شيخ فوق السبعين ... و مقصلة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 11:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-06-2011, 09:38 AM

Amjed
<aAmjed
تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 4430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة (Re: جمال المنصوري)

    توثيق الاستاذ هاشم كرار لتلك الايام و الذي نقله للمنبر الاستاذ عبد الكريم الأمين

    Quote: إشارات رفعت عنها السرية من ذاكرة غير خربة

    كلام زول مجمع ونص !

    حلقات يكتبها : هاشم كرار

    والشهود الاحياء لايمتنعون

    تلك كانت - فيما أظن - أول سابقة في تاريخ قضاة السودان : ان يحمل قاض كبير- بنفسه- حكما اصدره على متهم، بعد ساعات فقط من صدوره ، الى وسائل الاعلام !
    لست على يقين ، ما إذا كان القاضي الهمام ، قد حمل الحكم بنفسه- ايضا- الى الاذاعة والتلفزيون ، والصحيفتين الاخريتين ، لكني على يقين تام ، بأنه حمله الى صحيفة (الايام) !
    الزمان : الثلاثاء ، (15) يناير 1985
    المكان : الخرطوم ، مبنى تحرير (الايام) ، جوار مركز صحي الخرطوم ، الى الشرق بمقدار ( فرقة كعب) من شارع القصر . المبنى يفصله عن خلفية ديوان شؤون الخدمة ، شارع ضيق ، مزدحم باستمرار بالغبار ، والمارة ، والبكاسي ، وبائعي الشاي والجبنة ، في موقف بري .
    الوقت : حوالي الثانية والربع بعد الظهر ، او الثانية والثلث ، او قل الثانية والنصف .
    في مثل هذا التوقيت - من كل يوم ماعدا الجمعة - كنت سترى - ان كنت مارا او زائرا - شلة من ( ناس الأيام) ، في انتظار حسن حسين وعبد الله سائقي حافلتي التحرير ، وفي انتظار بوكسي المطبعة .
    كنت سترى - مثلا -( ناس ام درمان) على يمين المدخل : انعام محمد الطيب ، وعواطف صديق، ونفيسة احمد محمد ، والثنائي وفاء وهويدا عوض الله ، وفوزية محمد صالح ، ونجوى حسين ، واسامة سيد عبد العزيز ، ومصطفى ابو العزائم و... كنت - بالتأكيد - لن تحظى ب (شوفة) صباح محمد آدم .. صباح التي كانت تضع القلم ، في الواحدة ونص وخمسة ، و(تلفح) شنطتها و(تعزل) بمجرد أن ( يتاوق) لها من باب مكتب المنوعات ، خطيبها د. مضوي !
    ايضا، كنت سترى - ان كنت مارا او زائرا - ناس الديم والديوم والصحافات واركويت : فائزة شوكت ، وليلى ( الطويلة) ، وزهيرة ( المليانة) سكرتيرتا الاستاذ حسن ساتي.. والطريفي (
    بتاع الارشيف) .. وعيد (الجنايني) ، وثلاثي الكاركاتير : ابا يزيد ، وصلاح حمادة ، وبدر الدين (اذا كان قد جا وراجع الحصاحيصا) !
    في ذلك التوقيت - لو مررت امام تحرير الأيام - لكنت قد رأيت اخرين : الرشيد بائع الجبنة المتجول ، يدخل ويمرق ، حاملا صينية جبنته ( ال########ة جدا) ، ولكنت قد رأيت ميسرة ( الطويل الليهو حدبة) ، يحمل الكفتيرا الخدراء المطرقعة ، داخلا إلى الأيام او خارجا منها.. ولكنت قد رأيت من ناس الأيام : عابدين سمساعة (يكب الحنان) لإنعام بطريقة ناس الاربعينات .. ولكنت قد رأيت عمر اسماعيل ، بنظارته السوداء، يدخل ويمرق ، قلمه في اذنه ، مثله مثل اي نجار في الدنيا .. حسن الرضي بصلعته ( ينقنق) ( والله دي ماطريقة اصلو) .. يتلفت وفي يديه كمية من التحقيقات والمنوعات ، يفتش عبثا عن بوكس السكرتاريا .. فتح الرحمن النحاس ( يبصق سفة) او( يخت سفة) ، يحاكي بصوته الذي ( عتتتهو) جبنة الرشيد ( المعتته) - يحاكي لسان يلحدون اليه : لسان الخفير عبد الله الغرباوي ، اذ هو يرد على احد السائلين ذات يوم من ايام ( الأيام) عن عوضية يوسف : ( واللاهي اودية ساقتها النهاس وتلأت) !
    ايضا ، لوكنت قد مررت في ذلك التوقيت ، لكنت قد رأيت محمد لطيف بعينيه الزائغتين ، وقميصه نص الكم الفاتح باستمرار زرارتيه الفوق .. ولكنت قد رأيت صلاح دهب يدخن في ( برنجاية) .. ولكنت قد رأيت - احيانا - ود عابدين مع واحدة من محطاته ( الكبيرة) ، او رأيت عيسى الحلو يشحد ، بطريقته التليدة ، في سيجارة : محركا كالعادة سبابته وخنصره معا - وبينهما شوية انفراجة - يحركهما جيئة وذهابا ، قريبا جدا من شفتيه .. ولكنت قد رأيت عبد القادر حافظ بعينيه الكبيرتين .. ولكنت قد رأيت ، مرتضى الغالي يخرج بسيارته قليلا .. قليلا الى الخلف .. عيناه الذكيتان تقولان لهذه ( والله موت ) وتقولان لتلك ( موت والله .. موت !) والى جواره ، في المقعد الامامي نجيب نور الدين يدندن : ( امهد ليك تتخلص مني) !
    لوكنت مررت في ذلك التوقيت ، لكنت قد رأيتني أنا .. ولو كنت رأيتني لرأيتني لست انيقا ، ولست مبهدلا كما ينبغي .. امسح احيانا بيدي شعر رأسي المنكوش ، وابرم احيانا شعيرات منه في القطاع الامامي من الدماغ .. و( قطع شك) لوكنت قد رأيتني في مثل ما أنا فيه في ذلك التوقيت ، لكنت قد قلت في سرك ، عني ، بتعبير الثمانينات ، ان هذا الزول (ما مجمع) وسط كل هذه ( الهيلمانة) .. ولو كنت انت ، من الذين أن يجيئوا الى الثمانينات من ( الفين وخمشة سوداتل ) لكنت قد قلت عني إنني ( خارج الشبكة) !
    لم اكن لم اكن ( ما مجع)
    كنت ( مجمع ونص) ،
    كنت جزءا ، من تلك الهيلمانة كلها ..
    وكنت جزءا اصيلا من ( الأيام)
    و( الأيام) يا صاحبي ، تأتي لمثلك في كل يوم بالاخبار ، ومثلك بالأخبار ما كان ل(الأيام) ، في ذلك التاريخ ، ان تزود !
    ( سييييييييك) وقفت امام مكتب تحرير ( الأيام) في ذلك التوقيت - الذي حدثتكم عنه - ( تويوتا دبل قبينة ) براند نيو:
    إنفتح الباب اليمين ، ونزل ..
    الجلابية البيضاء ،
    والعمة،
    والملفحة،
    والمركوب ،
    و.... ( أمك) ده المكاشفي ذاتو !!!
    كان المكاشفي (بعبعاً مخيفا) في تلك الأيام .
    كنت - ما أن تراه – حتى ترى فيه قطع اليد، والقطع من خلاف، والصلب والجلد، ويقف شعر جلدك كله، وتوشك من شدة خوفك أن تعطيه (عجاج كرعيك) من المكان الذي هو فيه، والمكان الذي هو فيه كان - للأسف- بمساحة مليون ميل.. مليون ميل (تقطع نفس خيل القصائد)!
    لو قلت لكم صدقوني: لو أن عفريتاً انشقت عنه الأرض - كما يقول الطيب صالح – وابتلع واحداً من شلة الأيام، التي كانت تقف في ذلك التوقيت أمام الدار، لما كان يمكن أن يثير كل ذلك الخوف الذي استبد بتلك (الهيلمانة) في ذلك التوقيت، الذي حدثتكم عنه.. لكنه.. المكاشفي طه الكباشي !
    فجأة ، (كّشت) زهيرة ، كما لو فأجاها (رجيمٍ قاٍس) تنزل عليها ، بغتةً من السماء . (قِصرت) ليلى الطويلة بمقدار (متاوقة أو متاوقتين) : زرّر محمد لطيف الزرارتين .. (دارت) فائزة شوكت عينيها الضاحكتين و(دارت) قفشةً كانت تحوم في خاطرها الجميل .. بلع النحاس السفة، ولسان عبد الله الغرباوي .. (نملّ) جلد انعام .. كف سمساعة عن كب الحنان، وكف عن استدراكاته الشهيرة : استدراكاته تلك التي يقلب ، في كل واحدةٍ منها، الألف عيناً (عٍلا ، عٍلا عٍلا) ليعل انعام ، ويعلنا نحن جميعاً ، ويعل حتى كل حرف ليس هو من حروف العلة!
    لم أكن – كما قلت لكم- (ما مجمع )
    كنت (مجمّع وٌنص): في تلك اللحظة ، ابتسمت في سري ، وأنا أتخيل صديقي نجيب نور الدين: لو كان إلى جوار مرتضى في تلك اللحظة، ما كان ليمكن ، اطلاقاً، أن يدندن ب ( أمهد ليك تتخلص مني .. ألقى خطاي تجمعني معاك ) ولما كان يمكن أن يحلم - مجرد حلم – ب ( نجوم بعيدة) !
    مر المكاشفي ، سريعاً، إلى الداخل ،
    ومرت وراءه ، عيوننا .. و..... (خبّ) خلفه ب (شلاقته) التي نعرفها جميعاً فيه ، صديقنا أبو العزائم وهو يرفع، بسبابته اليسرى، نظارته الطبية ، ويرفع بإبهاميه وسبابتيه ، في وقت واحد ، من وقت لآخر، بنطلونه .
    (لحق) أبو العزائم ، المكاشفي ، في الحوش الصغير الذي يقودك مباشرةً إلى مكتب الرياضة ، وكان ود الشريف يدندن في سره - في تلك اللحظة – على رائحة كدوس عمنا عمر عبد التام
    (بناديها،،،
    (بناديها،،،
    (وبعزم كل زول .. يرتاح
    (على ضحكة عيون ... فيها)!
    دخل المكاشفي (يفتش )
    و( يسأل)
    لكن ، المكاشفي ، ليس هو عمر الطيب الدوش ، ليفتش في التاريخ ، محل الخاطر الما عاد .. أو ليفتش في الأعياد ، وفي أحزان عيون الناس، وفي الضل الوقف ما زاد!
    كان المكاشفي يفتش ويسأل عن الأستاذ حسن ساتي ، رئيس تحرير الأيام.
    (طايبه) أبو العزائم، وقدم إليه نفسه
    - أهلاً أهلاً أبو العزائم .. كيف صحة والدك ؟ ووين.. حسن ساتي ؟
    (فات) على أبو العزائم، أن يجيب على السؤال الأول. (استعدل) نظارته وأجاب على الثاني:
    - والله يامولانا ، لو ما خايف الكضب، كنت حأقول ليك في اللحظة الإنتو جيتو بجاي ، أستاذ حسن لف بجاي !
    (استعدل) أبو العزائم – مرة أخرى – نظارته وهو يقول للمكاشفي: اتفضل يا مولانا.. أتفضل!
    - شكراً .. معليش .. بعد ده ماشي الإذاعة ،، والصحافة ، و......ده خبر تأييدنا في محكمة الاستئناف لاعدام محمود .. بالله ضروري ، تدوهو حسن .. حسن ساتي !
    أبو العزائم ، في زحمة انشغاله برفع نظارته .. وفي زحمة انشغاله بالخبر، لم ينس أن يقول للمكاشفي: (بارك الله فيك يا مولانا) وإن كان قد نسى ، أن يقول له: ( والله ، لو مابخاف الكضب، أقول ليك الخبر ده عندنا، من بدري يامولانا)!
    الخبر (بالفعل كان عندنا من بدري) كان قد حمله إلينا مندوب الأيام، الذي كان معنياً بمتابعة أخبار المحاكم، وأبرزها، في ذلك اليوم محكمة الاستئناف.
    أترك للقارئ ، أن يفسر (شلاقة) المكاشفي ، القاضي الهمام ، الذي تحول فجأة إلى مندوب أخبار .. أترك له ، أن (يخُرج) ما يشاء من التخريجات ، لهذه (الشلاقة) أو الخفة القضائية : أترك له أن يقرأ ما بين سطور ذلك كله ، وأعود إلى ... ( الأيام)
    خرج المكاشفي .
    انفتح الباب اليمين للتويوتا البراند نيو ، وانسد .. (انسابت) و ................... (ختّت ) زهيرة نفساً ثقيلاً ، كانت قد شالته وقتاً طويلا ، وعادت القفشة الحلوة ، تحوم في خاطر فائزة شوكت ... خاطرها الجميل !
    ناولني أبو العزائم الخبر.
    - يا أبو العزائم ، الخبر ده... عندنا.
    - معليش .. معليش.. بس إنت أديهو حسن، وقول ليهو المكاشفي ........
    و... قبل أن يكمل أبو العزائم جملته، أسرع يدخل جسده ، في (حافلة ناس أم در) التي كانت توشك أن تتحرك .
    (تآمرت) نفيسة أحمد محمد ، وانعام، على أبو العزائم : اصطنعت انعام الجدية، وهي تقول له: (والله ياأبو العزائم، لكن بالغت والله : تدي الخبر لهاشم كرار ؟! انفجرت تضحك : (لومني يا أبو العزائم ُبكرة ، لو هاشم ما نسى ليك الخبر مع (روجيتا) ، أو مع عبد المنعم شتلي في مركز الأمم المتحدة ... أو في مطعم البربري !
