فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-01-2010, 00:17 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة.



    الاغنية دي معبرة جدا وتظهر مدي تمسك الانسان النوبي بارضه ..وتعقد فيها مقارنة بين بيئتهم الجديدة في ارض التهجير
    ووطنهم الراقد تحت مياه البحيرة..مقارنة تظهر مدي ثراء الارض النوبية ..يتحسر فيها علي فردوسه المفقود وظلال نخيله
    التي فقدها للابد انها بكائية من نوع فريد وتتجلي قمة المأساة عند المقارنة بين مجالسهم في النوبة القديمة وبيوت التهجير
    حتي انه يفضل راكوبة من حصير الحلفا علي بيوت الاسمنت الكبريتية..فالبيوت النوبية رحبة تسع الجميع بيوت تصمد امام تقلبات
    الفصول اثبتت الدراسات انها منازل بيئية..
    حكيم تولا....

    (عدل بواسطة Medhat Osman on 10-01-2010, 01:04 AM)

                  

10-01-2010, 00:30 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (1) ... بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
    الاثنين, 25 يناير 2010 18:42
    [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
    دفعني لكتابة هذا المقال ما خطه قلم سوداني مغترب بالمدينة المنورة بالسعودية مدافعا عن سدي كجبار و دال, و بالرغم من السطحية المخلة التى اتصف بها دفاعه, فقد وجد طريقه للنشر و الانتشار عبر عدد من المنافذ. بدأت بالتصدي للمقال في المنتدى النوبي, لكني توقفت لصعوبة المعالجة المنفردة لهذه القضية المتشعبة, و التي لا تنفصل عن قضية أكبر و أشمل و هي اهدار و سوء ادارة مواردنا المائية, و سكوت الرأى العام في مواجهة هذه القضية الخطيرة .
    و قد أثار دفاع المغترب في نفسى أشجان كثيرة و عادت بي الذاكرة الى بواكير طفولتي و أنا أرى أهلي أبناء مدينة حلفا يثورون و يطوفون بمظاهراتهم كل مدن و أحياء السودان رفضا لجريمة اغراق مدينتهم العريقة, و الموقف الغريب و المؤلم حقا من الشارع السوداني الذي قابل هذه الكارثة بسلبية غريبة و استخفاف شديد عكسته مجموعة النكات التي أطلقوها عن المظاهرات: " أملت الكبري يا أبود عشان نتزهلق يا أبود, يطلع د.... يا أبود".
    لم يكن اغراق حلفا الا تابعا لزلزال آخر هو اتفاقية مياه النيل مع مصر, تلك الاتفاقية المجحفة و الاستغلالية و التي قامت بتوقيعها منفردة الحكومة العسكرية الأولي في العام 1959. و لو افترضنا ولع السودانيين بنظرية جحا, فان هذه الاتفاقية قد دخلت البيوت و الحجرات, و لكنها كذلك لم تحرك ساكنا.
    و تواصل السلوك السلبي و شمل بناء مجموعة سدود شمال السودان, تلك السدود التي تجاوزت فيها الحكومة و طفلها الشرس المدلل (وحدة تنفيذ السدود) الخطة الشاملة لتنمية الموارد المائية, و داست على مواطنيها و استرخصت دماءهم. و لا زال مواطنو مناطق الخزانات يواصلون رفضهم و احتجاجهم بكل الوسائل, و قابلت الحكومة هذا الرفض بتكوين مليشيات للدفاع عن هذه السدود, فسقط الشهداء في كجبار و مروي و الشريك و فتحت أبواب السجون و بيوت الأشباح للتصدي للمواطنين. و لم تفلح كل الجهود المحلية و العالمية في اختراق جدار السرية المضروب على مخططات و دراسات و برامج تنفيذ هذه السدود, ناهيك عن اعتبار مواطني المنطقة شركاء في تنمية مناطقهم.
    و التاريخ القريب قد سجل أيضا قيام قوات الشرطة بقتل عدد من طلبة جامعة جوبا عام 1982 عند احتجاجهم علي مشروع قناة جونقلي, و بالرغم من ادعاء الحكومة بأن المشروع يتضمن تنمية متكاملة لمنطقة السدود, فهى لم تبذل جهدا لتنوير المواطنين و اشراكهم في اتخاذ قرار له تأثير جذرى على حياتهم و علي بيئة المنطقة. و قد كان الجنوبيون محقون في رفضهم لمشروع يحرمهم من أراضيهم التي تستخدمها كثير من قبائل الجنوب في الرعى و الزراعة, و تشكل مصدر الرزق الأساسي لهم, و قد قابلت الحكومة هذا الرفض الشامل باطلاق النار على المحتجين, فأصابت المشروع في مقتل قبل أن تقتل المواطنين.
    يتفق الكثيرون على أن المياه ستكون وقود الحرب العالمية القادمة, و هي فرضية تدعمها الاحصاءات و التحليلات العلمية, و تؤكدها الصراعات و النزاعات المتفرقة التي تتصاعد وتيرتها يوما بعد يوم. و السودان بالرغم من تمتعه بثروة مائية مقدرة, لكنه مرشح ليكون في قلب حرب المياه, يدفعه في ذلك وضعه المتميز و الحرج بين دول منبع النيل و مصبه, بالاضافة لسوء ادارة موارده المائية, و الذي تسببت فيه بشكل أساسى الهيمنة السياسية و طغيان الجموح السياسى و الطموح الشخصي على الحكمة الفنية و القدرة العلمية.
    سبب ثالث يمنح سوء الادارة جواز المرور و يزيد من تعقيد الوضع و هو غياب الاهتمام الشعبي, و سلبية المؤسسات الشعبية في مواجهة و تصحيح الأوضاع التي ألحقت و لا زالت تلحق بالمصلحة الوطنية ضربات موجعة. اذ لم يجد المواطنون المتضررون في معظم الأحيان أى تجاوب أو دعم من الشارع السوداني و الذي شهد تجاوبا عاليا مع أحداث البوسنة و غزة و تورا بورا, و غاب تماما عن التجاوب مع كثير من القضايا المحلية. وقد استفادت كل الحكومات الشمولية في السودان من عدم وجود رأى عام فاعل, فانفردت باتخاذ أخطر القرارات و تجاهلت المتضررين.
    لقد غاب التجاوب الشعبي بسبب ضعف الوعي بقضايا المياه, بالاضافة لانتشار المفاهيم الخاطئة, و كأمثلة لهذه المفاهيم و التي يتقبلها الكثيرون على أنها حقائق ثابتة, و هي ليست كذلك :
    • الاعتقاد بأن اتفاقية مياه النيل مع مصر هي اتفاقية دائمة و ملزمة للسودان, لا يجوز تعديلها أو الغائها بأى حال بدعوى أن الأعراف الدولية و قوانين المياه تعترف بالحقوق المكتسبة و تمنع الاضرار بالمصالح القائمة للمواطنين في الدول التي تستفيد من الموارد المائية. و القول بأن المحكمة الدولية قد أكدت في أحد أحكامها على ضرورة الالتزام باتفاقيات المياه بين الدول, و الاعتقاد بأنها سابقة قضائية دولية تمنع السودان من امكانية العمل على تعديل الاتفاقية.
    • فرضية أن بناء سدود الشمالية يتم بايعاز و دعم من مصر, بغرض توفير تخزين اضافي يساعد السد العالي في التغلب على مشكلة الاطماء المتفاقم و تناقص السعة التخزينية بسبب ذلك الاطماء.
    • القول بأن انفصال الجنوب لا يؤثر علي الموارد المائية لشمال السودان لأن 80% من مياه النيل مصدرها أثيوبيا, كما أن الجنوب لا يملك القدرة أو الحاجة لاستهلاك مياه النيل الأبيض.
    • التاكيد بأن مدينة وادي حلفا و التي غمرتها مياه السد العالي قد ضاعت للأبد, و أن أى حديث عن أعادة المدينة للحياة يعتبر ضربا من الخيال, تحول دونه كثير من الأهوال. و أول هذه الأهوال العصا الغليظة التي تحملها مصر و تهدد بها كل متحدث عن مياه النيل, و ثانيها هو الكميات المهولة من الطمي التي تراكمت عبر أربعين سنة من تشغيل السد العالي.
    • الاعتقاد بأن التنمية هي مجرد بناء سدود و محطات كهرباء و مشروعات ري جديدة, بغض النظر عن أولويات التنمية, و مواصفات المشروعات و جدواها الفنية و الاقتصادية, و مدى تناسق هذه المشروعات مع الأهداف القومية و الغاية النهائية المتمثلة في تحقيق حياة أفضل للمواطن السوداني.
    سوف أحاول في عدد من المقالات تسليط الضوء حول عدد من القضايا الهامة و, التي تسير بنا نحو مزيد من الصراع الداخلي, و تهدر مواردنا و تهدد الأجيال القادمة بالعطش و ماء النيل فوق ظهورها محمول. ستكون محطة البداية هي اتفاقية مياه النيل: ماضيها و حاضرها و مستقبلها , ثم مرورا بمحطة السدود و مفهوم التنمية و التنمية القهرية, تتبعها قضية السد العالى و وادى حلفا و ضرورة تحريرها من الاستعمار المصري, و انتهاء بانفصال الجنوب و الآثار المتوقعة على مواردنا المائية
    .




    مياه النيل, السدود و الانفصال (2) : اتفاقية مياه النيل
    مصطفى عبد الجليل مختار
    [email protected]
    اتفاقية مياه النيل: الافراط في التفريط
    في اعتقادي أن توقيع السودان علي اتفاقية مياه النيل يعتبر ظاهرة فريدة تستحق دراسة مطولة للاجابة على كثير من الأسئلة المحيرة: لماذا فرطت حكومة عبود و ورطت البلاد في اتفاقية بهذا السوء, و لماذا سكتت عنها كل الحكومات المتعاقبة لنصف قرن من الزمان و لا زالت, و لماذا لا يوجد رأى عام قوى ضد الاتفاقية التي تفرط في حقوقنا و تهدر مواردنا و تنكس رؤسنا أمام جيراننا و العالم.
    قبل توضيح عيوب الاتفاقية, أبدأ بسرد موجز عن تاريخها و ملامحها الرئيسية, و قد كانت البداية عام 1929 عندما وقع المستعمر البريطاني, نيابة عن السودان و بقية دول حوض النيل, مع مصر اتفاقية تعطيها حق استخدام 48 مليار متر مكعب من ايراد النيل السنوى, مقابل 4 مليار للسودان, بينما تذهب 32 مليار للبحر لعدم وجود امكانية لتخزينها. و أعطت الاتفاقية مصر حق بناء سد جبل أولياء لتخزين مياه لصالح مصر, و هو سد كارثى في حله و ترحاله, عندما حل هذا السد أغرق مئات الآلاف من الأفدنة تمتد لمسافة 600 كم على النيل الأبيض, و أثر سلبيا على محطات الطلمبات بكل مشاريع النيل الأبيض. انتهت الحاجة المصرية للخزان ببناء السد, و ارتحلوا عنه لكنه لا يزال يسبب نزيفا دائما و كبيرا لمواردنا.
    أبدت أول حكومة وطنية بعد الاستقلال رغبتها في مراجعة الاتفاقية الظالمة, استنادا على غياب الارادة الوطنية عند توقيعها, في نفس الوقت كانت مصر تسعي لتحقيق الأمن المائي و تخطط لقيام السد العالي. اتجهت الحكومتان الى مائدة المفوضات التي استمرت أربعة أعوام من غير نتيجة بسبب رفض الحكومة السودانية القاطع للمقترحات المصرية الاستغلالية. في نوفمبر 1958 استولى العسكر على الحكم, ولم تكمل حكومة عبود عامها الأول سنة 1959 الا و الأحلام المصرية منزلة على أرض الواقع فيما يسمى ب (اتفاقية الاستغلال الكامل لمياه النيل), و الملامح الرئيسية لهذه الاتفاقية:
    - تقدير متوسط ايراد النيل السنوى عند الحدود المصرية ب 84 مليار.
    - تثبيت الحقوق المكتسبة حسب اتفاقية 1929.
    - بناء السد العالي لتوفير 22 مليار سنويا كانت تضيع في البحر, و اقتسام الكمية المتوفرة لينال السودان منها 14,5 و مصر 7,5 مليار. بذلك يصبح نصيب السودان الكلي 18,5 و يرتفع نصيب مصر ل55,5 مليار, بينما تضيع 10 مليار بسبب التبخر في بحيرة السد.
    - الموافقة على بناء السد العالي و تبعاته المتمثلة في اغراق مدينة وادي حلفا و القرى التابعة لها, و تدفع مصر تعويضا قدره 15 مليون جنيه.
    - العمل على زيادة ايراد النيل بتوفير فاقد التبخر في منطقة السدود بالنيل الأبيض, و تقسيم العائد مناصفة بين البلدين.
    - بما أن السودان لا يستطيع استغلال حصته كاملة, فسوف تستفيد مصر من الفائض كدين مائى الى حين اكمال السودان قدراته على استخدام كامل الحصة.
    - يتخذ البلدان موقفا موحدا تجاه أى نزاعات مستقبلية مع باقي دول حوض النيل
    - لمصر حق مراقبة كميات المياه في كل حوض النيل بدوله المختلفة, و حق اقامة أى مشاريع لاستغلال مياه النيل بدون موافقة دول الحوض, كما يحق لها منع أى من هذه الدول من اقامة أى مشروع مياه لا يوافق المصالح المصرية.
    - تكوين اللجنة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل لمتابعة الاتفاقية و التغيرات الاقليمية, و للنظر في أى خلاف بين البلدين, و تحديد استراتيجية مشتركة لمواجهة أى نقص في ايراد النيل.
    من المؤكد أن 99.99% من الشعب السوداني لم تتح له فرصة الاطلاع على تفاصيل هذه الاتفاقية و توضيح معايبها, و حتي الذين اطلعوا عليها في فمهم ماء, غير ماء النيل, يمنعهم من الحديث. فقراءة متأنية في بنود الاتفاقية تكشف ما فيها من الظلم و الاستعلاء و التبعية المذلة , و هذا بين فيما يلي :
    • تقدير كمية المياه المقتسمة: من العجيب أن الجميع يتحدثون عن ايراد سنوى قدره 84 مليار , يخصص منها 55,5 لمصر و 18,5 للسودان, فأين ذهبت ال10 مليار المتبقية؟ تجيب الاتفاقية ضمنيا بأنها فاقد التبخر في بحيرة السد العالي. لا أدري كيف قبل الجانب السوداني بهذا المنطق الغريب, و تنازل بهذه السهولة عن كمية من المياه تفوق استهلاك مشاريع الجزيرة و المناقل و الرهد مجتمعة. و ما الذي يفرض على السودان تحمل فاقد التبخر في السد العالي, علما بأن السد لم يكن موجودا عند مناقشة الاتفاقية. ربما ربط البعض بين هذا الفاقد و فاقد التبخر عند مرور النيل بفروعه المختلفة داخل الأراضي السودانية, و هو يقدر ب2 مليار. لكن لا مجال للمقارنة هنا, لأن الفاقد السوداني طبيعى و لا يمكن التحكم فيه, بينما فاقد السد العالي ناتج عن مشروع مستحدث و تم بارادة مصر و لمصلحتها دون غيرها. و يقينى أن هذه الكمية من المياه المفقودة لو تم اعتبارها في حساب التكلفة التي تتحملها مصر مقابل بناء السد العالي لغيرت من حسابات السد, و لأجبرت المصريين على تصميم سد أقل حجما, و حينها كنا سننقذ حلفا من الغرق. بمعني آخر فنحن من شدة الكرم مع المصريين لم نقبل باغراق حلفا من غير مقابل فحسب, بل تبرعنا بالمياه التي ستغرقها من حصتنا.
    • حساب حصة كل دولة: نالت مصر 78% من الايراد مقابل 22% فقط للسودان. أى أن مصر تنال تقريبا أربعة أضعاف ما يناله السودان, فأى منطق يجعل السودان يقبل بهذه القسمة الضيزى, فنحن الأولى بهذه المياه التي تدخل مصر عبر آلاف الكيلومترات من الأراضي السودانية, و السودان هو الذي يمتلك مساحات ضخمة من الأراضى عالية الخصوبة تزيد عن عشرة أضعاف مثيلتها بمصر, و اذا نظرنا لعدد السكان لوجدنا أن سكان مصر ضعف سكان السودان فقط, فلماذ تضاعف نصيبهم أربعة مرات.
    • تشجيع الاستغلال الغير مجدي لمياه النيل: أعطت الاتفاقية مصر فوق حاجتها و قدرتها على الاستغلال المجدى للثروة المائية, فتمددت مصر في مشاريع مشكوك في جدواها, و ذلك خصما على مشاريع تفوقها أضعافا مضاعفة من ناحية الجدوى و المنفعة. آخر هذه المشاريع المصرية مشروع الوادي الجديد, و بحيرة توشكا في قلب الصحراء لرى 600 ألف فدان في منطقة شديدة التبخر و التسرب, بالاضافة لمشروع غرب الدلتا الصحراوي. يتم ذلك على حساب مشاريع سودانية لن ترى النور أبدا في ظل هذه الاتفاقية, و هي من أكثر المشاريع جدوى مثل: كنانة العظمي, الرهد, أعالى عطبرة, تأهيل و تحديث مشاريع النيل الأبيض و الأزرق و الشمالية. بل و تفكر مصر في امداد اسرائيل بمياه النيل, في الوقت الذي تتقاتل فيه القبائل و المليشيات في غرب السودان من أجل جرعة ماء.
    • التنازل عن منطقة حلفا: منحت الاتفاقية مصر الحق في اغراق وادى حلفا, و تهجير مواطنيها, و تدمير أكبر منطقة لأقدم و أعرق حضارة انسانية في افريقيا. و هذه سابقة في تاريخ البشرية لا أظنها تتككر, و لا يمكن قبولها منطقيا, و مجرد تطاول مصر بالتفكير في أغراق حلفا هو استعلاء و اهانة و يمثل غزو استعمارى كان من المفترض الرد عليه بما يستحق.
    • المشاركة مناصفة في زيادة الايراد: لم تكتف الاتفاقية بالظلم في الايراد الفعلي لمياه النيل, فالسخاء السوداني قد فتح شهية المصريين ليشاركونا في أى زيادة تنتج من الاستغلال الأمثل للمياه المفقودة في منطقة السدود بجنوب السودان. فالنيل الأبيض بعد دخوله السودان من يوغندا يمر بمنطقة قليلة الانحدار, فيتشعب و ينتشر في مساحات واسعة تمتد حتى أطراف مدينة ملكال و تغطى مساحة تصل الى 130,000 كم مربع في فترة الفيضان. يتسبب انتشار المياه في هذه المناطق الواسعة في ضياع كميات كبيرة تقدر ب20 مليار متر مكعب. بالاضافة لذلك هنالك أكثر من 10 مليار تفقد من بحر الغزال, و هي مياه تنبع داخل الأراضي السودانية و لم يتم تقديرها بصورة دقيقة. المياه المفقودة في هذه المنطقة تعتبر من مقوماتها البيئية, و تستفيد منها حاليا قبائل الجنوب و تشكل حياتهم و مصدر رزقهم, لذلك فأى مشروع للاستغلال الأمثل لهذه المياه يجب أن يكون سودانيا خالصا, يراعى مصلحة المواطنين في المقام الأول, و لا يسعي فقط لتجفيف المنطقة و تشريد أهلها, و هو ما سيحدث اذا شاركت مصر في هذا المشروع. كما أننى لا أري أي منطق يجعلنا نشارك المصريين مناصفة في مواردنا الداخلية, فبمقدور السودان, بدل أن يهدر المليارات في سدود تدميرية, اقامة مشروع متكامل لتنمية مناطق السدود, و من ثم الاستفادة من الفائض الكبير من المياه.
    • المشاركة في تحمل أى انخفاض في الايراد: ألزمت الاتفاقية السودان بمشاركة مصر في تحمل أى انخفاض في الايراد, و ذلك بالرغم من انخفاض حصته أصلا, و كان من المفترض أن تتحمل مصر ذلك منفردة لأنها تحوز على نصيب الأسد.
    • خلق عداء غير مبرر مع دول حوض النيل: قامت الاتفاقية بتخصيص كل مياه النيل لمصر و السودان, و تجاهلت تماما الدول الثمانية الأخرى, و منعتها من استخدام ما تعتبره موردا لها. أنتفضت دول حوض النيل ضد هذه الهيمنة, و صارت حكومات و شعوب هذه الدول تردد في كل مناسبة استيائها من هذا الاستغلال و سعيها بكل الوسائل لاستعادة حقها المسلوب. هذا العداء تقاسمه السودان مع مصر, بينما انفردت مصر بالغنيمة, فلبس السودان عباءة الظالم و هو المظلوم, و صار مستهدفا في أى نزاع تخوضه هذه الدول ضد مصر.
    • سلب القدرة التفاوضية: ألزمت الاتفاقية السودان بموقف مشترك مع مصر في أى نزاع مع دول الحوض, لذلك سوف تعامل هذه الدول السودان كتابع لمصر و بالتالي لن يكون طرفا أصيلا في أى مفاوضات, و سيكون السودان , بصفته تابعا, القربان الذي ستذبحه مصر للوصول لاتفاق مع هذه الدول.
    • الدين المائي: أعطت الاتفاقية مصر حق استخدام ما يفيض من حاجة السودان و اعتبار ذلك دين على مصر, لكن الاتفاقية لم تضع آلية لاسترداد هذا الدين و الذي بلغ في فترة 50 سنة قرابة ال500 مليار متر مكعب, و لا أدري كيف سيستطيع السودان استرداد هذه الكميات المهولة من المياه, و هي حق مثبت بالاتفاقية.
    هذا هو كتاب الاتفاقية الأكثر ظلما بين كل اتفاقيات المياه في العالم, و قد انفردت بكونها الوحيدة التي أعطت دولة أسفل النهر أكثر من حاجتها, بينما حرمت دول أعلى النهر من حقها الطبيعي. كما أنها تبدو في بنودها الظالمة كاتفاقيات الحروب, و التي يمليها الطرف المنتصر لينال بقوة السلاح ما لا يستحق. و في رأيي المتواضع أن السودان اذا امتلك الارادة السياسية لتغيير هذا الواقع فمن الممكن الغاء هذه الاتفاقية, و هذا ما سوف اتطرق اليه في الحلقة القادمة بعنوان ( الغاء اتفاقية مياه النيل).
                  

