقع انقلاب 25 مايو 1969م كان فكره وبرنامجه يساريا معاديا لكل الاتجاهات الأخرى لا سيما الاتجاه الأخواني الإسلامي الذي كانت تمثله في ذلك الحين جبهة الميثاق الإسلامي.
    عندما وقع الانقلاب كان الأمام الشهيد الهادي المهدي في الجزيرة وحوله في موقعه التقت القيادات السياسية المعارضة للنظام الجديد .. قررنا في ذلك الاجتماع إن النظام الجديد يجد سندا داخليا من اليسار السوداني كلها وخارجيا يجد سندا من مصر الناصرية وليبيا والمعسكر السوفياتي ..لذلك لا تجدي معه التحركات الارتجالية وينبغي التحضير لمواجهته باستقطاب القوي المدنية والقوي المعارضة لتوجهاته داخل القوات المسلحة. والتحضير لمقاومته بالسلاح أن لزم الأمر عن طريق تدريب وتسليح القاعدة الشعبية المستعدة لقتاله. ورؤى إن هذا الاستعداد يتطلب وقتا، لذلك لا بأس بفتح باب الحوار مع النظام الجديد فأن قبل النصح " كفي الله المؤمنين القتال، وان أصر واستكبر استكبارا استفدنا من الوقت وأعددنا له ما استطعنا من قوة.
    انتدب النظام الرائد طيار الفاتح عابدون لفتح باب الحوار معنا فاتفق ان أذهب للخرطوم لذلك الغرض. وان يذهب الشريف حسين الهندي للخارج ويكلف هو والأخ عمر نور الدائم الموجود خارج السودان بالاتصال بالأصدقاء خارج البلاد والحصول علي السلاح وإمكانيات المقاومة.
    بعد جلسة الحوار الأولي غدر بي نظام مايو واعتقلت في 5يونيو 1969م. ولكن فكرة تجنب الصدام الوشيك وفكرة الاتصال بالخارج وجلب إمكانيات المقاومة نجحتا.
    كانت بعض قيادات جبهة الميثاق الإسلامي (الجبهة الإسلامية القومية في ما بعد ) مع الأمام الهادي المهدي في الجزيرة أبا، وكانوا أكثر تطرفا في عداء النظام وأكثر تسرعا في مواجهته. كتبت قيادتهم تدعم موقف الأمام الهادي وتحث علي المواجهة وتبايع علي رئاسة الجمهورية مستقبلا. ولم يأخذوا في الحسبان الضرر الذي يصيب الأنصار من مواجهة عسكرية غير متكافئة وفي موقع لا يمكن الدفاع عنه عسكريا كالجزيرة أبا.
    في مارس 1970 م قرر جعفر محمد نميري زيارة النيل الأبيض وشمل برنامجه زيارة الجزيرة أبا. كنت في ذلك الوقت معتقلا في شندي، وكان لي صديق يطلعني علي تقارير الأمن، وكان واضحا لي ان النظام يستعد للقضاء علي الحركة التي يقودها الأمام الهادي في الجزيرة أبا.. كنت أعلم صعوبات قد اعترضت نقل السلاح الذي حصل عليه الأخوة حسين الهندي وعمر نور الدائم وعثمان خالد
    ( الذي انضم إليهما في تنسيق العمل بالخارج) لداخل البلاد. وكان الأخوة بالخارج يرون ان يهجر المقاتلون للتدريب بالخارج، وكان الأمام يري ان يكون التدريب بالداخل . وبعد جدل بالمراسلات اتفق علي حل وسط هو ان يرسل عدد من أنصار الله للتدريب في الخارج ثم يعودون للجزيرة أبا لتدريب الآخرين.
    جماعة التدريب هذه سافرت في الأسبوع الأول من مارس 1970م. السلام لم يصل إلي الداخل إلا جزء يسير منه (5%) والمدربون بدأ تدريبهم في أوائل مارس، وكان الأمام الهادي يواجه مسألة زيارة جعفر نميري إلي الجزيرة أبا ويبحث ما ينبغي عمله..في ذلك الظرف الخطير وصلت الأمام الهادي آراء وتقارير أهمها:
    1. تقارير من بعض العسكريين تري ان الموقف داخل القوات المسلحة متأزم وِأن وقوع أحداث في الجزيرة أبا سوف يفجر الموقف.
    2. تقارير من السياسيين تروي السخط الشعبي ضد النظام وتري ان وقوع أحداث في الجزيرة أبا من شأنه أن يؤدي لإضرابات تتسع لتصبح إضرابا عاما.
    3. تقارير أخرى تري وجوب تجنب المواجهة في ذلك الظرف لم يكتمل فيه استعدادنا. كتبت للأمام الهادي خطابا وجده المعتدون في جيبه لدي استشهاده ونشروه. قلت للأمام في ذلك الخطاب : استعداداتنا لم تكتمل بعد، استعدادات النظام مكتملة، لذلك مصلحتنا ومصلحة الوطن تقتضي تجنب المواجهة الآن .فإذا الح جعفر نميري علي زيارة الجزيرة أبا فما علينا إلا ان نقابله بجماهير صامتة هادئة ترفع شعارات الإسلام والديمقراطية. وإذا هو عدل عن زيارة الجزيرة أبا فان علينا ان نهمل زيارته لبقية مناطق الأبيض كما أهملنا زيارته لسائر أقاليم السودان. وأن علينا أن نختار زمان ومكان مواجهة النظام بحيث لا تفرض علينا برد الفعل.
    4. تدخل بعض الأشخاص ومنهم الأخ صلاح عبد السلام وأقنعوا جعفر نميري بآلاء زيارة الجزيرة أبا وقال الأخ صلاح عبد السلام أنه أقنع الأمام بإغفال نميري للنيل الأبيض ان هو عدل عن زيارة الجزيرة أبا.
    5. أعلن جعفر نميري برنامج زيارته للنيل الأبيض وأسقط زيارة الجزيرة أبا وأجتمع مجلس الأمام ليقرر بشأن هذا التطور الجديد. روي لي الأخ عبد الرحمن عمر (نائب حمر سابقا) أن الأمام قال في ذلك الاجتماع كفي الله المؤمنين القتال، ولكن بعض أعضاء الاجتماع ومنهم ممثلو جبهة الميثاق الإسلامي رأوا غير ذلك وقدموا رأيا حماسيا خلاصته: يجب ان نسمعه صوت المعارضة حيثما يكون.. وبعد تداول الرأي استقر استقرار علي تنظيم مظاهرة كبيرة لمقابلة جعفر نميري في الكوة.وكان ما كان من تداعي التصرفات حتى وقعت الواجهة في أواخر مارس 1970م.
    من الغرائب أن بعض جماعة الجبهة يفخرون بهذا الموقف. مع أنه مهما كانت الظروف التي أملته اتضح أنه رأي متسرع دفع نحو مواجهة قبل الاستعداد لها .. مواجهة كانت نتيجتها إعطاء النظام المايوي عمرا جديدا واشعار مؤيديه ان العقبة الأساسية في سبيلهم قد أزيلت. أما كيان الأنصار فقد وجهت له ضربة شبيهة بالتي تمت علي يد كتشنر في كرري وعلي يد ونجت في ام دبيكرات والشكابة.. حتى ليصبح القول ان ما شهدوه من بعث بعد كرري مولدا ثانيا .. كطائر العنقاء الأسطوري يبعث من جديد من رماد النار التي أحرقته.
    #61558; انتفاضة شعبان/ سبتمبر 1973م:
    اتفاقية أديس أبابا 1972م تضمنت نصوصا تكفل بعض حقوق الإنسان، وتضمن دستور النظام المايوي الجديد الصادر في أوائل عام 1973م نصوصا مماثلة.. هذا التطور الدستوري أدي لاطلاق سراحي في مايو 1973م بعد اعتقال استمر منذ 5 يونيو 1969م.
    كانت المعارضة لنظام مايو في عام 1973م تقوم علي أضلاع ثلاثة في الخارج (الأمة – الاتحادي- الجبهة) .. اما في الداخل فقد كان العمل المعارض الأكثر انتظاما معتمدا علي تعاون الأمة والجبهة. بعد إطلاق سراحي وضعنا خطة تحرك معارض خلاصته القيام بتعبئة شعبية عامة تخاطب الطلبة، والعمال، والمهنيين، والمزارعين، والتجار للتحرك في إضرابات ومظاهرات ضد النظام، ومخاطبة القوات المسلحة لتأكيد انحيازها للحركة الشعبية أو علي الأقل لتحييدها. لتحقيق ذلك قررنا ان تقف جامعة الخرطوم عن طريق اتحاد الطلبة المكون من جبهة الميثاق والأمة بالدور الرائد. تقرر ان تعقد سبع ندوات حول مواضيع الساعة وأن تحشد الجماهير لهذه الندوات علي ان تقدم القوي السياسية مذكرة في موكب حاشد بعد الندوة الأخيرة. ورؤى ان يكون الإقبال علي الندوات مقياسا للتجاوب مع الخطة، وان تتم مخاطبة القوات المسلحة في هذا الثناء.
    بدأ تنفيذ هذه البرنامج في شهر شعبان/ ‏سبتمبر 1973م، وكانت الندوة الأولي ناجحة جدا، ولكن في النقاش الذي أعقب الندوة فاجأنا الدكتور زكريا بشير- أيحد قادة جبهة الميثاق الإسلامي وأحد الذين شاركوا في وضع خطة التحرك – وفأجا الجميع بإعلان كل تفاصيل الخطة!! هذا الإعلان نبه أمن النظام، لذلك أعلن مهدي مصطفي الهادي محافظ الخرطوم بيانا حمل فيه علي الطلبة وتوعدهم بالويل والثبور.. ألهب البيان حماسة الطلبة فقرروا الرد عليه بالخروج في موكب كبير اليوم التالي. وفي مساء اليوم للموكب اجتمعت لجنة اتحاد الطلبة بي والدكتور حسن الترابي ونورونا بقرار الطلبة.. هل كان القرار طلابيا أو جبهويا؟ الله أعلم! قلت لهم إن التحرك المتسرع يجهض خطتنا فنحن لم نحقق التعبئة المطلوبة بعد، ولم نتحقق من التجاوب الواسع لدي أوساط النقابات والشرائح الجماهيرية الأخرى، كذلك لا نعرف مدي التجاوب العسكري بل سيكون التصرف برد الفعل علي بيان محافظ الخرطوم، وسيكون تحركا غير محسوب، بل يجهض برنامجنا المدروس. قالوا: لا نستطيع كبح جماح الطلبة. قلت لهم. ونحن لا نستطيع تأمين التجاوب الواسع المطلوب.
