نصر حامد أبو زيد : لا حولااا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-06-2010, 02:19 AM

Amjed
<aAmjed
تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 4430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا (Re: Amjed)

    نصر حامـد أبو زيـد



    ما قبل أيلول سبتمبر2001 وليس ما بعده
    تجديد الخطاب الديني ضرورة معرفية وليس استجابة لاستحقاقات 11 سبتمبر




    من الضروري في البداية إزالة الالتباس الذي يمكن أن ينتج عن كون الدعوة لتجديد الخطاب الديني يعاد طرحها اليوم بإلحاح بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وفي سياق الضغوط الأمريكية علي العالم العربي والإسلامي لتعديل برامجه التعليمية، خاصة منها ما يرتبط بتعليم الإسلام. لا يحتاج الكاتب هنا لإبراز جهوده في مجال (نقد الخطاب الديني) خلال أكثر من ربع قرن، هي مجمل حياته الأكاديمية.
    الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها علينا الآخرون بقدر ما يتعامل مع أسئلة الواقع الراهن، وكثير منها أسئلة مؤجلة. أكثر الأسئلة المؤجلة تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات، وهي الحقوق التي يمكن تصنيفها تحت مفهوم (العدل). وثمة أسئلة تتعلق بقضايا التعليم والحرية والديمقراطية والتقدم والنهضة.. الخ.
    إنها قضايانا وأسئلتنا منذ عصر النهضة، الذي بدأناه في القرن التاسع عشر، وتعثرت مسيرتنا معها لأسباب عديدة، فتأجلت القضايا وتوقف حسمها من أمد ليس بالقريب. لا ينبغي إذن أن نتقاعس عن التعامل مع هذه القضايا وغيرها لمجرد أنها تثار وتنعكس علينا من مرايا الآخرين، فيركبنا العناد متصورين أننا بذلك ندافع عن هويتنا. ليست هويتنا هي (التخلف) ومقاومة (التطور).
    ومن العبث أن ننحاز إلي صفوف دعاة (التجمد) باسم الدفاع عن الدين والهوية. وأخيرا فإن المعيار الذي علي أساسه نقيس الأمور يجب أن يكون معيار حاجتنا للتطور، ومقاومة (الجمود)، وهو المعيار الذي قامت علي بنائه أسس نهضتنا الحديثة، والتي لم تحقق كثيرا من طموحاتها، فتركت وراءها كثيرا من القضايا المؤجلة. لا سبيل أمامنا لاستئناف مشروع النهضة علي أسس أكثر متانة إلا أن نبحث عن أسباب إخفاقها ونواجه بشجاعة أسئلتها، أو بالأحري أسئلتنا، المؤجلة، وعلي رأس هذه القضايا قضية (تجديد الخطاب الديني).
    تـــقديم
    أتناول في هذه المقدمة مسألتين: المسألة الأولي علاقة (الخطاب الديني) بمجمل (الخطاب العام) السياسي الاجتماعي الاقتصادي الخ. المسألة الثانية معني (التجديد) ودلالته، آفاقه ومحاذيره حين يتصل بقضايا دينية، لا تنفصل بالضرورة عن قضايا الاجتماع والسياسة والاقتصاد. ولكن قبل الدخول في المسألتين لابد من تأكيد البديهيات، التي تتعرض للتشويه وتحتاج من ثم إلي الشرح والتوضيح. (الخطاب الديني) خطاب إنساني بشري شأنه شأن أي فرع من فروع الخطاب العام. إنه خطاب عن (الدين) وليس هو (الدين)، وهو من ثم قد يكون ـ شأنه شأن الخطاب العام ـ خطابا حافزا للتقدم والازدهار، وقد يكون خطابا محافظا يسعي لتأييد الواقع الماثل واعتبار (ليس في الإمكان أبدع مما كان). بل إنه قد يكون خطابا يقوم علي افتراض إمكانية التماثل التام مع تجربة الماضي التاريخية الاجتماعية السياسية، فيسعي لنزع صفة التاريخية عنها لتتحول إلي (يوتوبيا) يجب تحقيق نموذجها وفرضه علي الواقع الراهن ولو باستخدام القوة. نحن إذن إزاء أنماط ومستويات من الخطاب تتفاوت في مسعاها النقدي: في الخطاب الحافز للتقدم والازدهار يعلو دور (النقد)، نقد الواقع ونقد التراث، سعيا لبلورة إجاباتنا نحن عن مشكلات مختلفة من حيث الطبيعة والبناء عن المشكلات التي تعامل معها الأسلاف. هذا المسعي النقدي الخلاق لا يكتفي بنقد التراث ـ باعتباره خطابا إنسانيا أيضا عن (الدين) وليس هو (الدين) ـ بل يتناول بنفس المنهج النقدي تراث الآخر، متبعا خطوات السلف في الانفتاح النقدي الحر علي ثقافات العالم كافة.