10-01-2010, 09:33 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل, السدود و الانفصال (3) : الغاء اتفاقية مياه النيل
    مصطفى عبد الجليل مختار
    [email protected]
    الغاء اتفاقية مياه النيل مطلب قومي عاجل
    اذا حدثتك عزيزى القارئ بأن السودان سيفقد حقه في أى قطرة من مياه النيل خلال سنوات قليلة, و أن سليل الفراديس سيتحول الى أثر تاريخي و معلم سياحى نرتاده للنزهة و السباحة, و ربما اختلسنا منه رشفة ماء بعيدا عن أعين الرقيب المصري. أظنك حينئذ سترمينى بالجنون أو الخرف المبكر, لكن هذه هي عين الحقيقة التي تفرضها علينا المادة 5,2 من الاتفاقية و التي تنص على أنه ( اذا طالبت دول حوض النيل الأخرى بحصة في مياه النيل, و اذا ما أدت المفاوضات معها الى قبول هذه المطالبة, فسوف تخصم الكمية المطلوبة من حصة البلدين بالتساوي ).
    اذا قرأنا هذه الفقرة و اضعين في الاعتبار المتغيرات الحالية و المتمثلة في فاقد التبخر المتوقع من سدود الشمالية و المقدر ب 5 مليار, مما سيخفض حصتنا الى 13 مليار. و اذا عرجنا بعد ذلك على طاولة المفوضات و التي تشهد حاليا مطالبات شرسة لدول حوض النيل الأخرى, و من ثم تأملنا في الانخفاض المتوقع في الايراد بسبب التغيرات المناخية, يمكن بتقدير واقعي جدا أن تصل جملة المياه التي سيفقدها السودان و مصر الى 26 مليار, و بالتالي يخصم من نصيب السودان 13 مليار,ليصير رصيدنا من المياه صفرا كبيرا.
    بغض النظر عن المظالم و السلبيات المذكورة سابقا, فان هذه الفقرة منفردة كافية لنسرع الخطى و نسابق الزمن لنتبرأ من الاتفاقية قبل أن نتورط في أخرى تلوح في الأفق و تضم اليها دول حوض النيل الأخرى بعد أن تنال حصصا في مياه النيل, فاذا ما تم هذا التعديل و السودان على ذمة اتفاقية 1959 فعلى نيل بلادنا سلام.
    هذا السناريو ليس ضربا من الخيال, بل سيكون الأقرب للحقيقة اذا ما تمسكنا بالاتفاقية التي تفرض علينا توحيد الموقف التفاوضي مع مصر, لتنتهي بنا المفاوضات الى الرصيد الصفري, بينما يتراجع نصيب مصر تراجعا طفيفا الى 53 مليار, تشق طريقها عبر السهول و الوديان السودانية التي سوف يقتلها الظمأ و هي تحمل هذه المليارات لأسفل الوادي.
    لقد أصبحت الاتفاقية عمليا في حكم المتوفاة, و غالبا ما تصدر شهادة الوفاة خلال الشهور القادمة بعد أن توقع دول مبادرة حوض النيل على الاتفاق الاطاري المقترح و الذي ينهى الاحتكار المصري للمياه. و قد بدأت نذر التمرد على الاتفاقية منذ ميلادها, فأثيوبيا و هى أهم مصدر لمياه النيل, لم تعترف بها أصلا. و قد سعت منذ بداية الستينات في اعداد دراسات لعدد كبير من مشاريع الرى و الكهرباء, لكن عدم الاستقرار و ضعف الامكانيات و تأثير مصر على مؤسسات التمويل الدولية قد عطل هذه المشاريع. تغير الوضع الآن اذ شهدت السنوات القليلة الماضية عودة الحياة لهذه المشاريع, و التي يمكن أن تستهلك ما يزيد عن 8 مليار. و تؤكد أثيوبيا دوما حقها في استغلال المياه لرى أراضيها الخصبة لتوفير الغذاء لتسعة مليون مواطن تأثروا بموجة الجفاف و لتطوير قدراتها الكامنة بانشاء مجموعة من السدود تهدف لتصديرالكهرباء. وفي نفس الوقت تشن الجهات الرسمية و الشعبية في أثيوبيا هجوما متواصلا على الاتفاقية التي تحرمها من مياه هي مصدرها, و تمنحها لمصر لتستغلها في مشاريع صحراوية عديمة الجدوى.
    و في حوض النيل الأبيض, نجد أن تنزانيا قد أعلنت رفضها للاتفاقية بمجرد استقلالها, و اعتبرتها ارثا استعماريا غير ملزم, و تبعت ذلك بتنفيذ مشروع صغير للرى في العام 2004 من غير اخطار مصر, الشئ الذي اعتبرته مصر خرقا للقانون الدولي, لكنه كان حقيقة خرقا لجدار الاحتكار المصري للنيل, و أنبوبة الاختبار لما هو آت. وقد سارت كينيا و يوغندا في نفس المنحي, و شرعت كلاهما في اقامة عدد من المشاريع التي تؤكد حقها في استخدام مياه النيل
    لقد تغيرت الأوضاع التي سمحت لمصر باحتكار المياه, فكل دول حوض النيل تواجه زيادة كبيرة في السكان, و موجات جفاف و هبوط في معدلات الأمطار, كما أن هذه الدول قد أصبحت لديها قدرات فنية و اقتصادية تمكنها من تنفيذ كثير من المشاريع و التجاوب مع الضغوط الشعبية التي لا تفهم سببا لاحتكار مصر لمواردها. و قد تعدى الأمر ذلك بعد أن قامت مجموعة من البرلمانيين من هذه الدول برفع دعوى لدى محكمة العدل الدولية ضد الحكومة المصرية تتهمها باستلاب حقوقهم و المساهمة في افقارهم بمنع مشاريع التنمية.
    لقد لفت هذا الصراع الصامت انتباه العالم, و الذي أدرك خطورة الموقف و ضرورة تفادى التصعيد و عواقبه الوخيمة, فجاءت مبادرة دول حوض النيل و التي أكملت عامها العاشر قبل شهرين. نجحت المبادرة في تحقيق اطار مشترك للتعاون و بدأ العمل في عدد من المشاريع المشتركة. لكنها فشلت في إثناء 8 من أصل 10 دول عن رفض الاعتراف بالحقوق التاريخية و المكتسبة كما تسميها مصر, و سوف يشهد الشهر القادم محاولة جديدة للوصول الى اتفاق و تقريب الشقة بين دول المنبع التي تريد استخدام جزء من مياه النيل و مصر التي تسعى لمواصلة الاحتكار. أما السودان فهو يساند مصر باستحياء لأنه مكبل بقيود الاتفاقية و لأنه الأقرب من العصا المصرية الغليظة, و لأن البقاء على كراس السلطة المغتصبة يفرض أداء فروض الولاء و الطاعة و السكوت للحكومة المصرية.
    قراءة الواقع الحالي توجب على السودان الشروع الفوري في الغاء الاتفاقية, و هو موقف تمليه علينا المصلحة الوطنية, و المنطق السليم و القيم الأخلاقية. و نحن , و لله الحمد, نفتخر بوطن يضم نخبة ممتازة من جهابذة القانونين, و قد خبرهم الشعب السوداني مدافعين شرسين عن حقوقه, و لا شك أنهم لن يترددوا لحظة في الاطاحة بهذه الاتفاقية اذا ما أعطتهم الحكومة الضوء الأخضر. و يؤكد ذلك وجود كثير من المؤشرات القوية على سلامة موقفنا القانوني, و التي أذكر منها بصفة عامة و غير متخصصة:
    - الاتفاقية غير شرعية لأنها وقعت من قبل حكومة جاءت بانقلاب عسكرى على الديمقراطية, وقد وافقت هذه الحكومة فور تسلمها السلطة, و بتغييب كامل للارادة الشعبية, على ما ظلت ترفضه الحكومات المنتخبة لأربعة سنوات. كما استمرت الاتفاقية طوال خمسين عاما بسبب سيطرة الدكتاتوريات العسكرية على الحكم, و ظلت مصر تحتضن هذه الحكومات, و توفر لها الدعم مقابل سكوتها عن الاتفاقية.
    - الاتفاقية تصرفت فيما لا تملك, من غير علم شركاء أصيلين لهم حقوق في مياه النيل, و قد أعلنت كل هذه الأطراف عدم اعترافها بالاتفاقية, لذلك فهي غير شرعية.
    - الاتفاقية ظالمة و بعيدة عن روح القانون الذي يسعى لنشر قيم العدل و الحق, و لا يمكن أن يساهم في نصرة الظالم.
    - عدم التكافؤ كان سببا رئيسىا في توقيع الاتفاقية وتمرير كثير من بنودها الظالمة, فالجانب السوداني لم يكن يملك القدرات المؤسسية و الخبرات المهنية القادرة على التفاوض مع الجانب المصرى المتفوق تماما في ذلك الوقت. و قد انتشرت بعد التوقيع طرفة تتلخص في أن رئيس الجانب السوداني, اللواء طلعت فريد الادارى و اللاعب السابق بفريق المريخ, رفض تماما التوقيع لأنه لا يعرف ما هو المليار, و أنقذ الموقف أحد الظرفاء عندما شرح له بأن المليار يساوى مئة مرة سعة أستاد المريخ, حينها ابتسم اللواء و أمسك بقلمه ليوقع على مصير السودان لأجيال قادمة.
    - الاتفاقية سقطت بتغير الأوضاع بسبب خروج ثلاثة دول عنها هي تنزانيا و كينيا و أوغندا بعد أن نالت استقلالها, و خروج هذه الدول يجعل من غير الممكن عمليا تطبيق كثير من بنودها الأساسية
    - الاتفاقية مخالفة لمبادئ القانون الدولي للمياه و الذي يضع منهجا واضحا لتقسيم المياه بين الدول التي تتشارك في مجرى نهرى واحد.
    لقد استلب الاعلام المصرى ارادة الكثيرين بما خلقه من أساطير صارت حقائق مقدسة و أثرت كثيرا في اتجاهات الرأى العام, أولى هذه الأساطير أن مصر هبة النيل, و هو تضخيم مقصود للواقع, و الحقيقة أن أى دولة لديها حد أدنى من الاحتياجات لمقابلة الاستهلاك الآدمي, و ما زاد عن ذلك فهو قابل للاقتسام حسب قانون المياه العالمي و الأعراف و المنطق. فكون مصر في حاجة ماسة لمليار واحد سنويا لا يعطيها الحق في الاستيلاء على الجمل بما حمل, و لا يسمح لها باقامة 3 مشاريع كبرى في صحاري سينا و غرب الدلتا و الوادي الجديد بمساحة اجمالية قدرها مليون و نصف مليون فدان, و هي مشاريع أثبتت دراسات مكتب استشاري أمريكي متعاقد مع الحكومة المصرية أن العائد الداخلى IRR لها سالب, بعنى أنها ليست عديمة الجدوى فحسب بل تشكل استنزافا للموارد المصرية. و قد أثبتت دراسة أخرى للبنك الدولى أنه بينما تستخدم مصر 85% من مواردها المائية فى الزراعة, فهى تشكل 14% فقط من الناتج القومى الكلي, و في نفس الوقت تستخدم الصناعة 8% من المياه لتساهم ب34% من الناتج القومي. مصر يمكنها اذا أن تعيش بكميات أقل كثيرا من المياه من غير أن يؤثر ذلك على الدخل القومي و يهدد حياة المواطنين بالهلاك كما يدعى الإعلام المصرى.
    أسطورة ثانية هى الحديث عن أن مياه النيل خط أحمر, تجاوزه يعتبر بمثابة اعلان حرب. لم يقتصر التهديد على الجهات الحكومية, حتى أجهزة الاعلام و المواطن العادى يرددون هذا الحديث في كل مناسبة, و آخرها تهديد وزير الري المصري لكينيا العام الماضي. و الحقيقة ان شن حرب على دول حوض النيل أمر غير قابل للتنفيذ, و اذا حدث فالجدران الزجاجية للبيت المصري ستكون أول و أكبر المتضررين, و هو ضرر لا يعرف الا الله مدى تبعاته على مستقبل الأجيال القادمة في مصر.
    ثالثا أسطورة المؤامرة الاسرائيلية للسيطرة على منابع النيل, و هي محاولة لذر الرماد في العيون حتى تعميها عن رؤية الحقيقة و هي سعى لتأليب الدول العربية و الاسلامية لتدعمها في معركتها الخاسرة. كما أن الحديث عن الأيادي الاسرائيلية الخفية هو مواصلة للنظرة الاستعلائية التي تصور شعوب حوض النيل بأنها فاقدة الارادة لا تتحرك الا من خلال محرك خارجي و تنكر حقها في الحياة و في المطالبة بحقوقها.
    رابعا أسطورة القيد القانوني و الادعاء بأن القانون الدولى لا يسمح بنقض اتفاقيات المياه بين الدول بدليل وجود سابقة في محكمة العدل الدولية تم الحكم فيها برفض الانسحاب الأحادي من اتفاقية مياه. و لكن السوابق القضائية لا تطبق في أى قضية الا في حالة تطابق الوقائع و الا اذا كان التطبيق يتسق مع روح القانون في توخي العدل, و هو ما لا يتوفر في حالة مياه النيل.
    كل هذه الأساطير لا تعدو أن تكون صروحا من خيال ستهوى عند أول مواجهة علمية و قانونية, و حينها سوف ينعتق السودان من أسر الاتفاقية و ننشد جميعا مع أم كلثوم:
    آه من قيدك أدمى معصمي .............لم أبقيه و ما أبقي على
    و ما احتفاظي بعهود لم تصنها .. و الام الأسر و الدنيا لدى
                  

10-01-2010, 08:29 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل، السدود والانفصال (4): السدود صديق أم عدو لدود...
    بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار



    السدود صديق أم عدو لدود
    بحكم تخصصي المهني وعملي السابق بادارات الخزانات، التخطيط والبحوث بوزارة الرى، وعملي الحإلى في مجال هندسة الموارد المائية، أجد نفسي من أكثر الناس نصرة لبناء السدود، فهى من البنيات الأساسية الهامة التي ساهمت في تنمية المجتمعات البشرية منذ القدم. ولولا مساهماتها الايجابية في حياة الناس لما انتشر بناء السدود حتى بنى منها ما يزيد عن 45,000 سد خلال قرن من الزمان.
    لكن السدود، كغيرها من الأشياء، لها متطلبات وشروط صحة لو لم تتوافر لأثر ذلك سلبا في أدائها، وكثيرا ما تتضخم هذه السلبيات لتحول السدود من صديق الى عدو لدود. والتجربة المحلية والعالمية ثرية وتحمل في طياتها كثير من نماذج النجاح والفشل، وقد أدت السلبيات لارتفاع الشكاوى من المتأثرين بقيام السدود فى مختلف أركان الدنيا، مما حدى بالبنك الدولى، وهو أكبر الممولين لبناء السدود، في العام 1997 لتشكيل اللجنة العالمية للسدود لتقوم باعداد دراسة شاملة لتجربة السدود في العالم، وتقييم أدائها، ومن ثم وضع توصيات واطار عام للعمل يكون بمثابة موجه أساسي لتشييد السدود في المستقبل، وبذلك تتمكن الدول من الإستفادة من التجارب السابقة وتضمن أداء ايجابى للسدود المقترحة.
    أكد التقرير النهائي للهيئة العالمية للسدود على الفوائد المتعاظمة والدور الايجابي الهام الذي لعبته السدود، لكنه أثبت بالاحصاءات والتحليل العلمى أن كثير من هذه السدود فشلت في تحقيق أهدافها وأن الشعوب قد دفعت ثمنا باهظا وغير مبرر نتيجة للعيوب التي صاحبت بناءها وأكد التقرير على نقطة جوهرية وهي أن هذه السلبيات كان من الممكن تفاديها وتجنب التبعات المدمرة لها. واختتمت الهيئة تقريرها بوضع موجهات عامة لبناء السدود لضمان عدم تكرار تجارب الفشل المريرة، وقامت بارسال التقرير لمختلف الحكومات والجمعيات المهنية العالمية. دار نقاش مطول حول الدراسة وتباينت وجهات النظر في كثير من التفاصيل، لكن الجميع اتفقوا على سلامة التوصيات والموجهات وضرورة الالتزام بها والتأكد من استيفائها قبل البدء في تشييد أي سد، وتتلخص أهم هذه الموجهات في:

    · التأكد من وجود حاجة حقيقية لأقامة السد، وأن يكون بناءه هو الحل الأمثل لتحقيق هذه الحاجة.
    · اجراء دراسات مفصلة وتقييم شامل لكل البدائل المتاحة لتحقيق أهداف المشروع.
    · الشفافية في كل مراحل المشروع وكسب القبول العام لقيام السد عن طريق اتاحة المعلومات لكل المتأثرين والمهتمين واشراكهم في اتخاذ القرار.
    · ضرورة الاهتمام بالدراسات البيئية والاجتماعية وتقييمها على قدم المساواة مع الدراسات الفنية والاقتصادية.
    · وضع مصلحة المتأثرين وانتفاع مواطني المنطقة ضمن أولويات المشروع.
    بالاضافة للتجربة العالمية، فالسودان له تجربته الخاصة والتي بدأت قبل نحو قرن من الزمان ببناء سد سنار، تبعه جبل أولياء عام 1937، ثم الرصيرص وخشم القربة عام 1963، ولا ننسي السد العالى الذي تمدد داخل الأراضي السودانية منذ 1964. ولقد ساهمت بعض هذه السدود بقوة في تطوير الاقتصاد السوداني، ووفرت المياه لرى 3 مليون فدان بالجزيرة والمناقل، حلفا الجديدة، والرهد وساهمت بنسبة كبيرة من الانتاج الكهربائي. هذه السدود بايجابياتها وسلبياتها، تشكل تجربة غنية وخبرة لا غنى عنها لضمان الاستفادة العظمى من مواردنا، ولتجنب الآثار التدميرية للاقتصاد والمجتمعات المحلية. كما أنها تتسق مع التجربة العالمية وتساهم في توطينها وتمكن من اعداد موجهات سودانية لبناء السدود.
    الأخطاء والسلبيات هي درر وجواهر كامنة في أعماق العمل كما تعلمنا من ثقافة الانتاج اليابانية، ويرى اليابانيون ضرورة الغوص في أعماق العمل لاكتشاف هذه الأخطاء ودراستها والاستفادة منها في تطوير الانتاج. كان ذلك بداية منهج الادارة الشاملة للجودة والذى ابتدعه اليابانيون فغزوا الدنيا بمنتجاتهم عالية الجودة، واستمرت مناهج الادارة الحديثة تتطور وتشكل الفارق الأساسي بين النجاح والفشل، وهي في تطورها انتقلت من مرحلة اكتشاف الأخطاء الى تفاديها وتحقيق الأخطاء الصفرية بتطبيق مناهج استباقية تخطط لأداء العمل بصورة صحيحة من أول مرة وكل مرة.
    لكن الاستفادة من التجارب وتحويل أخطاء الماضى الى خبرات تطور العمل يتطلب توافر مقومات أساسية تتمثل في وجود مؤسسات خدمة مدنية متميزة بأدائها ومستقلة بقرارها، ووجود مناهج وسياسات وخطط وأهداف عامة توجه العمل وتضمن سلامة الأداء، ووجود كوادر متخصصة ذات كفاءة وخبرة على رأس العمل. وقد ورث السودان عن المستعمر نظام خدمة مدنية كان يعتبر الأكثر تقدما في الدول النامية، وكانت وزارة الرى كغيرها من مؤسسات الخدمة المدنية، تعمل باستقلالية ولا تألو جهدا ليكون عملها مبنيا على مناهج وخطط علمية، فأعدت الوزارة في منتصف السبعينات الخطة الشاملة لاستغلال مياه النيل، وهي دراسة شاملة، ومتكاملة قامت باعدادها مجموعة متميزة من بيوت الخبرة العالمية المتخصصة في مجالات الموارد المائية، الكهرباء، الزراعة والاقتصاد. وقد بدأت الدراسة بمسح كامل لكل المشاريع الممكنة لاستغلال مياه النيل ببدائلها المختلفة، ثم أعدت تصاميم مبدئية وتقديرات لتكلفة وعائدات هذه المشاريع، أعقبت ذلك بالتحليل المالى والاقتصادي لكل مشروع، وتم ربط كل ذلك بنموذج رياضي لمياه النيل لدراسة السيناريوهات المختلفة وتوافر الموارد لها، ومن ثم قامت بترتيب هذه المشاريع حسب قوة المؤشر الاقتصاديى لكل مشروع، وانتهت بتوصيات لأولويات التنمية، تم اعتمادها من مجلس الوزراء وصارت تمثل المشاريع المقترحة للاستغلال الأمثل لمواردنا المائية.
    تقدمت وزارة الرى خطوة أكبر بتأسيس ادارة للتخطيط في منتصف التمانينات، استمرت في العمل لسنوات قليلة ثم وئدت في مهدها، واذا المؤودة سئلت لأجابت بالصوت العالي، أنها قبرت ومعها وزارة الأشغال الاتحادية والادارة الهندسية بوزارة الزراعة والنقل الميكانيكي، وغيرها من مؤسسات الدولة المسؤولة عن وضع السياسات والمواصفات وتحديد أولويات التنمية وفقا للخطط الشاملة، والرقابة على الأداء. قبرت لأنها تعمل لتحقيق هدف نهائي واحد هو مصلحة الوطن والمواطن، وهذا الهدف يتقاطع مع المصالح الفردية والحزبية بأهدافها الغير معلنة، ولا يعيش معها تحت سقف واحد.
    بالرغم من أننا نستظل بظلال المشروع الحضاري، لكن المرء يندهش كيف تم ركل كل منهج حضارى في التعامل مع مشاريع السدود بالشمالية، وطويت كل الملفات والخبرات السابقة واستبدلت بقرارات عشوائية تم طبخها في دهاليز مغلقة وبمناهج عمل حولى لا ترى الا من خلال منظور فردي وحزبي. وكانت النتيجة اصرار ادارة السدود على اجترار الأخطاء وتعميق السلبيات، من غير الاستفادة من خبرات السدود القائمة والمتمثلة في الآتي:
    · التبخر:
    يفقد السودان 5 مليار من نصيبه من مياه النيل بسبب التبخر في بحيرة السد العالي، اذا أضفنا اليها الكميات المفقودة في بحيرة جبل أولياء والرصيرص تتجاوز جملة الفاقد 6 مليار. هذه كميات كبيرة توازى تقريبا المياه المستخدمة لري مشروع الجزيرة والمناقل. لقد انتهى الزمن الذي كان فيه الماء يفيض عن الحاجة، فنستهلكه من غير حساب، اليوم صار سوء استغلال المياه تهمة فادحة يمكن أن تثير أعقد المشاكل مع دول حوض النيل وتعطيها مبررا قويا للمطالبة بمزيد من الحقوق في مياه النيل على حساب حصتنا المتضائلة.
    بالرغم من أن التبخر لا يمكن تفاديه عند قيام أى سد، لكن في الامكان خفض كمياته الى حد كبير جدا اذا تم التعامل مع هذا الفاقد بجدية تتناسب مع خطورته وبصورة علمية يمكن أن تتيح خيارات كثيرة تحقق الهدف بأقل أضرار ممكنة، وهذا ما سوف أفصله عند الحديث عن سدود الشمالية.
    · الإطماء:
    يحمل النيل سنويا أثناء اندفاعه كميات كبيرة من الطمي، تقوم السدود بحجز المياه ووقف اندفاعها مما يفقدها القدرة على حمل الطمي الذي يترسب في قاع الخزان. لذلك تتضمن السدود المقامة على النيل ما يعرف بالتخزين الميت، وهو جزء من بحيرة السد لا يمكن الاستفادة منه في التخزين بسبب تراكم الطمي. خزان خشم القربة يمثل نموذجا صارخا لهذه المشكلة، فقد تدهورت سعته التخزينية بمعدلات سريعة، حتى بلغت حوإلى 30% فقط من حجم الخزان. وقد أدى ذلك الى تدهور الانتاج بصورة كبيرة جدا تكاد تصل درجة التوقف النهائي. نفس المشكلة يعاني منها خزان الرصيرص الذي فقد 30% من سعته، بالاضافة الى أن الطمي يتسبب في اغلاق مداخل التربينات وبالتإلى انخفاض التوليد الكهربائى بشكل حاد خلال موسم الفيضان.
    · فقدان الخصوبة:
    الطمى له وجه آخر مشرق، فهو يعطى الأراضى النيلية شهادة التميز بما يحمله اليها سنويا من كميات كبيرة من أجود أنواع السماد، وهو سماد عضوى، طبيعى، متجدد ومجاني. لذلك نجد أن الأرض الواقعة على ضفة النيل انتاجها أوفر، أعلي جودة، وأقل تكلفة، ويمكن أن يكون سعره مضاعفا اذا وجد التسويق المناسب، وذلك وفقا للأسعار العالمية للمنتجات العضوية. وقد سبقتنا مصر، بالرغم من محدودية الطمي عندها، باقامة مزرعة كبرى للمنتجات العضوية من مياه النيل في صحراء سناء، وتقوم بتسويق انتاجها بأسعار عالية جدا في الأسواق الغربية.
    · التغيرات المورفولجية:
    تستجيب الأنهار لأى تغيير في عناصرها الأساسية مثل كمية المياه والتغير اليومي والموسمي في هذه الكميات وحجم ما يحمله النهر من طمي، وتظهر هذه الاستجابة في شكل هدام في بعض المناطق، وترسيب في مناطق أخرى. وقد عانى سكان النيل كثيرا من التغيير الناتج عن بناء سدود الرصيرص والقربة ومشاريع الرى المصاحبة لها، فتزايدت ظاهرة الهدام وأطاحت بكثير من الأراضى الزراعية ومنشآت الرى والمباني، وانتشرت كذلك ظاهرة الاطماء فأضافت أراضى جديدة لم تكن موجودة، وابتعد مجرى النهر في كثير من المشاريع بمسافات تزيد عن كيلومتر من مضارب الطلمبات. هذه الظاهرة معقدة من الناحية الهندسية وتحتاج لأبحاث ودراسات جادة وطويلة للقضاء عليها، وقد بدأت محطة البحوث دراسة لها في مطلع الثمانينات، لكنها لم تتواصل لضعف الميزانيات المخصصة. وقد خصصت وزارة المالية ميزانيات محدودة لاقامة مشاريع لحماية المنطقة من أخطار الهدام والأطماء، ولم يكتب لهذه المشاريع النجاح بسبب ضعف الدراسات الهندسية وشح الميزانيات. ولو وجه جزء يسير من ميزانيات السدود لحل مثل هذه المشاكل لفاض انتاج الشمالية.
    · تهجير السكان:
    تعتبر تجربة تهجير أهإلى حلفا من أكثر التجارب المؤلمة، وتضاهى في آثارها السيئة الحروب الأهلية، لأن الأخيرة تنتهي بنهاية الحرب، في مقابل فقدان المهجرين لأراضيهم ومجتمعهم بصورة دائمة. تعتبر تجربة حلفا من أوائل التجارب العالمية للتهجير، فاستن السودان بذلك أسوأ سنة، طالت من بعدنا 40 مليون انسان تأثروا بمشاريع التهجير في كل أنحاء العالم. والآن، بعد أكثر من 40 سنة لا تجد أى محاولات جادة لدراسة هذه المشكلة وآثارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وباستمرار هذا الموقف السلبي من غير المستغرب أن تتكرر التجربة مرات عديدة.

    · اغراق الأراضي:
    أغرقت سدود جبل أولياء والسد العإلى كميات كبيرة من الأراضى الزراعية والسكنية المتاخمة للنيل، وهي من أحسن الأراضي وأعلاها انتاجا، وفقد السودان موردا متميزا لا يمكن مقارنته بالأراضي الأقل قيمة في المناطق البعيدة عن النيل.
    · تدمير الآثار التاريخية:
    كانت حلفا من أغني بلاد الدنيا بآثارها، وكانت قبلة السياح من كل بلاد العالم، وتميزت بأنها المدينة الوحيدة، عدا العاصمة، التي بها مطار دولي، وفرع لفندق السودان الفاخر. منطقة حلفا كانت مستودع كبير لآثار مملكة النوبة، أبدت منها على سطح الأرض معبد بوهين وكميات كبيرة من التماثيل والآثار التي تم نقل جزء منها على عجل الى متحف السودان القومي، وما خفى منها في باطن الأرض كان أعظم. ومعروف أن السودان لم يول الآثار الاهتمام اللازم، ولم يسع بجدية للكشف عن آثار الحضارة النوبية والتي أثبتت المحاولات البسيطة التي قامت بمبادرات خارجية أو فردية، أثبتت علو همة هذ الحضارة وأكدت أنها أقدم وأعرق الحضارات الأفريقية، وأنها كانت في كثير من الأحيان ندا للحضارة المصرية القديمة، ومتفوقة عليها في أحيان أخرى. وتدل كل الاستكشافات والدراسات الحديثة على أن ماتم اكتشافه من الآثار النوبية لا يمثل سوى القمة الجبل الجليدي، وتبقي الكتلة الأساسية للجبل خافية عن الأنظار. ونحن لم نكتف باهمال هذه الثروة القومية، بل وصل الحد بوزير الثقافة عبد الله محمد أحمد، أن يأمر بتكسير آثار المتحف القومي لأنها أصنام ورجس من عمل الشيطان، ولو أن هذا الأمر صدر من وزير الشئون الدينية لتفهمنا الدوافع، لكن أن يأتي من المؤتمن على تاريخنا الثقافى، فهذه واحدة من محن الزمان.
    المقال القادم سوف يتناول باذن الله تقييم سدود الشمالية من منظور تجارب السدود العالمية والمحلية، ويقارن بين ايجابيات هذه المشاريع وسلبياتها، وهل هي مشاريع تنمية وتعمير أم سدود افقار وتدمير.
                  

10-02-2010, 09:12 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل, السدود والانفصال (5): جدوى سدود الشمال في الميزان
    مارس 2nd, 2010 كتبها hana bdr نشر في , التطور,

    لا يوجد تعليق,

    بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار

    جدوى سدود الشمال في الميزان


    تنوي الحكومة انشاء 4 سدود في المنطقة الممتمدة من بربر جنوبا و حتى حلفا شمالا, منها سد مروى و الذي اكتمل تشييده عام 2008, سد دال جنوب وادي حلفا, سد كجبار و سد الشريك على الشلالات الثالث و الخامس. تهدف هذه السدود لتوليد الكهرباء كهدف أساسي, و التنمية الزراعية كهدف ثانوي, و تنمية المنطقة بصورة عامة عن طريق اقامة عدد من المشاريع المصاحبة للسدود, و تشتمل على طرق و كبارى و مساكن, و تتولى هيئة تنفيذ السدود اختيار و دراسة و تمويل و تنفيذ هذه المشاريع. و قد دفعت الحكومة و ستدفع بسخاء غير معهود أكثر من 10 مليار دولار في فترة قصيرة نسبيا, و في مساحة صغيرة جدا من وطن المليون ميل مربع.

    وجدت فكرة بناء السدود معارضة قوية من أهالى المناطق المتأثرة, قابلتها الحكومة بتكوين كتائب أمنية للدفاع عن السدود¸ فسقط عدد من الشهداء في أمرى, كجبار و الشريك, و تم اعتقال أعداد كبيرة من المواطنين. و قد أدى ذلك ليتساءل الناس عن حقيقة هذه السدود و ما الجدوى من قيامها, و لماذا يرفضها البعض حتي يبذل روحه و ماله و سكينته, و يصر عليها آخرون حتى و لو على جثث الأبرياء. لمعرفة الحقيقة يلجأ المرء أول ما يلجأ لنتائج دراسات الجدوى, و قد صرح المسؤولون باكتمال دراسات مشاريع السدود المقترحة, و أنها قد أثبتت جدواها, و بالتالي تأمل الحكومة أن يكون ذلك كافيا لتخرس المعارضين للمشروع و تبرئ ذمتها .

    لو أن المسؤولين تحروا الصدق فيما قالوا فقد أوفوا و زادوا, و لأدت نتائج هذه الدراسات لاخراس المعارضين, بل أن الجميع كان سيقف خلفهم و يبايعهم, فما أجمل أن يكون اقتصادنا القومى قويا معافي, ونرى أحلامنا الوردية في وطن شامخ عزيز تتحقق. و لكن واقع الحال يقول أن هذه الدراسات لا يعول عليها لأنها فاقدة المصداقية, و بعيدة عن المنهج العلمي القويم.

