الفايكلوريزم الجديد (1) : حكاية نورما خوري

Quote: الفايكلوريزم الجديد (2): حكاية إسماعيل بيه كان الفتى الهادئ الطبع يعلن للغرب بكل تواضع أنه لا يعرف عدد الذين قام بقتلهم "لأنك في الحرب لا تقوم بحساب و(عد) ضحاياك"، هذه مهمة أناس آخرين . مهمتك أنت كجندي هي أن تقتل فقط دون أن تهدر وقتك في الحساب. يفغر الجيل الحالي من سكان العالم المتحضر أفواههم من الدهشة ويبدون التعاطف. يا للحرب الفظيعة كيف يقوم هذا الفتى القسيم بكل هذه الفظائع فيزيدهم من القصص مداً : كنت أيضاً أدخن الماريغوانا وأشم الأمفيتامين وأتعاطي شيئاً نسميه (بني...بني) Brown…brown وهو خليط من الكوكايين وبدرة الذخيرة. في لندن يبلغ مواطنتنا زينب بدوي التي استضافته في برنامجها الأشهر (Hard Talk) على تلفزيون بي بي سي البريطاني إنه قتل أناساً لا يمكن إحصاء عددهم والإحاطة بهم. الرجل الذي سيبلغ التاسعة والعشرين من عمره في 23 نوفمبر المقبل يحكي القصص في محافل شتى والجميع يستمعون حتى إن كوفي أنان يحرص على مقابلته والاستماع إلى (سمح القول) من فم صاحب القول، وكذلك يفعل بيل كلنتون ونيلسون مانديلا وفيليب دوست-بلازي وغيرهم كثر فيحدثهم بأنه يتيم فقد أمه وأبيه واخوته في الحرب ويجعلهم يكفكفون دموعهم إذ يتذكرون آباءهم وأمهاتهم واخوتهم. هكذا صار الفتى اشهر يتيم على كوكب الأرض بلا منازع. برامج التلفزيون تدعوه للقاء الملايين من مشاهديها حول العالم فيظهر في أحد اشهر البرامج التلفزيونية الأمريكية (The Daily Show) أو العرض اليومي ومقدمه النجم الكوميدي والممثل جون ستيوارت ، الذي يحكي عن غصة في القلب أصابته حين استمع لإسماعيل بيه وفي استراليا القصية يستضيفه أرفع برنامج حواري تلفزيوني يقدمه المحاور الأشهر (أندرو دينتون) في قناة تبث برنامجها على امتداد القارة كلها. في الطريق ما بين شقته الأنيقة في ناحية فورت قرين بضاحية بروكلين بنيويورك إلى سيدني الأسترالية يطل إسماعيل بيه على معجبيه والمتعاطفين مع قضيته ومأساته والمؤيدين لأنشطته في الدفاع عن أطفال الحروب الذين أدلى بشهادته دفاعاً عنهم أمام الكونغرس الأمريكي. أجمل بيه قصته في كتاب أترجم عنوانه (ومشيناها خطى: مذكرات جندي طفل) فباع منه حتى الآن ما يزيد عن الستمائة ألف نسخة ثم قررت مجموعة مقاهي (ستاربكس) الشهيرة أن روادها قهوتها المدللين يستحقون ان يقرأوا الكتاب فقررت توزيعه للبيع في (6000) محل من محلاتها حول العالم. تنطلق شهرة الفتى الذكي إلى بلاده الجريحة سيراليون فيصير نجماً هناك يتباهي من كانوا بالقرب منه بإطلاق الحكايا حول مواقف جمعهتم به لكن أحداً منهم لم يذهب مذهب جوزيف! وجوزيف، رجل في منتصف العمر يعمل مساعد معمل في منجم سييرا روتايل ، يقرر ذات يوم التقرب إلى مديره الجديد بوب لويد الذي أبدى لابد تعاطفه مع ماساة سيراليون من خلال قصة إسماعيل بيه التي قرأها وتحاور عنها مع زوجته بائعة الكتب (بيتا لويد). أسر جوزيف إلى لويد إنه والد إسماعيل بيه. يفرح مدير المنجم (الساذج في عالم الأدب والنشر) بالخبر، يا للسعادة إسماعيل بيه ليس يتيماً وها هوذا أباه! يطلب جوزيف من الرجل الأبيض (لويد) مساعدته في التواصل مع فلذه كبده فيفتش لويد عن عناوين بيه على شبكة الإنترنت ليته يحظى بإسعاده وإبلاغه الخبر السعيد. أبلغ زوجته بيتا بالقصة فاتصلت بدار نشر هاربر كولينز التي تقوم بتوزيع الكتاب في أستراليا فجاءها الرد سريعاص ومختصراً " لقد قتل والد إسماعيل في الحرب" لكن بيتا واصلت البحث حتى وصلت إلى السيدة (لورا سيمز) وهي قصاصة محترفة تولت إسماعيل بالرعاية وأسكنته في بيتها ورتبت له أمور هجرته إلى الولايات المتحدة وهي السيدة التي يدعوها الآن أمه. أرسلت بيتا رسالة إلى لورا فردت عليها ملمحة لها بأنها تتدخل في حياة (إبنها) العبقري. كانت