    حديثٍ إنعام ، لم يخلي الفار ، يلعب فقط في عٍب ابو العزائم . رأيته – الفار – يلعب في عينيه أيضاًَ وهو يخرج وجهه من نافذة الحافلة ، ليقول للنحاس : (النحاس .. النحاس : ذكّرو بالله .. ذكّر ذكّر هاشم !)
    راحت الإثنتان – نفيسة وإنعام- تموتان من الضحك – وهما يريأن الفار، يلعب أكثر وأكثر، في عيني أبو العزائم ، والنحاس يرد عليه، بلسان الذي يلحدون إليه: (أودية أودية ساقتها النهاس ، وتلأت!)
    حاول أبو العزائم ، أن يطرد الفار الذي راح يلعب في عينيه ، فلعب فار آخر في صوته ، حين مده، وهو يبتسم ليقول: (غايتو ما عارف.. لكن الخبر لو ما نزل بكره، المكاشفي ح.. ح .. يعلوكم انتو الاتنين بالدرة!
    في تلك اللحظة (ادّاها ) حسن حسين (أبنص) تقيل .. جفل أحد المارة ، وراء الحافلة، فانفجر عيد الجنايني يضحك، ويضحك، فيما راحت أنياب الخفير محمد صالح البارزة أصلاً ، تبرز أكثر، وأكثر !
    راح حسن حسين يدوس ، مرة مرة ، على البنزين، ومرة مرة على (البريك) ، وهو يوزع عينيه بين مرايتين .
    كانت الحافلة ترجع ،
    ترجع إلى الخلف، وتقيف
    ترجع ، وتقيف
    ترجع ، وتقيف
    ترجع ، (تيت تيت تيت تيت تيت) منبهةً بهذا (البوري) الخفيف ، المارة في الوراء .
    استعدل ،
    أخرج حسن حسين ، شريطاً من جيبه ، (دقّّاه) مرتين في (الدركسون) قبل أن يدخله في (ريكوردرو) السنين :
    أخرج رأسه ، و (كورك) :
    - يا ود الشريف، ياود الشريف
    و..... حين ركز ود الشريف، ضحك حسن حسين:
    - هاك : هاك (بناديها) دي !
    وفتح سريعاً ، (ركوردرو ) السنين إلى الأخر : أنا أم درمان .. أنا السودان.. أنا الدُر البزين بلدي .. أنا البهواك سلام وأمان ... وأنا البفداك يا ولدي!
    إمتلاً الشارع الضيق ، المزدحم باستمرار بالغبار، والمارة ، والبكاسي ، وباعة الجبنة والشاي والمساويك – امتلأ (لليفة) بصوت الفرجوني : أنا أم ردمان .. أنا السودان...
    في تلك اللحظة بالتحديد (وكان المكاشفي لا يزال في ذهني ، شايل بنفسه خبر محمود للأيام ) في تلك اللحظة (وقعت لي يا دوب) جملة فات عليّ أن (أفهمها طايرة) في وقتها : جملة (فكّتها ) لي الأستاذة بدرية سليمان عباس ، كبيرة المستشارين القانونين برئاسة الجمهورية.
    كان ذلك ، قبل محكمة المهلاوي .
    كان قبل منشور (هذا أو الطوفان)
    كان قبل ذلك بزمن ، زمن :
    دخلت القصر
    كنت ، في ذلك التوقيت مكلفاً بتغطية أخبار وزارة المالية ، ورئاسة الجمهورية، و...... و..........
    دخلت ،
    قلت لنفسي : قبل أن (أطلع فوق) حيث متابعة لقاءات (الريس) لأسلم على الأستاذة بدرية، (وأشوف بالمرة أخبار إدارتها)
    كنت أعرفها ،
    أعرفها من زمن أن كان الأستاذ السباعي كبيراً للمستشارين القانونين ، وكانت هي في مكتبه (التربيزة قصاد التربيزة) مستشارة قانونية.
    في ذلك الزمن ، كنت أتردد على مكتب السباعي يومياً . كنت أحياناً أحمل كتابا،ً أو كتيباً، من كتب الجمهوريين .. كتاباً أو كٌتيباً ، اشتريته وأنا في الطريق إلى القصر ، من حلقة نقاش ، كان يديرها يومياً الأستاذ دالي ، في الشجرة المقابلة لوزارة الخارجية.
    - إنت يا هاشم جمهوري وللاّ... شنو؟!
    سألني هكذا ، ذات يوم الأستاذ السباعي ، وكنت في مكتبه ، جالساً في أحد الكرسيين الأسوديين ، المواجهين لباب المكتب ، وكانت في يدي (كباية كركدي) من كركدي القصر الشهير
    - والله ياخي ... أنا ما جمهوري .. لكن حصل إنت قريت ليهم؟!
    - تقريباً ، مرة أو .. مرتين.
    - وإنتي يا بدرية ؟!
    - شوية.. شوية كتب كدة !
    قلت للسباعي: (والله غايتو) .. الناس ديل جديرين بأن نقرأ لهم .. الجمهوريين ديل ناس محترمين جداً في أفكارهم ،
    وأهديت السباعي الكتاب الذي كنت أحمله .
    مرّ زمن ...
    (اترقى) السباعي ، أصبح وزير دولة في القصر الرئاسي ، مكتبه (فوق) ، وترقت هي (الأستاذة بدرية) – فأصبحت كبيرة المستشارين القانونيين.
    حدث ذلك ضمن ترتيبات قوانين سبتمبر .. الترتيبات التي جاءت بالنّيل أبو قرون ، قاضياً برئاسة الجمهورية ، وجاءت بالأستاذ عوض الجّيد محمد أحمد مستشاراَ قانونياً (في تربيزة السباعي المقاصده تربيزة بدرية)
    ما علينا،
    نقرت الباب (باب مكتب بدرية وعوض الجيّد) ،
    فتحتو .. وسريعاً جداً قلت (سوري) وسديتو :
    كان النيّل أبو قرون ، وعوض الجيّد ، جالسين بين التربيزتين ، فوق سجاد عجمي أحمر ، وبينهما أوراق مبعثرةُ، كتيييييرة.. وكانت الأستاذة بدرية واقفةً ، على جانب مكتبها، قريباً من الباب ، ولا أدري إذا ما كانت هي - في تلك اللحظة- كانت تهُم أن تمرق ، أو تهُم أن تجلس ، أو ....
    أذكر جيداً ، أنني ، قبل أن أقول (سوري) وأسد الباب ، كانت قد قابلتني ، في تلك اللحظة، عينا عوض الجيّد .. أذكر جيداً ، إن أبوقرون اتلفت ، يعاين ..
    كانت العيون الأربعة (مهجومة) !
    (سوري) و.. سديتو!
    لم يكن من اللائق – بالطبع- في مثل هذه الحالة ، أن أدخل ، أو أن أظل واقفاً في الباب .
    (سديتو)!
    مشيت خطوات ، في (الكوريدور) الضيق ، قبل أن يلحقني صوت الأستاذة بدرية ، ينادي ... ينادي عليّ.
    رجعت .. سلمت ، وكانت هي بقرب الباب ، والباب مسدود.
    - صاحبك (انتهى)!
    هكذا ، دون مقدمات ، فاجأتني الأستاذة بدرية، في تلك اللحظة، بتلك الجملة الغريبة ، وهي تمرر سبابتها على عنقها من اليسار إلى اليمين
    افتكرتها تتحدث عن بدر الدين سليمان ، الذي كنت أتردد على مكتبه متابعاً أخبار وزارته .
    كان بدر الدين، في تلك الأيام ، قد تكدرت علاقته بالنميري ، خاصةً على صعيد اللجنة الشعبية للاتحاد الإشتراكي .. اللجنة التي كان قد كونها النميري برئاسة بدر الدين ، بعد أن حلّ الاتحاد الاشتراكي (العظيم) !
    - صاحبي – بالمناسبة هو اللي زهج ، وقدم استقالتو !
    - لا ، لا .. ما صاحبك دا (وأشارت بدرية في تلك اللحظة بابهامها للوراء حيث وزارة المالية ) قبل أن تردف : صاحبك التاني !
    حاولت أن أفهم ،
    ما فهمت .
    رحت أسألها : صاحبي التاني؟! صاحبي التاني .. منو؟ !
    - أمشي ... أمشي. أصلو ... عمرك ما حتفهم!!!
    لم تنتظرني ، الأستاذة بدرية ، ريثما أحاول أن أفهم.. ربما كانت متأكدة بإنني أصلو ما حأفهم... دخلت و... وسدت الباب!
    مشيت ،
    (طلعت فوق) ، وما فاهم شئ.
    نزلت ، وما فاهم شئ .
    مرّ زمن ... وما فهمت شئ .
    صدر المنشور (هذا أو الطوفان) ، أعتقل محمود والأربعة ،، وما فهمت شئ !
    حكم عليهم المهلاوي بالاعدام ، وما فهمت شئ !
    رُفع الحكم إلى الاستئناف ، وما فهمت شئ!
    ما فهمت شئ
    ما فهمت.
    حتى ، إذا ما جاءت تلكم اللحظة ، التي حدثتكم عنها : اللحظة التي انبهل فيها صوت الفرجوني ب (أنا أم درمان.. أنا السودان ) من (الريكوردر) السنين ، وكان المكاشفي ، لا يزال في ذهني بجلابيته وعمامته وملفحته ومركوبه ، شايلاً بنفسه خبر محمود إلى الأيام ---- حتى إذا جاءت تلكم اللحظة التقطت فجأةً جملة بدرية (صاحبك انتهى) ، والتقطت معنى أن تمرر سبابتها على عنقها ، إذ هي تقول ما تقول ، والباب مسدود ، وعوض الجيّد وأبو قرون فوق السجاد العجمي الأحمر ، والورق المبعثر .. كتيــييير !
    الآن، الآن فقط ، (وقعت لي) الجملة.
    قّّّرّب أقع ، سندت نفسي ، وفي تلك اللحظة – بالتحديد أيضاً – خطرت لي خاطرة : أن أستف حلقي بالكوراك ، أقيف في نص الشارع ، واكورك.. أكورك .. أكورك .. أكورك : أيا.. يا أم دردمان زولك انكتل .. يا السودان هوي الزول ، الزول انكتل..
    آناس
    آ الغبيانين
    الزول انكتل ،
    الزول
    الزول انكتل، في حوش (هوس) ناس النميري ، والترابي، والمهلاوي، والمكاشفي ، وحاج ماجد وحاج نور!
    الخاطرة لكعت،
    خبتّ،
    جرت،
    جرت دُغري من مخي للحلق،
    في نص الشارع، وقفتَ
    حلفت بتربة أبوي ، وحيات أمي
    أفتح ليها..
    سجن سجن – يا زول – غرامة غرامة!
    فتحت ليها أم بناياً قش:
    وقفت أكورك،
    وأكورك،
    وأكورك ،
    عٍلا.. عٍلا الكواريك بت الحرام ، أبت ،
    ستين أبدين أبت .. أبت تطلع،
    كان الحلق..
    حلقي كان نشفان،
    وكان ..
    وكان حلق النيل تحاريق !
    أقولك ، ما ختيت نفساً شلتو،
    ما اتلفت تب،
    تفيت عديل في الخشم.. خشمي،
    لعنت أبو خاش خاشين الحلق والنيل،
    لعنت أبو.. أبو الكوراك ال######## ،
    الخول الما عندو مروّة ،
    واتلفت..
    اتلفت أكوس الغيرو ..
    كانت خلايق الله، علي العليها
    مشدوهة ،
    مشدوهة في الفيها
    (ناس تدفر ، وناس تطفر)
    ناس تدقس ،
    وناس تكدس،
    وناس تكابس ،
    تكابس ،
    تكابس،
    وناس تدوس،
    و (الجرائد ، حوامد شواكر..
    (تسبح بحمد الذي ....
    (وما فيها شئ !)
    كرهت نفسي ،
    مرقت منها ،
    أجرى وأكوس،
    أكوس قدّام ، ولي قدام ،
    جاي وجاي ،
    التكتح ما في،
    بس (دقناً وشُنب
    تايوتا تكُب ، في الميضنة !)
    شلت حسي :
    (يا حاج تُلب ، وين الحتُرب الكانوا تُلوب؟!)
    ياحاج تلب،
    يا حاج تٌلب،
    يا....
    (ديل صبحوا قُرب ، أو أضحوا جُنب، في الميضنة!)
    بطني الطامة ،
    طممت – تاني – بطني،
    وكان ،
    وكان، درب الرجوع، أسرع..
    ولقيت ، ولقيت ناسي :
    عمر إسماعيل، ضهبان ومودّر..
    مودر، يكوس،
    تكوس؟
    تكوس في شنو،
    ودايربو شنو؟!
    يكوس ،
    يكوس وفي (أضانو) مغزوز (الناشف) ،المابزيل بلم!
    النحاس ، متربس خشمو بالتمباك ، ولسان الذي ....
    وحسن الرضي ، الزول الرضّي ، في نقنقتو :
    (والله دي ما طريقة أصلو،
    والله دي أصلو ،
    ما طريقة شغل دي !)
    وبوكسي السكرتاريا السجم ،
    مقطوع طاري، ولا ...
    ولا ، ولا من شاف!
    وعابدين،
    عابدين سمساعة يكُب ،
    يكُب في (حنان حنانو)،
    لا بجيب لا بودي،
    في غير الفيهو ، أصلو ، أصلو ما هامي ،
    (عٍلا ، عٍلا ) ياحليلو ، في ديك اللحظة كب الجرسة ،
    كب الجرسة ل (اللدتنا قفاها اللعوج)،
    وكنتكت : (باي)!
    وكنتكت تاني: أنا أم درمان ،
    وكنتكت تالت : أنا السودان ،
    وكنتكت لآفة : أنا البفداك ياو لدي!
    (.........)!
    (.........) في الفرجوني،
    (.........) في أم درمان،
    (.........) في السودان،
    (.........)يت،
    و .. آآآخ .. تُف، تفيت !



    (فات) العصر ،
    (ولى المسا) ..
    وعادة في مثل هذا التوقيت ، من كل يوم ، يصبح مكتب تحرير الايام ، في الخرطوم ، (غير) . يصبح الى غير ماهو عليه في اي نهار .لو جئت الى (الايام) في ذلك التوقيت ، لقلت إن (الايام) تحتويها رعشة البكاء ، تلك الرعشة ، التي هي (لزمة) من (لزمات) الغنا السمح في خشم ،،، خشم سيد خليفة !
    في ذلك التوقيت، لاصحفيين (كتار) ،
    ولا (موت.. والله موت!) ":
    لاصباح ،
    ولا انعام ،
    ولا نجوى حسين، ولا عواطف ،ولا.. ولا فائزة شوكت تحوم .. تحوم في خاطرها (خاطرا الغالي) دعابة حلوة ، او قفشة مشاغبة ، او طرفة مليحة !
    قي ذلك التوقيت ، (تصن) المكاتب : ليس من صوت ، إلاصوت صرير اقلام عمك عمر عبد التام ، وابوشنب ، ومصطفى عالم في مكتب الرياضة .. وليس من صوت إلا صرير اقلام (ناس الاخبار) ، في المكتب ( الفوق ) الفاتح على مكتب حسن ساتي .. وليس من ضحكة (تحت) إلا ضحكة احمد البلال الطيب ضحكته في مكتب التحقيقات ، على التلفون، مع وزير - بالطبع - او مدير .. ضحكته تلك العالية الشهيرة التي تخرج ها ها،،ها ها ،، هكذا بالقطاعي ، من بين لهاته وجيوبه الانفية ، ويقطعها هو - فجأة- ل(يخش) في حديث اخر !
    ذلك الوقت ، في الايام ، هو وقت (الزنقة) : الوقت الذي تكون فيه المطبعة ، في بحر (فاتحة خشما) ، لاخر الصفحات : الرياضة والاولى
    كانت في ذلك الوقت ، تلفونات الاخبار ، ترن من وقت لاخر :

    - صحي ، محكمة المكاشفي أيدت اعدام الاستاذ محمود ؟!
    كان ذلك هو السؤال ، بين كل رنة تلفون ، ورنة تلفون ، وكان السائل - على الجانب الاخر على الخط - هو كل من (فاتته) نشرة الساعة تلاته ، ونشرة خمسة ، وسمع بالخبر ( من جاي اوجاي) ، واراد ان يتأكد .
    كان الخبر (الذي كان عندنا من بدري) ، واصر المكاشفي طه الكباشي ، ان يجئ به الى الايام بنفسه ، (ناهرا اليها ) دبل قبينة موديل 85 براند نيو ، في ذلكم النهار الذي حدثتكم عنه .
    كان الخبر الذي سلمه هو ، لابو العزائم .. كان لايزال في جيبي ،
    وكنت اعرف انه ، لن ينشر !
    - (افتكر إننا لاننشره)
    كان ذلك ( إفتكار) ، بل قرار استاذ حسن ، اول ما جاء بالخبر (كداري) مندوب الايام ، من محكمة الاستئناف طوارئ ، في الخرطوم نمرة 2 .
    قرار الاستاذ حسن ، كان قد قال به (تحت تحت) ، لحلقة ضيقة جدا ، كنت فيها ، ولم يكن فيها البلال ، ولم يكن فيها الاستاذ تيتاوي ، نائب رئيس التحرير!
    كان (فهم) استاذ حسن ، الذي اتفقت معه فيه الحلقة الضيقة (مرتضى الغالي ، وعبد القادر حافظ ، ونجيب نور الدين ، وشخصي) إن في نشر الخبر محاصرة لرئيس الجمهورية ، في (الزاوية الضيقة) ، ذلك لان الحكم بالاعدام الذي سترفعه للرئاسة ، محكمة الاستئناف العليا طوارئ ، هو حكم (حدي) ، ولايجوز (حتى للنبي الكريم ،ان يبطل حكما حديا ، ناهيكم عن جعفر نميري دا!)
    كان (فهمه) ألا (نزنق) نميري بالنشر .. أن (نعطيه هامش حركة) .. ان (نخليه يتصرف دون احراج ، يضع الحكم في درجو ، او يلغيه ، او يلقيه في سلة المهملات !)
    لو انني - ( الاصلو ) عمري كلو (ما حا افهم) ، كنت قد فهمت ، من زمن ، جملة الاستاذة بدرية ، تلك التي قلت لكم انها كانت قد (فكتها) لي ، امام الباب (الفتحتو، وقلت سوري، وسديتو) - لكنت اذن ، قد قلت لاستاذ حسن ، في تلك اللحظة التي كان يفهمنا فيها (فهمو) لعدم النشر :
    -يا استاذ حسن ..يا أخ ... درج شنو ، وسلة مهملات شنو .. لقد قضي الامر الذي فيه تستفيان !
    تخيلته ، في تلك اللحظة ، كان سينهجم ،
    تخيلت نفسي ، اقول ايضا بأسف :
    - يا استاذ حسن ، يا استاذ .. لقد رفعت الاقلام ، وجفت الصحف !
    تخيلته : طان سيلتقط شيئا ، بفطنته التي اعرفها فيه ، غير انه كان سيسألني اولا ، بعينيه الذكيتين اللتين (اكلهما نمتي العفاض ) كما قال عنهما ذات توصيف جميل صديقي نجيب نور الدين ، قبل ان يسألني بصوته (التلفزيوني) :
    -انت يا هاشم عنك حاجة ؟ اتصور (في الحته دي) عنك حاجة دايرتقوله !
    في (الحتة ديك) كنت سأقول له ، ان نميري الذي تريد ألا (نزنقو) بالنشر ، و ( نخلي ليهو هامش حركة) هو نفسه النميري الذي صدق على الحكم من زماآآن .. من قبل ان يصدر الجمهوريون ( هذا أو الطوفان) ، وقبل ، قبل اعتقال الاستاذ محمود والاربعة .. وقبل محكمة المهلاوي .. وقبل محكمة المكاشفي ، وحاج ماجد ، وحاج نور !
    تخيلته كان سيقول : دا كلام شنو دا؟!
    تخيلته : ]اخذ بيدي - دون ان يستأذن من الثلاثة الاخرين ، في الحلقة الضيقة (تعال تعال ) ويطلع بي ، فوق ... الى مكتبه !
    اخذتني ، من ( خيالاتي) - وكنت فوق في مكتب الاخبار - ضحكة من ضحكات البلال الشهيرة ، في مكتبه (التحت)
    انتبهت
    انقطعت الضحكة
    انتبهت اكثر : كانت ثمة خطوات لاهثة ، (تربرب) رب رب رب، في درجات السلم الخشبي ، المغطاة بموكيت احمر قديم . كانت تلك هي (ربربة) خطوات الخفير عبدالله الغرباوي. كانت تلك هي خطواته ، باستمرا ، في مثل هذا الوقت - تقريبا - وفي هذا المكان ، كل يوم . كانت خطواته عادة تلهث ، الى فوق ، وفي يده مفاتيح، ليفتح باب مكتب رئيس التحرير ، اول ما يظهر هذا الاخير .
    ظهر ،
    رأيته بانفي اولا ، قبل ان اراه ، بعد ثانيتين ثلاثة بعيني الاثنتين (هاتين) : كانت قد سبقته الى فوق (ريحتو) المفضلة في تلك الايام، والتي كنت اظن انها ، ما كان يمكن ، ان تروق له اطلاقا ، لولا ان اسمها كان يداعب اعتدادا بنفسه هو
    : اعتدادا يراه الاخرون ، غرورا فيه .. في حسن ساتي . كانت الريحة ريحة (ون مان شو) !
    (مساني بالخير) ، ومسيتو .
    - ايه الجديد عندكم ، في ..في الاخبار!
    كان الخبر ... الخبر الذي جاء به للايام ، المكاشفي - بنفسه - لايزال (مرميا في جيبي) .
    - لا جديد ، لولا ان المكاشفي ، جاء بالخبر بنفسه ، الى الايام ، وقال .. .
    قاطعني استاذ حسن ، بعد ان التفت ، وكان تلك اللحظة ، قاب خطوتين ، او ادنى، من كرسيه .
    - قلت المكاشفي قال .. قال شنو ؟
    - طبعا ، قال يدوك ليهو ، للنشر !
    - للمشر ؟!(رمى حسن ساتي هذا السؤال - هكذا - استنكاريا ) قبل ان يبتسم هزوءا، او في مرارة ، وهو يقول
    - كلام غريب والله .. هم كمان دايرين يبقوا رؤساء تحرير .. وفي رؤساء التحرير ، دايرين يبقوا رئيس تحرير
    الايام ؟!
    قال ما قال ، و(تحكر) في كرسيه ، فيما ملأت المكتب كله ، في تلك اللحظة ، ريحة ( ون مان شو) !
    عجبني ،
    ولوكنت انت ، انا ، في تلك اللحظة ، لكان قد عجبك ، ايضا !
    ذلك هو - حسن ساتي- رئيس التحرير الذي يعجب .. والذي كان ليعجبك كثيرا جدا، لو كنت انت ، واحدا في (فريقه)، واحدا في (كتيبة)الايام .
    في تلك اللحظة ، دخل عبد القادر حافظ ، الذي كان يدير الاخبار ، في تلك الايام ، سلم و...
    - طبعا يا استاذ ، اظنك عرفت الحصل !
    - آي .. كلمني هاشم .. دي حاجة .. حاجة تقرف والله !
    - ننزلو؟!
    - ننزل شنو ! دي جريدة دي ياعبد القادر حافظ .. دي جريدة الايام ، الرئيس تحريرها حسن ساتي ، وليس المكاشفي ..جريدة شغالين فيها انتو يا عبد القادر ، ويا هاشم ، ويا ...
    وصمت للحظة ،و..
    - لا ..ما ينشر ، للاعتبارات ال..............قبيل قلناها !
    و......
    و......
    حمل محرر السهرة - كالعادة - في تلك الليلة ، اخبار وخطوط ومانشيت الصفحة الاولى ، الى بحري حيث المطبعة ( الفاتحة خشما) ولم يكن من بين الاخبار ، الخبر .. الخبر الذي حمله للايام -بنفسه- المكاشفي ، واذاعته الاذاعة ثلاث مرات ، وتصدر نشرة التلفزيون ، في التاسعة !
    في صبيحة اليوم التالي ، خرجت الصحافة تحمل الخبر ، وكذا خرجت جريدة القوات المسلحة ، فيما كانت ، الصفحة الاولى ، في الايام سوداء ، من غير سوء !
    تخيلت (حالة) المكاشفي ، في ذلك الصباح .. و.. اترك لكم ، ان تتخيلوها انتم ، وهو يقلب الايام ، رأسا على عقب ، يفتش .. يفتش عن الخبر ، حتى بين اخبار الوفيات ، ولا .. خبر ..الخبر الذي (نهر) به ، الى الايام التايوتا السنينة ، الدبل قبينة .. التايوتا البراند نيو !
    بالتويوتا، التويوتا موديل 85، الدبل قبينة، السنينة، البيضاء، البراند نيو.. عاد: عاد خبر تأييد حكم اعدام الاستاذ

    محمود، الي الرجل الذي كان قد أيد الحكم من زماان.. من قبل «هذا أو الطوفان»!

    كان الحكم بالاعدام قد خرج من القصر - مباشرة - بعد المنشور الى محكمة المهلاوي في أم درمان.. ومنها خرج

    - سريعا جدا - الى محكمة المكاشفي في «نمرة 2».. ومنها بالتويوتا السنينة عاد (عائد، عائد يا نميري) الى قصر

    الشعب!

    ذلك هو النميري،

    وتلك هي طريقته،

    هو دائما هكذا: (يرفع الكورنر، ويجري.. يلحق الكورة، عالية، في خط 6 ينط، يديها شبّال، ويعلقها هناك.. في

    الثمانيات!).

    ما بين القوسين، نكتة.. والنكتة كانت لكيجاب (كوروكودايل آفريكا). اذكر أنني التقطها منه، ذات يوم من أيام (الأيام)

    و(أنا داخل مكتب الرياضة لأولع سجارة):

    كان هو - كيجاب - بقامته الطويلة و(خضرتو)، واقفا في نص المكتب، يحكي.. يحكيها. كان يحكي فيها بصوته،

    ورجله.. ثم برجليه الاثنتين معا، ورقبته ورأسه.. وكان القون.. القون الذي اهتزت شبكته بالشبّال، هو خشم باب

    المكتب، الذي كان واقفا، في زاوية منه في تلك اللحظة- ماسكا بـ (حلقو) بإحدى يديه، عمك.. عمر عبدالتام،

    و(فاطرو) القديم يلمع - مرة مرة - في خشمو!

    نكتة كيجاب، تلك التي لخصت حكم الفرد النميري، كان يمكن ان تكون نكتتي أنا، أو نكتتك أنت، أو نكتة آمال

    عباس، ذات نهاية مؤتمر للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي (العظيم):

    كان يترأس المؤتمر رئيس اللجنة نميري.. والذي هو -بالطبع - رئيس الاتحاد الاشتراكي ورئيس الجمهورية.

