|
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا (Re: Amjed)
|
أمل دنقل يغني في الجامعة.. متي نستعيد جامعة نصر حامد أبوزيد
«في الليلة الظلماء يفتقد البدر» وفي أوطاننا أشرقت بدور كثيرة ما أشد افتقادنا لها هذه الأيام ورغم أني لا أحب البكاء علي اللبن المسكوب، فإن ما يدور هذه الأيام من حرب شرسة بين المقاومة في فلسطين ولبنان وبين العدو التاريخي للأمة العربية استدعي إلي ذاكرتي قصيدة «أمل دنقل» النبوءة «لا تصالح» و«أمل» ـ كما يعرف الجميع ـ هو الشاعر العرَّاف بامتياز، الشاعر الذي رأي ما لم يره أحد شأنه شأن «زرقاء اليمامة» التي بكي أمل بين يديها في ديوانه المعروف بهذا الاسم أمل وقصيدته «لا تصالح» مرتبطان في تجربتي الشخصية بالجامعة، الجامعة التي نريد جميعاً استعادتها من فكي «الأمن» و«لجنة السياسات» في الحزب المسمي ـ ويا للمفارقة ـ بالوطني.
في العام ١٩٨٢ قررت مجموعة من شباب كلية الآداب إنشاء أسرة طلابية باسم «أسرة مصر» واختاروني مشرفاً، وقرر هؤلاء الشباب الاحتفال بيوم «الأرض» بعقد ندوة ثقافية شعرية، لكن إدارة الكلية اعترضت: مش عايزين وجع دماغ قلت لعميد الكلية: هل صار اسم «فلسطين» محرما في «الجامعة»، وأعتقد أن الرجل أصابه الحرج كان ممكنا أن تسبب مثل هذه العبارات الحرج لبعض الناس في ذلك الزمن، قبل أن يتفشي داء «التناحة» بعد أن أصاب العقل ما أصابه من تجريف قال السيد العميد علي سبيل إلقاء المسؤولية من علي عاتقه: علي مسؤوليتك؟ قلت علي مسؤوليتي «لم أقل يا ريس، فلم يكن هذا اللقب العجيب قد شاع بعد».
كانت الجامعة قد سلمت أوراقها كاملة للسلطة السياسية وللأمن قبل ذلك بعام واحد كان الرئيس السادات قد قرر اعتقال كل المشاغبين السياسيين فاعتقل من ضمن المشاغبين بعض أساتذة الجامعات، ونقل بعضهم إلي أعمال إدارية فيما صار يعرف بقرارات سبتمبر، يقال إن كشوف المعتقلين والمنقولين كانت قد عرضت علي إدارة الجامعة وإدارات الكليات، ويقال إن بعض هذه الإدارات أضافت أسماء إلي الكشوف لمشاغبين لم تستطع أجهزة الأمن التعرف علي مشاغباتهم.
كان هذا هو حال الجامعة حين قرر طلاب «أسرة مصر» الاحتفال ثقافياً بيوم الأرض. السيد العميد ـ عميد كلية الآداب آنذاك ـ قرر حضور الاحتفال الذي وافق عليه من باب الحرج، والذي عقد في مدرج صغير لا يسع أكثر من ٣٠ طالباً لكن السيد العميد المحترم حضر إلي القاعة متأبطاً يد عميد آخر، عميد الأمن في الكلية بلباسه الرسمي كانت القاعة مكتظة بالوقوف، لكننا أخلينا للسيد العميد وضيفه مكانين في الصف الأول. كان حضور العميد بصحبة سَمِيه في العمادة كافياً لاستفزاز الطلاب، لكن رغبتهم في إنجاح الحفل جعلهم يكظمون غيظهم، وأنا معهم.
قال الطلاب قصائد من تأليفهم، كلها قصائد سياسية في نقد النظام. وكان من بين فقرات البرنامج إلقاء قصيدة «أمل دنقل» «لا تصالح»: وبدأ إيقاع الحفل يزداد سخونة وهم يسمعون: «لا تصالح/ ولو منحوك الذهب/ أتري حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما/ هلي تري؟/ هي أشياء لا تشتري. لاحظت تذمر العميد وتأفف العميد الآخر، والطلاب يستعيدون الفقرات من القصيدة: إنها الحرب!/ قد تثقل القلب/ لكن خلفك عار العرب/ لا تصالح/ ولا تتوخَّ الهرب! تزداد السخونة العاطفية وتختلط بسخونة الزحام في قاعة اكتظت بالواقفين في الداخل والخارج، والمطلين من النوافذ برقابهم يشاركون في الاحتفال وصوت أمل دنقل يتوهج في أصوات الطلاب: سيقولون/ جئناك كي تحقن الدم/ جئناك كن ـ يا أمير ـ الحكم/ سيقولون/ ها نحن أبناء عم/ قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك/ واغرس السيف في جبهة الصحراء إلي أن يجيب العدم.