    لا شك أن دراسات الجدوى من الأدوات الهامة جدا و خطوة حتمية لأى مشروع, بل أن المشاريع الكبرى تتطلب أكثر من مرحلة من دراسات الجدوى. لكن هذه الدراسات تعتمد الى حد كبير على مدخلاتها و ينطبق عليها القول garbage in, garbage out . فعدم صحة مدخلات و فرضيات الدراسة الأساسية يمكن أن يغير تماما من نتائجها, و قد يحدث ذلك عن حسن نية, و لكن أيضا من الشائع حدوثه عمدا بقصد توجيه الدراسة لخدمة أهداف مسبقة. و دراسات الجدوى مطية سهلة القياد اذا ما ساءت النوايا, و حل القرار الفردي محل القرار المؤسسي الذي يتسق مع الخطط الشاملة, و يعتمد على المنهجية و تضمنه الشفافية و يحرسه مبدأ محاسبة المسؤولين.

    و لكي تصح دراسة الجدوى فلا بد أن يسبقها جهد فني شاق, و عمل متكامل يجمع بين مؤسسات الدولة المتخصصة, و ذلك حتى تتوفر المعلومات الصحيحة و الفرضيات الأساسية للدراسة. و كمثال لذلك فقد تقدمت الحكومة سنة 1987 بطلب للبنك الدولى لتمويل تعلية خزان الرصيرص, و كان الطلب مصحوبا بدراسة جدوى رصينة قام بها مكتب استشاري معتمد هو الاكساندر جب, لكن عند مراجعة خبراء البنك للدراسة لفت نظرهم أن معدل العائد الداخلى IRR يساوى 22% و هي نسبة عالية جدا لمشاريع السدود. كون البنك لجنة من الخبراء لمراجعة الدراسة بمشاركة الحكومة و المكتب الاستشاري, و انتهت المراجعة الى أن بعض المعلومات الأساسية عن كفاءة استخدام المياه و بالتالي العائد المادي لمشاريع الري غير دقيقة و لا تستند على خلفية علمية كافية, و اتفق الجميع على ضرورة تحديد هذه المدخلات من خلال دراسات مساعدة, يتم بعدها مراجعة جدوى المشروع و تعديلها وفقا لنتائج الدراسة.

    أوردت هذه الحادثة لأدلل على أن دراسة الجدوى, حتى و ان خلصت النوايا, يمكن أن تؤدى لنتائج خاطئة اذا لم يبذل الجهد الكافي لتوفير أرضية صلبة من المعلومات الأساسية. وهنالك مثال شبيه آخر من مصر الشقيقة, لكنه محفوف بسوء النية, فقد قامت الحكومة المصرية باستصلاح أكثر من مليون فدان في الصحارى المصرية, و اتفقت مع مكتب استشارى أمريكى لتقييم جدوى هذه المشاريع, و جاءت الدراسة ايجابية, لكن المكتب الاستشاري أوضح أن الدراسة تمت بفرضية أن سعر المتر المكعب للمياه .0.05 جنيه و هو السعر التشجيعى, بينما يبلغ السعر الحقيقى 4 أضعاف ذلك المبلغ. أكدت الدراسة أنه بافتراض السعر الحقيقي للمياه فإن معدل العائد الداخلي يتغير الى سالب, بمعني أن المشروع خاسر ماديا, و أن الحكومة المصرية تدفع مبالغ طائلة سنويا لابقاء المشروع على قيد الحياة . هكذا تحول المشروع من خاسر كبير الى رابح, و السبب محاولة الحكومة التأثير على النتائج بوضع فرضيات غير حقيقية.

    و قد بدأت الانقاذ عهدها و هي منكرة تماما لفكرة دراسات الجدوى, ففي عام
    1991
                  

10-02-2010, 09:52 AM

حمزاوي
<aحمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    أشدوو
    أشدوو
    أشدوو

    مأساة عبود لن تعود
                  

10-02-2010, 03:41 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: حمزاوي)

    مياه النيل, السدود والانفصال (6) : جدوى سدود الشمال في الميزان .. بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
    الجمعة, 12 مارس 2010 18:38
    [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
    جدوى سدود الشمال في الميزان 2
    السدود منشآت عظيمة, فادت البشرية كثيرا, لكن لأنها تتطلب استثمارات مالية ضخمة و تتسبب في دمار واسع , و آثار بيئية و اجتماعية عميقة, فلا بد أن تسبقها دراسات متميزة و مفصلة لضمان تحقيق الفوائد المرتجاة منها, و لتفادى السلبيات التي تحيط بها من كل جانب. و هذا القول ينطبق أيضا على سدود الشمال, فلا يمكن لأحد أن ينكر أنها ستقوم بتوليد كميات كبيرة من الطاقة, و سوف تدخل هذه الطاقة بكاملها الشبكة القومية قبل أن يلج الجمل سم الخياط, و ذلك خلافا لما قيل على لسان المدير السابق للهيئة القومية للكهرباء, و سوف تخضر مساحات مقدرة من صحاري الشمال بمياه هذه السدود. لكن مثل هذه المشاريع تدخل في عمق النسيج الاقتصادى و الاجتماعي و البيئ, و لا يمكن النظر اليها الا من خلال هذا الترابط النسيجى, و من خلال التقييم الشامل لجدواها بموزانة هذه الفوائد مع السلبيات, و هي في مشاريع السدود كثيرة و متشعبة و معقدة.
    جدوى أى مشروع تعني قابليته للتنفيذ من الناحية الفنية, و تأكيد تفوقه علي غيره من الخيارات الممكنة لتحقيق الأهداف المعلنة, و أن تكون تكلفته في حدود الميزانية المعتمدة له, و أن يثبت تحليل عناصر التكلفة و العائد فائدة المشروع اقتصاديا و ربحيته ماليا. و تعتمد جدوى المشروع أول ما تعتمد علي صحة و دقة دراسات المشروع, و ثانيا على ادارة تنفيذ المشروع و ضبط تكلفته على مستوى عالى من المهنية و الكفاءة, و أخيرا على كفاءة عمليات تشغيله بعد نهاية التنفيذ.
    العامل الأهم في تحقيق جدوى المشروع هو مدى صحة و دقة دراسات المشروع, لذلك كان لابد لدراسات السدود أن تأتي على مستوى التحدى و على قدر المسؤولية, و أن تتسم بالصدق و التجرد حتى تنجح في تحقيق الأهداف القومية, و تتفادي السلبيات الخطيرة. ليتحقق ذلك كان من الضروري بدءا أن تتولى أمرهذه الدراسات الجهات المؤهلة لذلك بحكم تكوينها و وفقا لقوانين الدولة التي تنص على أن دراسة و تنفيذ و تشغيل السدود مسؤولية مشتركة بين وزارة الرى و الهيئة القومية للكهرباء, و هي قوانين موجودة و معتمدة و فاعلة, لكنها تقف عاجزة أمام التعدي اللامنطقى من قبل وحدة تنفيذ السدود التي استولت عل كل شئ فهي التي تختار المشاريع و تقوم بالدراسات و التصميمات و التعويضات و التنفيذ و التشغيل. انها مسؤولية تنوء بحملها أعتي المؤسسات مجتمعة, وحملتها وحدة تنفيذ السدود ظلما و جهلا. لقد جمعت الهيئة سلطات وزارات الرى, الكهرباء, الطرق و الكباري, الأشغال و المالية, و تمركزت هذه السلطات لدى شخص واحد يتبع مباشرة لرئيس الجمهورية, الذى هو نفسه لا يخضع للمساءلة, و بذلك تنال وحدة السدود سلطات مالية و ادارية غير محدودة, و في نفس الوقت تحجب عنها المساءلة الادارية و القانونية.
    ان مبدأ فصل السلطات الذي توافقت عليه البشرية منذ الثورة الفرنسية ينطبق بنفس القوة على المشاريع الهندسية, و نفس الفقه التشريعي الذي ينص علي ضرورة الفصل بين السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية, ينص هندسيا على الفصل بين ادارة المشروع و التصميم و التنفيذ. العالم الآن ينقسم بين دول متقدمة و دول نامية و أخرى دون ذلك, وبحكم وجودنا في الفئة الأخيرة فدائما ما يقفز للأذهان السؤال الجوهري: ما الذي يميز بين هذه الفئات من الدول؟ الاجابة في نظري و ببساطة هي: انه العمل المؤسسي المبني على تنظيم متين و مناهج فاعلة و قوانين نافذة , و يقوم على مبدأ المحاسبة و احترام القانون و الفصل بين السلطات. و ما تقوم به ادارة السدود هو بمثابة معول ضخم يهدم القليل الذي ورثناه من عمل مؤسسي, و يسبب خرابا وطنيا عظيما لا تبنيه سدود و لا كباري.
    دراسات مشاريع السدود يجب أن تتوافق مع المواصفات العالمية و تأخذ التجارب المحلية السابقة في الاعتبار, و من أكثر المواصفات شمولا و قبولا هو ما قدمته اللجنة العالمية للسدود بعد بحث شامل لتجارب السدود في العالم خلال قرن من الزمان, و قد أصدرت اللجنة تقريرها في العام 2000, متضمنا خلاصة التجربة العالمية تم صياغتها فى شكل عدد من الموجهات, و أوصت باتباعها عند القيام بدراسة أى مشروع لضمان نجاحه. و هذه الموجهات في مجملها بسيطة جدا, خالية من التعقيدات و تتسق مع المنهج الهندسي السليم و المنطق القويم, لذلك وجدت القبول عند معظم الدول و المؤسسات العلمية. و اذا نظرنا للدراسات التي سبقت قيام سدود الشمال من منظور هذه الموجهات نخلص للآتي:
    • الموجه الأول يتطلب التأكد من وجود حاجة حقيقية لقيام السدود, و أن يكون قيام السد هو الحل الأمثل: تقييم هذا الأمر يتطلب الرجوع الى الخطة الشاملة لتنمية الموارد المائية, هذه الخطة تضع سد مروي وحده كمشروع عاجل, و بقية المشاريع موجودة لكن في مؤخرة قائمة المشاريع المقترحة, و حتى سد مروى لا يوجد بالكيفية التي نفذ بها كما سيتم تفصيله لاحقا. و كان من حرص مؤسسة الدولة آنذاك ( في الثمانينات) أنها وضعت شروط لدراسات السد تطابق الى حد كبير موجهات اللجنة العالمية للسدود, بالرغم من أن اللجنة لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
    الهدف من هذه السدود هو توليد الكهرباء و زيادة الرقعة الزراعية, و هي من غير شك تحقق هذه الأهداف, لكن ليست هي الحل الأمثل, و ليست هنالك دراسات بديلة للخطة الشاملة تبرر قيام هذه السدود و تضعها في مقدمة أولويات الدولة, لذلك فهي مخالفة للموجه الأول اذ أن الثمن الذي سيدفعه الوطن و المواطن أكبر بما لا يقاس من العائد, و حتي لا يكون القول جزافا, سوف أعود لتفصيل هذا الأمر في مقالات فوائد السدود و سلبياتها.
    الحاجة الوحيد التي أراها ليست هي حاجة السودان للسدود, و انما حاجة وحدة تنفيذ السدود لها, و المثل يقول:
    When all you have is a hammer, everything begins to look like a nail
    و ترجمة المثل اذا كان كل ما تملكه مطرقة فحسب, فسوف يتراءى لك كل شئ كأنه مسمار. صاحب امبراطورية السدود بنفاذه السياسي لا يملك من مواهب الدنيا سوي سطوة السلطان و امبراطوريته, فصار يري الدنيا من خلال هذه الامبراطورية و يستغل نفاذه و ضعف خصومه في وزارة الرى في توجيه كل امكانات الدولة الحالية و المستقبلية في طرق مساميره أو خوازيقه المسماة بالسدود.
    • الموجه الثاني يقول بضرورة اجراء دراسات مفصلة و تقييم شامل لكل البدائل المتاحة لتحقيق أهداف المشروع: بدءا هيئة السدود ليست مؤهلة لاجراء هذه الدراسات و هذا التقييم, فهي تقوم بعمل وزارات الرى, الكهرباء, الزراعة, الطرق و الكباري, التخطيط الاقتصادي و المالية, من غير أن يكون لها الكوادر الكافية و الخبرة للقيام بهذه الدراسات بالكفاءة المطلوبة.
    من المفترض أن تتم دراسة بدائل و سيناريوهات تبدأ على المستوى القومى لتحديد أولويات تنفيذ المشاريع في القطاعات و الأقاليم المختلفة. بعد ذلك تنزل الدراسات الى مستوى القطاعات, فتدرس البدائل المختلفة لسد الفجوة في توليد الطاقة, و بدائل الاستغلال الأمثل لمياه النيل في رى المشروعات الزراعية. ثم تنزل الدراسات مستوى آخر لتنظر في بدائل و سيناريوهات السدود من حيث السعة التخزينية, المواقع, الأراضى المغمورة, حجم التوليد, المساحات المروية وفاقد التبخر.
    صحة هذه الدراسات مربوطة بأن تتصف الجهة المشرفة عليها بالحيادية, و الخبرة و التأهيل الفني, و هذا ما لايتوفر لدى وحدة السدود. و يقيني أن الدراسات لو تمت بهذه الكيفية لتساقطت مشاريع سدود الشمال في الطريق, الواحد تلو الآخر, و ما سيتبقي منها سيكون مختلفا تماما في ملامحه عما يتم تنفيذه حاليا.
    • الموجه الثالث يؤكد ضرورة الشفافية في كل مراحل المشروع: و الشفافية تعني تمليك معلومات المشروع, و تداولها مع كل الجهات المتأثرة بالمشروع سلبا و ايجابا stakeholders . و تشمل هذه الجهات أول ما تشمل مواطني المنطقة, ثم المؤسسات الحكومية و من بعدها وسائل الاعلام و عامة المواطنين. المعلومات التي يفترض تمليكها تشمل منسوب الخزان, الأراضي المعرضة للغرق,الدراسات البيئية, برنامج انقاذ الآثار التاريخية, دراسات الجدوى, دراسات البدائل, برنامج اعادة التوطين, منصرفات المشروع.
    مراجعة قائمة المعلومات أعلاه يوضح بعد الهوة بين ما هو مطلوب لتحقيق الشفافية و ما هو متوفر, فحتى الجهات الرسمية خارج الدائرة الضيقة بهيئة السدود, لا تملك الحد الأدنى من المعلومة. أما مواطني المنطقة فتتقاذفهم أمواج الشائعات, و تقتلهم الحيرة و القلق على مستقبلهم المجهول و ماضيهم العريق المهدد بالدمار.
    • الموجه الرابع هو كسب القبول العام لقيام السد: و هذا لا يتحقق من غير شفافية, و احترام للمواطنين و الرأى العام, و التواصل المستمر معهم و النقاش الهادف وصولا للمصلحة العامة. لم تجد السدود القبول لأن السلطات لم تسع لذلك بتمليك الحقائق و مشاركة مواطني المنطقة و المؤسسات العامة و الشعبية ذات الصلة. و لازالت الهوة ممتدة بين الطرفين لا سبيل لردمها اذا لم تسع السلطات بجدية لكسب القبول, و هو أمر لا يمكن حدوثه لأنها عندئذ ستضطر لكشف سلبيات و ممارسات مهنية و مؤسسية غير سليمة.
    • الموجه الخامس هو الاهتمام بالدراسات البيئية و الاجتماعية على قدم المساواة مع الدراسات الفنية و الاقتصادية: قامت مؤسسة ايواق السويسرية الحكومية المتخصصة في مجال أبحاث البيئة و المياه, قامت بمراجعة تقرير الدراسات البيئية لسد مروى و الذى أعدته شركة لامير, و قد قامت بهذه المراجعة بمبادرة ذاتية كجزء من اهتماماتها العلمية و البحثية. و قد لخصت مؤسسة ايواق نتائج مراجعتها في الآتي:
    * الدراسات البيئية التي قامت بها لامير بعيدة تماما عن تحقيق المستوى المطلوب لمثل هذه الدراسات حسب المواصفات الأوربية و العالمية, و تشتمل على كثير من العيوب.
    * ركزت دراسة لامير على جانب اعادة التوطين فقط و أهملت الجوانب الأخرى من الدراسة.
    * فشلت الدراسة في الاستفادة من المراجع العلمية الحديثة و التجارب المماثلة في هذا المجال.
    * لم توضح الدراسة كيفية ادارة مشاكل الاطماء و استخدمت فرضيات مبهمة لا تستند على تحليل علمي لكميات الطمى و كيفية الحد من آثاره السلبية.
    * لم تقدم الدراسة أى تحليل علمي للتأثيرات المورفولجية ( طبيعة النهر), المتوقعة نتيجة للتغيرات اليومية و الموسمية الكبيرة في مناسيب النهر أسفل السد, أوتقوم بتقدير حجم هذه المشكلة و لم تقدم حلولا لكيفية التعامل معها.
    * لم تبذل الدراسة جهدا علميا في بحث الآثار الصحية على مياه بحيرة السد, و انبعاث الغازات الحرارية.
    * لم تقوم الدراسة ببحث أثر قيام السد على حركة الأحياء المائية و كيفية الحد من الآثار السلبية.
    بالاضافة لذلك فالدراسات أهملت تماما واحد من أهم أركانها و هو دراسات الآثار التاريخية, و القليل الذي تم كان نتيجة لضغوط خارجية و مبادرات فردية. و قد شاركت كثير من المؤسسات الأجنبية في حملة انقاذ ما يمكن انقاذه, وسابقت الزمن لاكمال عملها قبل غمر الأراضي بالمياه, لكن الزمن كان هو الأسبق حسب ما روته بحسرة المصادر المشاركة في هذه الدراسات, و التي صرحت بأنها لم تتمكن الا من انقاذ جزء يسير جدا من الثروة التاريخية الموجودة في هذه المناطق ذات التاريخ العريق. و المصيبة أن نفس السيناريو سوف يتكرر مرة بعد الأخرى مع باقي السدود.
    • الموجه السادس هو أن يضع المسؤولون مصلحة المتأثرين وانتفاع مواطني المنطقة ضمن أولويات المشروع: المتأثرون أدرى بمصلحتهم, و قد قالوا كلمتهم و أعلنوا رفضهم و وقفوا في وجه السلطة بكل جبروتها, و بذلوا أرواحهم فداء لمنطقتهم, فهل هنالك رد أكثر بلاغة من ذلك على القائل بأن السدود راعت مصلحة مواطنى المنطقى و انتفاعهم.

