قيراط كوزنه ولا قنطار شطارة .... مأساة المتفوقين من الأجيال الشابه.. اضف تجربه

Quote: إعتدت أن أزور السودان مرة في السنة منذ أواخر التسعينات.... وظللت أراقب التغيير و التدهور المريع .....في كل شيء ...حتى الأشياء التي كنا نعتقد أن من الطبيعي استمرارها .... وأنا مسافرة من مدينة وادمدني التي كانت جميلة يوماً ما إلى العاصمة الخرطوم ، وبينما أنا جالسة على مقعدي في انتظار إكمال تعبئة الباص بالمسافرين ...أطل علي طفل صغير لم يتجاوز التاسعة من العمر يحمل صندوق تصطف به أشرطة من حلوي النعناع ومد لي شريط منها قائلاً (بـ500 ) ، تأملته ملياً ونظرت لعينيه البريئتان كان شديد النظافة ، فأخذت منه الشريط وأعطيته ورقة بـ1000 فمد لي شريطين آخرين وقال: (بـ1000 تاخدي ثلاثة) فهززت له رأسي وقلت له أريد واحدة فقط فأخذ يبحث في جيوبه ليعطيني الباقي فقلت له: (خليه معاك) فنظر لي بعينيه البريئتين بدهشة ممزوجة بالحيرة ، فطفرت من عيناي دمعتان لا أزال أستشعر سخونة حرارتهما ... حاولت إخفاءهما عبثأ تحت نظارتي السوداء... هذا الصغير العفيف ..لو قدر له أن يحيا في الماضي لكان مع أقرانه في المدرسة ...وتجدد كرهي لكل ما هو إنقاذي و لعنت كل من تسبب في عناء هؤلاء الصغار المنتشرين في كل أقاليم السودان لم تخلو منهم مدينة أو قرية ما بين باعة متجولين أو فاتحي الأكفف بالسؤال ...ذهبت بعيداً للأيام الخوالي ...ولمدرستي الإبتدائية في كلية المعلمات التي حدثتك عنها في خطابي السابق... مدرستي التي لم تعرف العنصرية والطبفية التي كانت مجاناً للجميع، وكنت قد قمت بزيارتها بحثاً عن الأطلال فوجدت على بوابة الكلية يافطة كبيرة كتب عليها (جامعة القرآن الكريم) وقد تم إعادة بناء أسوارها فأصبحت شاهقة كأنها سجن لعتاة المجرمين ....ويتجه نحوها أعداداً من الفتيات والنساء من مختلف الأعمار بعضهن يرتدين النقاب وبعضهن يتدثرن بعباءات طويلة وجوارب وقفازات تبعث منها حرارة الجو مزيجاً غريبأ من الروائح يختلط فيه الحطب والعرق الآدمي مع نسيج البوليستر الثقيل ...تأملت هذا السرب ... يا ويل بني بلدي من طالبان السودان يهدون صروح العلم من أجل مؤسسات شيدت للتجهيل والولاء ...يا حسرتي على بلدي... تنقلت بحثاً عن ما بقي من مدرسة مدني الثانوية فلم تكن أكثر حظاً من سابقتها فقد تم تقسيم مبانيها لأكثر من مدرسة لا أدري أياً منها الخاص وأياً منها العام ترى خصخصت هي الأخرى لتمتليء جيوب البعض بأموال الشعب ... فالينام الذين شيدوا هذه الصروح ومن عملوا على إدارتها وتربية وتعليم أجيالنا فيها في قبورهم بسلام ،،،،، أرفعوا أيديكم معي بالدعاء لهم جميعاً ليتغمدهم الله برحمته الواسعة ،،،،،،