كنا قد تحدثنا عن انشطار المثقف الليبي المعاصر بين البداوة و التحديث من خلال نموذج خليل الإمام في ثلاثية الفقيه. و سنعود لمقاربة ذلك الانشطار من خلال نص عمر الكدي الشعري "بلاد تحبها و تزدريك" و عمر الكدي هو صديق ليبي تعرفت عليه بواسطة عبد اللطيف علي الفكي. و قد اختار معارضة النظام الليبي فهاجر إلى منفاه في هولندا.و هو يعمل الآن في إذاعة هولندا العالمية –القسم العربي.و قد اطلع على هذه الدراسة،و أشار إلى إنها ستكون كاملة الشمول لموضوعها إذا ما أدرجنا نصا قصصيا عن البداوة لإبراهيم الكوني.و قد كنت مشغولا بالسفر إلى اليمن،و لم أتمكن من العثور على نص الكوني القصصي. و أدناه نص الكدي الشعري "بلاد تحبها و تزدريك" بصوته. و هنا النص الشعري : بلاد تحبها وتزدريك عــمر الــكدي
________________________________________ ليبيا بدويةٌ شرسةْ تحب حين تحب من تشاءْ وتكره حين تكره من تشاءْ تسقي العابرين القاحلين، بدلوٍ من أجاجٍ وغناءْ وتستسلم لمن يطوقها بالقوافي وينفذ إلى قلبها على صهوة الخيالْ
ليبيا فرس جامحة لا يمتطيها إلا من يركب الريح، بلا سرجٍ ولا لجامْ
ليبيا نخلةٌ سامقة لا تمنح عراجينها، إلا لمن يعبر الأشواك وتذبح كفيه الحبالْ أنثى بشهوة محمومة يمر فوقها السحاب بارداً لاشيء يدركه البللْ سوى نهديها المتباعدين وهذا العنق الهارب نحو البحر مثل حصان مجنونْ
ليبيا زيتونة وارفةْ زيتها يرطب الجوع ويُضحك الظلامْ
أحبها مثلما أحب هذا الوجه الذي يقابلني دائماً في المرايا مقطباً وتائهاً الذي يُفزع بصليله قطعان هدوئي وعصافير أحلاميْ الذي يغيظني ويهزأُ بي ويفضح حين أخفي خلجاتي الدقيقة الضامرة الذي عادة ما يثقب البالونات في سماء غروري وينبش في حدائق زهوي قبر أسراريْ
أحبها مثلما أحب اسمي الطالع من فيافيها عشبة بريةْ الناتئ من صخرها مكشراً مثل وجه ذئب وأكرهها مثلما أكره عاداتي السمجة وهذا التطاول الأحمق على العقل والألم
ليبيا طعنتي المؤجلة وقدري الأخيرْ من أجلك نموت كل يوم نلد الأطفال كل يوم نطلق النار والأبواق كل الخميس ونغسل يوم الجمعة كل شيء
من أجلك نحتمل ألقابنا المتوحشة ونحمل هذه الملامح المرة المشاغبة من أجلك تصعد ابتهالاتنا في سمائك الزرقاء لتحجبها الغيوم
من أجلك نسطو عليك ومن أجلك نموت
أحبك ببساطة قاحلة لا تنبت الغيرةْ أحبك بلا ابتذال وكأنني آدم وكأنك حواء أحب أطفالك الأشقياء حين يصفعونني حين يعضون أصابعي حين يخدشون وجهي وحين ينعتونني بالحمارْ
أحب فتياتك الصاخبات صباحاً الهامدات في المساء من أجلهن تنبض أسلاك الهواتف وتنام السماعات الهامسة على الوسائد البكماءْ أحب نساءك المقهورات اللواتي يروضن الرجال بالصبر والأولاد الأميات اللواتي شققن دروبك بحثاً عن الحطب وحفرن صخورك بحثاً عن الماءْ المتعلمات الهاربات من بياض اللحاف لسواد الحجابْ
وأحب العانسات كيف تذبل العيون ضاحكة خلف تجهم الأبواب ؟ كيف ينضج الخوخ ثم يتغضن تحت الثياب ؟ وكيف تعيش نخلة لم تهزها الريح لم يستيقظ على عراجينها الندى؟
أحب رجالك المتكبرين في حضرة النساء السافرات الذين تزوجوا كيفما أتفق الذين يندبون في الحانات الغريبة أيامهم القاحلة الذين يصطحبون زوجاتهم في الكراسي الخلفيةْ ويصطحبون العاهرات في الكراسي المجاورة
أحب شبابك الضائعين الواقفين أبداً عند مفترق الطرقات الصاخبين الضاجين الضاحكين الغاضبين دون سبب المتبرمين بكل شيء الذين يبيعونني خمر المساء في الأزقة المظلمة.ْ
الذين يدخنون الحشيش ويراقبون شوارعك من خلف النظارات القاتمة وفي السيارات البطيئة المسالمةْ شبابك المتشنجين المتزمتين الذين يؤمنون بالعنز حين تطير الذين ينخرهم الفراغ وتطردهم شيخوخة مبكرةْ
أحب شيوخك الطيبين المتصلبين الذين يعرفونك أكثر مما يجب لذلك لم يقلموا الهواجس ولم ينسوا كفيك القاحلتينْ
أحب هذه الشوارع القذرة التي نبتت على جانبيها الحكاياتْ غاصت في جدرانها أصابع الطفولة وتسلقتها الذكرياتْ
أحب أصدقائي الرائعين الذين يهدهدون وحدتي نتعاطى السخرية والشعر ونتساند حتى لا نقعْ أحب أقاربي البسطاء الذين تؤرقهم عزوبتي ويصافحون مزاجي الأعسر بتسامح أيمنْ
أحبك بسادية متعبة وألعنك في اليوم ألف مرة ألعنك وأنا أنفذ إلى قهوة الصباح بمشقة بالغة وألعنك وأنت تـندسين بيني وبين وسادتيْ
أحبك هكذا لأنني ضميرك المشاغب الذي يزعجك حيث ينفض تبلده ويقرِّعك مثل طفلة تبول في فراشها
لا شيء في البال أهبه لك سوى عمري المبدد الذي لم أحبه كما ينبغي، ولم أفصله كما أشتهي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة