إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 09:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-27-2010, 11:09 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله




    بطاقة حزب الأمة وهي ورقة من ثلاثة محاور قدمها الحبيب الإمام الصادق المهدي في منتدى آفاق بامدرمان بجامعة الأحفاد وطبعاً كانت عام 2007م.
    للمزيد من التواصل والرؤى وأي استفسارات مراسلتي على الإيميل:
    [email protected]


    بسم الله الرحمن الرحيم
    حزب الأمة القومي - السودان
    البطـــــــاقــــــة


    مقدمة:

    الأحزاب السياسية هي قنوات المشاركة الشعبية، ومنابر تحديد الخيارات أمام الشعب، وأدوات التنافس الديمقراطي والجهات المساءلة عن الأداء السياسي، وحواضن تفريخ الكوادر القيادية. لذلك لا مشاركة شعبية بدون أحزاب سياسية. ولا ديمقراطية بدون مشاركة. كل نزعة لإلغاء الأحزاب السياسية هي نزعة لتكريس القرار السياسي في حزب واحد أو في شخص واحد. إنها نزعة لإلغاء الآخر.
    الأحزاب يمكن أن تكون قوية أو ضعيفة، صالحة أو فاسدة، ولكنها ضرورة سياسية وبقدر نجاحها في استقطاب قواعد شعبية فإنها تنال الشرعية السياسية.
    الأحزاب السياسية من مؤسسات التحديث التي تجمع صفها على أساس فكري ومصلحي وهي في ظروف بلادنا تخاطب مجتمعا الولاءات فيه تقوم على نطاق واسع على أساس ديني وعشائري.
    الأحزاب السياسية في بلادنا ككل أنشطة التحديث تواجه تجاذبا جدليا بين العوامل التقليدية والتحديثية وتقيم تحالفا بين عناصرها.
    واستطاعت في السودان أن تحقق استقلالا وطنيا كامل السيادة وأن تقيم نظم حكم كاملة الديمقراطية، ولكنها أخفقت في اكتساب شرعية كاملة في أوساط القوى الاجتماعية الحديثة، وأخفقت في إنهاء الحرب الأهلية المنطلقة من عوامل دفينة ومستجدة، وأخفقت في تحقيق توازن مرض للتطلعات الجهوية، إخفاقات كان يمكن تصحيحها عبر العملية الديمقراطية نفسها ومع أن هذه العملية بطبيعتها بطيئة فإن الانقلابات العسكرية أجهضتها. هذه الإخفاقات أفسحت المجال لفكرويات الأقلية الثورية لتختصر الطريق للسلطة عبر الانقلابات العسكرية التي حاولت بجهد منظم اقتلاع جذور الحزبية المغايرة ولكن النظم العسكرية الشمولية واجهت مقاومة مدنية من الأحزاب وكثير من قوى المتجمع المدني، ومقاومة مسلحة من الحرب الأهلية الموروثة وحرب أهلية مستجدة فسقطت أو تراجعت وحوصرت كما في حالة النظام "الإنقاذي.
    الأحزاب السياسية، أكثر من مؤسسات التحديث الأخرى كالنقابات، ومنظمات المجتمع المدني الطوعية، تواجه بالإضافة للصعوبات الموضوعية والاخفاقات الذاتية، اغتيالا معنويا للأسباب الآتية:
    ‌أ. هنالك مشادة بين المثقف والنخبوي انعكس تاريخيا في مشادة بين العلماء وزعماء الطرق الصوفية.
    ‌ب. في العصر الحديث اتسمت قطاعات من المثقفين بالتأفف صفويا من العمل الجماهيري والغيرة من الذين حققوا نجاحا في الخطاب الجماهيري.
    ‌ج. العناصر الحديثة التي اقتحمت مجال العمل السياسي في كثير من الأحيان اتخذت نهجا عقائديا معاديا في الأصل للمفاهيم والنظم اللبرالية فعادوا الأحزاب السياسية ذات الملامح اللبرالية والولاءات التقليدية.
    فالأحزاب العقائدية المنطلقة من أسس إسلامية عادت التعددية السياسية كنقيض للتوحيد واستخدمت ورود لفظ الأحزاب قرآنيا بشكل سلبي. أما المنطلقة من أسس علمانية فقد رفدت من الثقافة العالمية وتركيزها على سخف السياسة وعلى مساوئ العاملين فيها وتصويرها كلعبة قذرة.. الأحزاب العقائدية سواء يمينية أو يسارية اتخذت مواقف وصاية على الشعب عبرت عنه بالحزب الواحد وأدوات الشمولية المختلفة.
    ‌د. النظم الشمولية من اليمين واليسار قامت بعمل منهجي لتدمير الأحزاب الأخرى وفي ظروف السودان الموضوعية فتحت بذلك المجال لانتماءات سياسية جهوية وعرقية عادت بالمجتمع إلى حالة ما قبل الأحزاب السياسية. وهؤلاء انضموا لتيار العداء للأحزاب السياسية بحكم مصلحتهم في طبيعة الانتماء الجهوي والاثني.
    ‌ه. كثير من المثقفين ربائب الشمولية وحتى بعد هزيمة الفكر الشمولي صاروا يعبرون عن شمولية خفية معادية للأحزاب السياسية.
    ‌و. القوى الخارجية في عهد الحرب الباردة كانت مهتمة بولاء النظم الحاكمة لمعسكرها مهما كانت استبدادية، بذلك دعمت مفاهيم الاستبداد. وبعد الحرب الباردة وفي عهد القطبية الأحادية فإن التيار الذي غلب على السياسة الأمريكية تيار المحافظين الجدد اتخذ موقف تأييد لفظي للديمقراطية وتعامل عملي مع القوى غير الديمقراطية سواء كانت انقلابية أو مسلحة، أو مغلقة تقليديا.
    لهذه الأسباب مجتمعة تواجه الأحزاب السياسية اغتيالا معنويا من بين أدواته ضمها في سلة واحدة، وتضخيم مثالبها، وعدم رؤية حقائق تدل على الحيوية والفاعلية ويضاف إلى الاغتيال المعنوي الاغتيال المادي(الإفقار والمصادرات).
    لذلك صار واجبا علينا تصحيح هذا الظلم باستعراض حقائق حزب الأمة بيانا للحقيقة ولكن كذلك منازلة للأطروحة الشمولية التي إذ تنفي أية إيجابية وحيوية في المجتمع السياسي والمدني السوداني تدعم حتمية اللجوء للشمولية التي أثبتت بالتجربة العملية أنه مهما كانت إخفاقات النظم الديمقراطية فإن إخفاقاتها هي الأكبر والأخطر على الوطن.
    ونحن على أعتاب تحول ديمقراطي في البلاد تفرضه حتميات داخلية وخارجية علينا أن نقر أولا أننا نتطلع لديمقراطية مجدية توفر حقوق الإنسان العالمية وتحقق توازنا في خطابها للولاءات التقليدية، وللقوى الحديثة، وللتظلمات الجهوية والعمرية والنوعية، وتوازنا بين جذور التأصيل وتطلعات التحديث، وتستطيع أن تحقق حفظ الأمن والنظام والتداول السلمي للسلطة، والتنمية البشرية التي توفر الضروريات المعيشية والخدمية في إطار العدالة الاجتماعية، والثقافية، والجهوية، ونقر ثانيا بالخريطة السياسية السودانية الحالية وهي مكونة من المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية، والأحزاب المسلحة، وأحزاب الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986م والأحزاب التي أفرزها النضال المدني في فترة الإنقاذ.
    المؤتمر الوطني عليه التحول من حزب شمولي التكوين والتمكين إلى حزب ديمقراطي قومي.
    الحركة الشعبية عليها التحول من واجهة لجيش تحرير السودان لحزب سياسي ديمقراطي، كذلك الحال بالنسبة للأحزاب المسلحة الأخرى. وأحزاب الجمعية التأسيسية عليها التطور الفكري والتطور المؤسسي الديمقراطي.

    بطاقة حزب الأمة

    في هذا الصدد من الظلم أن توضع الأحزاب في سلة واحدة. فيما يلي بطاقة حزب الأمة وبيان مكوناته وما حقق وما هو مستعد لتحقيقه في مجال التطور الديمقراطي والمؤسسي، بيان ينطلق من رصد مراحل الحزب المختلفة ومنجزاته فيها، والشبهات التي أثيرت وتثار حوله، والسمات التي تميز دوره في الساحة السياسية السودانية، وموقفه الحالي من القضايا الوطنية الملحة، وأوجه القصور التي يسعى لتلافيها:
    تكون حزب الأمة عام 1945م من القوى الاجتماعية التالية:
    1. الثورة المهدية - وقد كان هدفها أمميا- فرخت بطريقة غير مباشرة الهوية الوطنية الحديثة للسودان. لذلك في الصراع حول المصير السوداني كان الكيان الذي خلفته الأكثر انتصاراً لاستقلال السودان أمام الخيارات التي كانت متاحة في ظل الحكم الثنائي. هكذا قامت رابطة تاريخية بين حزب الأمة كمنبر سياسي استقطب السودانيين للدعوة الاستقلالية والأنصار. لذلك سيكون أغلبية الأنصار أقرب للانتماء لحزب الأمة. ولكن بعض الأنصار لتطورات لاحقة سوف يتجهون لأحزاب أخرى سواء احتفظوا بهويتهم الأنصارية أو نقضوها. أغلبية الأنصار سوف تؤيد حزب الأمة حتى إن لم تكن أغلبية مؤيدي حزب الأمة من الأنصار.
    2. هنالك قبائل معينة لها صلات تاريخية بحزب الأمة أغلبها قبائل أنصارية ولكن هنالك قبائل غير أنصارية تؤيد حزب الأمة ويستقطبها الحزب.
    3. وهنالك كيانات دينية وطرق صوفية غير أنصارية تؤيد حزب الأمة.
    بالإضافة لتلك المجموعات فإن ظروف حزب الأمة تفرض عليه حتما مخاطبة الثنائيات الآتية:
    ‌أ. حزب الأمة يشكل هو وكيان الأنصار أكبر حلقة وصل بين سودان وادي النيل والسودان الغربي.
    ‌ب. وهنالك قبائل عربية تنتمي لكيان الأنصار وحزب الأمة تعيش في منطقة التجاور بين القبائل العربية والقبائل النيلية " شلك، نوير، دينكا" على طول الخط من ود دكونة شرقا إلى أم دافوق غربا هذه الحقيقة تجعل كيان الأنصار وحزب الأمة حلقة وصل بشري قوي بين شمال السودان وجنوبه.
    ‌ج. إن حزب الأمة وكيان الأنصار متجذّران في لب السودان التقليدي. و ذلك منذ عهد الإمام عبد الرحمن الذي صار رائد السودان الحديث في كل مجال للريادة: في التعليم، في التنمية، في الصحافة، في الفن والثقافة، في رعاية الخريجين، في التطور الإداري، وهلم جرا ومنذ الطفرة التجديدية الحديثة في حزب الأمة صار الحزب متجذّرا في القوى الحديثة المهنيين، والفنيين، والعمال، والطلبة، وفي النهضة النسوية. هذا يجعل للحزب دورا هاما: حلقة وصل بين سودان الأمس وسودان الغد.
    إن تجذّر حزب الأمة في هذه المجموعات الوطنية يشكل أسس منطلقاته التي ينطلق منها ليخاطب القوى الاجتماعية الأخرى في سبيل رسالته القومية. ومع أن الحزب اتخذ دستورا ديمقراطيا إلا أن وضع قيادة الأنصار فيه كان قويا وأبويا. وفي أول معركة انتخابية عام 1954م نال حزب الأمة 23مقعدا أي نصف المقاعد التي نالها منافسه السياسي الحزب الوطني الاتحادي. والدليل على أن حزب الأمة تطور فيما بعد هو أنه في الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في عام 1986م نال تقريبا ضعف مقاعد الحزب الاتحادي الديمقراطي المنافس أي 101لحزب الأمة و64 للاتحادي الديمقراطي. هذا التطور كان نتيجة لتطور في الفكر والتنظيم وتوسيع المشاركة حتى أنه عندما عيب على الحكومات الماضية قلة المشاركة الجهوية في "الكتاب الأسود" استثنيت الديمقراطية الثالثة.


    1) مراحل تطور حزب الأمة
    فيما يلي أهم مراحل تطور حزب الأمة منذ تأسيسه:


    فيما يلي أهم مراحل تطور حزب الأمة منذ تأسيسه:
    المرحلة الأولى (45- 1958):

    كان شعار تأسيس حزب الأمة هو " السودان للسودانيين"، وعلى أساسه كان برنامج الحزب. وفي المرحلة الأولى لتكوين الحزب حتى الاستقلال كان الحزب أشبه بحركة منه بحزب، فاندمج في الجبهة الاستقلالية وقاد هذا التيار العريض حتى تحقيق الاستقلال. وفي هذه المرحلة استقر نظام الحزب على ثنائية بين كيان الأنصار القائم على ولاء ديني وقبلي للإمام والذي يمنح الحزب-الكيان السياسي الذي يقوم على المفردات والمفاهيم الحديثة- الدعم الشعبي والمادي ويرعاه، في هذه المرحلة كانت الصلاحيات السياسية الحاسمة إمامية وكانت صلاحيات الحزب شكلية. ومع أن الحزب كان يحاول ممارسة صلاحيات حقيقية فإن حقائق الواقع كانت لا تسمح بذلك، فالإمام هو مركز القرار الحاسم في اختيار مرشحي الحزب من النواب وفي حشد التأييد الشعبي لهم. وهو الذي يحسم تعيينات الحزب للمراكز القيادية في الدولة. ولكن حتى في هذه الفترة شهد الحزب أولى خطوات التطور نحو المؤسسية والانعتاق عن الأبوية الإمامية، حيث جاء البيان من الإمام عبد الرحمن المهدي عام 1950م بتنازله عن حق النقض في قرارات الحزب كخطوة هامة.

    المرحلة الثانية:

    (58- 1964): بدأت بوقوع انقلاب نوفمبر1958م. فقاد حزب الأمة برئاسة الإمام الصديق المعارضة للنظام الانقلابي الجديد- لا سيما بعد أن أصبح رئيس الحزب منذ انتقال الإمام عبد الرحمن في مارس 1959م إماما للأنصار. أدى تصدي حزب الأمة لمعارضة الدكتاتورية إلى اهتمام بالقوى الحديثة والتحالف معها إلى أساليب تعبوية ساهمت في بث روح جديدة في الحزب.
    رحل الإمام الصديق في عام 1961، ولمواصلة المعارضة بنفس القوة التي قاد بها الجبهة الوطنية المتحدة وتطويرا للشكل التنظيمي اتخذت عدة تدابير نذكر منها:
    1. في سبتمبر1962م تم تكوين مجلس من كبار الأنصار( سبعة عشر عضواً دائما) يرأسه الإمام الهادي لحسم القضايا الهامة برأي الأغلبية إن اختلفت الآراء. هذا المجلس لم تستمر أعماله طويلا.
    2. مقاطعة انتخابات المجالس المحلية التي دعا لها الحكم العسكري ولتحقيق ذلك تمت الدعوة إلى مؤتمر عام للوكلاء بالجزيرة أبا نظم المقاطعة بعد أن أقر مبدأها ثم بحث مشروع برنامج سياسي يتفق عليه الناس إذا أزالوا الحكم القائم. وقد وقع الصف الأول للأنصار على البرنامج في الخرطوم في 26/9/1964م كوثيقة تاريخية وكأداة تعبئة تجمع المعارضين للنظام حول اتجاهات محددة.
    وعندما اندلعت ثورة أكتوبر 1964م كان لعناصر جديدة في الحزب دورا هاما فيها. كانت ثورة أكتوبر 1964م مفصل انتقال القيادة في الشأن العام من الجيل المؤسس للدولة الوطنية المستقلة لجيل جديد.
    ولدى إعادة تكوين حزب الأمة بعد ثورة أكتوبر ظهر اختلاف حاد بين الحرس القديم والقوى الجديدة داخل حزب الأمة. كان الحرس القديم يرى أن يعاد تكوين الحزب كما كان عليه في 1958م. ولكن القوى الجديدة رأت غير ذلك. وفي النهاية اتفق أن يدعى لهيئة تأسيسية تمثل قواعد الحزب للنظر في الأمر. الهيئة التأسيسية هذه اجتمعت في نوفمبر 1964م وقررت أن تخرج عن التقاليد القديمة وأن تنتخب رئيس الحزب وأمينه العام ومكتبه السياسي، وقد كان. هذه القرارات صحبها تكوين سكرتارية حديثة لقيادة العمل السياسي مكونة من شباب خريجين واتخاذ برنامج سياسي جديد بعنوان (نحو آفاق جديدة). هذه الإجراءات خلقت واقعا جديدا متعايشا بصورة ما مع الحرس القديم. كان تعايشا قلقا أشبه بموقف الإصلاحيين بقيادة السيد محمد خاتمي والحرس القديم في إيران المعاصرة.