    وليس صحيحا ذلك الترويج لأكذوبة أن جيل الرواد منذ الطهطاوي حتي طه حسين مرورا بقاسم أمين وعلي عبد الرازق كانوا (مستغربين). إن نقد هؤلاء المفكرين الأعلام، الذين ذكرناهم علي سبيل المثال لا الحصر، للتراث الغربي يتماثل في عمقه مع نقدهم للتراث الإسلامي. إنه (النقد) المبدع الخلاق المضاد للتقليد الأعمي، واتباع خطي الآباء دون تبصر. أليس النهي عن التقليد الأعمي للآباء من صلب دعوة القرآن الكريم؟ وإعادة الاعتبار لجيل الرواد تنقلنا إلي مناقشة مسألتنا الأولي في هذا التقديم: هل كان هذا النمط الإبداعي من الخطاب الديني المتمثل في خطاب رواد النهضة إلا جزءا من (الخطاب العام) الاجتماعي السياسي، الذي يمكن وصفه بخطاب (النهضة الحديثة) في مجالات السياسة والأدب والتاريخ والاجتماع؟ يكفي أن نذكر كتابات (طه حسين) و(محمد حسين هيكل) و(توفيق الحكيم) و(خالد محمد خالد) و(عبد الرحمن الشرقاوي) عن (السيرة النبوية) و(حياة محمد) عليه السلام، ونضعها في سياق الكتابة التاريخية للعبادي وتاريخ الفكر الإسلامي بصفة خاصة، ذلك الذي أنجزه (أحمد أمين) في موسوعته المعروفة. إنه خطاب (التجديد) العام الذي ينطوي في عباءته خطاب (التجديد) الديني. في الخطاب المحافظ الذي يسعي لتثبيت الواقع الماثل باعتباره "أفضل الممكنات" تحل الإيديولوجيا السياسية، في صورتها البرجماتية النفعية، محل النقد. ومن السهل للقارئ الناقد أن يتابع الكتابات التي انتشرت كالسرطان في الخمسينيات والستينيات عن (الإسلام والقومية العربية) أو عن "الإسلام والاشتراكية" ليدرك غياب البعد التحليلي النقدي في هذه الكتابات. ولذلك كان من السهل علي بعض ممثلي هذا النمط من الخطاب أن يجدوا تبريرا إسلاميا لخطاب السبعينيات السياسي الاجتماعي الاقتصادي، فتم اكتشاف أن (قانون الإصلاح الزراعي) مناف للإسلام، وأن قانون (ضريبة التركات) غير إسلامي، بل تم اكتشاف أن (التجارة في العملة) تقع في دائرة (الحلال)، وأن نظام البنوك الحالي نظام ربوي خارج عن قواعد الإسلام. وهذا الخطاب الإيديولوجي كان هو الخطاب الذي أسس مشروعية (شركات الاستثمار الإسلامية)، التي لم يعد ثمة حاجة لشرح ما انتهت إليه أحوال إيداعات المواطنين المخدوعين. في سياق الكشف عن بعد (الإيديولوجيا السياسية) في الخطاب الديني نكتشف حقيقته كخطاب نساني بشري، ونعري أي قداسة مُدَّعاة قد يدعيها هذا الخطاب لنفسه. وهنا أطرح تحذيرا فحواه أن ممثلي هذا النمط الثاني من الخطاب الديني، وهم كثيرون وأصواتهم عالية مسموعة، قد يفهمون الدعوة لتجديد الخطاب الديني بأنها دعوة مدفوعة بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من العام الماضي وتوابعه، وأنها من ثم مجرد دعوة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين إزاء رد الفعل المعادي في الغرب وسعي الولايات المتحدة للتدخل في صياغة (خطاب إسلامي) ترضي عنه وتؤيده. ولعل في كثير مما يكتب وينشر في الصحف يؤكد هذا، إذ يفهم مصطلح (الخطاب الديني) باعتبار أن المقصود هو (الخطابة) في المساجد، (خطبة الجمعة) علي وجه الحصر والتحديد، وهو فهم قاصر. ليس المقصود بالخطاب الديني (الوعظ الديني) وإنما المقصود (الفكر الديني) في عمقه المعرفي. صحيح أن تجديد لغة الوعظ والخطابة مطلوب للتخلص من اللغة الرثة التي تسيطر في غياب (تعليم) حقيقي، لكن شتان بين تجديد لغة الوعظ وبين تجديد الفكر وإطلاقه حرا. بهذا المعني الأخير (تجديد الفكر) نتحدث عن (تجديد الخطاب). هذا تمييز واجب، لأن الدعوة إلي تجديد الفكر تنبع أساسا من الحاجة الملحة لتأسيس مجتمع العدل والحرية، لتأسيس الوطن (محلا للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع). إن تأسيس هذا الوطن هو حلم كل مواطن، وعلي ذلك يجب أن تؤخذ الدعوة لتجديد الخطاب الديني في إطار الدعوة لفتح آفاق (الحرية) التي بدونها لا يزدهر (فكر)، وبدون (الفكر الحر) لا نجاح لأي مشروع، مصنع كان أو مزرعة دواجن.
    هذا التحذير ينقلني إلي المسألة الثانية: معني التجديد وآفاقه ومحاذيره، وذلك من دون حاجة إلي إفاضة الحديث عن النمط الثالث من أنماط الخطاب الديني، نمط (اليوتوبيا)، التي تتجلي في صورة (ماض) يجب صياغة (الحاضر) وفق مثاله المتوهم. هذا خطاب ضد التاريخ وضد التراث وضد الواقع، وإن كان يجد في حالة (التزمت) الراهنة أرضا خصبة لترويج دعواه.
    في تحديد معني التجديد أقتبس عبارة الشيخ (أمين الخولي) التي استخدم فيها استعارة (القتل) حين قال: (أول التجديد قتل القديم بحثا)، ما معني هذه الاستعارة وما دلالتها لصياغة مفهوم التجديد؟ وفي تقديري أن (الاستعارة) - استعارة (القتل) - لا تفهم حق فهمها في سياق (الخطاب التجديدي) للشيخ إلا باقتباس عبارة أخري تتكرر أيضا في كتاباته، تلك هي (تعد الفكرة حينا ما كافرة تُحَرَّم وتحارب، ثم تصبح - مع الزمن - مذهبا، بل عقيدة وإصلاحا تخطو به الحياة خطوة إلي الإمام). إنها سنة الحياة المطردة المتكررة في حياة الفكر الإنساني عامة، وفي حياة الفكر الديني بصفة خاصة. هذه الظاهرة المطردة لا تعني أن (التجديد) وثب في فراغ، أو سعي نحو مجهول. إنه يبدأ من "قتل القديم بحثا" ولكنه لا ينتهي عند هذا، فقتل القديم إنما يعني تسليط منهج "النقد التاريخي" بضوئه الكاشف ليميز بين ما في التراث من عناصر قابلة للنماء، وما فيه من عناصر جفت وصارت من شواهد التاريخ. هذا في تقديري معني استعارة (القتل)، قتل القديم (بحثا) كمقدمة أولي للتجديد. نحن إذن في حاجة ملحة عاجلة لحرية (البحث) في التراث الديني بوصفها شرطا أوليا للتجديد. وهذه الحرية لا ضمان لها إلا برفع الحصار عن (العقل) في ممارسته للحرية. إذا كان هذا هو الشرط الأولي للتجديد، فإن آفاق التجديد يجب أن تكون بلا ضفاف، فالحديث عن ضرورة وجود (مناطق فكرية آمنة) بمعزل عن التساؤل والنقد والنقاش الحر هو مقدمة (الحجر) علي العقول، وممارسة سلطة رقابية لا وجود لها في تاريخ الفكر الإسلامي.
