البترول الأخضر ... بدء إنتاج الوقود الحيوي بالسودان من نبتة "الجاتروفا"

Quote: شركات النفط الأوروبية تستثمر ملايين الدولارات في البديل الجديد جانب من زراعات جاتروفا («نيويورك تايمز») كوليكورو (مالي): ليديا بولغرين * عندما قال شقيق سليمان ديارا بناني، إن الحبوب السوداء السامة التي تتساقط من نباتات ظلت تنمو حول مزرعة الأسرة على مدى عقود يمكن أن تستخدم في تشغيل مولد كهرباء، أو حتى سيارة، لم يصدق سليمان. وعندما اقترح زراعة هذه النباتات في مساحات إضافية، ظن سليمان أن شقيقه أصيب بالجنون. وقال إنه كان يظن، أن هذا النبات يستخدم فقط بواسطة النساء الكبيرات في السن لصناعة الصابون. إلا أن عملاء قالوا إن هذا النبات، الذي يسمى «جاتروفا»، يمكن استخدامه كمصدر للوقود الحيوي، وهو نبات ينمو في التربة الهامشية إلى جانب المحاصيل الغذائية، التي لا تتطلب استخدام كثير من الأسمدة. وبزراعة صف من نبات الجاتروفا في كل سبع صفوف من المحاصيل العادية، يمكن أن يضاعف بناني من الدخل الذي يتلقاه من حقله، خلال السنة الأولى من دون أن يؤثر ذلك على المحاصيل التي يزرعها على نحو منتظم. المزارعون الذي يعيشون على أراض واسعة في المنطقة بدأوا يزرعون نبات الجاتروفا في ملايين الأفدنة على أمل تحويل حقولهم غير المنتجة إلى مصدر رئيسي لإنتاج الوقود الحيوي، وتشجعهم في ذلك شركات نفط كبرى مثل «بي.بي» وشركة «دي 1 اويلز» البريطانية للوقود الحيوي، إذ تستثمر هذه الشركات ملايين الدولارات في زراعة الجاتروفا. وبدأت دول مثل اليابان والهند والفلبين وماليزيا، زراعة هذا النبات على نطاق واسع، وتراهن هذه الدول على أن الجاتروفا ستساعدها في أن تصبح أكثر اعتمادا على نفسها في إنتاج الطاقة، وأيضا تصدير الوقود الحيوي. ويقول علماء إن الوقت لا يزال مبكرا لتحديد ما إذا سيصبح نبات الجاتروفا وقودا تجاريا. كما أن مزارعين في الهند أعربوا عن إحباطهم بعد أن شجعتهم الجهات المعنية على زراعة مساحات واسعة بالجاتروفا، وفي نهاية الأمر لم يجدوا من يشتريها. إلا أن الأمر في مالي، التي تعتبر واحدة من أكثر الدول فقرا في العالم، يختلف بعض الشيء، إذ أن هناك عددا من المشاريع الصغيرة التي تهدف إلى حل المشاكل المحلية، مثل عدم توفر الكهرباء والفقر، من خلال استخدام الكميات المتوفرة من نبات الجاتروفا لتشغيل مولدات كهرباء في قرى خارج نطاق شبكة الكهرباء. ويقول أبو بكر سماكي، الذي يعمل مديرا لمشروع حكومي يهدف إلى التشجيع على إنتاج الطاقة المتجددة، إنهم يركزون على حل مشاكل الطاقة المحلية وتخفيف حدة الفقر. موطن نبات الجاتروفا في أميركا الوسطى، ويعتقد أن البرتغاليين هم الذين نشروه حول العالم بواسطة المستكشفين البرتغاليين. وفي مالي، وهي مستعمرة فرنسية سابقة ليس لديها منفذ بحري، ظل هذه النبات يستخدم على مدى عقود بواسطة المزارعين كفاصل يمنع دخول الحيوانات إلى حقولهم، إذ أن رائحة وطعم الجاتروفا تطرد الحيوانات. ويمنع هذا النبات عمليا التعرية، كما انه يحفظ سطح التربة من أثر الرياح الساحلية. وتشير تقديرات «المعهد الملكي لدراسة المناطق المدارية»، الذي ظل يعمل على تطوير نبات الجاتروفا كوقود حيوي تجاري، إلى أن هذا النبات منتشر في مالي على مساحة تقدر بما يزيد على 13ألف ميل. ويقول مؤيدو جاتروفا إنها تتجنب العيوب الرئيسية لأنواع الوقود البيولوجي الأخرى التي تشكل مخاطر بيئية واجتماعية كبيرة. والأماكن التي تكافح من اجل تغذية سكانها مثل مالي وبقية مناطق الساحل لا يمكن إلا بالكاد أن تتخلى عن الأرض المحروثة لزراعة حبوب الوقود البيولوجي. وأنواع الوقود البيولوجي المحتملة الأخرى مثل زيت النخيل واجهت مقاومة من جانب المدافعين عن البيئة، لأن عمليات الزراعة اعتمدت على الغابات المطرية والأماكن الطبيعية الأخرى. ولكن الجاتروفا يمكن أن تنمو على أرض قاحلة لا يسقط عليها المطر، إلا بصورة قليلة نسبيا، ولهذا يمكن أن تزرع في أماكن لا يمكن أن ينمو فيها الغذاء بشكل جيد. كما يمكن أن تزرع إلى جانب حبوب أخرى يزرعها المزارعون هنا مثل الطحانة والفول السوداني والفاصوليا، بدون أن تقلل من غلة الحقول إلى حد كبير، بل إنها يمكن أن تساعد على تحسين محصول حبوب الغذاء عبر منع التآكل وإبعاد الحيوانات من بين أمور أخرى. وتتطلب أنواع أخرى من الوقود البيولوجي مثل الإيثانول من الذرة وقصب السكر كميات كبيرة من الماء والسماد وتستهلك الزراعة الآلية في بعض الحالات كميات كبيرة من البترول، مما يجعل الفوائد البيئية محدودة وفقا لما يقوله النقاد. ولكن الجاتروفا لا تتطلب مبيدات الحشرات وفقا لما قاله ساماكي، كما أنها لا تحتاج إلا إلى قليل من المطر ولا تحتاج إلى سماد غير البذور الغنية التي تترك بعد أن يستخلص الزيت من المكسرات. والزراعة تعد بالكثير إلى حد أن الشركات في مختلف أنحاء العالم تسعى إلى زراعة ملايين الاكرات من الجاتروفا خلال السنوات القليلة المقبلة، في أماكن بعيدة مثل البرازيل والصين والهند وسوازيلاند. وأعلنت شركة تتخذ من سنغافورة مقرا لها خططا لزراعة مليوني هكتار من الجاتروفا في الفلبين. وهنا في مالي بدأ المقاول الهولندي هوغو فيركوجيل تأسيس شركة بدعم من مستثمرين ومساعدة من الحكومة الهولندية لإنتاج الديزل البيولوجي من بذور الجاتروفا. وفيركوجيل، 39 عاما، وهو اقتصادي عمل في مؤسسات غير ربحية، جزء من طائفة جديدة من المقاولين ممن يزاوجون بين الأهداف التقليدية لجماعات تقديم العون التي تعمل في أفريقيا مع القيم الرأسمالية التي يأملون أن تحقق الديمومة لجهودهم. وشركته التي تحمل اسم «مالي بيوكاربورانت» مملوكة جزئيا من قبل المزارعين الذين يزرعون المكسرات، وهو أمر قال انه سيساعد على نجاح المشروع عبر إعطاء المزارعين حصة. ويتطلب الأمر أربعة كيلوغرامات من البذور للحصول على لتر من الزيت، وسيوقع فيركوجيل عقودا مع المزارعين لشراء البذور. وسيكلف الوقود الذي ينتجه نفس تكلفة الديزل الاعتيادي حسب قوله، وهو ما يزيد على دولار للتر الواحد. كما أنه سيعيد قشور البذور الغنية بالمواد المغذية والتي تترك بعد عصر استخلاص الزيت إلى المزارعين لاستخدامها كسماد. وقال إنه يأمل أن ينتج 100 ألف لتر من الديزل البيولوجي هذا العام و600 ألف لتر سنويا بعد العام الثالث. وحتى لو أن الجاتروفا أثبتت نجاحا في مالي، فإنها ما تزال تحمل مخاطر. وإذا ما راح المزارعون ينظرون إليها باعتبارها أكثر قيمة من حبوب الغذاء، فإن ذلك يمكن أن يشل إنتاج الأغذية في البلاد. وهذه الأنواع من القلق أدت بتقرير أصدرته الأمم المتحدة أخيرا، حول الوقود البيولوجي إلى الاستنتاج بأن «فوائد المزارعين ليست مؤكدة، وقد ترتبط بتكاليف متزايدة. كما أنه في أسوأ الحالات يمكن أن تؤدي برامج الوقود البيولوجي إلى تركيز الملكيات، التي يمكن أن تبعد أفقر المزارعين في العالم عن أرضهم، وتلقي بهم إلى فقر أشد». * خدمة «نيويورك تايمز»