    المرحلة الثالثة (64- 1966م)

    واصل هذا التعايش القلق استمراره وفي ظله خاض الحزب الانتخابات العامة الأولى بعد ثورة أكتوبر في عام 1965م. ونجح الحزب في احتلال الرقم الانتخابي الأول. وولدت الانتخابات العامة هيئة برلمانية مشبعة بروح التجديد السياسي لذلك انتزعت لنفسها شخصية سياسية وانتظمت اجتماعاتها واهتمت بمساءلة الوزراء كما اهتم النواب بصورة ملحة بمطالب دوائرهم. وبعد عام من الانتخابات العامة تصدى النواب لمساءلة رئيس الوزراء الحاكم باسم الحزب السيد محمد أحمد المحجوب. لذلك كونت الهيئة البرلمانية لجنة عليا برئاسة السيد أمين التوم من السادة: ميرغني حسين زاكي الدين، وإبراهيم هباني، وأمبدى حامد وعبد الرحمن أحمد عديل وعبد العزيز حسن في يناير 1966 للتحري عن شكاوي النواب. عبر هذه اللجنة عبرت أغلبية النواب عن عدم ثقتها في الحكومة وأدانت أداءها.
    كان رئيس الوزراء شخصا ليبراليا قياديا ومثقفا قياديا، وبالمنطق الليبرالي من المتوقع أن يضع مصيره تحت أمر الهيئة البرلمانية. ولكنه اتخذ موقفا آخر وأعلن أنه مسئول للإمام وليس للهيئة البرلمانية. لكن أغلبية الهيئة البرلمانية رأت أنه مسئول أمامها لأنها هي التي تنتخب في البرلمان ولأن مواقف النواب في دوائرهم تتأثر بما تفعل الحكومة.
    حول هذا النزاع تلاحقت التداعيات التي أدت لانقسام حزب الأمة على جناحين للفترة (1966- 1969). انقسم حزب الأمة برلمانيا إلى ثلث وثلثين. واصل الثلثان موقفهما بتكوين حزب أصدر برنامجا جديدا بعنوان إصلاح وتجديد. والمدهش أنه في انتخابات 1968 التي جرت والحزب منقسم على نفسه كانت جملة أصوات الجناحين تمثل الرقم العددي الأكبر كما أن السند الشعبي العددي الذي أيد أغلبيته الهيئة البرلمانية كان 55% بالمقارنة مع سند الجناح الآخر 45% أي أن الانقسام الشعبي كان مشابها للانقسام البرلماني. استمر انقسام الحزب حتى قبيل انقلاب مايو 1969حيث تم توحيد الحزب في أبريل 1969 على أسس أهمها:
    • حزب الأمة عصري ديمقراطي مفتوح لكل السودانيين ويكون ملء المناصب القيادية فيه بالانتخاب ويخضع الأشخاص الذين تم انتخابهم لتولي المسئولية للمحاسبة من أجهزة الحزب وتتخذ القرارات في كل المسائل التي تخص سياسة الحزب والبلاد برأي الأغلبية.
    • قيام مجلس أعلي يتولى وضع سياسة الحزب العليا والإشراف على إدارة شئونه ومحاسبة الأجهزة التنفيذية حتى يتم وضع دستور الحزب الموحد وتنتخب بموجبه جميع أجهزة الحزب.
    وقد ساعد توحيد الحزب على التصدي لانقلاب مايو والنظام الراديكالي اليساري الذي أقامه.

    المرحلة الرابعة ( 69-1986):

    كان نظام مايو 1969 في مرحلته الأولى تحالفا راديكاليا شيوعيا ناصريا لذلك وضع حزب الأمة في مقدمة أعدائه فخاض الحزب مواجهة عنيفة ضد ذلك النظام.
    النظام الذي أقامه انقلاب مايو 1969م تبنى شعارات الحزب الشيوعي وأشرك معه في السلطة كوادر الحزب الشيوعي القيادية وصنف القوى السياسية الأخرى أعداء الشعب. وفي مرحلة لاحقة عقد ميثاق طرابلس الذي بموجبه تحالفت النظم الثلاثة في مصر والسودان وليبيا على سياسات مشتركة وعلى دعم لبعضهم بعضا.
    قيادات حزب الأمة رفضت الانقلاب واستعدت لمقاومته بقيادة الإمام الهادي الذي جعل من الجزيرة أبا مكان إقامته منصة انطلاق المقاومة للنظام الانقلابي.
    النظام الانقلابي دخل في مواجهة مع القوى السياسية المتمركزة في الجزيرة أبا واستعان بحليفيه في مصر وليبيا واستخدم تفوقه العسكري في الهجوم بالطيران والأسلحة الثقيلة ضد المعارضة في الجزيرة أبا التي لم تكن تملك إلا عددا محدودا من الأسلحة الخفيفة.
    ارتكب نظام مايو جرائم حرب في حق المقاومة أولا بقصف مواقع مدنية بالطائرات والأسلحة الثقيلة وقتـْـلِ أعدادٍ كبيرة من الناس، وثانيا بقتل الإمام الهادي والسيدين محمد أحمد مصطفى وسيف الدين الناقي وهم أسرى في يده.
    موقف الإمام الهادي ومن معه بالإقدام والتمسك بالموقف المبدئي أشعل روح الحماسة لمعارضة النظام في السودان عامة وفي الأنصار خاصة، مما دفع بأعداد كبيرة منهم للهجرة البطولية إلى إثيوبيا والتي انطلقت منها المقاومة المسلحة في مرحلة لاحقة. إن الحزب سوف يصدر تاريخا مفصلا لأحداث الجزيرة أبا وودنوباوي في مارس 1970م، وكذلك يصدر تاريخا وافيا للهجرة ومراحلها المختلفة التي غذت المقاومة للنظام المايوي التي انطلقت في يونيو 1976م.
    بعد الأحداث المذكورة آنفا اختلف النظام مع الشيوعيين وبلغت قمة المواجهة بينهم في يوليو 1971م ـ انقلاب هاشم العطا- بعد ذلك تحول النظام يمينا. واستفاد من تحضيرات الديمقراطية الثانية ومن العطف الغربي فعقد اتفاقية أديس أبابا للسلام في 1972م. وكتب ما سماه بالدستور الدائم في 1973م. تلا ذلك بعض الانفراج أدى لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين اعتقلهم النظام في أوائل أيامه.
    استفاد حزب الأمة وغيره من المعارضين من هذا الانفراج النسبي فقام مع آخرين بتنظيم انتفاضة شعبان سبتمبر 1973م. أعقب ذلك تضييق شديد على الحزب وكوادره واعتقل رئيسه من جديد في ديسمبر 1973م. في هذه الأثناء ومنذ قيام الانقلاب كانت قيادات الحزب بالمنفى قد كونت (مع قيادات الحزب الوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي) الجبهة الوطنية لمعارضة النظام من الخارج. أطلق سراح رئيس حزب الأمة في أبريل 1974فغادر البلاد والتحق بالجبهة الوطنية. وقام الحزب برسم خطة التحول من العمل السياسي للمواجهة العسكرية في عام 1974. وفي يوليو 1976 أعدت الجبهة الوطنية انتفاضة مسلحة كادت تطيح بالنظام. فواجهها بقمع وحشي. ولكنه أدرك خطورة المعارضة فاقترح مصالحة وطنية وأظهر جدية في الإصغاء لمطالب التحول الديمقراطي. حينها قبل الحزب وضع السلاح ونقل العمل للداخل في 1977م. ولكنه اكتشف أن نميري لم تكن له رغبه حقيقية في التنازل عن سلطاته بل أراد من المصالحة أن يأمن من المعارضة القوية له، فسرعان ما انهارت المصالحة، ولكن الحزب استفاد منها في شيئين:
    الأول عودة عدد كبير من قيادة المعارضة من المنفي للسودان بسلام. والثاني: منح هامش كبير من الحرية السياسية سمح بعقد انتخابات نقابية في جو من الحرية النسبية لا سيما وسط المهنيين. الهيئة القضائية التي تكونت في هذا الجو هي التي نازلت النظام. فاندفع يحاول كبحها عبر قوانين سبتمبر سيئة الصيت. تصدى حزب الأمة ببسالة لتلك القوانين كاشفا تشويهها للدين فانقض النظام على قيادات الحزب متهما لها برفض الشريعة. هكذا وفي عهد مايو اختار حزب الأمة مواجهة النظام ونالت كوادر الحزب شرف البطش بها بتهمة التمسك بالدين في أول عهد النظام، ثم البطش بتهمة التخلي عن الدين في آخره. هذه المحنة أكسبت الحزب رصيدا نضاليا كبيرا، فقد جرب خلالها كل وسائل المقاومة المسلحة والمدنية والانطلاق من مواقع خارجية لأول مرة في تاريخه واستطاعت قيادة الحزب أن تكتسب مواقع فعالة في القطاع الحديث فساهمت في التخطيط لانتفاضة أبريل 1985م وكتبت ميثاقها. كما أن فصيل حزب الأمة الطلابي كان رأس الرمح في تحركات طلاب جامعة أم درمان الإسلامية التي كتبت الفصل الأول للانتفاضة. هذه الحيوية السياسية هي التي مكنت حزب الأمة من عقد مؤتمر عام ديمقراطي جدد الحزب بموجبه برنامجه باسم نهج الصحوة. وانتخب قياداته ووضع قواعد انتخابية جديدة لمرشحي الحزب للنيابة بحيث يؤسس ترشيحهم على قرار لجان الدائرة دون تدخل مركزي.
    تمخضت عن مؤتمر 1986م العام أجهزة ومؤسسات منتخبة هي:
    - هيئة مركزية
    - مكتب سياسي مثل فيه قطاع الشباب والطلاب تقديرا لدورهم في إشعال الانتفاضة. كما نالت فيه المرأة تمثيلا كبيرا.
    - أمانة عامة خماسية.
    - رئيس الحزب .
    لاحقا كونت لجنة لمراجعة الأداء وتقييمه رأت أن الأمانة الخماسية بها علات حددتها وعالجتها بإبدال الأمانة الخماسية بأمين عام وتعيين نائب لرئيس الحزب.

    تحديث كيان الأنصار:

    إن لحزب الأمة علاقة عضوية بكيان الأنصار. فإذا تم تحديث الحزب وترك كيان الأنصار لحالته التقليدية فإن هذا سوف يهزم قضية التحديث.
    ولكيلا يتم تحديث الحزب ويتخلف كيان الأنصار تبنت قيادة الحزب والكيان نهجا إصلاحيا لكيان الأنصار ذا ثلاث شعب:
    • الشعبة الأولى: قراءة جديدة للفكر المهدوي.
    • الشعبة الثانية: اجتهاد إسلامي تجديدي.
    • الشعبة الثالثة: إقامة هيكل جديد لكيان الأنصار هيكل يحدث الكيان ويجعل له شخصية اعتبارية ويقيم مسئولياته على أساس انتخابي. ويواكب التحديث المستمر في حزب الأمة.
    لقد كان عمل الأنصار في عهد الإمام عبد الرحمن وخليفتيه يتبع للإمام شخصيا ويخضع لمكتبه الخصوصي ويشرف عليه مكتب الأنصار. وحينما استشهد الإمام الهادي في 1970م أصبح السيد الصادق مسئولا عن كيان الأنصار حسب الاتفاق الذي تم بموجبه توحيد الحزب في أبريل 1969م وبحكم الأمر الواقع. وكانت سلطات الانقلاب قد اعتقلت السيد الصادق المهدي في 5/6/ 1969م وأطلقت سراحه في 25/5/1973م. وحينما خرج كانت كل مؤسسات الأنصار ومساجدهم تحت احتلال الحكومة. وبعد المصالحة رفع النظام يده عن مؤسسات الأنصار وسمح بحرية العمل الديني والاجتماعي للأنصار. وفي أواخر عام 1977م أجرى السيد الصادق تشاورا واسعا بين الأنصار وتم الانتقال من فكرة المكتب الخصوصي التابع للإمام إلى فكرة مؤسسة ذات شخصية اعتبارية هي هيئة شئون الأنصار. والتي اكتمل دليلها التأسيسي في عام 1979م وتم إعداد لوائح تنظيمية لها . وبعد انتكاسة المصالحة تعرضت الهيئة للمضايقة وعرقلت السلطات أنشطتها وأخيرا أوقفتها واحتلت مركزها العام- وبيت المهدي – ومنعت نشاطها.
    وبعد الانتفاضة أعلنت قيادة الأنصار أن الإمامة يجب أن تكون بالانتخاب حسب وصية الإمام الصديق، وأن الانتخاب يستلزم تنظيم الأنصار حتى يتسنى ممارسة تلك الشورى. فتم تعديل الدليل التأسيسي في 1986م وصار الهيكل التنظيمي يتكون من مجلس الحل والعقد (وهو مجلس أربعيني مثلت فيه ثلاث نساء) على قمة الهيئة ومجلس أوسع هو مجلس الشورى( من 400 عضو) على أن يقوم بالعمل التنفيذي مكتب من 10 أمانات يرأسها الأمين العام. لم يتيسر في تلك الفترة ملء هذا الهيكل وإنما تم اختيار أمين عام ومجلس مصغر للشورى وعدد من الأمانات التنفيذية.

    المرحلة الخامسة(1986- 1989)

    الرصيد النضالي الكبير والتنظيم الديمقراطي الذي حقق مشاركة شعبية واسعة والبرنامج السياسي الواضح (برنامج نهج الصحوة) هذه العوامل مكنت حزب الأمة من خوض انتخابات 1986 بحملة نفيرية قوية بحيث حقق الحزب أعظم انتصاراته الانتخابية وحصل على عدد من المقاعد يبلغ تقريبا ضعف الحزب الثاني له في نتائج الانتخابات. هذا الانتصار ضمن للحزب دورا قياديا في الحكومة الائتلافية الديمقراطية، ولكن تراكم المشاكل التي خلقها النظام المباد حرم الحزب من الاهتمام المطلوب بالتنظيم المحكم بل اكتفى الحزب بالأسلوب التعبوي النفيري وانشغلت كوادره القيادية بمهام سلطة محاطة بالأزمات بحيث صار الجهد عبارة عن احتواء وإطفاء حرائق.
    فقد نال حزب الأمة 101 مقعدا في الانتخابات ومع أنها تمثل أكثرية إلا أنها لا تمثل أغلبية.نال الاتحادي 64 مقعدا ونالت الجبهة الإسلامية 51 مقعدا وكانا يمثلان قوى سياسية بداخلها عدد كبير من سدنة نظام مايو المباد. وعشية إعلان نتائج الانتخابات اتفق هذان الحزبان على الآتي: لا لإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ـ لا لإنشاء محكمة قصاص شعبي ـ لا لقرارات مؤتمر كوكادام المعلنة في مارس 1986 واتفقا أنهما يدخلان الحكومة الجديدة معا أو يعارضانها معا. هذه المناورة ضارة وطنيا لأن إلغاء قوانين سبتمبر 1983، وتكوين محكمة قصاص شعبي، من مبادئ ميثاق الانتفاضة. كما أن قرارات مؤتمر كوكادام تؤيدها غالبية قوى الانتفاضة. هذه المناورة وضعت حزب الأمة أمام موقف حرج لأنه لا يستطيع تكوين حكومة وحده وإن استعان بالأحزاب الصغيرة. فأمامه إما أن يحاول جر الاتحادي الديمقراطي من التحالف مع الجبهة الإسلامية القومية وذلك بتنازل عن بعض مبادئ ميثاق الانتفاضة أو أن يقف في المعارضة. كان رأي رئيس الحزب وأقلية معه أن السبيل الوحيد لمواجهة هذا الحرج هو أن يقود حزب الأمة تكوين حكومة كل الجمعية ليعطى كل 10 نواب وزير واحد على أساس برنامج الحد الأدنى الانتقالي إلى حين إجراء انتخابات عامة أخرى. أو أن يقف في المعارضة. كان الرأي الذي أيدته أغلبية أجهزة الحزب هو رفض الوقوف في المعارضة، ورفض أية مشاركة للجبهة الإسلامية القومية، والسعي للائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي ولو على حساب تعطيل بعض بنود ميثاق الانتفاضة وقد كان.
    مع هذه النكسة فإن حزب الأمة قاد ائتلافات في عهد الديمقراطية الثالثة استطاعت أن تمحو آثار النظام المايوي المدمرة، واستطاعت أن تعقد مؤتمرا اقتصاديا قوميا لترشيد الأداء التنموي، واستطاعت أن تنظم مؤتمرات قومية للتعامل مع الخدمات الاجتماعية.كما استطاعت حكومة الديمقراطية المحافظة على استقلال القرار الوطني السوداني وتبنت برنامجا للحل السلمي لمشكلة الجنوب، وعلى الصعيد الاقتصادي انتقل مؤشر النمو من (-12) إلى (+12) كما نجحت الحكومة في الحفاظ على الأمن وهيبة الدولة، وتصدت الحكومة لكافة القضايا المصيرية على نحو ما فصل رئيس الحزب الصادق المهدي في كتاب الديمقراطية في السودان راجحة وعائدة الصادر 1989م. في هذا الكتاب مقارنة بين الأداء في العهود الديمقراطية والعهود الدكتاتورية بما أثبت تفوق وجدارة النظم الديمقراطية وتطورها من حسن إلى أحسن، فمثلا إذا قارنا نواب حزب الأمة في الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة برصفائهم في الديمقراطية الأولى من حيث مستوى التعليم والقطاعات التي يمثلونها اتضح لنا مستوى تطور النظم الديمقراطية.
    وواجهت الديمقراطية الثالثة أمرين خلافيين هما شعار الأسلمة الذي تبناه الحزب مع مراعاة مطلوبات السلام والوحدة الوطنية، وشعار السلام الذي كان حزب الأمة مع قوى الانتفاضة قد قاده، بينما تبنت الجبهة الإسلامية القومية شعار الأسلمة بشكل يفضي إلى الفتنة الدينية والوطنية. وفي ظروف لاحقة تبنى الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني شعار السلام. كان حزب الأمة حريصا على الشعارين مع تأكيد أن تحقيقهما ينبغي أن يكون قوميا. ولكن الصعوبة التي واجهها هي أن الجبهة الإسلامية القومية زاودت في تبني شعار الأسلمة. والحزب الاتحادي زاود في تبني المبادرة السودانية للسلام. وكاد حزب الأمة أن يحتوي المزايدات. فدعم حزب الأمة حوارات القصر التي قادها السيد ميرغني النصري عضو مجلس رأس الدولة والتي أدت إلى توقيع 29 حزبا ونقابة على برنامج القصر المرحلي في فبراير 1989. كما دعم حزب الأمة لقاء قادة الأحزاب الثلاثة في القصر: الأمة ـ والاتحادي الديمقراطي ـ والجبهة الإسلامية القومية. الذي صدر عنه إعلان تأييدهم بضوابط معينة للمبادرة السودانية للسلام في 4 يناير 1989. واستطاع حزب الأمة أن يثبت جدوى النظام الديمقراطي في مواجهة الأزمات وقد تصدى لأهم ثلاث أزمات وعالجها في إطار الشرعية الدستورية. تلك الأزمات هي :
    + غرق العاصمة تقريبا وأقاليم أخرى نتيجة السيول والفيضانات والأمطار في أغسطس 1988 فأمكن تنظيم جهد قومي عظيم لاحتواء الأزمة.
    + مواجهة موجة الإضرابات الشاملة التي انطلقت لمعارضة زيادات أسعار السكر في ديسمبر 1988م ومواجهة المؤامرات التي حاولت استبدال المؤسسة التشريعية بالشارع فهزمت المؤامرة وتوصلت الحكومة مع القيادات النقابية لمعادلة مرضية.
    + مواجهة مذكرة قادة القوات المسلحة التي اندفع فيها القادة العسكريون هروبا من المساءلة العسكرية التي واجههم بها رئيس الوزراء في فبراير 1989م ففكر بعضهم تحويل المساءلة العسكرية المشروعة بعد انسحاب القوات المسلحة غير المبرر من موقع ليريا وتحويلها لمساءلة سياسية عبر مذكرة القوات المسلحة. لقد كانت هذه الفكرة غير صائبة ولكن الحكومة استطاعت أن تتعامل مع الأزمة بصورة أفرغتها من شحنتها المدمرة، وأمكن إنقاذ النظام الدستوري والعودة للانضباط.
    كان النجاح في إدارة الحكم بموجب المؤسسات الدستورية كاملا لدرجة أن الحكومة الائتلافية زادت من سندها البرلماني في أيامها الأخيرة لتحظى بدعم كل القوى السياسية في الجمعية التأسيسية ماعدا الجبهة الإسلامية القومية التي قررت أن تعمل خارج الشرعية الدستورية ودبرت انقلاب 30يونيو1989م الذي دمرت به نفسها ودمرت به البلاد.
    لقد أوضح رئيس الحزب في دراسة أمام ورشة العمل الفكرية السادسة في القاهرة في مارس 1997م عن التجربة السودانية والحريات الأساسية. كيف أن القصور الحزبي ضمن عوامل أخرى أضعفت الممارسة الديمقراطية فانتهى الأمر لانقلاب يونيو1989.

    المرحلة السادسة "1989- 1999":

    عندما انقض نظام "الإنقاذ" على البلاد هجم على حزب الأمة وكيان الأنصار بصفة مركزة لأربعة أسباب هامة هي:
    ‌أ. د. حسن الترابي عنده شوفينية ذاتية وكيان الأنصار فيه شوفينية كيانية. هذان العاملان جعلا قربى المصاهرة سببا لفرقة.
    ‌ب. عدد كبير من قادة الجبهة الإسلامية تطلع للتخلص من قيادة كيان الأنصار وحزب الأمة باغتيالها معنويا أملا في أن تتحول القاعدة التي يقدرون إيجابياتها لهم.
    ‌ج. قيادة كيان الأنصار وحدها طرحت طرحا فكريا إسلاميا حديثا منافسا.
    ‌د. قيادة حزب الأمة صارت رمز الشرعية السياسية في البلاد والتخلص منها يدعم شرعية النظام.
    هذه العوامل جعلت حزب الأمة وكيان الأنصار يتحمل نصيب الأسد من بطش النظام. القيادة رتبت نفسها على أساس تنظيم مرحلي يقوم على: عمل سياسي سري في الداخل، عمل وطني في الداخل يركز على الناحية الفكرية وتقوده هيئة شئون الأنصار، وعمل سياسي ودبلوماسي وإعلامي علني في الخارج يقوده تنظيم خارجي للحزب.
    هذا التنظيم الخارجي كون شبكة من المكاتب في عواصم أوروبا وأمريكا ودول الجوار ذات فاعلية عالية في جمع المعلومات وفي الإعلام وفي العلاقات الدبلوماسية وفي تنظيم الندوات والحلقات الدراسية. واستطاع تنظيم حزب الأمة الخارجي أن يعقد 4 مؤتمرات، و8 ورشات عمل، وأن يجعل المؤتمرات وسيلة لتحركه الجماعي، وورشات العمل وسيلة للتفكير الجماعي.

    التجمع الوطني الديمقراطي:

    كانت فكرة تكوين التجمع الوطني الديمقراطي فكرة اهتدت إليها القيادات السياسية المحبوسة في سجن كوبر في 1989م. وعندما بلغت الفكرة لممثل حزب الأمة بالخارج تبنى تكوين تنظيم بالخارج للتجمع الوطني الديمقراطي. هذا التكوين في الخارج كان مختلفا عن التكوين بالداخل لأنه ضم إليه الحركة الشعبية وجيشها. كان هذا التنظيم بالخارج مختلفا نوعيا من فكرة الداخل وحقق الآتي:
    ‌أ. تجميع كل فصائل المعارضة بمن فيها الفصائل التي تحمل السلاح.
    ‌ب. الاستعانة بتحالفات إقليمية ودولية وفرتها للتجمع السوداني سياسات نظام "الإنقاذ" التوسعية التي دفعت عددا من دول الجوار وغيرها لخدمة مصالحها عن طريق دعم المعارضة السودانية.
    ‌ج. عقد مؤتمرات لبحث القضايا المصيرية فوصلت قمتها في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية وقراراته في يونيو 1995م.
    ‌د. الاتفاق على مواجهة شاملة لنظام الخرطوم وتحديد وسائلها في مؤتمر أسمرا 1995م.
    هذه المواجهة الشاملة عمقت الأزمة وجعلت الاستقطاب بين النظام والمعارضة حادا فأدى ذلك لتضييق النظام الخناق أكثر فأكثر على المعارضة بالداخل. لذلك قرر حزب الأمة زيادة التركيز على العمل الخارجي لأن ظروف العمل بالخارج صارت أفضل وبالداخل تقلصت. لذلك كانت عملية تهتدون في ديسمبر 1996م، وهي العملية التي فيها هاجر رئيس الحزب وبضع وعشرون من أعوانه سرا مخترقين الحدود الشرقية مع إريتريا.
    بعد تهتدون زادت حدة المواجهة وفاعلية تحرك المعارضة على كل الأصعدة. بل عملية تهتدون نفسها نفذت بطريقة دراماتيكية أوضحت ضعف الأجهزة الأمنية وكسرت هيبة النظام وجردته من الرهينة "رئيس الحزب" التي استعملها لإبطال العمل الخارجي ضده.
    كان حزب الأمة يرى أن التجمع الخارجي يعاني من ضعف داخلي رغم أن الظروف المحيطة به خدمته فجعلت صوته عاليا.
    وفي عام 1998م قدم حزب الأمة مذكرة لزملائه في التجمع نقدته نقدا موضوعيا أهم ما فيه:
    ‌أ. هيكل التجمع القيادي أشبه بهيكل جبهة حاكمة لاقتسام السلطة منه بآلية نضالية.
    ‌ب. فصائل التجمع ليست مؤهلة بالقدر الكافي للقيام بواجباتها السياسية وتحتاج لإصلاح وتفعيل.
    ‌ج. العمل الخارجي معزول عن عمل الداخل.
    ‌د. ميثاق التجمع يخاطب واقعا سياسيا انتهى. ولا يخاطب الواقع السياسي الجديد وينبغي أن يراجع.
    ‌ه. هنالك تكوينات معارضة جديدة في الداخل والخارج لا تشملها مظلة التجمع.
    لم تكن فصائل التجمع غالبا مستعدة لمناقشة هذه المقترحات مناقشة موضوعية لأنها كانت في الغالب تركز على أن هيكل التجمع يشكل أداة لاقتسام السلطة فحرصت على الإبقاء عليه كما هو. كذلك كانت في الغالب تتوقع أن تؤدي مبادرات الجيش الشعبي وعداوة دول الجوار والأسرة الدولية سيما الولايات المتحدة الأمريكية، أن تؤدي هذه لإسقاط النظام.
    بعد تهتدون كون حزب الأمة قوة ضارية ثانية للجيش الشعبي واستحدثت أساليب قتالية أكثر فاعلية.
    انفرد حزب الأمة بين فصائل التجمع بأنه مع المشاركة الفعالة في العمل العسكري ينفرد باهتمام كبير بالعمل الإعلامي – والدبلوماسي- والفكري – وبالتواصل مع منظمات المجتمع المدني- وبالاتصال الوثيق بالأحوال داخل السودان.
    هذه الحقائق أهلت حزب الأمة أكثر من غيره لقراءة الواقع السياسي في الداخل ، و الأمني والدبلوماسي.
    صار واضحا لحزب الأمة منذ بداية 1997م أن النظام بدأ يغير خطابه الفكري والسياسي، وأنه بدأ ينقسم على نفسه. هذه القراءات للحقائق هي التي جعلت حزب الأمة يخاطب حلفاءه بأن ثمة مستجدات يجب أن نستوعبها وأن نعدل وسائلنا للتعامل معها. وهي التي جعلته يتجاوب مع محطة جنيف في مايو 1999م، ومحطة جيبوتي في نوفمبر 1999م. هذه القراءة لم تكن مقبولة لفصائل التجمع الأخرى والاختلاف هو الذي أدى للانقسام في التجمع. ومنذ أن تبلورت قراءة حزب الأمة الجديدة تبنى فكرة تطوير مبادرة الإيقاد لتشمل كافة أطراف النزاع وتوسيع أجندتها لتشمل نظام الحكم بالإضافة لاتفاقية السلام.
    وعندما استعصى ذلك تبنى حزب الأمة التطلع لمبادرة إقليمية وعندما انطلقت المبادرة المشتركة المصرية الليبية في أغسطس 1999م، تحمس لها وتبناها. كذلك نظم حزب الأمة ورشة عمل فكرية سابعة في سبتمبر 1999م في القاهرة لدراسة قضية الحل السياسي الشامل من كل جوانبها. هذه الورشة أصدرت توصيات استعان بها رئيس الحزب في كتابة مذكرة الموقف التفاوضي للمعارضة بتاريخ 21/10/1999م.


    مواصلة التحديث في كيان الأنصار:

    بعد انقلاب يونيو 1989م لم يقم النظام بحل الهيئة التي ذكرنا ملابسات إنشائها كشخصية اعتبارية تنظم عمل الأنصار، ولكن النظام عرقل أنشطتها. وظلت الهيئة ناقصة التكوين (فقط كان هناك أمين و5 أمانات) ضعيفة الأداء إلا من مجهودات أمانة الدعوة والإرشاد. ولكن الفشل السياسي للنظام وتشويهه للإسلام ومحاولته تلطيخ قيادة الأنصار جعل أهل السودان يلتفون حول قيادة الأنصار وطرحها الفكري الذي عبرت عنه عبر منابر الهيئة في المناسبات الدينية لا سيما الأعياد.
    لمواجهة هذا الزخم الذي أحدثه الطرح الفكري أقدم النظام على مصادرة بيت الإمام المهدي – مقر هيئة شئون الأنصار- قبيل عيد الأضحى 1413هـ وقام بمضايقة قيادة الأنصار وكوادر الهيئة. قامت قيادة الأنصار بمضاعفة الجهد للإبقاء على جذوة نشاط الهيئة وبعد شورى واسعة تم توسيع المشاركة واستكمال النقص في الأجهزة فتم تكوين مجلس الحل والعقد في 1994م من ممثلين لمختلف شرائح وأقاليم الأنصار وبمقاييس موضوعية وقد مارس المجلس صلاحياته المنصوص عليها في الدليل التأسيسي والذي تم تطويره ليصير أكثر ضبطا للأجهزة وتحديدا لعلاقاتها وأصبح يسمى الدليل الأساسي وهو الدستور الذي يحكم عمل الهيئة وقام مجلس الحل والعقد بانتخاب أمين عام بالإنابة – صار لاحقا أمينا عاما للهيئة – من الكوادر الشابة المؤهلة ليقود العمل التنفيذي. ثم قام المجلس بإكمال الأمانات التنفيذية العشر. وقد اخضع الدليل الأساسي عمل الهيئة للشورى وأقام أساس المسئولية على الانتخابات والمساءلة كما قرر أن يتم اختيار الإمام على أسس ومؤهلات معينة وأن يكون اختياره بالانتخاب بعد استكمال تنظيم الأنصار.
    قامت الهيئة في طورها الجديد بالمقارعة الفكرية للنظام وأبطلت حجته وأوضحت مفارقة ممارساته لمقاصد الإسلام. كما قامت ببث الفكر الإسلامي التجديدي. وقامت بدورها الاجتماعي والإرشادي للأنصار.

    المرحلة السابعة(1999- 2000)

    اعترف النظام بالتعددية السياسية وأعلن التصديق على نشاط حزب الأمة وغيره من الأحزاب التاريخية دون قيد أو شرط.
    ‌أ. عقد حزب الأمة اجتماعا تأسيسيا في القاهرة ضم قيادة الداخل والخارج في فبراير 2000م. هذا الاجتماع قرر تكوين انتقالي جديد لحزب الأمة على أساس مجلس قيادي، ومكتب سياسي، ومكتب تنفيذي على أن تستوعب هذه الأجهزة الأجيال الثلاثة: الشيوخ، والكهول، والشباب، وعلى أن تضم أصحاب البلاء والعطاء، وأن تمثل كليات انتخابية محددة. ونتيجة لهذا التكوين صدرت قرارات التكوين الجديد.
    ‌ب. بعد إصدار القرارات أرسلت لكافة قواعد الحزب ونشأ رأي عام يطالب بتعديل بعض تلك القرارات. لذلك عقد اجتماع ثان في القاهرة في يوليو/ أغسطس 2000م ضم قيادات الداخل والخارج. هذا الاجتماع تناول كل الآراء وقرر تكوين تنظيم مرحلي زاوج بين شرعية الانتخاب في المؤتمر العام 1986م وشرعية التصدي لنظام "الإنقاذ"، وبين الشباب والكهول، وقيادات الداخل والخارج. ويتكون التنظيم المرحلي من الأجهزة الآتية:
    1. مكتب قيادي- يرأسه الرئيس ويضم نواب الرئيس ومساعديه ورؤساء القطاعات التنفيذية. ويناقش السياسات العليا ومختلف قضايا الحزب ويرسم السياسات العامة.
    2. مكتب سياسي يتم التصعيد له من كليات انتخابية مختلفة مثل الفئات- الأقاليم- الشباب- هيئة شئون الأنصار- المرأة- جيش الأمة. ويقوم بالتشريع وإقرار وإجازة السياسات العامة والبرامج المحولة في المكتب.
    3. مكتب تنفيذي يتكون من 11 قطاع لكل قطاع رئيس ونائب ويندرج تحت كل قطاع عدد من الأمانات ويقوم المكتب التنفيذي بتسيير نشاط الحزب اليومي وتنفيذ البرامج التي تقرها المكاتب التشريعية ويرأسه النائب الأول لرئيس الحزب.
    4. مؤسسة الرئاسة: تتكون من الرئيس ونائبيه ومساعد الرئيس للشؤون القانونية ومساعد لشئون المهجر، ومساعد للشئون الاجتماعية، ومساعد لشئون المكتب السياسي، ومساعد للشئون الخارجية.
    5. مؤسسة متابعة وضبط الأداء: ومهمتها متابعة الأداء والانضباط الحزبي ولها صلاحيات في المحاسبة والمساءلة والعقوبة التي تصل لحد الفصل.

    المرحلة الراهنة:

    وبدأت هذه المرحلة بعودة قيادة الحزب إلى البلاد في نوفمبر2000م، وأهم معالم هذه المرحلة ما يلي:

    أولا: التعبئة من أجل الحل السياسي الشامل:

    وذلك عبر الندوات واللقاءات الجماهيرية المختلفة وعبر الحوار مع القوى السياسية الأخرى وقد وثق الحزب لاتفاقياته ومجهوداته المختلفة بكتاب أدبيات الحل السياسي الشامل.

    ثانيا: مواصلة التفاوض مع النظام بشأن إنفاذ اتفاق نداء الوطن:

    وفي 18 فبراير 2001م اتخذ المكتب السياسي للحزب قرارا بالاجماع حدد فيه الأساس الذي يرتضيه الحزب للمشاركة في السلطة وهو إما انتخابات حرة نزيهة أو في إطار حكومة قومية تشارك فيها كافة القوى السياسية، وبهذا الموقف أكد الحزب عدم رغبته في الانخراط في النظام القائم دون الوفاء باستحقاقات التحول الديمقراطي والسلام العادل.

    ثالثا: الاختراق والانسلاخ في يوليو 2002م:

    عندما اتخذ الحزب قراره الرافض للانخراط في الحكومة كانت هناك مجموعة داخل الحزب تتبنى فكرة المشاركة الانخراطية في النظام، استغل النظام الحاكم وجود قائد هذه المجموعة(السيد مبارك الفاضل) على رأس المجموعة التي تفاوض النظام نيابة عن الحزب فأبرم معه اتفاق مشاركة ثنائية في الحكومة باسم حزب الأمة، فعقدت هذه المجموعة في 14يوليو2002 بدعم وتشجيع من النظام ما أسمته (بالمؤتمر الاستتثنائي لحزب الأمة من أجل الإصلاح والتجديد والتحديث) بأرض المعسكرات في سوبا سرا وادعت الحديث باسم الحزب وحل أجهزته القيادية واستبدالها بأخرى. اعتبر الحزب ذلك المؤتمر الكيدي أحد محاولات الاختراق التي تعرض لها في تاريخه. فكان ذلك إعلانا عن انسلاخها من الحزب.

    رابعا: إقامة المؤتمر العام السادس للحزب في أبريل 2003م:

    تحت شعار(ديمقراطية سلام تنمية عدالة) أقام حزب الأمة مؤتمره العام السادس الذي تم فيه انتخاب رئيس الحزب الحالي وأمينه العام و الهيئة المركزية التي انتخبت مكتبه السياسي كما أجيز فيه برنامج عمل الحزب(وثبة جديدة لبناء الوطن) وفي هذا البرنامج تطور مفهوم العمل الحزبي حيث اعتبر الحزب مؤسسة خدمية وتنموية إضافة إلى كونه مؤسسة سياسية ساعية للسلطة وإعداد البرنامج كان بصورة جماعية وتشاركية بين المتخصصين من أعضاء الحزب .وقد كان هذا المؤتمر نقلة نوعية من حيث التنظيم والإعداد فقد أقيم المؤتمر بتمويل ذاتي بدلا من التمويل الأبوي وتطور فيه الحزب من حيث الديمقراطية واللامركزية حيث صار ديمقراطيا انتخابيا من القمة للقاعدة حيث عقد تحضيرا للمؤتمر العام السادس 4700 مؤتمرا قاعديا وقطاعيا .

    خامسا: العمل على تطوير اتفاقيات السلام:

    عوامل كثيرة بعد عام 1999م أدت لاندفاع نظام الانقلابيين نحو التراجع أهمها: عزلته الفكرية والسياسية داخليا، واستنزافه عسكريا، وعزلته إقليميا ودوليا، وانقسامه على نفسه. لذلك قرر التراجع عبر اتفاقيات السلام من الداخل أولا ثم عبر اتفاقيات ثلاث هي اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م، واتفاقية أبوجا في مايو 2006م، واتفاقية أسمرا في أكتوبر 2006م.
    هذه الاتفاقيات قامت دون خطة إستراتيجية بل صفقات ثنائية فوقية بمباركة أجنبية حققت وقفا لإطلاق النار بين أطرافها وهذا من محاسنها. ولكنها كرست القسمة الحزبية الجهوية، وساهمت في تمزيق البلاد، ورهنت متابعتها وجدواها بالإرادة الدولية بل إن عوامل التدويل في الاتفاقيات راسخة بموجب قرارات لمجلس الأمن أغلبها تحت البند السابع وهي القرارات 1590ـ 1591ـ 1593ـ 1679ـ 1706.
    وعندما قيد المؤتمر الوطني نفسه بعوامل التشظي الكامنة في الاتفاقيات وعوامل التدويل القائمة فيها فإن حزب الأمة عمل على كشف عيوب هذه الاتفاقيات بوضوح وبموضوعية وقدّر إخفاقها في تحقيق مقاصدها واقترح وسائل ناجعة لنفي عيوبها وتحقيق السلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي الحقيقي. كافة تقديرات حزب الأمة حول هشاشة هذه الاتفاقيات تحققت وها هي الاتفاقيات تصير جزءا من الأزمة لا سبيلا لتجاوزها.
    كان للحزب مجهودات كبيرة للوصول لحل أزمة الجنوب منذ اندلاع الحرب في الستينيات كمعارض وكمشارك في حكومات ائتلافية. أما بالنسبة للحرب في دارفور، فقبيل اندلاع الاقتتال في دارفور دعا حزب الأمة العناصر القيادية الدارفورية من كافة الأحزاب السياسية لاجتماع في يونيو 2002م وخاطب رئيس الحزب الاجتماع بقوله إن ما يجري في دارفور ينذر بخطر كبير ويرى حزبنا أن نتفق على سياسة قومية لمواجهة الموقف أوضح معالمها. وقف ممثل المؤتمر الوطني من أبناء دارفور وقال: الأمور تحت السيطرة والمؤتمر الوطني قادر على حل المشاكل ولا حاجة للتهويل. رغم ذلك اتفق على تكوين هيئة قومية لمتابعة الموقف واقتراح الحلول.
    ومنذ أبريل 2003م حيث انفجرت أزمة دارفور بصورة حادة بفعل قوى سياسية مسلحة أعلنت أهدافا سياسية وقامت بأنشطة عسكرية عكف الحزب على دراسة الأزمة وتقديم مقترحات الحلول لها.
    وفي 8 ديسمبر 2003م وبعد دراسة للموقف من جميع جوانبه أصدر المكتب السياسي لحزب الأمة وثيقة بينت حقيقة ما يجري في دارفور وحللت المشاكل والأسباب التي أدت لانفجار الموقف بالصورة الحادة الحالية.
    طالبت الوثيقة الحكومة بإعلان وقف لإطلاق النار من جانب واحد لمدة ثلاثة أشهر وعقد مؤتمر قومي تشترك فيه كل القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية لعام 1986م، والحركة الشعبية، وجيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، ومنظمات المجتمع المدني المعنية، والزعامات القبلية، والشخصيات من أبناء وبنات الإقليم من الداخل والخارج المشهود لهم بتأهيل سياسي، واقتصادي، وأكاديمي..
    وفي نفس يوم الإعلان عن تلك الوثيقة (9 فبراير 2004م) أصدر السيد رئيس الجمهورية قرارا بتكوين لجنة سميت قومية وكلفت بدراسة الموقف وتقديم توصيات للدعوة لملتقى يصلح ما علق بالنسيج الاجتماعي في الإقليم والدعوة لمؤتمر قومي تنموي.
    صلاحيات هذه اللجنة تدل على محدوديتها وعضويتها تدل على عدم قوميتها. عددها الكلي 94 شخصا. من هؤلاء ثلاثة وسبعون (73) ينتمون للمؤتمر الوطني من بينهم واحد وعشرون (21) من حملة المناصب الدستورية وخمسة عشر (15) نائبا في المجلس الوطني ومن جملة أعضاء اللجنة عدد أبناء الإقليم سبعة وثلاثون "37". هذه اللجنة مجرد آلية استشارية للنظام ولذلك انصرف الحزب عنها وواصل جهوده للحل السلمي عبر الزيارات الميدانية فقد أرسل الحزب عددا من الوفود التي جابت الإقليم كان أبرزها زيارات على مستوى الرئاسة في 2004م و2006م للإقليم وإقامة ورش العمل والندوات والتشاور مع القوي السياسية الأخرى، وعندما تم التوقيع على اتفاقية أبوجا أعلن الحزب موقفه الرافض لها فيما عدا الجوانب الإجرائية مثل وقف إطلاق النار وتأمين عودة النازحين وتوفير الإغاثات لأن الاتفاقية ناقصة ولا يمكن أن تنجح في تحقيق سلام مستدام، وهذا ما ثبت عمليا.كما قدم حزب الأمة المشروع الوحيد القادر على نجدة أهل دارفور الذين يتطلعون لقوات فاعلة لمراقبة وقف إطلاق النار بين الفرقاء، ولحماية الإغاثات الإنسانية، ولحماية المدنيين، ولاحتواء الاقتتال بالوكالة عبر الحدود. قدم حزب الأمة مشروع الاستجابة لهذه المطالب والتحوط لنقل صلاحيات القوات الأفريقية لقوات دولية بإبلاغ مجلس الأمن لدى اجتماعه بالقوى السياسية في يوليو 2006 بضرورة ضبط مهام القوة الدولية زمانا ووظيفة، وضرورة تأكيد حيدتها بين أطراف النزاع، واستبعاد الدول ذات الأجندات الخاصة.

    سادسا: أطروحة حزب الأمة للحل:
    حزب الأمة هو الذي قدم خريطة طريق للسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي عبر ملتقى جامع على نمط الكوديسا في جنوب أفريقيا 1993. وهي الخطة التي يرجى أن يلتف حولها أهل السودان مخرجا للبلاد من أزماتها. ملتقى جامع مهامه:
    + تأكيد إيجابيات اتفاقيات السلام الثنائية وتطويرها لتصير اتفاقيات قومية.
    + كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة.
    + تكوين حكومة وحدة وطنية حقيقية.
    + إجراء انتخابات عامة حرة نزيهة.
    + إجراء استفتاء تقرير المصير للجنوب.

    سابعا: تطوير العلاقة بين الحزب وكيان الأنصار:

    تطورت العلاقة بين حزب الأمة الحزب السياسي الديمقراطي مفتوح العضوية لجميع السودانيين وبين هيئة شئون الأنصار التنظيم الدعوي الإسلامي المنطلق من الدعوة المهدية في السودان، تطورت عبر عدة مراحل حتى كونت هيئة شئون الأنصار في 1979م كما تم ذكره آنفا.
    كيان الأنصار وهو التوأم الديني لحزب الأمة هو الكيان التقليدي الوحيد بين كافة الكيانات الدينية والعشائرية الذي تخطى العلاقة الأبوية في القيادة وأسس القيادة على المشاركة والمساءلة والتحديث الذي يوفق بين الأصل والعصر حيث شكل مؤتمره الأول عام2002م قفزة في عمل الكيانات الدينية السودانية خاصة والإسلامية الجماهيرية على العموم.
    الهيئة الآن يجلس على قمتها مجلس الحل والعقد المنتخب إلى جانب الإمام المنتخب ويقوم بالعمل التنفيذي مكتب منتخب والتكوين مسئول لمجلس شورى ثم لمؤتمر عام يمثل القاعدة الأنصارية.
    هيئة شئون الأنصار ذات الجذور التاريخية العميقة تتمدد الآن في القطاعات الحديثة داخل السودان وخارجه وتعمل على تمدد واسع في الخدمات الاجتماعية الصحية، التعليمية والمائية ومؤسسات محاربة الفقر. وهيئة شئون الأنصار معنية بتطور الدعوة والإرشاد عبر مساجدها وخلاويها ومعاهدها وبتطوير الفكر الإسلامي عبر ورشات عمل فكرية، وعبر المرجعية الإسلامية المتجددة. والمؤتمر الإسلامي الجامع المزمع لإيجاد القواسم المشتركة الجامعة بين أهل القبلة.

    ثامنا: جماهيرية الحزب الآن:

    نجح الحزب في هزيمة الدعاية السلبية بحقه منذ زمان الاستعمار فكان موقفه الانتخابي متطور باستمرار في كل تجربة ديمقراطية عن سابقتها، وهو الآن ينتظر أن يكتسح الدوائر الريفية والمدن على حد سواء وأن يصبح الرقم السياسي الأول في الشارع في المدن السودانية وأن يواصل تمدده بين القوى السياسية العمالية والمهنية والطلابية –بدليل اكتساح انتخابات الجامعات النزيهة عبر التحالفات التي يقودها في التخطيط والتعبئة. هذا التطور والتقدم المستمر للحزب ينتظر أن ينيله ثقة الناخبين في أية انتخابات مقبلة إذا كانت حرة ونزيهة بحق.


    (2) شبهات تثار حول الحزب

    على طول تاريخه الحديث اتهم حزب الأمة زورا بكثير من التهم التي تحتاج للمخاطبة الموضوعية بعيدا عن التبرير، بل بتبيان الحقائق التي من حق الشعب السوداني أن يطلع عليها وفيما يلي أهم ما أثير حول الحزب من شبهات:

    شبهة الأسرية:

    ركز الطغاة دائما على اغتيال معنوي للحزب عبر تشويه قادته وقادة كيان الأنصار. وتعرض بعض القادة لحملات إعلامية أو مؤامرات أمنية متلاحقة للنيل منهم وبالتالي من حزب الأمة، ولا سيما الإمام عبد الرحمن المهدي على يدي الدعاية المصرية، والإمام الهادي المهدي على يدي نظام مايو المباد، والإمام الصادق المهدي على يدي نظامي مايو والإنقاذ وكلاهما حاول اغتياله معنويا بتحضير اتهامات محددة لمحاكمته فلم يفلحا في شيء سوى محاولات تلطيخ السمعة وأحاديث الافك. وقد كان من ضمن ما قذف به الحزب في تاريخه أنه ملك تتحكم فيه أسرة المهدي، وأخيرا أنه صار ملكا لأسرة رئيس الحزب الحالي وذلك في محاولة للنيل من عطاء أسرته المباشرة. إن الذين تولوا مسئوليات في الكيان السياسي والأنصاري من أسرة رئيس الحزب هم رجال ونساء أقدموا على العمل الوطني والديني في ظروف الشدة والتضحية ونالوا ما نالوا من مواقع بالانتخاب حسب الكفاءة والبلاء.
    رئاسة الحزب لا تقوم على أسس التوريث والسيد الصادق لم يرأس حزب الأمة وراثة لوالده ولم تكن رئاسته تلقائية ولم تكن بترشيح من أسرة المهدي بل الذي حدث فعلا هو أنه كان سكرتير الجبهة الوطنية التي كونتها الأحزاب في معارضة نظام 17نوفمبر1958م ونتيجة لدوره في التعبئة ضد نظام الفريق إبراهيم عبود ولمبادرته في تكوين التحالف بين الأحزاب وجبهة الهيئات ولكتابته ميثاق ثورة أكتوبر 1964م ولدوره في مفاوضات استلام السلطة من العسكريين للمدنيين رشحه كثير من الذين اجتمعوا لإعادة تكوين حزب الأمة في نوفمبر 1964م وكان اتجاه أغلبية قادة بيت المهدي هو اختيار السيد محمد أحمد محجوب رئيسا للحزب ولكن الاجتماع انتخب السيد الصادق رئيسا للحزب والأمير عبد الله نقد الله أمينا عاما.
    كثير من العاملين والعاملات بالعمل العام يواجهون مواقف فيها أبناءهم وبناتهم إما اتخذوا مواقف معادية للعمل العام أو معادية لمواقف ذويهم. هذه هي العيوب لأنها تدل على أنهم وجدوا اتجاه ذويهم غير مقنع وهم أقرب الناس إليهم. أما أن يكون موقف الأبناء والبنات عموما مؤيدا لموقف ذويهم وأن يقدم بعضهم للتضحية بفرصهم المتاحة لدعمهم فهذه تزكية توجب الإشادة لا الانتقاص. وإذا نالوا مواقع في ظروف الغرم والغنم فهذه أيضا تزكية وفي كافة الظروف المهم كيف نالوا مواقع هل بالبلاء والانتخاب أم بالمحسوبية والتعيين؟ أن ينالوا مواقع بالبلاء والانتخاب فهذه تزكية لا منقصة.
    أما رئيس حزب الأمة الحالي فهو الأكثر عطاءً فكريا وثقافيا ونضالا إذ سجن أكثر من 8 سنوات وصودرت أمواله مرتين وألف عشرات الكتب وتعرض لضراوة كل الطغاة الذين حكموا السودان رغم إرادة أهله. وكلهم عرض عليه المشاركة لدرجة المناصفة ولكنه امتنع على أساس أن المطلوب هو تحديد كيف يحكم السودان ديمقراطيا لا من يحكم السودان ونال اعترافا دوليا عبر:
    # أنه السوداني الوحيد الذي اختاره معهد الدراسات الموضوعية بنيودلهي (الهند) من بين مائة سموهم أهم قادة المسلمين في القرن العشرين.
    # أنه الوحيد بين زعماء العرب الذي اختير عضوا في نادي مدريد الجامع للرؤساء المنتخبين ديمقراطيا في السابق الذين التزموا بعفة اليد وكفالة حقوق الإنسان.
    # أنه الوحيد الذي اختير من بين رجال السياسة لعضوية المجلس القومي العربي للمياه.
    # أنه المدعو بانتظام بصورة فريدة للمشاركة في الأنشطة السياسية، والاقتصادية، والدينية، والثقافية، في الإطار العربي، والأفريقي، والإسلامي الدولي.
    وقد اتسمت مساهماته فيها جميعا بالاجتهاد والجدية وبعد النظر وفي هذا المجال كانت قراءاته للمستقبل صائبة بصورة فريدة، من ذلك:
    # أنه خاطب الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل لدى لقاء جدة لحل مسألة اليمن وجاء اتفاقهما مطابقا لخطابه ( 1965).
    # لدى غزو العراق خاطب الرئيس الأمريكي بوش بأنك سوف تنتصر عسكريا وتفشل سياسيا فلا تغزو العراق وها هم الأمريكيون يعترفون.
    # في كتابه "الديمقراطية في السودان راجحة عائدة" الذي نشر عام 1989م قال ما قال وها هي الديمقراطية ثبتت رجاحتها وتحتمت عودتها.
    # في كتابه تحديات التسعينيات 1989م قال إنه إذا لم تعالج مشاكل العالم التي حددها فإن السجال بين قوى الهيمنة والتطرف سوف يدخل العالم في عهد ظلامي. وهاهو ذا الحال يغني عن السؤال.
    #من قراءاته الصائبة موقفه من حرب الخليج الأولى حيث أصر على ضرورة الحياد بين الطرفين والسعي لإصلاح ذات البين، وحذر القادة العرب من تأييد العراق المطلق وبغض النظر عما قامت به من عدوان، وقال لهم إن العراق المعتدي إذا فرغ من إيران فسينقلب على حلفائه العرب أنفسهم، وقد كان بعدوانه على الكويت.
    # قدم على سبيل التجديد الديني وتطوير الخطاب الإسلامي عددا من المبادرات أهمها نداء المهتدين لأهل القبلة، ونداء الإيمانيين لأهل الأديان المختلفة، ونداء حوار الحضارات لكل عقلاء العالم. كما قدم المرجعية الإسلامية المتجددة لمعالجة أزمات الخطاب الإسلامي الراهن.

    شبهة انقلاب 17/نوفمبر/1958م:

    إن كثيرا من الناس ينسبون لحزب الأمة خطأ تدبير انقلاب 17/11/1958م. والحقيقة هي أن ذلك الانقلاب كان انقلابا على حزب الأمة قبل أن يكون انقلابا على القوى السياسية الأخرى. احتدم الخلاف داخل حزب الأمة بين تيار يقوده رئيس الحزب (السيد الصديق المهدي) وسكرتير عام الحزب (السيد عبد الله خليل). التيار الأول كان يرى فض الائتلاف مع حزب الشعب الديمقراطي، وعقد ائتلاف بديل مع الحزب الوطني الاتحادي، وانتخاب الزعيم إسماعيل الأزهري رئيسا للوزراء ضمن معادلة للإسراع بإجازة الدستور. الذي استقر في ذهن هذا التيار في حزب الأمة أن حزب الشعب الديمقراطي كان مراوغا وغير جاد في التزامه. وكان واضحا من توازن القوى داخل حزب الأمة وداخل هيئته البرلمانية أن الحزب متجه نحو هذا الخيار، ولكن رئيس الوزراء آنذاك قرر قطع الطريق أمام هذا الاحتمال وسلّم السلطة لقيادة القوات المسلحة ضمن اتفاق سياسي معهم على أن يرتبوا أوضاع البلاد ويضعوا لها دستورها وبعد ستة أشهر يعودوا إلى ثكناتهم. وكانت حجة رئيس الوزراء أن المناورات الحزبية بلغت درجة تفتح المجال للتدخل الأجنبي في الشأن السوداني ولا تسمح بوضع دستور البلاد الدائم. المهم أن أغلبية حزب الأمة الممثلة في التيار الذي كان يقوده الرئيس كانت رافضة للانقلاب وأول ضحاياه، فقد عرض رئيس الوزراء فكرة تسليم السلطة للقوات المسلحة مبررا بما رآه من أسباب، ووقف مجلس إدارة الحزب حينها بقوة ضد ذلك الإجراء حيث صوت ضده 12 عضوا مقابل ثلاثة أعضاء، فحادثة التسليم والتسلم جاءت ناقضة لقرار الحزب بالأغلبية، ومهما كانت مبررات رئيس الوزراء فإن ما قام به لا يمكن سحبه على الحزب مجملا.
    صحيح أن راعي الحزب الإمام عبد الرحمن المهدي أيد الانقلاب منذ قيامه بالاتفاق مع رئيس الوزراء، ولكن الحقيقة أن الإمام عبد الرحمن في عام 1958م كان مريضا وإلى حد كبير بعيد من متابعة التطورات السياسية، وكان حريصا جدا على إجازة الدستور ومدركا أن مناورات الأحزاب سوف تعرقل إجازة الدستور فقبل حجة رئيس الوزراء (السيد عبد الله خليل) بأن القوات المسلحة يمكن أن تسعف الوطن وتضع الدستور ثم تعود لثكناتها. وساعد على ذلك غياب رئيس الحزب (السيد الصديق المهدي) في الخارج. فأصدر بيانا رحب فيه بالانقلاب فقطع رئيس الحزب رحلته وعاد معلنا رفض الانقلاب وكانت تلك المرة الأولى في تاريخ العلاقة بين الوالد وابنه الذي كان مثالا للبر والطاعة له ولكنه في هذه المرة أعلن موقفا مغايرا واعتبر الانقلاب تعديا على حزب الأمة وعلى الديمقراطية.
    وفي ظرف وجيز تأكدت صحة قراءته للموقف وأعلن الإمام عبد الرحمن خيبة ظنه في الحركة قبل أن يتوفاه الله في مارس 1959م. وبعد فترة قصيرة أيضا أدرك السيد عبد الله خليل خطأه وأعلن ذلك و انضم للإمام الصديق في موقفه وصار نزيلا في السجون مع غيره من قيادات المعارضة لحكم عبود.

    شبهة عرقلة مبادرة السلام السودانية(اتفاقية الميرغني/ قرنق):

    تفاصيل موقف حزب الأمة من اتفاق الميرغني/ قرنق كانت كالآتي:
    ‌أ- عندما ناقشت حكومة الوفاق الوطني فوضى الاتصال بالحركة الشعبية والتفاوض الحزبي معها ناقش مجلس الوزراء هذه الظاهرة وكان اقتراح أعضاء الجبهة الإسلامية القومية في الوزارة اتخاذ قرار بوقف كافة الاتصالات بين الأحزاب السودانية والحركة الشعبية لمنع الهرولة نحوها في وقت كانت فيه الحرب الأهلية مستعرة. وكان رأي رئيس الوزراء أن توقف تلك الاتصالات باستثناء الحزب الاتحادي الديمقراطي وقد كان هذا فحوى قرار مجلس الوزراء.
    ‌ب- جرت المحادثات بين الحركة الشعبية والحزب الاتحادي الديمقراطي. ولم يحدث أن اتصل السيد محمد عثمان الميرغني هاتفيا برئيس الوزراء من أديس أبابا. ولكن الذي حدث هو أن السيدين سيد أحمد الحسين ومحمد توفيق (المرحوم) عرضا على رئيس الوزراء مسودة الاتفاق المزمع وأبدى ملاحظات بسيطة ولكنه وافق عليه.
    ‌ج- عندما تم التوقيع على المبادرة السودانية أي اتفاق الميرغني /قرنق في نوفمبر 1988م وقفت الجبهة الإسلامية القومية ضده بشدة. وانقسم الرأي داخل حزب الأمة وكان مبارك الفاضل وآخرين يرون معارضة الاتفاق ولكن رئيس الوزراء "السيد الصادق" قال: هذا الاتفاق في جوهره مقبول وأن معارضتنا له غير صحيحة لا سيما ونحن قد كنا أيدنا إعلان كوكادام الذي صدر في مارس 1986م ومبادرة الميرغني قرنق حسنت ما جاء في إعلان كوكادام فلا يمكن أن نعارضها، ونتيجة لهذا الموقف تغلب تيار تأييد المبادرة وأرسل حزب الأمة السيد علي حسن تاج الدين للمشاركة نيابة عنه مع آخرين في استقبال السيد محمد عثمان الميرغني لدى عودته.
    ‌د- تحفظ رئيس الوزراء الوحيد هو ضرورة أن نسعى لجعل الاتفاق الثنائي قوميا. وقال رئيس الوزراء للسيد محمد عثمان الميرغني دعني أعمل على إقناع المتحفظين داخل حزب الأمة والجبهة الإسلامية القومية قبل تقديم المبادرة السودانية للجمعية التأسيسية للتصويت عليها. وافق السيد محمد عثمان على هذا الرأي. ولكن بعض نواب الاتحادي الديمقراطي قرروا عدم الانتظار وقدموا الاتفاقية للجمعية التأسيسية رغم التزام السيد محمد عثمان بالإمهال بعض الوقت وكان الوسيط بين السيدين رئيس الوزراء ومحمد عثمان الميرغني هو السيد أحمد سعد عمر. وأثناء تداول الأمر في الجمعية التأسيسية التقى رئيس الوزراء بالسيد زين العابدين الهندي ليشرح له أهمية التريث ويعده بأن المسألة سوف تعالج ويجاز الاتفاق بالإجماع. ولكن الشريف زين العابدين قال لرئيس الوزراء هو لا يفهم إصرار جماعة النواب الاتحاديين الذين أصروا أن يقدموا الاتفاقية حتى إذا سقطت اللهم إلا أن يكون وراء ذلك جهة غير سودانية. كان واضحا في ذلك الوقت أن الاستخبارات المصرية تحيك المشاكل للديمقراطية الثالثة وقد ظهر هذا جليا في هذه المشكلة وفي مشكلة الإصرار على ترشيح د. أحمد السيد حمد ضد تفاهم رئيس الوزراء والسيد محمد عثمان الميرغني الذي فحواه أن المسائل التي توجب تصويتا مشتركا من الحزبين ينبغي ألا تقدم لتصويت إلا بعد أن تتفاهم عليها الهيئات البرلمانية. ولدى إصرار مقدمي الاتفاقية للجمعية على تقديمها كما هي دون السماح للآخرين بأي تأجيل أو تعديل كان رد فعل الهيئة البرلمانية لحزب الأمة التصويت ضدها لا رفضا لمحتواها ولكن رفضا لهذا الأسلوب التحكمي كما ظهر جليا في خطاب رئيس الوزراء للجمعية. بعد أن صوتت أغلبية النواب ضد المبادرة السودانية كان رأي رئيس الوزراء أن هذه خسارة استراتيجية أتت بها التكتيكات الخاطئة لذلك تحرك لإنقاذها واتصل بالسيد أحمد الميرغني أن يدعو الثلاثة السادة: محمد عثمان الميرغني، والسيد حسن الترابي، والسيد الصادق في القصر لتداول الأمر والاتفاق على إجازة المبادرة السودانية قوميا. وقد كان وأعلن السادة الثلاثة في بيان يناير 1989م اتفاقا مشتركا على إجازة المبادرة السودانية بعد أن أضافوا توضيحات معينة لتحقيق الإجماع وقد صدر البيان باسم السادة الثلاثة.
    ‌ه- اتفق رئيس الوزراء مع السيد ميرغني النصري عضو مجلس رأس الدولة لدعوة الأحزاب والنقابات لإبرام اتفاق قومي شامل حول القضايا القومية. وبعد تداول بين 29 حزب ونقابة اتفق على برنامج القصر الانتقالي الذي تضمن صيغة قومية لإجازة مبادرة الميرغني قرنق في مارس 1989م.

    شبهة تسليح القبائل العربية:

    اتهم حزب الأمة بأنه سلح القبائل العربية في دارفور وهذا باطل فنواب حزب الأمة من دارفور كانوا من العرب ومن غير القبائل العربية. وكان الحاكم الأول لدارفور من قبيلة البرتي د. عبد النبي على أحمد والحاكم الأخير كان د.التجاني سيسي من قبيلة الفور وكلاهما من قبائل غير عربية ولا يعقل أن يشرفا على تسليح قبائل ضد أهلهم.
    وقيل أنه سلح القبائل العربية في جنوب كردفان وهذا أيضاً افتراء باطل فالذي حدث هو أن الجيش الشعبي وفي بداية الفترة الانتقالية بعد ثورة رجب/أبريل المجيدة التي أعلنت وقف إطلاق النار من جانب واحد إبداء لحسن النية لوقف الاحتراب والاقتتال وبدلا من الاستجابة لذلك النداء أعلن الجيش الشعبي نقل عملياته لمنطقة العمليات رقم (2) وهي منطقة جنوب كردفان وقام بهجوم كاسح انتقائي على قرى عربيه عديدة أهمها الأزرق ، القردود ، الليرى غرب وشرق وكالوقي في حملة لطرد القبائل العربية من قراها وعليه اقترحت حكومة الفترة الانتقالية بعد زيارات ميدانيه للمنطقة فكرة تسليح جميع القبائل على خط التماس (عرب ونوبة) وبدون تمييز بينهم بغرض الدفاع عن النفس وذلك بواسطة نظارهم وسلاطينهم تحت إشراف القوات المسلحة والشرطة ولكن الفكرة لم تر النور للاعتراض عليها من القوى السياسية. أما في فترة الديمقراطية الثالثة تم تشكيل لجنة ثلاثية من أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية لوضع قانون بموجبه يتم تكوين قوة قومية للدفاع الشعبي تعمل تحت سيطرة القوات المسلحة لدعم المجهود الحربي وليس قوة موازية للقوات المسلحة ولكن لم يرى المشروع النور بسبب انقلاب 30يونيو1989.

    شبهة العنف:

    اتهم حزب الأمة بأنه حمل السلاح وروّع المواطنين: درج حزب الأمة على إعلاء الجهاد المدني ولفظ العنف في العمل السياسي منذ منشأه إبان عهد الاحتلال الثنائي.
    الحكم الثنائي كان يرى أن الخطر الوحيد عليه هو في اندلاع مقاومة من عناصر المهدية وقد كان يواجه -في العقدين الأولين- كل عام تحديا من هذا النوع تارة بقيادة ذات مرجعية مهدوية وتارة بادعاء العيسوية. وكان الاحتلال يقمع هذه التحديات ببطش مبالغ فيه. وإزاء هذه البيئة المعادية جدا اتخذ الإمام عبد الرحمن نهجا جديدا أكد أهمية الجهاد تربويا استعدادا للدفاع ولكن جعل الجهاد الهجومي مدنيا فأسس بذلك عقيدة الجهاد المدني التي صارت مبدأ ملزما للكيان الذي أسسه. مبدأ نبذ العنف والالتزام بالجهاد المدني في العمل العام، ولا لجوء للعنف إلا دفاعا عن النفس. على هذا الأساس يقاس تاريخ الأنصار وحزب الأمة.
    (حادثة العنف الوحيدة التي شهدتها معركة الاستقلال كانت أحداث مارس 1954م وفيما يلي تفاصيل ما حدث)
    تقرر افتتاح البرلمان السوداني رسميا في أول مارس 1954م وقررت الحركة الاستقلالية أن تقابل المدعوين للافتتاح في استقبالات شعبية كبيرة لتسمعهم صوت الاستقلال ولكيلا تكون المناسبة مجالا لدعاية منفردة للاتجاه الاتحادي. وكان اللواء محمد نجيب قادما لحضور الافتتاح وانتظم حشد شعبي استقلالي كبير لمقابلته في المطار. ولكن عندما وصل اللواء محمد نجيب قرر المشرفون علي خط سير موكبه تعديل خط السير وعدم المرور بمكان الاستقبال الشعبي. فقرر المشرفون علي الاستقبال الشعبي بقيادة الأمير عبد الله عبد الرحمن نقد الله إن يذهبوا في موكب إلى حيث يقيم اللواء محمد نجيب أي إلى القصر ليسمعوه صوتهم هناك ولكن سلطات الأمن منعت الموكب مواصلة سيره وأمرت الجمع بالتفرق فوقع صدام مؤسف اتسع حتى أدي لإبطال مناسبة افتتاح البرلمان نفسها. ودار جدل طويل حول هذه الحوادث ولكنها علي أي حال أكدت تصميم الاتجاه الاستقلالي ورفضه إن تكون نتيجة انتخابات 1953م التي فاز بها الاتحاديون جسرا مباشرا لضم السودان للسيادة المصرية. وأقيمت محاكمة لقادة الموكب فبرأتهم المحكمة من تدبير الأحداث وأدانت بعضهم بالشغب وعدم الامتثال للأوامر. ولعل شهادة اللواء محمد نجيب نفسه تفيد في هذا الصدد. كتب اللواء محمد نجيب في مذكراته التي نشرها انه يعتقد أن الاستقلاليين كانوا علي حق وأن مروره في مكان الاستقبال الشعبي كان كافيا لإرضاء الاستقلاليين وتمكينهم من إسماع صوتهم وان الإنجليز هم الذين غيروا خط سير موكبه استفزازا للاستقلاليين ليحدثوا هذا الصدام فيترتب عليه حدوث انهيار دستوري في السودان فتعود كل السلطات للحاكم العام مرة أخرى.
    والتزم الحزب في تاريخه اللاحق العمل السلمي ولفظ العنف ولم يلجأ لحمل السلاح إلا لدى إغلاق كافة وسائل العمل المدني إبان النظم الشمولية وتعرض المعارضين السياسيين للقهر والعسف. فنظام مايو استعان على كياننا بقوى خارجية هي المعسكر الشرقي في البداية ثم بدول ميثاق طرابلس وطبق عليه سياسة قمعية ظالمة. ونظام "الإنقاذ" استعان بقوى أهلية خارجية وطبق سياسة قمعية لذلك اتجه كياننا للعمل من الخارج وحمل السلاح في مراحل معينة بشرعية: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) والمعاملة بالمثل مبدأ شرعي وحيا وإنسانيا. ولكن حزب الأمة كان الأحرص على تلبية مبادرات المصالحة الوطنية المرتبطة بتحقيق المقاصد الوطنية فقاد في 1977م تلبية المصالحة مع نظام نميري مقابل التطور الديمقراطي وقاد 1999م تلبية "نداء الوطن" مع نظام الإنقاذ بخطة قومية ديمقراطية معينة.

    شبهة هضم حقوق المهاجرين والمجندين:

    إن العمل السلمي كان ولا زال أسلوب الحزب في التعامل مع الطغاة لتحقيق مطالب الشعب سلمياً فإن تعذر ذلك واصل أسلوبا آخر. لقد فصلنا أعلاه الأسباب التي دعت الحزب من قبل إلى حمل السلاح إبان العهدين الشموليين المايوي و"الإنقاذي". وفي المرتين استجاب الحزب لوساطات للحوار مع النظام الشمولي والاتفاق على مبادئ للحل السلمي والتحول الديمقراطي تمثلت في أسس المصالحة الوطنية في العهد المايوي، وبنود "نداء الوطن" مع "الإنقاذ" كما ذكرنا، ومن ضمن ذلك كان نبذ القهر والعنف المضاد وتسريح المجاهدين أو المجندين الذين حملوا السلاح ضد النظام الشمولي لتحرير البلاد من الاحتلال الداخلي.
    ومن المعلوم أن الحرب لا تضع أوزارها بشكل نهائي ويستتب السلم إلا إذا روعيت أحوال المحاربين السابقين واستوعبوا في المناشط المسلحة الرسمية أو المدنية بحسب حاجة البلاد ومقدراتها.. المشروع الذي صار يعرف في الأدبيات العالمية بالـ DDR أو "التسريح، وإعادة الدمج والتأهيل ".
    وفي الحالتين اتفق الحزب على برامج من هذا النوع، ولكن تنكر كل من النظامين الشموليين للاتفاقيات، ثم ثارت شبهات حول أحوال المجندين ومراعاة الحزب لمن قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن سواء أكانوا شهداء يجب أن تراعى أسرهم أو أحياء عائدين من الحرب.
    فإبان المصالحة الوطنية مع النظام المايوي، تم الاتفاق على أن يتم استيعاب القادرين في القوات النظامية، على أن تتم إعادة دمج البقية في برامج ومشروعات لاستيعابهم في مناشط زراعية، ولكن النظام تنكر لهذه الاتفاقيات جملة، وهضمت حقوق المهاجرين المتفق على استيفائها، وتحدث البعض عن إهمال الحزب للمهاجرين من جهة، وتحدث آخرون عن أن الحزب يستغلهم كمليشيات لتحقيق أهدافه السياسية بالقوة. والحقيقة هي أن هضم حقوق المهاجرين كان بسبب تنكر المايويين لوعودهم، وقد سعت الحكومة الديمقراطية التي قاد الحزب ائتلافاتها إلى تحقيق برامج إعادة الدمج فتحول المهاجرون إلى مؤسسة شبيهة بالجمعيات التعاونية وسلمت هذه المؤسسة آلاف القطع السكنية في المدن، ونحو 50 ألف فدان من أراضي زراعية لعمل "كميونات" جديدة في مناطق مختلفة تعمل بالزراعة الآلية بالسودان. هذه المشروعات لم تعمل كلها بالكفاءة المطلوبة وقد لحقها ما لحق بمثيلاتها من مشاريع الجمعيات التعاونية من مشاكل، وفي نهاية الأمر نزع الجزء الأكبر منها لعدم تعميرها من قبل مستلميها من المهاجرين، وبقي حوالي ربعها الآن تحت إدارة المهاجرين.
    أما مسألة المليشيات هذه فقد اتضحت جليا حينما قام انقلاب يونيو 1989م ولم يفلح مهما حاول أن يلصق بالحزب من تهم أن يثبت وجود قوة مسلحة تابعة للحزب تعمل بالتوازي مع القوى النظامية المسلحة، وكان الترويج لهذا المفهوم مما قامت به صحف الجبهة القومية الإسلامية التي نفذت الانقلاب.
    أما في العهد الحالي، فإن الحزب حمل السلاح وكون جيش الأمة للتحرير الذي كانت نواته من بعض المهاجرين السابقين. ومن جديد فإن مسألة حقوق المسرحين من جيش الأمة للتحرير صارت إحدى الشبهات التي تثور في الإعلام من حين لآخر.
    كان الحزب قد وقع "نداء الوطن" مع نظام الإنقاذ في 25 نوفمبر 1999م، وقرر وقف العمل العسكري بناء على ذلك، والعودة للعمل من الداخل لتوسيع هامش الديمقراطية الذي تحقق بمجهودات العمل السياسي والدبلوماسي والعسكري وصولا للتحول الديمقراطي الكامل وتحقيق السلام العادل والشامل.
    رأى الحزب أن تسريح جيش الأمة للتحرير ينبغي أن يتم وفق أسس متفق عليها مع النظام لخطط إعادة الدمج والتأهيل، وأخرى داخلية تراعي عطاء المهاجرين والمجندين في الحزب وهيئة شئون الأنصار، فتتم تزكيتهم بأن يطلق عليهم صفة "سيوف النصر"، ويكون ذلك أساسا لتزكيتهم وترشيحهم في المهام التشريعية والإدارية والتنفيذية وفي الترشيح للمهام في المؤسسات السياسية والأنصارية.
    اتفق الحزب مع النظام على أن يستوعب عدد من كوادر جيش الأمة للتحرير سابقا في الشرطة والقوات المسلحة وغيرها من القوات النظامية، وأن يتم تسريح البقية وذلك بصرف مبالغ معينة للمسرحين للعودة لديارهم، على أن يتم استيعابهم في المجتمع في المناشط المختلفة. فخاطبت قيادة الجيش المجندين السابقين وخيرتهم بين الاستمرار تحت قيادتها للاستيعاب لاحقا في القوى النظامية المختلفة، وبين استلام المبالغ وإخلاء الطرف ثم إعادة الدمج في المجتمع.
    أما بالنسبة لأولئك الذين اختاروا الاستمرار تحت قيادة الجيش المنحل لاستيعابهم لاحقا في قوات الشرطة والجيش وغيرهما فإن الحزب رأى أن يعطوا حقوق التمثيل داخل مؤسساته المختلفة تقديرا لدورهم، حتى ثارت مشاكل عديدة حول طريقة تمثيلهم وضبط ذلك التمثيل بأسس معينة. ولم يتم استيعابهم في القوى النظامية بعد، ذلك لأن النظام ربط بين تحقيق كافة تعهداته مع الحزب وبين مشاركة الحزب الانخراطية في الحكم وبدون تحقيق شروط الحزب التي خطها قراره الشهير في 18 فبراير 2001م، والقرار كان ألا يشارك الحزب إلا في إطار قومي حقيقي أو بعد إجراء انتخابات عامة وحرة ونزيهة.
    وبالنسبة للمسرحين الراغبين في إعادة الدمج بالمجتمع، قامت قيادة الجيش بتنظيم تسريحهم وحصلت على إقرارات موقعة من المسرّحين يشهدون فيها بأنهم انضموا للجيش بناء على رغبتهم وأنهم رغبوا في ترك العمل العسكري وإخلاء طرفهم وارتباطهم بالجيش وأنهم تقاضوا كل المبالغ المستحقة المتفق عليها كمكافأة ولم يتبق لهم أية مستحقات، مع التعهد بعدم المطالبة بأي أشياء لاحقا. وهذه الوثائق بحوزة قيادة الجيش الآن.
    وبالرغم من ذلك فإن مسألة حقوق المنتسبين للجيش سابقا ثارت في الإعلام من وقت لآخر، وطالب بعض أولئك بحقوق وتحدثوا عن مبالغ صرفها الحزب باسمهم، وكل ما قيل عن هذا هو محض اختلاق. فالنظام قرر أن يعاقب الحزب على عدم المشاركة الانخراطية عبر عدة إجراءات منها تعطيل صرف تعويضاته المستحقة عن الممتلكات التي نهبت منه لدى قيام الانقلاب، وعدم إرجاع بقية دوره المصادرة في المدن المختلفة، والتضييق عليه إعلاميا.. ومن أهم هذه الإجراءات الضغط على القيادات والكوادر العاملة اقتصاديا، بل إن النظام ليحكم الحصار الاقتصادي على قادة الحزب وكوادره أوقف عملية تعويضات أم دوم وهي من مستحقات دائرة المهدي وورثتها، بالرغم من إقرار ديوان الحسبة والمظالم بحق الورثة في التعويضات وضرورة صرفها لهم. عطل النظام هذه القضية الحقوقية الظاهرة وهضم حقوق ورثة دائرة المهدي وهم متفرقون سياسيا وبعضهم موالٍ للنظام، كل ذلك للتضييق اقتصاديا على رئيس الحزب شخصيا. وكل هذه الإجراءات لا يمكن معها تصور أن يصرف النظام فلسا واحدا على المسرّحين من جيش الأمة للتحرير سابقا.
    إن مسألة حقوق المسرحين من الجيش نفسها من خلق عناصر داخل النظام تتخذهم كورقة ضغط على الحزب مستقلة حاجة المسرحين الماسة وقد ووجهوا بالتضييق حيثما حلوا، حيث عملت جهات داخل النظام على نشر معلومات مضللة حول المسألة وتلقفتها بعض الأنفس صاحبة الحاجة وصاحب الحاجة أرعن.
    والحقيقة هي أن وضع المسرحين يحتاج لمراعاة، ولا يمكن الاكتفاء بالمبالغ التي سلمت لهم، بل يجب أن يتبع ذلك مشاريع لإعادة التأهيل وإعادة الدمج في المجتمع، ولكن هذه هي مهمة الدولة وينبغي أن تكون مهمة مقدسة في إطار عملية بناء السلام، وقد ظل الحزب ينبه لها باستمرار ولكن لا حياة لمن تنادي.


    (3) سمات حزب الأمة

    والحقيقة أن سجل حزب الأمة السياسي في التاريخ الحديث اتسم بالآتي:
    أولاً: النهج القومي:
    والنهج القومي سمة واضحة في كل المبادرات والبرامج التي طرحها الحزب، ففي كل مبادراته وأطروحاته السياسية كان الحزب حريصا على لم الشمل الوطني دون إقصاء أو تهميش لأي من القوى الوطنية .
    ثانياً: السياسة تجاه الجنوب:
    ) الوعي المبكر والمبادرة بالحلول (
    لقد كان وعي الحزب بطبيعة مشكلة الجنوب مبكرا بالنسبة لغيره من الفصائل الشمالية، وكان مبادرا باقتراح الحلول لتجاوزها، يظهر ذلك في:
    - تبيين طبيعة المشكلة: أصدر رئيس الحزب في أبريل 1964م كتيبا بعنوان "مسألة جنوب السودان" نبه فيه لأن طبيعة القضية سياسية وثقافية وتنموية واجتماعية، وليست أمنية عسكرية كما يتم التعامل معها.
    - العمل على مد جسور الثقة وبناء العلاقات مع القوى الجنوبية. كان هذا واضحا منذ تكوين الجبهة الاستقلالية وحتى يومنا هذا.
    - المبادرة والمشاركة الفعالة في مؤتمر المائدة المستديرة في 1965م ولجنة الاثني عشر ومؤتمر جميع الأحزاب السودانية 1966م التي انبنت عليها اتفاقية أديس أبابا.
    - تكوين مؤتمر القوى الجديدة مع حزب سانو بقيادة الراحل وليم دينق.
    - التحاور والتفاهم مع الحركة الشعبية في الفترة الانتقالية بعد سقوط نظام مايو والتوصل لاتفاق كوكادام بالمشاركة مع بعض القوى السياسية الأخرى في مارس 1986م. كان حزب الأمة هو الحزب الكبير الوحيد الموقع على تلك الاتفاقية.
    - الدعوة في البرنامج الانتخابي لعام 1986م لعقد مؤتمر قومي دستوري ليفصل في أسباب المشكلة الحقيقية والتي حددها البرنامج بـ: العلاقة بين المركز والإقليم، التنمية المتوازنة والتوازن الجهوي، المشاركة العادلة في كل مجالات الحياة العامة، التوفيق بين تطلعات المسلمين وحقوق المواطنة الكاملة لغير المسلمين، الهوية السودانية، مراعاة حقوق الأقاليم في الثروة الطبيعية التي توجد داخل مناطقها.
    - مواصلة الحوار مع الحركة الشعبية في فترة الديمقراطية الثالثة وتبني مبادرة السلام السودانية.
    - الدعوة لمؤتمر جامع للأحزاب والنقابات برئاسة السيد ميرغني النصري في فبراير 1989م نجح في الاتفاق على برنامج وطني مرحلي وقع عليه 29 حزبا ونقابة مهد الطريق للاتفاق على اجتماع 4 يوليو 1989م مع الحركة الشعبية للتحضير للمؤتمر القومي الدستوري في 18 سبتمبر 1989م المقترح له الأجندة التالية: الدين والدولة- الهوية السودانية- توزيع الثروة- المشاركة السياسية.
    - الاجتماع والمؤتمر اللذان أجهضهما انقلاب يونيو 1989م.
    - الاتصال بالحركة الشعبية بعد انقلاب "الإنقاذ" والتوقيع معها على اتفاق في فبراير 1990م. أقر مبدأ العمل المشترك تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي.
    - إصدار " نحو سلام عادل" في أغسطس 1992م وهي خطة للسلام في السودان دعت للالتزام بحقوق المواطن السوداني والالتزام بحقوق الإنسان الأساسية.
    - الاتفاق مع الحركة الشعبية في نيروبي على أسس تبناها مؤتمر نيروبي في أبريل 1993م وهي: أن تكون وثائق حقوق الإنسان الإقليمية والعالمية جزء لا يتجزأ من دستور السودان- تكفل قوانين البلاد مساواة المواطنين التامة واحترام المعتقدات والتقاليد بلا تمييز على أساس الدين أو العرف أو النوع أو الثقافة.
    - إقرار حق تقرير المصير لأهل الجنوب: حينما أدرك حزب الأمة أن سياسات نظام الجبهة قد نفرت الرأي العام السياسي في الجنوب لدرجة لا يمكن معها ضمان استمرار علاقة الشمال والجنوب على أساس الوحدة، بل ينبغي تأسيس الوحدة على أساس طوعي يجدد عهد التراضي الوطني والثقة. يتضح ذلك في المذكرة التي كتبها حزب الأمة في الداخل بعد مشاورات مع القوى الجنوبية وفي صفوفه، ثم أرسلها لجناحه في الخارج حيث صادق عليها وأصدرها بتاريخ نوفمبر 1993م. أقرت تلك المذكرة حق تقرير المصير وبينت الشروط والظروف المناسبة لإجراء الاستفتاء.
    - التوقيع على اتفاقية شقدوم في ديسمبر 94 بين حزب الأمة والحركة الشعبية.
    - لعب الدور الأساسي في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في يونيو 1995م والذي تأسست مقرراته على الاتفاقيات المفصلة أعلاه مع الحركة الشعبية. وعلى "البيان الديمقراطي"، وهي وثيقة أرسلها حزب الأمة بالداخل لممثليه في الخارج في 1994م، وتأسست عليها أكثرية قرارات أسمرا 1995م.
    ثالثاً: التمسك بالديمقراطية:
    التمسك بالديمقراطية كنظام لحكم البلاد والعمل على تطوير أدواتها، والمبادرة بطرح الصيغ المناسبة لواقع البلاد. ويظهر ذلك في برامجه وأطروحاته المتجددة المنتهية بطرح الديمقراطية المستدامة الملائمة للواقع الاجتماعي السوداني والمتجنبة لسلبيات ممارسة الديمقراطية المعيارية السابقة. ويظهر في مواقفه الرافضة للمشاركة في الأنظمة الشمولية بمختلف عروضها في مختلف عهودها وفي المواجهة لكل الديكتاتوريات التي تحكمت في البلاد.
    ففي عهد مايو عرض النميري على رئيس الحزب أن يكون نائبا له وأن يحصل على ما يشاء من المناصب والحقب الوزارية لجماعته على أن ينخرط في النظام المايوي كما هو ولكن الحزب رفض هذا العرض وأبى التعامل مع النظام المايوي أو مشاركته إلا في إطار للتحول الديمقراطي. وقد وصف النميري هذه الحالة بطريقته الخاصة حينما قال: (الصادق المهدي له طموحات كبيرة ويريد أن يكون هو الوريث الوحيد للسودان. وأنا قلت له إذا كنت تريد أن تكون حاكما قوميا تعال تعاون معي وأنا أعلمك. أنا لا أريدها وقد عرضت عليه أرفع المناصب ، وفتحت له باب المساهمة في العمل العام على مصراعيه ولكنه آثر أن يعيش بعقلية الماضي.) (في لقاء أجراه فهمي هويدي ونشر في الوطن المصرية في 16/ 12/1984م).
    وفي عهد الإنقاذ أيضا عرض الدكتور حسن الترابي على رئيس الحزب عرضا شبيها وذلك باقتسام السلطة مناصفة بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة على أن يدعم الأخير النظام ويكون جزءا منه، وقد تكرر الرفض المبدئي للحزب بأننا لسنا طلاب سلطة ولا نأبه بمن يحكم السودان ولكن كيف يُحكم السودان؟!.
    رابعاً: التطور المستمر في المؤسسية والديمقراطية:
    الذي جعله أكثر الأحزاب حرصا على عقد المؤتمرات، وبرغم قصر الفترات التي سمح فيها للأحزاب بالعمل الديمقراطي الحر في السودان والتي يبلغ مجملها إحدى عشر عاما من أصل خمسين منذ الاستقلال، أو سمح فيها بالعمل العلني برغم وجود النظام الديكتاتوري وآليات قهره كما جرى في عهد "الإنقاذ" منذ عام 2000م، فإن الحزب قد عقد ستة مؤتمرات في 1945م، 1949م، 1964، 1965، 1986 و 2003م. كل هذه المؤتمرات شكلت عتبات في التطور الحزبي واحتوت على حوارات حقيقية وتدافع صحي بين تيارات الحزب كما احتوت على إضافات دستورية وبرامجية ملحوظة شكلت أساس التطور. لقد بدأ الحزب ديمقراطيا انتخابيا بين النخب القيادية، وتطور حتى صار في مؤتمره الأخير ديمقراطيا انتخابيا من القمة للقاعدة حيث عقد تحضيرا للمؤتمر العام السادس 4700 مؤتمرا قاعديا وقطاعيا.
    خامساً: الاهتمام بالدراسات والبحوث وشواهد ذلك:
    • أنه أكثر الأحزاب السودانية قاطبة تنظيما لورش العمل الفكرية القطاعية والتنظيمية حتى بلغ عددها الآن منذ استئناف النشاط العلني ثلاثين ورشة.
    • أنه أكثر الأحزاب حضورا للمؤتمرات المتخصصة في المجالات المختلفة داخل السودان وخارجه.
    سادسا: الاهتمام بالإعلام وشواهد ذلك:
    • أنه أكثر الأحزاب السياسية انفتاحا على الصحافة عبر عقد مؤتمرات صحافية منتظمة ـ عبر لقاء الصحافة والسياسة الذي يجمع رئيس الحزب وقادة الرأي في الصحف السودانية ـ وعبر اللقاءات الصحافية التي تعقدها قياداته ـ وعبر المقالات التي يشارك في كتابتها العديد من كوادر الحزب القيادية.
    • أنه أكثر الأحزاب تنظيما للندوات الدورية والجولات الإقليمية التي غطت أقاليم السودان.
    سابعا: أنه الحزب الكبير الوحيد الذي اهتم بالتطلعات للتجديد والمشاركة النوعية، والشبابية، والتواصل العمري وأدخل هذه المشاركات في دستوره ولوائحه.
    ثامنا: النزاهة المالية والاستقامة الوطنية:
    اتسم المسئولون الممثلون لحزب الأمة على الصعيد الرسمي دائما بعفة اليد واللسان والوطنية فلم يجر اتهامهم بفساد مالي أو إداري أو تفريط في السيادة الوطنية.
    تاسعا:الالتزام بحقوق الإنسان والحريات العامة:
    ولم يتعد الحزب عليها أبدا. كما التزم بقومية القوات المسلحة، وحيدة الخدمة المدنية، واستقلال القضاء.
    عاشرا: الاستقلالية وعدم الارتهان للأجنبي:
    بعض الأحزاب السودانية شكلت صدى لدعوات خارجية، وبعضها كان جزءا من تنظيمات نشأت بالخارج، وبعضها ربط سياسته بهذه الدولة أو تلك خاصة في فترات النظم الشمولية التي يستحيل معها العمل بالداخل وتلجأ فيها الأحزاب للعمل المعارض من خارج الحدود حيث تعمل الدول التي تستضيفها على استخدامها كورقة ضغط لتحقيق أجندتها في العلاقة مع نظام الخرطوم. حزب الأمة جرب العمل الخارجي والعمل المسلح باستضافة أجنبية، ولكنه لم يسمح أبدا لأية دولة أن تفرض عليه أجندتها أو تحرفه عن خطه الوطني لقاء ذلك، وكان دائما فاتح القلب والذهن للقضية الوطنية بدون أخذ البعد الأجنبي في الحسبان. لذلك استجاب لدعوة المصالحة الوطنية في 1977م ودفع ثمن ذلك في معاملة ليبيا له، واستجاب لنداء الوطن في 1999م ودفع ثمنا كذلك لا سيما معاملة إرتريا له.
    حادي عشر: المبادرات وقيادة الأفكار في الساحة السياسية:
    الأفكار الأساسية في الساحة السياسية السودانية جاءت من حزب الأمة ويمكن إجمال أهم هذه الأفكار في التالي:
    * فكرة استقلال السودان:
    كان الحزب هو أول من رفع شعار: السودان للسودانيين وقاد به التعبئة نحو الاستقلال فضم إليه ضمن الجبهة الاستقلالية جماعات وأفراد آخرين.
    * قيادة التصدي للشمولية:
    وإبان حكومة 17 نوفمبر قاد الحزب عبر مذكرات رئيسه السيد الصديق المهدي الحركة السياسية السودانية بمخاطبة النظام العسكري للتنحي عن الحكم وتكوين حكومة قومية وانتخابات حرة ليختار الشعب حكامه المدنيين وكانت رؤى القوى السياسية تصاغ وتخرج من بيت الأمة (قبة الإمام المهدي)، وبعد وفاة الإمام الصديق المهدي اختارت الجبهة الوطنية الموحدة لمعارضة نظام عبود الإمام الهادي رئيسا لها في مكان أخيه الراحل، والسيد الصادق المهدي أمينا عاما لها.
    وقد كتب السيد الصادق في أبريل 1964م "مسألة جنوب السودان" لافتا النظر للأبعاد السياسية والثقافية والتنموية للحرب الأهلية، كما قاد المعارضة للنظام عشية ثورة أكتوبر 1964م وصاغ مسودة ميثاق أكتوبر الذي وقعت عليه القوى السياسية وجبهة الهيئات. وبعد الانقلاب المايوي تخندقت القوى السياسية المعارضة للنظام تحت جناح الأنصار وحزب الأمة بالجزيرة أبا مع الإمام الهادي المهدي رافضين لشعارات النظام الحزبية اليسارية الصارخة، كما قاد الحزب تنظيم الجبهة الوطنية لمعارضة النظام، وكان من جديد مصدر مسودة ميثاق الانتفاضة في أبريل 1985م. واستمر الحزب يعلن المبادرات في الساحة بعد قيام انقلاب "الإنقاذ" فكان مؤسسا في التجمع الوطني الديمقراطي ومبادرا في ضم الحركة الشعبية له، ومبادرا في تكوين لبنات السلام في الجنوب على النحو المذكور آنفا، وكذلك في تصحيح اتفاقية السلام وتمليكها للشعب السوداني حيث قاد مبادرات: التعاهد الوطني (ديسمبر 2002م) والطريق الثالث (2003م)، ومبادرا في سلام دارفور حيث قاد عدة مبادرات منها مبادرة دارفور (يونيو 2002م) وميثاق التحالف (2005م؟)، وغير ذلك.
    * فكرة رفض التشويه الإسلامي وكشف التلاعب بالدين:
    حزب الأمة هو الذي كشف عيوب التجربة الإسلاموية التي خاضها نظام جعفر نميري عام 1983م ووقف ضد الانسياق العاطفي الأبله الذي صحب ذلك الشعار ووضع أساسا محددا للتعامل مع قضية تطبيق الشريعة وأولوياتها، واعتقل قادته بذلك السبب لأكثر من عام، كما كتب رئيس الحزب حول ذلك التشويه كتابي "النظام السوداني وتجربته الإسلامية" و"العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي"، وقد قاد مكتب الحزب بلندن حركة دبلوماسية وإعلامية مكثفة من الخارج عرت تلك التجربة وأوقفتها على غير ساق، وحزب الأمة هو الذي كشف عيوب التجربة الإسلاموية التي رزأ نظام الإنقاذ بها السودان بعد انقلاب 30يونيو 1989م وقام بصياغة الموجهات الفكرية الإسلامية للتشويه الإسلامي الثاني وفنده في خطب عديدة ألقاها رئيس الحزب، وعبر كتابات صادرة عن لجان حزبية وأوراق صادرة عن قيادات الحزب وزعت على أوسع نطاق، ومن جديد لعبت مكاتب الحزب الخارجية في لندن وأسمرا وجنيف وواشنطن دورا كبيرا في عزلة النظام الإعلامية وتعرية تجربته الإسلامية.
    وأدبيات هيئة شئون الأنصار عبرت عن ضمير الأمة في نفى التشويه الذي لحق بالإسلام.
    * تأسيس منهج الحوار مع الرأي الآخر والانفراد به كأسلوب للنهج القومي مثلا:) الحوار مع التنظيمات الإسلامية الحديثة، الحوار مع الشيوعيين والبعثيين..الخ.(
    * فكرة أقلمة الديمقراطية بما ينظم ممارسة الحريات الأساسية، ويضبط القوات المسلحة ويحقق التوازن في ظل الديمقراطية.
    كانت كافة اللبنات المؤسسة لاتفاقية السلام بمبادرة من حزب الأمة تفاصليها
    * اعتماد المواطنة أساسا للحقوق والواجبات الدستورية والاتفاق على ذلك في إعلان نيروبي 1993م مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.
    * قيادة الاعتراف الشمالي بتقرير المصير للجنوب على أسس وطنية مما أتاح تضمين تقرير المصير في اتفاقية السلام.
    * الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية في البلاد والاعتذار عن الاستعلاء الثقافي الذي مارسه بعض أهل الشمال.
    * الاعتراف باللامركزية الإقليمية ثم الفدرالية.
    ثاني عشر:الفكرويات التي شدت إليها السودانيين كثيرة. أهمها:
    ‌أ. الإسلاموية.
    ‌ب. العروبية.
    ‌ج. الأفريقانية.
    ‌د. الاشتراكية.
    ‌ه. العلمانية.
    إن لحزب الأمة نهجا فكريا واضحا هضم إيجابيات ما في هذه التوجهات وتخلص من سلبياتها بصورة تجعل نهجه نسيجا فكريا بديلا مؤهلا لمخاطبة الذين شدتهم هذه الفكرويات على مستوى أعلى من الإحاطة:
    ‌أ. إن طرد الدين من الحياة ومن السياسة ومن الدولة مستحيل. والصحيح هو استنارة دينية مؤصلة قابلة لحرية الأديان الأخرى، وللمساواة في المواطنة، ولحرية البحث العلمي، ولحقوق الإنسان وهي كلها مكفولة بالفهم الصحيح للإسلام.
    ‌ب. الفهم المشرقي للعروبة فيه أصداء عنصرية بينما الفهم الصحيح الذي ننادي به للعروبة أنها انتماء ثقافي على حد مقولة النبي صلى الله عليه وسلم:(من تكلم العربية فهو عربي). فهم تعززه حقيقة أن أبا العرب إسماعيل عبريٍ وأمه هاجر مصرية وفي رواية نوبية.
    ‌ج. هنالك فهم لدى كثير من دعاة الأفريقانية يحصرها في انتماء إثني وهو فهم خاطئ فالأفريقانية مفهوم جيوسياسي يشمل كافة سكان القارة وبهذا الفهم فإن السودان هو أفريقيا مصغرة. دعوتنا الأفريقانية مفهوم جيوسياسي قاري.
    ‌د. الفهم الماركسي للاشتراكية اختزل الإنسان في المادة، والانتماء في الطبقة، وحركة التطور في الثورة، وهي مفاهيم ناقصة ولكننا نستصحب الاشتراكية بفهم الاعتراف بأهمية المادة في الحياة وأهمية العدل الاجتماعي في العلاقات الإنسانية.
    ‌ه. العلمانية اشتقاق على غير قياس من عالم وهي أشبه ما تكون بالدهرية أي أنها لا تعطي قيمة إلا لمكونات عالم الشهادة. مما يسقط الروحانيات والمعارف فوق الحسية والمرجعية الأخلاقية. أما الجانب المدني من العلمانية أي التعايش الديني، والمساواة في حقوق المواطنة أمر مطلوب.
    لقد كان حزب الأمة باستمرار منفتحا لحوار مع هذه المدارس الفكرية وكان ولا يزال متمسكا بالجوانب المضيئة منها رافضا للجوانب المظلمة.

    ثالث عشر: الكتابة والتوثيق:
    يسجل الحزب آراءه في مذكرات وبيانات وأوراق عمل يقود بها المبادرات المختلفة ويخاطب بها القوى السياسية الداخلية والقوى الإقليمية والدولية بشكل مستمر، كما يعقد الاتفاقيات ويبرم المواثيق الثنائية والقومية بهدف التأكيد على الأجندة الوطنية وبلورتها. وللحزب سجل زاخر في مجال توثيق أدبياته المذكورة والتي تجمعه بالآخرين، وقد تمثل ذلك في العديد من الأدبيات التي يصدرها الحزب أو تصدرها قياداته. ككتاب: السودان للسودانيين للسيد عبد الرحمن علي طه والذي شكل توثيقا للحركة الاستقلالية ونشاطاتها المختلفة، وكتاب: جهاد في سبيل الديمقراطية، الذي جمع كافة المذكرات والتطورات إبان قيادة الحزب لمعارضة نظام عبود حتى وفاة الإمام الصديق المهدي، وكتاب: الانشقاق في حزب الأمة بالوثائق والذي جمع الوثائق المتعلقة بقضية انشقاق الحزب في ستينيات القرن العشرين، وكتاب (الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة) لرئيس الحزب الحالي والذي شكل سجلا لأداء الحزب في فترة الديمقراطية الثالثة، وكتاب: أدبيات الحل السياسي الشامل (2002م) والذي أصدرته لجنة كونها الحزب لجمع كافة أدبيات الحزب منذ قيام انقلاب الإنقاذ وحتى 2002م.

    رابع عشر: مشاركة المرأة:
    التفت حزب الأمة –كحزب جماهيري- لقضية المرأة في وقت أبكر من رصفائه. واتخذ نظام الكوتة في تمثيل النساء حيث أفرد لها نسبة 10% كحد أدنى في كافة الهياكل والأجهزة القيادية والقاعدية في دستور عام 1986م، أما في مؤتمر عام 2003م فقد قفزت هذه النسبة لتصير 20% كحد أدنى لذلك التمثيل، كما طوّر الحزب شكل مشاركة النساء داخله من فكرة (أمانة المرأة) التي تجعل للنساء غرفة منفصلة داخل البناء الحزبي إلى فكرة قطاع (تنمية المرأة) التي تقوم على فكرة جهاز تنموي يعمل بداخله الرجال والنساء للرقي بالمرأة وحمل الأجندة النسوية على أن تضمن مشاركة للنساء لا تقل عن الخمس في كافة الأجهزة القيادية كما ورد آنفا.
    خامس عشر: أقلمة العمل السياسي الحزبي:
    يبدأ الحزب معترفا بسمات التخلف في واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي وينطلق به للإصلاح تدرجا فمحاولات القفز فوق الواقع تأتي بنتائج عكسية
    سادس عشر: الإبداعية:
    تتميز أطروحات الحزب وعمليات التطور داخله بمراعاة متطلبات الأصل والعصر معا بما يشكل طريقا إبداعيا يبتعد عن الانكفاء على التراث أو الاستلاب للوافد من الخارج.

    سابع عشر: الدعوة للتنمية المستدامة والمتوازنة:
    الاهتمام بالتوازن وبالمستقبل ميز أحزاب الخضر التي تضم نخبا صغيرة في العالم الخارجي في الغالب، ولكن حزب الأمة برغم كونه حزبا جماهيريا كبيرا إلا أنه اهتم بشعار التنمية المستدامة وتحسين الخدمات والاستغلال المتوازن للموارد ومراعاة البيئة الطبيعية والاهتمام بالبعد الثقافي للتنمية وبالتوازن الجهوي في خطط التنمية.
    ثامن عشر: حزب الثقافة السودانية:
    حزب الأمة نابع من البيئة والتاريخ السودانيين وقد نشأ بدون أي ارتباط خارجي أيديولوجي أو تنظيمي أو مالي، ولهذا السبب كان الحزب مفرخا للكوادر المهتمة بالتأصيل للثقافة السودانية والعاملة في حقولها الباحثة عن الذاتية السودانية البانية للقومية السودانية بشكل تأسيسي. ولذلك نجد أن الثقافة السودانية قامت في مناحيها المختلفة على كوادر الحركة الاستقلالية التي كان يقودها حزب الأمة، ففي مجال التعليم الأهلي وتعليم البنات والمعهد العلمي والفن والموسيقى وأدب المدائح وغيرها فإن العاملين الأبرز كانوا ينتمون للحركة الاستقلالية.
    تاسع عشر:
    أنه أكثر الأحزاب السياسية انفتاحا على العمل النقابي بكل ألوانه وأكثرها انفتاحا على منظمات المجتمع المدني ومشاركة في نشاطها.
    أوجه القصور في الحزب:
    كان الحزب منذ المؤتمر السادس يعاني من ثلاثة علل كبيرة: التنظيم – الإعلام – التمويل. منذ المؤتمر السادس خطى الحزب خطوات واسعة نحو التنظيم ومع أنه لم يبلغ المراد حتى الآن فإنه أصبح الرقم الحزبي الأول في السودان من حيث التنظيم والمؤسسية والديمقراطية.
    وأما الإعلام فمع أنه لا يملك صحيفة أو أداة إعلامية فإنه استطاع أن يحقق حضورا إعلاميا كبيرا لأنه إذ يبادر بالفكر ويصنع الخبر يجذب نحوه أجهزة الإعلام جذبا.
    لم تكن فكرة إصدار صحيفة باسم الحزب مقبولة للجميع. ومؤخرا اتفق على حل وسط وهو إصدار صحيفة مستقلة ذات مرجعية حزبية.
    ولكن العلة التمويلية ما زالت ماثلة ويعمل الحزب على توفير المال اللازم بوسائل انتقالية سدت كثيرا من الضرورات حتى الآن ولكن العلاج الحاسم هو في امتلاك مؤسسات استثمارية قادرة على توفير التمويل بصورة مستدامة وهذا ما يسعى الحزب لتحقيقه.


    ختام

    ما زال أصحاب الأشواق الشمولية يضعون الأحزاب السياسية في سلة واحدة تعزيزا للأطروحة الشمولية البائسة.
    وما زالوا يحاولون اغتيالا معنويا لرواد الديمقراطية. ولكن هذه هي أوراق اعتمادنا نقدمها لشعبنا في هذا الظرف الوطني الحساس دعما للسلام العادل والشامل والتحول الديمقراطي القادم.
                  

العنوان الكاتب Date
إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi10-27-10, 11:09 AM
  Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله Tabaldina10-27-10, 11:35 AM
    Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi10-27-10, 11:46 AM
      Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله Mohamed Suleiman10-27-10, 12:15 PM
        Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi10-27-10, 12:39 PM
      Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله الصادق خليفة10-27-10, 12:16 PM
        Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi10-27-10, 12:46 PM
          Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله عمر عبد الله فضل المولى10-27-10, 03:12 PM
            Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله عبدالرحمن طبيق10-27-10, 05:10 PM
              Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر10-27-10, 06:58 PM
                Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر10-28-10, 09:52 AM
                  Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله خالد عويس10-28-10, 03:40 PM
                    Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر10-31-10, 04:44 AM
                    Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 10:56 AM
                Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 10:51 AM
              Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله عمر عبد الله فضل المولى11-01-10, 02:29 PM
              Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 10:47 AM
            Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 10:31 AM
  Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر11-01-10, 04:26 AM
    Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله نيازي مصطفى11-01-10, 04:59 AM
      Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله Abdlaziz Eisa11-01-10, 05:16 AM
        Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر11-01-10, 11:42 AM
          Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله جعفر محي الدين11-01-10, 12:02 PM
            Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله Haytham Mansour11-01-10, 02:54 PM
              Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 11:14 AM
            Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 11:10 AM
        Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 11:03 AM
      Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله lana mahdi11-07-10, 10:59 AM
        Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله عمر عبد الله فضل المولى11-07-10, 02:13 PM
          Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر11-07-10, 02:31 PM
            Re: إرفع رأسك أنت حزب أمة قومي: بطاقة الحزب وتبرئته من الشبهات حوله محسن عبدالقادر11-08-10, 04:49 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de