    العامل الثاني لضمان جدوى مشاريع السدود هو ادارة المشروع أثناء مرحلة التشييد و ضبط تكلفته على مستوى عالى من المهنية و الكفاءة, فجدوى المشروع هو عملية مفاضلة بين المنصرف و العائد, و قد تضخم الصرف على سد مروى بصورة كبيرة نتيجة للسلطات المالية غير المحدودة الممنوحة للوحدة مع غياب المحاسبة, بالاضافة للاستغلال المضخم للسد في الدعاية السياسية, و سيل الوفود القادمة من كل فج عميق محمولة على ظهور الطائرات الخاصة و البصات المكيفة, و الدعاية الضخمة التي صاحبت السد منذ بدء تنفيذه.
    كذلك زادت التكلفة زيادة كبيرة نتيجة لابعاد الهيئة القومية للكهرباء من متابعة العمل , و الذي هو في الأصل من صميم مسؤولياتها, و قد نتج عن ذلك عبأ كبير على تكلفة السد بسبب التعديلات و الاصلاحات التي ما تزال جارية لتفاديى الأخطاء الغير المبررة و التي ستكلف دافع الضرائب مئات الملايين من الدولارات, و المصيبة أن الهيئة القومية للكهرباء قد تنبأت بحدوث ذلك الخطأ قبل سنوات من افتتاح المشروع, و قدمت مذكرة قبل 3 أعوام تنذر و تؤكد عدم امكانية دخول كهرباء مروي في الشبكة القومية, و تنادي بضرورة تفادي هذه الكارثة, و اقترحت الحلول لذلك, و لكن قد أسمعت لو ناديت حيا, و لا حياة لمن هو محصن من المحاسبة الادارية و المساءلة القانونية.
    بالاضافة للتكلفة المباشرة لمشكلة عدم دخول كهرباء مرو للشبكة القومية, فهنالك تكلفة تجميد رأس مال المشروع لفترة سنة كاملة كان من المفترض و حسب دراسات الجدوى أن يتم فيها انتاج الكهرباء, و بحسابات بسيطة نجد أن هذه التكلفة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات.
    العامل الثالث في تحديد مدى جدوى السدود هو تشغيل السدود بعد الانتهاء من تشييدها, و هي المسؤولية التي آلت بكاملها لوحدة تنفيذ السدود, و ذلك في تناقض واضح حتى مع اسمها و الذي بدأ صغيرا تحت لافتة وحدة تنفيذ سد مروي التابعة لوزارة الري, ثم كبرت و صارت وحدة تنفيذ السدود و انتقلت تبعيتها لرئاسة الجمهورية, و تمددت بعد ذلك في صمت و اصرار لتستولى على المسؤوليات في كل اتجاه, و من ضمن هذه المسؤوليات ادارة و تشغيل السدود و محطات توليد الكهرباء و المشروعات الزراعية. و من المؤكد أن ذلك التوسع أكبر بكثير من قدرة وحدة تنفيذ السدود و لا يمكنها من ادارة و تشغيل هذه المنشآت بالكفاءة المطلوبة وبالتالي يضعف كثيرا من قيمة العائدات المتوقعة لهذه السدود, و يؤثر سلبا على معادلة الجدوى التي تسعى لخفض المنصرفات في احدى كفتيها و الى زيادة العائد في الكفة الأخرى.
    و لكى تكتمل الصورة لا بد من تقييم فوائد السدود و سلبياتها و هذا ما سوف أتناوله في المقالات القادمة باذن الله.

                  

10-02-2010, 10:49 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل، السدود والانفصال (7): فوائد سدود الشمال في الميزان ..
    بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار


    فوائد سدود الشمال في الميزان
    لا شك أن لسدود الشمال فوائد كبيرة تحققها من خلال الهدف الأساسي وهو توليد الطاقة الكهربائية، وبصفتي مهندس سابق في وزارة الرى فقد شاركت في دراسات سد مروي وكنت أشد الناس حماسا لقيام هذا السد. كان ذلك في النصف الثاني من الثمانينات، وكان مخططا وقتها أن يقوم السد بتمويل من البنك الدولي، الذى تكفل بدراسة الجدوى والتي أعدتها شركة مونينكو الاستشارية الكندية، وأبدى موافقته المبدئية على تمويل السد، بشرط اجراء دراسات بيئية واجتماعية مفصلة. ولو قدر لسد مروى أن يقوم وفقا للمواصفات التي وضعت في دراساته الأولية ، وبناءا على الرؤيا الفنية وحدها، بعيدا عن التدخلات السياسية، لاختلف الحال تماما ولوجد الدعم من الجميع.
    أبدأ بتقييم الفائدة الأساسية وهي التوليد الكهربائي، فسدود الشمال سوف تحتوي على محطات بسعة اجمالية تقدر ب 2350 ميقاوات، منها 1250 من مروى، 300 من كجبار، 400 من دال و400 من الشريك. سوف تعمل هذه المحطات في المتوسط ب 50% من طاقتها القصوي ليكون جملة انتاجها السنوي 10,000 قيقاوات ساعة في السنة.
    تبلغ سعة محطات توليد الكهرباء بالشبكة القومية، من غير هذه السدود، 1700 ميقاوات، منها 340 من السدود القائمة، والباقي من محطات حرارية، غازية وديزل. بعد اكتمال السدود سترتفع السعة الاجمالية الى 4050 ميقاوات، أى أن هذه السدود سوف تضاعف السعة الاجمالية لمحطات التوليد. بالاضافة لذلك تقول الدراسات أن التوليد الكهربائي من هذه السدود له ميزات تجعله يتفوق على غيره من البدائل، ويتلخص ذلك في الآتي:
    · أقل تكلفة: تفيد دراسات السدود بأن تكلفة توليد ونقل الكهرباء تقل كثيرا عن غيرها من البدائل مثل التوليد الحرارى، الطاقة الشمسة وطاقة الرياح.
    · تحقق ربحية عالية، اذ تشير الدراسات الى أن التوليد الكهربائى من سد مروى مثلا يحقق معدل عائد داخلي 31%، صافي ربح 57 مليار دولار لفترة العمر الافتراضي للسد وهى 50 سنة، وهى مؤشرات ربحية عالية جدا وجاذبة لأى مستثمر.
    · أقل أعطالا من المحطات الحرارية، لذلك فهي توفر الثبات والاعتمادية المطلوبة في محطات الكهرباء بصورة أكبر.
    · أقل اضرارا بالبيئة وتتسبب في توليد كميات أقل بكثير من الغازات المدمرة للبيئة.
    هذه صورة وردية فعلا تجعل كل من ينظر اليها نظرة أحادية قصيرة المدي يعجب بجمال اللوحة ويتعجب من وجود معارضين لهذا المشروع الضخم. لكن تمعن النظر، وتجميع الأجزاء المخفية من اللوحة يغير الرؤيا تماما، وسيتضح هذا بعد تقييم السلبيات، لكن قبل ذلك أود أن ألقي الضوء على مجموعة نقاط جوهرية، أرى أن تقييم فوائد التوليد الكهربائى لا يكتمل من غير وجود هذه النقاط في الخلفية الذهنية للمتمعن في فوائد السدود:
    · التوليد الكهربائي من سدود النيل يتميز بضعف استغلال السعة التصميمية للمولدات، وذلك للطبيعة الهايدرولوجية للنهر الذي يتميز بفيضان عالى جدا مصحوب بكميات كبيرة من الطمي، يتسبب ذلك في انخفاض كبير جدا في التوليد في فترة الفيضان، لذلك نجد أن متوسط تشغيل المحطات السنوى هو 50% من سعتها القصوى.
    · الدراسة أغفلت أو قللت من أهمية كثير من الجوانب التي تزيد التكلفة وتقلل من العائد وبالتإلى تؤثر سلبا على المؤشرات الربحية الواردة أعلاه، أهم هذه الجوانب هى التعويضات واعادة التوطين، الفاقد المائى، تكلفة ترويض النهر لتفادى الهدام وتغيرات المناسيب ومجرى النهر، انقاذ الآثار التاريخية، بالاضافة للعوامل الأخرى المفصلة أدناه.
    · بسبب الانخفاض الكبير والذي يمكن أن يصل الى 80% في فترة الفيضان لا بد من وجود احتياطي من التوليد الحرارى لمقابلة الاستهلاك العإلى في هذه الفترة وسد الفجوة التي تمتد لأكثر من شهرين. هذا يعني وجود بديل أو بناء محطة حرارية ضخمة لا تعمل الا خلال أشهر الفيضان مما يزيد تكلفة التوليد الكهربائي. هذه الظاهرة معروفة تماما حينما كانت الشبكة القومية تعتمد على سد الرصيرص، فتحدث القطوعات المستمرة في الفترة من يونيو الى سبتمبر.
    · تكلفة فاقد المياه في بحيرات السدود، ويقدر الفاقد ب5 مليار متر مكعب سنويا، واذا اعتبرنا فرضا أن هذه المياه كانت ستستخدم لزراعة القمح، فانها تكفي لزراعة حوإلى 1,7 مليون فدان، تنتج أكثر من 3 مليون طن سعرها الاجمإلى 600 مليون دولار، واذا اعتبرنا تكلفة الانتاج 50%، يصبح صافي عائد المياه المفقودة 300 مليون دولار سنويا تضيع بسبب تبخر المياه من السدود.
    · فاقد المياه لا ينحصر عند التكلفة المالية بل يتجاوزها الى مردود خطير جدا هو التأثير السلبي في علاقة السودان بدول حوض النيل، فبالنظر للحرب التفاوضية الساخنة التي تدور بين دول منابع حوض النيل من جهة والسودان ومصر من جهة أخري، نجد أن هذا الفاقد بمثابة صب الزيت على النار المشتعلة بين الفريقين، لأن دول المنبع ستعتبره اهدارا غير منطقي لمواردها، وذلك يعطيها مبررا اضافيا لتزيد من صلابة موقفها التفاوضى والذي ينذر بنقص كبير في نصيب السودان من هذه المياه، والشهور القادمة حبلي بالكثير في هذه القضية المحورية.
    · بالرغم من أن الطاقة المنتجة من السدود هي الأقل ضررا للبيئة، لكن الدراسات التي قامت بها [لامير] حاولت تجميل صورة السد فقللت كثيرا من كميات الغازات الضارة بالبيئة الناتجة من بحيرة السد، وهي محاولة منحازة وليست مبررة وتدل على انحياز الاستشارى حتى في الأمور الثانوية، لأن جملة الغازات الضارة بالبيئة التي تنبعث من السودان تعادل 0.3 طن، وهي أقل كثيرا جدا من المعدل العالمى، وبالتإلى فالسودان لا يزال لديه هامش كبير للمناورة في هذا المجال.
    · دراسات ما قبل الجدوى التي قامت بها شركة سويكو الاستشارية السويدية عام 1983 درست ثلاثة بدائل لسد مروى، الأول هو اقامة سد واحد كبير، وهو المشابه للذي تم تنفيذه الآن، البديل الثاني هو اقامة سدين أقل حجما، والثالث هو اقامة ثلاثة سدود صغيرة بتخزين منخفض جدا على نمط ما يعرف بسدود جريان النهر، run of the river dams، وهي السدود التي تعمل على الاستفادة من الفارق الطبيعي في مناسيب النهر، وعلى وجود مرتفات جبلية تساعد على الحد من الانتشار الأفقي لبحيرة السد. وقد خلصت الدراسة الى أن الخيار الأخير هو الأفضل، يليه الثاني، أما الأول فهو غير مقبول على الاطلاق، وقد أمن خبراء البنك الدولى على ذلك واعتمدت وزارة الرى الدراسة. ويتميز البديل الثالث على الأول بلتالي:

    o يوفر كميات المياه الكبيرة التى تفقد بواسطة التبخر في السدود الحالية، وذلك لعدم وجود بحيرة ضخمة.
    o تجنب الآثار الكارثية المتمثلة في تهجير السكان، اغراق الأراضى، تدمير الآثار التاريخية.
    o تجنب كل مشاكل الاطماء من ترسيب في بحيرة السد وهدام علي الشواطئ والمنشآت وفقدان للسماد الطبيعي.
    o الاستفادة السريعة من رأس المال الابتدائي وذلك لقصر الفترة التي يتم فيها بناء السد مقارنة بالخيار الأول، وبالتإلى دخول الكهرباء المنتجة للشبكة خلال فترة وجيزة.
    قبل 3 عقود بدأ عمل مشترك بين أثيوبيا والسودان، وبتمويل ودعم فني من الحكومة الفنلندية، يهدف هذا العمل الى التنسيق بين الدولتين لاقامة عدد من السدود الضخمة للتوليد الكهربائى في أثيوبيا، وتصدير الكهرباء عبر السودان مقابل أن يستهلك جزءا منها. توقف المشروع لأسباب سياسية، ولو قدر لهذا العمل الاستمرار لأسهم في التخفيف كثيرا من أزمة سدود الشمال.
    الطاقة الانتاجة الحالية للكهرباء تتيح للمواطن السوداني 100 كيلوات ساعة سنويا من الطاقة الكهربائية، وهذه الكمية تكفي فقط لانارة لمبة صغيرة,40 شمعة، 6 ساعات في اليوم لمدة سنة. بعد اكتمال سدود الشمال سيرتفع الرقم الى 220 كيلوات ساعة في السنة، أى أن المواطن سيكون موعود بانارة لمبة أخرى.
    الانتاج الحالى من الكهرباء يجعل الفرد في السودان من أكثر الناس في العالم افتقارا للطاقة الكهربائية، فمصر مثلا نصيب الفرد فيها يقدر ب (1,300)، ويرتفع ذلك في السعودية الى (6,600)، قطر (16,600,) ، وآيسلندا (28,000)، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد في العالم (4,000) كيلو وات ساعة، أى 40 ضعف نصيب المواطن السوداني.
    هذه الأرقام توضح بعد الهوة بين واقع انتاج الكهرباء في السودان والمتوسط العالمي، أو حتى الاقليمي، فلكي نماثل مصر نحتاج ل4 أمثال سدود الشمال مجتمعة، ولكي نصير مثل السعودية نحتاج الى سدود تساوى سدود الشمال مجتمعة 25 مرة، اما اذا تطلعنا الى المعدل القطرى فسوف نحتاج الى بناء سد في كل قرية ومزرعة في المساحة الممتدة من الخرطوم الى حلفا، وهذا غير ممكن علميا وعمليا وماديا.
    من ناحية أخرى نجد أن نسبة الكهرباء المنتجة من سدود الشمال عند اكتمالها جميعا تساوى حوالى 20% من مجموع الطاقة الكهربائية المنتجة سنويا، سوف تتناقص هذه النسبة لأن التوليد من سدود الشمال ثابت على المدي القصير ومتناقص على المدي الطويل ليتلاشى بانتهاء العمر الافتراضي للسدود والمقدر ب50 سنة، بينما التوليد من البدائل الأخرى متزايد ولا تحده حدود. فاذا افترضنا أن السودان سوف يحقق متوسط الاستهلاك العالمي في الكهرباء وهو 4,000 كيلوات ساعة، كما تخطط الهيئة القومية للكهرباء في العام 2030، فسوف تساهم سدود الشمال بأقل من 5% من الكهرباء المنتجة. أى أن هذه السدود سوف تحقق انجازا مؤقتا تتلاشى أهميته مع الزمن، بينما تبقي آثاره التدميرية مدى الحياة.
    في المقابل يمكن النظر الى المشروع الذي أكملته شركة بهارات الهندية مؤخرا بمدينة ربك بتمويل من الحكومة الهندية يبلغ 350 مليون دولار بسعة انتاجية 500 ميجا وات، والتأمل في هذا الخيار المتاح مع غيره من الخيارات الكثيرة التي مهما كانت آثارها السلبية، فهي لا تقارن مع سلبيات سدود الشمال.
    بالرغم من كل ذلك، فمن ناحية مالية سوف تحقق الكهرباء المنتجة من السدود عائدا ماليا أكبر بكثير من منصرفاتها، وتساهم في توفير الطاقة الكهربائية. لكن كان من الممكن تجنب كل السلبيات التي حولت هذه المشاريع التنموية الى مشاريع تدمير، والذي يدعو للحسرة أن العمل كان يسير في الاتجاه الصحيح، حتى أمالته الأهواء السياسية.
    الهدف الثاني للسدود هو توفير المياه لرى حوالى 230 ألف فدان، منها تقريبا 150,000 في مروي، 20,000 في كجبار، 30,000 في دال و30,000 في الشريك. وهو في نظري هدف لا مكان له في خانة الفوائد، اذ تقوم السدود باستصلاح هذه المساحات من الأراضي الصحراوية وتدمر أكثر من 30,000 فدان من الأاراضي النيلية، وهي بحساب القدرة الانتاجية والعائد المادي أفضل من الأراضي الجديدة، فالفدان النيلي يساوي، على أقل تقدير، عشرة أضعاف مثيله في الصحراء، ويمكن ايجاز الفارق الكمى بين الاثنين في الآتي:
    o انتاجية الفدان على النيل أعلى بكثير، فالقمح مثلا انتاجه في الشمالية يزيد على 1.5 طن للفدان، بينما تنتج الجزيرة 0.5 طن، أما الأراضي الصحراوية فانتاجها أقل من ذلك.
    o الأراضى النيلية تصلح لزراعة قائمة كبيرة جدا من النباتات، بينما الخيارات فيى أراضى الصحراء محدودة جدا.
    o الأرض النيلية تستمد سمادها من الطمي الذي ينتشر عليها بهبة ربانية مع ماء النيل، بينما تحتاج الأراضي الصحراوية الى كميات كبيرة من الأسمدة تزيد كثيرا من تكلفة الانتاج.
    o المنتجات النيليىة أعلى جودة وأكثر قيمة سوقية، بالاضافة الى انها منتجات عضوية يمكن أن تجد طريقها بسهولة للأسواق العالمية وبأسعار عالية جدا.
    o الأراضي الصحراوية تستخدم مياه أكثر من الأراضي النيلية بسبب الفاقد الكبير في التسرب وفي الكميات التي يستهلكها النبات.
    o الأراضي على النيل تزرع بكثافة 200%، بينما لا تصل في المشاريع الصحراوية الى 70%، أى أن الفدان في الشمالية يزرع مرتين في السنة، بينما لا يزرع سنويا الا نسبة 70% من الأراضي الصحراوية مرة واحدة في السنة وتترك البقية بورا.
    o الأراضي النيلية تمتاز بانتشار أشجار النخيل والفواكه من أجود الأنواع وهي تشكل جزء أساسي من الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
    o تكلفة رى الأراضي الصحراوية عالىة جدا مقارنة بالأراضي النيلية لأن المياه تنقل بالطلمبات لمسافات بعيدة وبفارق ضغط كبير.
    لكل هذه الأسباب مجتمعة أرى أن استغلال سدود الشمال في الري غير مجد، وهو بمثابة استبدال ما هو أعلى بما هو أدنى، لذلك تم استبعاد خيار الري من الدراسات الأولية، لكن عاد الخيار مرة أخرى بضغوط سياسية. ولو قدر لتكلفة هذه المشاريع الجديدة أن تذهب في وجهتها الصحيحة نحو حل مشاكل الري والزراعة بالشمالية لساهمت حقيقة في اسعاد مواطني المنطقى ودعم الاقتصاد السوداني
    .
                  

