الشعبية نجمة تزين سماء مدينة الخرطوم بحري

Quote: أخي عادل عثمان السلام عليكم لم أشأ أن أتجاهل الرد علي توضيحك ، وقد كنت طوال هذا اليوم في وردية متواصلة بالمستشفى. ولا أكتمك الحقيقة فقد ملأت تلك المداخلة قلبي غماً وحزناً لما فيه من إشارات وتلميحات تجافي الحقيقة. وكتمت ما نفسي ورددت عليك وخاطبت فيك عقلاً لا زلت أظنه راجحاً. وقلت لك أني لا ألوم من إختلف مع والدي (رحمه الله) أو معي في الرأي. فأنا أعلم أن أبي رحمه الله كان من الشخصيات العامة ، ولو تعدي عليه جاهل بمقولة ووالدي بين يدي الله لما تنازلت بالرد عليه ولتركته ليلقى الله بمقولته التي لن تضير أبي شيئا. ولكن أن يقول أخ أحترمه وأحبه (في منبر إجتمعنا فيه علي حب الشعبية وأهلها) عن أبي أنه كان نقابيآ وسياسيآ معروفآ اختلف معه فى مواقفه من اختلف - وظاهره من ظاهره فى صرعات وصراعات النخب السياسية السودانية التى ادمنت الفشل ، فذلك مدعاة لإدخال الحزن في النفوس. ولقد أوردت في توضيحك أشياء ليس لوالدي كثير صلة بها . فأبي رحمه الله لم يكن في موقع سلطة حين إعدم الشفيع بعد إنقلاب الشيوعيون علي نميري . وأبي تم إنتخابه كرئيس لإتحاد نقابات عمال السودان الذي ضم كافة النقابات العمالية بمختلف توجهاتها السياسية . ولم تكن له عند إنتخابه صلة بنميري أو بمناويئه من قريب أو بعيد. وقد توطتدت صلته بنميري ورجال الحكم في السودان فيما تلي من سنين بحكم موقعه كرئيس منتخب لأتحاد العمال. ويشهد من عرفوه من محبين ومبغضين أنه لم يستغل صلتة بصاحب سلطة يوماً لقمع من خالفه في الرأي . كانت تأتي لبيتنا أمهات ونساء من قادهم خلافهم مع نميري للسجون والمعتقلات فلا يجدون من أبي إلا حفاوة وتفهم لحالهم ، وكان يسعي قدر ما إستطاع لقضاء حوائجهم ، لم يمتن علي أحد في خير قدمه له أو لأسرته. وأشهد أني قد رأيت تعجبه وغضبه وهو في معتقل كوبر حين تبرع أحد الشيوعيين للشهادة ضده . وكانت للرجل قصة سابقة مع أبي. كان الرجل ممن تم إعتقالهم بواسطة جهاز الأمن ، فذهب والدي حين سمع بمرض إبنه لرئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب ولم يتركه إلا بعد تم إطلاق سراح ذلك الرجل ليسافر مع إبنه للعلاج بمساعدة من إتحاد العمال. هذه القصة لم يرويها أبي ، فلم تكن تلك طريقته ، وإنما سمعتها ممن عايشوها . ولعلك تتسأل : ولماذا لم يفعل ذلك مع غيره . وقبل أن أجيب على هذا السؤال يجب إثبات حقيقة تغيب عن الكثيرين وهي الوظيفة والهدف الأساسيان للنقابات هما الدفاع عن حقوق أعضائها . وغريمهم في نضالهم هو صاحب العمل سواء في القطاعين العام والخاص. والنقابات ليست تنظيماً سياسياً ولا يتبني فكراً أيدولجياً. فأعضاؤه تختلف أفكارهم ودياناتهم أيدولجياتهم ولكن تجمعهم مصلحة وهدف . ينتخبون من يرونه جديراً وقادراً على تحقيقه. لا يتخبون قادتهم لإسقاط حكومة لا تعجبهم شخصياً أو لا تعجب حزباً أو جماعة بعينها . كم تمنى الشيوعيون وكم حلم غيرهم بإستغلال النقابات لتحقيق أهدافهم. ونسوا أنها يجب أن تمثل كل الأعضاء الذين إنتخبوها بكافة أطيافهم . لو سعي أبي بحسب موقعه كرئيس لإتحاد العمال لإطلاق سراح كل أعداء النميري لوضع في أول قائمة امعتقلين ولما كان لإتحاد العمال كلمة بعدها في شئون عمال السودان ولما قام بدوره في الدفاع عن حقوقهم ، وتلك أهداف النقابات في كل العالم . ولو نظرت إلي ما إستطاع ذلك الإتحاد تحقيقه في ذلك الزمان لوجدت نجاحاً ولما وجدت إدماناً للفشل: فمن الانجازات التي تمت في عهده : 1. مشروع لائحة الخدمة المعاشية للعاملين بالدولة : حيث كان اغلب العمال لا تشملهم لائحة الخدمة المعاشية ؛ بل كان العامل يحصل في نهاية خدمته علي مكافئة نهاية الخدمة فقط !! .. وبجهد من رموز النقابات آنذاك تم تعديل هذه اللائحة لتشمل العمال ايضاً . 2. لائحة الحد الادني للأجور للعاملين بالدولة : و التي فيها رفع الحد الادني للأجور في السودان ، وقد تم تطبيقها علي القطاعين العام و الخاص . 3. مشروع تدريب لعاملين : الذي تم تفعيله بموجب اتفاقات مع نظرائها من اتحادات الدول الصديقة .. و من خلاله تم ابتعاث عدد من العمال و الكوادر العمالية لدورات تدريبية منتظمة لخارج البلاد . 4. مشروع المؤسسة التعاونية العمالية : الذي كان يستهدف توفير المواد التموينية و الغذائية و الملابس للعمال من مصادر إنتاجها ، و بعضها كان يستورد من الخارج بموجب اتفاقيات مع اتحادات دول مثل الصين ومصر و الأردن والعراق .. وغيرها ، وكانت تباع للعمال بنظام التقسيط و بأسعار رمزية !! . 5. مشروع التاكسي التعاوني: والذي كان يستهدف قطاع سائقي التاكسي، بتمليكهم عربات تاكسي بالأقساط.. 6. مشروع الصيدلية العمالية: و كان الغرض منه توفير الدواء للعمال بأسعار رمزية. 7. مشروع بنك العمال : و الذي قام بجهد كبير من الاتحاد و شاركت فيه الدولة. ولو عرفت أبي رحمه الله عن قرب لوجدت رجلاً بسيطاً أحب وطنه وأخلص لمن إختاروه ليحمل همهم ، شجاعاً في الدفاع عن حقوقهم إلى حد التهور ، ومسامحاً في حقه ما أستطاع كبشر. أخي عادل دعوتني لتقييم الدورالسياسى والنقابى لأبي. وأنا أوافق على قولك بأنه لا احد فوق النقد. وقد أردت على الدوام أن أتجنب الحديث عن أبي كشخصية عامة ، لعلمي بأن حبي له سيحول بين الحياد اللازم في تناول الموضوع. لن يحزنني نقدك لو إخترت المكان المناسب والطريقة المناسبة والمناسبة المناسبة. فقد كنت أمازحك وأحكي لك عن مفارقة بخصوص الأسماء المتشابهة وإجتماعنا في بوست الحاج علي حب الشعبية. ولم أجد بعد إعادة النظر في مداخلتي تلك ما يستوجب ما ورد في مداخلتك الأولى. أدعو الله لأبيك ولأبي بالرحمة ، ولك ولي أن نقدم للناس ما ينفعهم ، وأن يسير كل منا في درب من أحب ، وأن نكون من يبكي الناس ويترحمون عليهم حين موتهم. ولك مني وداً سوف يصفو حين تنقشع سحابات حزن عابر بإذن الله. أخوك أمير قناوي