    في صباح اليوم التالي سار موكب الطلبة وكان ناجحا جدا كمظاهرة طلبة وحدث معه تجاوب شعبي محدود وتجاوب نقابي عمالي محدود أيضا ولكن برنامج الانتفاضة المرسوم أجهض.
    #61558; اتفاقية 2 يوليو 1976م:
    بعد واقعة الجزيرة أبا ومذبحة ودنوباوي أحس الأنصار بغبن شديد وتدافعت أعداد كبيرة منهم مهاجرة علي نفس طريقة هجرة الأمام الشهيد الهادي المهدي وتجمع في دار الهجرة عدد بلغ في ذروته عشرين ألفاً.
    بعد ضربة 19 يوليو 1970م تخلي جعفر نميري عن برنامجه اليساري وهجم علي الحزب الشيوعي هجمة دموية أكسبته إعجاب الغرب ودول الجوار. تلك تحولت الدول التي كانت تدعم المعارضة وصارت تدعم النظام المايوي.
    أرسلت للأخ عمر نور الدائم – وأنا في المعتقل أنبهه إلي وجود بعض نقاط التوافق الفكري بيننا وبين القادة الليبيين وأقترح عليه الاتصال بهم وفتح حوار.
    أتصل الأخ عمر نور الدائم بالقيادة الليبية بواسطة المرحوم بابكر كرار ودعاه الليبيون وتجاوبوا معه حاصرين علاقتهم بالأمة والأنصار . لكنه ألح عليهم أن تشمل العلاقة حليفينا الآخرين الاتحادي وجبهة الميثاق. فوافقوا بعد تردد وأنعقد اجتماع توصل لا تفاق استراتيجي بين الأطراف السودانية الأربعة ( الأمة- الاتحادي- الجبهة – الحزب الاشتراكي الإسلامي أي جماعة الأخ بابكر كرار) والقيادة الليبية ( أكتوبر 1973م).
    هذا الاتفاق أتاح لجماعتنا (الجبهة الوطنية) المستعدة، تسليحا وتدريبا ومعسكرا، وبدأ برنامج ترحيل المهاجرين الأنصار من أثيوبيا الي ليبيا عبر الأراضي السودانية. كنت متحفظا علي بعض بنود ذلك الاتفاق ولكن رغم ذلك دفعت ثمنا له إذ جددت السلطات السودانية اعتقالي في ديسمبر 1973م.
    كانت الإجراءات القمعية التي اتخذتها السلطات المايوية بعد انتفاضة شعبان قاسية جدا واوقفت بموجبها كل الحريات التي أتاحها الدستور الجديد في مايو 1973م لذلك صممت علي الخروج من البلاد إذا أطلق سراحي وقد ساعدني علي ذلك تقرير طبي كتبه لصالحي أحد الجراحين.
    غادرت السودان بعد إطلاق سراحي في أبريل 1974م، وفي الخارج وجدت أن الاتصال بالليبيين قد أثمر وأن قيادة الجبهة الوطنية في الخارج تستعد لتدريب المهاجرين وتسليحهم والهجوم المسلح علي النظام في الخرطوم .
    اجتمعت بالقيادة الليبية أجلينا النقاط التي تحفظت عليها واتفقت مع زملائئ علي ضرورة ان يقود العمل القتالي ضابط سوداني مؤهل فاخترنا العميد (م) محمد نور سعد لهذه المهمة وقبلها بحماس. تم أعداد المقاتلين وتهريب السلاح ودفنه داخل السودان بالقرب من أمدرامان وإدخال ألف مقابل من الأنصار وخمسين مقاتلا من الجبهة، وفي لندن عقدنا اجتماعا حاسما ضم قيادات الجبهة الوطنية للقاء اخير بالأخ محمد نور سعد قبل دخوله للسودان لقيادة الحركة . أجاز الاجتماع الآتي:
    1. بيان الحركة الذي سيذاع للشعب السوداني
    2. توجيهات أساسية للقيادة العسكرية:
    أ-قلنا لقد تم إدخال العدد المذكور من المقاتلين وإخفائهم في مناطق مناسبة. وإدخال السلاح والذخيرة ودفنها في مناطق محدودة، وسيكون الأفراد والسلاح تحت أمرك.
    ب-تم تحضير الناقلات التي سوف تنقل المقاتلين من ام درمان إلي موقع السلاح ثم من هناك الي الاهداف العسكرية.
    ج-لقد اجرينا اتصالات مع عسكريين في الخدمة التزموا بالمشاركة في العملية .. اتصل بهم لتنسيق العمل معهم.
    د- الجانب الشعبي من التحرك سوف تديره لجنة مكونة من أمة واتحاديين وجبهة، والمطلوب اطلاعهم علي التحركات واشراكهم فيها.
    هـ- بعد التأكد من تجاوب جميع الأطراف حدد الزمن المناسب،وتحرك علي بركة الله وسوف ندعمكم عسكريا بالسلاح في ظرف 21 ساعة متحركين من الحدود الليبية.
    و- نلتزم بإدخال العميد(م) محمد نور سعد إلي داخل السودان ونخفيه في الخرطوم حتى يقوم بكل إجراءاته واتصالاته.. شرطناً الوحيد هو أنه إذا لم يجد التجاوب المطلوب من الداخل لا سيما المشاركة العسكرية، فان عليه اتخاذ قرار بتأجيل الحركة والعودة للخارج حتى نضمن التجاوب المطلوب.
    الجانب المدار من الخارج الخاص بتسريب السلاح الثقيل والأنفار وقائد الحركة نجح بنسبة عالية. أما الجانب الخاص بالمشاركة العسكرية والعمل الشعبي فقد اخفق تماما.
    كان الأخ محمد نور سعد مرتابا في أمر الجبهة وكانوا يبادلونه الارتياب .. وكان بين الأنصار والمهاجرين وبين مقاتلي الجبهة مشاعر سلبية.وكان بين كوادر الجبهة داخل السودان وكوادر الأمة تنافر بعضه عائد لرواسب انتفاضة شعبان وما وقع فيها من تصرفات ..هذه العوامل جعلت القيادة بالداخل تتصرف بصورة اوغرت صدور جماعة الجبهة. هذه السلبيات جعلت قيادة الجبهة بالداخل تمنع المشاركة الشعبية لا سيما الطالبية مع الانتفاضة، هناك سبب أخر في ضعف تجارب الجبهة بالداخل مع الانتفاضة هو ان القيادة بالداخل لا تقيم وزنا لمثيلتها في الخارج وربما رمتهم بأنهم انساقوا مع زملائهم من قيادة الجبهة الوطنية إلي درجة لم يأذنوا لهم بها.
    بعد اخفاق الانتفاضة، ركز المحققون والمحررون في أجهزة النظام علي توجيه التحريات بصورة كشفت عن درجة عالية من عدم الثقة بين الأطراف المشتركة في الانتفاضة .. المهم أن انتفاضة 2 يوليو 1976م وقد كانت من أهم مظاهر التعاون بين الأمة والأنصار والاتحاديين (الشريف حسين الهندي) وجبهة الميثاق الإسلامي تحولت الي نقطة سوداء في العلاقات لا سيما بين الأمة والجبهة. ولم يجر أي تشريح مشترك لما حدث لاجلاء الاتهامات المتبادلة بل احتفظت كل جماعة بمعلوماتها وتحليلاتها وتصوراتها ودفن كل نحو الأخر ما بدأ له وعلمت أجهزة الأمن المايوي علي تعميق عدم الثقة المتبادل.
    #61558; المصالحة الوطنية:
    بعد إخفاق انتفاضة يوليو 1976م اجتمعت قيادة الجبهة الوطنية في الخارج وقررت إعلان مسؤولياتها عن الانتفاضة وعزمها علي مواصلة المقاومة حتي النصر.. وتم تعيين لجنة برئاسة الشريف حسين الهندي رحمه الله وعضوية الأخوين ميرغني ضيف الله ومهدي إبراهيم لمواصلة تحدي السلطة بالداخل والإبقاء علي التحرك مستمرا.
    لم تتمكن اللجنة من تنفيذ برنامجها بل قدمت تقريرا يفيد ان السلطات السودانية استفادت مما حدث ومن وقائع الانتفاضة واعترافات المقبوض عليهم فسدت كل الثغرات وقفلت دروب تسريب الأفراد والمعدات للداخل.
    حدث أربعة أشياء مهمة بعد الانتفاضة أثرت سلبيا في موقفنا:
    أولا: عقد النظام السوداني مع الحكومة المصرية اتفاقية الدفاع المشترك مباشرة بعد الانتفاضة وكان واضحا ان الاتفاقية موجهة ضد تحركات الجبهة الوطنية والمعارضة السودانية كما ان النظام السوداني استفاد من تجربة الانتفاضة لتأمين نفسه.
    ثانيا: ليبيا لم تعد تحتمل إعطاء المقاومة السودانية مساحة من حرية الحركة كما كانت تفعل في الماضي لان الدفاع المشترك المصري- السوداني الجديد موجه ضدها .. ولا بد لها من مراقبة تحركاتنا بصورة دقيقة بل والتدخل فيها تجنبا لما قد تحدثه وما يترتب عليه من اثار علي أمنها الوطني.
    ثالثا: التنافر وعدم الثقة الذي اتسع بين عناصر الجبهة الوطنية بعد إخفاق الانتفاضة.
    رابعا: البطش والتعذيب الذي واجهت به الحكومة السودانية عناصر الجبهة الوطنية بالداخل والشلل التام الذي أصاب عناصر الجبهة الوطنية في الداخل.
    علي الرغم من هذه العوامل واصلنا صمودنا ولكن عندما عرض علينا خيار المصالحة الوطنية قبلنا بالإجماع. وقدرنا إن ظروفنا الموضوعية تملي علينا ذلك كما قدرنا ان أمن الدكتاتورية وأعلامها وتماسكها يقوم عليفرض الرأي الواحد فان هي تخلت عن ذلك وأتاحت الفرصة للرأي فانه سيفت في عضدها ويسقطها. كانت مرحلة المصالحة الأولي متفقا عليها. ولكن حدثت ظروف أدت الي تباين مواقف عناصر الجبهة الوطنية من المصالحة.
    ‌أ. كان موقف الأمة والأنصار بشروطها المحددة.
    ‌ب. اتخذ الاتحاديون بعد المرحلة الأولي موقفا رافضا لها مهما حققت.
    ‌ج. جماعة جبهة الميثاق اندفعوا فيها وانخرطوا في النظام دون التفات لأي شروط.
    القراءة الصحيحة لما حدث تاريخيا في أمر المصالحة هي ان موقف الأمة كان صائبا لأنه بالمصالحة من حيث هي أمكن تخفيض درجة التدخلات الخارجية في شؤون البلاد. كما أمكن نقض الظروف القاسية التي عاشتها الجبهة الوطنية داخل السودان. كما أنه بالحرص علي شروط المصالحة وبالحرص علي التعبير العلني والمستمر عنها أمكن خلق رأي ومواقع لممارسة الحرية ساهم في التمهيد لانتفاضة رجب/أبريل 1985 بل واعداد العدة لها.
    #61558; قوانين سبتمبر 1983م:
    في أوائل سبتمبر 1983م أعلن جعفر محمد نميري ما أسماه الثورة التشريعية وأصدر سلسلة من القوانين. لقد شرحت في كتابي " النظام السوداني وتجربته الإسلامية" كيف لجأ النظام المحاصر سياسيا واقتصاديا الي الورقة الإسلامية .وشرحت كيف انني أعلنت معارضة هذه القوانين واعتبرتها إساءة للإسلام لأنها فصلت العقوبات الشرعية من النظام الاجتماعي الإسلامي الذي وضعت لحمايته.
    أما جبهة الميثاق الإسلامي فقد أيدت تلك القوانين وتحمست لها .. الآن وبعد الجلبة والضوضاء ثبت زيف تجربة نميري المسماة إسلامية لكل من كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد. لقد أشهدنا نخبة من علماء المسلمين. دونا الأساتذة والعلماء الأتي بيانهم: محمد مصطفي شلبي- محمد كمال عبد العزيز- خورشيد – محمد سليم العوا- الدكتور تنزيل الرحمن -محمد تقي عثمان- الدكتور حسن إبراهيم عرزو- مصطفي الزرقاء وهم نخبة من علماء العالم الإسلامي ليطلعوا علي قوانين سبتمبر ويعلقوا عليها.
    وفي فبراير 1987م كتبوا تقريرا جاء فيه: أن القوانين المعنية معيبة في جوهرها وصياغاتها وتطبيقها.
    ان موقف الجبهة الإسلامية القومية من قوانين سبتمبر 1983م موقف متهافت وغريب.
    #19968;. تحمسوا لها حماسا شديدا وهللوا وكبروا لقطع الأيدي والأرجل والصلب والاعدامات. كأنها إنجازات إسلامية كبري، وهكذا اوهموا قيادة جماعتهم ان برنامجها الإسلامي صحيح فتمادت في الجلد والقطع والصلب.. استمر هذا الحال منذ 1983م إلي 1985
    #20108;. أثناء الحكومة الديمقراطية كانت هناك أحكام عديدة بالقطع ففرضنا تنفيذها وقررنا أن عيوب القوانين الجنائية المسماة إسلامية شبهة تمنع القطع أقامت الجبهة الدنيا في وجهنا لعدم تنفيذ الأحكام الحدية وكانت تقدم للجمعية وباستمرار اقتراحات تطالب بتنفيذ الأحكام الحدية حتى أصدرت الجمعية قرارا نهائيا برفض القطع.
    #19977;. ثم جاءت الجبهة للحكم عبر مدرعات " الإنقاذ" فسكتت عن الإسلام عاما ونصف العام من 30 يونيو (حزيران) 1989م إلى أول يناير(كانون الثاني) 1991م ثم صرفوا النظر تماما عن تنفيذ تلك الأحكام الحدية واسقطوا بالتقادم!
    #61558; التشريع الإسلامي 1988م:
    دعونا لتوسيع قاعدة الحكم واستجابت الأطراف السياسية المعنية فاقمنا حكومة الوفاق الوطني في عام 1988 م والأسباب المباشرة لتلك الدعوة هي:
    أولا: هنالك قضايا مهمة علي رأسها قضيتان: التشريع الإسلامي وتحقيق السلام، وهذه قضايا لا يجدي معها إلا النهج الوفاقي القومي ومشاركة كل القوي الوطنية ذات الوزن السياسي.
    ثانيا: الديمقراطية في السودان هشة وتواجه خطرا من جوانب عديدة:
    - فالديمقراطية لا تسمح بإقامة جهاز أمن ذي صلاحيات واسعة لحماية الديمقراطية نفسها.. البلاد العريقة في الديمقراطية أقامت أجهزت أمن قوية لحماية نفسها وقويت تلك الأجهزة حتى صارت أشبه بحكومة خفية. ظروف السودان السياسية وغياب تقاليد أمنية عريقة لم تسمح بالإسراع في إقامة جهاز أمن فعال واسع الصلاحيات . هذا الغياب الأمني أتاح فرصة واسعة للتآمر ضد الديمقراطية.
    - اتبع وضع القوات المسلحة في السودان وضعا غريبا حتى صارت القوات المسلحة في السودان في ظل الديمقراطية اشبه ما تكون بهيئة مستقلة كالهيئة القضائية. هذا مع أنها ينبغي أن تكون أداة في يد السلطة التنفيذية.. هذه النزعة الاستقلالية في القوات المسلحة كرسها قانون القوات المسلحة الذي أصدره المجلس العسكري الانتقالي في عام 1985م لذلك نأت القوات المسلحة عن أي إشراف سياسي في ظل الديمقراطية مما ترك المجال واسعا لكل مؤامرة ومغامرة.
    لقد تعذر في المناخ السياسي الحزبي الذي كان قائما في البلاد إقامة أجهزة أمن مقتدرة. وتعذر إصدار قانون يخضع القوات المسلحة كما ينبغي للجهاز التنفيذي. لذلك لجأنا لأسلوب سياسي لحماية النظام الديمقراطي وذلك عن طريق توسيع المشاركة واشراك الفاعليات السياسية ذات الوزن.
    وكانت الجبهة الإسلامية القومية أكثر أحزاب السودان استقطابا لإمكانات مادية من خارج السودان . استمدوها من أفراد وحركات متعاطفة، أحيانا من دول في إطار محاربة الشيوعية وفي إطار التبشير الإسلامي داخل السودان وفي أفريقيا .. هذه الإمكانات وظفت لاقامة مؤسسات مالية واقتصادية ولاقامة مؤسسات إعلامية فانطلق إعلام الجبهة بإمكانات أكبر حجمها السياسي أضعافا مضاعفة. إعلام لم يمكن التصدي له بالإمكانات المتاحة في ظل الديمقراطية لا سيما وقد التزمنا خطا رفعنا بموجبه دور الدولية في تمويل صحافة رسمية، بل رفعت الدولة يدها عن صحيفتي "الأيام" و"الصحافة" وبث إعلام الجبهة وهما صدقة كثيرون أنها قادرة أن وجدت الفرصة أن تجعل السودان جنة الله في أرضه.
    كانت حكومة الوفاق في نظرنا وسيلة لتحقيق تعاون سياسي في القضايا الأساسية لا سيما فضيتي الاسلمة والسلام ، ولتحجيم دعاوي الجبهة بالتعامل مع الواقع الموضوعي،ولإيجاد خط دفاع سياسي عن الديمقراطية. دخلت الجبهة القومية حكومة الوفاق الوطني ولحين من الدهر بدأ إن المقصود في إدخالها قد تحقق، لكن المبالغات الإعلامية والدعاوي الغوغائية التي اندفع فيها الجبهة في ما مضي جعلها منقسمة إزاء دخول الحكومة بين آراء واقعية تري سلامة المشاركة في الحكم وآراء حماسية تحلم تحلم بجنة الحسن بن صباح علي أرض السودان. واندفعت قيادة الجبهة تتبنى الشعار الإسلامي بصورة أكثر تطرفا للدفاع عن موقف المشاركة في الحكومة ولتجاوز الانقسام الداخلي.. هذا جعل الجبهة في موقف احتكار حزبي شديد للشعار الإسلامي وحرص شديد علي إظهار أنهم من حزب الإسلام. هذا الموقف أثار حساسيات حزبية مضادة لا سيما في أواسط الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان يشعر أن نمو الجبهة جماهيريا كان علي حسابه.
    حرصت الجبهة أن يكون برنامج الأسلمة حزبيا يعزي الفشل في كل خطواته لها، وحرص علي تأكيد التزامه به، ولكن منعا لدعوي الجبهة الإسلامية القومية.. وكنا نحرص علي احتواء هذا التنافر الحزبي والإبقاء علي الطرح الإسلامي قوميا.
    لقد احتد الخلاف بيننا في هذا المجال: أيكون برنامج الاسلمة حزبيا كما تحرص علي ذلك الجبهة قوميا كما يقتضي حرصنا بل كما تقتضي مصلحة الإسلام والسودان؟
    والآن، وبعد اضطراب وتردد اجاز نظام "الإنقاذ" مشروع القانون الذي قدمه النائب العام في عهد الديمقراطية الثالثة واجازته الجمعية التأسيسية في مرحلة القراءة الثانية، إجازة ليصبح قانون البلاد الجنائي لعام 1991م، وقالوا أنه قانون يستمد شرعيته من إقرار الجمعية التأسيسية له! لم تكن الجمعية قد إجازته وفي خطابي أوضحت ضرورة تعديله في كثير من البنود، وهي تعديلات ذكرتها في خطابي بخصوص القانون أمام الجمعية التأسيسية في 4/10/1988م حلوا الجمعية التأسيسية لعدم صلاحيتها! واستشهدوا بأعمالها علي صحة تشريعاتهم!! وهو استشهاد باطل لأن الجمعية لم تصدره بعد قانونا، واستشهاد محير لان فاقد الشيء لا يعطيه.
