< الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 10:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-08-2010, 03:17 PM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض (Re: ياسر احمد محمود)

    Quote: د. حامد البشير ابراهيم

    ( 7 من 14 )



    البترول و قبائل التماس و عنصرية الدولة الوطنية



    ثلاثة عشر: في عام 1978 تم اكتشاف البترول في حوض المجلد الذي تقدر مساحته بثلاثين ألف كيلومتر مربع بواسطة شركة شيفرون الأمريكية والذي غطى أيضاً مساحات تقع إداريا في جنوب السودان وجيولوجياً هي في حوض المجلد.

    استبشر السودان خيراً وفرح الناس في كل مكان وكانت فرحة سكان المنطقة من المسيرية (الاثنية الغالبة) والدينكا والمعاليا وغيرهم من القبائل اكبر. وانتابت المنطقة حركة دؤوبة من كل اجزاء السودان حيث أصبح الناس من الوسط ومن كل مكان في السودان يتسابقون لشراء الأراضي في تلك القرية والمدينة ذائعة الصيت ليست لأنها مقعد نظارة عموم المسيرية الحمر والزرق بل أيضاً رئاسة مجلس دار المسيرية الذي رأسه في يوم من الأيام السيد دينج مجوك. وأيضاً هي القرية التي درس فيها الدكتور فرانسيس دينج مجوك المرحلة الأولية. هب الناس من كل مكان لشراء لأراضي في تلك القرية التي ستصبح دبى في غرب السودان او الدوحة أو احدى مدن البترول في جزيرة بروناي كما كانت تقول أحلام الغلابا. وأذكر وأنا حديث التخرج في جامعة الخرطوم, حيث كنت أعمل معيداً بالجامعة, كلفني استاذي وصديقي الدكتور محمد عثمان السماني باجراء دراسة في عام 1981م عن الآثار المتوقعة على اكتشاف البترول على القطاع الرعوي في منطقة غرب كردفان. وقد أتاح لي ذلك فرصة نادرة لدراسة المكان والسكان وفهم ديناميات اكتشاف البترول على المنطقة. وانا على يقين ان كل المترتبات الضارة على البيئة المحلية وعلى استغلالات الأرض وتحويل مجرى أفرع الأنهار وإختلال وربكة نمط الحياة الرعوى كلها لم يتم لها التوثيق ولم يتم تناولها بشفافيه تحفظ للمواطن المحلي حقه ليس في الظلم (كما هو الحال الآن) بل في العدل المفقود (منذ ان مات عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز).

    ولكن توقفت شيفرون عن العمل لأسباب سياسية وفنية في منتصف الثمانينات لتأتي حكومة الإنقاذ وتزيح الغطاء عن بئر البترول الأولى في أبو جابرة وبانتيو وعندها دخل البترول في حسابات الدخل القومي إلى ان اصبح يشكل مالا يقل عن 60% من الدخل القوميِ. يبقى السؤال: ماذا تحقق للسكان المحليين من ذلك الحدث التنموي الأكبر في تاريخ السودان المعاصر بعد نجاح مشروع الجزيرة خلال سبعين عاماً من 1925-1995م قبل أن يموت تحت حوافر الشعارات وتقطع أنفاسه الأيديولوجيا قصيرة النظر والتي من قبل قد اقعدت بتنزانيا حينما رفع المعلم نيريري شعار الإعتماد على الذات في اطار المشروع الحضاري والتأصيلي الأفريقي الذي أطلق عليه حينها "الاشتراكية الأفريقية" African Socialism ويبقى السؤال الكبير: ماذا جنى السكان المحليين في حوض المجلد وفي كل حزام التماس الغني بالنفط؟ ماذا جنوا بعد أن أصبح البترول يشكل 70% من الدخل القومي؟

    حينما تسافر في تلك الانحاء من مناطق انتاج البترول وعلى طول حزام التماس تحس بأنك تسافر عبر التاريخ وعبر سنوات من الماضي وأنك تمر عبر دهاليز من غابر الأزمان. وأن كل شيء في أوساط تلك المجتمعات المحلية يعبر عن الحرمان وعن النسيان والإهمال والاقصاء والتهميش أيضاً.

