قيراط كوزنه ولا قنطار شطارة .... مأساة المتفوقين من الأجيال الشابه.. اضف تجربه

Quote: الأخ الفاضل طلحة ، للأسف تم تغييب الكثير من هذا الجيل الصاعد عن الكيفية التي كان عليها التعليم في الماضي، فقد إلتقيت انا وصديقتي قبل ايام بإحدى الطالبات السودانيات فسألناها عن رأيها في الإنتخابات وإذا كانت قد صوتت أو لم تصوت، فأجابتنا بأنها طبعاً صوتت للبشير( علماً بأنها طالبة نشأت في الإغتراب ولا اعتقد أنها عضو مؤتمر وطني أو كوزة) فأردنا أن نعرف منها الأسباب التي دعتها لذلك من بين أسئلتنا كان سؤال عن حال التعليم و عن سوق العمل للخريجين في السودان ففاجأتنا بإجابة محيرة (بأنه في الماضى كان لا يوجد تعليم في السودان!!!!!!!!!) هذه طالبة جامعية تدرس بجامعة قطر. ولذلك وددت أن أنقل تجربتي البسيطة للجميع ، وهي تجربة الكثيرين من الذين نالوا حظوة التعليم في العهود السابقة ...لقد بدات أول مراحل تعليمي في العهد المايوي في سبعينات القرن الماضي بمدينة وادمدني ،،،،، كانت مراحل التعليم الأولي من رياض الأطفال مروراً بالمدارس الإبتدائية مجاناً،،،،، المدارس المتوسطة والثانويات العليا مجاناً ،،،، الجامعات ، جامعة الخرطوم ، الجزيرة ، جوبا، أمدرمان الإسلامية ، القاهرة فرع الخرطوم ، وكل المعاهد العليا والكليات (الأحفاد ،،، وغيرها) في السودان مجاناً،،، كان التعليم العلمي العالي في السودان يقتصر على المتفوقين أما الذين كانوا أقل حظاً في الحصول على الدرجات العلمية كانت تقوم بتعليمهم مصر مجاناً كمقابل لنسبة كبيرة من مياه النيل تفوق نسبة السودان كثيراً حسب إتفاقية مياه النيل المبرمة بين مصر والسودان. تنقلت وأنا صغيرة في رياض الأطفال (كان بمدينة ودمدني عدد منها) وهي المؤسسات الصغيرة التي تضع اللبنات الأولى في بناء مستقبل الصغار. من المدهش أنه في ذلك الزمان كانت تلك الرياض معدة إعداداً جيداً من ألعاب وأقلام وألوان تحفز الخيال الصغير على الإبداع وبها مباني ومربيات فاضلات أما الحدائق والنظام فيها فيكاد ينعدم الآن وهي مجانية تماما و برعاية الدولة. ثم انتقلت إلى مدرسة التمرين الإبتدائية وهي المدرسة الإبتدائية النموذجية وإحدى المدارس التي تتبع لكلية المعلمات (تضم الكلية روضة للأطفال، مدرسة إبتدائية ، مدرسة ثانوية عامة ثم الكلية ) وقد أعدت تلك المدارس إعداداً خاصاً لتدريب وتأهيل المعلمات و بها الكثير من الكفاءات التعليمية من الائي يشار إليهن بالبنان و يقوم بالمراقبة معلموا ومعلمات الكلية العليا. كانت الكلية مؤسسة تعليمية عامرة يصعب وصف إمكانياتها العالية ولا توجد أي مقارنة بينها وبين أياً من المؤسسات التعليمية الموجودة في السودان حاليأ ولا يمكن مقارنتها حتى بكثير من جامعات اليوم في السودان. لم تكن المؤسسات التعليمية تعرف الطبقية او العنصرية فالمدرسة متاحة للرائدات من الطبقات الفقيرة من عمال وخلافه سواسية مع الطبقة المتوسطة من بنات الأسر المتعلمة أو الطبقة الغنية من بنات التجار (هؤلاء كانوا القلة) فمجانية التعليم للجميع والمدارس للجميع دون تمييز إلا للبعد الجغرافي. كان بالمدرسة أربعة أنهر بها 8 فصول مدرسية للصف الأول و8 للصف الثاني ثم تدمج لتصير 4 فصول للمراحل الأخرى. في بداية السنة تقوم المدرسة بصرف الكراسات والكتب للطالبات و كان اول ما تقوم به المعلمات في الصباح الباكرهو بري الأقلام قبل الطابور وتجهيز ريش الكتابة والحبر للمراحل المتقدمة. كان بص الكلية مجاناً للمعلمات وبعض الطالبات وكان الفطور مجاناً (مثل هذا الوضع أشبه بالحلم اليوم). كانت النظافة والنظام من أساسيات المدرسة وكانت أحواض الزهور المنسقة التي ترعاها جمعية الفلاحة والبساتين تنتشر في كل ميادين المدرسة. كانت بالكلية داخليات للمعلملت ولطالبات الكلية (المعلمات تحت التمرين) وبالطبع تتولى الدولة كل مايخصهن فيما يتعلق بالسكن والإعاشة (الاكل والشرب) تماماً كما في الجامعات. كانت بالمدرسة إذاعة يشرفن عليها طالبات الكلية ولديهن فرقة موسيقية بكامل المعدات (توجد حصص موسيقى للمعلمات) وكان بالكلية مسرح كبير كما توجد قاعة كبيرة جدا مدرجةً تسمى قاعة المعاينة اشبه بقاعات المحاضرات في جامعة الخرطوم في هذه القاعة يتم معاينة أحدى المعلمات وهي تقوم بتدريس طالبات المرحلة الإبتدائية مرة في الإسبوع ، في هذه المعاينة يصطف للمعلمة في المدرجات كل معلمين ومعلمات الكلية العليا والمراقبين من وزارة التربية والتعليم وطالبات الكلية. تقوم المدرسة بالعديد من الأنشطة خارج عن المنهج مثل الجمعيات الأدبية وجمعيات الفلاحة والفنون والموسيقى وللمدرسة مختلف الانشطة الرياضية التي خصصت لها ميادين (الباسكت والتنس ومايسمى بالراوندس وهي لعبة تشبه الكركيت). أنشات الكلية منذ الأربعينات و شيدت مبانيها بصورة جيدة وقد بقيت زمناً طويلاً للتربية عدة أجيال فوالدتي أطال الله في عمرها كانت إحدى خريجاتها رغم أنها لم تخرج للعمل. درست كذلك بمدرسة (ب) الثانوية العامة وكانت مبانيها قبالة كلية المعلمات ولم تكن اقل منها إمكانيات سواء بشرية أو معدات (نسبياً بحجم المدرسة). وانتقلت في اواخر السبعينات وبداية الثمانينات للدراسة بمدرسة مدني الثانوية بنات والتي كانت تمتلك إمكانيات هائلة هي الأخرى فقد تميزت بالمباني وتميزت بالكفاءات والنظافة والجمال وكانت تستوعب داخلياتها طالبات قرى الجزيرة التي تتكفل بهن الدولة. قيل والله أعلم (إنها ومدرسة الخرطوم الثانوية أنشأهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر) كانت معدة إعداداً يتفوق كثيراً على واقع المدارس والجامعات اليوم، لديها معامل معدة إعداداً جيداً (لتدريس الكيمياء، الفيزياء والأحياء) ، فصول دراسية مرتبة وإمكانيات رياضية هائلة (ملاعب تنس وملاعب باسكت وملاعب للفولي بول) لم أرى مثلها في كثير من المدارس البريطانية ، مسرح كانه المسرح القومي ، حدائق غناء محاطة بأحواض زهور منسقة تحرص إدارة المدرسة دوماً على طلاء الطوب المصطف حولها بالجير الأبيض وممرات غاية في النظافة مرصوفة تحيط بالحشائش الخضراء التي تقص بانتظام، وكان ناظرنا في ذلك الزمان المربي الفاضل وعميد العلم السيد/ أحمد المجذوب (الله يرحمه ويحسن إليه) كان يهتم بكل صغيرة وكبيرة بالمدرسة من النظافة ، للنظام، للدراسة. أذكر على سبيل المثال ونحن على أعتاب إمتحان الشهادة إنه كان يمر على الفصول ويسالنا ماذا تحتاجون ؟ ويحرص على ان يذهب بنفسه مع الفراش ويقوم بفتح مخزن المدرسة ويحمل الفراش كل ما بالمخزن من معدات كراسات واقلام يشرف على توزيعها بنفسه كي نذاكر فيها ، كان يطلب إعادة طباعة كل ما هو ناقص من الكتب لكي يصير لكل طالبة ممتحنة الشهادة المجموعة الكاملة من الكتب المدرسية دون الحاجة للإشتراك في أياً من تلك الكتب. كذلك كان يمر علينا في أثناء إمتحان الشهادة ليوزع لنا الاقلام ويسبقه العاملين الذين يقدمون لنا (بأمره) عصيرالليمون والبرتقال والقريب فروت البارد. أتدري ماهي نتائج المدرسة في عهده يا استاذ طلحة ؟ تبؤأت مدرسة مدني الثانوية المركز الأول بين مدارس السودان طيلة عمله بها وفي السنة التي امتحنت فيها الشهادة الثانوية حصلت مدرستي على نسبة 99.6% (المدرسة الأولى في السودان) وكانت تلك أعلى نسبة حصلت عليها مدرسة في السودان لعقد من الزمان وخرجت المدرسة عدد من أوائل السودان بالإضافة لإحتكار مدرسة مدني الثانوية للمركز الأول وللطالبة الأولي في السودان على سنتين متواليتين. أما عن تجربة جامعة الخرطوم ومجانية كل شىء حتى سفرالطلاب للأقاليم في الإجازات والمنح للطلاب الفقراء والمستوى العلمي الأكاديمي فيعلمها الجميع. الله يرحم وطني السودان رحمة واسعة والله يرحم الرعيل الأول الذين لم تكن تخيفهم البندقية للحفاظ على مكتسبات هذا الشعب الطيب. اللهم اعنا يارب وأخرجنا من هذا المسمى بالمشروع الحضاري والذي لم يجلب لنا إلا خراب العقول والجهل ودمار الإنسان السوداني والقائمون عليه في غيبوبة لا يرون ولا يعون إلا ما تصوره أنفسهم المريضة اللهم اصرفهم عنا فحين قال الرسول صلي الله عليه وسلم "تلقوا العلم ولو في الصين" لم تكن تدرس أصول الفقه الإسلامي في الصين.