    #61558; قضية السلام:
    التمرد في القيادة الجنوبية أدي إلي أحداث أغسطس 1955م في جنوب البلاد كان تمردا عسكريا له أسبابه السياسية والعسكرية وقد شرحها بتفصيل تقرير القاضي قطان - التقرير الرسمي الذي صدر من حكومة السودان بعد الأحداث- وانتهي التمرد تماما قبيل استقلال السودان وهدأت الأحوال وساد الوفاق الوسط السياسي في الشمال والجنوب وتوصلت قيادات البلاد السياسية وأحزابها لموقف جماعي هو إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان علي أن ينظر في مطالب الأحزاب الجنوبية للنظام الفيدرالي لدي كتابة دستور البلاد الدائم. وتم إعلان استقلال السودان في أول يناير 1965م بإجماع الرأي الوطني.
    ولكن الخلافات السياسية أدت إلى انقلاب 17 نوفمبر 1958م وقد كان في مرحلته الأولي تسليما من رئيس الوزراء السيد عبد الله خليل، ولكنه سرعان ما قلب له ظهر المجن وتحول إلى حكم عسكري محض لا سيما بعد حركة شنان ومحي الدين.
    شعر الجنوبيون بغبن شديد أولا تصفية المؤسسات الديمقراطية صفت وجودهم السياسي وصاروا محرومين من التمثيل في قيادة البلاد العليا المجلي الأعلى للقوات المسلحة- ومحرومين من التمثيل في مجلس الوزراء إلا في حد ضييق جدا- ومحرومين م النيابة. وأكثر من ذلك أهمية هو أن الانقلاب وضع حدا لمشروع دستور البلاد الدائم وقفل الباب أمام تحقيق الوعد الذي قطعته القوي السياسية للأحزاب الجنوبية ببحث مطلب إقامة نظام فيدرالي للسوداني.. هذه العوامل أدت لانطلاق حركة انيانيا الأولي في عام 1963م).
    المقاومة المسلحة الجنوبية الأولي كانت نتيجة مباشرة سياسيات وممارسات الاوتقراطية الأولي ( 58-1964م. تواصلت أحداث المقاومة المسلحة وأحس النظام العسكري بالحيرة في أمره كما أحس الرأي العام السوداني بخطورة هذه الأحداث لذلك بدأ نقاش واسع في البلاد حول مشكلة جنوب السودان.
    مساهمة مني في هذا النقاش المصيري كتبت كتابي الأول وهو مسألة جنوب السودان ونشرته في أبريل 1964م وخلاصته ما جاء في ذلك الكتاب:
    أ‌. أن مسالة الجنوب جذوا تاريخية وأسبابا دينية وقومية وثقافية واقتصادية.
    ب‌. أن الاستعمار قام بدور مهم في ترسيخ أسباب النزاع وزرع ألغاما موقوتة.
    ت‌. أن المسالة لا يمكن حلها عسكريا بل ينبغي حلها سياسيا.
    ث‌. أن الحل السياسي هذا ينبغي أن تشارك في الوصول إليه القوي السياسية الجنوبية والشمالية وهذا لا يتحقق إلا إذا كفلت الحريات الأساسية.
    واتسع النقاش في البلاد وتناول الطلبة في جامعة الخرطوم الأمر وانعقدت الندوات لبحثه وكانت في اتجاهها العام تؤكد أن الحل سياسي، وأن الحرية شرط للوصول إليه. هذا الاتجاه أخاف النظام العسكري الحاكم فمنع الندوات وقامت ندوة 21 أكتوبر تحديا لأوامره ووقع الصدام الذي أشعل ثورة أكتوبر. كانت أهداف أكتوبر الأساسية: الديمقراطية، والحل السياسي لمسألة الجنوب.
    تعاقبت نظم الحكم في السودان وكان الطابع المطرد هو أن النظم الديمقراطية تحاول الحل السياسي للنزاع في الجنوب وتبذل في ذلك المساعي وتعقد في سبيله الاتفاقيات. أما النظم العسكرية فتدير قفاها للحل السياسي وتجتهد في تحقيق نصر عسكري يفرض الحل من جانب واحد وتقضي علي محاولات الحل السياسي وتمزق ما ابرم من اتفاقيات.
    صحيح أن نظام جعفر نميري العسكري ابرم اتفاقية السلام في 1972م ولكن تلك الاتفاقية كانت مؤسسة علي تحضيرات الديمقراطية الثانية التي تمت عبر مؤتمر المائدة المستديرة (1965) وعبر لجنة الاثني عشر (1966م) وعبر مؤتمر عموم أحزاب السودان (1967م).
    ورغم إيجابيات الاتفاقية فان طبيعة النظام العسكري الاوتقراطية أدت إلى أخذ النظام باليمين ما أعطاه بالشمال وهيأ النظام بطبيعته الأحادية وسياساته الفردية لحرب أهلية اندلعت في البلاد في عام 1975م ثم في عام 1983م أكثر خطرا واوسع انتشارا من الحرب المحدودة التي كانت قائمة قبل 1972م.
    النظام المايوي استفاد من تحضيرات الديمقراطية الثانية للقضاء علي تمرد محدود قادته انيانيا الأولي ولكنه أورث البلاد حربا أهلية خطيرة ذات سند خارجي اقليمي (حلف عدن ) ودولي ( المعسكر الشرقي).
    في تلك المراحل كان موقفنا وموقف الجبهة من أسس السلام في الجنوب متقاربا جدا ولكن بعد أعوام قضوها في حضانة النظام المايوي وقضيناها في المعارضة افترقت مواقفنا وكان أول مظهر لهذا الخلاف هو أننا اشتركنا في إعلان كوكادام في عام 1986م بينما سبتمبر 1983م وعقد مؤتمر دستوري لعقد اتفاقية سلام.. الحزب الاتحادي الديمقراطي فتح حوار مع الحركة الشعبية في مرحلة لاحقة وتوصل للمبادرة السودانية معها في نوفمبر 1988م. ومع أن المبادرة السودانية طورت إعلان كوكادام في اتجاه أكثر اعتدالا – استبدلت الإلقاء بالتجميد – إلا أن الإخراج الحزبي الذي صحبها أدي إلى نفور عنها في أوساط حزب الأمة. أما في أوساط الجبهة الإسلامية فإن المبادرة كإعلان كوكادام وجد رفضا قاطعا بل وصفت بعبارات متطورة: ( ركع أحد أصنام الطائفية في أرض الكفر لقائد الكفار ) رغم هذا كله حاولت جاهدا بوضع التوجه نحو السلام في مساره القومي وذلك بإقناع الاتحاد الديمقراطي بإدخال توضيحات معينة في المبادرة ( الإعلان المشترك بين الأمة والاتحادي في 27 ديسمبر 1988م) وإقناع الجبهة الإسلامية بقبول ذلك ( بلاغ القصر الجمهوري عن اتفاق الأحزاب الثلاثة في 4 يناير 1989 ) لكن تطرف الجبهة الإسلامية خاصة ما قالوه أثناء ما سموه ثورة المصاحف وثورة المساجد لقد خلق رأيا عاما متطرفاً جداً في أوساط الجبهة الإسلامية رأيا لا يجدي معه إلا المواقف الثورية الفورية. لذلك لم تجد المحاولات مع الجبهة الإسلامية القومية.
    أما القوي السياسية الأخرى فإنها استطاعت عبر اجتماعات القصر أن توقع علي البرنامج القومي الانتقالي الذي تضمن قبولا لمبادرة السلام السودانية بالتوضيحات التي اتفق عليها.
    لقد تبلور الموقف من السلام في موقفين واضحين، موقف قومي تؤيده القوي السياسية السودانية، وموقف حزبي تلتزم به الجبهة الإسلامية القومي الموقفان هما:
    الموقف القومي:
    أ‌. وضع حد فوري للحرب الأهلية.
    ب‌. تجميد التشريعات المختلف عليها.
    ت‌. عقد مؤتمر قومي دستوري لبحث اتفاقية سلام وإبرامهما.
    الموقف الحزبي:
    أ‌. تطبيق فوري للشريعة ونظام الحكم الفيدرالي واستثناء الجنوب من تطبيق الشريعة.
    ب‌. مواصلة الحرب جهادا إلى حين قبول المحاربين بهذا الرأي
    إن موقف الجبهة الإسلامية هذا هو الذي تبناه نظام "الإنقاذ" والذي يسير عليه أنه موقف مرفوض لدينا ولدى أغلبية المسلمين في السودان ولدي أغلبية مواطني السودان، وهو موقف حزبي قهري أدى حتى يومنا هذا للسلبيات الآتية:
    أ‌. حرف موضوع السلام في السودان عن مساره القومي وربطه بشروط حزبية من جانب واحد ترفضها أغلبية أهل السودان
    ب‌. جعل أهل الجنوب المخالفين للنظام هدفا للجهاد وحد بين مشاعرهم وآرائهم في اتجاه مضاد، لأول مرة في تاريخ السودان اجتمعت كلمة القاعدة الجنوبية الأكبر على تقرير المصير والتطلع للانفصال.
    ت‌. شعور دول الجوار الأفريقي الست (إريتريا ـ أثيوبيا ـ كينيا ـ أوغندا ـ زائير ـ وأفريقيا الوسطى) وهي دول أفريقية ذات حكومات يقودها مسيحيون انقلب تمام في اتجاه عدائي أساسه: إذا كان الجهاد معلنا ضد الجنوبيين بصفتهم مسيحيين أفارقة فإنهم كمسيحيين أفارقه هدف مشروع لهذا الجهاد. لقد استمر الحوار بيننا وبين القوى السياسية الجنوبية وصار موقفنا الآن من أساس السلام أكثر تباينا من موقف الجبهة الإسلامية القومية ونظام "الإنقاذ"
    إخفاق حكم "الجبهة" ينبغي ألا يحسب على الإسلام أو السودان الديمقراطية الأولى والثانية والثالثة في السودان واجهت مشاكل وعقبات تناولتها بالبيان في كتابي الديمقراطية في السودان "راجحة وعائدة".
