أهالي القرير ينعون إبنهم البار الدكتور مجاهد بابكر الرفاعي

Quote: يا من ضمّ قبرك قلوبنا.. أتعلم يا جزءاً من دمي.. أنك جعلتني أخترق قانون الجاذبية الأرضيّة؟؟ أتعلم أنني عند إنفجار بركان المصيبة.. قد فقدت أيّ علاقة لي بكوكب الأرض.. أو أيّ كوكبٍ آخر؟؟ فلا أدري في أيّ مِجرّةٍ زمنيّةٍ كنت؟؟ كلما أدريه أنني لم أمتثل لقانون الجاذبية الذي يفترض وجودي فوق سطح الأرض.. كل ما أذكر.. أنني كنت أتوسّط الأرض والسماء.. تتقاذفني رياح المجهول.. وأنا طوعها مسلوبة الإرادة.. مسلوبة كل شيء.. لم يُعدني إلى هذه الأرض سوى جثمانك يا قطعةً من فؤادي.. فجثمانك الذي دخلت عليه.. وأنا التي لم أقف بجوار جثمان في حياتي.. رأيته.. وأبصرت.. ثم أعدت النظر.. وأمعنت البصر.. تارات.. وتارات.. ثم أتاني ذلك الصوت القاسي.. صافعاً أذني: "أن هذا الذي تقفين بقربه هو مجاهد.. ومجاهد قد مات.. وموته واقع.. وسوف يُدفن" هُنا فقط.. إمتثلت لقانون الجاذبية.. كسائر كل الأشياء على هذا الكوكب.. وهبطت فوق سطحه من جديد.. لا أدري إن كنت أهذي!! أم هي حافة الجنون!! أم هو الجنون بعينه!! فما عسى إنسان قفد الإحساس بكل شيء أن يقول؟؟ أيّ حرفٍ هذا الذي يُعينني على تهنئتك أيها الحزن؟؟ فأنت تستحق التهنئة يجدارة!! تستحقها.. وأنت الذي إفترشت قلوبنا.. وإتخذتها مُتّكئاً أبديّاً لك.. على مرآى ومسمع منا.. رغم أنوفنا.. ودون أن ننبس ببنت شفه.. وأنت الذي نشرت قوات إحتلالك في كل مسام الفؤاد.. فحتى التنفس.. صار اليوم بإذنك.. وتحت إمرتك.. وإنه لأغرب تنفس تتنفسه صدورنا.. فقد حكمت على رئتينا أن تأخذ شهيقاً فقط منك أيها الحزن.. بشرط ألا يخرج الزفير.. لضمان الإمتلاء العميق منك.. والإختناق التام بك!! آآآآآآآآآآآه من نيرانك يا مجاهد.. نيرانك لا تزيدها الدقائق إلا تأججاً.. لهيبك لايزيده الزمن إلا إشتعالاً.. وبركان الصدورأعلن ثورة إنفجاره الأبدية.. لأول مرّةٍ أكره دماء عروقي.. لأنك بها.. لأول مرةٍ أكره إسمي.. فهو يذكرني يأنني أرتبط وإياك بجذور لا فكاك منها.. لأول مرةٍ أكره لحظات أنسنا.. وأنا أجلس قرب جثمانك.. أخاطبك فلا تستجيب.. آآآآآآآآآآه يا مجاهد.. لِمن نشكو آلام فراقك غير المُحتمل يا من تُزيل كل آلامنا؟؟ من يُسعف جراحنا منك.. يا مُسعِف كل الجراح؟؟ سامح الله الموت الذي جعلني أقترب من الجنون.. عندما تمنيت أن ينطق جثمانك وأنا بقربه.. ليقول لي بأنك حي!! سامح الله الموت الذي جعلني أقترب من الكفر.. عندما تمنيت لحظة الفاجعة أن ألحق بك.. أستغفرك ربي وأتوب إليك.. أنا التي لم أستغفرك في لجّة الألم.. أنا الخاطئة التي لم أحمدك.. أنا المُذنبة التي لم أسترجع.. أستغفرك ربي.. أستغفرك.. لله درّ قبرك.. كيف حمل كل ذاك؟؟؟ فالقبر الذي ضمّك.. ضمّ قلوبنا.. القبر الذي آواك.. آوى فرحنا.. القبر الذي إحتواك.. إحتوى إحساسنا بكل مباهج الحياة.. وتركنا أجساداً فقط.. اللهم إجعله نوراً.. وأعدنا إلى رُشدنا يا كريم.. حدّثتني يوماً يا أقرب خلق الله إليّ: "أنّ الحزن يبدأ كبيراً ثمّ يصغر" لِمَ لَم تصدق هذه المرّة؟؟ لِمَ يتضاعف حزننا الجنوني عليك بعدد الثواني الجديدة؟؟ لِمَ يزداد تركيز العلقم الذي نحتسيه مع كل صباح جديد؟؟ ولِمَ لَم نفقد حاسة التذوّق مع ما فقدنا من حواس؟؟ وهل نضجت جلودنا من شدّة الشّواء؟؟ آآآآآآآآآآآآه يا صديقي.. لِمَ حدثتني عن الرضاء بقضاء الله منذ مدة قصيرة؟؟ هل كنت تحس بقرب هذا الإمتحان العسير؟؟ هل كنت تتوقع رسوبي التام به؟؟ هل أنت غاضب مني الآن يا أخي؟؟ ألن تُخاطبني كعادتك هاشّاً باشّاً.. "ببت أخوي" عندما ألتقيك؟؟ لِمَ لَم تُعلمني.. كيف الحياة من بعدك؟؟ كيف العيش من دونك؟؟ وكيف تتوالى بنا الأيام دون ذكر إسمك؟؟ وبمن أزهو؟؟ وأنا التي كُنت أساوم بك النجوم؟؟؟ وكيف نربط فعل الماضي الناقص "كان" مع إسمك؟؟ بل كيف نُقنع الألسنة بذكر الرّحمة وراء إسمك؟؟؟ وأيّ العُقول التي تُقنع.. والقلوب التي تقتنع؟؟ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه.. عندما يفقد الإنسات قلبه وعقله في آنٍ واحد.. فلا حاجة للحياة به.. ولا حاجة لكم بي... إيمان أسامه الكامل..