    حين وجدت هذه السلطة كان هذا إيذانا ببداية النهاية، ودخول عصر (الجمود) و"الانحطاط" في كل المجالات، لا في مجال الخطاب الديني وحده. يؤكد هذا مرة أخرى أن (الخطاب الديني)، في الماضي كما في الحاضر، جزء لا يتجزأ من نسق الخطاب العام. يجب إذن أن تتسع دعوة التجديد لتشمل كل مجالات الفكر والإبداع، وأن تتسم بقدر هائل من التسامح مع بعض النتوءات، بل ومع بعض ما يمكن تصور أنه شذوذ وخروج علي الإجماع. إن (الحرية) هي وحدها التي تحمي نفسها، وتحمي المجتمع من (التآكل) ومن التستر على أي فساد يحتمي بمقولات زائفة عن (الحفاظ علي الهوية) و(حماية القيم).. الخ، ذلك أن مجتمعات الثقة - وعمادها الحرية الفكرية - قادرة علي التحصن ضد "التجمد و(التحلل) في آن واحد. إن خرق الإجماع - في أي مجال - يكون عادة بداية لتأسيس إجماع جديد، وهذا جوهر (التقدم) إن شيئنا أن نتقدم. أليس هذا معني أن الفكرة - التي تكون كافرة مُحَرَّمة في وقت ما - تصبح هي حاضنة التطور والتغيير في وقت آخر؟ أليس هذا هو معني الصيرورة: التطور من خلال ممارسة مستمرة للنقد، الذي ليس هو بالمناسبة (نقض) وهدم كما يشيع في الخطاب العام أحيانا حين يتصل (النقد) بالخطاب الديني؟ ومن الضروري أن أؤكد أننا في حاجة لحماية حق (الخطأ) في الاجتهاد والتجديد، والتعبير عن الرأي. أليس حق (الخطأ) محصنا في الفكر الإسلامي بالمكافأة؟ أليس من قبيل التناقض المنطقي أن يكون (التجديد) مرهونا بعدم مفارقة (الإجماع) من جهة، ومرهونا بشرط (عدم الخطأ) من جهة أخرى؟ أي تجديد متوقع إذن، وأي حرية؟ لنتناول الآن بالعرض، مجرد العرض، بعضا من قضايانا وأسئلتنا المؤجلة، لنري كيف يمكن أن نتعامل معها:
    أزمة (النقد) في بنية الثقافة المعاصرة:
    لماذا يمثل (النقد) حين يطال الظاهرة الدينية في أيٍ من تجلياتها أو تعبيراتها التاريخية جريمة كبري في الثقافة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، والتي كان يفترض أن تكون - بحكم حداثيتها ومعاصرتها - أكثر قدرة علي تقبل النقد والاستجابة له بشكل إيجابي أكثر من الثقافة الإسلامية في العصور السالفة. هل يمكن أن يكون السبب كامنا في الالتباس الدلالي النابع من التشابه الصوتي في اللغة العربية بين كلمتي (نقد) بالدال و(نقض) بالضاد، فصار يُنظر إلي (النقد) بوصفه هدما و(نقضا)، وهكذا انتقلت دلالة السلب في كلمة(نقض) إلي مفهوم مصطلح (النقد)؟ لا أظن أن التشابه الصوتي يقدم تفسيرا مقنعا للخلط والالتباس الدلاليين بين معني (الفرز والتمييز) في كلمة (نقد) وبين معني (الهدم) في كلمة (نقض). إن اللغة في النهاية عملة تداولية تتحدد دلالات مفرداتها من خلال التواصل اللغوي الاجتماعي، لا من خلال الدلالات المعجمية التي تحددها القواميس، وعلي ذلك يتعين البحث خارج إطار هذا الالتباس الصوتي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخري لا يصلح هذا التعليل لتفسير ظاهرة الهلع من (النقد) في المجتمعات الإسلامية غير الناطقة بالعربية.
