نميري في كوبر 18 أغسطس 1971م: كان جو السجن كئيباً ومحبطاً. جميعنا يلوك مرارة الهزيمة ويخبئ أحزانه في صبر. وكلما بلغ به الصبر شأناً بعيدا يصبر أكثر ويطوي جوانحه علي مستقبل قريب تبزغ شمسه. وكان جرح الشهداء الذين حصدتهم الرشاشات وحبال المشانق غائرا في الصدور. ورغم كل ذلك تماسك الجميع وشدوا الأحزمة علي أحشائِهم واغتالوا الحزن في أكبادهم وراحوا يدبرون حياة مستقرة تواجه ذلك الواقع بلا ضجرٍ أو يأس أو قنوط. وكما هي التقاليد في المعتقلات ساعد (قدامى المحاربين) بتجاربهم وخبراتهم في سجون ومعتقلات الحكم العسكري الأول فأنشأوا مكتباً لقيادة المعتقل وتنظيم الحياة اليومية ومناشطها المختلفة. وكان علي المكتب أن يتولى شئون المعتقلين نيابة عنهم لدي إدارة السجن وتوجيه العناصر الشابة وأكثرهم يخوض هذه التجربة لأول مرة. وخوفا من أن يقودهم حماسهم إلى صدام مع حرس السجن أقنعوهم بأن الجنود والضباط ليسوا طرفاً في ما آل إليه حال المعتقلين وإنما هم ينفذون أوامر يتلقونها من جهاز الأمن ولابد من المرونة في التعامل معهم حتى بصبح السجن أداة أخري للتحصيل واكتساب الخبرات. لكي يخرج الجميع أكثر قدرة وتماسكاً لمواصلة المسيرة. وكان أسلوباً مقبولاً لدى الجنود والضباط وأفاد المعتقلين في إنجاز مهام كثيرة بعضها لا تسمح بها لوائح السجن. كانت تعليمات الأمن في الأيام الأولي قاسية وغير إنسانية لم يسمح لنا بزيارة الأسر ولا دخول الكتب والمجلات بما في ذلك صحف الدولة اليومية ومنع الراديو والقلم ولم يسمح بالعلاج خارج السجن أو لقاء الاستشاريين. حتى السجائر والتمباك والسكر صارت كلها مواداً اكثر خطورة من المخدرات. وفي صباح الثامن عشر من أغسطس 1971م أفقنا علي جلبة غير عادية في السجن وازداد عدد (المنتظرين) كان حشدهم في ذلك اليوم لافتاً للنظر وراحوا ينظفون حوش السرايا والعنابر باهتمام يثير الدهشة، وكنا في مثل هذا الحال -ولكن بدرجة اقل- نُدرك بأن مدير السجون سيقوم بتفقد السجن إلا أن الأمر ازداد غموضاً بدخول مجموعة من الضباط وصف الضباط وكان بينهم العم شاويش لوج وهو من أبناء جنوب كردفان، ولا يذكر سجن كوبر إلا مقترنا بالشاويش لوج فقد كان رجلا حكيما رقيق القلب يمتلئ وجدانه بالعطف والإشفاق علي المعتقلين وله معهم تجارب كثيرة وكان مقبولا ومحترما لدي كل الأطراف ينفذ الأوامر بمرونة ترضي الإدارة ولا تضر بالنزلاء. دنوت منه مستفسراً عن حقيقة ما يجري هذا الصباح في السجن فأخذني بعيدا ليقول لي واحدة من حكمة : يا ولدي لما (البليلة) تكون في النار ما تدخلوا ايدكم فيها .. خلوها لمن تبرد … ولم أتبين ما قصد إليه وواصل حديثة: الليلة الزول دا جاييكم خليكم ناس عاقلين وما تسوا عوجة والله يرفع ما خت، باكر كله يروح وتبقي حكاوي …. وقبل أن يسترسل في حكمتة سمع نداء الضابط الذي صحبة مع (المنتظرين) خارج السراية ثم عاد الضابط مرة أخري ليخطرنا بأن الرئيس نميري سيزوركم وطلب منا أن نكون خارج العنابر في حوش السرايا وأدهشنا ذلك الطلب وسألناه لماذا لا تكون الزيارة داخل العنابر كما هي الحال عند مرور إدارة السجن قال : إن جهاز الأمن طلب ذلك خوفاً عليه من أن يتصدى له المعتقلون فيؤذوه أو يودوا بحياته….. واجتمع المكتب القائد وأكد أن زيارة نميري في هذه الظروف وبعد ثلاثة أسابيع فقط من مجزرة الشجرة لن تكون بأي حال زيارة ودية. ووجه المعتقلين وخاصة عناصر الشباب والطلاب بأن يتحلوا بالهدوء وعدم الاستجابة لما يصدر عنه من استفزاز. وتم الاتفاق علي أربعة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وهم: عبد المجيد شكاك حسن قسم السيد، سعودي دراج ،صلاح مازري ليكونوا في مواجهة نميري فهم معرفون لديه بهويتهم السياسية. وفتح باب السرايا الكبير ودخلت مجموعة من سلاح المظلات أنزلت جنود السجن من جدران الحراسة وإستولت على أماكنهم حاملة رشاشات صوبتها نحو حوش السرايا حيث وقفنا في انتظار (الزيارة) وجاء بعدهم نميري وفي عنقه جرائم لا تحصى وأستولى عليه قلق شديد والتمع في عينيه الحقد والإنتقام ورشحت على وجهه الكئيب صور المجازر والمشانق التي تلاحقه وتؤرقه مهما حاول أن يخبئها بالصلف والكبرياء المزيف. فقد ظل يشغف للإستماع والتهريج والكذب عن عبد الخالق ورفاقه الذى دبجه له أحمد سليمان ومعاويه إبراهيم سورج. كان بصحبته الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم محاطاً بجنود آخرين من المظلات مدججين بالسلاح وفي جنبه مسدس وبدا نميري وقد تخلي عنه سلطان العقل وصار مفتونا بمزايا سلطة الفرد مثقلاً بالغرور ضاغطا علي المسدس في جنبه. وبلا مقدمات أو تحية وقف منتفخاً ليقول : الشيوعيين يطلعوا بره وكأنه يخاطب جمعاً لا يعرفهم من قبل استفز بذلك الشيوعيين وغيرهم فاندفعوا نحوه… رأعه الموقف وصعقته الجرأة. كان في اعتقاده وهو مدجج بذلك الفريق المسلح أن ينكر المعتقلون هويتهم السياسية أو يطلبوا منه العفو وإطلاق سراحهم … فعاد كسير الخاطر وابتلع صلفه وكبرياءه وجلس في مكتب مدير السجن وأستدعي بعض المعتقلين الذين وقفوا في صدره واراد أن يجري معهم نقاشا لم ينل منهم مأربا بل تلقي دروساً لا أخال أنه نسيها ولكنه بالقطع لم يفد منها شيئا. وأشباعاً لغروره أمر بتحويل المعتقلين الذين وقفوا في وجهه إلى زنازين البحريات في حبس انفرادي لفترة أسبوعيين وهي الزنازين التي أعدت لمن حكم عليهم بالإعدام. ثم اطلق سراحهم منها وأعيدوا إلى السرايا. وعاد الشاويش لوج ليقول : الحمد لله أنكم تصرفتم بكثير من العقل.. وأردف قائلا : لو كان هاشم العطا جاء بهم الي سجن كوبر وليس إلى القصر الجمهوري وبعد الانقلاب المضاد وتكوين مجلس الوزراء الجديد واتخاذ قرار باطلاق سراح المعتقلين وأخطار وزير الداخلية بذلك وبدوره يطلب من مدير السجون تنفيذ القرار ويأتي الأمر إلى مدير سجن كوبر ويطلق سراحهم. ويكون قد مضى زمن طويل على نميري وزملائه داخل كوبر وبعدها يطلق سراحه الحاكم الجديد ويومها يطير نميري من الفرح ويبعث ببرقية إلى رئيس مجلس الثورة الجديد شاكراً ومقدراً ويؤدي (البيعة) هو وزملاؤه. وواصل العم شاويش لوج قائلاً : المرة الجاية جيبوهم هنا في كوبر مش في القصر الجمهوري! قلت له : يا عم لوج نحن ما عملنا الإنقلاب ده.. ضحك ساخراً.. وأصر على قوله معليش يا أولادي برضو ما تودوهم القصر الجمهوري.
نهاية مستشفى العيون: وأنتهت فترة بقائنا في مستشفى العيون (مستشفى النهر) التي كانت رمزاً تاريخياً لشهداء ثورة 1924م، ويحضرني هنا تحقيق أجرته جريدة الأضواء حول المستشفى في عددها الأسبوعي يوم السبت 29 يناير 2005م ورد في مقدمته: بعد ثمانية وأربعين عاماً في الخدمة في مجال الطب وجراحة العيون أعلن الدكتور أحمد بلال عثمان وزير الصحة الإتحادي في مؤتمر صحفي يوم الأحد 21/11/2004م إعتزام وزارته بيع مستشفى العيون بالخرطوم (مستشفى النهر) لمستثمر أردني بمبلغ أربعين مليون دولار والدخول في شراكة سودانية أردنية لإنشاء مستشفى إستشاري في موقعه مسدلاً بذلك الستار على أول وأكبر مستشفى حكومي في مجال طب العيون. ويواصل الدكتور حسين في ذات التحقيق والمبنى فضلاً عن أهميته الأثرية كشاهد حضاري للبنات الأولى للعمارة الحديثة في السودان فهو أيضاً شاهد عصر للعديد من الأحداث التاريخية التي شكلت وأعادت تصويب بوصلة الأحداث في إتجاه الحرية والإستقلال حيث شهد أحداث ثورة 1924م وإستشهاد عبد الفضيل الماظ الذي تمترس جنوده داخل المستشفى في معركته ضد الإنجليز. ويمضي الخبير صلاح عمر الصادق.. عندما دارت أحداث ثورة الضباط السودانيين بقيادة عبد الفضيل الماظ وسيد فرح ومجموعة من الجنود بلغ عددهم ثمانين جندياً تمترسوا داخل المستشفى وخاضوا معركتهم مع الجنود الإنجليز بصورة بطولية ولم يستطع الجنود الإنجليز الدخول إليهم بل هدوا عليهم المباني التي كانوا بداخلها وقد إستشهدوا في سبيل بلادهم وهم ممسكون بمدافعهم، وقد وجد عبد الفضيل الماظ ممسكاً بالمدفع وهو شهيد، وتقول أحدى الروايات إن القائد الإنجليزي هدلستون الذي قاد مجموعة الجنود البريطانيين قد حيي عبد الفضيل الماظ وقد تغنى للوجدان السوداني لهذه المواقف والبطولات. ويواصل النداء بقوله : لكل ما سبق يجب على الدولة والقائمين على أمر الأمة المحافظة على تاريخها وإبقاءه للأجيال القادمة فهذه المباني تحكي عظمة الأباء والاجداد وأصالة التاريخ، وهدمها يعني مسخ الشخصية السودانية ومسحها. ونحن بدورنا نذكر الدكتور أحمد بلال عثمان بدوره الإنساني حينما كنا معتقلين بسجن شالا وما بذله وزميله الدكتور محي الدين عبد الرحمن وزملاؤه الاطباء بمستشفى الفاشر كي لا يسهم في هدم هذا الصرح التاريخي وكفى بلادنا طمساً لتاريخها البطولي ضد الإستعمار كما حدث لنادي الخريجين ومواقع أخرى أثرية أصبحت في ذمة التاريخ.