    الديمقراطية مهما كانت صعوباتها أفضل نظام حكم يليق بكرامة الإنسان ويحتوي التنوع الفكري والسياسي والعرقي والجهوي وعيوب الديمقراطية على كثرتها يمكن علاجها سلميا عن طريق النظام الدستوري المختار، والإصلاح الحزبي والنقابي والصحافي المطلوب. الديمقراطية مع كل عيوبها افضل أداء من كل مجال من النظم الأوتقراطية التي أطاحت بها وكلفت البلاد ما كلفت من شقاء وتعاسة الجبهة الإسلامية القومية مفتونة بالتجربة الشيوعية في السودان وهي على عدائها لها تكن لها إعجابا خفيا، إن في ضمير كثير من الجبهويين إعجابا بفكرة لينين بأن صاحب السلطان السياسي يستطيع تشكيل الواقع الاجتماعي كما يشاء والجبهة الإسلامية القومي في السودان متأثرة بالحضانة الاوتقراطية في كنف النظام المايوي.
    وهي أيضا متأثرة ومعجبة بأساليب النظام البعث العراقي هذه المؤثرات يصحبها عندهم اقتنع بأن بلادنا وأمثالها لا يصلح معها إلا الحكم المستبد.
    ومع أنهم إذا ترووا قليلا لرأوا انهم إنما نموا كحزب سياسي في كنف الديمقراطية وأن مصلحتهم في التوسع والانتشار لصيقة بالظروف الديمقراطية بل المطالب الديمقراطية هي خط الدفاع الوحيد الملائم للمنظمات الإسلامية أي أن الديمقراطية هي على الأقل في المدى القصير - أهم ضمان لهم داخل السودان وخارجه.
    كيف غابت عنهم هذه الحقيقة؟ الله وحده يعلم! ولكن يبدو إن المؤثرات المذكورة أعمتهم عنها، كما أعماهم التسرع المعهود في كل ممارساتهم فاندفعوا في مغامرة خاسرة. لا شك أنهم بحثوا كل الخيارات، ولا شك أن الخيار القهري سيطر على فكرهم ففي مارس من عام 1989 زارني السيد احمد سليمان وعرض على أن نقيم نظاما رئاسيا أقوده ليحكم البلاد ويحسم مشاكلها وتدعمه الأمة والجبهة ويفرض على الآخرين بالأغلبية النيابية إن أمكن وبالقوة أن لزم رفضت ذلك الاقتراح وأوضحت أنني مع إدراكي لعيوب الديمقراطية أرى إن صلاحها ينبغي أن يكون بالوسائل الديمقراطية.
    لكن التسرع المعهود والإعجاب الخفي بالوسائل اللينينية البعثية العراقية دفعتهم نحو مغامرة " الإنقاذ" فأقاموا نظاما ألحق بهم كحزب سياسي ذي برنامج فكري وبالإسلام والسودان أذى بالغا.
    لا سبيل لقبول أطروحة " الإنقاذ" في أي جزي من أجزائها الباطلة بل مصلحة السودان والإسلام تقتضي شجبها ومخالفتها وإسقاطها بصورة حاسمة وقاطعة. الخلاف الوحيد الممكن في هذا الصدد هو بين الذين يرون أن هذا ممكن بالوسائل السياسية والذين يرون أن الحديد لا يفله ألا الحديد!.
    أدت الصحوة الإسلامية إلى تطلع لتجديد معالم الاقتصاد الإسلامي. وانعقد في جدة في عام 1976 المؤتمر الاقتصادي الإسلامي العالمي الأول، وتلاه المؤتمر الاقتصادي الإسلامي الثاني الذي انعقد في إسلام أباد في عام 1983. هذا الجهد الجاد بدأ البحث في مجال مهم وتخطي المراحل الأولية في موضوع الاقتصاد الإسلامي.
    منذ عهد عبد الناصر في مصر عمل الأخ أحمد النجار في مجال تنظيم مدخرات ذوي الدخل المحدود وتوجيهها في مجال ائتمان لتمويل أنشطة استثمارية وتحقيق عائد ربحي يعود على أصحابه وعلى أصحاب المدخرات دون أداة التمويل المعهود سعر الفائدة.
    انطلاقا من تلك التجربة عمل الأخ أحمد النجار لتطوير نظام مصرفي لا يقوم على سعر الفائدة ويشكل بديلا إسلاميا له. اهتمت بعض الأطراف بهذه الأفكار وساتبدلت فكرة أحمد النجار التي تقوم على جمع مدخرات أصحاب الدخل المحدود واستخدامها لتمويل استمارات تحقق أرباحا توزع على الشركاء وهم المدخرون والمستثمرون.
    استبدل ذلك بإقامة مصارف إسلامية تجمع مدخرات أصحاب رؤوس الأموال الذين ينفرون من نظام سعر الفائدة المعهود في المصارف القائمة وتوجيهها على أساس المرابحة.
    نجحت المصارف الإسلامية في جمع مبالغ ضخمة من أصحاب المدخرات وحصلت على قوانين خاصة بها أعطتها امتيازات معينة، ووجهت هذه المدخرات لأعمال غلب عليها تمويل المرابحات التجارية، والمضاربة في أسعار العملات، وتمويل شراء كميات من المواد الاستهلاكية وتخزينها ثم بيعها بعد تجفيف السوق بأسعار عالية وحرصا على أن تكون أنشطة هذه المصارف سليمة من ناحية إسلامية فإنها عينت بقانونها لجنة رقابة شرعية مكونة من الفقهاء.
    منذ عام 1983 لنا الآتي:
    أولا: النشاط المصرفي الإسلامي الذي اندفع سبق وضع أسس نظرية للاقتصاد، والمالية والنقد، والائتمان الحديث على أساس إسلامي لذلك فه نشاط مندفع في برامجه العلمية دون أساس في نظري مقنع من الناحية الشرعية ومن الناحية الفنية الاقتصادية في آن واحد.
    ثانيا: هذا النشاط دافع عن هويته الإسلامية رغم ما ذهب إليه من ممارسات غريبة عن طريق لجان الرقابة الشرعية، وهي لجان قوامها فقهاء ربما ألموا بالأحكام الفقهية المنفصلة ولكن لا إلمام لهم البتة بالاقتصاد وقضاياه والمال ومؤسساته الحديثة والنقد وصفاته العصرية. لذلك فإن فتاوى هؤلاء الفقهاء، لا يمكن أن يكون لها سوي دور تبريري.
    ثالثا: هذه المصارف عمليا لم تهتم بالاستثمار ولا بصيغ التمويل بل ركزت على نظام المرابحة ووضعت له ضوابط من حيث نسبة أرباح الممول وضمانة هذا الممول فاقت سعر الفائدة استغلالا للمقترض. كما أن هذا المصارف وجهت المدخرات لتمويل المضاربات في أسعار العملة ولتمويل احتكار السلع التموينية فكان أثرها التضخمي واضحا على الاقتصاد كما أن قدومها على قوانين خاصة بها شجعها على الإفلات من رقابة المصارف المركزية فأحدثت تجاوزات كثيرة وتعدت السقوف التمويلية.
    رابعا: أن الائتمان الإسلامي ينبغي أن يكون أعدل من الناحية الاجتماعية من نظام سعر الفائدة، وان يكون أكثر فاعلية في تمويل الاستثمار. وأن يتجنب التمويل الذي يروج التجارة قصيرة المدى وإلا دفع التمويل الإسلامي بأنه أكثر استغلالا من سعر الفائدة واقل فاعلية في تمويل الاستثمار الأساسي للتضخم.
    استقلت من دار المال في عام 1984 هذا بينما قبل الجبهويون تلك الأنشطة واشتركوا فيها وأثناء حكومة الوفاق الوطني اختلف الرأي بيننا تماما حول سعر الفائدة الذي اعتبروه هم ربا محرما. أما نحن فقد رأينا أن في اعتبار سعر الفائدة ربا اختلافا بين مجتهدي المسلمين وأنه حتى إذا كان مشبوها فهو أخف وأقرب لمقاصد الشريعة من نظام المرابحة البديل الذي اندفعت فيه المصارف الإسلامية، ومهما كان الأمر فإن سعر الفائدة عائد تعويضي مقبول شرعا وعقلا ما دامت نسبته دون نسبة تدني قيمة العملة ودون نسبة التضخم. اندفع جماعة الجبهة في إقامة المصارف الإسلامية وقبلوا تشريعات جعفر نميري المتهافتة لأسلمة النظام المصرفي، أوضحنا تهافتها في كتابنا "النظام السوداني، وتجربته الإسلامية، يوليو 1984. وعندما تولوا السلطة في نظام الإنقاذ فإنهم عمموا التجربة على مصارف المرابحة وهي أساس الائتمان التجاري في السودان وصار عقد السلم هو أساس الائتمان الزراعي.
    المرابحات وعقد السلم أحكام متعلقة بنظام اقتصادي منقرض ولا وجود له في عالم اليوم. رغم هذا طبقوها دون مراعاة للضوابط الشرعية فأفسدوا النظام المصرفي السوداني كله، فالسلم مثلا لا يجوز الأخذ به إلا عندما يبدو صلاح المحصول قبل حصاده مباشرة ولكن أن يؤخذ بعقد السلم قبل تحضير الأرض للزراعة وقبل إجراء العمليات الزراعية فتلاعب بالنصوص الشرعية، أن النظام المصرفي السوداني الحالي لا هو إسلامي ولا هو حديث، والمطلوب حقا هو أن يكون النظام المصرفي حديثا غير مناقض لقطعيات الشريعة ومهتد بمقاصدها.
    الجبهة وآخرون على نهجهم يبحثون عن نظام اقتصادي إسلامي لم يوجد بعد، وإلى حين وجوده يطبقون أحكاما فقهية منقولة عن واقع انقرض على مؤسسات وممارسات حديثة كمن يحاول استخدام قطع غيار حنطوره في سيارة تويوتا! الموقف الصحيح من هذا الجدل هو أن الاقتصاد الحديث بكل نظمه ومؤسساته وممارساته واجب استصحابه مع تجنب ما يخالف قطعيات الشريعة
    #61558; الزكاة:
    السودانيون حتى قبل إصدار قوانين كانوا يلتزمون بالزكاة، وفي عام 1984م صدر قانون زكاة عيب من الناحية الشرعية والوضعية للأسباب التالية:
    - جمع بين الزكاة والضرائب في قانون واحد وديوان واحد ولا يجمع بينهما.
    - أحل الزكاة محل الضرائب المباشرة وهو إجراء لا يفعله إلا من أراد توظيف الزكاة في وظيفة الضرائب وهو أمر غير مشروع. فللزكاة وظيفتها ودورها وللضرائب المباشرة وظيفتها ودورها هنا.
    - أوجب الزكاة ـ باسم آخر ـ على غير المسلمين وهو أمر لا يجوز.
    - جعل أمر الزكاة والضرائب صلاحية خاصة بشخص رئيس الجمهورية وفي هذا ما فيه من تجن على العدالة.
    أصدرت الحكومة الديمقراطية قانون زكاة صحيحا، ثم جاء النظام الحالي فاصدر قانون زكاة فيه عيوب كثيرة منها:
    - تؤخذ الزكاة على إنتاج الزروع مثناه، لقد كانت الزروع تزكي في المهدية بنسبة العشر، وجاء الاستعمار وابقى على هذه النسبة، ولتجنب التسمية الشرعية سماها عاشورا الآن المزارع السوداني يدفع العشور ـ وهي أصلا زكوات ـ ويدفع الزكاة!
    وفي المشاريع المروية تؤخذ الزكاة كأنها جزء من تكاليف الإنتاج، ويمكن للمزارع أن يكون إنتاجه 25 جوالا وان تكون التكاليف المخصومة منه 27 جوالا أحدها جوال زكاة، وان يصبح مديونا جوالين!! وتؤخذ الزكاة من المرتبات والمستغلات مثل سيارات التاكسي دون بلوغ النصاب وحولان الحول، إن مرتبات الموظفين والعمال في السودان اليوم قاصرة دون كفالة ضرورات الحياة ويستحقون أن تدفع لهم زكاة لا أن تجبي منهم! أما المستغلات فان أصحابها يدفعون الزكاة في أول العام دون مراعاة لإمكان تعطل المستغلة مثل سيارة التاكسي فترة من الزمن أو احتمال نشوب ضرورة لصاحبها. الزكاة لا تكون ألا عن ظهر غني وإلا كانت محض جباية.
    وأسوأ الممارسات الآن في صرف الزكاة فتصرف بطريقة مصممة بحيث يستفيد منها محاسيب النظام الحزبيون، كذلك تستفيد منها المنظمات الجماهيرية الحزبية، أن صرف الزكاة الآن في السودان تستبد به عوامل منفعة حزبية.
    مفهوم الزكاة مختلف تمام عن مفهوم الزكاة الممارسات في سودان الإنقاذ:
    أولا: الزكاة لا تكون إلا عن ظهر غني. والزكاة التي تؤخذ من أهل السودان اليوم دون معرفة حاجاتهم الاجتماعية ودون التزام بالنصاب وحولان الحول بل جباية لا صلة لها الزكاة الشرعية.
    ثانيا: أن في أخذ الزكاة على الزروع والعشور أخذا مضاعفا للزكاة
    ثالثا: أن في أخذ الزكاة والضرائب بالصورة الممارسة حاليا إرهاق لا يرضاه الشرع، والمطلوب أما أن يخصم دافع الضريبة ما يدفعه للزكاة مما عليه من ضريبة أو أن يدفع الضريبة ثم يزكي ما بقي له من مال أن بلغ نصابا وحال عليه الحول، على أن يعامل أصحاب الملل الأخرى معاملة مماثلة إن شاء ذلك.
    رابعا: أن في الزكاة عنصرا شخصيا يمكن تضمينه إذا أقيمت مؤسسة للزكاة بقانون بحيث يكون قطاعا مختلطا فيه تمثيل للدول وفيه تمثيل أهلي للاطمئنان على صحة جمعها وصحة وتوزيعها.
    خامسا: أن مجال الاجتماع في أمر الزكاة واسع جد والسبيل الوحيد لتجنب الفوضى والخطأ في هذا الصدد هو تحديد الاجتهادات الواردة في أمرها والاختيار منها عن طريق ديمقراطي.
    #61558; الموقف من الدعوة المهدية:
    إن للمهدية عشرة مفاهيم في التراث الإسلامي مها أربعة مفاهيم سنية وثلاثة شرعية واثنان صوفيان وواحد فلسفي.
    أن موقف الجبهة الإسلامية في السودان من الدعوة المهدية لا ينطلق من مفهوم واضح بل يقوم على أساس ميكافيلي محض.
    يقولون: نعم، الإمام المهدي أقام دولة إسلامية في السودان ولكنه ادعى المهدية ليجمع الناس حوله.
    إن مفهوم أنصار الله للمهدية كما أوضحه نهج الصحوة هو أن المهدية كما أعلنها المهدي تشكل مدرسة جديدة في الفكر الإسلامي مدرسة تتسلح بالأساس السني للمهدية ولكنها تتجنب الصيغ العشر الواردة في التراث. لقد كان موقف الجبهة الإسلامية من المهدية حاجزا فكريا ونفسيا بينهم وبين أنصار الله.
    #61558; مفهوم الجهاد:
    هنالك اختلاف بين المسلمين في فقه الجهاد، كان الجمهور يقول إن الجهاد هو قتال هجومي مفروض على أهل القبلة. وشاهدهم هو قوله تعالى:"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" الآية التوبة (5) وقوله تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله لا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون" التوبة (29)
    آخرون من المسلمين يرون أن أية السيف (آية 5 من التوبة) الواردة هنا، آية خاصة بجماعة معينة من المشركين هم الذين نكثوا إيمانهم، وهموا بإخراجهم الرسول، وهم بدءوا بالقتال أو مرة (كما أوضحت الآية 13 من التوبة).
    والدليل الآخر على هذا التخصيص هو أن الآية الرابعة من التوبة استثنت المعاهدين، والآية السادسة استثنت المستجير، أما معاملة أهل الكتاب فهنالك اختلاف حول تفسير أية الجزية المذكورة، هل الجزية عقاب على عدم قبول الإسلام، أم هي مقابل عدم التكليف بالقتال؟
    وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه استثناء لجماعات من أهل الكتاب مثل نصارى تغلب من القتال ومن الجزية، وآيات التعامل بالتي هي أحسن مع أصحاب الأديان الأخرى كثيرة في القتال الكريم قال تعالى: "لا إكراه في الدين" وقال "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقال في أهل الكتاب: "ولا تجادلوا أهل الكتاب، إلا بالتي هي أحسن".
    الجبهة الإسلامية القومية تتخذ موقفا مضطربا جدا من الجهاد، فعندما يخاطبون الغرب والرأي العام العالمي يقولون إن عبارة جهاد أوسع من القتال وان القتال في الإسلام لا يكون ألا دفاعيا وعندما يخاطبون قواعدهم والرأي العام المسلم يقولون الجهاد هو القتال في سبيل الله وهو هجومي فماذا نصدق؟ الغربيون أدركوا هذا التناقض لذلك تشككوا في كل ما يقال لهم.
    موقفنا من الجهاد واضح وضوح الشمس الجهاد هو بذل الوسع لإعلاء كلمة الله وهو يشمل كل مجالات العدل والجهاد لا يصبح قتالا إلا لتحقيق حرية الدعوة أو الدفاع عن النفس وشواهد هذا الموقف في الكتاب والسنة كثيرة قال تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" وعقد النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل يثرب بيعه العقبة وهي دفاعية.
    إن ثمة هامشا عريضا يحدد المسلمون موقفهم فيه على ضوء معطيات الممكن والواقع على نحو ما شاهدنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. هذه المرونة واجبة على المسلمين في زمان ومكان أن المرونة والتسامح، والاعتدال نهج إسلامي أنزله الكتاب وبينته السنة والسيرة، والانحراف على هذا النهج غلو يمنعه الدين في الكتاب والسنة.
    #61558; قضية التأصيل:
    منذ قرنين من الزمان يواجه العالم المعمور هيمنة الحضارة الغربية التي استطاعت أن ترث منجزات ما سبقها من حضارات وان تطور نظاما سياسيا ونظاما اقتصاديا وطاقات عسكرية وتقنية مكنتها من بسط سلطانها السياسي والاقتصادي ونفوذها الفكري والثقافي على أرجاء العالم. المشكلة التي تواجه كل المجتمعات غير الغربية في عالم اليوم هي هل تستسلم لهذا السلطان وتسعي لتصبح نسخا من الغرب أم تقاوم ذلك السلطان مقاومة مطلقة فتنكفئ نحو ماضيها وتتكهف فيه؟ أم تسعى إلى توفيق بين ذاتها الحضاري والحضارة الغالبة؟!
    إن الركون المطلق للذات الحضارية في وجه الهيمنة الغربية إذا كان ممكنا ونجح في تحقيق أهدافه يخرج أصحابه من زمانهم ويجعلهم نسخة من أهل الكهف! التأصيل الذي يتبع هذا النهج حراثة في صخر! أن الاستسلام المطلق للحضارة الوافدة إذا كان ممكنا وحقق أهدافه فإن يجعل ضحاياه نسخا باهتة من غير الحضاري بلا هوية ولا كرامة. التحديث الذي يتبع هذا النهج حراثة في بحر.
    الفهم الصحيح لقضية التأصيل هو انه وعي كامل بالهوية الدينية، والقومية، والثقافية في علاقة جدلية بوعي كامل بالانفتاح لحضارات الإنسان الأخرى لا سيما حضارة العصر الحديث. فكر الجبهة الإسلامية القومية وفكر الذين استمدت منهم منفعل بهجمة الغزو الفكري والثقافي التي شكلها على هويتنا الفكر والثقافة الوافدة بشقيها الغربي والشرقي، لذلك فانه يحصر نفسه في تأصيل فيه تجاوز عن التنوع الموجود في هوية بلادنا الدينية والقومية والثقافية وفيه عدم إدراك بالقدر الكافي بأهميته علاقة التأصيل الجدلية بالانتفاح على العصر الحديث، لذلك جاء فهمهم لقضية التأصيل فهما ضيقا لهوية السودان.
    أننا نرفض هذا الفهم المذهبي الضيق لقضية التأصيل. إن الفهم الصحيح لهوية البلاد الدينية هو كالآتي:
    أ‌. الإسلام دين أغلبية أهل السودان.
    ب‌. أن في السودان وجودا دينيا مسيحيا وأفريقيا يعايش الوجود الإسلامي.