كان المرحوم «عبدالمحسن طه بدر» حاضراً، لم يأت مع العميد، بل جاء مع الطلاب، وانحشر في زمرتهم كنت أراقب وجه عبدالمحسن ـ شيخي ومعلمي ـ وأراقب وجهي العميدين، أو الوجه المزدوج للعميد، حيث صار التمييز مستحيلاً بالنسبة لي كان وجه عبدالمحسن يحتضنني ويحتضن الطلاب، يحتضن الاحتفال بيوم الأرض في الحرم الجامعي الذي كان عبدالمحسن ـ ونحن معه ـ نعتبره بيتنا وجوه الطلاب مرهقة، لكن الحماس يظلل الوجوه بالسعادة، لأنهم مع أمل دنقل يرفضون الهزيمة.
لا تصالح/ ولو توَّجوك بتاج الإمارة/ كيف تخطو علي جثة ابن أبيكَ؟!/ وكيف تصير المليك!؟!/ علي أوجه البهجة المستعارة؟/ كيف تنظر في يد من صافحوك/ فلا تبصر الدم في كل كف؟/ إن سهماً أتاني من الخلف/ سوف يجيئك من ألف خلف/ فالدم ـ الآن ـ صار وساماً وشارة/ لا تصالح/ ولو توَّجوك بتاج الإمارة. تلتهب الأكف بالتصفيق، وعبدالمحسن يستعيد وينتشي، وعيون الطلاب تزداد بريقا، ووجها العميد مليئان بالغيظ. وأنا، أين أنا؟ أنقل عيني بين الطلاب والعميد وعبدالمحسن. ينظر الطلاب في عيني وكذلك عبدالمحسن، أما العميد بعيونه الأربع فينظر في الفراغ، في حائط القاعة كنت في غمرة السعادة وفي غمرة التوتر في نفس الوقت، كنت أعرف أن العيون الزائغة تنطوي علي انفجار وشيك.
لكن صوت أمل لم يتوقف: لا تصالح/ ولو ناشدتك القبيلة/ باسم حزن «الجليلة»/ أن تسوق الدهاءَ/ وتُبدي ـ لمن قصدوك ـ القبول/ سيقولون:/ ها أنت تطلب ثأراً يطول/ فخذ ـ الآن ـ ما تستطيع/ قليلاً من الحق/ في هذه السنوات القليلة/ إنه ليس ثأرك وحدك/ لكنه ثأر جيل فجيل/ وغداً/ سوف يولد من يلبس الدرع كاملة/ يوقد النار شاملة/ يطلب الثأر/ يستولد الحقَّ/ من أضْلُع المستحيل/ لا تصالح/ ولو قيل إن التصالح حيلة/ إنه الثأر تبهتُ شعلتُه في الضلوع/ إذا ما توالت عليها الفصول/ ثم تبقي يد العار مرسومة «بأصابعها الخمس»/ فوق الجباه الذليلة! وحين وصل المنشد إلي هذه العبارة «فوق الجباه الذليلة» انتفض العميد وظلَّه واقفين وطلب الظِّلُّ إنهاء الحفل فوراً، وهاجت القاعة وماجت وانصرف العميدان مشيعين بصيحات الطلاب، وكانت هذه نهاية «أسرة مصر» في كلية الآداب جامعة القاهرة.
عزيزي أمل دنقل: لقد تحققت نبوءتك فها قد ولد الجيل الذي لبس الدرع كاملة، وأوقد الحرب شاملة. إنه الجيل الذي يطلب الثأر ويستولد الحق من أضلع المستحيل. هكذا تري عزيزي أمل أن الثأر لم تبهت شعلته في الضلوع مع توالي الفصول بهزائهمها، ها هم أبطال المقاومة في لبنان يمسحون العار عن جباهنا، ويمرَّغون به وجه الخصم. إنها البداية يا عزيزي أمل. تري هل ينجح العالم في اجتثاث المقاومة في فلسطين ولبنان؟ إنهم يحاولون قتل الجياد باسم الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن من يحمي المقاومة سوانا؟ إذا تقاعسنا ستدفع الأجيال القادمة ثمنا أبهظ مما دفع جيلنا.
كيف نستعيد الجامعة التي كان يغني فيها أمل والشيخ إمام؟ كيف نفك عنها حصار «الأمن» وهيمنة «لجنة السياسات» في الحزب المسمي بالوطني؟ كيف نستعيد «الأستاذ» المعلم الحق والباحث الحقيقي؟ وكيف نستعيد «الطالب» المشاغب من أجل المعرفة، والتعليم الذي يعتبر «وجع الدماغ» ـ لا راحة الدماغ ـ مهمته الأصلية؟ بالنضال من أجل استعادة الجامعة ننخرط في المقاومة، ونخلق المناخ الذي لا يسمح باجتثاثها.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:38 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:41 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:46 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:49 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:58 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:02 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:06 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:06 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:07 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:17 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:19 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | صلاح عباس فقير | 07-06-10, 04:28 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | عبد الحي علي موسى | 07-06-10, 05:04 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | قلقو | 07-06-10, 08:23 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:07 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:10 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:18 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:26 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | قلقو | 07-07-10, 07:47 AM |
|
|
|