    إن الذين إلتقيتهم وسامرتهم في عطلاتي, وما قرأته من بحوث ودراسات وتقارير تعج بها المكتبات والمواقع الالكترونية والصحف السودانية, يشير إلى استمرار الملامح التالية للتهميش وسوء الإدارة والتخطيط المرتبط بقطاع البترول على المستوى المحلي:

    (1) إن الأمانة التنموية والتخطيطية كانت تقتضى ان تقوم المصفاة في ذات موقع الإنتاج (في حوض المجلد) حتى يكون مردودها التنموي كبيراً وفاعلاً في المحيط المحلي لكل تلك المنطقة. وحينها كانت ستكون ثورة تنموية كبرى في كردفان تعيد من جديد صياغة القطاع الرعوي والزراعي التقليدي بانسانه الكادح لينعم بخيرات باطن أرض جادت بها طبيعتها. كانت تلك أولى أخلاقيات واساسيات العمل التخطيطي والتنموي في رحاب دولة قومية عادلة في المنهج وفي المقصد. ولكن, ولدهشة السكان المحليين كما اورد لي كثيرون ممن التقيتهم, جاء قرار انشاء المصفاة الكبرى في الجيلي حول الخرطوم والصغرى (للتمويه) في الأبيض. وليت سلطات البترول تملك الشجاعة حتى تشرك الرأي العام السوداني والمحلي حول تلك القرارات والخيارات. والتي وصفها الرأي العام المحلي بأنها تمثل استمراراً لعنصرية الدولة الوطنية التي ابتدعتها الانقاد لتثرى بها تجارب الحكم السيئة والفاسدة في أفريقيا. وبالضرورة فإن المواطن محق في كل الاوصاف والنعوت التي يلصقها بالدولة التي لا تشركه في القرار حتى في الخيارات التنموية التي تخصه وتحدد مستقبل أجياله القادمة إن بقى منهم أحد في ظل الحروب المتجددة في المنطقة. وأذكر أن قال لي احد الذين استفسرتهم, أن أحساسهم هو ان الدولة لا تثق بهم ولا بالجنوبيين, على حد قولهم, لذلك قررت ان تنقل المصفاة إلى جوارها وإلي حيث عشيرتها. وحتما سيرد عليه احد الاعضاء الفاعلين في كيان الشمال بأنه لاغضاضة طالما أن خليفة المهدي قد استنجد بعشيرته وحكم ام درمان قبل أكثر من قرن من الزمان.

    وذكر مواطن آخر بأن سياسة الدولة خاصة في قطاع البترول تتميز "بالخيار والفقوس" في كناية عن التمييز والتحيز الجهوى والاثنى الذي اضحى صفة غالبة تميّز السياسات الرسمية للدولة في التعيين للوظيفة العامة وفي خيارات وتوزيع التنمية.

    (2) كان من المفترض ما تبقى من قرار البترول بعد "تهجير المصفاة إلى الجيلي" ان ينعم المواطن المحلي بقدر كبير من فرص العمل المحلية. وأن يكون هناك تشريع واضح وفي اطار خطه للتنمية الريفية المتكاملة تسعى للنهوض بهذه المنطقة المنتجة للبترول والتي دفع الإنسان فيها ثمناً غالياً لفاتورة البقاء ومن قبل دفع فاتورة الفناء حينما كان محارباً (في صفوف المليشيات والدفاع الشعبي) إلى أن أنهكته الحروب الأهلية وإنهار عليه الإقتصاد الريفي ووصلت نسب الفقر عنده إلى اكثر من 90% ولكن رغم ذلك ظل الانسان قابضاً على الجمر ووفيا للمكان وللزمان قبل أن يجور به عليه بحكام الإنقاذ. ولقد كانت دهشة المواطن المحلي عظيمة حينما رأى أنّ الشركات الأجنبية والحكومية تأتي بعمالتها المستوردة (من داخل ومن خارج السودان) إلى تلك الديار ولم تترك للسكان المحليين سوى قليل من الوظائف الهامشية. وبعض هذه الوظائف قد يكون تحرش قبيلة بأخرى او اثنية بأخرى حتى يتم تفريغ الأرض والحجز عليها لصالح شركات التنقيب وذلك وجه آخر من اوجه حروب الوكالة والحروب غير المباشرة التي تتناغم مع مبدأ الادارة غير المباشرة الذي اتبعته الدولة في تلك الانحاء من الوطن. والمعلوم أن القليل من الوظائف الهامشية التي أتيحت للسكان المحليين ليس من شأنها بالضرورة ان تحدث أي تنمية أو تحول في اطار المجتمع المحلي، لكنها ربما تعين على استمرارية الكفاف وعلى بقاء الإنسان حياً على وجه الأرض التي ذهبت خيراتها من باطنها كما ذهبت الخيرات التي على ظهرها بسبب الضغط السكاني والتدهور البيئي ونوبات الجفاف المتواترة وأيضاً بسبب التنقيب الذي أغلق المراحيل وحاصر المراعي وجفف كثيراً من مناهل المياه التي يتعارف عليها المواطنون باسم "الرقاب" وهي احدى روافد بحر العرب الكثيرة التي تمثل اماكن استقرار موسمية لبدو ورحل المسيرية في الصيف في الاجزاء الجنوبية من ديارهم والتي أصبحت الآن جزءاً من مغالطة نيفاشا.

    إنّ الآثار البيئية الضارة التي ترتبت على إكتشاف واستغلال البترول لم يتم التوثيق لها بصورة أمينة من قبل الدولة لكن مما لا شك فيه أن المنطقة غير قادرة بعد البترول لأن تستوعب 4/1 الثروة الحيوانية التي كانت تستوعبها في الستينات. وأنّ هذه الآثار البيئية لا تشتمل على الآثار المباشرة التي ترتبت على: القطع الكثيف للأشجار؛ تحويل مجارى الأنهار الفرعية وأغلاق بعضها تماماً؛ التنقيب على حساب المراعي بحجز آلاف الكيلومترات من الأراضي الرعوية؛ الاعتداء الكثيف على لأراضي الزراعية.

    كل هذه التحولات قد أدت بدورها إلى تحولات بيئية كبرى انعكست على ضعف القطاع النباتي، وتناقص كميات الأمطار نتيجة لتضاؤل القطاع النباتي وانجراف التربة وبلغت المأساة قمتها بالنتيجة الحتمية وهي الزحف المتسارع للصحراء وبالتالي مزيداً من التنافس حول المرعي والماء ومزيداً من الاحتكاك والتوتر. وكثيرون من السكان يرون أن التعويضات الضئيلة التي تلقاها بعضهم لا تتعدى أن تكون "عطية مزين" ومن نوع الإكراميات والهبات حيث أنها تفتقد إلى المنهجية العلمية الكفيلة بجبر الضرر وبالتعويض والتي يفترض أن تتم في إطار خطه وإجراءات تنموية شاملة لكل المنطقة والتي تضمن لها التحول التدريجي السلس من قطاع رعوي إلى قطاع خدمي مرتبط بالبترول. لكن كل ذلك لم يحدث حيث أن المنطقة الآن بأغلبها تعيش مرحلة تحول تدريجي نحو بروليتاريا النفط الذين لا يرتدون أي ياقات: حيث الياقات الزرقاء (العمال المهرة) والبيضاء (من الاداريين والتنفيذيين) جمعيها قد تكفل باحضارها السيد وزير البترول الذي ادخل فرية القبيلة في أورنيك التقديم للخدمة في هذا القطاع. ويبدو ان واحدة من القبائل التي تقطن تلك الأنحاء من الوطن لم ترق لـه حتى يشملها في معية ذوي الياقات (حيث اللون لا يهم). ان هذه البروليتاريا النفطية الجديدة والتي هي في طور التكوين والصياغة ما هي الا الصورة الجديدة للنازحين ولكن هذه المرة دون أن يفارقوا ديارهم وهنا تتجلى رحمة الدولة بالمواطن الذي قررت أن توفر لـه تكلفة المواصلات الطويلة من غرب كردفان حتى ضواحي ام درمان في حالة النزوح التقليدي والذي بدوره ما زال مستمراً أيضاً.

    وما هذه إلا بعض من خواطر إقتسمها معى البسطاء من أهلي الرعاة والمزارعين في القرى والأرياف النائية في تلك الانحاء من الوطن بما فيها قريتي التي يجاورها خط البترول العابر والذي يتجه حسب قانون الجاذبية وتبعاً لخط تقسيم المياه الجيلوجي في تأكيد لحقيقة حتمية هي " المي بجري محل مِدّنكِس" أي الماء يسير حيث الانحدار والميلان وفي هذه الحالة يميل حيث مالت السلطة وتركيبتها المُختلّة في السودان. وان خط البترول الذي يجاور القرى ويمر عبرها مرور الكرام لم ير الناس منه الا اكوام التراب المحيطة بالأنبوب ولكنهم لا يدرون ماذا يحمل في داخله وإلى أين يتجه (حمده في بطنه). ويبدو أن للمواطن في تلك الانحاء صلة حميمة بالتراب: حيث نصيبه منه فقط الاكوام في حالة مشروعات التنمية ونصيبه "العجاج" الذي تطلقه عربات المسئولين في زياراتهم الربع قرنية، والتي غالباً ما تكون للتأكد من كونهم أحياء حتى تشملهم كشوفات الانتخابات القادمة وهذا غير مهم كما ذكر أحد المواطنين بأن الانتخابات الأخيرة في قريتهم قد شارك فيها الأموات طالما ان نصيب الصوت كان أوقيتان من السكر الصافي للأحياء. وتلك فرية أتت بها الإنقاذ في اطار ما يعرف بالإجماع السكوتى والذي شمل الموتى الذين اسكتهم الموت ولكن يظل تواصلهم مع الأحياء (عبر الانتخابات) في تحديد خيارات المشروع الحضاري العظيم. وهذا هو تأصيل الديمقراطية عند هؤلاء القوم الفاسدون.

    (3) ان الدولة لم تفصح عن القدر الهائل من التهجير الذي تم للسكان المحليين والتحولات البيئية السالبة التي أضرت ضرراً بليغاً بنمط حياتهم البدوي او الزراعي خاصة وسط المسيرية والرزيقات والدينكا والنوير والحوازمة والنوبة على السواء. ان هنالك مجموعات سكانية بأكملها قد تمت إزاحتها قسراً وقهراً حتى تتمكن شركات البترول من التنقيب الذي حتماً في نهاية المطاف يدر في خزينة دولة الحزب وحزب الدولة وكلاهما سيان, وذلك شأن آخر. إن المهم في الأمر أن المهجّرين قد فقدوا مساكنهم ومراعيهم وحتى الساحات التي يلعب فيها اطفالهم وتلك التي يدفن فيها موتاهم. المهم أنهم لم يجنوا ثمار البترول ولو تعويضاً يسيرا للخراب البيئي الذي حل بالمنطقة وبالطبع لم يجن ثمار البترول كل الشعب السوداني طالما ان الذهب الأسود الذي اكتنف أمره – مع ذهب أرياب الاصفر– ضباب كثيف من التعتيم. ومع ذلك فاحت رائحة الفساد من قطاع البترول حتى شممناها في كل عواصم الشرق والغرب وتجاذبت أخبارها "القِبَلْ الأربعة".