10-03-2010, 09:04 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل، السدود والانفصال (8): سلبيات سدود الشمال في الميزان
    بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
    السدود كغيرها من منشآت البنية التحتية لها آثارها السلبية التي تتفاوت في حدتها واتساع تأثيرها، من هذه الآثار السلبية ما هو كامن في طبيعة السدود كمنشآت ضخمة تجثم بصدورها على الأنهار فتحدث بالضرورة تغييرات في المنظومة الطبيعية للأنهار والمناطق المحيطة بها. ومنها ما ينتج بسبب السياسات الخاطئة التي تهدف لتحقيق اقصى ربح وتتجاهل كثير من عناصر نجاح المشروع لتتحول الى فواتير مؤجلة يتم دفع فواتيرها في صمت وتجاهل بواسطة مواطني المنطقة والوطن عامة.
    هذه السلبيات يمكن تصنيفها من ناحية القيمة المادية الى عدة فئات، فمن الآثار السالبة ما يمكن تقدير قيمتها المادية بسهولة وبالتإلى التعامل معها مباشرة بحساب الربح والخسارة، مثال لذلك فاقد التبخر، ومنها ما يحتاج الى مجهود علمي ودراسات مطولة قبل البدء في تقدير المقابل المادي لها، مثل التغيرات التي تحدث في طبيعة النهر وما يصحبها من هدام وتفاوت في المناسيب. هنالك فئة ثالثة لا يمكن تقدير قيمتها المادية، وبالتإلى يجب أن توضع أسس وموجهات عامة للتعامل معها حسب قيمتها التاريخية والثقافية والروحية، ومن غير وجود مثل هذه الأسس والموجهات فسوف يكون هذا التراث عرضة للضياع والتدمير عمدا أو جهلا.
    ذكرت هذه التفاصيل لأوضح أن سلبيات السدود بخلاف فوائدها، في كثير من الأحيان لا تقفز على السطح بمجرد تشغيل السدود، بل تمكث في الخفاء وتظل باستمرار تنخر في وظائف السدود وتحيلها إلى مشاريع فاشلة. أى أن السدود قد تبدو في عنفوان شبابها وصحتها بينما الورم السرطاني الكامن فيها يهدد حياتها في صمت ومثابرة .
    كل هذه السلبيات، ما ظهر منها وما بطن، لا بد من تقييمها وتقدير آثارها قبل الاقدام على تنفيذ السدود، ويجب أن تأخذ طريقها الى دراسات الجدوى في خانة تكاليف انشاء السد لتتم مقارنتها مع الفوائد وادراجها ضمن التحليلات المالية والاقتصادية للمشروع حتى تعكس هذه الدراسات الصورة الحقيقية، ويتملك الناس الحقائق كاملة قبل أن يقولوا كلمتهم مع أو ضد السدود. لكن مشاريع سدود الشمال أغفلت بعض هذه السلبيات تماما، وقللت من شأن البعض الآخر، وهي في الحالين لم تبذل الجهد العلمي الصادق ولم توف أمانة المسؤولية حقها في ابراز هذه السلبيات ومعالجتها كما ينبغى في مثل هذه المشاريع الضخمة، وسوف أتناول فيما يلي بشئ من التحليل هذه السلبيات:
    Öاغراق الأراضي وتهجير السكان:
    سدود الشمال سوف تغرق معظم الأراضي السكنية والزراعية في المنطقة من حلفا وحتى بربر، وسوف تترك جزرا سكانية متقطعة على طول النيل في مسافة تمتد مئات الكيلومترات. سيتم تهجير مئات القرى في مناطق المناصير والدناقلة والسكوت والمحس من قراهم النيلية التى سكنوها على مدى آلاف السنين الى قرى في قلب الصحراء¸و ستلتحم المناطق المهجرة حديثا مع حلفا المهجرة قديما بلا فواصل.
    أثبتت التجربة العالمية للسدود، كما أكدت التجارب السودانية كلها أن الحكومات لا تفي بمسؤولياتها تجاه السكان المهجرين. بدأت التجربة السودانية بسد جبل الأولياء عام 1921، بالرغم من أن السودان لا حاجة له لهذا السد، فقد بنته واستفادت منه مصر، ولم تراعي أى شئ خلاف مصلحتها المباشرة، فعاني السودان عامة وسكان منطقة النيل الأبيض خاصة من هذا السد في كل أحواله، ولا تزال المعاناة مستمرة بالرغم من مضي أربعون عاما على استغناء مصر عنه ، وما زال السودان وسيظل طويلا يدفع في فواتير سلبيات هذا السد. سكان المنطقة لم تنصفهم الحكومة الاستعمارية ولا الحكومة المصرية التي شيدت السد، ولم يجد السكان تعويضا مناسبا ولا اهتماما بأوضاعهم، ولا زالت مشاريعهم وطلمباتهم وبيئتهم تعاني ولا تجد أدني اهتمام. ولو توقف ذو الألباب لحظات لأخذ العبر من هذا السد مبكرا لتفادينا كثير من السلبيات اللاحقة.
    تكررت التجربة في مأساة وادي حلفا بعد بناء السد العالي، فبالرغم من أن تقديرات تعويض وتهجير أهالى حلفا كانت 50 مليون جنيها، الا أن الحكومة المصرية قد أصرت على دفع 10 مليون فقط، ارتفعت ل15 مليون بعد تدخل الرئيس عبود ومناشدته للرئيس المصرى، مؤكدة أن قيمة حلفا لا تزيد على ذلك !!!! وحتى هذا المبلغ ضاع جزء كبير منه في التعاملات بين البلدين.
    حقيقة خاب ظن الشاعر الذى قال أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا، فأى هوان أكثر من أن تقرر مصر اغراق حلفا دون مشورة السودان وأهإلى حلفا، وتقرر قيمة التعويض بما يساوي خمس التقديرات الحقيقية، وحتي هذه لا تشمل أهم بند وهو الآثار التاريخية، وتصر علي ذلك المبلغ ولا تتراجع، وتظل الوفود السودانية تسافر الى القاهرة تستجدي زيادة المبلغ الى عشرين مليون....و أخيرا يتدخل الرئيس المصرى شخصيا وبمكرمة منه يرفع المبلغ ل15 مليون !!!!! كيف يكون الهوان اذن؟؟؟؟؟؟؟؟
    نتيجة للتعويض المجحف تنكرت الحكومة لمعظم التزاماتها لأهإلى حلفا وتركتهم بشقيهم المهاجر والمتمسك بأرضه يواجهون اقسي الظروف، بل قطعت كل الخدمات الحيوية عن وادي حلفا وتركت السكان يهيمون في الصحارى والجبال لسنوات طويلة قبل أن يستقر بهم الحال في أعلى الجبال لينشؤوا بعزيمة وقوة من غير دعم حكومى أو دعوة لمنظمات اغاثة أو غيرها، أنشأوا في صمت وتميز حضارى مدينة تتفوق في تخطيطها وعمرانها على معظم المدن السودانية ذات الكثافة السكانية المشابهة، لكن استمرت الحكومة في حربها على السكان وذلك ما سوف أفصله في المقالات الخاصة بمأساة وادي حلفا.
    تواصل التنكر الحكومي عند بناء سد مروى، فالحكومة لم تضع ميزانية كافية لتهجير السكان، وبينما سكان المنطقة يعانون في الصحراء، يصرح رئيس وحدة السدود بأن الوحدة لا تملك ميزانية للتهجير، فهى التي تملك أكبر ميزانية في السودان، بعد الأمن، وتوفر الأموال بالملايين للدعاية والزيارات السياحية ولأنشاء مشاريع لا علاقة لها بالسد، تفشل في توفير مبلغ لا يمثل قطرة في محيط ميزانية الوحدة، تصرفه لتوفر للسكان المهجرين حياة كريمة، بل تعدى الأمر ذلك فهاجمت الحكومة أهالى المنطقة وقتلت وجرحت واعتقلت المئات.
    لقد أثبتت كل التجارب، العالمية والمحلية، أن السكان المحليين هم ضحايا بناء السدود، وأنهم يدفعون ثمنا غاليا ليستفيد الآخرين. وهذا ماسوف يتكرر في كل سدود الشمال لأن وحدة السدود تصر على اجترار الأخطاء، فهي لا زالت لا تحترم مواطني المنطقي ولا تتعامل معهم بشفافية ولا تملكهم المعلومات، ولم تشركهم في أى مرحلة من مراحل المشروع، ولذلك فهي تسير في نفس الطريق الذي خلق المعاناة في السدود السابقة، والذي ينذر بمعاناة أكبر.
    Ö القضاء على ثقافة شعب:
    لم يحدث في تاريخ العالم أن تم تهجير شعب بكامله واغراق كل أراضيه التي تمتد مئات الكيلومترات في ما هو أشبه بحرب الابادة الثقافية، بل هو حقيقة لا يمن تفسيره الا في هذا الاطار. يحدث هذا من 50 عاما خلت ولايزال للشعب النوبي، وهو شعب عريق له جذور ضاربة في عمق النيل، وله ثقافة متميزة تعبر عنها لغة من أقدم لغات العالم، وفن أصيل تغني به كل السودانيين وهم لا يتبينون طلاسمه " اك أى جل اكا مشكا"، وعادات ساهمت في بناء ثقافة المجتمع السوداني وتجذرت فيه فمارسها السوداني وهو لا يدرى انه يمارس طقوس نوبية موغلة في القدم، والنماذج في ذلك كثر .
    الشعب النوبي تميز بالذكاء الفطرى والسلوك الحضارى الذي يسئ البعض تفسيره بالجبن ويغفل عن كونهم رماة أحداق ومحاربين أشداء كانوا أسود جبهة الشمال منذ الفراعنة، مرورا بالهكسوس وعبد الله بن السرح وبوقفتهم ضد حكومة عبود العسكرية وتنظيمهم لأول مظاهرات شعبية اجتاحت أرجاء الوطن وهزت أركان الحكم العسكري وكسرت هيبته، لقد وصلت بهم الشجاعة الى حد اعتقال حصار الوفد الوزاري بما فيهم أعضاء المجلس العسكري داخل الفندق عند زيارتهم لحلفا عام 1960 في أول وأكبر تحدي شعبي للحكومة العسكرية، وتم اطلاق سراحهم تهريب العسكر متخفين بعد وساطة داود عبداللطيف ليعادروا في اليوم التإلى في جنح الظلام، وقد كانت مقاوتهم لحكومة عبود بمثابة الوثبة التي كسرت شوكة العسكر ومهدت لثورة اكتوبر. ولازال صمودهم يتوإلى في ملحمة دال وكجبار التي لم تكتمل فصولها الدامية بعد.
    الانسان النوبي عرفه السودان بصفاته المتفردة، وهي نتاج هذه الحضارة والثقافة، من هذه الصفات التي انفرد بها قدرته على الجمع بين الشئ وضده في تناغم مستحيل، فهو صاحب الطرفة والابتسامة، وهو الصارم الذي لا يسكت عن قول الحق ولا يخشي فيه لومة لائم. والنوبي هو ذلك البسيط الذى يفترش الأرض ، وهو الممتلئ عزة وفخار لا يملأ عينه الا التراب، لكل مقام مقال ولكل حادثة حديث. فماهي قيمة الكهرباء المتولدة من هذه السدود، وما قيمة أى مشروع آخر اذا ما قورن بما يدفعه أهل المنطقة من ثمن نتج عنه كسر شموخ وعزة هذا المواطن العزيز المسالم، والقضاء الكامل على ثقافته العريقة المتميزة، وتشريده بين القبائل، ليتحول إلى غريب مكسور الجناح تتناوشه سهام أصحاب الأرض التي هاجر اليها.
    Ö تدمير الحضارات التاريخية:
    كل شعوب العالم تقدر الحضارات القديمة وتتعامل مع الآثار التاريخية بكثير من الاحترام والتقديس، وبلاد الحضارات القديمة تفتخر بحضاراتها وتعتبرها من أكبر الثروات القومية عندها، فمتى ذكرت مصر قفزت للذهن الاهرامات وأبو الهول ورمسيس وآمون، واليونان ارتبطت في الأذهان بامبراطوريتها القديمة وأباطرتها العظام وحكمائها وآلهتها، الاسكندر وديجون وسقراط وباخوس وفيرودت، ولا أحد في ايطاليا يتخيل دولته من غير آثار الامبراطورية الرومانية بمسارحها ومعابدها وقصورها ومدنها وقياصرتها ونيرون ويوليوس ومايكل أنجلو وميكافيللي ، وايطاليا تدفع مئات الملايين من الدولارات من أجل هدف بسيط جدا وهو الحفاظ على ميلان برج بيزا، ومثلها لكي لا تغرق البندقية. هذا هو الحال في كل بلاد الحضارات القديمة مثل الصين والهند والعراق وسوريا والمكسيك، تجد كل هذه البلاد تهتم بحضاراتها القديمة وتفتخر بها وتبذل الجهد والمال والوقت لحمايتها والمحافظة عليها مهما تطلب ذلك.
    نحن في السودان حبانا الله بواحدة من أقدم وأعظم الحضارات، بل هي في رأى كثير من الباحثين أم الحضارات، ويؤكد كثير من العلماء أن حضارة النوبة سبقت الحضارة المصرية وكانت هى الأصل الذي انطلقت منه تلك الحضارة، بل أن كثير من ملوكها من أصل نوبي، وظلت الممالك النوبية تتفاعل مع جارتها المصرية على مدى آلاف السنين، وتتفوق عليها في كثير من الآحيان. لكن الآن شتان ما بين الحضارتين، فالحضارة المصرية على كل لسان، ينظر اليها العالم بتقدير واعجاب وينعم عليها بلقب أم الدنيا، بينما الأم الحقيقية للحضارة تتعرض للاغتيال البدني والمعنوي من قبل أبنائها، وقد بلغ الجحود بهم أنهم صموا آذانهم عن صرخات الغرباء الذين هبوا من كل صوب لانقاذ أم الدنيا، وواصلوا عملية الاغتيال التي استمرت لأكثر من خمسين عاما ولا زالت في اصرار غريب على محو كل أثر لهذه الحضارة. انها جريمة كبرى لا يمكن أن تخفيها انجازات وقتية، فمنشآت السدود التي لن تعمر أكثر من خمسين عاما ستمحو الى الأبد حضارة سبعة آلاف عام، فأى منطق يمكن أن يسمى هذا انجازا؟؟
    Ö فاقد التبخر:
    كما أشرت في المقالات السابقة فان من السلبيات الأساسية لهذه السدود فاقد التبخر، والذي يصل في مجمله من السدود الأربعة ما يزيد على 5 مليار متر مكعب سنويا. هذه الكمية من المياه يمكن تقييم قيمتها المادية بحوالى 300 مليون دولار سنويا ولكن ذلك يمثل الجانب الأصغر من المشكلة، أما الجانب الأهم فهو أن فاقد المياه هذا لا يمكن تعويضه، كما انه يشكل طعنة في خاصرة المفاوض السوداني الذي يجد صعوبة كبيرة في رفض طلب دول حوض النيل بالحصول على حصة من مياه النيل، فاذا كانت المياه لا تشكل أهمية بالغة للسودان بدليل أنه يعرض 5 مليار متر مكعب سنويا للتبخر من غير مبررات قوية، فدول منابع النيل أولي بهذه المياه والتي تحتاجها ولا تجد اليها سبيلا.
    ربما لا يشعر الناس حاليا بحجم المشكلة لأسباب عديدة منها أن السدود لم تكتمل، ولأن السودان لم يستغل كامل حصته من مياه النيل، ولأن المفاوضات مع دول حوض النيل لم تصل نهايتها والتي ستنتهي حتما بتخفيض حصة السودان من مياه النيل. لكن الأحداث تتسارع بشدة نحو أزمة حقيقية، فالرئيس السوداني لا يزال يصرح بأنهم ماضون في بناء السدود رغم أنف المعارضين، والسودان يفتح أبوابه للمستثمرين في مجال الزراعة المروية ويوزع اراضيه بسخاء غير عادي على كل الجنسيات، وبشروط استثمار متساهلة جدا تجعل كثير من الأجانب يسعون لنيل عائدات الاستثمار في السودان بالرغم من المخاطر الكبيرة. كما أن دول حوض النيل تزيد كل يوم في اصرارها على نيل حصتها وحقها المشروع في مياه النيل، وبذلك فان الأزمة تطبق علينا من جميع الجهات ونحن عنها شاغلون.
    بالاضافة لهذه السلبيات، هنالك ما فصلته في المقالات السابقة ويتمثل في:

    o فقدان الطمى
    o تغير مناسيب النهر
    o تغير مجرى النهر والهدام
    o الغازات الضارة بالبيئة وصلاحية المياه
    هذه السلبيات مجتمعة ولاشك تفوق بحجمها الفوائد المرجوة من السدود، ولكن الاعلام الحكومى أخفي هذه العيوب باستخدام كل أدوات التجميل والمساحيق، وضخم من حجم الفوائد وبالغ في الاحتفاء بها وارسال الوفود الرسمية والشعبية واصدار الدوريات والملصقات فصار الناس ينظروا للسدود فلا يروا الا ما تريد لهم الحكومة أن يرونه. وكما أسلفت فان الحكومة لم تبذل حتى أقل الجهد في دراسة وتقييم السلبيات حتى يتسني لها وضعها في ميزان واحد مع الفوائد، فمن غير الممكن مثلا وضع 100 ميقاوات في كفة وتغير مجرى النهر وظاهرة الهدام في كفة أخرى لأن أى معادلة لا تصح الا بتساوي وحدات قياس الطرفين. كما أنها لم تحاول وضع منهج لقياس السلبيات التي لا توجد لها قيمة مالية مباشرة مثل التدمير الثقافي والحضارى والبيئي، ولم تتضمن الدراسات والتحليلات المالية صورة كاملة وعلمية لحجم السلبيات، فطففت في الكيل اذ صارت تستوفى في كيل الفوائد وتخسر في كيل السلبيات.
    لكل ما ورد في هذا المقال والمقالات السابقة لا بد أن يتساءل المرء، اذا كانت هذه السدود بهذا الحجم من السوء، وتكلف خزينة الدولة مليارت الدولارات جلها ديون ستتراكم مع فوائدها كأعباء على أجيال لم تر النور بعد، لماذا اذن الاصرار على اقامتها رغم الدماء الطاهرة التي سالت رفضا لها، لماذ تتجاوز الحكومة قوانينها وتحول كل المسؤوليات والسلطات من الوزارات المركزية الى وحدة السدود، لماذا مزقت الحكومة الخطة الشاملة لادارة الموارد المائية ارضاء لعيون وحدة السدود، لماذا جعلت الوحدة فوق المساءلة المالية والادارية والرقابة البرلمانية وتبعتها لرئيس الجمهورية؟؟؟؟؟؟؟؟ (هذا ما سوف أناقشه في الحلقة القادمة).
                  

