الشعبية نجمة تزين سماء مدينة الخرطوم بحري

Quote: أوصاني أخي بدرالدين إسحاق في مداخلة سابقة أن أنبه الألمان إني أيضا" (من جنس آري) وذكرتني مقالته هذه بأول أيامنا في ألمانيا. كانوا يسألوننا عن البلاد التي أتينا منها وعندما نذكر أسم السودان يبدأ الواحد منهم في شحذ ذاكرته بحاثا" في خريطة العالم المحفوظة في عقله عن هذا البلد . وتمضي لحظات يخيل إليك أثنأها أن تفكيره قد إجتاز البحر الأبيض المتوسط , عابرا" مصر ومحلقا" فوق النيل , متابعا" مجاراه نحو الجنوب ويسأل : أليس هو ذلك البلد أسفل مصر؟ .. نعم أعرفه .. أنه ذلك البلد حيث المجاعات .. والصور المؤلمة للأطفال الذين أنهكم الجوع .. وقد يظهر لك الحزن علي ما يحدث في تلك البلاد .. وقد يخبرك بأنه قد ساهم بالتبرع عند رؤيته لتلك الصور. قد يكون بعضهم صادقا" في إحساسه وهذا بلاشك إحساس نبيل ولكن كنا ندرك أن الكثيرين منهم يريد فقط أن يذكرك بتبرعه وإحسانه منا" وأذى. ونحن ناس لنا عزة نفس وأنفة , لا نرضى أن يمتن علينا أحد ,وشعارنا الذي عرفنا به دائما" هو قول الشاعر: لا تسقني كأس الحياة بذله بل فسقني بالعز كاس الحنظل.. بماذا تجيب وهم لم يذكروا إلا حقائق ؟ ... بلدنا العزيز أصبح متسولا" يطلب الإحسان في كل المنابر؟ هل تستدر هذه اللقمة المرة وتشكره على شعوره الإنساني ؟ الحمد لله الذي لايحمد على مكره سواه والشكر لمن تعاطف مع المهضومين والغلابة ..ولكن ليس هذا هو السودان الذي عرفناه من المهد. لا نرضي أن تكون هذه هي صورتنا أمام العالم .. تثور دماء العزة في العروق ونبدأ في تصحيح الصورة: أولا" السودان لا يقع تحت مصر , بل فوقها , والدليل على ذلك أن النيل يجري من السودان إلي مصر. والماء كما يعرف كل إنسان يسيل من أعلي لأسفل. ثانيا" السودان عرف عبر القرون بأنه أرض الجود والكرم .. كان مأوا" للمنكوبين في القارة الأفريقية وما جاورها عبر حقب طويلة من الزمان..آوينا من ضاقت به بلاده لظلم أو لفقر ولم نمتن على أحد , فالمنة لله من قبل ومن بعد. ثالثا" الأيام دول , ومن صار اليوم عزيزا" كان بالأمس ذليلا" , ومن نالت منه نوائب الدهر حينا" قد يرفعه الله يوما" مكانا" عليا". أما الرابعة (وهي التي أخرست كل متكبر) فلم نكن ندري بها حتي وجدها أخ عزيز وهو يبحث في أرشيف مكتبة الجامعة. وقد كانت خبرا" في جريدة يومية تأريخه في الستينيات أيام كوارث فيضانات هامبورج الشهيرة وأيام حكومة الفريق إبراهيم عبود في السودان. ورد في الخبر تقديم السودان لمساعدات وإرسال بعثة طبية لألمانيا للمساهمة في أغاثة المنكوبين في هامبورج. كان هذا الكشف الصحفي بردا" وسلاما" علي قلوبنا المحزونة لما آل إليه الوضع في السودان. وكان بلسما" للنفوس التي تأبى الهوان. رحم الله إبراهيم عبود فهو لم يكتفي ببناء الشعبية فأسعد الله علي يده بها أجيال وإنما ظلت أياديه البيضاء حجة لنا أمام من أراد أن يمتن على السودان. وقد عجبت وأنا طفل لغنائنا لثورة أكتوبر وللإحتفاء بذكراها والكل يردد متحسرا" علي أيامه : دي كانت في زمن عبود بتعريفة...