    وبالمثل لا يمكن أن يكون الاستناد إلي إغراء التعليل، الذي يلجأ إليه البعض، بالقول إن الأزمة تكمن في بنية (العقل الإسلامي)، ذلك أن الحديث عن عقل إسلامي خارج محددات الجغرافيا والتاريخ من جهة، وبمعزل عن الشروط الاجتماعية- الثقافية للمجتمعات الإسلامية بمرجعياتها التاريخية المختلفة من جهة أخري، حديث ميتافيزيقي لا يستند إلي أسس واقعية. لعل الأكثر واقعية أن نبحث عن علة هذا الفزع العام من منهج (النقد)، خاصة حين يطال أيا من الظواهر الدينية في التاريخ الحديث، في أزمة (الحداثة) و(التحديث) وإشكالياتها النابعة من سياق العلاقة الملتبسة بين العالم الإسلامي من جهة، وبين أوروبا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة من جهة أخري. ربما نجد في هذه العلاقة مؤشرات للإجابة علي بعض الأسئلة الحائرة. لماذا كان ممكنا مثلا في القرن التاسع الميلادي لمفكر موسوعي مثل جلال الدين السيوطي (ت 909 هـ) أن يسرد الرأي القائل بأن (القرآن) الكريم أُوحيَ إلي محمد عليه السلام بالمعني فقط وأنه هو الذي وضع صياغته باللغة العربية، ولم يعد ممكنا اليوم مجرد مناقشة هذا الرأي أو حتي حكايته؟ لماذا إذا ذكر مؤرخ - مجرد ذكر - الحقيقة التاريخية المعروفة أن محمدا، عليه السلام، فشل في دعوته في مكة حيث تعرض هو وصحبه لاضطهاد غير محتمل من قريش، ومن ثم لم يجدوا مناصا من هجرة بعضهم إلي (الحبشة) أولا، ثم هجرة الجميع إلي (يثرب) ثانيا، تهيج الدنيا ويحتج المحتجون فيحاكم الرجل ويحكم عليه بالسجن؟ ولماذا ينجرح الشعور الديني بصدور رواية أدبية أو نشر قصيدة شعرية، أو عرض لوحة فنية أو رواية سينمائية، ويحشد الخطباءُ العامةَ في مظاهرات احتجاج ضد ما لم يقرءوا أو يشاهدوا؟ ما سر ذلك العداء العجيب للفنون والآداب، خاصة فنون الموسيقي والغناء، كأن ترتيل القرآن الكريم لا ينتمي إلي فن الأداء الصوتي، وكأن القرآن نفسه ليس نصا أدبيا وفنيا راقيا بامتياز؟
    وأخيرا لماذا نحرم ثقافتنا من فنون المسرح والأداء بوضع محاذير ضد ظهور بعض الشخصيات التاريخية؟ في البدء انْصَبَّ التحريمُ علي ظهور الأنبياء، ثم أخذ ينسحب تدريجيا علي الصحابة وآل البيت، والآن توضع المحاذير ضد الممثل أو الممثلة الذي يشخص دور شخصية مهمة من التابعين، كأن يقال مثلا إن عليه، أو عليها، أن يجعل من هذا الدور آخر الأدوار التشخيصية. أليس معني ذلك أن التمييز بين (الشخصية) و(الممثل) الذي يشخصها غائب غيابا تاما من أفق الوعي العام؟ إنه التوحيد التام بين (المثل) و(الممثول)، سواء في اللغة - بين الألفاظ والمعاني والدوال والمدلولات - أو في الواقع بين "الفكر) و(الشخص)، أو في الأداء الفني والأدبي بين (المتخيل) و(الواقعي). وكأن الثقافة الإسلامية ما تزال في مرحلة التفكير البدائي(السحري)، الذي لا فارق فيه بين اللغة كنظام رمزي وبين ما تمثله وترمز إليه من دلالات، ولا بين (الممثل) والدور الذي يمثله والشخصية التي يقدمها، ولا بين العمل الفني أو الأدبي وبين (العالم) الذي ينبثق عنه، أو الفنان الذي يبدعه.
    يبدو هذا كله غريبا في ظل ثقافة دينية انطلقت من آفاق مرجعية تراثية رحبة، انبثقت بصفة أساسية من (قرآن) تأسست دعوته علي العقل - نقيضا للجهل والتعصب وضيق الأفق المسمي(جاهلية) - وعلي (العدل) نقيضا للظلم الذي يتأسس علي قوة (الجهل) في كل مناحي الحياة، وعلي (الحرية) نقيضا للعبودية بكل معانيها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. من هذه المرجعية الأساسية - وبفعل الفكر في تفاعله مع قضايا الواقع التاريخي الإسلامي - تولدت أبنية ثقافية فكرية فلسفية عقلانية أسست قواعد الخروج من أسر الثقافة السحرية البدائية. لكن الثقافة الفلسفية العقلانية لا تقضي قضاء نهائيا علي التصورات الثقافية ذات الطابع السحري، بل تدفع بها إلي (الهامش) وتحصرها في أطر الممارسات الشعبية، خاصة في ظل نسق ثقافي يحرص علي التمييز تمييزا مطلقا بين (الخاصة) و(العامة)، وبين (العلماء) و(الحشوية) وبين (أهل الحل والعقد) من جهة و(الطغام) من جهة أخري، أو باختصار في ظل ثقافة لا تتأسس علي (ديمقراطية) المعرفة والعلم. من هنا علينا أن نبحث عن (العلة) في استشراء (الجهل) وانتشار (الظلم) وتفشي قيم (الاستعباد) في التاريخ الاجتماعي للإسلام لا في النصوص المؤسسة للدين، علينا أن نتأمل تاريخ المسلمين لا بوصفه تاريخا مقدسا بل بوصفه تاريخ بشر من البشر، بوصفه تاريخا حرَّكته، ككل التاريخ الإنساني، عوامل الاجتماع والاقتصاد والسياسة بكل صراعاتها. وعلينا في التحليل الثقافي ونقد الفكر أن ننظر لتاريخ الثقافة الإسلامية في مجمل اتجاهاتها، أي ألا يعتمد تحليلنا علي نهج انتقائي غير تحليلي وغير نقدي. ففي قلب (العقلانية) يمكن أن نتلمس عناصر (سحرية) لا يجب تجاهلها. وبالمثل في قلب الثقافة السحرية يمكن تلمس عناصر عقلية لا يجب الاستهانة بها. إن الفصل التام بين الأبنية الثقافية في تاريخنا الفكري يفترض أنها لا تتشارك في عناصر جوهرية لرؤية العالم. ولعل أخطر من الفصل المشار إليه في بنية الثقافة - أو الثقافات - ذلك الفصل غير المنهجي بين (الإسلام) و(المسلمين)، كما يفعل منا البعض، فيفضي هذا الفصل إلي الحديث عن إسلام مفارق لبنية التاريخ، إسلام مثالي ذهني طوباوي بريء من أخطاء البشر، ومُطَهَّر من تراب الجغرافيا وغبار التاريخ. هذا الإسلام المثالي الطوباوي لا وجود له في الأعيان.
    أزمة الحداثة ومشروع "الإصلاح الديني:
    وهناك أسباب كثيرة تقف وراء محاولات التمييز بين (الإسلام) والمسلمين، أو علي الأصح التمييز بين (الديني) و(الدنيوي). لعل أقرب هذه الأسباب زمانيا ضغط الهجمة الاستعمارية الشرسة ضد العالم الإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وهي هجمة ما زالت توابعها مستمرة في الوجود الصهيوني في فلسطين. تزامن مع الاحتلال العسكري والسيطرة السياسية والاقتصادية خطاب غربي سياسي - أكاديمي فيما عرف بظاهرة (الاستشراق) فحواه أن (الإسلام) هو العقبة الرئيسة التي تعوق المجتمعات الإسلامية عن تحديث أنفسها كما فعلت أوروبا. وكان من الطبيعي في سياق (رد الفعل) المصاحب لسياق المقاومة السياسية للسيطرة الاستعمارية أن يكون الخطاب الإسلامي خطابا دفاعيا اعتذاريا. في القلب من هذا النهج - الذي يمكن أن نضرب مثلا له بخطاب (جمال الدين الأفغاني) وتلميذه (محمد عبده) المصري- الحرص الشديد علي الفصل بين (الإسلام) وبين (حال المسلمين) من التخلف والهزيمة. في مثل هذا الخطاب لم يتم فقط تبرئة (الإسلام) من ذنب تخلف المسلمين، بل تم في الوقت نفسه وضع التاريخ الإسلامي في حيز (المثال) و(النموذج) الذي يجب أن يُحتذي. هذا الفصل بين (الإسلام) و(المسلمين) يمثل جوهر مشروع الإصلاح الديني في سياق التحدي الأوروبي المزدوج: تحدي القوة العسكرية ممثلا في الاحتلال والسيطرة المادية، وتحدي (التقدم) ممثلا في إلصاق تهمة (التخلف) ومعاداة التطور بالإسلام. في مواجهة التحدي الأول كانت الاستجابة هي التسلح بالتكنولوجيا العسكرية وتكوين الجيوش القوية باستيراد عناصر (القوة) من العدو لمنازلته بنفس سلاحه. وفي مواجهة تحدي (التقدم) لم يكن ممكنا إنكار حقيقة (التخلف)، بل كان لابد من الإقرار بها، وذلك من أجل تسويغ نهج (الاستيراد). لكن الإقرار بحقيقة التخلف كان يستدعي نفي صفة (التخلف) عن الإسلام ذاته، ومن هنا كان لابد من التمييز بين (الإسلام) و(المسلمين)، فإذا تم وصف المسلمين بالتخلف فإن الوصف لا ينسحب علي (الإسلام). ولا شك أن هذا التمييز كان أداة مهمة مكنت مشروع الإصلاح الديني، في كتابات (محمد عبده) علي وجه الخصوص، من إعادة قراءة النصوص التأسيسية وإعادة تفسيرها وتأويلها بما يتناسب مع التحديات التي طرحتها الحداثة الأوروبية.
    لكن هذا التمييز كان له وجهه السلبي الذي آن لنا أن ندركه. لقد ساهم في تجميد صورة الماضي وتمجيده في مقابل إدانة الحاضر ونقده. وقد احتاج نقد الماضي إلي جيل آخر، لكن هذا النقد حدث في سياق أكثر تعقيدا، كانت المجتمعات الإسلامية قد دخلت فيه بداية مرحلة الانشطار والتشظي الفكري والثقافي. في محاولة تأسيس تفسير عقلاني يسمح بتقبل بعض منجزات الوافد الغربي - خاصة في مجال العلم والتكنولوجيا ومؤسسات الدولة الحديثة في السياسة والتعليم الإدارة - تمت إدانة الممارسات الدينية الشعبية - كزيارة الأضرحة والموالد والتوسل بالأولياء لشفاء الأمراض وحل المشكلات.. الخ - الأمر الذي عزَّزَ الفصل بين الثقافتين الرسمية - ثقافة العلماء والمتعلمين - والثقافة الشعبية. وهذه سلبية أخري لا يمكن تجاهلها، إذ توجه النقد للحاضر بشكل مكثف مع تبرئة الماضي من أي شائبة. ومع إنشاء نظام التعليم المدني الحديث وفصله فصلا تاما عن مؤسسات التعليم التقليدية تزايدت الفجوة بين الثقافتين.
    وساهم انتشار حركة التعليم وتزايد أعداد المتعلمين في إنشاء طبقة وسيطة بين طبقتي (العلماء) و(الجهلاء)، وهي طبقة تعتمد بشكل أساسي علي (التحصيل) من الإنتاج المعرفي الذي تنتجه الطبقة الأولي، في الوقت الذي تنظر فيه هذه الطبقة الوسيطة من أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين للطبقة الدنيا - طبقة الجهلاء- بعين الريبة والاحتقار. غني عن البيان القول إن تيار (الإصلاح الديني) بعقلانيته المذكورة وسعيه لتأسيس سلطته المعرفية كان يتراوح في مواقفه السياسية بين (نقد) الأنظمة الديكتاتورية السياسية وبين الاستعداد للتعاون معها إذا أبدت تعاطفا - ولو مرحليا مع مشروعه الفكري. وغني عن البيان كذلك أن الأنظمة السياسية تميل في الغالب إلي السعي حثيثا لإدماج المثقف في مشروعها السياسي، فتحتاج أحيانا للعقلانية - نموذج علاقة الخليفة العباسي (المأمون) بالمعتزلة وتحالفه معهم ضد الحنابلة - وتنفر منها في غالب الأحيان، انقلاب الخليفة (المتوكل) ضد المعتزلة والتحالف مع الحنابلة. ولا شك أن هذا التراوح في العلاقة بين السياسي والفكري له مردود سلبي لا يمكن تجاهله في تحليل البنية الفكرية لمشروع (الإصلاح الديني).
                  

العنوان الكاتب Date
نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 01:38 AM
  Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 01:41 AM
    Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 01:46 AM
      Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 01:49 AM
        Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 01:58 AM
          Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:02 AM
            Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:06 AM
            Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:06 AM
              Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:07 AM
                Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:17 AM
                  Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-06-10, 02:19 AM
                    Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا صلاح عباس فقير07-06-10, 04:28 AM
                      Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا عبد الحي علي موسى07-06-10, 05:04 AM
                        Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا قلقو07-06-10, 08:23 AM
                          Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-07-10, 07:07 AM
                            Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-07-10, 07:10 AM
                              Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-07-10, 07:18 AM
                              Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا Amjed07-07-10, 07:26 AM
                                Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا قلقو07-07-10, 07:47 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de