10-03-2010, 03:09 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل، السدود والانفصال (9) : سدود الشمال لماذا؟؟؟


    بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
    تقييم الاحتمالات الخمس
    سدود الشمال ستكلف الدولة أموالا طائلة، وسوف تدمر مناطق عزيزة من الوطن وتترك آثارا عميقة على المواطنين والبيئة، فلماذ اذا الاصرار على قيام هذه السدود؟ في ظل الانعدام التام للشفافية، وتغييب المعلومات
    وتوجيهها لا توجد اجابة رسمية يمكن الركون اليها، لذلك لا بد من الغوص في أعماق هذه المشاريع وتحليل وتقيييم كل احتمال يمكن أن يشكل تبريرا لبناء هذه السدود.
    في رأيى أن هنالك 5 احتمالات قابلة لأن تكون مبررات لقيام هذه السدود، أولها أن تكون لها فوائد عظيمة تتفوق علي سلبياتـها، الاحتمال الثاني أنـها تساهم بقوة في تحقيق الأمن المائي في ظل المهددات الخطيرة التي تواجه السودان، الاحتمال الثالث هو ما يتردد لدى الكثيرين بأن السودان يقوم بتشييد هذه السدود بالوكالة عن مصر وبضغط منها لانقاذ السد العالي، الاحتمال الرابع هو أن الحكومة تسعي لخدمة توجهها السياسي والفكري وتسعي لتعليب السودان في وعاء الثقافة العربية الاسلامية ونفي أى توجه خلاف ذلك بتدمير الحضارة والثقافة النوبية، الاحتمال الخامس والأخير هو أن هذه السدود تقوم بدافع تحقيق مصالح خاصة فردية وحزبية.
    بالنسبة للاحتمال الأول فقد أوضحت رأيى في المقالات الخاصة بجدوى، فوائد وسلبيات السدود، وأوضحت أن هذه السدود تأتي بفوائد مادية في مجال توليد الكهرباء لكنـها فوائد وقتية تتلاشى أهميتها مع الزمن لتنخفض نسبة مساهمتها في التوليد الكهربائي في السودان في خلال عقدين الى أقل من 5%، بينما تتولد 95% من الكهرباء من مصادر غير مائية، وحتى هذه النسبة الضئيلة سوف تتلاشى نهائيا عند انتهاء العمر الافتراضي للسدود والمقدر ب50 عاما.
    مقابل هذا التوليد الكهربائي المتناقص تتعرض معظم مناطق شمال السودان من ملتقي نـهر عطبرة وحتى الحدود المصرية للتدمير والتهجير، ويتم تـهجير شعب كامل وتدمير كل أثر للحضارة النوبية التي تعتبر من أقدم وأرقى الحضارات الانسانية، كما أن البلاد ستفقد كميات ضخمة من ثروتـها المائية نتيجة للتبخر، مما يؤجج الصراع مع بقية دول حوض النيل ويقوى من فرص تخفيض حصة السودان.
    هذه السدود لا يمكن أبدا اعتبارها مشاريع تنمية قومية، لأن المشاريع القومية لتنمية الموارد المائية يتم اختيارها وفق لدراسات متكاملة ومتناسقة مع الخطة الشاملة للموارد المائية، فإذا ما ثبت جدواها وتفوقها علي غيرها من مشاريع هذا القطاع تدخل مرحلة أخرى من المنافسة مع مشاريع القطاعات الأخرى من طرق وصحة وتعليم وأمن وغيرها.
    بالنظر لقطاع الموارد المائية نجد أن هنالك الكثير من المشاريع التي تتفوق على سدود الشمال من حيث الجدوى والأهمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي مشاريع ايجابية لا تتسبب في دمار حضارى أو ثقافي أو اجتماعي أو بيئي، من هذه المشاريع زيادة الكثافة الزراعية لمشروع الجزيرة واعادة تأهيله، سد ستيت ومشروع أعالى عطبرة وتأهيل مشروع حلفا الجديدة، تحديث وتأهيل مشاريع النيل البيض والنيل الأزرق والشمالية، مشروع كنانة الكبري وامتداد الرهد. وحتى هذه المشاريع تتنافس مع مشاريع القطاعات الأخري والتي تنمي هذه القطاع مثل الصناعات والمشاريع الخدمية والتي يفتقدها المواطن تماما حيث تتردى الخدمات الصحية وتنتشر الأمراض الوبائية ولا يجد المواطن علاج أبسط الأمراض وتتلوث البيئة فينتشر الذباب والبعوض وتفقد المدارس معظم مقوماتها من مباني وأثاثات ومعامل وكتب وتتأخر رواتب المعلمين بالشهور، هنالك الصناعات المتعطلة منذ سنوات وأهمها صناعة النسيج رائدة الصناعات التي شيعت الى مثواها، وهنالك خدمات الصرف الصحي المتدنية وتلوث مياه الشرب بالعاصمة وانتشار الأمراض الناتجة عن تلوث المياه في كل مدن وقري السودان لتصبح المياه الملوثة القاتل الأول متقدمة في ذلك على الحروب الأهلية، هنالك الانتشار المخيف للأمراض الخطيرة مثل السرطانات والفشل الكلوى والايدز وأمراض القلب، فما من بيت سوداني لا يعاني فرد منه من هذه الأمراض، هنالك العطالة التي طالت معظم شبابنا وحولت أصحاب المؤهلات الى "أمة الأمجاد" حسب تسمية د. حيدر أبراهيم. هنالك الجامعات التي تفتقر الى أبسط المتطلبات حتي صارت أقل امكانيات من المدارس الثانوية... القائمة كثيرة وكلها تتنافس على كل جنيه وكل دولار وتشكل منظومة متكاملة تعمل كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا بد من خطط علمية سليمة لتوزيع الميزانيات المحدودة بتوازن وحكمة على هذه القطاعات والمشاريع لتحقيق أقصي فائدة للوطن والمواطن.
    الدول المتقدمة يقاس تقدمها بتكامل وكفاءة ومقدرة كل مواطن على الحصول على خدماتها من صحة ومياه شرب نقية وتعليم وكهرباء ومواصلات ومسكن، أما مشاريع التنمية فلا تعدو أن تكون وسائل لتحقيق هذه الأهداف، وليست هي هدفا في ذاتها. فلا معنى لبناء عشرة سدود وأطفال المدارس يجلسون على الأرض والملاريا تفتك بأجسادهم.
    مشاريع السدود تجاوزت كل نظم ومناهج وسياسات الدولة وكل منطق سليم، فلو أنها مشاريع مجدية وداعمة للاقتصاد لما احتاجت الحكومة لكل هذه التجاوزات والتخطيات وتغييب المعلومات، ولما قتلت وسجنت وشردت وتجاهلت مواطني المنطقة، لذلك ففرضية أن هذه السدود يتم تشييدها خدمة للاقتصاد السودانى وتحقيقا للمصلحة العامة هي فرضية لا يسندها منطق وبذلك يتم اسبعادها من قائمة الاحتمالات.
    الاحتمال الثاني هو أن هذه السدود تساهم في تعزيز الأمن المائي، وهو مطلب عزيز تهون أمامه كل الصعاب، فأيامنا القادمة حبلي بصراع سوف يعبث بكل الأوراق المائية ويتجاوز كل المقدسات والخطوط الحمراء السابقة، وما أحوجنا لكل ما يثبت من عزمنا لمواجهة ذلك. لكن الواقع أن سدود الشمال ستشارك في توجيه الضربات الموجعة للأمن المائي، فهي تقضى على ما تبقي لنا من نصيب في مياه النيل وتتجاوز ذلك بأكثر من مليارين، كما أنها تمثل وثيقة ادانة دامغة ضد السودان تتهمه بسوء استغلال الموارد المائية المشتركة لدول حوض النيل، وتعطى مبررات قوية لهذه الدول للمضي لنهاية مطاف مطالبتها بتقسيم عادل للمياه وخفض نصيب السودان ومصر، وهذا حديث لا أمل تكراره لأنه يشكل خطر كبير لا على مستقبل الأجيال القادمة فحسب بل على حاضرنا، وما تم في اجتماعات شرم الشيخ لدول حوض النيل الأسبوع الماضي، واصرار دول منابع النيل على توقيع اتفاق يلغي كل اتفاق سابق هو الانذار الأخير للسودان والفرصة الأخيرة لاعادة كثير من الحسابات والمواقف، ولا يتأتي ذلك الا من خلال اعادة صياغة كاملة لسياسات ادارة الموارد المائية واحداث تغيير جذرى في الموقف التفاوضي.
    لهذه الأسباب أستبعد تماما أن تكون سدود الشمال وسيلة لتعزيز الأمن المائي، فهى بعكس ذلك تزعزع الأمن المائي في وقت نحن أحوج فيه لركائز اضافية تدعم موقفنا المهزوز وتخرجنا من دور الكمبارس للبطل المصرى.

    الاحتمال الثالث هو ما يتردد كثيرا من أن ضغوط مصرية تقف وراء مشاريع السدود بغرض انقاذ السد العإلى وتدارك آثاره السالبة. لتقييم هذا الاحتمال لا بد من الاجابة على سؤال محورى هو هل تستفيد مصر فعلا من بناء هذه السدود؟
    الاجابة تتطلب بدءا توضيح حقيقة هامة وهي الفرق بين السد العإلى وسدود الشمال، فالسد العالى هو سد تخزين قرني، بينما سدود الشمال هى سدود تخزين موسمي. معني ذلك أن السد العإلى يـهدف لحماية مصر من سنوات الجفاف التي يقل فيها ايراد النيل عن المعدل السنوى الذى يقدر ب 84 مليار متر مكعب، ويتأرجح الايراد فيزيد في بعض السنوات ليتجاوز 100 مليار، وينخفض في أخرى الى ما دون ال 50 مليارا، ويقوم السد العإلى بخلق الموازنة بين الايراد المتذبذب والاستهلاك الثابت عن طريق تخزين الكميات الزائدة عن الحاجة في السنوات التي يجود فيها النيل بأكثر من المعدل واستمرار التخزين سنويا حتي تمتلئ بحيرة السد، ويخلق هذا المخزون الكبير رصيدا للحماية من الجفاف وتعويض أى نقص قد يتسبب في خفض الانتاج.
    لقد قام السد العإلى عمليا بحماية مصر لفترة امتدت لأكثر من 5 سنوات في ما بين عامي 1978 و1983 وهي فترة الجفاف والتصحر المعروفة والتي أثرت على كل دول حوض النيل وانتشرت فيها المجاعة علي نطاق واسع بما في ذلك أجزاء كبيرة من السودان، في هذه السنوات العجاف كانت مصر تتمتع بحماية كاملة وتسحب من رصيدها الكبير في السد العالي.
    سدود الشمال تختلف نوعيا اذ أن موازنتها موسمية تنتهي بانتهاء العام ويتم تفريغ الخزان تماما عند نهاية الموسم ليبدأ التخزين في العام الجديد من نقطة الصفر. وهي كسدود موسمية لا يمكن أن توفر دعما للسد العإلى لأنه قرني لا يتأثر بتوزيع المياه على مدار السنة وانما بالكمية الاجمالية للمياه الواردة، وسدود الشمال يمكنها التحكم في المياه خلال نفس العام لكنها لا يمكنها أن تغير من الكمية الاجمالية التي تنطلق منها إلى مصر. ولذلك فان مصر وحسب اتفاقية مياه النيل لا تهتم كثيرا للتوزيع الزمني للمياه الواردة اليها من السودان، بل تتطلب فقط أن يصلها نصيبها السنوي كاملا، وللسودان حرية استخدام نصيبه من المياه في أى وقت خلال السنة.
    مصر لا تحتاج الى سدود في شمال السودان وانما تحتاج لتخزين قرني آخر شبيه بالسد العإلى لكن في منطقة أكثر اعتدالا حتي تتفادي فاقد التبخر، وهذا الحل لا يتوفر داخل السودان وانما في الهضبة الأثيوبية، لذلك نجد أن الحكومة المصرية ، وحتى قبل بناء السد العالي، فكرت في بناء سدود للتخزين القرني في أثيوبيا، لكنها تراجعت بسبب المخاطر الأمنية والسياسية. حاليا الأمن المائي المصري أصبح هاجسا في مصر أكثر من أى وقت مضي، لذلك عاد التفكير مجددا في السد الأثيوبي فكل الخيارات صارت مرة، وهذا الخيار يبدو الأقل مرارة.
    بالاضافة للسعة التخزينية فالشكوك أيضا تراود الكثيرين بخصوص دور مفترض لسدود الشمال في انقاذ السد العإلى من تراكم الطمي، وهو أيضا افتراض غير صحيح لعدة أسباب أولها أن تصميم السد العإلى يحتوي على 35 مليار متر مكعب من التخزين الميت، وهو الجزء السفلي من بحيرة السد والذي يتم تخصيصه لمقابلة عمليات تراكم الطمي، وهو مصمم بحيث لا تتأثر عمليات السد ما دام مستوى الاطماء دون مستوي التخزين الميت، وهذا ما سوف يكون عليه الحال خلال 300 عام قادمة، بعدها يبدأ الطمي في الصعود فوق مستوى التخزين الحي ويبدأ تأثيره التدريجي في وظائف السد من توليد كهربائي وحماية من الجفاف وتوفير مياه الرى، لكن هذا التأثير التدريجي بطئ جدا ويستمر حتى يتوقف السد نـهائيا عن العمل بعد 1,000 عام هي العمر الافتراضي له. في المقابل العمر الافتراضي لسدود الشمال هو 50 عاما، ويحتوى سد مروي مثلا على 2,5 مليار م.م. تخزين ميت مقارنة ب35 للسد العإلى مما يعني أن السد العإلى سيكون في عنفوان الصبا حين تشيخ سدود الشمال وتحال للمعاش.
    السبب الثاني لعدم قبول تبرير الاطماء هذا هو أن سدود الشمال تختلف نوعيا كما أسلفت عن السد العالي، وبحكم أنها موسمية وصغيرة نسبيا فهي تقوم بتمرير ما لا يقل عن 70% من كميات الطمي الواردة اليـها وذلك بفتح بوابات المفيض كاملة عند بداية موسم الفيضان وحتى بداية انحسار النيل، لذلك فهذه السدود يتراكم فيها سنويا حوإلى 30% فقط من الطمي بينما تواصل 70% طريقها أسفل النهر الى مصر، ولا يمكن لهذه السدود أن تحجز كميات أكبر من الطمي لأن ذلك سوف يؤثر على عمرها الافتراضي وتشغيلها بصورة خطيرة.