    ت‌. الأغلبية الإسلامية السودانية نفسها مكونة من عناصر مهدية وصوفية وعناصر حديثة وهي تنطلق من تعددية إسلامية تتفق في القطعيات ولكن تفرقها الاجتهادات.
    التعريف الصحيح لهوية البلاد القومية هي:
    أ‌. في السدان أغلبية قومية عربية وان لم تكن أغلبية فهي على الأقل أكثرية بمعني أنها اكثر من المجموعات القومية الأخرى.
    ب‌. تعيش في السودان مجموعات قومية كوشية وزنجية نيلية وزنجية استوائية وحامية.
    التعريف الصحيح لهوية البلاد الثقافية التراثية هو:
    أ‌. إن شعب السودان شعب ناطق باللغة العربية وثقافتها في غالبيته سواء تحدثها كلغة أو استعرب فتحدثها كلغة خطاب.
    ب‌. أن في السودان لغات كوشية وحامية وزنجية لهجاتها وثقافتها.
    بعض الناس يعرفون هوية السودان تعريفا إسلاميا وعربيا أحاديا ويحاولن فرضها بالقوة المعنوية والمادية على الواقع. هذا نهج الجبهة الإسلامية القومية كما أوضحته سياساتها وممارساتها في السودان نحن على نقيض ذلك نرى أن الإسلام قد افلح كدعوة دينية وكنهج اجتماعي وحضاري لأنه تحلى بالاعتدال والتسامح والتدرج، لا بالتعصب والتنافر، كذلك تمددت العروبة لأنها خرجت بالمفهوم القومي من النطاق الضيق المرتبط بالعرق كما هو حال القومية الأوربية إلى مفهوم أوسع متعلق باللغة وبالتناصر.
    نحن نقول بوضوح تام أن الدرس المستفاد في السودان من تاريخه الإسلامي والعربي والوطني يدفعنا دفعا إلى طرح قضية التأصيل من باب التنوع الديني والقومي، والثقافي، وتأكيد إن هذا التعايش والتلاقح والتنافس السامي بين عناصر هذا الطيف مهم بل واجب في توازن يعطى كل ذي حق حقه.
    إن المسلم، والمسلم السوداني بوجه خاص، ينبغي أن يدرك انه مطالب اعتقادا بقطعيات الكتاب والسنة، أما ما عداها من تفاسير واجتهادات فهي اجتهادية بشرية غير ملزمة مما يفتح باب التطور على أساس قاعدة" كل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال" آن عليه أن يعترف اعترافا قطعا بالآتي:
    - حق العقائد الدينية الأخرى في البلاد الديني والاجتماعي على أساس (لا إكراه في الدين)
    - حرية دينية للكل ولقاح وتكامل يقوم على أساس " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة أو الموعظة السنة وجادلهم بالتي هي أحسن"
    - انفتاح على العصر الحديث واستصحاب لحقائقه
    موقفنا هو الدعوة للتأصيل على أساس منطلق من فهم للواقع السوداني المتنوع ومتفتح على العصر، ونشجب دعوة التأصيل المنطلقة من نهج مذهبي ضيق مدعوم بأدوات القهر ونرى إنها تخلق فتنة داخلية لا تنتهي إلا بتمزيق البلاد، وعزلة خارجية تعرض البلاد للتدخل الأجنبي لذا تقول لا للذين يستخفون بقضية التأصيل بقوة السلاح. ونميز موقفنا من أولئك وهؤلاء بالدعوة لتأصيل متوازن في حد ذاته ومستصحب لحقائق العصر ومنفتح للتطور والتجديد.
    #61558; العلاقات الدولية:
    الجبهة الإسلامية القومية تتحدث بلسانين في المجال الدولي فهم أحيانا يتحدثون كأنهم يقبلون الأسرة الدولية وعضويتهم فيها، واحيانا يتحدثون كأن البلاد المسلمين هي وحدها دار الإسلام وما عداها دار حرب تعامل كما يعامل الحزبيون.
    نحن نقول بوضوح تام لا لبس فيه إن الإسلام لا يفرض أن تكون علاقات المسلمين بالآخرين حتما عدائية قال تعالى"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين" وأجاز الكتاب والسنة عقد المعاهدات مع الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، والمبدأ المحكم في هذا المجال هو إن المسلمين عند عهودهم.
    نحن نقبل النظام الدولي الراهن ونوافق على مواثيقه ونرى تطويره من داخله ليكون اعدل وافضل. ونرى إن النواة الأولى لهذا النظام الدولي التعاون التكافلي قد اقتبسها الفكر الغربي الوضعي عن طريق صقلية في جنوب أوربا من أصول إسلامية ولدينا ما نوثق به هذه الحقيقة.
    ربما بدأ إن رفض ميثاق حقوق الإنسان للعقوبات الشاذة يتنافى مع الحدود الشرعية أن تطبيق الحدود الشرعية كما يمارسه بعض الجلادين شاذ ومناف لحقوق الإنسان. ولكن العقوبات الإسلامية إذا أخذت بضوابطها الشرعية عقوبات رصينة كما أوضحت في كتاب العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي.
    لقد دفعت الجبهة الإسلامية القومية نظام "الإنقاذ" في سياسات خارجية عمياء مثل تأييد الانقلاب السوفيتي في أغسطس 1991م ولكن الحديثين الدوليين الذين جسدا اختلافنا أوضح تجسيدهما حرب الخليج الأولى (8-1988) وحرب الخليج الثانية (9-1991) كان موقفنا في الحرب الأولى محكوما بمبدأ إيقاف الاقتتال بين طائفتين من المسلمين، أما الجبهة فقد كانت ترى أن الشيعة في إيران خارج الملة بينما البعث في العراق عاص داخل الملة! لذلك وقفوا بوضوح مع الثاني ضد الأول كانوا يرون الشيعة خارج ملة الإسلام وهذا خطأ ومخالف لموقفنا من حيث المبدأ أما في الحرب الثانية فان الاختلاف كان في عدم تصديهم للعدوان العراقي على الكويت بالحسم المطلوب دفاعا عن الحق ومنعا للعدوان، ومحافظة على مصالح السودان والسودانيين في الخليج.
    #61558; أساس الشرعية:
    الجبهة الإسلامية القومية قبلت بيعة الزور وشاركت إمام الزور في نظامه، ثم أظهرت بعد الانتفاضة أنها تؤمن بلا تحفظ بنظام الحرية والديمقراطية وامتدحته بأقوى العبارات، ثم انقلبت عليه وأقامت نظاما يقوم على شرعية القهر و الأمر الواقع، هذا يعني أنهم لا يلتمسون أساسا محددا للشرعية، ويفصلون الفتوى بشأن الشرعية حسب الظروف.. إن للإسلام فرائض سياسية إذا لم تتوافر في نظام الحكم فإنه مجرد سطو على رقاب الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه" "رواه أحمد". ونقول ويقول المفكرون الإسلاميون الصحويون بوضوح تام: الحرية أصل في الإسلام، الإنسان ميزه الله وجعله مسؤولا عن تصرفاته في حدود طاقته، وما دمنا نؤمن بالحساب فلا بد أن نؤمن بداهة بالحرية لأن فكرة الحساب وعدالته تسقطان إذا لم يكن المحاسب حراً "إحسان حتحوت".
    الشورى شاملة وهي ملزمة وأصل إسلامي. كما أن التعددية الفكرية والسياسية حق إسلامي.
    إن مقالات الإسلاميين في هذا المجال كثيرة وقد تنادى علماء المسلمين ومفكروهم واجتمعوا وأصدروا نداءات واضحة مثل بيانات المجلس الإسلامي العالمي الأربعة الصادرة في عام 1980م إلى عام 1983م. ومقالات رواد الحركة الإسلامية التي نشرها عبد الله النفيسي في 1989م، ونداء الجزائر في 1990م.
    إن النظام الديمقراطي هو الشكل المؤسسي للشورى الإسلامية وهو واجب لممارستها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الشرط الوحيد المطلوب لإزالة التعارض الممكن بين النظام الديمقراطي والنهج الإسلامي هو أن يلتزم الدستور الديمقراطي بمراعاة المحافظة على مقدسات معينة مثل الامتناع عن أي تشريع يناقض قطعيات الشريعة، أو يعارض حقوق الإنسان، أو ينافي المبادئ والأعراف المطلوب لتوازن المجتمع.
    نظام الإنقاذ ككل النظم الشمولية التي سبقته يدرك افتقاره للشرعية ويحاول اكتساب شرعية زائفة كما حاولوا. لذلك أجريت انتخابات في عام 1993م للمجالس، ولاتحاد المزارعين بالجزيرة، ولاتحاد طلاب جامعة الخرطوم.. انتخابات جرت في غيبة الحريات الأساسية وأشرفت عليها لجان غير محايدة، لذلك أمكن تزييفها فهي كإجراءات ديمقراطية لا تساوي شيئا. والنظام لافتقاره للشرعية يخطط الآن لانتخابات لنظامه السياسي ومؤسسات الحكم لتجري في عام 1995م، إنها انتخابات تتم في غيبة حقوق الإنسان وفي غياب الحريات الأساسية، وفي غياب لجنة انتخابات محايدة.. أنها انتخابات زائفة ولا قيمة لها، والموقف الصحيح هو اعتبارها مساحيق يحاول بها النظام القهري إخفاء حقيقته الاستبدادية.
    #61558; انفصام الشخصية:
    في أواخر عام 1976م دعيت لإلقاء محاضرة على عدد كبيرة من شبان جبهة الميثاق في أحد المعسكرات بطرابلس، كانت المحاضرة عن الإسلام والدولة الحديثة، وقد نشرت في ما بعد ضمن كتاب أحاديث العرب، بعد المحاضرة تناول الشباب ما قلته بالاستفسار والتعليق، وقد أدهشني جدا أن هذا اللفيف من طلبة وخريجي العلوم الحديثة أبدوا اتفاقا عاما في الرأي خلاصته:
    أ‌. أن الإسلام مكتف بنصوصه الأصلية غير محتاج لشيء من الفكر الإنساني الآخر، فالفكر الإنساني الآخر إما مطابق لما جاء به الإسلام فهو فضول والأخذ منه تحصيل حاصل، وإما مخالف لنصوص الإسلام فهو باطل والأخذ منه حرام.
