حكايات عن الفنانين وناس السيرة واهل العروس مع النظام العام

Quote: الخرطوم- "حدود السلطات القانونية في الحفاظ على قيم المجتمع وأخلاقه مقابل حدود الحريات الشخصية للأفراد".. جدل بدء يحتل مساحة واسعة على الساحة السودانية بعد الحكم في قضية الصحفية لبنى حسين المعروفة بصحيفة "البنطال"، وزاد من وتيرته الأنباء الأخيرة حول الحكم بأربعين جلدة على فتاتين اعتقلتا خلال مشاهدتهما مقطع فيديو للمسلسل التركي "نور ومهند" الأسبوع الجاري على هواتفهما المحمولة. الصحفي السوداني وأحد رموز التيار الليبرالي الحاج الوراق استنكر في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" حملات الشرطة التي تستهدف التفتيش على ملابس النساء وأجهزة المحمول قائلا: "إن الإسلام والعرف ومبادئ حقوق الإنسان لا تسمح بتتبع عورات الناس". واستشهد بموقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حينما تسور بيت أحدهم ووجد شيخا جالسا وبين يديه خمر وجارية تغني فهجم عليه قائلا: ما رأيت كالليلة منكرا أقبح من شيخ ينتظر أجله، فرفع الشيخ رأسه إليه وقال: بلى يا أمير المؤمنين، ما صنعت أنت أقبح، إنك قد تجسست، وقد نهي عن التجسس، ودخلت بغير إذن، فقال عمر: صدقت، ثم خرج عاضا على يديه يبكي. طالع أيضا السودان.. صحفية "البنطال" تستبدل السجن بالغرامة هل يجوز لولي الأمر فرض حظر على الملابس المثيرة؟ وأردف وراق "لكن النظام يتخذ من ملاحقة الفتيات والنساء ذريعة لفشله في توفير الحياة الكريمة لشعبه ومحاربة الفقر وتوفير فرص العمل ومعالجة قضايا توحيد البلد وحماية أطرافها من الانفصال". وكانت محكمة سودانية قد قضت الإثنين الماضي بتغريم الصحفية لبنى حسين 500 جنيه (نحو 200 دولار) لإدانتها بارتداء "زي غير محتشم" بعد أن تم توقيفها بأحد الأماكن العامة لارتدائها بنطالا، ورفضت لبنى دفع الغرامة وأدخلت السجن لكنه تم الإفراج عنها لاحقا. وفي اليوم التالي لمحاكمة لبنى نشرت وسائل إعلامية خبرا عن اعتقال فتاتين خلال مشاهدتهما على هواتفهما النقالة مقطع فيديو يتبادل فيه بطلا مسلسل "مهند ونور" التركي المدبلج القبلات، وحكم عليهما بالجلد أربعين جلدة بتهمة الإتيان بفعل "فاحش" في مكان عام. المجتمع أولى واتفق رئيس كتلة الحركة الشعبية بالبرلمان ياسر عرمان مع وراق آخذا على حكومة السودان أنها "انصرفت عن قضايا الوطن الكبرى بقضايا هامشية، فهذه الدولة بفقرها ومشكلاتها تشغل نفسها بزي لبنى وهواتف فتيات الجامعات.. للأسف هذا النوع من القضايا لا يخدم الدولة ولا يفيد الإسلام، فإن كان بهدف إصلاح الفرد، فإصلاح المجتمع حاليًّا أولى، كما أن إصلاح الفرد لا يمكن أن يتحقق بانتهاك خصوصيته". ووصف عرمان القانون الجنائي الذي تحاكم بموجبه هذه الحالات ويعرف وسط السودانيين بـ"قانون النظام العام" بأنه "مخالف للدستور الانتقالي واتفاقية السلام وينتهك الحقوق الشخصية والحريات العامة ويلاحق المواطنين في خصوصيات حياتهم ويضطهد النساء وقد طالبنا في البرلمان بإلغاء هذا القانون، وسنعمل مجددا على إلغائه". وتستند الشرطة والقضاء في هذه الحملات على القانون الجنائي الصادر عام 1991م، وقد صيغ هذا القانون