    فى الواقع لا يشكل تراكم الطمى في السد العإلى مشكلة كبيرة للسد، بل أن المشكلة الحقيقية هى أن هذا التراكم يحرم النهر أسفل السد من الطمى، ويتسبب ذلك في عدد من المشاكل الخطيرة مثل التأثير السلبي على خصوبة الأرض، وتنشيط عمليات النحر والهدام وتآكل المنشآت النيلية، والمشكلة الأكثر خطورة والتي تؤرق المصريين حقيقة هى مشكلة تراجع الدلتا، ويعتبر تناقص الطمى واحد من أهم أسباب هذه المشكلة والتي تهدد بغرق أجزاء من الدلتا والتي تعتبر مركز الثقل السكاني والاقتصادي لمصر. لذلك فمصر لا تسعي لخفض كميات الطمي الوارد اليها بقدر ما تسعى لتحويل هذه الكميات لتصب مباشرة في النيل أسفل النهر متخطية مصيدة الطمي في السد العالي، وهذا واحد من المشاريع المتداولة في الأوساط المصرية التي تقترح حفر مجرى موازى للنيل في شمال السودان لتحويل جزء من نصيب مصر من المياه مباشرة الى شمال أسوان وبذلك تعود للنيل طبيعته التي افتقدها خلال فترة تشغيل السد العالي.
    أعود مرة أخرى للسؤال عن مدي استفادة مصر من سدود الشمال وأعيد صياغة السؤال كالآتي: هل تتضرر مصر من اقامة هذه السدود، والاجابة قطعا تتضرر. السبب في ذلك هو أن السودان سيفقد من خلال هذه السدود 5 مليار متر مكعب، وسوف يؤثر ذلك على مصر من عدة جهات، أولا مصر كانت تستفيد من المياه التي تفيض من نصيب السودان والآن ستفقد هذه الميزة ولا تستطيع الاحتجاج على ذلك لأن هذه المياه ليست من نصيبها.
    ثانيا السودان بعد بناء هذه السدود سوف يتجاوز نصيبه في مياه النيل، وسوف تكون كل الخيارات أمامه صعبة فهل يوقف السودان بعض مشاريعه الزراعية كمشروع الرهد مثلا أم يبدأ التفكير في التنصل عن اتفاقية مياه النيل، ولا شك أن الخيار الثاني سيكون الأرجح وان طال الزمن، ومصر تسعى لتجنب المشاكل مع السودان ليدعمها السودان في معركتها مع دول منابع النيل، ولكن هذه السدود ستضطر السودان لتغيير موقفه والتفكير بجدية لتجاوز اتفاقية مياه النيل، ولو أراد السودان التحايل على الاتفاقية لما أعيته الحيلة، فهنالك أكثر من ثغرة يمكن من خلالها العبور الى الجانب الآخر من الاتفاقية وهذا ما يقلق مصر.
    ثالثا مصر والسودان بحكم اتفاقية مياه النيل يشكلان موقفا تفاوضيا مشتركا في صراعهم مع بقية دول حوض النيل، واهدار مياه النيل بـهذه الكيفية سيضعف كثيرا من القوة التفاوضية ويشكل نقطة ضعف يمكن أن تنفذ من خلالها هذه الدول لتنال نصيبا من مياه النيل.
    الخلاصة أن مصر لا يمكن أن تمثل القوة الخفية التي تدفع الحكومة السودانية لركوب الصعب وتنفيذ هذه السدود، فهي بكل المقاييس ضد مصلحة مصر وتشكل مصدر قلق كبير لها.
    الاحتمال الرابع هو أن الحكومة في سعيـها لخدمة توجهها السياسي والفكري تسعي لتعليب السودان في وعاء الثقافة العربية الاسلامية ونفي أى توجه خلاف ذلك، والحضارة النوبية بلا شك هي العمق الحضارى والثقافي الذي يعطى للسودان تميزا ووجودا متفردا علي الساحة العالمية، فكثير من الجامعات العالمية مثل جامعة شيكاغو لها قسم كبير خاص بالحضارة النوبية، وتنتشر المتاحف النوبية في مختلف مدن العالم في بوسطن ووارسو وفينا ، وجمعيات الحضارة النوبية التي تتمدد في كل بلاد الدنيا والمؤتمرات الدورية عن الحضارة النوبية وأحدثها الذي سيعقد في لندن صيف العام الحالي.
    الحضارة النوبية بعمقها التاريخي وقوتـها الثقافية وانتشارها الجغرافي تشكل هاجسا للتنظيمات التي تسعي لكي تقف عجلة التاريخ عند دخول العرب السودان، لذلك فهذه الحضارة تشكل هدف غير معلن لهجمات منظمة تسعى في صمت دؤوب لتدميرها. يؤكد هذا الأمر ما حوته مناهج التعليم المعدلة لمختلف المراحل، وهي مناهج وتوجهات تقلل كثيرا من قيمة تاريخ السودان قبل الممالك الاسلامية. ويدعم ذلك التوجه الاعلام الحكومي الذي لا يوفر للحضارة النوبية مكانا ولو في أحد الأركان القصية للآلة الإعلامية المترهلة. كما أن الحكومة قد سعت بجد لاعادة صياغة الشارع السوداني واستبدال كل ما له صلة بتاريخ السودان القديم، حتى داخلية تهراقا بكلية الهندسية استبدل اسمها بعبيد ختم.
    و سارت وحدة السدود في نفس الاتجاه فلم تسع لانقاذ الآثار النوبية، بل لم تعترف حتى بوجودها، وكل المجهودات التي بذلت لانقاذ ما يمكن انقاذه تمت بمبادرات أجنبية وفردية، ولم تتكرم وحدة السدود بمنح هذه المبادارات الوقت اللازم لاكمال مهمتها رغم صرخات الاستجداء والنداءت المتكررة.
    من المؤكد أن فرضية سعي الحكومة لتدمير أي أثر للحضارة والثقافة النوبية هي فرضية صحيحة، لكنها وحدها غير كافية لتبرير قيام كل هذه السدود وبهذه السرعة.
    يتبقى الاحتمال الخامس والأخير وهو أن هذه السدود مطية لأغراض حزبية وشخصية، وفي رأيي أن هذه الفرضية تشكل مع الاحتمال السابق الدافع الأكثر قبولا والأقدر على الاجابة على الكم الكبير من الأسئلة الحائرة، فكلما تأمل الانسان في أى من هذه الأسئلة قاده التأمل الى مسار واحد يجمع بين كل الأسئلة والاجابات، كل الخيوط تتناثر في مختلف الاتجاهات لتتجمع حول بؤرة واحدة أرى أنها المفتاح لفك الشفرة ولا أجد وسيلة للتعبير عنها الا بتهجين مصطلح موازى لغسيل الأموال وهو غسيل الفساد أو Corruption Laundering وهذا ما سوف أتناوله في المقال القادم باذن الله.
                  

10-03-2010, 11:11 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    مياه النيل, السدود و الانفصال (10) سدود الشمال لماذا ؟؟؟؟ ... بقلم: مصطفى عبد الجليل مختار
    الخميس, 06 مايو 2010 05:05
    [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
    الشمال و الوطن هما الخاسر دوما
    بعد تقييم الاحتمالات الأربعة التي يمكن ان تفسر حماس الحكومة و تعجلها لبناء سدود الشمال, نصل الى الاحتمال الخامس أن بناء السدود يأتي بغرض تحقيق أغراض و مصالح حزبية و شخصية, هذه الفرضية هي الأكثر قبولا و الأقدر على الاجابة على كثير من الأسئلة الحائرة, فكلما تأمل الانسان أى من هذه السدود قاده التأمل الى مسار واحد يجمع بين كل الأسئلة و الاجابات, كل الخيوط تتناثر في مختلف الاتجاهات لتتجمع حول نقطة واحدة أرى أنها المفتاح لفك الشفرة و لا أجد وسيلة للتعبير عنها الا بتهجين مصطلح جديد هو غسيل الفساد أو Corruption Laundering.
    بدأت هذه الظاهرة و التي انتهت الى تحويل الملكية العامة الى ملكية خاصة بحزب الجبهة و أفراده و مؤسساته مع بداية الانقاذ و رفع شعار التمكين, بدأ ذلك بالسيطرة على الخدمة المدنية و القضاء و أجهزة الأمن, و استبدال كل القيادات بقيادات من التنظيم, و سارت حكومة الجبهة في عملية تصفية طويلة المدي باحلال كوادرها تدريجيا في كل مستويات التوظيف, و ساقت ما تبقي من الكوادر القديمة الى الاستكانة في محرقة الدفاع الشعبي و مهانة يوم الخدمة المدنية حتى دان جهاز الدولة لهم تماما.
    بعد ذلك قامت الحكومة باستغلال أجهزة الدولة و مؤسساتها و قوانيننها من ضرائب و جمارك و زكاة و أمن و بنوك و قوانين مالية, استغلت ذلك في تدمير مؤسسات القطاع الخاص القديمة و استبدالها بمؤسسات مستحدثة تابعة لتنظيم و أفراد الجبهة. كانت هذه المؤسسات المستحدثة حتي دخول البترول في الدورة الاقتصادية, محدودة العدد و الحجم, بعد ذلك تزايدت كما و حجما بمعدلات سريعة و صارت اللاعب الأساسي و الذي لا يمكن تخطيه في سوق العمل السوداني, و كل ما عداها يتصارع على فتات موائدها.
    بدخول عصر البترول صار للدولة امكانية ذاتية و مقدرة على الاستدانة من المؤسسات المالية الاقليمية و العالمية, فبرزمشروع سد مروى للوجود مرة أخرى و كان قد توارى بعد اكتمال التصميمات الهندسية عام 1992 لعدم توفر التمويل, و بدأ العمل الاعدادي للتنفيذ عن طريق هيئة تنفيذ سد مروي التابعة لوزارة الري.
    مشاريع البنية التحتية عموما تثير شهية الطامعين باستثماراتها الضخمة, و قد كانت أول محاولة لاستغلال مشروع سد مروي عام 1993 عندما فشلت الحكومة في توفير التمويل اللازم بسبب سوء علاقاتها الخارجية, هنا برزت جهة غير معروفة سمت نفسها بيت الاستثمار يملكها اثنان من أساتذة كلية الهندسة و قادة تنظيم الجبهة, قام بيت الاستثمار بحملة اعلامية واسعة للترويج لتنفيذ سد مروى عن طريق الاكتتاب العام. و طبعا من الاستحالة ماليا و هندسيا و اقتصاديا تمويل مشروع بهذا الحجم بجمع الأموال من المواطنين, فمن المستحيل جمع حتى عشر المبلغ المطلوب بمثل هذا النفير الفطير, كما أن هذه المشاريع تتم ادارتها بناء علي برامج عمل صارمة ومناهج لادارة الجودة و ضبط التكلفة تعتمد كلها علي برنامج سريان الكتلة النقدية, و أى أختلال في هذا البرنامج يؤثر على جودة العمل و يهدد سلامة المنشآت و هذا غير مقبول اطلاقا في السدود لأن معايير السلامة و الجودة بالنسبة لها عالية جدا, بالاضافة لذلك فان برنامج العمل المتسيب سوف يزيد التكلفة النهائية زيادة كبيرة و يقضي تماما على جدوى المشروع. لذلك تصدى مدير الهيئة القومية للكهرباء, الشهيد محمود شريف, بقوة لحملة بيت الاستثمار و أوقفها مبررا ذلك بأن السدود مشاريع قومية لا يمكن أن تؤول للقطاع الخاص بهذه الكيفية, و ماتت الفكرة لكن ظل صداها عالق بالأذهان يذكر الناس بأن استثمارات السدود تثير دوما شهية الطامعين.
    مع استمرار العمل الاعدادي و بدء تدفق الأموال تم تحويل هيئة تنفيذ مروى الى وحدة تنفيذ السدود, ثم صارت الوحدة تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة, و تطورت طموحات الوحدة فلم تعد تكتف بتنفيذ السدود بل قررت توسيع أعمالها لتشمل اختيار و دراسة و تصميم السدود, فجمعت من السلطات ما لا يمكن جمعه حسب الأعراف و القيم الهندسية. ثم صارت مسؤولة عن التمويل, و توسعت أكثر فضمت الى مسؤولياتها تشغيل السدود من ناحيتي المياه و الكهرباء, و لا زالت الوحدة تتضخم فاستحدثت ما عرف بالمشاريع المصاحبة للسدود من طرق و كبارى و مشاريع زراعية و انتاج حيواني. هكذا تضخمت هيئة تنفيذ سد مروى في سنوات قليلة لتصبح أكبر امبراطورية في السودان, و شابهت في ذلك جواد امرؤ القيس الذي وصفه الشاعر بأن له أيطلا ظبي و ساقا نعامة و ارخاء سرحان و تقريب تتفل, فقد وضعت مائدة المؤسسات الحكومية أمام وحدة السدود فاختارت الزبدة من كل وعاء, و شكلت هذه المنظومة المترهلة التي لا تشبه أى مؤسسة حكومية أخرى.
    صارت الوحدة من أكبر و أسخى أصحاب العمل, و ضمت قائمة المتعاملين معها كل أنواع الشركات الأجنبية و المحلية, و تخطت الصرفيات الشهرية التي تدفعها الوحدة لهذه الشركات عشرات الملايين من الدولارات, و بالنظر الى المؤسسات و الأفراد المستفيدين من هذه المشاريع نلاحظ الآتي:
    • كل المديرين و رؤساء الأقسام و العاملين في وحدة السدود بجميع الأقسام و المواقع و المستويات من المنتسيبين للجبهة الاسلامية أو المقربين اليها و المرضي عنهم, و هم يتقاضون أعلى المرتبات و أحسن الامتيازات.
    • كل الشركات المحلية العاملة بالمشروع تقريبا من شركات مقاولات و مكاتب استشارية تابعة لأفراد أو جماعات اسلامية, و كذلك مديريها و كبار موظفيها و معظم العاملين فيها. مثال لهذه الشركات دان فوديو , الدار الاستشارية لتطوير الخرطوم, شركة النصر للإسكان والتشييد شركة A & A للهندسة والإنشاءات, شركة هجليج, شركة قصر اللؤلؤ, شركة مام، شركة زادنا و شركة شريان الشمال.
    • حتى الشركات الحكومية العريقة تم تهميشها عمدا, فمؤسسة أعمال الرى بالرغم من أنها تقدمت بأقل عطاء لتشييد المدينة السكنية, و بالرغم من أنها كانت و لوقت قريب أعرق و أكبر شركة في السودان متخصصة في أعمال المقاولات الخاصة بالسدود و الرى و المشاريع ذات الصلة, و هي شركة حكومية 100% و تابعة لوزارة الرى, لكن تم اقصاءها و ترسية المشروع على دان فوديو بالرغم من أن أن السعر الذي تقدمت به دان فوديو يزيد بأكثر من مليار جنيه, و لم تنجح محاولات المؤسسة في تغيير هذا القرار غير العادل.
    • تم اختيار شركة الستوم الفرنسية لتصنيع المولدات و التوربينات, و معروف أن هذه الشركة العريقة كانت قد تعرضت لهزة مالية كبيرة و انهارت و أوشكت على اعلان افلاسها لولا تدخل الحكومة الفرنسية, و هذه الحادثة معروفة لكل من له علاقة بهذا المجال, و حدثت قبل فترة بسيطة من تعميدها للعمل في مشروع سد مروى, فلماذا تتم دعوة شركة على حافة الافلاس للتقديم لمثل هذا المشروع, و كيف تمت ترسية العطاء عليها في الوقت الذي كانت هذه الشركة تستجدى الحكومة الفرنسية و الاتحاد الأوربي لانقاذها من التصفية.
    • كما ذكرت في السابق فان معظم الدراسات الهندسية لوحدة السدود تقوم بها شركة لامير الألمانية و قد تم التعاقد مع لامير في نفس الوقت الذي أصدرت محكمة في جنوب افريقيا حكما ضدها بسبب الرشوة, و أصدر البنك الدولى قرارا بتجميد التعامل مع لامير لنفس الأسباب, فما الذي يجعل وحدة السدود تفضل هذا الراشي على كل الشركات الهندسية العالمية. لا شك أن التركيز على الشركات المشبوهة يرفع كثير من علامات الاستفهام و التعجب.
    • الشركات الصينية لها اهدافها و أجندتها الخاصة و في سبيل تحقيق ذلك ترفع شعار لا أرى, لا أسمع و لا أتكلم, لذلك هي لا عب مهم في كل مشاريع السدود لأنها تؤدي الدور المطلوب منها و لا تتجاوزه أبدا و لا حتى بدافع الفضول. و هي تؤدي نفس الدور في كثير من الدول بالرغم من اختلاف الأوضاع و الظروف.
    واضح مما سبق أن المستفيد الأول من هذه السدود ليس هو الاقتصاد الوطني, و لا المواطن السوداني و لا السكان المتأثرين, بل المستفيد الأكبر هو تنظيم الجبهة الاسلامية بموؤسساته و أفراده, و ما كان يمكن أن تتم هذه الفائدة الكبرى من غير هذا الزخم و هذه المشاريع التي قامت و هدفها الأساسي الغير معلن هو تحقيق هذه الفائدة, و ما عداها من أهداف فهو ثانوي, بالرغم من أنه يحتل الواجهة. لذلك غابت الشفافية و لف الضباب كل خطوات العمل و تم تهميش مواطني المنطقة و تغييب المعلومات, فلا صوت يعلو فوق صوت اقامة السدود التي لا بد أن تقام و لو على أجساد أبناء المنطقة و تاريخها.
    لا يمكن وصف ما يحدث بأنه فساد سياسي و لا بعمليات غسيل الأموال, فهو ظاهرة مستحدثة على مستوى العالم و تحتاج لمصطلح مستحدث لوصفها, يمكن مثلا أن نسميها بعملية غسيل الفساد Corruption Laundering . فغسيل الأموال هو عملية اكساب الشرعية لأموال تم الحصول عليها بطرق غير شرعية و ذلك بتحويلها سرا الى مصارف و مؤسسات شرعية ثم اعادتها الى أصحابها و قد تغيرت مصادرها و تحولت الى أموال شرعية غير قابلة للمساءلة القانونية و الأخلاقية. أما الفساد فيمكن تعريفه بانه إساءة استخدام السلطة العامة و استغلالها لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية.
    ما يحدث فى سدود الشمال يختلف عن غسيل الأموال بأن مصادر أمواله شرعية, بل هي من الدولة نفسها التي تملك أو تستدين هذه الأموال. و هو يختلف عن الفساد المعرف أعلاه لأن استغلال النفوذ لا يتم بطرق فردية و بعيدا عن أجهزة الرقابة الحكومية, بل أن المحركين لهذه العملية هم كبار المسؤولين عن ادارة أجهزة الدولة, يقومون و بشكل جماعي و منظم و مدروس باستغلال نفوذ الدولة و تحويل جزء كبير من هذه الأموال الى جهات بعينها تمتلك مؤسسات خاصة و تقوم بتقديم خدمات للدولة, و تأخذ هذه الأموال عن طريق القنوات المالية الشرعية للدولة.
    الذي يحدث هو بكل المقاييس الدينية و الدنيوية, المحلية و العالمية و الرسمية و الشعبية هو فساد و استغلال لسلطان الدولة في الحصول على أموال ضخمة, و هو فساد جماعي منظم و من خلال أجهزة السلطة المختطفة من قبل تنظيم الجبهة, و تقوم نفس الأجهزة بمحو آثار هذا الفساد و غسله و تزيينه بثوب الانجاز و اطلاق يد الآلة الاعلامية للحكومة لتدير العقول و تسحر القلوب بصور و أفلام و تقارير الانجازات و المعجزات, ليكمل الرئيس الصورة بالرقص و الهتاف و من خلفه صفوف المستفيدين ممزوجين بمجموعات الغبش تردد " الرد..الرد كبارى و سد" ليظل الشمال و الوطن هما الخاسر دوما
    .
                  

10-04-2010, 04:22 AM

حسين نوباتيا
<aحسين نوباتيا
تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 2473

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    شكرا لك يامدحت

    وشكرا للاستاذ مصطفي مختار..
                  

10-04-2010, 08:31 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: حسين نوباتيا)

    حمزاوي
    حسين
    شكرا لكم....

    farraigm1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-04-2010, 02:50 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    faraigm.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-04-2010, 09:14 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    abusembil1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-05-2010, 10:41 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    farraigm2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-05-2010, 06:28 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    kaj.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-05-2010, 06:40 PM

عبداللطيف خليل محمد على
<aعبداللطيف خليل محمد على
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3552

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    فوق ..
                  

10-06-2010, 08:12 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: عبداللطيف خليل محمد على)
                  

10-06-2010, 06:11 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    kajjbar.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-11-2010, 06:56 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    >>>>>>>>>>>>>>
                  

12-24-2010, 06:33 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)

    >>>>>>>>>>>
                  

12-26-2010, 12:35 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فيديو مؤثر جدا.... ومقالات قيمة تخص الامة السودانية في هذه المرحلة الحرجة. (Re: Medhat Osman)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de