    ب‌. نظام الدولة الحديثة ومؤسساتها المختلفة والديمقراطية ومؤسساتها لا تعنينا في شيء لأن لنا نظاما إسلاميا هو نظام الشورى والخلافة وهي نظم مختلفة عن نظام الدولة الحديثة وعن النظام الديمقراطي ومؤسساته.
    ت‌. قالوا، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وهذا معناه أن ما ركز عليه المحاضر من انشغال بقضايا المعيشة والتنمية يصرفنا عن العبادة وهي مراد الله للإنسان ويجعلنا أشبه ما نكون بالشيوعية بحثا عن المادية والنعيم الدنيوي.
    استمعت للتعليقات والاستفسارات وهي في جملتها لا تخرج من هذه التصورات القاصرة. رددت على النقاط الأساسية بما خلاصته:
    أولا: إن الملزم لنا اعتقادا هو قطعيات الوحي في الكتاب والسنة. ما عداها من تفاسير واستنباطات اجتهادات بشرية لا يلزمنا اعتقادها.
    التجربة الإنسانية ليست خارج إرادة الله فالمجتمع الإنساني بأديانه وأفكاره أكثر أفكارا وتجارب لا مانع من استصحاب النافع منها. كذلك إن الله أودع الطبيعة سننه وهي سنن رؤى لكشافها إلى معرفة الطبيعة وتسخيرها. وما تحقق من معارف في هذا المجال وتقنيات رصيد لكل البشرية.
    إن تاريخ أمتنا الإسلامية يدل على تجنب الانكفاء بل الانفتاح على كل تراث الإنسان بصورة واضحة فاستصحبوا كل نافع من فكر وتجارب الآخرين ما لم يناقض قطعيات الوحي.
    ثانيا: أما الخلافة ونظامها فإن الإسلام لا يوجب نظام حكم معين.. إن للإسلام فراض سياسية معينة ومقاصد اجتماعية محددة فإذا تحققت هذه الفرائض والمقاصد في أي نظام حكم فهو إسلامي.
    إن نظام الخلافة كما مورس في التاريخ الإسلامي أو كما سرده الماوردي وبينه في الأحكام السلطانية تجارب وأفكار تاريخية ليست ملزمة.. الملزم هو الشورى والعدل وسائر الفرائض السياسية الإسلامية، والدولة الحديثة والنظام الديمقراطي أفضل ما يلبي حاجات المسلمين اليوم ويحقق مقاصد الشريعة ما لم يكن فيهما ما يناقض قطعيات الشريعة.
    ثالثا: أما العبادة فإن لله يتعبد الخلق بكل مقاصد الشريعة. لذلك فإن مفهوم العبادة في الإسلام لا ينحصر في أداء شعائر الصلاة والصيام. ولكنه يتعداها ليشمل كل مقاصد الشريعة، فإقامة العدل عبادة واستثمار الأرض عبادة.
    تلى ذلك نقاش مستفيض، وبدا لي أن الحاضرين اقتنعوا بما سمعوا.. وبعد الاجتماع كتبت للاخوة قادة الجبهة بالخارج أقول لهم إنني لاحظت أن هؤلاء الشبان قد ملكوا فكرا متحجرا جدا لا يتماشى حتى مع مفاهيم ساستهم وقادتهم الذين يتحدثون بلغة أكثر انفتاحا وإدراكا للواقع، ولكن هذه الازدواجية الخطيرة بقيت على حالها في الشرعية، ومفهوم الجهاد بل وحتى الموقف من الدعوة المهدية تجد تصريحاتهم متضاربة وأفكارهم تعبر عن مزاج المستمع إليهم أكثر من تعبيرها عن مواقفهم الأصلية، مما يجعل في صفوف الجبهة الكثير من أمثال الشبان المذكورين أعلاه جنبا إلى جنب مع كوادر تتحدث بلغة الانفتاح على العصر الحديث وتجنب الجمود الفكري والتقليدي.
    إن هذه الوصولية السياسية هي التي جعلت الجبهة تضطر دوما لمناقضة مواقفها وجعلتها غير قادرة على توحيد تصريحاتها حول الكثير من الأمور الهامة.. وهي الآن من أسباب انفصام شخصية نظام "الإنقاذ" الذي يحكم السودان.
    ختام:
    منذ قيام حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م تفرغت منها أو تأثرت بها حركات إسلامية حديثة عديدة في كل أنحاء العالم الإسلامي، الجماعات والحركات التي تفرعت من حركة الإخوان المسلمين أو تأثرت بها واجهت في غالبية الدول الإسلامية قمعا وبطشا.. اللهم إلا في السودان فإنها وجدت ترحيبا وتسامحا ومعاملة كريمة. إنه لمدهش حقا أن يعاملوا الشعب السوداني الذي أكرمهم هذا الإكرام بهذه القسوة حتى كأنهم ينتقمون لاخوتهم بالبطش بالشعب السوداني! أو لعلهم دون قصد يهدون للذين بطشوا بالحركات المماثلة البرهان على صحة أفعالهم!
    لقد سلكنا هذا الطريق في السودان على أساس مبدئي، لأنه أقرب إلى هداية الإسلام وألصق بروح التسامح المعهود في السودان وكل إناء بما فيه ينضح!!
    كذلك سلكنا هذا الطريق في السودان لإدراكنا أن القهر يهزم ولإدراكنا عبر تجارب تاريخية كثيرة أن القهر يأتي لصاحبه بنتائج عكسية.. القهر يحرق صاحبه مع أول نار يشعلها لإحراق خصمه، لقد حاولنا جاهدين أن نجمع أهل السودان في نهج قومي يتصدى لحل مشاكل البلاد الأساسية.
    لقد تساءل كثير من الناس لماذا هذا النهج القومي؟!!
    أ‌. السودان وطن يعيش أهله تباينا دينيا وثقافيا وعرقيا وجهويا لا يجدي معه إلا نهج توفيقي.
    ب‌. لقد صنعت المهدية للسودان وحدة، ولكنها دفعت في سبيل ذلك ثمنا غاليا ما زلنا نحن حتى يومنا هذا نسدد بعض أقساطه فإن بدا إننا نحاول صنع الوحدة بنفس الأسلوب القديم انفتحت في وجهنا كل الجراح القديمة وفي ظروف مختلفة.
    ت‌. الديمقراطية لا تحقق الاستقرار إذا حكمت على أساس القرارات التي يصدرها 51% من النواب..لا بد للديمقراطية أن تراعي المحافظة على بعض القيم العليا وأن تراعي توازنات معينة.
    هذه العوامل لها قوتها، وإن نحن أسقطنا واتخذنا نهجا حزبيا متشددا لدفعنا بالبلاد إلى الاستقطاب والتمزق. وحتى إذا اقتنعنا بجدوى التشدد الحزبي، هل كان ممكنا مع عدم وجود أغلبية حزبية؟ بل هل كان ممكنا مع تركيبة القوات المسلحة التي كانت قائمة؟ ومع تدابير الأمن التي كانت متاحة؟ ومع العلاقات الخارجية الإقليمية التي كانت سائدة؟... الهم لا،، إن نهج "الإنقاذ" الحزبي القهقري الذي خالف نهجنا القومي أعطى بفشله الذريع برهانا ساطعا على صحة نهجنا القومي. وبضدها تتبين الأشياء!. إننا كممثلين لأغلبية أهل السودان ولأغلبية مسلمي السودان نطرح اجتهادا مخالفا تماما لاجتهاد الجبهويين متنافرا معه على طرفي نقيض.
    لقد خالفنا الجبهويون وخالفوا الأغلبية المسلمة في السودان والأغلبية الوطنية السودانية، وينبغي أن يحسب الإخفاق العظيم الذي حققوه عليهم لا على الإسلام ولا على الحركة الوطنية السودانية.. إن المنبت لا أرضا قطع ولا ماء أبقى.
                  

العنوان الكاتب Date
من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:25 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:28 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:30 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:31 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي خضر عطا المنان10-28-10, 07:41 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:20 AM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:32 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:31 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:43 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 06:22 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:00 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:37 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:40 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:32 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:33 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:34 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-27-10, 08:31 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:39 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:34 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 07:36 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:44 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:46 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:48 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 07:59 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي خضر عطا المنان10-28-10, 08:03 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:02 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:06 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:06 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:07 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:22 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:08 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:09 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:10 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:12 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:13 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:17 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:19 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:20 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:21 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-28-10, 08:23 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-28-10, 10:24 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-28-10, 10:39 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-28-10, 10:48 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي معتصم مصطفي الجبلابي10-28-10, 10:42 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 02:15 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محسن عبدالقادر10-29-10, 04:55 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:20 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:21 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:26 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:46 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محسن عبدالقادر10-30-10, 11:20 AM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Basheer abusalif10-31-10, 08:38 AM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:34 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:35 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:39 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:41 PM
                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:42 PM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:43 PM
                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:46 PM
                      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 05:50 PM
                        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:55 PM
                          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بكرى ابوبكر10-29-10, 05:59 PM
                            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-29-10, 06:48 PM
                              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-29-10, 07:17 PM
                                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد صلاح الدين عنقرا10-29-10, 10:50 PM
                                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 07:15 AM
                                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:04 AM
                                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد صلاح الدين عنقرا11-05-10, 11:54 PM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 03:05 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-30-10, 09:13 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Amani Al Ajab10-31-10, 01:35 AM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي بدر الدين اسحاق احمد10-31-10, 06:13 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 07:14 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 07:35 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 09:21 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 09:33 AM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي الصادق ضرار10-31-10, 09:53 AM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي اكرام الصادق الحسن10-31-10, 01:58 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى10-31-10, 02:24 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 09:51 PM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 10:25 PM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي نيازي مصطفى10-31-10, 10:40 PM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 07:17 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 08:01 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 04:11 PM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 08:20 PM
    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي محمد المختار الزيادى11-02-10, 12:34 PM
      Re: من اقوال الامام الصادق المهدي أسامة البيتى11-02-10, 05:06 PM
        Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:41 AM
          Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:44 AM
            Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 02:47 AM
              Re: من اقوال الامام الصادق المهدي Omer Abdalla11-03-10, 03:19 AM
                Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:36 AM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:38 AM
                  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:38 AM
                    Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:40 AM
  Re: من اقوال الامام الصادق المهدي عمر عبد الله فضل المولى11-03-10, 07:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de