    (4) لقد تساءل الناس كثيراً في سمرهم ومجالس أنسهم في تلك الأنحاء في الريف الغربي وبحثوا عن تفسير لعدم إنشاء المصفاة في موقع الانتاج او حتى قريب منه في ذات المنطقة. منهم من قال ان الاسباب تعود لما يعرف بالخطة (ب) (Plan B) او الخطة البديلة كما يعرفها التفكير الاستراتيجي حيث أن كل تلك الاجزاء لا تقع في اطار السودان المحوري الذي حددته الإنقاذ على لسان عرابها الاقتصادي السيد عبد الرحيم حمدي بأنه السودان الذي كانت تحكمه مملكة سنار (السلطنة الزرقاء) التي حكمت بالإسلام وهي تشمل المثلث من (دنقلا – سنار- كردفان الشمالية). وقال آخر ان عدم توطين المصفاة في المنطقة ناتج عن عدم الثقة في ولاء الناس (اغلبهم من الأنصار) (أو من الحركة الشعبية) في تلك الانحاء من السودان, وذلك يعني عدم الولاء للموقع والجغرافيا أيضاً. وفي كل الحالات قال بعضهم أنه تمييز تقوده الدولة ضد بعض اجزاء الوطن وضد بعض "أجزاء المواطنين". ان تلك "الحقارة" قد أكلها أهالي غرب كردفان "على اللباد" حتى ظهرت شهامة والآن انضم عشرات الآلاف منهم ومن ابناء الحوازمة للحركة الشعبية كناية وتعبيراً عن غضب الحليم وما علمت الخرطوم ان المسيرية والحوازمة والرزيقات هم أبكار المهدية رغم عدم إنصاف التاريخ لهم حيث لم يذكرهم بخير أو شر إذ اكتفى بوصفهم "بالدراويش". حيث أن التاريخ قد كتبه أبناؤها من الطرف الآخر للنهر… ومن الأبناء من ظلم العمومة والخؤولة. ويبدو أن التاريخ في السودان ما زال يسير على ذات المنوال من التقسيم الجزافي من قبل مئات السنين حتى صاغت لـه كتب التاريخ مصطلحى "أولاد البحر" و"أولاد الغرب". إنه حتماً تاريخ حكته الحبوبات وتشربه الأبناء (بعكورته) وورثوه (صُرّة في خيط) للأجيال الحاكمة الآن والتي ما زالت تحمل في نفسها شيئاً من حتى وان تدثرت بعباءة الوطن وبالدين وبالعلم. ولذا نقول لهم: أنزعوا عنكم ذلك الجلباب أيها الأخوة فإنه جلباب من حديد لا تستطيعون معه الحركة والحراك بحرية وموضوعية في وطن تبلغ مساحته مليون ميل مربع وتقطنه أكثر من ستمائة قبيلة. ونضيف: تخلصوا من تلك الاثقال والأحمال من التاريخ الكاذب ومن أهواله وقفشاته التي تجرأت حتى أطلقت على أنضر سنوات التكوين الوطني ألفاظ الفوضى والبدائية والبوهيمية مثل: "إنت قايل الحكاية مهدية". ويبدو أن بعض فصول التاريخ القاتمة هي في الحقيقة ما زالت مسرحيات وروايات وممارسات يومية حية تعيش بيننا على الرغم من أن شخصوها الفاعلين يرقدون بجوارنا في الجزء الشمالي من ام درمان في كرري وفي ضواحي النيل الأبيض غرباً في ام دبيكرات وفي صحراء كردفان وفي شيكان والبركة وكازقيل.