الرسالة محكمة اللغة وتشي بأن كاتبها أصيل المعرفة باللغة الإنجليزية لكن بعد اثني عشر يوماً أرسلت لورا رسالة ثانية بها أخطاء لغوية وأسلوبية وفي وضع علامات الترقيم وكان من الواضح أن الرسالة تم إعدادها بواسطة شخص لا تعتبر الإنجليزية لغته الأولى. كانت الرسالة عدائية وتحذر من مغبة الإستمرار في التدخل بحياة المؤلف الشاب. أمر غريب أن يقال لشخص إن أباك لم يمت فيغضب! في وقت لاحق تبين طبعاً أن جوزيف مساعد المعمل السيراليوني كان يكذب وإن والد إسماعيل قد قضى نحبه –للأسف- في الحرب اللعينة. أبلغت عائلة (لويد) قصتها لصحفية إسمها (شيلي قير) التي تابعت القضية بتكليف محرر في سيراليون وآخر في نيويورك لتتكشف الحقائق واحدة بعد أخرى. جاءت القصة الأولى من نيويورك حيث تم الكشف عن إن الوكيل الأدبي لإسماعيل بيه وإسمه (إيرا سيلفربيرغ) قد عانى عام 2006 جراء إكتشاف إن إحدي عميلاته (جي تي ليوري) التي ادعت أنها كانت عاهرة محترفة أصيبت بالإيدز فتحولت إلى مؤلفة تحكي للعالم قصتها المحزنة والمأساوية ، كانت محض كاذبة. ثم تداعت الإكتشافات من سيراليون ففيما يبني إسماعيل بيه قصة كتابه كلها على الجملة التالية " كانت المرة الأولى التي أتعرف فيها على الحرب حين كنت في الثانية عشرة من عمري في يناير 1993" واصفاً هجوم المتمردين على قريته (ماترو جونغ)، لكن الصحيفة توصلت إلى أن المؤلف كان حتى مارس 1993 يواصل دراسته في ثانوية (سنتنيال) بالقرية المجاورة، وأنه كان من المتفوقين في ذلك العام حيث حصل على المركز الثاني في صفه المكون من 47 طالباً وأحرز نسبة 84% في الأدب الإنجليزي و99% في العلوم الزراعية لكنه أخفق في الرياضيات بنسبة 35% فقط !. تحدثت صحيفة (الأسترالي) التي كشفت الفضيحة إلى مدير مدرسته الأستاذ / عبد الباري والمدير السابق صديق بريمة الذي أكد إن إسماعيل كان يواصل دروسه حتى عام 1995، كما تحدثت الصحيفة إلى مدرسين وزملاء دراسة للفتى الشاطر أكدوا على عدم صحة مزاعم بيه. ثم جاءت طامة أخرى حيث اكتشفت الصحيفة إن المتمردين لم يهاجموا القرية حتى عام 1995 حيث كان بيه في الخامسة عشرة من عمره. ثم التقت الصحيفة بالأسقف (موسيس ساو كايلي) الواردة حكايته في كتاب إسماعيل بيه عن إن المتمردين أجبروه على إبلاغ القرية برسالة تهديد فأكد إن القصة حدثت معه في نوفمبر عام 1995 وإنه كان الأسقف الوحيد بالقرية ما بين عامي 91-1995. توالت الإكتشافات حيث تبين عن إسماعيل بيه لم يشارك في الحرب لحوالى الثلاث سنوات كما يزعم وإنما قضى حوالي شهرين أو ثلاثة فقط في الحرب لحين إنقاذه بواسطة منظمة اليونيسيف عام 1996 كما نفت منظمة اليونيسيف ذاتها حدوث معركة دموية في معسكرها بالعاصمة الليبيرية (فريتاون) كما يزعم بيه في كتابه. لم تستلم راعية بيه ، لورا سيمز، بل قاتلت بعناد ######رت من الصحافة متسائلة عما كان البعض يتصور ان يحمل فتى ريفي في أدغال أفريقيا روزنامة يسجل عليها أحداث أيامه ثم سئمت الأمر كله فوبخت صحيفة (الأسترالي) قائلة " لماذا بحق السماء تهدرون وقتكم في كل هذا ؟". كذلك اصر إسماعيل بيه على العناد وقال للصحفية البريطانية ناومي شيربل-بال " حين أعدو، فإنني لا أحمل آلة لقياس المسافة التي قطعتها". لكن في النهاية إضطرت (سارا غريشتون) صاحبة الدار التي نشرت الكتاب بأنها عهدت بعمل الخريطة الزمنية لمساعد محرر وخبير آخر لم يعملا من قبل لصالحها وإنها غير متأكدة ما إذا كان لإسماعيل بيه أي يد في تحديد المحتويات (؟!) لم تنته قصة إسماعيل بيه تماماً فهو ما يزال يعمل في منظمة (هيومان رايتس ووتش ) الشهيرة وما زالت قصته تجد الرواج ضمن من لم يسمعوا بقصة صحيفة (الأسترالي) وقد ظهر وهو يرتدي حلة من المصمم الشهير (جورجيو أرماني) على صفحات مجلة (بلاي بوي) سيئة السمعة.