    انتهت الجلسة الختامية - كالعادة - بتوصيات، ورفعها المؤتمر الى رئيس اللجنة، و.. دوى التصفيق،

    نقر،

    نقر،

    صوت المايكريفون، نقرتين.. ثلاثة و.. خرج صوته التقيل:

    - توصيات لجنتكم الموقرة، هذه.. سيرفعها رئيس لجنتكم الى رئيس الاتحاد الاشتراكي العظيم.

    . شعت أسنان المؤتمرين، بالابتسام. ابتسم هو، النميري، قبل ان يقول:

    - بالطبع، رئيس الاتحاد الاشتراكي (ابتسم) سيرفع توصياتكم لرئيس الجمهورية (ابتسم وهو يؤشر بابهامه على

    صدره فضحكت القاعة) ولا يملك رئيس الجمهوية إلا ان ينفذ هذه التوصيات، ذلك لأن الاتحاد الاشتراكي العظيم،

    هو السلطة الأعلى.. هو التنظيم الذي يعلو ولا يعلى عليه!

    ذلك هو النميري..

    النميري الذي (اختفى) في هذا اليوم الاربعاء 17 يناير.. اليوم الذي فتح فيه المكاشفي (الأيام) من (صباحا بدري)

    وراح يفتش فيها.. يقلبها (يوما يوما) رأسا على عقب.. يفتش، يفتش عن الخبر، الذي حمله اليها - هو بنفسه

    - للنشر، ولم ينشر في هذا اليوم، الأربعاء!

    في ذلك اليوم لا في الصباح ولا الساعة اتنين ولا ما بين ذلك - لم (توقوق)وقواقة موكب نميري في شارع المك

    نمر، ولم (توقوق) في شارع القصر، ولم (توقوق) في شارع النيل،

    في ذلك اليوم لم يكن في القصر،

    وفي في الاتحاد الاشتراكي،

    ولا في قاعة الصداقة،

    ولا مكتبه في القيادة العامة،

    كان (اختفاء) نميري مخططا، ومقصودا،

    لا، لا، لم يكن (اختفاء)،

    كان (اخفاء)،

    وكان تغييبا..

    وكان القصد من هذا (التغييب) هو ألا يلتقي النميري أحدا، مهما كان (حتى يتم هذا الأمر)، ذلك لأن (أولاد

    الذين) الذين اصدروا حكم الاعدام على الاستاذ من زمآآن كانوا خائفين جدا ان يغير (هذا الذي لا رأي له) رأيه

    (قبل ان يتم (هذا الأمر): الحكم (الحدي) واذاعة هذا الحكم على الناس، و... تنفيذه!

    كان هنالك كثيرون- سودانيون وغير سودانيين - ممن كانوا في ذلك اليوم وفي ايام قبله، يطلبون لقاء النميري،

    في مظانه الرسمية: القصر والقاعة والاتحاد الاشتراكي والقيادة العامة، ليلتمسوا منه الا يتورط في قتل الرجل..

    الرجل الشيخ السبعيني؟ المفكر محمود محمد طه.

    كان بين الذين يطلبون لقاء نميري، سفراء دول كبرى يحملون رسائل عاجلة من حكوماتهم.. وكان بينهم ممثلون

    لمنظمات دولية في السودان.. وكانت بينهم ثمة وفود رسمية وشعبية كانت قد هبطت في الخرطوم، قبل يوم أو

    يومين، من دولة مجاورة.. وكان بينهم أخيار من أخيار أهل السودان: وزراء ومايويين كبار، وأهل فقه وفكر

    وعلم، وناس سجادة، وفروة، وركوة، ودمع رقراق، و..

    الليلة، ما وقوقت.

    الدنيا كارسة ما لا؟ يا ناس اتحادنا؟!

    هوى.

    هو.. يا ناس اتحادنا الاشتراكي

    كرست

    كرست

    شحتَّ الله، تكرس.. ديمة

    وتكرسو انتو،

    ويكرس «البنك التجاري»

    وبنك الخرطوم

    والسودان

    السودان، السويتو ملطشة،

    وسويتو علمو، دلقون

    دلقون .. مقطع في .. في وشكم!

    لو كنت أنت، مررت في نهاية ذلك اليوم، في شارع الملك نمر أو شارع الجامعة، قرب صينية الاتحاد

    الاشتراكي، لكنت «قطع شك» قد سمعت ذلك، من ذلك الرجل النحيل الذي كان يقف يوميا في تلك الصينية،

    يخطب بصوته النحيل، وفي يده دائما عصا نحيلة.

    قيل عنه أنه «فكَّت منو» في البنك التجاري وقيل في بنك الشعب، وقيل في بنك الخرطوم أو بنك السودان، لكن

    القول الاكثر شيوعا أنها «فكَّت منو» مثل كثيرين جدا، فيهم جعفر نميري نفسه، في .. في أواخر مايو!

    الليلة .. يا ناس اتحادنا

    ما ..

    «ما ياها»

    تلك كانت، خطبته الصباحية، في ذلك اليوم، بعد وقت من الزمن الذي كانت «توقوق» فيه وقواقة موكب

    نميري- عادة- قرب الصينية، وهو في الطريق الي القصر وما.. ما وقوقت!

    ما وقوقت.. كان صاحب الوقواقة (مغيباً) في بيته في القيادة العامة. لا هو يخرج، ولا من احد، كان يمكن ان

    يدخل عليه، وهو الى جانبه في ذلك اليوم ثلاثة: النيل أبوقرون، وعوض الجيد محمد أحمد، وعبدالجبار المبارك.

    (هذا ما حدثني به، في اليوم التالي أحد الحراس، حراسة الشخصيين وأنا أسأله: انت امبارح نميري كان وين).

    في ذلك اليوم كانت الخرطوم - كما قال (الفكّت منو) في الصينية - (ما ياها).

    وكانت الأيام (ما ياها)،

    وكنت في الأيام ( ما ياني)،

    وكان هو (ما ياهو).

    انتحيت به جانبا، صديقي نجيب نور الدين. كان - كما قلت لكم - ( ما ياهو): كان مهموماً جداً، و(مدبرساً).

    (فكّيت) له الجملة الغريبة، التي (فكّتها) لي الاستاذة بدرية سليمان، قبل شهور أمام الباب الذي قلت لكم اني

    (فتحتو وقلت سوري، وسديتو).

    (دبرس) نجيب، زيادة

    قلت له، وكان حلقي لا يزال ناشفا (من امبارح، يا نجيب أنا بشرب.. بشرب وما بروا.....!{

    - اسكت، اسكت خليني أنا ساكت يا هاشم..

    و.. سرح،

    كان صوته بائسا جدا، ليس فيه ولا حتة واحدة، من روحه المرحة جدا، ولا حتة واحدة من.. من (نحن قلب الدنيا

    ديه.. ونحن، نحن عنوان للشباب).. كان في صوته في تلك اللحظة بالتحديد - كل الشجن، والأسى، والأسف في..

    في (وانطفيت، يا نور زماني)!

    - من أمبارح.. من نشرة تسعة، وأنا (مكربن). يا هاشم.. ومهدي اخوي (مكربن).. ساعتين.. ساعتين قاعدين أنا

    وهو راس.. وما في زول اتكلم مع الثاني!)


    (كربنت) أنا زيادة،

    لم أتكلم.

    (شوية.. شويتين) تكلم هو:

    - المشكلة انو الجمهوريين، بفتكروا انو النميري، الرسَّل للاستاذ محمود أول نسخة من كتابو «النهج الاسلامي

    لماذا» مع محمد محجوب سليمان.. مستشارو.. مستشارو الصحفي.. وكاتب في الاهداء الى المفكر الاسلامي

    الكبير

    محمود محمد طه.. مشكلتهم، لحدت هسع بفتكروا انو نميري المهووس دا ما ممكن يعملا.. أو ما ح يقدر يعملا..

    لا،

    لا.. ممكن يعملا.. يعملا ونُص.. ولا يهمو.. لأنو ببساطة شديدة جدا هو ما عارف بعمل في شنو!».



    حديث نجيب هذا (كربنِّي) أكثر، وأكثر، برغم ان جملة الاستاذة بدرية كانت قد (وقعت لي) كما قلت لكم

    أمبارح.. وبرغم إنني كنت اعرف ان نميري ممكن «يعملا» لأنو هو ما عارف يعمل في شنو.. جملة صديقي

    نجيب

    فعلت فيّ ما فعلت، لأنني فقط كنت أريده- بيني وبين نفسي - ان يقول لي (ما ح يعملا) أو.. أو على الأقل يقول لي،

    ما
    يمكن ان يقال، في مثل هذه المواقف (الله يكضب الشينة)!

    لميت لساني، عليّ،

    ولمَّ هو، عليهو لسانو.

    . راح.. راح كل واحد منا يفكر.. أو لعل كل واحد فينا راح لا يفكر، لأنه ببساطة لم يكن قادرا على ان يُفكر، على

    الاطلاق!
    و.. أخيرا راح هو..

    ورحت أنا،

    كل واحد منا، راح (في سبيلو) في مكاتب الأيام

    في منتصف النهار، حملت اليّ، السكرتيرة ليلى، مذكرة لاحظت - بيني وبين نفسي - وبيني وبينها هي، انها

    كانت حريصة جدا على ان تدسها في يدي بمنتهى السرية.

    فتحتها،

    كانت مذكرة (سري للغاية) من استاذ حسن: (هاشم: اجتماع سري جدا، في مكتبي الساعة 9.. اليوم!).

    عاينت لليلى، هزيت رأسي من فوق لي تحت.. طبَّقت الورقة، طبَّقتها سريعاً جداً،

    و.. (لكّيتا)!


    و.. (فاتت) حافلة الصحافات والديم والديوم وأركويت، بناس ليلى وزهيرة، والجنايني عيد، وابا يزيد. كانت فايزة شوكت، داخل الحافلة (ما ياها):
    لا ضحكة في العينين،
    لا قفشة،
    ولا نكتة،
    ولا طرفة، تحوم.
    . كان الخاطر،
    خاطرا الغالي
    كان.. كان مكسور!
    حافلة (ناس أم در) - كالعادة - كنتكت (ورا وقدام) راجعة تيت، تيت، تيت.. وكالعادة أداها حسن حسين كسرة، دقَّ شريطاً في دركسونو وحشرو في الريكوردر السنين.
    في تلك المرة، لم يخرج صوت الفرجوني، ليزاحم المارة، والغبار، واكياس النايلون الطايرة ورائحة الأدوية، والجبنة المعتِّتة، في الشارع الضيق. في تلك اللحظة، خرجت مناحة..
    خرجت مناحة، لمغنٍ (مقطوع طاري).. مناحة كانت تمنِّح بها - في تلك الأيام- هنا أم درمان، وتمنِّح بها البكاسي، والحافلات.. وتمنِّح بها أسواق ليبيا، والشعبي، وسعد قشرة، والسوق العربي.. وتمنح بها تشاشات العيش، وأكشاك الليمون.
    كان السودان كله، في تلك الأيام في مناحة، كان كله يُمنِّح:
    الوليد الضيف
    غرقتنو كيف؟!
    هل كانت مجرد مصادفة، ان يفتح حسن حسين (سواق ناس أم در) ريكوردرو السنين إلى الآخر، بهذه المناحة.. أم أنه كان قد (شاف) هو الآخر: شاف قبلي البلد، شايل.. شايل مطر الحزن؟
    شغَّل المنشفة،
    والـ (هازارد) كان شغال،
    فتح للصينية الصغيرة، في شارع البلدية.. أدى المركز الصحي شمالو، وسرق الشارع!
    سمساعة، في اللحظة التي سرق فيها حسن حسين الشارع، ولفَّ.. كان - بالطبع - ما ياهو،
    ولا أنا،
    ولا النحاس،
    ولا عمر اسماعيل، الفي أضانو، الما بزيل بلم،
    ولا النيل القبيل،
    القبيل.. يا هو!
    سييك.. سيكّت - في تلك اللحظة - فرامل سيارة المحامي (النحرير) عادل عبدالغني.
    كان هو الآخر، ما ياهو.
    لم يطل بنا الوقوف، إلا مسافة أن نشيل منه شوية ونديهو، عن الحاصل شنو. فتح النحاس باب، وفتحت باب، وانطلق بنا عادل إلى.. إلى كوبر: كانت تلك، هي المرة الثانية، التي نزور فيها - نحن الثلاثة - الأستاذ محمود بعد اعتقاله هو والأربعة: المرة الأولى كانت في حراسات محافظة أم درمان، التي كان قد نقل إليها، مع تلاميذه الأربعة، بعد حكم المهلاوي بالاعدام:
    نادوا عليه: يا محمود.. يا محمود (هكذا، لم تلي يا النداء كلمة استاذ، ولم تليها حتى كلمة عم، أو خال)!
    لم يسمح له الشاويش، أن يخرج إلينا. وقف الأستاذ يمسك بقضبان الباب الصغير، الذي يفتح على (كاونتر التحري).

