الشعبية نجمة تزين سماء مدينة الخرطوم بحري

Quote: العصر الذّهبي للإبداع الكرويّ في الشعبية! عجباً! كيف لي أن أستجيش -وأنا في خضمّ هذه المشاغل- تلك الذكريات القديمة، وأن أبدأ في مداعبة "الكيبورد" من أجل كتابةِ، أو في الحقيقة: من أجل استخراج شيءٍ يتحرك في الدواخل متعلّقاً بميدان الرابطة في السبعينات من القرن الماضي، وخاصّة بفريق الصداقة، الّذي كان يضمّ كوكبة من المبدعين في عالم الكرة، ثم بفريق الجهاد الّذي أعتقد أنّه دخل الرابطة بلونيّة متميّزة من هذا الإبداع. وفي الواقع رغم أنّي "جهاديٌّ" لكنّي كذلك أشجع "الصداقة"، "وهل كان في واحد ما بشجع الصداقة في ذلك العصر الذهبي!؟"، اللهم إلا ناس "نجوم الشعبية"، لأنهم كانوا النِّد والضّد للصَّداقة، وكانوا كذلك اسماً على مسمّى، فمن ينسى كربوج أخوان: أحمد وبكري، ومحمد عوض "إذا لم تخنّي الذاكرة"، وطبعاً صلاح شكوكو، والعسكري المؤدب جمعة حارس المرمي المجتهد، وأبو حديد وأبو عرام و... كان فريق الصداقة خلية من الإبداع، ويكفي أن أُحاول تذكر أسماء بعض لاعبي منتخب الصداقة في ذلك العصر، حتى يهب علينا شيء من عبق الإبداع الّذي كانوا يصنعونه في تلك الأيام: ناجي حارس المرمى، ومعه "إذا لم تخني الذاكرة" عبد المنعم شقيق المفك إذا لم أتوهم، ثم في الدفاع أذكر تاج السر ورمزي وعصام بانقا ، وفي الوسط أذكر كباشي وتاج آدم، وفي الهجوم أسامة بيكوس والمبدع علي سيوده والهداف جحر. بسط فريق الصداقة سيطرته على رابطة الشعبية بجدارة واقتدار، حتى ارتقى لدرجة أعلى، وهي التنافس مع أبطال فرق الروابط ببحري في دورة جرت مبارياتها في الميدان الواقع بجوار حديقة عبود، وهناك عزفت الفرقة أجمل المقطوعات الكروية الجميلة، وانتصرت انتصارات داوية على أبطال بحري: خمسة صفر، أربعة صفر، وعلى الأقل تلاته صفر، حتى إذا ما تأهّلت للتّصفيات النهائية، وبقيت لها مباراتان على ما أذكر أو ثلاثة لتصعد إلى الدرجة الرابعة، عند ذاك حدث شيء عجيب لا زلت أشتمُّ فيه رغم مرور هذه السنين الطويلة "رائحة المؤامرة"! ففي تلك اللحظة يتم تسجيل نجوم الصداقة البارزين في فرق الدرجة الأولى، وخاصة فريق الموردة، ليغيب ثلاثي الهجوم الخطير علي سيودة وبيكوس وجحر، فكانت نتائج المباريات المتبقية في تلك الدورة المهمة، طبعاً محبطة ومتواضعة! وبقي سؤال حائر: من هم الإداريون الّذين وافقوا على ذلك، فأجهضوا مسيرة الفريق العملاق؟ بذلك انطوت صفحة فريق الصداقة الذهبي! ثمّ جاء فريق الجهاد، وبقيادة الكوتش حسن مظلات ومن خلال الأداء الجماعي المبدع، ابتداء من حارس المرمى بابكر جعفر ومروراً بعملاقي الدفاع معاوية باوارث وكمال السر، وفي طرفي الدفاع جمال أبو الريش وسامي جمعة، ثم محمد خيري في وسط الملعب إلى جانب عبد الرحيم عبد الرسول، ومحمد عثمان ومحسن جعفر، ثم ثنائي الهجوم عز الدين أبو الريش وأسامة "حكا"، الجناح الأيسر سيف الدين حسن، والجناح الأيمن جعفر قسم، شيئاً فشيئاً استطاعت الفرقة أن تُثبت وجودها وتبدأ في تقديم عروض جميلة، وتحقيق انتصارات كبيرة، لعلّ أوّلها هو الفوز ببطولة دورة ثلاثية "مع نجوم الشعبية والنسر"، في ميدان النجوم. بعد ذلك انتقل فريق الجهاد نقلة كبيرة، عندما انضمّ إليه نخبة من نجوم فريق "السهم الناري" الذي كان يمارس تمارينه في حي الميرغنية والسائح: وكان على رأس هؤلاء المايسترو المبدع مأمون علي، والثُّنائي الحريف ياسر شرفي وعمر الكوارتي، ولا ننسى عامر باضاوي، وعبد الرحمن مهدي، وغيرهم... بقيادة اللاعب الموهوب مبارك عوض، فتشكّلت فرقة ذهبية استطاعت أن تُغطي الفراغ الّذي خلّفه فريق الصداقة الذّهبي في ميدان الرابطة، واستحقّت هذه الفرقة الجهادية بجدارة لقب "فريق الألمان"، الّذي أطلقه عليها الحكم والرياضي الشعباوي الكبير حيدر الجقدلي، أو المرحوم معاوية الإداري النَّشط في فريق المارد. أمّا بعدُ، فإنّ الإبداع الكروي هو مظهر من مظاهر الإبداع الإنساني عموماً، يقدم فيه الفردُ شيئاً من دواخله، وإن ظهر على قدميه ورأسه وحركات جسده، فالإبداعُ في مجال كرة القدم قرينة على وجود الإبداع الكلي، فيما عداه من جوانب النشاط الإنساني العلمي أو الأخلاقي أو الاجتماعيّ. وعلى ما أظن أكثر اللاعبين إبداعاً كانوا هم كذلك الأكثر خلُقاً ودماثةً، ... ويجدر بهم أن يكونوا كذلك الأكثر تطوّراً في سائر ضروب النشاط الحيويّ، لو أُتيحت لهم بعض التوجيهات التربوية، وقبل ذلك لو كانوا وجدوا البيئة الملائمة لنشوئهم، قلت: إنّ الإبداع الكروي دليل على وجود روح الإبداع الكلي في نفس صاحبه، وأنا أعني أنه أحد الأدلة، فليس من اللازم أن يكون كلّ الناس ماهرين في كرة القدم طبعاً، فهناك من يظهر إبداعه في مجالٍ آخر، ويكون إبداعه في هذا المجال قرينةً على اتِّقاد جذوة الإبداع في قلبه، وهي عموماً قرينة قابلة لإثبات العكس، بل الشّائع عن لاعبي الكرة أنهم ليسوا مبدعين إلا في الكرة، ولكن هذا الفهم هو ثمرة لطغيان مفهوم خاطئ عن الإبداع في الواقع الّذي نعيش فيه، أو عدم وجود أي مفهوم للإبداع، إذن، فأنا أتكلم عمّا ينبغي أن يكون، ... فالمبدع الحقيقي في نظري، يكون كذلك في كلِّ ما يصدر عنه من سلوك، ... ختاماً، وقد ذكرتُ في ثنايا هذا الموضوع بعضَ مبدعي الكرة في ذلك العصر، من فرق النجوم والصداقة والجهاد، ممّن أُتيح لي أن أتذكّرهم، هناك أسماء تفرض نفسها عليَّ، لم تجئ مناسبة لذكرها فيما سبق، فأذكرها الآن: يوسف عبد الله بيّن "المفك" لاعب الشعبية والتحرير والفريق القومي، وصلاح حبشي مايسترو الشعلة، و... والمعذرة لمن فاتني ذكرهم، ... وفي ختام هذا الموضوع أشعر بأنّي لم أُوفِّ فريق المارد حقَّه، فقد كان يوماً من الأيام مارداً حقيقياً، يضمّ مجموعة من النجوم: سامي إبراهيم وأخوه بدر الدين، عبد السلام، ومحي الدين السر، وأظن لاعب الموردة الكبير منغستو كذلك كان في المارد... أسأل الله أن يكون كلُّ مبدعي ذلك العصر الذّهبي، والتّابعين لهم بإبداع، قد أُتيح لهم بفضل الله الخالق البديع، أن يمتدّ إبداعهم ويتواصل في سائر دروب الحياة إلى أن يلقوا ربّهم.