    ان حقول البترول قد إقتطعت الاف الكيلومترات من مزارع المسيرية ومراعيهم ولم نسمع بإنشاء الصندوق القومي لتعويضهم ولا بالطفرة الإنمائية التي حولت ارضهم وديارهم إلى مناطق بترول. وأقصى ما يصبو اليه الكثيرون منهم وظائف عمالية إذ أنّ الأفندية والمهندسين وغيرهم من ذوى الياقات البيضاء فيؤتي بهم من حيث أتى الحكام من أقاليم الحظوة واثنيات الحظوة وأتضح أن العلاقة التي ميّزت السلطة الحاكمة بالمسيرية خلال ما يقارب العقدين الأخيرين هي علاقة "إستكرات" و"استغلال" تنعدم فيها المصداقية المرجوة في الحلفاء خاصة من جانب الدولة الحليف الاكبر والخادع الأكبر في ذات الوقت. وقد ذكر لي احد الذين حادثتهم بأن رجال المسيرية الأشاوس ماتوا ومن قبلهم مات رجال الحوازمة والرزيقات وكل قبائل البقارة في حزام التماس من ام دافوق حتى كاكا التجارية، وأخيراً جاءت معاهدة الأمس مع الحكومة التي عرفت بمعاهدة نيفاشا. وبما أن الإسلام يجب ما قبله, فالمعاهدة الأكبر كذلك تجب تلك الصغرى التي مات بسببها فقط بضع آلاف من رجال ونساء القبائل: وضاعت أبيي وضاع بترول حوض المجلد وتلك أقسى صور التهميش حينما تعنى الاستغلال والإبتزاز ونقض العهود للدرجة التي يحس معها المجنى عليه بأنه ليس أكثر من برازة شوك يلقى بها بقسوة في قارعة الطريق بعد انتفاء الغرض وأصبح حال الناس لا يختلف عن حال الهنود الحمر الذين أخذت أرضهم وحجزوا في سجون المحميات: تتعدد القارات والظلم واحد.

    ان ما يجب ان يقال وبالصوت العالي هو أن نخب المركز قد فشلت في ادارة التنوع الاثنى والديني والجهوي في السودان الواسع وذلك بالإبقاء على المعادلة الغير عادلة لتقسيم السلطة والثروة وحتى إقتسام الهوية والتي سيكون تقسيماً قسريا وقيصريا لو أطلقنا الهوية العربية حتى على شمال السودان السياسي. اما نخب الهامش التي قدر لها أن تكون في موقع القوة فإنّ قوتها منقوصة وسلطتها منقوصة وهيبتها أيضاً منقوصة طالما لا تسندها الثقافة الغالبة ولا البناء الاجتماعي المتوازن. وأيضاً لأن التهميش المزمن قد أفرز تهميشا نفسيا ليديم ويبقى على العلاقات السياسية الغير متوازنة بين نخب الهامش والنخب المحورية في المركز والتي تنظر إليهم كوكلاء لا شركاء. وهذا نتاج للعلاقة الغير مكتوبة بين المهمّش والمهمِّش والتي خير ما يجسدها علاقة الزعيم بالتابع وهي علاقة يغلب عليها الامتنان من صاحب السلطة الأكبر في المركز إلى صاحب السلطة الأصغر في الاقليم الهامشي. زائداً على ذلك ان اختيار النخب الطرفية في الأنظمة الشمولية يتم على اساس عقد متميّز بالذاتية لا بالموضوعية وغالباً ما يتميز بالإبتزاز بين مسؤول ومسؤول آخر. وذلك وجه من وجوه التهميش لم يجد حظه من الدراسة والتحليل لارتباطه بالسلطة ولحساسيته أيضاً. اما الوجه الآخر والذي هو اكثر وضوحاً أن النخب التنفيذية التي تأتي من الأطراف دون إختيار المركز – مثل اختيار الولاة في نهاية عقد التسعينات فإن الولاة الذين اختارتهم القواعد الشعبية رغم أنف النظام كان مصيرهم الفشل والتفشيل وذلك ببساطة عن طريق حجب الدعم والمساندة المركزية لهم خاصة في الإفراج عن الاستحقاقات المالية لتلك الولايات. وكثيرون من أولئك الحكام ذكروا بأن تلك سياسة مقصودة لافشالهم وسط أهلهم حتى يؤتي لهم بمن هو كفء من أهل الحظوة وأهل الحضرة، وهكذا تتوالى وتتوالد صيرورات التهميش في تعقيد فريد يعكس رغبة وإصرار المركز ونخبه الحاكمة في الأبقاء على السلطة والثروة حتى من خلال ابتزاز واستغلال النخب الطرفية. وبالطبع كل هذا بخلاف النخب البلاستيكية التي تضعها النخب المحورية من المركز في الأقاليم من باب الادارة غير المابشرة وهو نمط من انماط الادارة الأهلية التاريخي تمّ توليفه الآن في إطار الادارة الحديثة للدولة وإدارة الاقاليم والاطراف الهامشية.
                  