بعد عامين من وصول حكومة الإنقاذ إلى السلطة في الخرطوم، في يونيو 1989م. وفي محاولة منه لتبرئة الدكتور حسن الترابي الذي ينسب إليه الإشراف على صياغة القانون قال كمال عمر القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض "إن القانون صيغ لأجواء الحرية وبه ضمانات كبيرة لكن النظام الدكتاتوري قد قلص سقف هذه الضمانات بممارسته التي تقوم على تفسير ضيق ومعايير أيدلوجية محضة". ويأخذ كثير من المعنيين على القانون أنه لا يحدد بصورة تفصيلية شكلا للملابس أو الضوابط التي يتم على أساسها توقيف الأشخاص بتهمة خدش الحياء وانتهاك الآداب العامة، ويصفونه بـ"المطاطي الذي يتيح لكل شخص أن يطبقه على هواه". حدود العام والخاص من جانبه أكد الشيخ عبد الحي يوسف أشهر المفتين السودانيين: "لا يجوز للدولة أن تتجسس على الأفراد وتنقب في خصوصياتهم التي يسترونها عن أعين الناس، وهذا يختلف عن حكم الرجل الذي يتولى بيع أدوات الفساد أو ييسر سبلها فهو مختلف عن الفرد الذي يمارس الفساد في خاصة نفسه، فالبائع مروج للفساد وناشر للرذيلة وإذا بلغ السلطات خبره وجب عليها أن تقدمه للقضاء". ويأتي كلام الشيخ يوسف في إطار التمييز بين واقعة اعتقال الفتاتين والحملة التي شنتها الشرطة على باعة الجوال بمنطقة "السوق العربي" وسط الخرطوم وصادرت خلالها 3 آلاف هاتف نقال وعدد كبير من كروت الذاكرة (ميموري) لاحتوائها على "مقاطع فاحشة"، بحسب الشرطة. ودعا إلى فهم قصة ابن الخطاب مع شارب الخمر في بطن بيته في السياق الكلي للتشريع الإسلامي قائلا: "الخليفة الراشد عمر بن الخطاب نفسه أحرق حانوت رويشد بائع الخمر لما بلغه خبره وأسماه فويسق؛ لأن صاحب الدار كان كافي شر الخمر عن عامة الناس والبائع نشر الرذيلة بينهم". وشدد في السياق ذاته على أنه "كذلك يجب التفرقة بين الذي يمارس الفساد في نفسه وفي ستر وهذا لا يتجسس عليه، ولا يحق للدولة أن تفتش هاتفه الشخصي مثلاً أو تتطلع على عوراته، وبين الذي اشتهر بين الناس بتعاطي المعاصي والمجاهرة بالخبائث وإشاعتها بين الناس وهذا يحق للدولة التجسس عليه لتحفظ المجتمع من شروره". خطأ تطبيق في المقابل وبرغم تأييده للقانون قال نقيب المحامين السودانيين فتحي خليل: "قد يتخطى الشرطي القانون عند تنفيذه ولكن لابد أن نفرق بين القانون وممارسة الجهة المنفذة للقانون لأن هذه الجهة نفسها تحاسب بالقانون إذا خرقته". وانتقد حملات الشرطة (الكشة) على باعة الهواتف المحمولة قائلا: "عندي اعتراض منذ سنوات على الطريقة التي تتم بها الكشة وأرى أن تتم بطريقة أفضل مما يجري الآن، بحيث لا تترك مساحة لتجاوزات رجال الشرطة". وفي الوقت ذاته هاجم خليل من ينتقدون القانون الذي تجرى في إطاره هذه الحملات، بقوله: "هذا هجوم على مبادئ قانونية من أناس لا يعرفون كيف تصاغ القوانين، فالقانون لا يفصل تفصيلا دقيقا مواصفات فستان الفتاة وبنطال الرجل وهيئة ترجيل شعره وإنما يحدد إطارا عاما، ويجعل تحديد السلوك أو الفعل الخادش للحياء والذوق العام للقاضي وليس الشرطي، وهو ما يعمل به في كل الدنيا وفي القانون الجنائي السوداني منذ سنوات ولم يحتج عليه أحد من قبل فما الذي استجد؟!".