|
Re: محمود محمد طه و يونس الدسوقي (Re: جمال المنصوري)
|
من مقال لدكتورة ناهد محمد الحسن: ولد محمود ود فاطمة المعروف بمحمود محمد طه والشهير بالأستاذ في 1909 بقرية رفاعة, أي قبل مائة واثني عام من اليوم. وقد تخرّج في قسم الهندسة بكليّة غردون في 1936. إن عرفته عرفت الحكمة الهندوسيّة التي تقول(كما تدخل المياه إلى البحر المياه التي تملأ البحر حتّى السواحل وتصبح ساكنة وثابتة كذلك تدخل جميع الرّغبات, لقد حاز السّلام ولم يسحق الرّغبات).. الوجه سوداني متواضع بالطاقيّة البيضاء والعرّاقي والسروال والثوب الأبيض والشلوخ الثلاث التي لم تستطع أن تقول عن هويته كما تتحدّث عن آخرين. حيث أنّ الشلوخ مؤسّسة وبنية وعي تقول أكثر من مجرّد مسقط رأس. عن نمط التربية وأقصى مدى مسموح به في التفكير والسلوك. أتى هذا المشلّخ السوداني بفكر تربوي رؤيوي وحقوقي وسلمي وإنساني.. شئ لم يسع حتّى من هم بلا شلوخ أن يدركوه حتّى الآن..! منطلقاً من هذه الغائرة في الخد وعبر الآمه وما تصحبها من مخاوف, دخل خلوته ليعود بمجاهداته متحرّراً من كل خوف. عاش حياته نباتيا لأنّه كان يؤمن بقوله (صلى الله عليه وسلم) المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وقوله تعالى (وله أسلم من في الأرض جميعا). قولا عنده يشمل الإنسان والحيوان. فكفّ يده عن أكل لحوم الحيوان التي عاذت عنده بالله سبحانه وتعالى فأمّنها لأنّه ورعا يدرك أنّها عاذت بمعاذ..! فساعدته تمارينه الرّوحيّة أن يقضي على شهوة التملّك ذلك الراحل وليس خلفه غير ثوبين قديمين وبيت من الجالوص صادرته حكومة نميري الحجّاج فنفذ فيها ما نفذ في صاحبه الّذي تجرّأ فقتل العبد الصّالح سعيد بن جبير فلم يسلّطه الله على أحد بعده. فلم تلبث بعد وفاته حكومة الطّاغية نميري أن ولّت بعد تسعة وسبعين يوما من إستشهاده. عاش زاهدا على الكفاف ملتزما بقوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو). ورحل في دين يسير للبقّال والحلآق وصاحب الفحم موصياً أن لا يفرش عليه ولا توضع على قبره إشارة ولا يكفّن في جديد, فصدقه الله وعده كما صدق عاصم صاحب ماء الرّجيع الذي أقسم أن لا يمسّه مشركا فأبرّه الله بالنحل والسّيل يجرف جثّته. لذا لم يعرف أحد من مريديه أين هو قبره! لقد صدّقت حياته قوله وفكره، فقد كان يقول (فكّر كما تريد وقل كما تفكّر وأفعل كما تقول). لذا لم ينكر قوله حتى حينما رآهم يفتلون من كلماته مقصلة ويوظّفونها في جملة من تكوينهم ليصادروا بها مشروعه ودعوته. (صحيفة الصحافة في 18/1/1985: (الرئيس يصدر أمرا بتأييد حكم الإعدام على محمود محمد طه وآخرين) الرئيس: إذا استمرّ هذا الدّعي في دعواه سيعرّض الأمّة لعقاب الله إذا سكتت عن فجوره. عكفت على دراسة أوراق القضيّة لمدّة 72 ساعة دون أن أجد له مخرجا) العليش- يوميات الدولة الإسلاميّة. صعد الأستاذ محمود محمّد طه إلى مشنقة سجن كوبر بثبات في يوم الجمعة الموافق 18/1/1985, وكشف عن وجهه قبيل وفاته ليتأكّد الجميع أنّه هو, وهتف في وجهه الذين يسترجلون على الرجال في الأسر مكبّرين فأتحفهم بإبتسامته الغارقة في السلم. حييّا كالمقتول جهلا في محبة الله مثله الحلاّج الّذي استحى من شحوب وجهه حين قطعوا ذراعه الأولى ونزفت دماؤه الغزيرة فمسح وجهه بدمه وقال: ركعتان في محراب العشق لا يصحّ وضوءهما إلاّ بالدّم!. هؤلاء الذين ظنّوا انّهم أصمتوه بقتله, لم يكونوا مثله متبصّرين بالصّمت ففاتهم بتبصّره في علم الأصوات والحواس، فصعد إلى مقصلتهم مبتسما لأنّه كان يعرف أن إنزلاقه الشّجاع.. المتحرّر من الخوف هو الذي سيضع فكره ودعوته قيد الدراسة. لأن إنزلاقه من المقصلة هو الصوت الأكثر جلبة في العالم. النّاقوس الذي لا يخفت صداه عبر التاريخ مذكّرا بالدم المسفوح ظلما رن رن.. لم يا ترى قتلوه؟ رن رن محمود ود فاطمة رن رن .. لم لم يتراجع..؟! رن رن.. لم لم يخاف؟! رن.. رن لم ظل مبتسما؟! رن.. رن.. غدا هي الذكرى 25 لإستشهاده.. والمائة تكتمل ترى هل أظلّنا زمان الّذي قال عنه محيي الدّين بن عربي في الفتوحات (يسمّى وهو حيّ بالشّهيد؟ فريد الوقت ليس له نظير فريد الذّات من بيت فريد..!).. محطة أخيرة: لو أن النور يشرق من سناه على الجسد المغيب في اللحود
لأصبح عالماَ حياَ كريماَ طليق الوجه يرفل في البرود
فذاك الأقدسي إمام نفسه يسمى وهو حيُ بالشهيد
وحيد العصر ليس له نظير فريد الذات من بيت فريد
|
|
|
|
|
|
|
|
|