العنوان الكاتب Date
< الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-06-10, 05:25 PM
  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Mohamad Shamseldin08-06-10, 09:25 PM
    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 08:55 AM
      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-07-10, 03:17 PM
        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-07-10, 03:18 PM
          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-07-10, 03:19 PM
            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 03:57 PM
              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-07-10, 04:30 PM
            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Mohamad Shamseldin08-07-10, 04:15 PM
              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 04:30 PM
                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 04:54 PM
                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-07-10, 05:26 PM
                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 08:25 PM
                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 09:05 PM
                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-07-10, 09:16 PM
                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض الصادق يحيى عبدالله08-07-10, 10:00 PM
                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض cantona_108-08-10, 00:07 AM
                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض أحمد ابن عوف08-08-10, 06:59 AM
  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد08-08-10, 07:19 AM
    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 07:36 AM
      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 07:45 AM
        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 07:50 AM
          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 12:12 PM
            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض محمد ادم الحسن08-08-10, 02:03 PM
            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 02:07 PM
              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 02:09 PM
                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 02:11 PM
                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 02:14 PM
                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض بريمة محمد08-08-10, 03:23 PM
            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض محمد ادم الحسن08-08-10, 02:19 PM
              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:12 PM
                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:15 PM
                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:17 PM
                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:18 PM
                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:20 PM
                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:22 PM
                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:24 PM
                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:27 PM
                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:29 PM
                                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:31 PM
                                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:34 PM
                                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-08-10, 03:35 PM
                                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض بريمة محمد08-08-10, 03:38 PM
                                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 05:37 PM
                                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 06:20 PM
                                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض محمد ادم الحسن08-08-10, 06:35 PM
                                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 06:42 PM
                                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-08-10, 06:51 PM
                                                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض خالد كيبا08-09-10, 01:31 AM
                                                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Mohammed Tirab08-09-10, 02:10 AM
                                                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Elsanosi Badr08-09-10, 01:47 AM
                                                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض خالد كيبا08-09-10, 05:31 AM
                                                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Omer Sakin08-09-10, 06:00 AM
                                                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 07:23 AM
                                                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 09:42 AM
                                                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 10:03 AM
                                                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض خالد كيبا08-10-10, 10:28 PM
                                                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Mohamed Doudi08-09-10, 09:59 AM
                                                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 10:17 AM
                                                                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 10:35 AM
                                                                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض محمد ادم الحسن08-09-10, 01:18 PM
                                                                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض محمد ادم الحسن08-09-10, 01:26 PM
                                                                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-09-10, 04:20 PM
                                                                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-10-10, 04:03 PM
                                                                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-10-10, 04:15 PM
                                                                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-10-10, 09:00 PM
                                                                            Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-11-10, 06:46 PM
                                                                              Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-13-10, 02:02 PM
                                                                                Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-13-10, 02:33 PM
                                                                                  Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-13-10, 03:20 PM
                                                                                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض Elsanosi Badr08-13-10, 05:28 PM
                                                                                      Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-13-10, 08:33 PM
                                                                                        Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-13-10, 09:42 PM
                                                                                          Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض عزام حسن فرح08-13-10, 10:20 PM
                                                                                    Re: < الكِتاب الأزرق > دارفور الإنسان والأرض ياسر احمد محمود08-13-10, 10:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de