    كان هو متلفحا ثوبه، وهو في عراقيه، وسرواله، ومركوبه الأبيض. طايبناه،
    وطايبنا..
    وكان هو، في تلك اللحظة، يزح مرة- مرة ليمرر مخموراً (دفره) عسكري إلى الداخل.. أو يزح، ليفسح مجال الخروج، لمعتقل أو معتقلة، (كورك) لها الشاويش، أوأحد العساكر.
    زحْ.. زحْ كدا، يا أبو توب انت!
    كانت حراسات، محافظة أم درمان، في أيام (اسلام الطوارىء تلك)، متكدسة بناس (الكشات): رجال مخمورين، وبائعات خمور بلدية، بأطفالهن.. ونشالين.. و(جواكر)، و.. و.. كانت تفوح منها - بالطبع - رائحة نتنة جداً - كده، زح كده شوية، يا.. أبوي!
    كانت تلك امرأة، يبدو انها قبضت في (كشة) مريسة أو عرقي. كانت تحمل طفلا، يصرخ، وكان آخر يمسك بطرف ثوبها، وكان العسكري (الفراّق) يدفرها دفراً، لـ (تخش): خشي.. خشي خشاك بلا يخمك! (زح) لها الاستاذ، وهو يمسح بيده، على رأس الطفل الذي كان قد ارتفع (عياطه) ويبوس يده..
    (خشت) تطنطن: انتو، ما احترمتو أبونا الكبير دا، دايرين تحترمونا نحن، ولا تحترموا جُهالنا!
    اصابت، تلك (المكشوشة)، وكانت قبلها، قد اصابت امرأة، وأخطأ «الفاروق» عمر.
    لم يكن، منظر الأستاذ محمود في تلك «الوقفة» يجسّد (عدم احترام) فحسب..
    كان يجسد (اهانة)، ليس فقط اهانة لـ (الكبير) - والماعندو كبير يكوسلو كبير - وانما يجسد اهانة لـ (الفكر)، والعلم، والأدب، والمحبة.. ويجسد إهانة للمعارضين..
    كان منظر الأستاذ محمود، وهو في تلك الوقفة، يجسد حالة أمة بحالها
    - كما قال الأستاذ عادل عبدالغني بعد خروجنا- أمة تحت الإذلال!
    كان المنظر، مؤذيا جدا..
    وكريهاً،
    ومستفزاً،
    ومثيرا لأقصى درجات الغضب، على (ثوة مايو) تلك التي كان يلغلغ (قرقوشا الفي الخرطوم) في تلك الايام بما كان يسميه بدولة العلم، والايمان.. والعدالة الناجزة.
    أذكر أنني.. وفي غمرة شعوري بالقيء والغضب، قلت له:
    - يا أستاذ محمود.. يا أستاذ، أهذه هي ثورة مايو التي كنت تدافع عنها؟ توقفك أخيرا، مثل هذه الوقفة؟
    لم يفاجئه السؤال.
    ابتسم ابتسامة مقتضبة وحزينة جدا، قبل أن يقول: - نحن - الجمهوريين - كنا في الحقيقة بندافع عن مايو، لمن مايو كانت ضد الهوس الديني.. لكن مايو لمن اصبحت هي جزء من الهوس الديني.. بل لمن أصبحت هي الهوس الديني، وقفنا ضدها.. ومافي وقفة - أصلو- بلا تمن..
    زحّ لسكران (مدفور)،
    (صلّح) ثوبه، وواصل حديثه:
    - في الحقيقة أصلو مافي وقفة بلا تمن.. ونحن الجمهوريين، في سبيل وقفتنا ضد الهوس الديني، ما يهمنا تمن. في الحقيقة التمن ما بهمنا.. وفي الحقيقة نحن مستعدين لندفع ثمن اكبر.. اكبر بكتير من الثمن الشايفنو انتو الآن
    قال النحاس، شيئا،
    وقال عادل عبدالغني أشياء، عن المحاكمة و.. قبل ان (يكورك) لنا الشاويش: يا جماعة.. يا جماعة انتو الواقفين مع محمود كفاية..كفاية اطلعوا بره - سألت الاستاذ:
    - والآن.. بعد دا كلو.. بعد الهوس دا كلو.. انت شايف مستقبل مايو شنو؟!
    - مايو انتهت. يكفي انها طلعت من قلوب الناس!
    (دفر) عسكري امرأة أخرى.. دفر أحد السكارى إلى.. الى الباب، وهو يسب ويلعن، ويقول للأستاذ: «محمود.. خلاص.. خلاص خُش.. خُش جوه و..
    و.. خَشَّ..
    و.. خشينا، نحن الثلاثة، كوبر:
    أماام بوابة السجن، بمسافة، كان قد انتشر ثمة عساكر، يبعدون جمهوريين وجمهوريات، بعيداً عن المدخل
    لم يكن مثل هذا، يحدث، في الأيام التي سبقت تأييد محكمة الاستئناف طوارىء، لقرار الاعدام. أذكر اننا ونحن (خاشين) رأينا الاستاذة الجمهورية بتول مختار، تتكلم وقد ارتفعت يدها أيضا، مع أحد العساكر. كانت تمسك في يدها اليسرى بـ (عمود).. وكان العسكري يتكلم بيديه المرتفعتين أيضا، وهو يؤشر -فيما معناه - من وقت لآخر ان تمشي «تمشي بعيد من هنا»!
    أبرزنا انا والنحاس - بطاقيتنا لشلة عساكر في البوابة.
    - انتو الثلاثة، صحفيين.
    - نحن الثلاثة (وكنا الثلاثة كاذبين)
    خشينا،
    وخشينا مكتب المدير.. مدير السجن، كان هو، وثمة ضباط، عرفّناه بهوياتنا، واستأذناه، ان نسلّم على الأستاذ لدقيقة واحدة.. دقيقة واحدة وبسْ!
    كان المدير، رجلا سمحا..
    اعتذر بلطف: لو جيئتم في غير هذا اليوم لكان يمكن ان تقابلوا الأستاذ. لكن اليوم.. للأسف.. لا يمكن!
    سألته: ولماذا (يا سعادتك) لا يمكن في هذا اليوم، وكان يمكن في الأيام الفائتة؟
    - لأنه.. صدرت تعليمات عليا، بمنع أي مقابلة لمحمود.. والأربعة!
    - تعليمات من مدير عام السجون.. من وزير الداخلية؟
    من منو؟ (هكذا سأله النحاس)
    - تعليمات عليا و.. بسْ (قالها وهو يبتسم)
    - من رئيس الجمهورية مثلا؟ (هكذا سألته).
    - مثلا.. لكني لا استطيع ان اقول لكل من مَنْ.. والله انتو يالصحفيين منكم خوف!
    - طيب يا سعادتو.. ممكن تدخلوا ليهو مذكرة.. مذكرة بسيطة (هكذا طلب الأستاذ عادل عبدالغني)
    و.. قبل ان يقرر سعادتو قراره، أردفت بحملة الأستاذ عادل: بسْ يا سعادتو ورقة صغيرة، ومن ثلاثة سطور.. بسْ ثلاثة سطور!
    ابتسم الرجل الطيب، يقول:
    - بالرغم من إنو دي ذاتها ممنوعة.. لكن.. لكن عشان خاطركم.. وخاطر الأيام!
    قطعت سريعا جدا، جزءا من ورقة في جيبي، وكتبت عليها:
    الأستاذ محمود..
    أكرمك الله.
    تحياتنا للأربعة،
    وذيلّت اسمي، واسم عادل، والنحاس
    قرأها المدير: «ح ندخلا عليهو.. بعد شوية، ان شاء الله».
    و.. دخلت الورقة.
    هذا ا فهمته من الأستاذ عبداللطيف عمر.. أحد الأربعة.. حين التقيته، بعد شهور من الاعدام، في مكاتب «الصحافة». قال عبداللطيف:
    في الحقيقة يا هاشم، الأستاذ اجتمع بينا قبل التنفيذ بي يومين، وقال لينا - من ضمن ما قالوا- انك والنحاس وعادل عبدالغني جيتو تزورونا، لكن منعوكم من المقابلة، و.. وراّنا الورقة!

    الزمان: الأربعاء، 16 يناير، الساعة 9 (شارب).
    المكان: مكتب الأستاذ حسن ساتي. تحرير الأيام، الخرطوم.
    المناسبة: الاجتماع السري للغاية.
    كان أستاذ حسن (متهللا)، برغم ان المكتب لم تكن تفوح منه (ريحتو) هو: ريحة (ون مان شو)!
    دردش شوية، ونادى على المراسلة، ان يكب لنا شاي:
    - الشاي دا يا هاشم كرار مُش شاي الرشيد المتخلف بتاعكم.. دا شاي من نقابة المحامين، خصيصا! (كانت نقابة المحامين جوار مركز الأمم المتحدة للاعلام.. وبينهما وبين الأيام فركة كعب).
    عطست. كانت قد داعبت أنفي في تلك اللحظة، الريحة.. (ريحتو) هو، تلكم التي قلت لكم، انه ما كان يمكن أن تروق له، لولا أن اسمها كان يداعب فيه هو شخصيا، اعتداداً بنفسه.. اعتداداً لا يراه الآخرون إلا نوعا من النرجسية، فيه هو.. حسن (ذاتي)!
    كانت عيناه اللتان (أكلهما نمتِّي العفاض)، تحومان في تلك اللحظة، في وجهي، ابتسمت، زادت ابتسامتي بمقدار سنتمرٍ واحد، أو سنتمترين، وأنا أنظر إلى صديقي، نجيب نور الدين: كان هو في تلك اللحظة، على فمه مشروع ابتسامة، وعيناه تحومان في عيني حسن ساتي!
    فاحت رائحة الشاي (الأفوكاتو)!)
    - بعد دا يا محمد فضل (وكان ذلك اسم المراسلة) نادي لينا محمد، من مكتب ليلى.
    جاء،
    وكان محمد الذي يعنيه حسن ساتي، أحد الجميّعين الممتازين، في دار الأيام بالخرطوم بحري.
    - سلِّم.. سلّم على الشباب.. طبعا، طبعا بتعرفهم، وبعرفوك. سلّم علينا محمد، و..
    وأشار عليه حسن ساتي، بيده أن يتفضل (اتفضل يا محمد، في المكتب التاني، وأقفل معاك الباب، لو سمحت!).
    الباب انغفل..
    استعدل حسن ساتي، في جلسته:
    - نبدأ..
    جاهزين؟! وزع عينيه، على عيوننا الثمانية، ودخل في الحديث:
    - انني أعرف موقفكم، من الذي يجري الآن في هذا السودان المنكوب. أعرف موقفكم من كل الذي يجري الآن باسم الدين.. قضية محمود أعرف موقفكم منها.. الآن، حان الوقت لنسجل في (الأيام) موقفنا للأيام، وللتاريخ.. مستعدين؟
    لم ينتظرنا لنقول (مستعدين) بصوت رجل واحد. كان حريصا جدا، ان يرى، ويسمع- في ذات الوقت - موقف أي واحد منا، نحن الأربعة:
    - ها.. مرتضى؟
    - هاشم؟؟
    - عبدالقادر؟!
    نجيب؟
    هكذا،راح يسأل كل واحد منا، على حده، حتى اذا ما قال أي منا انه (مستعد) راح يلقي بالسؤال، وعينيه الاثنتين معا، في وجه الآخر.
    - دا كلام جميل، شوفوا: الوقت يجري بسرعة، والوضع يبدو انه خطير جدا، لذلك لابد أن تطلع (الأيام) بكرة بكلمة للأيام، والتاريخ.. عشان كدا.. وعشان (اقضوا حوائجكم بالكتمان) أنا جبت الطبيع السلّم عليكم دا، قبل شوية، من بحري، ومعاه ماكينة (ريمستار)، على أساس نجمع كلمة الأيام هنا، ونصححها هنا، كلنا مع بعض، ويشيلا محرر السهرة إلى بحري، وينزلها في الصفحة الأولى، في اللحظة الأخيرة، ويشيل الصفحة بنفسو إلى التصوير!
    ماكينة الـ (ريمستار)، تلك التي تحدث عنها حسن ساتي، ماكينة صغيرة، كانت الأيام قد دخلت بها عصر ما بعد (الجمع الرصاصي) ذلك النوع من الجمع الذي (قدد) عيون الجنود المجهولين في تلك المهنة: الطبيعّين، من أمثال الطيب بين، وابو الروس، وابراهيم، وغيرهم من الطبيعين الأفذاذ.
    هذا النوع من الماكينات (أدخلها) للأيام حسن ساتي (رئيس مجلس الإدارة، ورئيس التحرير)، في اطار مشروع تطويري كبير للدار.. وهو المشروع الذي انتهى بإدخال نظام الجمع بالكمبيوتر، في أول مؤسسة صحفية في السودان.
    تلك ايضا، واحدة من حسنات ذلك الـ (حسن) حسن ساتي، على الصحافة السودانية.
    كانت الـ (ريمستار)، في تلك الأيام أيام الجمع بالكمبيوتر- قد أحيلت على المعاش (بالغاء الوظيفة)، غير انها كانت تعمل (بالمشاهرة) في الدار- من وقت لآخر، حين يصيب الكمبيوترات عطل مفاجىء، أو يضربها فيروس، أو حين يكون الجمع أكبر.. أكبر من طاقة الشباب الجميعين على الكمبيوتر،
    فتح عبدالقادر حافظ، فمه ليقول شيئا، غير انه (قفله) سريعا، حين رن التلفون السري، التقط استاذ حسن السماعة، و...
    - الو..
    - أهلا، أهلا - يا أستاذ - كيفك؟
    - ....
    - المكاشفي زعلان؟ زعلان من «الأيام».. زعلان في شنو؟!
    -....
    - طبعا.. ما نشرناه!
    - ....
    - يا أستاذ.. يا استاذ علي.. هذا الحكم حكم حدي، وانت عارف انه لا يجوز حتى للنبي ابطال حد.. حتى ولو كان على فاطمة، و...
    - ....
    - دي تقديراتنا.. تقديراتنا انو ما ينشر.. في نشر الخبر محاضرة للنميري.. تقديراتنا.. نديهو.. نديهو هامش حركة!
    - ....
    - معليش.. معليش يا أستاذ.. (الأيام) ليست هي الصحافة، ولا «القوات المسلحة».. ولا هي التليفزيون، ولا الإذاعة..!
    -....
    - لا، لا.. لا... ما تقول لي الصحافة نشرتو.. ولا القوات المسلحة.. الصحافة خليك منها.. القوات المسلحة دي جريدة التعلمجية ما بقروها.. أنا بتكلم عن الأيام.. الأيام يا أستاذ علي، البتخاطفوها الناس من «7» صباحا، والبتوزع مائة الف نسخة، ولا راجع!
    - ....
    - الاذاعة؟ الاذاعة دا كلام وبشيلو الهواء.. التليفزيون؟ وين مع الكهرتباء القاطعة دي.. لكن دي جريدة.. الزول يكون ماسكا في ايدو.. دي جريدة.. جريدة.. وفي الجرايد.. جريدة الأيام!
    -....
    - أوكي!
    و.. رمى حسن ساتي، السماعة بعصبية، خمّ! نفسا، و(ختّاه)، مسح وجهه، ابتسم يقول:
    - طبعا.. طبعا عرفتوه!
    لم ينتظرنا، ريثما نقول له (بلحيل)، هزّ رأسه، وخت نفسا آخر، ابتسم ابتسامة ساخرة، وقال:
    -) دا علي شمو.. جاء ليعلمنا أمور (أيامنا!
    - أخيرا.. فهمو شنو؟( هكذا مشي صوت نجيب نور الدين، في المسافة التي كانت بينه وبيننا نحن الأربعة، ومشت في المكتب كله).
    - قال ح يتصل ثاني، بعد شوية.. نشوف. وياما في الدنيا ما ح نشوف..! ابتسم، و.. استمر:
    - ما عليكم، نستمر في اجتماعنا.. ها.. مرتضى نسمع منك!
    و.. تكلم مرتضى، بعينيه الذكيتين - ايضا - وهما تحومان هنا وهنا.. وهناك:
    - المضمون.. مضمون الكلمة حقو ما تكون فيها (ملاواة) ولا تكون هتافية.. تكون كلمة حكيمة، ورصينة، فيها قيم.. قيم (ادرأوا الحدود) و.. و..
    قطع حديث مرتضى، رنين التليفون السري، (خمش) حسن ساتي السماعة:
    - آلو..
    -....
    - اوكي!
    و.. رمى هو السماعة، بعصبية اكثر:
    - او.. ووف.. دا علي شمو قال.. قال انشروا الخبر!
    عاينا نحن الأربعة، لبعضنا، وعاينا له هو.. حسن ساتي، الذي كان يوزع عينيه، على عيوننا.. مرة أخرى ابتسم:
    - سيبكم منو, نشر الخبر دي قضية ثانية.. المهم، لازم نخرج (بما هو للتاريخ).. ها عبدالقادر.. أظن عندك كلام!
    و.. تكلم عبدالقادر حافظ:
    - افتكر يا حسن، انك تتصل بالأخ فضل الله محمد، في الصحافة.. تكلمو.. يكون في الصورة.. يعرف نحن طالعين بكرة بكلمة.. عشان باكر، باكر ما يقول ما كلمتوني ليه، عشان الصحافة برضو تكتب!
    - والله دي فكرة.. موافقين يا شباب؟ ها.. هاشم.. مرتضى، نجيب، و... ضرب حسن ساتي التليفون السري:
    -....
    - فضل الله.. ازيك.. معاك حسن ساتي.. انت جاهز؟!
    - ....
    - شوف.. انا جاهز علي الطلاق.. شنطتي يا هادي (ودنقر، يرفع ترافلنغ باك صغيرة، من من تحت التربيزة).. يا هادي والله، جاهزة للسجن.. كوبر، شالا.. سجن ام درمان.. المهم جعفرنميري فضّى السجون من المجرمين، وداير يملاها بالمفكرين، والبقولوا ليه لا.. والناس البكتبو، والناس الأحرار!
    - ....
    - شوف يا فضل الله.. أنا معاي الآن الشباب: نجيب ومرتضى وهاشم كرار وعبدالقادر حافظ.. وقررنا نكتب في قضية محمود.. الاقتراح نوريك.. بتكتب يا فضل الله وللاّ (بتتفنس)؟!!!!
    -....
    - ها.. ها.. ها.. والله دي ياها المحرية فيك.. شكرا.. شكرا يا فضل الله.. شكرا و.. قفل الخط
    - فضل الله قال ح يكتب!
    ابتسم عبدالقادر حافظ، (ارتاح) مرتضى الغالي، رجعنا أنا ونجيب - في وقت واحد - بظهرينا الى الوراء، و.. قبل ان ندخل في موضوع الكلمة مرة أخرى، رن الجرس:
    -....
    - أوكي!
    خت حسن السماعة، ابتسم.. فاحت منه ريحة (ون مان شو) قبل ان يقول:
    - دا علي شمو.. قال ما ينشروا الخبر.. عالم عجيبة ياخي.. عالم تفهم بعد طلوع روح!
    تكلمت قلت شيئا.. وقلت: «طبعا، لا داعي لاحراج محمود قلندر رئيس تحرير القوات المسلحة بمكالمة شبيهة بكالمة فضل الله، ذلك لأن موقف قلندر حساس شوية.
    قال نجيب شيئا، وقبل ان يستكمل حديثه رنَّ التليفون:
    - حسن.. انشروا الخبر!
    - اوكي!
    و.. قبل ان يفتح، أيّ منا، فمه مرة أخرى رن الجرس:
    - حسن ما تنشروا!
    بعد، اقل من دقيقة، من نهاية (الألف) وعلاقة التعجب رنّ الجرس:
    - حسن.. أنشروا!
    في تلك اللحظة - بالتحديد - (انفتح) الباب، ودخل العميد (م) محجوب برير، وهو في لبسته السفاري (البيج)، هو هكذا - دائما- محجوب في لبسته (البيج) تلك، حين يأتي (الأيام) من وقت لآخر، حاملا موضوعا للنشر!
    كان في تلك الأيام من كتاب المقالات، في الأيام.. كعادته سلّم هو على حسن ساتي وحده، وهو يخطو باتجاه تربيزيته.
    - يا محجوب عن اذنك.. عندنا اجتماع!
    لم يتراجع، ولم يعتذر،
    وصل..
    ناول حسن، (موضوعا) استلمه الأخير، رمى به فوق التربيزة، وهو يقول له (خلاص شكرا.. وصل) ويؤشر عليه بيديه الاثنتين معا، ان اخرج!
    - هو تعرف يا أستاذ حسن، الموضوع دا قراه جعفر نميري!
    - أوكي.. عندنا اجتماع يا محجوب.. لو سمحت!
    - تعرف (الريس) اتكيف جدا، من الموضوع دا، وقال لي طوالي يا محجوب أديهو حسن عشان ينشروا بكره!
    (تلك كانت عادة محجوب برير: كل موضوع له قرأه النميري أولا- كما يقول - وكل موضوع له، هو للنشر (يا حسن) كما يقول جعفر نميري)! كان حسن ساتي متعودا مثل ذلك الحديث من محجوب برير، ما أن يأتي إليه، كل يومين ثلاثة.. أو أسبوع، وهو في السفاري البيج، حاملا موضوع.. كان حسن يضحك بينه وبين نفسه، في كل مرة، على طريقة برير الساذجة في تمرير مقالاته.. ويضحك.. في كل مرة على برير، اذ هو يتذكر كيف ان جعفر نميري - كما يشاع- (حبسه) مع بائع لبن، فجر 25 مايو 1969:
    (اللبّاني) المسكين يقال انه (شاف) الدبابات تتحرك من خور عمر، (فجر الجمعة الأغر)، يقال انه (نطط) عينيه، ونهر حماره عرْ.. عرْ عرْ، وهو يتلفت يعاين للدبابات التي أزت ورزت..
    يقال ان النميري أمر عريفا: ألحق (اللبّاني) الحقوه، واعتقلوه، هنا مع محجوب برير!
    الحكاية طويلة، لكن باختصار: كان محجوب برير ضمن (أولاد خور عمر) لكن قبل التحرك بيوم، يقال ان نميري قال (احبسوه): برير دا خشمو خفيف!
    و.. حبسوه،
    وحبسوا (اللباني)!
    لو كان العميد (م) محجوب برير قد دخل على حسن ساتي، في غير ذلك التوقيت، لكان بالتأكيد الموقف (غير). لو لم يكن التوقيت مشحونا بالتوتر، لكان قد ضحك حسن بينه وبين نفسه، ولكن قد ضاحك سيادة العميد، وهو يضحك عليه: (بالله يا برير سلّم على الريس!).. كان يمكن ان يحدث هذا،
    لكن.. لكن لأن التوقيت كان (غير)، فقد حدث ما أذهل برير، ربما إلى يوم الناس هذا:
    - (خمش) حسن ساتي الموضوع - سريعا جدا من تربيزته، و... (فو) (فننو) باتجاه سيادة العميد برير:
    - (انعل..... انت، و.. نميري ذاتو؟) أمشي لي نميري بتاعك دا، قول ليهو حسن ساتي قال ليك.. قال ليك ما بنشرو.. وقول ليهو حسن ساتي قال ليَّ، تاني ما ح ينشر لي أي موضوع تاني، بعد كدا!

    (نطط) محجوب برير عينيه االاثنتين معا،
    بهت لثانية، أو ثانتين،
    ثم، (دنقر).. دنقر يلملم موضوعه، ذلك الذي كان قد تطاير جملة.. جملة، وراء كرسي عبدالقادر حافظ، و.. خرج، ولمْ.. لم يقل حتى مع السلامة..
    لم يقلها حتي لحسن ساتي..

    حسن ساتي و.. بسْ!
    و.. شقّ بطن سكون تلك اللحظة، رنين التليفون السري، خمش حسن ساتي السماعة وكان نفسه لا يزال (مخموما):
    - أيوه.. حسن!
    -....
    - يا علي، يا علي شمو (هكذا بدون استاذ) أيه الحاصل دا.. مرة انشروا الخبر، مرة ما تنشروه.. ياخي، اذا انت بتتعامل كدة مع الاذاعة، والتليفزيون ما تتعامل كدا مع (الأيام).. دي جريدة دي يا علي.. جريـــــدة.. جريدة عندها زمن محدد.. انت داير (الأيام) بجلالة قدرها كلو، تطلع الساعة عشرة صباحا وللاّ شنو؟!
    -....
    - اوكي.. اوكي يا علي!
    و.. خت السماعة،
    لم يتحرك لسان...
    كان الكلام، في تلك اللحظة (كلام زعل).. وكان يمشي فقط بين عشرة عيون، حين رن جرس التليفون السجم، بعد أقل من دقيقة ونُص:
    -....؟
    - دا كلام نهائي؟ نهائي يا علي؟!
    - ....
    - اوكي!
    وخت السماعة ليقول لنا: علي شمو قال انشروا الخبر، لكن.. لكن أكتلوه!
    (اكتلوه)
    كانت تعني، ألا ينشر في مكان بارز، في الصحيفة.
    و.. نشرناه (مكتولا): ظهر خبر تأييد محكمة المكاشفي لاعدام الاستاذ محمود في عمود صغير جدا في الجانب اليسار أسفل الصفحة الأولى، من الأيام. كان ذلك بتاريخ 17 يناير 1985!
    بعد شهر، أو أقل من الانتفاضة، (شلت أنفاسي وطلعت) لمكتب الأستاذ علي شمو.. مكتبه التجاري، في الطابق الثالث، عمارة الأخوة، في الخرطوم:
    - تعرف يا هاشم (وانتو في اجتماعكم) في الليلة ديك.. طبعا لاحظتم انني كنت اتصل كثيرا بحسن ساتي.. كنت بين كل اتصال واتصال أحاول الاتصال بجعفر نميري، دون جدوى: تلفوناتو السرية لا ترد.. كنت ابحث عنه في القصر، وفي القاعة، وفي القيادة.. حتى .. تلفونو الفي البيت كان ما برد..
    تقديراتكم حول عدم النشر كانت في محلها تماما.. غير كده كنت أحاول الاتصال به لأنو كانت هنالك رسائل تأتيني من بره.. وكان هنالك وفد أو وفدين يطلبان لقاءه.. وكان هنالك سفراء زي ما فهمت من الخارجية.. لكن جعفر نميري كان في ذلك الوقت معزولا تماما.. كان معزولا حتى عن وزير اعلامو!
    صدقني، لو كنت لقيت نميري في اليوم داك.. وفي تلك الليلة، كنت سأوضح له الصورة تماما.. كنت سأقول ليهو قتل الأستاذ محمود خطأ.. خطأ كبير جدا جدا!



    .... وأخرج الأستاذ حسن ساتي، ورقة من جيبه، وراح يقرأ فيها، علينا نحن الأربعة.
    كانت كلمة، (قال) انه قد كتبها، مستبقا بها هذا الاجتماع، ليسترشد بها هذا الاجتماع، ويقول رأيه فيها:
    ـ نمررها، أو نعدل فيها كلُنا مع بعض، أو نكتب غيرها و.. غايتو شوفوا!
    الكلمة، كان يمكن ان (نمررها) كما هي، لولا أنه كان فيها (هتاف)، ولولا أنها كانت تفوح منها رائحة (ملاواة) ظاهرة.. والاثنان الهتاف والملاواة، كان قد دعا إلى تجنبهما بقدر الامكان، (حكيمنا) مرتضى الغالي، حين كان قد ابتدره استاذ حسن في أول الاجتماع، بجملة، ها.. مرتضى ، نسمع منك!
    التقط أستاذ حسن «الاشارات»، وفجأة..فتح (درجو) واخرج كتابا:
    ـ ما عارف، لكن.. هذا مستوى آخر من الدين.. فهم آخر.. فهم لاعمال الفكر.. ونحن نتحدث هنا عن الفكر.. وعن مفكر.. وعن حد، و.. المهم قد نستفيد .. ويمكن إذا رأيتم أن نشير إليها في كلمتنا.. ممكن نسمع؟
    وراح يوزع عينيه علينا نحن الاربعة.
    فتح صفحة من الكتاب: كتاب «علي إمام المتقين» للشرقاوي، وراح يقرأ منه علينا. الرواية «مذهلة» تلك التي أوردها الشرقاوي في كتابه عن «باب مدينة العلم»: الإمام علي وهي - إجمالا - تحكي عن الاجتهاد» وبابه الذي لا ينبغي أن يقفل الى يوم الدين .. اجتهاد العقل «الإسلامي» والعقل ..لئن كان كريما عند الله, فهو ينبغي أن يكون كريما عند خلقه.. ولله في خلقه شؤون!
    تحكي رواية «العقل والاجتهاد».
    جيء برجل الى أمير المؤمنين، علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ,كانت في يده اليمنى سكين تقطر بالدم..
    هذا الرجل يا أمير المؤمنين - قتل رجلا في «خربة» وأمسكنا به.. السكين في يده ودم القتيل كان لا يزال حارا!
    نظر اليه الإمام علي ورمى عليه بالسؤال:
    { هل أنت قتلت؟
    - نعم، نعم يا امير المؤمنين!
    { اذن.. اقيموا عليه، الحد!
    تقول الرواية:
    احتشد الناس، ورفع السياق، السيف... و .. حين همَّ ان يضرب، اندفع من بين الحشد، رجل يكبر ويهتف اوقفوا الحد... اني انا القاتل!
    ظل السيف مرفوعا .
    و.. جيء الى الامام بالرجلين.. ذلك الذي هتف انا القاتل.. وذلك الذي كانت عنقه على مرمى ضربة سيف سأل علي.. اولا.. ذلك الذي كان قد اعترف بأنه القاتل:
    { هل انت القاتل؟
    - لا، يا امير المؤمنين!
    { ولماذا، قلت بذلك اولا.. احكي قصتك.
    وراح يحكي:
    انا رجل قصاب يا امير المؤمنين. ذبحت شاة و... خرجت الى «خربة» لافرغ مثانتي من البول، و.. فجأة وجدت نفسي فيها امام رجل قتيل وكان دمه لا يزال يتدفق حارا!
    استجمع الرجل انفاسه قبل ان يواصل الحديث: فجأة وكنت لا ازال امام ما هو امامي والسكين التي ذبحت بها الشاة كانت لا تزال في يدي تقطر دما، التف حولي العسس.
    كانت السكين في يدي.
    والقتيل امامي.
    و-حين سألني العسس: أأنت القاتل قلت لهم بمثل ما قلته لك - يا امير المؤمنين .. وتركت امري لله.. هو حسبي ونعم الوكيل!.
    الله .. الله!
    و.. التفت الامام علي كرم الله وجهه, الى الرجل الذي اندفع من بين الحشود, يملأ فمه بالتكبير وان اوقفوا الحد انني انا القاتل:
    - وما قصتك انت يا رجل؟
    - القتيل يا أمير المؤمنين. ظل يماطلني في دين لي عليه حتى امتلأ صدري بالغل.. وظللت اترصده حتى اذا ما دخل «الخربة» لحقته وافرغت غلي, بطعنه حتى الموت!
    - الآن قل: بعد ان نجوت من الحد .. لماذا جئت في يوم التنفيذ بمثل ما جئت عليه: اوقفوا الحد انني انا القاتل؟
    لم يتردد الرجل، في الإجابة،
    ولم يتلجلج..
    قال في صوت واثق من نفسه، إلا انه حزين جدا:
    ـ لقد خفت ـ يا أمير المؤمنين ـ بدلا من أن أكون قد قتلت نفسا واحدة.. أكون قد قتلت نفسين! الله، الله!
    تقول الرواية، ان الإمام علي، كرم الله وجهه ـ اغمض عينيه، وراح يجتهد في الرأي.
    تقول الرواية، انه فتح عينيه، وقال افرجوا عن الرجلين. ذلك الذي لم يقتل، وهذا الذي قتل.. وقال عن الأخير:
    ـ هذا الرجل، لئن كان قد قتل نفسا، فهو قد أحيا نفسا، والله يقول في كتابه الكريم «من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا.. ومن أحياها فكأنما........»
    . تقول الرواية، ان أمير المؤمنين، امر بأن تدفع دية القتيل، لأولياء الدم، من بيت مال المسلمين!
    الله، الله!!
    ذلك عقل، واجتهاد، ومستوى من الدين، اين منه أولئك الذين يأتون،في الثلث الأخير من ليل الوقت، بفهم هزيل للدين ليقيموا الحد، على رجل يقول «تعلموا كيف تصلون، رجل يقول (الله) و«الله نور السموات والأرض»، رجل محب للنبي، وآل بيته، واصحابه، متأسيا به حتى في كفاف قوت يومه، وقوت يوم آل محمد الكفاف، رجل يريد ان يبعث الدين، في مستوى السنة (حتى تعود لا إله إلا الله) (قوية) (خلاقة) مثلما كانت، في صدور الرجال والنساء، في القرن السابع!
    تأدب الاجتماع السري(اجتماعنا)، بأدب هذا الاجتهاد، وبأدب (ادرأوا الحدود بالشبهات).. وبأدب «يا أيها الذين آمنوا، ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»،
    تأدبنا بكل ذلك، وتركنا، للاستاذ حسن ساتي، ان يكتب هو الكلمة، متضمنة الاشارات العظيمة، في اجتهادات باب مدينة العلم، تلك التي قالت بها تلك الراوية، ومتضمنة في ذات الوقت، كل معاني التسامح التي أوردها استاذ حسن، في كلمته الأولى، تسامح (الثورة) مع فيليب عباس غبوش.
    أمسك استاذ حسن القلم، وراح يكتب تحت عنوان وتبقى رايات التسامح والحوار عالية:
    كتب فيما معناه ان الثورة التي رفعت راية الحوار والتسامح حتى مع فيليب عباس غبوش الذي خطط لحمل السلاح، لهي مطالبة بأن تظل قابضة على تلك الراية، خاصة مع الذين لم يرفعوا بندقية او يشهروا السلاح.
    وكتب ,ونحن نتكلم عن دولة العلم والايمان ,لا بد ان يظل للعقل مكان، ولابد ان يظل باب الاجتهاد مفتوحا، معيدا التذكير، باجتهاد الإمام علي، وإعماله العقل، في رواية الرجال الثلاثة: القتيل، والبريء، وذلك الذي قتل نفسا، وأحيا نفسا.
    وكتب عن حكمة درء الحدود بالشبهات، وكيف اننا لئن نخطئ في العفو، خير لنا من أن نخطئ في العقوبة.
    كتب عن كل ذلك، وكان، كلما كتب صفحة، (مررها) علينا لنقرأها بالعين الثالثة، أولا، ثم ندفع بها إلى محمد في مكتب ليلى، حيث ماكينة (الريمستار)، حتى إذا ما انتهى من جمع تلك الصفحة، رحنا معا نصحح الأخطاء الطباعية.
    انتهينا
    - اللية، محرر السهرة منو؟
    قال له عبدالقادر حافظ، انه (فلان)، وهو الآن منتظر تحت!
    - أنا افتكر، يا عبدالقادر تساهر إنت الليلة.. قول ليهويمشي، يساهر بكره و.. و.. التفت إلى نجيب نور الدين (نجيب، إيه رأيك تساهر الليلة مع عبدالقادر حافظ؟).
    - أصلو، أنا، ما عندي مشكلة، بس بعدين يوصلوني الثورة... أولا!
    و... (طبق) عبدالقادر حافظ، أخبار الصفحة الأولى، هو ونجيب إلى بحري، حيث المطبعة (الفاتحا خشما)
    و(دوّر) حسن ساتي، إلى المنشية.
    و(جدعني معاهو ) مرتضى الغالي، في شارع الأربعين، وهو في طريقه إلى (ودونوباوي)!

    هذا الـ (Te نشن)،
    الـ (Deبريشن)، لا..
    لا يداويه إلا سوط،
    سوطان،
    سياط،
    سياط من جهنم!
    - اووفْ!
    و... وراح جسدي (يتعتع) بما يشبه النعاس، أو بما يشبه منتهى الصحو، وراح صوتي - بينه و بين نفسه - (يتعتع) بما قلت عنه- في سري- انه قريب من صوت (ود اللمين):
    بتتعلم،
    من الأياآآآم،
    مصـ .. ي.. ي، يرك
    بُكرا،
    تتعلّم!
    كان (شكل) النميري، وهو يقرأ صباح غدٍ في كلمة الأيام، واقفا يتحكحك, في وعيي أو لا وعيي, بين كل سوط، وسوط.. وكان (شكل) المكاشفي، واقفا يتحكحك.. وكذا (أشكال) أبوقرون، وعوض الجيد، وبدرية، وحاج ماجد، وحاج نور، والمهلاوي و.. كان السوط- السوط الرابع- لا يزال في يدي، حين دقّ الباب، (دقة واحدة).
    (ما ضاريتا)، ولا نزّلتو..
    (رفعتو) فوق- السوط.. جلدتها، وما حكيتا: كبدتي!

    نقرة ثانية ,
    عاينت ليها..
    وعاينت لي.. وكانت عيناها الجميلتان في تلك اللحظة- (طاقتين) من خوف، مفتوحتين على (النقرة) مفتوحتين على ليل الخرطوم، الذي كان قد أليل!
    بعينيها قالت لي (أوعْ يكونوا هم؟!
    وبعيني قلت لها (أظنهم)
    ولم يكن أي منا - قبل الدقة - يتحدث بلسان أو بعينين، عن.. عن «زوار الليل»!
    دقّ!
    ، وكانت (الدقة)، في مثل ذلك الوقت، من ليل الخرطوم، غريبة،
    وكانت مخيفة،
    ولو كنت أنت (مكاني)، لكنت قد ظننت ما ظننت، ولو كانت زوجتك أنت الى جوارك في تلك اللحظة - مثلما كانت الى جواري (روجيتا)، لكانت هي ايضا، قد تساءلت في (حُرقة) - بعينيها لعينيك - (اوعْ يكونوا هم؟)
    - يا هم!
    ظللت أرددها في سري، بطول المسافة الى الباب..
    فتحتو،
    و- (لبدت) روجيتا وراءه. كانت تكتكت من (السقط)، وقد استحالت كلها- وراء الباب المتاكا- الى عين واحد، خائفة، وأضان مرخية!
    شافت متلي:
    سيارة،
    امرأتين، ورجل
    في تلك اللحظة - من ليل الخرطوم - التي فتحت فيها الباب، كان يمكن أن اتوقع- وقد رأيتهم ثلاثة - أي ثلاثة من زوّار الليل، لكن، لئن افتح الباب، وأجد هؤلاء الثلاثة - بالتحديد - فهذا ماكسر كل توقعاتي:
    الأستاذ سعيد الشايب،
    الاستاذتان (اسماء أو سمية محمود محمد طه (هنا أرجو تصحيحي) وبتول مختار محمد طه.
    (طارت!)
    حيوني،
    وحييتم،
    ما أدهشني- أولا- هو: (كيف عرف الثلاثة الطريق إلى شارع بيتنا؟!).
    ذلك هو السؤال الذي قفز الى ذهني ورسم ابتسامة غريبة - ربما - في وجهي.
    أستاذ الشايب، بفطنته عرف انني (مندهش).
    تكلم- أولا- لا ليزيل دهشة التقطها في ملامح وجهي، وانما ليقدم اعتذارا لطيفا، عن هذه (الدقة)، في مثل هذا الوقت (الغير مناسب على الاطلاق، لكن)
    - يا استاذ.. يا استاذ، لا لكن ولا حاجة.. كدي خشوا.. خشوا لي جوا! لم يخشوا.
    كان الاستاذ الشايب، لا يزال يقدم اعتذاراته: هو، في الحقيقة ما كان يمكن ان نمرق عليك، الاّ في هذا الوقت لسبببين، أولا نحن نعرف انك -بطبيعة عملكم- ما ممكن تكون موجود في البيت الاّ في مثل هذا الوقت المتأخر.. تانيا نحن برضواما كان ممكن نمرق الا في مثل هذا الوقت المتأخر: عربات الأمن لافّة باستمرار أمام منزل الاستاذ، وامام بيوت الاخوان، وفي الثورة كلها.. معليش.. ما كان يمكن ان نمرق الا بعد ان غبينا الأتر، وحتى لا نسبب لك انت أي نوع من الاحراج، أو المضايقة، أو.. - يا اخوانا- يا جماعة.. كدي.. كدي خشوا!
    في تلك اللحظة، شعرت بأن (روجيتا) ختت نفسا، كانت شايلاه، من أول دقة.. شعرت بها (تخب) إلى جوّه، لتلبس توبها، و..
    - لا، لا معليش، مرة ثانية ان شاء الله،
    و.. راح يزيل عني دهشة كيفية معرفتهم لشارع بيتنا.. لبيتنا، بطريقته اللطيفة جدا، واللماحة.
    - تعرف- يا استاذ هاشم- الحمد لله ما لفينا كتير.. طبعا قبل أقل من سنة استاذ عادل عبدالغني كان وصفّ لينا البيت.. وجينا حضرنا عقدك انت على كريمة المرحوم صادق.. الواحد لسه ذاكرتو كويسة، خاصة بالليل!
    تلك، كانت أول مرة، اعرف فيهاي ذلك:
    أول مرة أعرف فيها ان الاستاذ سعيد الشايب وجمهوريين آخرين حضروا يوم عقدي الما حضرتو!
    - طيب دي مناسبة يا أستاذ.. خشوا وباركوا لينا جوّه!
    ضحك الاستاذ الشايب:
    - مبروك تاني، وح نجي نبارك.. لكن نحن في الحقيقة جينا (نتنوّر) عن الحاصل.. نشوف تقديراتكم.. وطبعا انتو أقرب مننا للشوف!
    - نتنوّر)؟!
    دقت الكلمة في (صنقوعي)،
    ودقت.. دقت كلمة (نشوف).
    نظرت للأستاذ سعيد. ترجيته - في سري - ان يبدّل - ما استطاع - الكلمتين إلى العكس تماما.
    من أين له ان (يتنوّر)، أو (يشوف)؟ يشوف مني، أو من نميري، أو من جنس مخلوق، و(الضلمة).. (الضلمة) ما خلّت في البلد الحدادي مدادي، من يرى، ولا منْ يشوف؟!
    عاينت..
    كانت الضلمة.. ضلمة:
    - والله يا أستاذ سعيد، أنا ما.. ما شايف،،
    لم أكمل.
    رحت أوزع عيني على الثلاثة، الذين دقوا بابي، في مثل هذا الوقت المتآخر من ليل الخرطوم، وقلوبهم ليست شتى، متعلقة بقلب رجل..رجل أصبح مصيره في جرة قلم مهووس!
    لو كان الثلاثة ليسوا هم هؤلاء الثلاثة،
    لو كانوا أي ثلاثة آخرين، لكنت إذن قد (داريت) عنهم.. ولكنت قد اردفت (ما شايف.. ما شايف إلا خير).. لكن لأن هؤلاء الثلاثة، هم تلاميذ للرجل، الذي ظل عمره كله يتجمل بالصدق مع الذات، ومع الآخر، ويعلم الآخرين ان يتجملوا بالصدق، فإنني لم أقل ما لم أقله.. لم أقل (ما شايف إلا خير)!
    لم أقل بذلك، ليس فقط لأن مثل هذا القول هو التفاف على الحقيقة، أو هو - بالأحرى - كذب على الذات وعلى الآخر، فحسب، وانما لأن في مثل هذا القول - ايضا - (تخييب للظن): ظن هؤلاء الثلاثة تحديدا.. الثلاثة الذين احسنوا فيَّ الظن، والى الدرجة التي دقوا فيها بابي، في مثل هذا الوقت من ليل الخرطوم، (ليشوفوا نحن شايفين شنو)!
    أردفت: (ما شايف.. ما شايف خير!).
    مرت هنيهة، حسبتها دهرا، والثلاثة.. عيونهم تحوم في الضُلمَّة، وتتركز من وقت لآخر في عيني، وفي فمي.. وتحوم، من وقت لآخر، في أفق مفتوح على احتمالين.. افق ظلت تحوم فيه اعينهم الستة، قبل ان يجيئوا.. الثلاثة.. ويدقوا الباب - باب بيتنا- في مثل هذا الوقت من الليل الذي كان قد أليل!
    - كل البتشوفو انت.. والبنشوفوا نحن خير، حتى وان بدا غير ذلك.. لكن قول لينا الانت شايفو!
    ذلك كان صوت الاستاذ الشايب (يشع) بهدوء غريب، مشوب بالحذر، في تلك الضُلمَّة.
    - والله أنا الشايفو انو قرار محكمة المكاشفي ح يمشي!
    - ونميري.. نميري ح يأيدو؟!
    كان ذلك صوت الاستاذة بتول مختار، شبّ هكذا، حائرا.. ليس من (الحتة) ا لتي هي بين مصدق ومكذب، وانما من تلك (الحتة) التي تفرز هرمون الادرينالين،
    في تلك اللحظة - بالتحديد - ومن مكان ما في قلب (الضُلمةّ)َ، هجم علي (نافوخي) يدق عليه من الجهات كافة، صوت الاستاذة بدرية: (صاحبك انتهى).. (صاحبك انتهى).
    حدقت في المكان الذي هاجمني منه الصوت.. قام شعر جلدي كله سبيبة سبيبة، وانا أراها تمرر من اليمين الى اليسار- سبابتها على عنقها.. في تلك اللحظة، أخذت (الضُلمةَ) كلها شكل كلمة صوتية واحدة.. أخذت شكل كلمة «شخ خ)».. في تلك اللحظة أوشكت ان اسقط مغشيا ، تماما مثل الترابي، وليس مثله، حين سقط مفمي عليه، والدم يصرخ من خلاف، ذات تنفيذ ما قبل انه حد، في كوبر!
    لم أقل للأستاذة بتول، كل ذلك،
    ولم أقل منه شيئا،
    كنت - في تلك اللحظة - مشغولا بلملمة تماسكي، لأسند (اسماء أو سمية) تلك التي خيّل إليّ في تلك اللحظة، انها سمعت ما سمعت من قلب (الضُلمة) ورأت ما رأيت.. في اللحظةتلك, خيل الي انها شافت مثلي (الضُلمّة) كلها تأخذ شكل الكلمة الصوتية الفظيعة: كلمة (شخ خ)!
    لو قدر للساني ان ينطق, في تلك اللحظة التي رمت فيها بتول بالسؤال ,في المسافة التي بيني وبينها, لكان بالتأكيد قد نطق:
    - يا أستاذة بتول.. نميري الذي تتساءلين عنه، أيد الحكم من زما آ آ آن.. من قبل (هذا أو الطوفان).. ومن قبل محكمة المهلاوي..
    نطق لسانها هي:
    - بنسمع انو في وفود.. دايرة نميري، وما لاقياهو.. نميري وين؟
    - نميري معزول..
    هذا ما قلته لبتول، ولو كنت في تلك اللحظة ختيت انفاسي في الأرض.. تلك التي كنت قد شلتها- كما قلت لكم - الى الطابق الثالث في عمارة الاخوة حيث الاستاذ علي شمو - لكنت قد اردفت لبتول بمثل ما قاله لي علي شمو: «نميري معزول.. معزول حتى عن وزير اعلامو!».
    - هل تفتكر - يا استاذ هاشم - انو النميري ممكن يؤيد الحكم.. حكم ناس المكاشفي الغريب، والظالم دا؟!
    كان الصوت - في تلك المرة - ليس هو صوت الشايب، ولا صوت بتول.. ولا هو صوت يتأرجح بين الأمل واليأس، فقط.. ولا فقط، هو صوت، تفوح منه رائحة الغضب، ورائحة الاحساس بالغبن، ورائحة الاحساس بالظلم.. لا، لا.. ولم يكن صوتا خائفا ولا حزينا، ولا متحسرا فقط.. كان صوتا فيه كل الاحساس الغريزي بطعم مرارة الفقد.. فقد الأب.
    كان ذلك الصوت الغريب جدا في تلك (الضُلمّة) هو صوت اسماء أو سمية محمود محمد طه.
    لم أجب.
    مرت هنيهة ولم أجب.
    رحت أزيح عبرة، راحت تطعن في الحلق.. رحت ازيح غصة راحت تطعن في القلب.. وأزيح من حبالي الصوتية - ما استطعت - أي رعشة.. أي رعشة من رعشة البكاء،تلك التي راحت تحتويني.. تحتويني والدنيا ضُلمة!
    لم أعاين ليها.
    لم أعاين لـ (اسماء أو سمية).
    كان بيني وبينها - في تلك اللحظة - صدى صوت صديقي نجيب نور الدين.. صوته في تلك اللحظة التي حدثتكم عنها: لحظة انزوينا انا وهو، في مكتب تحرير الأيام, في اليوم التالي لمجييء المكاشفي، حاملا بنفسه (خبر محمود) للأيام، بالتويوتا.. التويوتا السنينة، الدبل قبينة، البراند نيو. لدهشتي اشرأب الصوت، صوت نجيب من لساني انا في تلك اللحظة: - انتو بتفتكروا نميري المهووس دا، ما ح يعملا.. او ما مكن يعملا. لا. لا. ح يعملا.. حي يعملا ونُص.. لأنو هو ذاتو ما عارف بعمل في شنو!
    قلت ما قلت، وخطر لي - في تلك اللحظة - ان اسند نفسي بالثلاثة..
    خطر لي ان اشد حيلي، واسند (أسماء أو سمية)،
    واسند بتول،
    واسند سعيد الشايب..
    نظرت اليه - ومن خلال عينين غائمتين والدنيا ضلمّة رأيته يسبل عينيه، ويسند سريعا جدا، بيده اليمنى، جسده المليان، على كبوت السيارة البيجو!
    دنقرت.
    ما رفعت عينا لاسماء أو سمية،
    ما رفعت عينا لبتول..
    ما كنت لأستطيع ذلك، والدنيا الجواي كلها.. والدنيا البرة، دمع يترقرق، ورعشة بكا، و(ضُلمّة).
    كم مضى من الوقت.. لا أعرف.
    كل ما أعرفه، ان صوت الشايب جاني (ما ياهو):
    - نحن بنشكرك يا أستاذ هاشم.. ونكرر ليك نحن، في الحقيقة، متأسفين جدا، على ازعاجك في هذا الوقت من الليل، و..
    ،
    ،
    ،
    ختيت راسي،
    وبقيت اتقلب، واتقلب..
    اتقلب للصباح،
    وما الصباح، صباح الخميس كان.. بأمثل من تلك (الضُلمَّة)..
    ضُلمة البلد، الما..
    الما فيها مَنْ رأى،
    ولا فيها من شاف!
                  

العنوان الكاتب Date
شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 03:58 AM
  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:02 AM
    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Mohamed Elgadi01-05-11, 04:09 AM
    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:13 AM
      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:20 AM
        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:22 AM
          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:25 AM
            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:26 AM
              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:31 AM
                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:35 AM
                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:37 AM
                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:44 AM
                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:49 AM
                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 04:51 AM
                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-05-11, 04:53 AM
                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-05-11, 04:55 AM
                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-05-11, 04:58 AM
                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 05:05 AM
                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 05:09 AM
  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-05-11, 05:28 PM
    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة د.أحمد الحسين01-05-11, 07:02 PM
      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 09:17 PM
        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 09:20 PM
          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 09:25 PM
            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عبدالله عثمان01-05-11, 09:35 PM
              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-05-11, 09:57 PM
                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 10:09 PM
                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-05-11, 10:16 PM
                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة متوكل الحسين01-05-11, 10:51 PM
                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-06-11, 02:41 AM
                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عبدالله عثمان01-06-11, 03:06 AM
                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عبدالله عثمان01-06-11, 03:12 AM
                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عبدالله عثمان01-06-11, 03:15 AM
                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-06-11, 07:55 AM
                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-06-11, 09:38 AM
                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-06-11, 09:45 AM
                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد أبوالعزائم أبوالريش01-06-11, 12:24 PM
                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عبدالله عثمان01-06-11, 03:26 PM
                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-06-11, 08:58 PM
                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-06-11, 10:15 PM
                                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 04:36 AM
                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 04:50 AM
                                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عارف الركابي01-07-11, 08:49 AM
                                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة هشام كمال01-07-11, 01:08 PM
                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Sabri Elshareef01-07-11, 02:00 PM
                                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-07-11, 02:46 PM
                                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Haitham Elsiddiq01-07-11, 04:30 PM
                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-07-11, 04:49 PM
                                                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 07:01 PM
                                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-07-11, 07:57 PM
                                                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 10:21 PM
                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة مختار مختار محمد طه01-07-11, 09:33 PM
                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 10:29 PM
                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-08-11, 07:39 AM
                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-08-11, 10:21 AM
                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-08-11, 11:45 AM
                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-07-11, 10:58 PM
                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Munir01-08-11, 01:12 PM
                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-08-11, 01:34 PM
                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة متوكل الحسين01-08-11, 05:01 PM
                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-08-11, 05:46 PM
                                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عارف الركابي01-08-11, 11:41 PM
                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-08-11, 11:48 PM
                                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-08-11, 11:59 PM
                                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-09-11, 00:05 AM
                                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة عارف الركابي01-09-11, 00:21 AM
                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-09-11, 00:31 AM
                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-09-11, 00:46 AM
                                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Ismail Alam Elmahdi01-09-11, 05:51 AM
                                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-09-11, 07:42 AM
                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Ismail Alam Elmahdi01-09-11, 06:20 PM
                                                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-10-11, 08:22 AM
                                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-11-11, 04:31 AM
                                                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-11-11, 04:46 AM
                                                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 06:24 AM
                                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-11-11, 06:41 AM
                                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-11-11, 06:42 AM
                                                                    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 07:15 AM
                                                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 07:21 AM
                                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-11-11, 07:42 AM
                                                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-11-11, 07:27 AM
                                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-11-11, 07:48 AM
                                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-11-11, 07:48 AM
                                                                        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة بهاء الدين سليمان01-11-11, 07:58 AM
                                                                          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 08:18 AM
                                                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-11-11, 08:23 AM
                                                                            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 08:38 AM
                                                                              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-11-11, 08:48 AM
                                                                                Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 09:23 AM
                                                                                  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-11-11, 10:11 AM
                                                      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Abdelhai Omar01-11-11, 10:53 AM
  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة مختار مختار محمد طه01-11-11, 03:26 PM
    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة كمال عباس01-11-11, 09:22 PM
  Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة مختار مختار محمد طه01-13-11, 11:47 PM
    Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة Amjed01-14-11, 06:54 AM
      Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-15-11, 10:49 AM
        Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة جمال المنصوري01-15-11, 10:59 AM
          Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-15-11, 02:37 PM
            Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-15-11, 03:00 PM
              Re: شيخ فوق السبعين ... و مقصلة محمد الزبير محمود01-19-11, 02:20 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de