01-10-2011, 09:45 AM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
أكدنا في مطالبنا واحتجاجنا على سوء الطعام وعدم زيارات الأسر. وكررنا ذلك كل أسبوع عند مرور إدارة السجن ولكن دون جدوى. ورغم أننا فقدنا كثيراً من قدراتنا لسوء التغذية قررنا الدخول في إضراب عن الطعام لمدة يومين استثنينا منه كبار السن والمرضى وكان اضراباً ناجحاً ليس فقط فى سجن كوبر بل شمل كل المعتقلات بما فيها الأقاليم، وكان حدثاً اذهل إدارة السجن والأمن وحاروا في الكيفية التي تم بها هذا التنسيق ويعود الفضل في ذلك الي التدابير التي قام بها الحزب الشيوعي باتصالات أجراها عبر فروعه في كل منطقة بها معتقلون وتوحد الجميع علي يوم وساعة الصفر. وكذلك الإضراب الطويل الذي تم بعد الحملة الثانية وأستمر لأكثر من أسبوع. وفزع نميري عندما علم بذلك وأغلظ في محاسبة جهاز الأمن وكانوا قد أقنعوه بأن الحزب الشيوعي قد أنتهي من الحياة السياسية مما جعله يصرخ في خطاباته بأنه دمر الحزب الشيوعي وسبقه الي ذلك بيان اللواء الباقر وزير الداخلية آنذاك الذي أكد فيه (بما لا يدع مجالا للشك) أن المدعو محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي قد هرب خارج البلاد. كانت نتائجه إيجابية فقد تحسن الغذاء وسمح للمرضي بالذهاب إلى المستشفيات وفتحوا الزيارات للأسر وأصبحت لدينا (كميونة) غنية بالمواد الغذائية والأدوية والفيتامينات وعظم النشاط داخل السرايا وإزدادت الأندية الثقافية والرياضية وحرصنا علي تحرير مجلة ناطقة في نهاية الأسبوع ملأت فراغاً كبيراً وكانت أداة رائعة للترويح بل أن بعض جنود السجن كانوا يحرصون علي حضورها. وعند دخول الفنان وردي مستشفي السجن كان يردد الأغاني بصوت عال حفاظاً على حباله الصوتية كان بعض المارة يقفون خارج السجن لسماعه، بل أن بعض أسر جنود السجن طلبوا مراراً عبر أزواجهم بعض الأغنيات لوردي فقد توقفت الإذاعة عن بث أغنياته وكأنهم يعاقبون بذلك الفنان وردي وليس محبيه من المواطنين. ومن الطريف أن أحد (المتربين) وليس المطربين أجروا معه حواراً بالاذاعة وعندما جاء ذكر وردي سماه الفنان سابقاً تماماً كما كانوا يقولون عن المعتقلين الذين فصلوا من الخدمة فلان الوكيل سابقاً أو المحاسب سابقاً.
01-10-2011, 09:53 AM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
Quote: وعند دخول الفنان وردي مستشفي السجن كان يردد الأغاني بصوت عال حفاظاً على حباله الصوتية كان بعض المارة يقفون خارج السجن لسماعه، بل أن بعض أسر جنود السجن طلبوا مراراً عبر أزواجهم بعض الأغنيات لوردي فقد توقفت الإذاعة عن بث أغنياته وكأنهم يعاقبون بذلك الفنان وردي وليس محبيه من المواطنين. ومن الطريف أن أحد (المتربين) وليس المطربين أجروا معه حواراً بالاذاعة وعندما جاء ذكر وردي سماه الفنان سابقاً تماماً كما كانوا يقولون عن المعتقلين الذين فصلوا من الخدمة فلان الوكيل سابقاً أو المحاسب سابقاً.
01-10-2011, 12:18 PM
Abdlaziz Eisa Abdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291
Quote: الشهيد فاروق عثمان حمدالله اسدا هاج وقرقر اللي موتو حقر تب ما مات محقر وبالرصاص منقر
في لحظة الاعدام رفض فاروق ان يضع عصابة على عينينه وقال للسفاح نميري : الليلة بوريك الرجال بموتو كيف ولم يعطي ظهره للذين صوبوا بنادق الاعدام بل اخذ يتراجع للخلف وقبل ان يصل الدروة اطلقوا عليه اربعة الف رصاصة دفعة واحدة وسقط الجزء الاعلى من جسد فاروق على الارض وظلت رجليه ثابتة على الارض لبرهة ثم سقطت
خالد العبيد فى بوست كبوشيه
01-12-2011, 10:46 AM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
إحتفالنا بذكرى أكتوبر 1971م:وجاء الحادى والعشرون من أكتوبر يسجل الذكرى السابعه لثورة اكتوبر بعد إعتقال دام ثلاثة أشهر.. كان اول الاعياد التى إحتفلنا بها داخل السجن وقد أبدع الفنانون من المسرحيين والمخرجين والشعراء في إعداد موكب داخل السجن (بالسرايا) وجعلوا من البطاطين والبروش وما توفر من ثياب وملابس باليه نعشاً رمزياً لشهداء مجزرة الشجره التى إرتكبها السفاح جعفر نميرى وهو في حال من الذعر والإفلات والهستريا. حملنا ذلك النعش في موكب مهيب وتجولنا به حول السرايا وارتدينا أجمل ما توفر من الثياب وقد اثار فينا الشجون وايقظ كامن حزن خبأناه في صبر مرير، ولأول مره يجهش الرجال بالبكاء وتنزلق الدموع بعد أن نزعنا الالم عن أكبادنا وخبأنا الحزن الدفين في الأعماق فقد حبسناها ونحن نشهد الرفاق يهزون حبال المشانق ويرسلونها على أعناقهم جدلات من فخار ويحولون طلقات الرشاشات الى اوسمة تنير صدورهم.. حين فارقوا الحياة لم نذرف الدموع عليهم حتي لا تنهار قوانا أو تأذن للسفاح نميرى كى يدعي أن الفزع أو الخوف قد ملأ صدور المعتقلين. وأمسكنا بذاكرة الايام وبدا لنا طيف اؤلئك الشهداء: عبد الخالق محجوب ، الشفيع أحمد الشيخ ،جوزيف قرنق، هاشم العطا ورفاقهم في القوات المسلحة الذين صعدوا الى المشانق والدروة مرفوعي الهامات فأزلوا هيبة نميرى وصحبه الساقطين وهم يهتفون بحياة شعبهم وحزبهم ونضال الطبقة العامله. في ذلك المهرجان صدح الفنان محمد وردى والفنان محمد الامين بالاناشيد الوطنيه الثوريه وتحول مئات المعتقلين الى(كورال) هز جدران السجن وتجاوزها الى الشارع فتوقف المواطنون عند الجدار يسترقون السمع فقد صدأت آذانهم من سماع اللغو في الراديو وخطب نميرى الآسنه.. وشهد بعض جنود السجن ذلك الموكب فاهتزت جوانحهم ولم يخف الشاويش (لوج) إنفعاله وعلق على ذلك بقوله إن الموكب يذكره بمظاهرات (أبو جنزير) وانشدنا في (كورال) مقتدر انشودة محجوب شريف التى حيا بها ثورة أكتوبر: أكتوبر أكتوبر هدير الحق فارس ليل وشق ياليل دروبك شق يا أكتوبر المحمول على الاعناق وثيقة دم نحن بلاك ما بنسلم مبادئ يوليو ما بتهزم باسم الشارع المطعون حنتقدم بأسم العامل المغبون حنتقدم نرفع سد ونهدم سد وإشتراكيه لآخر حد. حملة التضامن العالمية: بعد مجزرة الشجرة التي راح ضحيتها عشرات من الشهداء والسجناء وآلاف المعتقلين الذين اودعوا السجون والمعتقلات تعاظمت حملات التضامن وتعددت وسائل الضغوط والاحتجاجات العالمية وأوفدت منظمات حقوق الإنسان ممثلين لها للوقوف على سلامة المعتقلين وطالبت بإطلاق سراحهم أو تقديمهم الى محاكمات عادلة وقامت المظاهرات وكثرت النداءات والملصقات تحمل صور الشهداء والمعتقلين. وفي الداخل نشطت الأسر في عدد من المواكب مما عرض أعداداً من أفرادها للاعتقالات والتشريد وأسفرت تلك الحملات عن بدء إطلاق سراح المعتقلين كما أدى النشاط الداخلي الي تحويل بعض المعتقلين الى الأبيض وشالا وزالنجي وبورتسودان. وقلقنا كثيراً على المرضى من زملائنا الذين ينقلون الى معتقلات خارج العاصمة لادراكنا ان العناية الطبية غير كافية وان ابعادهم عن ذويهم لا يوفر لهم الاحتياجات الضرورية خاصة وان الطريقة التي يتم بها تحويلهم الي تلك المعتقلات كانت دائماً مفاجئة فلا يخطر المعتقل بموعد ولا الجهة التي ينقل اليها حتى يتمكن من توفير ما يحتاجه او اخطار اسرته لتحضر له الأدوية والملابس. حتى الجنود المرافقون لا يخطرون الا بتجهيز امتعتهم واستعدادهم للسفر.. فاصبح اصرارنا على بقاء المرضى في كوبر بنداً ثابتاً في اجندة اللقاء مع ادارة السجن.. ونذكر في هذا الشأن بتقدير كاف الجهود التي بذلها الدكتور صلاح الكردي والدكتور هاشم جدو والمساعد الطبي الصادق.. الذين وفروا كافة الظروف المتاحة بقدر ما تيسر في مستشفى السجن من أدوية وغذاءات الى دخول المستشفيات ومقابلة الاخصائيين أما زميلهم الدكتور الشلالي والمسؤول الاول عن مستشفي سجن كوبر فقد كان سلبياً في ادائه الطبي نحو المعتقلين وإرتمي تحت أقدام جهاز الامن يتلقي منهم التوجيهات بأن لا يوصى بتحويل المرضى خارج السجن وأهمل عمداً العناية بمن هم أكثر حاجة للعلاج ومقابلة الإستشاريين. ولكن عندما وقع إنقلاب هاشم العطا واطلق سراحنا ويوم مغادرتنا مكاتب السجن عرض على الدكتور مصطفي خوجلى أن يوصله الى المنزل ليس ذلك بدافع المروءة والشهامة ولكنه طمع في إشاعة رشحت بأن الدكتور مصطفي قد رشح رئيساً للوزراء وربما جاء وزيراً للصحه ولكن الدكتور مصطفي رفض ذلك العرض. ولا ننسى قومندان السجن العم (ميرغني أبو الروس) اذكر انه اراد ان يخبرنا بحملة التضامن العالمية خلال زيارته مع مدير السجون فوقف يقول : انتو عاوزين تطلعوا والشوارع كلها مليانة بالصور ويقولوا للحكومة اطلقوا سراح المعتقلين خليكم هنا شوية وكانت إشارة شدت من عزمنا وضاعفت قدراتنا على الصمود وابو الروس مشهود له بالتعاطف مع المعتقلين السياسيين ودعم الصلات بينهم وأسرهم وكان يمدهم بوجبات خاصة من منزله، واذكر له نادرة عندما كان في الجنوب وزارهم طلعت فريد عضو المجلس العسكري في نظام عبود وفي يوم اللقاء الجماهيري معه تعطل الميكروفون ولما عجزوا عن اصلاحه طلب الاذن من الوزير وابلغه بأن لديه بين المعتقلين كهربائياً ممتازاً فاحضر الراحل مصطفي ابو حسنين وكان الراحل أحد الشيوعين المعتقلين فى سجن جوبا حيث ابعدوا من الخرطوم قبيل إحتفالات 17 نوفمبر التى سبقوها بنشاط معاد للسلطه العسكريه وأغرقوا العاصمه والأقاليم بمنشورات وملصقات وشعارات على الجدران تندد بالحكم العسكرى وتدعو المواطنين لإسقاطه فصحبه أبو الروس إلى اللقاء وتمكن من إصلاح الجهاز ووضعوا له مقعداً وجلس قريباً من الوزير متابعاً حتى انتهاء الحفل ثم عاد الي السجن مرة اخرى. عند اطلاق سراح بعض المعتقلين كنا نردد مقاطع من انشودة التقدميين العـراقيين : السجن ليس لنا نحن الاباة السجن للمجرمين الطغاة ولكننا سنصمد ونصمد وإن لنا مستقبلا سيخلد ويخلد لنا الغد لنا الغد .. لنا الغد يوم تنصب المشانق لمن؟ للمجرمين الطغاة وعندما تكرر تحويل المعتقلين الى خارج كوبر أصبحنا نردد هذا النشيد كل مساء ونختمه بالتحايا للأقسام المختلفة هاتفين : معاً معاً حتى النصر. وكان المعتقلون في تلك الاقسام يردون التحية بنفس الهتاف وبهذا نتأكد من أنهم مازالوا موجودين في أحد اقسام كوبر ولم ينقلوا الي مكان آخر خارج الخرطوم.
01-12-2011, 08:48 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
وتواترت كشوفات إطلاق السراح وضعفت عضوية كثير من الأندية والمناشط الثقافية والرياضية. وكان بيننا من الشخصيات الوطنية الظريفة شيخ العرب، محمد عبد الغفار وقد أشار إليه الدكتور/ محمد سعيد القدال في كتابه عن ذكرياته في المعتقل. أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية. وعلى الرغم من انه كان يتقدمنا لبعض السنوات إلا أنه يتمتع بذاكرة قوية تحصى كل حدث مر به. وكنا في الأيام الأولى حينما أشاعوا ان محاكم ميدانية ستعقد للمعتقلين ولم تتوفر لدينا أفلام أو أوراق أو أية وسيلة إعلامية أردنا أن تكون افادتنا في التحقيق واحدة لا تناقض فيها وأصبحنا كلما يفد الينا معتقل جديد نحضره أمام شيخ العرب ليروي ما دار معه في جهاز الأمن وردوده على الأسئلة التي وجهت إليه وشيخ العرب يمسك بتجاعيد جبهته منصتا ومتابعا. نسأله فيما بعد عن أقوال فلان يرويها كما هي حفظه الله ومتعه بقوة الذاكرة. ولما خلت السرايا من الشعراء والمطربين قال شيخ العرب : يعني محجوب شريف ما في خلاص ما في غيره شاعر وانشد مجاريا محجوب في قصيدته التي صاغها حينما ابعدوا الي سجن شالا في مدينة الفاشر والتي جاء فيها : ودانا لي شالا عزتنا ما شاله نحن البلد خيره ومستقبل أجيالا ولما كان شيخ العرب من مواليد وأبناء بربر قال مجارياً محجوب شريف : ودانا لي بربر قلبنا ما فرفر نميري يا أذعر تلقانا زي عنترمحال نحن نتقهقر وراح يقاطع الشاعر مبارك حسن خليفه في قصيدته التى نظمها في عيد ميلاد إبنه هانى كان مطلعها : إبنى هانى لم تتمتع بحناني ولكن شيخ العرب لم يسعد بما جاء فيها وكان يعتقد أن الشعر في تلك المرحله لابد أن يكون شعراً ثورياً فانشد يقول بطريقته الساخره: أسمع يا هاني ** يا إبن أبو هاني لو تشوف ابوك تاني ** أقطع إيدى ولسانى ثم أنشأنا فريقين لـكرة القدم وكان فريقي دائماً منتصراً وفي نهاية المباراة يقف أمام فريقه هاتفاً : الكلام على الأخلاق والفنون الرائعة. ولم تطل المنافسة حتى ألمت به وعكة ألزمته النمرة وندب حظه بغياب الشعراء محجوب شريف وصلاح عووضة اذ كان يأمل في قليل من الشعر يخفف به وعكته فطمأنته بأن بعضاً من الشيــاطين تزورنـي احـياناً، وعليه ان يطمئن ويضع في بطنه (بطيخة صيفي) لأني سأخترع له العديد من القصائد كلما عاودته (الخبيتة).. وصغت له هذه الكلمات قائلا له إنني حريص على شفائه لانه رئيس الفريق المنافس ويبهجني ان يشاهد بنفسه هزائم فريقه فأنشدته : شفاك الله يا حمدي ونضر خدك الوردي ودم لفريقك العاتي ونطط فيه كالقرد فلم تك انت شاعرنا ولا فناننا وردي ومن طريف ما حدثنا به شيخ العرب عند زيارة أســرته في الســجن أن من بين أبنائه عبد الخالق الذي حضر بعد أن تمت مراسم ختانه وقد جلس بقربه ليحكي له ما دار في تلك الأيام وكانا يتهامسان ببعض الطرف والقفشات فتدخل رجل الأمن الذي كان متواجداً بالمكتب كما هو التقليد في كل الزيارات وطلب من شيخ العرب ان يرفع صوته ليتابع ما يدور من حديث مع ذاك الطفل. فقال له شيخ العرب يا أخي أنا بتكلم مع طفل صغير كلام بتاع ونسه والولد يحكي لي شوية نوادر وطرائف حصلت في مناسبة الختان وفيها بعض كلام لا يجوز الجهر به بصوت مسموع. ولكن أصر رجل الأمن على أن يكون الحديث بصوت عال ليسمعه. فاعتدل شيخ العرب وبطريقة ساخرة وبصوت جهير قال مخاطبا ابنه الصغير : أسمع يا عبد الخالق قول للجماعة أجلوا الانقلاب العسكري عشان ناس الأمن كشفوه وعرفوا ساعة الصفر وانتظروا لغاية ما نحدد يوم تاني ولكن الحديث لم يعجب رجل جهاز الأمن واعتبره استفزازاً ولكن شيخ العرب لم يحفل بتبرمه واستمر يخاطب ابنه : ما تنس يا عبد الخالق تقول ليهم : نأسف لتأجيل الانقلاب العسكري الي وقت يعلن فيما بعد. وانهى شيخ العرب الزيارة قبل موعدها بعد ان اشار الى ابنه وهو يودعه : لا تنسى الوصية. وبينما كنا نتابع طرفة شيخ العرب خلال الزيارة تناهى إلى أسماعنا صوت خارج السرايا يشابه صوت أسياخ الحديد وهي ترمى على الأرض من إحدى الشاحنات فقفز دكتور على الكنين ،وكنا قد تقدمنا من بين مطالبنا لتحسين المعتقل بسراير ومراتب- واعتقدنا ان ذلك الصوت نجم عن إنزال السراير على الارض وقف الكنين ليقول : أبشر يا شيخ العرب الليلة الشافك راقد فوق سرير ما كضب. وأسرع نحو باب السرايا لينظر من فتحة صغيرة على فناء السجن، وكنا قد اطلقنا علىهذه الفتحة تسمية خاصة بها منسوبة الي (القمندان) يتداولها المعتقلون كما كنا نطلق على الحمام كلمة (الاتحاد الاشتراكي) فأصبحت معلومة لدى جنود السجن وعندما يأتون إلى (التمام) ويكون عدد المعتقلين ناقصاً يسأل الجندي الحارس : عندكم ناس في (الإتحاد الاشتراكي) ثم يمضى الى قسم آخر و يعود الكنين ليخبرنا بأن ذلك الصوت لمواسير أحضرت لتغيير أخرى بالية. ولكن شيخ العرب كان على موعد مع إطلاق فك السراح كما كان يسميه إذ قال أحد الزائرين أنه سمع أخباراً تقول بذلك في الأيام القليلة القادمة! وطال الانتظار بلا فائدة ولم يعد إلينا من شالا من يروي لنا رائعات محجوب شريف الجديدة فقررنا أن نملأ الفراغ الشعري جلسنا ومعي الكنين وقاسم عباس وصغت هذه الكلمات وقمنا بتلحينها بعد أن أضاف إليها شيخ العرب البنادق والمشانق ما بتحول من مسارنا : شيل يا ريح هتافنا وشيل نشيدنا وامشي وشح بيه ساحتنا وبيوتنا وأغشى أطفالنا وصغارنا واحكي ليهم عن صمودنا وامشي يا ريح قول لهم قول وقول كوبر الأسطورة اصبح قلعة بتردد شعارنا والمشانق والبنادق ما بتحول من مسارنا والطريق السرنا فيه كان مصيرنا واختيارنا نحن صممنا وعزمنا نغسل العار من ديارنا ونحن لما اخترنا درب الكادحين الملايين المناضلين كنا عارفين الطريق ده بودي لي وين ما بنحيد ما بنلين عن طريق الملايين وبالرغم من ما بذلناه من جهد في التلحين والأداء لم يلق نشيدنا استجابة.. فقد ذهب الشعراء والمطربون وبقيت مجموعتنا مبحوحة الصوت تردد اغنيات الوداع.. وحين تعذر امرنا اقترح علينا احد (الخبراء) ان ننسب كلماتنا الي الشاعر محجوب شريف فلم نفلح فقد رشحت رائعاته بعطر مميز لا يخطئه سمع المتلقين. ولم نسعد بإستماعنا الي تعليق شيخ العرب على لحن المنظومة حتى جاءنا النقيب عثمان عوض الله متألقاً مبتسماً ليعلن أن محمد عبد الغفار شيخ العرب قد أطلق سراحه وودعناه بأكثر من نشيد حملناه على أكتافنا حتى باب السرايا مرددين: أكتوبر دينميتنا دنميتنا ساعة الصفر- ركيزة بيتنا وهتفنا له وللشعب السوداني. ورغم جدية الهتاف والنشيد في تلك اللحظة لم ينس دعاباته وهو يقترب من باب السراية ليهتف : الله اكبر ولله الحمد كنا نردد ذلك الهتاف حينما يطلق سراح أحد الأنصار؟ وامعاناً في السخرية والعبث كنت ومحمد صالح ابراهيم عندما يتوقف الهتاف بعد خروج المعتقل نغني.. (صورة مايو صورة غوية نبني نعمر (لوطنية) ومرة استدعانا ضابط من جهاز الامن في مكتب احد ضباط السجن وقال انه يود التحقيق معنا لاساءتنا لـ (ثورة مايو) وانكم تجعلون من النشيد مضحكة فرد عليه محمد صالح: احنا ما قلناش ثورة مايو نحن كنا بنقول: صورة مايو بالصاد وليس بالثاء وغوية بالغين ايه دخل ده بالكلام بتاعكم.. قال الضابط: جينا نعمر بوطنية مقطع معروف من نشيد سيد خليفة لثورة.. رد عليه محمد صالح: نحن قلنا نبني نعمر لي وطنية ودا يرجع لحاجة وطنية ولية مسكينة عندنا في المحس.. وجمع الضابط اوراقه واختفى وجاءنا الشاويش سيد احمد ليصحبنا الى داخل السجن وقال ضاحكاً : أنتو يا شيوعية ما بتنقدروا..
01-13-2011, 01:51 AM
Afraa Sanad Afraa Sanad
تاريخ التسجيل: 05-18-2009
مجموع المشاركات: 1751
يا سلام يا فيصل فكم اعدت من ذكريات ..قابلت عم خليل لاول مرة في فرجينيا ١٩٩٧ عند خالي ثم صار صديق شخصي رغم فارق العمر و المعرفة و كل شي حدثني عن تجربة اتحاد الشباب و ألمعتقلات وكيف أصيب بالسكر حينما شاهد صديقه ينتحر في سجن شالا .، موسوعة في كل شي من الفكر الأشتراكي الى الطبخ و النظافه خلوق هادي خفيض الصوت أنيق ومرتب أب لكل الناس وزوج محب. أذكر أنه فجاة قرر الرجوع لسودان وكانت الأنقاذ في قمة شراستها.. حاولت أن اثنيه عن الذهاب لكنه قال أنه يحس بضرورة بقاه الى جانب أم عادل التي كانت في أتم صحة، فسافر وفي نفس الليلة التي وصل فيها توفيت زوجته عندها تاكدت أن العقل والحكمة ينيران البصيرة فنري أبعد .. حدثته قبل بضعة شهور وكان سعيدا أخبرني أنه عايد من المسجد بعد أن صلى الفجر وانه يودي رياضة المشي بعد ذلك.. لك كل الحب والتجلة عم خليل فمنك تعلمت الكثير الذي اتمنى أن ازرعه في ابناي عل أرض السودان الولود أن تعيد انتاج أبناء وبنات في قامة خليل الياس
01-13-2011, 06:37 AM
حسن طه محمد حسن طه محمد
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 3653
Quote: يا سلام يا فيصل فكم اعدت من ذكريات ..قابلت عم خليل لاول مرة في فرجينيا ١٩٩٧ عند خالي ثم صار صديق شخصي رغم فارق العمر و المعرفة و كل شي حدثني عن تجربة اتحاد الشباب و ألمعتقلات وكيف أصيب بالسكر حينما شاهد صديقه ينتحر في سجن شالا .، موسوعة في كل شي من الفكر الأشتراكي الى الطبخ و النظافه خلوق هادي خفيض الصوت أنيق ومرتب أب لكل الناس وزوج محب. أذكر أنه فجاة قرر الرجوع لسودان وكانت الأنقاذ في قمة شراستها.. حاولت أن اثنيه عن الذهاب لكنه قال أنه يحس بضرورة بقاه الى جانب أم عادل التي كانت في أتم صحة، فسافر وفي نفس الليلة التي وصل فيها توفيت زوجته عندها تاكدت أن العقل والحكمة ينيران البصيرة فنري أبعد .. حدثته قبل بضعة شهور وكان سعيدا أخبرني أنه عايد من المسجد بعد أن صلى الفجر وانه يودي رياضة المشي بعد ذلك.. لك كل الحب والتجلة عم خليل فمنك تعلمت الكثير الذي اتمنى أن ازرعه في ابناي عل أرض السودان الولود أن تعيد انتاج أبناء وبنات في قامة خليل الياس
استاذه عفراء سند
لك الود والاحترام والشكر على الكلمات الطيبه فى حق الشفيف خليل الياس ..مرورك اسعدنا
01-13-2011, 11:16 AM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
عرديب الكجور وبعض المفارقات: أصبحنا عددا قليلاً في المعتقل وبدأنا نكتشف بعض المواهب لدى المنتظرين نملأ بها فراغاُ احدثه خروج متواصل من المعتقلين. بقى معنا من المنتظرين احد أبناء الدينكا يدعي (عرديب) كان شابا خفيف الظل مرحا كثير الدعابة. وعندما علم ان كشوفات إطلاق السراح توالت على السرايا راح يدعي أنه كجور وأصبحنا نلتف حوله ليرمي الودع مستخدماً حجارة صغيره مهنئا كل من يقع امامه أحد الأحجار التي يرميها ويقول له انت طالع قريب من السجن ،وعندما علم ان بعض المعتقلين أعيدوا الي العمل صار يبشرهم بفلوس كثيرة مقابل ذلك يمنح سيجارة وكانت هي العملة الصعبة المتداولة في السجن. وفي مرة وقف الحجر عند (سيف الدين علي عثمان) وبشره بالاضافة الي إطلاق السراح ومتأخرات الراتب بأن زوجته ستضع له مولوداً ذكراً، وسيف الدين لم يكن بعد متزوجا. فقال له : يا عرديب أنا لي هنا سنة ونص كيف مرتي تجيب ولد؟ فرد (عرديب) بكل بساطة : كان انت هنا ناس بره ما في!؟ وكان جاداً في تساؤله اذ ان بعض قبائل الجنوب يتوارثون زوجات اقاربهم عند الغياب أو الوفاة.
01-13-2011, 12:40 PM
Abdlaziz Eisa Abdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291
وعندما اجريت الانتخابات لرئاسة الجمهورية وكان المرشح الوحيد هو جعفر نميري والتصويت بلا أو نعم جعلوا من احد المكاتب في سجن كوبر مركزا للتصويت ودفعوا السجناء والمنتظرين صفوفاً الي ذلك المركز.. وطبعا لم يسمحوا للمعتقلين السياسيين لانهم يعلمون سلفا النتيجة وسوف تهبط نسبة الفوز، وعندما جاء عرديب كعادته للعمل في السرايا سألناه : بماذا صوت بنعم أو لا.. قال صوت بنعم.. آخذناه في ذلك وذكرناه بأنه ظل دائماً يشتم نميري وحكومته فلماذا صوت بنعم. قال عرديب : الصندوق الذي فيه ورقة نعم كان موضوع في الطاولة امام ضابط الانتخابات وصندوق (لا) موضوع بعيد.. بعيد في آخر المكتب يعني اذا مشيت هناك كل واحد يشوفك قلت (لا) ونحن ما عوزين زيادة مشاكل بعدين يحرمونا من السكر والزيت ويخلونا طوالي محبوسين في الورشة يعني ما نقدر نجيكم تاني ولا نقدر نساعدكم.. ضحكنا وقلنا له معاك حق!! وعندما أطلق سراح الأخ/ إبراهيم الجزولي وقد ترك لنا فراغاً فنيا كبيراً وكان مخرجاً بارعاً للمسرحيات والدعاية ،يحكي ان جدته كانت سعيدة جداً بخروجه من كوبر وبعد أن انفض سامر الزوار الذين جاءوا يهنئوونه دنت منه أمه لأمه هامسة في اشفاق شديد لتقول له : الحمد لله- الله فكاك بالسلامة- خلاص يا ولدي بعد ده كفاك (القشيرية) دي- وكانت تعني (الشيوعية) تاني سويها قبلك في البيت ما تمرق بيها في الشارع عشان ما يمسكوك تاني ناس البوليس!! قال ليها يا حبوبه هي مريسه ولا عرقي؟ لكن خلاص بس منها شويه مره مره!!. ولا ننسى العم عبد الله باب الله كان الإمام بجامع السجن وكان متقدماً في السن ولكنه تحمل الكثير من الجلوس والنوم على الأرض ورغم مطالبته الكثيرة بسرير لم يستجب جهاز الأمن لطلبه وكان في نهاية كل صلاة يطلب منا أن نقول آمين ويرفع كفيه للسماء: اللهم حطم طياراتهم وكسر دباباتهم وأحرق مؤسساتهم -نقول له يا عم عبد الله الحاجات دي حقت الشعب يقول: ماله بنشتري غيرها بنشتري واحدات جداد بس الله يخلصنا من الهجيمة دي!! ومن شخصيات كوبر التي لا تنسى عمنا الشاويش لوج وهو من أبناء جنوب كردفان ،كان رجلا حكيما ومتعاطفا رغم التزامه الشديد بلوائح السجن إلا أنه حسن التصرف ومحترم لدى إدارة السجن والمعتقلين على السواء ،وكانت له تجارب عديدة مع المعتقلين الشيوعيين ابان فترة الحكم العسكري الأول. حين جئنا بذلك العدد إلى السجن قال: والله الشيوعية زمان كانوا شوية اسع ولدوا كثير ،شدوا حيلكم يا ولادي وربنا يهون وكمان اصبروا شوية في إشارة الى الجو الرهيب الذي انتشر تلك الأيام ،وكنا قد أخطرناه بأننا دخلنا في إضراب عن الطعام. وكان يأتي بمجموعة من الجنود مساء وصباحا لحصر عدد المعتقلين ،كان ينفخ في صافرة حادة الصوت في الصباح الباكر. ولما كنت من الذين يستيقظون مبكراً سألته يا عم لوج لماذا تعذبوننا كل صباح وتطلبون منا الجلوس على الأرض ألا يكفي أن تعدوا الناس وهم على النمرة؟ لماذا تعذبوننا بهذا التدبير وبيننا بعض المرضى الذين لا ينامون إلا في وقت متأخر من الليل بعد تناول أقراص تساعدهم على النوم أي قبل مواعيد التمام بساعتين ثلاثة. وفي هدوء واشفاق الأب أخذني بعيداً عن الجنود المرافقين له وقال لي: اسمع يا ابني نحن ما بنعذب زول كل الحكاية عاوزين نتأكد انه الناس اصبحوا حيين ما ماتوا!! قلت له ما عندي مانع أنا كل يوم في الصباح افتش ليك كل الناس واشوف مين الحي ومين الميت بس بلاش حكاية الصفارة المزعجة دي، ورد على قائلاً: طيب كان انت ذاتك.. ثم قطع حديثه وصعب عليه ان يكمل كان انت ذاتك كنت ميت نعرف الحاصل من منو؟ وافق الشاويش لوج واصبحت كل صباح اقف امامه زنهار وأقول له تمام التمام فيسجل العدد في مذكرته ويغادرنا الي قسم آخر. كان رحمه الله رفيقاً ذكياً وإنسانا طيب القلب ?يبكي حينما يأتي بورقة لاطلاق سراح بعض المعتقلين. وانتهت خدمته خلال حكم مايو ولكن المعتقلين لم ينسوا له تلك الأيام الرائعة فبادروا بالبحث عنه وأوجدوا له عملاً مناسباً في المنطقة الصناعية في الخرطوم بحري تساعده وتملأ فراغاً كبيراً شغر بتقاعده. وكان ذلك مجهوداً بذله الاستاذ ابو زيد محمد صالح لما توفر لديه من علاقات اجتماعية واسعة.. وعندما اطلق سراح عرديب (الكجور) بعد جهود قام بها بعض المحامين الذين افرج عنهم لم يتوانوا في إيجاد عمل له فالحقوه بوزارة التربية والتعليم عاملاً بالوزارة وظل حريصاً على مواصلة علاقاته بالمحامين ولعله الآن داخل (القبيلة)!!
01-14-2011, 08:08 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
مواكب أسر المعتقلين: اكثرت أسر المعتقلين من المواكب التى طالبت عبرها بإطلاق سراح ابنائها وجعلت تدعو للمشاركة بعض الاسر من الاهل والجيران من غير ذوى المعتقلين للتضامن معهن وكن يوآخذن النساء اللائي لم يشتركن في تلك المـواكب... ويذكر(؟؟) أن إحدى جيران والدته في الحى توفيت إحدى قريباتها فلم تذهب والدته للعزاء وعندما سالوها عن الاسباب خاصة وأن جارتها صديقة قديمه قالت: عشان ما جاملتني في موكب ولدى. عندما حددنا يومين للإضراب عن الطعام ودخلنا في اليوم الثانى وكانت الساعه الثانية عشرة ومازلنا في ظلام الليل ولكننا بالفعل قد اتممنا اليوم الثانى فاصبح كل واحد يحى الآخر صباح الخير صباح الخير ليتثنى له حق الاكل والشرب. انطلقت إشاعه بأن المعتقلين سينقلون في دفعات متقاربه الى الجنوب. وبعد التمام جاء الجاويش بورقة وراح ينادى منها، : صلاح مازرى محمد الحسن حظمر- هاشم سوركتي- فاروق محمد ابراهيم- محمد عثمان طه- محجوب بخيت- عمر نقد. إعتقد زملاؤهم في السرايا أنهم كما أشيع منقولون الى الجنوب فأمسكوا بهم لمنعهم من الخروج وظلوا يتجاذبونهم مع الجنود حتى لا يغادروا السرايا واستمرت المعركه لزمن أزعج إدارة السجن ولكن بادر صلاح مازرى وطلب منهم الهدوء وقال لهم سنفيدكم الى اية جهة نحن ذاهبون فتركوهم. وإذا بهم يحولون الى قسم المدرسه داخل كوبر كان ترحيلهم الى جوبا مجرد إشاعه أطلقها جهاز الامن ليحد من نشاطهم داخل السجن. فى مستشفى سجن كوبر كان معنا النقابي المخضرم عثمان جسور والد الشهيد (صبري) وكان احد النشطاء فى الحزب الاتحادى الديمقراطى وسبقه الى المستشفى أحمد زين العابدين المحامى أحد قادة الحزب الاتحادى الديمقراطى.. كان العم جسور ملتزماً ببرنامج المعتقل وإنضباطه خلافاً لقائد حزبه وعندما يعود من الزيارة محملاً بمواد تموينيه وغذائيه يقف عند باب المستشفى ويسأل عن (النبطشي) ليسلمه جميع ما عنده من الزياره وقد سعدنا بروحه الرياضى والصبر على المناقشات رغم اختلاف وجهات النظر.. ومرة عندما إشتد النقاش قال ساخراً: عموماً انا عندى ثلاثه من أولادى ينتمون الى (قبيلتكم) ألا يشفعون لي إذا إستلمتم السلطة. كان في السرايا إثنان من المعتقلين اسماهما متطابقان حتى الإسم الرابع هما : محمد عثمان طه محمد. وكثيراً ما ينادى الجندى للزيارة فيذهب أحدهما ليجد أن الأسرة صاحبة الزيارة ليست من ذويه فيصاب بخيبة الأمل. وعندما تم إطلاق سراح أحدهما جاء النقيب عثمان عوض الله الذى يميز بينهما؟ قال: محمد عثمان طه محمد مش بتاع البنك الزراعى هو الذى أطلق سراحه . رجل الأعمال المعروف جابر أبو العز عندما وقع إنقلاب هاشم العطا هرع إلى السينما التى صودرت منه وإستولى عليها ولما فشل الإنقلاب اعتقل وجيئ به إلى كوبر وعند المدخل إلى السرايا ناوله الشاويش لوج (النمرة ) مغطاة بالبرش فقال جابر: مين قال ليك أنا بصلى فابتسم لوج؟ قال له: هذه ليست مصلاية هو سريرك خذه وادخل. الصحفى الاستاذ عبد الرحمن احمد إعتاد أن يصحو مبكراً ولكننا لاحظنا يوماً على غير عادته أنه أطال البقاء فى (النمرة) وظل يهمهم بكلمات لم نتبين مضمونها ثم قفز فجأة من مرقده وراح فى إنفعال شديد يضرب الارض (بالسفنجة) وهو يشتم: لعنة الله على نميرى بتاع الكبارى سألناه ما الخبر وهو يهتز من الضحك قال: إنه رأى في المنام أنه اعتقل ووضع في الزنزانه منفرداً وإذا به يصحو ليجد نفسه في السجن. عند وصولنا الي سجن شالا جاء اربعة من المساجين يحملون زيراً ضخماً لم نشهد حجماً مثله وكان السر شبو يتابع ذلك الحشد من المساجين. وحين عادوا بعد ذلك وهم يحملون صفائح مليئه بالمياه وراحوا يملأون الازيار. نهض السر ساخراً يسألهم وهل سنبقى فى هذا السجن حتى نشرب كل هذه المياه. دكتور صلاح التجانى وزملاؤه من كلية الطب والهندسه أعضاء جمعية أصدقاء الريف كان لديهم برنامج صيفي للعمل التطوعي في الاقاليم وهو برنامج يقومون به خلال عطلة الصيف ولكن جهاز الأمن كان يعتقد أن لهم شأناً آخر غير ذلك فاعتقل قادة اللجنه ولكنه لم يعثر على صلاح التجانى الذى إختفي ولما لم يجده اعتقل والده رهينة وعندما علم صلاح بالخبر ذهب الي جهاز الأمن وسلم نفسه فأطلق سراح والده.
01-14-2011, 08:51 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
وأذكر بتقدير كبير النقيب عثمان عوض الله، وكان وقتها يسمى مامور السجن فقد تعامل معنا بصورة حضارية ورائعة في المخاطبة والاستماع إلى مطالبنا التي نقدمها لإدارة السجن وتمتع بروح مرحة عالية، جاءنا مرة ومعه جنود من السجن على غير عادة وراحوا يبحثون في كل العنابر في السرايا من حقائب وأكياس وكرتون، سألته ما الخبر؟ وقد تعودنا على مثل هذا التفتيش بحثا عن راديو او قلم أو نوع خاص من الكتب فقال متهكما: تصور أنهم بفتشوا عن مطبعة؟! وكان الحزب الشيوعي قد اصدر بيانا يقيم فيه احداث 19 يوليو أكد فيه سلامة الحزب بالجماهير وكان المنشور رداً مفجعاً على تبجح نميري الذي ادعى أنه دحر الشيوعيين والخونة والمارقين ولن تقوم لهم بعد اليوم قائمة وصرعه البيان عند دخوله المكتب في رئاسة القوات المسلحة ورآه فوق مكتبه فانهارت قواه وراح يحتسي الخمر في وضح النهار!! مما استدعى حضور طبيب لمراقبته وكان البيان طويلاً وانيق الطباعة ونفي أية صلة للحزب بانقلاب 19 يوليو وأكد انها تهمة لا يرفضها وشرف لا يدعيه. ولما فشل جهاز الامن في العثور على من تبقى من قيادة الحزب ادعى ان المنشور طبع في كوبر ولما لم يسفر التفتيش عن ماكينة طباعة او رونيو زعموا ان المنشور طبع في الخارج في احد البلدان الاشتراكية وبالتحديد بواسطة المناضل النقابي إبراهيم زكريا فشددوا الرقابة والتفتيش في المطار على كل قادم من اوروبا وخاصة من شرقها وكان دائماً نصيبهم الفشل والخذلان. وعن النقيب عثمان عوض الله وزملائه جاء في ذكريات الدكتور محمد سعيد القدال وصفا أميناً ومنصفاً بشأنه كان ضابط السجن وجنوده أوسع أفقا من نميري وزمرته فقد ادركوا بثبات فطرتهم وانتمائهم السوداني ان السلطة ضل ضحى وأنها ما دوامة وهناك قصة أحد ضباط السجن في تلك الأيام التي توالت فيها الاعدامات. فقد كانت الأحكام تصدر من المحاكم الميدانية من معسكر الشجرة ويرسل من يحكم عليهم بالإعدام في دبابة الي السجن ليتم تنفيذ الإعدام فوراً. وهذا ما حدث بالنسبة لعبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ثم جاءت دبابة تحمل دكتور مصطفى خوجلي مما يعني انه محكوم عليه بالإعدام. وعندما قرأ النقيب عثمان عوض الله الحكم وجد أنه السجن وليس الإعدام قفز واحتضن مصطفى في انفعال شديد. فقد كان الضابط في اعماقه إنساناً. وكان سوداني الانتماء مدركاً لتشابك العلاقات الاجتماعية التي تعلو فوق صخب الضجيج السياسي والهستريا الاعلامية) إنتهى وحقيقة الامر ان النقيب عثمان عوض الله بذل جهوداً كبيرة في تعاونه مع المعتقلين وتسهيل مهام كثيرة ضاق منها جهاز الامن، ولعل سلوكه ذلك كان السبب في نقله من كوبر إلى سجن الدامر واحيل في النهاية للصالح العام. وكان نميري مفتوناً بمزايا السلطة الفردية ونفخه الكبر وأثقله الغرور فجاء البيان معززا لصمودنا وثباتنا بقدر ما أذل كبرياءه وصلفه. وحصلنا على نسخة منه تناولناها بالدراسة والبحث وأكد أن الحزب بخير وانه لم يكن يخطط لذلك الانقلاب ولكنه تعامل مع الواقع حين ادرك ان قيادته تشكلت من الشيوعيين والديمقراطيين تماماً كما حدث في 25 مايو فأيده حتى لا يخلو ظهرهم لقوى اليمين المعادية فتفتك بهم ويعلم نميري هذه الحقائق ولكنه ينكرها كما أنكر ليلة الرابع والعشرين من انقلاب مايو يوم جاء الي عبد الخالق محجوب في منزله ليقول له انه مقتنع بوجهة نظر الحزب في تأجيل الانقلاب ولكن بعضهم قد تحرك بالفعل. وواصل نميري القول لا أدري إن كان هذا هو العشاء الأخير معك وقد لا نلتقي ثانية. فرد عليه عبد الخالق: لا أود أن أعيد عليك رأي الحزب في موضوع الإنقلابات ولكنكم وضعتمونا أمام الأمر الواقع وإن شاء الله لن يكون هذا هو العشاء الأخير ولن نترك ظهركم خالياً لتعصف بكم القوى الرجعية حكى هذه الواقعة عثمان (كط) الذي كان متواجداً مع عبد الخالق.
01-15-2011, 12:05 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
Quote: رجل الأعمال المعروف جابر أبو العز عندما وقع إنقلاب هاشم العطا هرع إلى السينما التى صودرت منه وإستولى عليها ولما فشل الإنقلاب اعتقل وجيئ به إلى كوبر وعند المدخل إلى السرايا ناوله الشاويش لوج (النمرة ) مغطاة بالبرش فقال جابر: مين قال ليك أنا بصلى فابتسم لوج؟ قال له: هذه ليست مصلاية هو سريرك خذه وادخل.
01-15-2011, 02:41 PM
Abdlaziz Eisa Abdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291
Quote: ليعلن أن محمد عبد الغفار شيخ العرب قد أطلق سراحه وودعناه بأكثر من نشيد حملناه على أكتافنا حتى باب السرايا مرددين: أكتوبر دينميتنا دنميتنا ساعة الصفر- ركيزة بيتنا وهتفنا له وللشعب السوداني. ورغم جدية الهتاف والنشيد في تلك اللحظة لم ينس دعاباته وهو يقترب من باب السراية ليهتف : الله اكبر ولله الحمد كنا نردد ذلك الهتاف حينما يطلق سراح أحد الأنصار؟ وامعاناً في السخرية والعبث كنت ومحمد صالح ابراهيم عندما يتوقف الهتاف بعد خروج المعتقل نغني.. (صورة مايو صورة غوية نبني نعمر (لوطنية) ومرة استدعانا ضابط من جهاز الامن في مكتب احد ضباط السجن وقال انه يود التحقيق معنا لاساءتنا لـ (ثورة مايو) وانكم تجعلون من النشيد مضحكة فرد عليه محمد صالح: احنا ما قلناش ثورة مايو نحن كنا بنقول: صورة مايو بالصاد وليس بالثاء وغوية بالغين ايه دخل ده بالكلام بتاعكم.. قال الضابط: جينا نعمر بوطنية مقطع معروف من نشيد سيد خليفة لثورة.. رد عليه محمد صالح: نحن قلنا نبني نعمر لي وطنية ودا يرجع لحاجة وطنية ولية مسكينة عندنا في المحس.. وجمع الضابط اوراقه واختفى وجاءنا الشاويش سيد احمد ليصحبنا الى داخل السجن وقال ضاحكاً : أنتو يا شيوعية ما بتنقدروا..
عزو
هو الكلام براهو تعال شوف القويه دى
01-15-2011, 09:27 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
وفي هذا السياق ذكر الاستاذ محمد محجوب عثمان أحد قادة تنظيم الضباط الاحرار في إصدارته حول العمل العسكري بعنوان (قضايا نظرية حول الجيش في أدب الحزب).. وقد وقع الاختيار على جعفر نميري الذي كان يعمل وقتها في مدرسة المشاة في (جبيت) وتم إستدعاؤه قبيل أيام قليلة بحجة فحوصات طبية في الخرطوم ليكون على رأس الانقلاب، ومن الجدير بالذكر أنه وطيلة الفترة التي اعقبت ثورة اكتوبر وما اعقبها من إجراءات متشددة في حق الضباط الديمقراطيين والوطنيين لدورهم الذي لعبوه داخل المؤسسة العسكرية لدعم ثورة الشعب، كان العقيد جعفر نميري يميل إلى الابتعاد عن أي نشاط لصالح تنظيم الضباط الاحرار بدعوى ان رقابة وحصاراً قد ضرب على تحركاته من جهاز الاستخبارات العسكرية. كان رفض فكرة الانقلاب من جانب الضباط الشيوعيين منسجماً مع موقف قيادة الحزب، حيث اجتمع اثنان منها هما سكرتير الحزب والشفيع احمد الشيخ عضو المكتب السياسي قبل يومين من وقوع الانقلاب بالعقيد جعفر نميري لإقناعه بفكرة التخلي عن الانقلاب، لأنه سيقطع الطريق على وضع الحركة الجماهيرية الذي كان يشهد تنامياً ملحوظاً يجعل بإمكانها إحداث تحولات عميقة في الوضع السياسي، وربما لا يعلم البعض أن نميري ولسبب غير معروف- قد اظهر اقتناعاً بالفكرة وتوجه لخور عمر لإقناع القوات المتواجدة هناك ليمنعها التحرك، غير أن ضابطاً مغامراً ذا إرتباطات غامضة تصدى بالقول بأن التحرك أصبح ضرورة لا محالة بعد ان ذكر أنه قد سبق له أن خاطب جنود سلاح الدبابات والمظليين المعسكرين في خور عمر حول أمر الانقلاب.. وهكذا فإن الامر خرج إلى العلن، وليس هناك أدنى ضمان للسرية أو الكتمان وبعدها سيدفع كل مشارك الثمن أمام المحاكم العسكرية حسب ما تقدم به من كلام مضلل، لان هذا كان هو الطعم الذي ابتلعه انقلابيو خور عمر، بعد ان تكشف له فيما بعد أن ذلك الضابط لم يقم أصلاً بتنوير الجنود حول فكرة الانقلاب0 وعند وقوع الإنقلاب عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إجتماعاً لتقييم ذلك الحدث، وأصدرت منشورها الشهير بأن ما حدث هو إنقلاب عسكري قامت به فئة من البرجوازية الصغيرة وليس ثورة قامت بها الجماهير.. وفي ذات الإجتماع قدم عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب إقتراحاً بأن لا يشترك الحزب في حكومة مايو خاصة وقد إختار قادة الإنقلاب أعضاء من الحزب الشيوعي دون إستشارة هيئة الحزب ولكن عندما أجرى التصويت على الإقتراح سقط بأغلبية اللجنة المركزية وأشترك وزراء الحزب في الحكومة ولكن الحزب طلب منهم تسجيل ملاحظتهم بأن إختيار الأعضاء من الحزب دون إستشارته أمر غير سليم بل فيه تجاهل لرأي الحزب.
01-16-2011, 08:48 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
وتتواصل أحداث السراية بالنوادر والطرف، جاء المنتظرون صباحا كعادتهم للنظافة في السجن ولفت نظرنا رجل متقدم في السن يدعي عبد الرحمن، وكجزء من ملء الفراغ كما هي العادة عند حضور قادم جديد جلسنا حوله نسأله عن أسباب التحفظ عليه قال: انه يسكن في حي كوبر في جزء من منزل تشاركه فيه امرأة واختلف معها في بعض الأمور فاساءت اليه وكانت امرأة عجوز فانفعل وأمسك بخشبة ضربها على عنقها فسقطت مغشياً عليها وفاضت روحها ولم يكن قصدي اغتيالها ووضعوني في الورشة مع المنتظرين.. وجاء بعد أيام مع نفس المجموعة وكنا قد استقبلنا زميلاً لنا معتقلاً جديداً من نشطاء النقابات العمالية. فجلس بدوره قريباً من العم عبد الرحمن وسأله ايضاً عن اسباب اعتقاله قال انه تشاجر مع امرأة وارادت ان تضربه بعصا فابتعد عنها فاذا بها تسقط على الارض ويرتطم رأسها بحوض الاسمنت قرب الماسورة في الحوش فتموت في الحال.. فإندهشنا من اختلاف الرواية ولكن الخبير (عرديب) كان قد سأله إن كان بالمنزل شخص معهما فأجابه بانهما كانا وحيدين فقال له عرديب : انكر الرواية الأولى لانه من الصعب جداً ان يدينك القضاء بدون شهود أو اعتراف. ويسترسل عرديب بأنهم كسبوا خبرة واسعة بوجودهم في الورشة ولقاء المحامين والاستماع إلى توجيهاتهم.
01-17-2011, 07:46 AM
Mubarak kunna Mubarak kunna
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 499
استمرت قوائم الافراجات تتوالي وتخرج أعداد كل فترة قصيرة في الأسبوع وحين بقينا مجموعة صغيرة شددنا من إصرارنا على إطلاق السراح وأصبح أول بنود للمناقشة لدى مرور إدارة السجن مصحوبا بمطالبتنا بالسراير حتى يتم إخلاء السجن. ثم دخلنا في إضراب عن الطعام. واذكر بالخير دكتور هاشم جدو الذي قرر أن يحول المعتقلون الي المستشفى لان حالتهم الصحية قد تدهورت. ولما كان مستشفى كوبر لا يسع هذا العدد فقد اضطرت الإدارة لتحويلنا الي قسم المعاملة ليصبح قسماً تابعاً للمستشفى بما في ذلك السريروالأكل الخاص والأدوية. واستعاد المعتقلون عافيتهم بل ان بعضهم زاد وزنه كثيراً حتى ان والدة أحدهم في الزيارة قالت له : يا ولدي خجلتني الناس يقولوا شنو! عليك الله خفف الوزن شوية!!
01-17-2011, 01:43 PM
Abdlaziz Eisa Abdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291
Quote: (صورة مايو صورة غوية نبني نعمر (لوطنية) ومرة استدعانا ضابط من جهاز الامن في مكتب احد ضباط السجن وقال انه يود التحقيق معنا لاساءتنا لـ (ثورة مايو) وانكم تجعلون من النشيد مضحكة فرد عليه محمد صالح: احنا ما قلناش ثورة مايو نحن كنا بنقول: صورة مايو بالصاد وليس بالثاء وغوية بالغين ايه دخل ده بالكلام بتاعكم.. قال الضابط: جينا نعمر بوطنية مقطع معروف من نشيد سيد خليفة لثورة.. رد عليه محمد صالح: نحن قلنا نبني نعمر لي وطنية ودا يرجع لحاجة وطنية ولية مسكينة عندنا في المحس.. وجمع الضابط اوراقه واختفى وجاءنا الشاويش سيد احمد ليصحبنا الى داخل السجن وقال ضاحكاً : أنتو يا شيوعية ما بتنقدروا..
عزيزي/ فيصل
سلام
ياخي الناس ديل كانوا حلوين جدا في قمة نضالهم وقهر النظام لهم
شتان ما به نحن اليوم وذلك الزمان الجميل..
نظام المقبور نميري كان فيه اولاد ناس.. يعني سدنة ليها أصل وأهل.. أما اليوم.. حتى المفردات التي تناسبهم لا توجد..
بعد انتخاب نميري رئيساً للجمهورية وحتى لا يتعارض بقاء المعتقلين في السجون مع الدستور اصبح لزاماً عليهم ان تفرغ المعتقلات. واخلى المعتقل في شالا واعادوا المعتقلين الي كوبر واصبحنا جميعا في قسم (المديرية) حيث جاءوا باجمل رائعات شاعر الثورة محجوب شريف وقد اسبغوا عليها الحانا خفيفة كنا نؤديها في (كورال) مقتدر.. في تلك الفترة ضموا إلى مجموعتنا واحدا من قادة التنظيم الاسلامي (جبهة الميثاق) وكان وحيداً بيننا إلا أنه لقى منا كل تعاون وترحاب.. فقد ضمنا خندق واحد رغم اختلافاتنا السياسية والعقائدية فاشركناه في كل النشاطات اليومية بدءاً بقهوة الصباح مصحوبة بالعطر الجميل وكذلك الالعاب الداخلية والاستماع الي المجلة الناطقة مساء كل خميس رغم انه لم يشاركنا الوقوف عندما نؤدي النشيد الختامي الذي نحي فيه شهداءنا، فلم نتذمر من جلوسه وحيداً وسط القائمين.. ويوم سقط مغشيا عليه في طريقه للحمام إثر نوبة قلبية وكان السجن قد اغلقت ابوابه نهضنا جميعا نطرق الابواب والشبابيك بالحجارة وأدوات المطبخ مما احدث صوتا ازعج جنود السجن واجبرهم على فتح الباب.. وبسرعة فائقة حملناه عدوا الي مستشفى السجن ولحسن حظه ان كان بين الشيوعيين المساعد الطبي (جقدول) الذي قام باسعافه بالتدليك والتنفس حتى استرد أنفاسه، وعندما فاق من غيبوبيته حمد الله وقال: لولا الجهود التي بذلها الشيوعيون لإسعافي لكنت اليوم في عداد الأموات.. لكن ماذا فعل بعد ذلك؟ وبعد فترة اطلق سراحه.. لم نتطلع الي زيارة منه او امدادنا ببعض مواد تموينية يدرك اهميتها وساهم في استهلاكها.. ولكن ماذا فعل؟ ذهب الي جهاز الامن ليقول لهم انه كان في السجن مع الشيوعيين لفترة كافية وقف فيها على اساليبهم في العمل وانه جاء ليعرض (خدماته) لمحاربة الشيوعية.. وكنا قد شاركناه الحزن على مرض كريمته وتمكنا من تسريب طلب إلى اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي نرجوهم فيه توفير بعثة علاجية لها، ولكن القدر كان اسرع حيث توفيت رحمها الله.. ترى هل فاقت قدراته تلك التي بذلها (فوستر دلاس) وزير خارجية امريكا الاسبق الذي اعترف بانهم فشلوا في محاربة الشيوعية؟ رحم الله الاستاذ ابراهيم المحلاوي احد زعماء الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي لم نقدم له سوى الواجب الابوي لكهل متقدم في السن لم يبق معنا زمنا طويلا ولكن حين اطلق سراحه عاد في أول زيارة الي السجن يحمل جوالاً من التمر ومواد تموينية اخرى طلب تسليمها للمعتقلين. وفي مايو 1973 بعد الظهيرة وكان عددنا قليلا جاءنا قومندان السجن عبد الرحمن الصاوي وفي يده ورقة ليقول لنا مبروك خلاص تم إطلاق سراحكم-حضروا حاجاتكم. لم نصدق الأمر في البداية واعتقدنا أننا منقولون إلى موقع آخر خارج الخرطوم وقد عودتنا إدارة السجن أن لا تفصح عن المكان الذي سيرسل إليه المنقولون ويبقى الأمر دائما سرا حتى على الجنود الذين يصحبون المعتقلين. وإنما يخطرونهم فقط بالاستعداد للسفر وحمل أغراضهم معهم!! كنا واثقين أننا ذاهبون الي سجن اخر وعللنا ذلك بأننا اصبحنا مع مجموعة من القيادات السياسية الملاحقة اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي: عبد المجيد شكاك-حسن قسم السيد-سعودي دراج. رددنا سؤالنا للصاوي الي اين نحن ذاهبون؟ قال الي بيوتكم سخرنا من هذه الجملة وقلنا له سواء لدينا ان نكون في كوبر أو أي اقليم آخر في البلد. أحس الصاوي بعدم ثقتنا فيه واضطر أخيراً لإبراز خطاب جهاز الأمن فاطلعنا عليه وتأكدنا من جملة إطلاق سراحهم. حملنا امتعتنا واتجهنا نحو سيارات الأمن التي كانت تنتظرنا لتنقلنا الي مكاتبهم وهناك اتصلنا بذوينا فجاءوا بسياراتهم فعدنا إلى ديارنا بعد الخمس دقائق التي وعدونا بها عند الاعتقال. وكان اكثر المستقبلين فرحا وابتهاجا اصغر أبنائي طارق وظل يلاحقني بالأسئلة لماذا تأخرت كل هذه المدة وأين الغيتار الذي وعدته به وبعض الأسلة البريئة مثل ليه النميري ما جاء معاك؟ قضينا مساءً رائعاً وزاد من روعته تعاطف الأصدقاء والجيران وامتلأ الحوش بالخراف وأصرت الوالدة على البخرات التي جاءت بها من شندي لتمنع اولاد الحرام من القبض علي. وكانت زوجتي حريصة على تسجيل كل ما يرد إليها من مساعدات بدءاً بالنقود وجوالات السكر والفحم وكل المواد التموينية التي كان بعض الجيران والاخوة يمدونهم بها فبادرت بزيارتهم شاكراً لهم وقوفهم في تلك الأيام العصيبة وما قدموه من عون لأسرتي شد من عزمنا فلم توهننا رهبة الموت و لا زلزلت خطانا الاعتقالات.
01-18-2011, 10:28 AM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
لم تمض فترة طويلة على خروجنا من كوبر حتى جاءت أحداث اغسطس 1973م أو كما سماها الإسلاميون ثورة شعبان حيث نشط الطلاب بالمظاهرات والتحركات داخل المؤسسات التعليمية وصحبتها إضرابات متكررة من النقابات العمالية والفئوية والمهنية مما أدى إلى إعتقال ومحاكمة بعض النقابيين بالسجن لمدد متفاوتة وعادت حليمة إلى عادتها القديمة وبدأت الاعتقالات. وكما هي أساليب أمن نميري ان يعتقل في البداية الشيوعيين والديمقراطيين ثم يبحث بعد ذلك عن مسببي الشغب كنا زبائن الأمن في الخرطوم بحري: المعلمين: عباس علي, العمال: سعودي دراج، الشباب: خليل الياس وكذلك (زبائن آخرون) في أمد رمان والخرطوم وبعض النقابيين في الشركات والمؤسسات المخلتفة. وكثيراً ما ذهبوا الي منازل يبحثون عن نشطاء بدعوى انهم يثيرون القلاقل ضد الحكومة وكانوا في ذمة التاريخ. وشاءت الصدف أن أكون في منزل جاري تلبية لدعوة غداء بمناسبة ختان أبنائه. في ذلك اليوم جاء أحد رجال الأمن سأل أبني عادل ان كان والده موجوداً ورجاه ان يخبره بأن صديقاً يود مقابلته. ورغم صغر سنه إلا ان الطريقة التي خاطبه بها وهو ينظر داخل المنزل بصورة مريبة أخافته وأوحت إليه بان هذا الرجل ليس كما قال صديقاً لوالده. وكان على وشك ان يأتي ليخبرني بالضيف ولما سأله: أقول ليه منو؟ قال: قول ليه عصام وكان الاسم لا ينسجم مع جيل ذلك الرجل. فقال له: خلاص لما أبوي يرجع حأكلمه انت حترجع متين؟ فتجاهل الضيف السؤال وركب البوكس واختفى. ثم عاد بعد دقائق قليلة ليسأل ابني هل يعرف أين ذهب والده فأخبره بأنه سافر قبل يومين إلى شندي لرؤية والدته المريضة. أسرع ابني إلى عند الجيران واخبرني بما حدث. قررت الابتعاد عن المنزل وذهبت الي صديق لي بامدرمان لا علاقة له بالسياسة رحب بشهامة أولاد البلد واعد لي مقراً آمناً ومريحاً في منزله ووفر لي كل الصحف والمجلات لمتابعة ما صحب تلك المظاهرات وظل يزور أسرتي من وقت لآخر يطمئنهم ويأتيني بأخبارهم ولم تجف يداه يوماً من تقديم المواد التموينية وما يحتاجون إليه في المنزل وبعض النثريات دون أن يشير إلى ذلك ولو تلميحاً. لم أعهد تجربة الاختفاء من قبل. ولم أتمكن من الوصول إلى جهة أنشد مساعدتها وتجربتها في الاختفاء .. إنها مهمة في غاية الصعوبة إذ ينبغى عليك أن تبقى كل النهار داخل المنزل ولا تغادره إلا ليلاً وبحرص شديد. وقد أدركت كم هم عظماء اولئك المختفون المناضلون الذين وهبوا السنوات العديدة من شبابهم دون ضجر أو تذمر من أجل وطنهم وشعبهم. وبذلوا وما زالوا يبذلون الجهد من معين لا ينضب من الصبر والثبات والصمود ونكران الذات تحيط بهم المخاطر من كل اتجاه. تحية إجلال وتقدير وصادق الأمنيات لهم بدوام الصحة والعافية. وأقسى ما عانيته في فترة الاختفاء كان حرماني من ابني الصغير (طارق) كنت أحياناً اتسلل ليلاً الي المنزل بعد أن يبعدوه حتى لا يراني فيفضح أمري لدى زملائه في الحي إذ كان كثير الثرثرة بالأخبار معهم.. ويؤلمني حين اسمعه يسأل والدته عني ولماذا لا يحضر إلي المنزل، واكتفيت برؤيته حين يخلد إلى النوم. كان طارق أصغر أبنائي شديد الصلة والصداقة بي. وقد أحببت فيه نبوغه وذكاءه وقدراته العديدة في الفنون الجميلة والموسيقي والرياضة. وأبدع مبكراً في العزف علي القيتار والأكورديون والاورغن كما تفوق كذلك في السباحة.. كنت دائماً اصحبه إلى تلك المناشط .. ولكني تجنبت الظهور أمامة فقد عود زملاءه علي اطلاعهم بكل نشاط في المنزل. لذلك خشيت أن يكشف أمري لزملائه وكان أمرا عسيرا أن اتواجد في غرفة بالمنزل واستمع إليه في الغرفة المجاورة ولا أراه إلا من ثقب بالباب وهو غارق في النوم.. وكم آلمني أن استمع إليه يسأل والدته لماذا تأخر والده واصبح بعيداً عنهم وقد وعده بالحضور قريبا ومعه (الجيتار) الجديد وكذا وكذا.. مما كان يرغب في الحصول عليه. وقبل مغادرتي إلى كسلا في طريقي الي اثيوبيا طلبت من والدته عبر الهاتف أن أتحدث إليه بعد أن تفيده بأنني احادثه من المانيا إذ كان شديد الإعجاب بها ويزعم أنه حين يكمل دراسة الهندسه سوف يتزوج أمراة ألمانية وأخبرتني والدته أنه كان يوماً منهمكاً في رسم تصميم المنزل الذى تصور أنه سيصبح سكناه مع زوجته الألمانية وراح يشرح لوالدته أن هذه غرفة النوم له ولزوجته والثانية لأطفاله وأخري المكتبة وآلات موسيقية وقاعه للضيوف والأصدقاء .. وعندما انتهي من وصف منزله سألته والدته : طيب وين أنا وأبوك؟ فاجابها مندهشاً : يا عوذ بالله انتو لغاية الوقت داك حتكونوا عايشين؟ وسبحان الله .. فقد جاءه صديقه عبد الرحمن بدراجته النارية الجديدة واصطحبه ليريه سرعتها وقدرتها وكنا قد رفضنا مراراً شراء واحدة له خوفا عليه من حوادث المرور.. ولم يذهبا بعيدا عن حي المزاد حتى داهمتهما شاحنة قذفت بهما في شارع الاسفلت وشقت فخذه فنزف بصورة تعذر معها إسعافه فاصبح في ذمة التاريخ فالقي علي أفئدتنا جرحاً لا تمحوه الأيام ولا الصبر الطويل رحمة الله.
01-18-2011, 07:06 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
وانتهزت فرصة بقائي بمنزل صديقي نهاراً لأراجع الدروس مع أبنائه وكنت سبباً في أن يأتي إلى المنزل مبكرا واقلع عن (القعدات) التي يعود منها في منتصف الليل فأصبح وجودي لا يخلو من أهمية. ومن الطريف أن صديقي كلما التقى بأحد الأصدقاء والمعارف يصر على صحبته إلى المنزل قائلاً له أن لديه مفاجأة زول ما شفته قبل سنين- كان رجلا بسيطاً طيباُ وأدخلني في مطبات دون أن يدرك ذلك. وسعد مرة بضيوف لم يحظ بلقائهم منذ فترة طويلة، كان بينهم رجل متقدم في السن ممن عاشوا فترة في مسقط راس صديقي وقد أعجبه ذلك اللقاء وأراد أن يتعرف علي الحضور فطلب من صديقي أن يقدم له الضيوف ليتعرف عليهم، وظل صديقي يتهرب من ذلك الرجاء حتى لا يأتي بذكر اسمي، فقد رافق بعض ضيوفه من لا يعرف هويتهم وراح يغض الطرف عن ذلك الطلب بالدخول والخروج، ولكن الرجل ما انفك يردد بالحاح مما اضطر صديقي مكرها للاستجابة ولم يستطع ذكر اسم مخالف لأن بعضهم كان زميلاً لي، وحين جاء دوري قفز الرجل مندهشاً : وينك يا ابني انت ليك زمن مختفي وسألت عنك حاج أحمد قال انك مسافر! والحقيقة كنت عاوزك تساعدني في موضوع ابنتي سارة كانت عندها رغبة شديدة تدرس في واحد من البلدان الاشتراكية!! المهم حصل خير وأخيراً وافقت على الزواج من ابن عمها والسفر معه إلى لندن تكمل هناك دراستها.. بالله كلم حاج أحمد قول ليه عقد سارة في مسجد الشيخ قريب الله وما تنسى تجي معاه.. وكان الرجل يعمل مع شقيقي الأكبر أحمد في مصلحة التلفونات ولقائي به كان عابراً فلم أتبين هويته.
01-26-2011, 06:59 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
واذكر هنا بتقدير كاف أحد أبناء الأصدقاء وكان ضابطاً في القوات المسلحة واصل زيارته لي يومياً في ذلك المنزل وهو في طريقه للعمل بزيه العسكري وعربته الجيب وعندما اقترح علي ذلك الضابط السفر خارج البلاد لفترة معقولة حتى يهدأ الحال قلت له أنني مراقب وأكيد وضعوا اسمي بالمطار في قائمة المحظورين من السفر، قال : لا عليك سأدبر الأمر وطلب مني صوراً بهويتي الجديدة وأرسلها إلى زميل له خارج العاصمة فأعد لي كل وثائق السفر. ويوم قررت مغادرة البلاد حملني بعربته إلى بنك الخرطوم حيث تسلمت الشيكات السياحية ووقعتها أمام إحدى قريباتي في نفس القسم الخاص بالنقد الأجنبي، وأسعدني أنها لم تتعرف علي شخصيتي بعد أن أدخلت عليها بعض التغييرات، وأصبح إسمى مختلفاً عن حقيقته وكذلك تاريخ الميلاد وأخذني من هناك إلى الخرطوم ثلاثة حيث البص السريع إلى كسلا وهناك استقبلني شقيقه وأخذني إلى منزله حيث يسكن مع مجموعة من (العزابة) وقدمني لهم باعتباري خاله في طريقه إلى أديس أبابا في إجازته السنوية وبقيت في كسلا لثلاثة أيام لم أغادر فيها المنزل وكنت أعد لهم الطعام فقد برعت في تجويد العدس ودخلت في مطبات صغيرة ذلك انهم حينما ينادونني لا أرد عليهم سريعاً لأني لم أتعود بعد على الاسم الجديد فأخبرهم مضيفي بأن سمعي ضعيف، وصاروا يتحدثون معي بصوت عال كلما جلسنا في المساء وكدت أعترف بأن سمعي سليم من شدة الصراخ قرب أذني. وأخذت الطائرة إلي مدينة اسمرا ومنها إلى اديس ابابا وحصلت على تذكرة الطائرة من اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي بعد أن بعثت ببرقية إلى مندوبنا هناك (حامد عبد العزيز) في (بودابست) وسرني انه لم يندهش من الاسم الجديد فقد كان يعرف أنني أغادر البلاد، وخلال يوم واحد حصلت على التذكرة (أديس ابابا - روما - بودابست).
02-07-2011, 07:52 PM
فيصل محمد خليل فيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041
واتجهت إلي جمهورية المجر الشعبية. سارت كل هذه الأمور بدقة كافية عدا أمر واحد لم انتبه له وهو أنني لم أؤكد الحجز في مدينة كسلا ولقيت من مدير المحطة درساً طويلاً واتهمني بعدم الاهتمام مما تعذر معه إدراج اسمي في المنفستو واستمعت اليه في أدب شديد حتى لا تتصاعد المسألة وينكشف المستور. وخلال انتظاري في (أديس أبابا) وحينما كنت أتحدث باللغة الانجليزية مع أحد المواطنين عن أمر ما كان يندهش الواحد ويسألني الست اثيوبيا لماذا تتحدث باللغة الانجليزية؟ وكان شبهي يومئذ قريباً جداً من الأثيوبيين حتى أن مدير الفندق تشكك في هويتي واوشك أن يبلغ البوليس وشاءت الصدفة أن يكون في ذات الفندق زميل الدراسة الضابط أحمد ورسما ذو الأصول الصومالية وصديق مدير الفندق في أجازه سنوية تعرف علي وطمأن مدير الفندق فحظيت بليلة سعيدة ذاك المساء على نفقة مدير الفندق. وفي مطار روما انتظاراً للطائرة المتجهة الى بودابست رحت في تعسيلة طويلة وكان المسافرون قد غادروا الترانزيت الى الطائرة واصبح الميكروفون يردد نداءاً باسمي الجديد فلم انتبه حتى جاءني مندوب شركة الطيران وشدني من ذراعي منزعجاً : ألا تسمع كل هذه النداءات؟ اعتذرت وصحبته في بوكس خاص وكنت آخر المسافرين على الطائرة في آخر الدقائق قبل اقلاعها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيصل محمد خليل
الطيب شيقوق
Abdlaziz Eisa
Afraa Sanad
حسن طه محمد
Mubarak kunna
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست