تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-10-2010, 12:12 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2"

    الكوشرثيا ستنقص كثيراً لو انفصل الجنوب، فلنزرع بعض التأمُّلات الحسنة إذن، وبعض الآمال التي تلوح يتيمة حتى الآن.
    فالوضع السياسي غَدَا لدى غاية الإرباك والغموض، وللجميع. فالذي هو قائلٌ إنَّها دسائس أمريكا، أو إنَّها الطبيخ السياسي ما بين الحركة والكيزان، ليس في طمأنينة من قوله هذا. والذي هو قائلٌ إنَّها إرادة الأحزاب السياسية التي رفضت أن تُساق إلى استغفال انتخابي، كل هدفه تلطيخ أيدي الجميع بهذه الفطيسة التي لا مراء حولها، ولذا فقد آثرت هذه الأحزابُ الانسحابَ على المشاركة في هذه المهزلة، أيضاً غير مطمئن إلى قوله هذا. فما باليدِ ولا اللسانِ حيلةٌ سوى بيت الشعر الذي ذاع أنَّ النبي محمّد "نفسه" الذي يتنبأ بالأحداث، كان يُعجب به ويُرَدِّده حين تدلهم الخطوب وَتَنْثُرُ سُدَفَها وتُعيي رؤياه النبيَّة:
    ستُبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تُزوِّدِ
    ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتاً ولم تضرب له وقتَ موعدِ

    **
    {البِسِوم أُمُّه بِتَمِّنُوُلوا فيها}.

    أي أنَّ مَنْ يعرض أمَّه للبيع، فلا بُدَّ أنَّه سيجد من يعرضون عليه أسعاراً لها. إن ذهبت بأمِّك إلى السوق حيث الشراء والبيع، مُبتذلاً ومسترخصاً لها، وهي أغلى ما يملكه الإنسان! فسيأتيك الناس بعروض أسعارهم وسيجُّسونها أمامك كحال كل المشتروات، ويقلبونها يمنة ويسرة، كما سيستخرجون معايبها كُلِّها، الظاهرة منها والمخفيَّة، ليشتروها بسعر أقل. ومعنى المثل يَدُلُّ على أنَّ من يسترخص ويبتذل أغلى ما عنده، فلا بُدَّ أنَّ الأغراب والآخرين سيشاركونه هذا الاسترخاص والابتذال، ومن الطبيعي جداً أن لا يكونوا أحرص منه على أُمِّهِ، التي هي أغلى ما عنده.
    **
    {العندو مُرْكَب بخرأ بالشرق}.

    وهو دلالة على أنَّ الرياش يُصيب الإنسان بالبَطَر، وكذلك المَلَكة من كل شيء تُصيب الإنسان بالطغيان لدرجة أن يفعل المُبالغات في هذا الحقل الذي له فيه مَلَكة. فالشخص الذي يقتني مَرْكَبَاً بوسعه أن يطلق حبلها ويذهب للجهة الأخرى من النهر لقضاء حاجته. بدلاً عن قضائها على هذا الشاطئ الذي يقيم عليه كما يُمْلِي المنطق، ولكنه البَطَر وسلوك من يملك. يشابه مَثَل {العندو حنّاء، بحنِّن ضنب حماره} أو {العاجباهو قنيطتو ببلِّع اللالوب}.
    **
    {فلان دا، أو فلانة دي، متل جنى الضبعة، كان نهروه هَرَّ، وكان خلوه ضَرَّ}.

    ويُشاع في الكوشرثيا أنَّ جنى الضباع يجفله الصوت، فإن صِحْتَ فيه يملأ الأرضَ ذَرْقَاً وخراءً، وإن تركته فالضرر واقعٌ لا محالة.
    وهو يشبه مَثَل {فلان دا، ديك عدة، أو متل ديك العدة، إن نهروه ووب، وإن خلوه ووبين}.

    **
    المؤتمر اللاوطني سام (البلد) أمّ الجميع، واسترخصها وابتذلها، قدر عافية الدِّلالات والمزادات والنخاسات ما أدَّتو، وياها ديك الناس تَتَمِّن.
    المؤتمر اللاوطني متل جنى الضبعة، كان نهروه في عدم نزاهة الانتخابات هَرَّ، وكان خلوه فَاز وضَرَّ.
    المؤتمر اللاوطني مراكب تَغَاه جاهزة من مال البلد، عادي يسوطها لينا لامن تقول بس، وكمان يكشح في حَلَّتِها حَصْحَاص.
    بِقَتْ ما بتنأكل!؟ ما خَصَّاهو، ما هو مراكبو جاهزة وح يمشي يأكل ويخرأ في ماليزيا.
                  

04-10-2010, 12:26 PM

عمران حسن صالح
<aعمران حسن صالح
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 10159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: متل جنى الضبعة، كان نهروه في عدم نزاهة الانتخابات هَرَّ، وكان خلوه فَاز وضَرَّ.
    إتفشــوا تصِحُـــوا

    مراحب يا زول
                  

04-10-2010, 12:26 PM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    سعيد بعودتك ,,,
                  

04-10-2010, 12:53 PM

البدري عبد الله
<aالبدري عبد الله
تاريخ التسجيل: 07-30-2009
مجموع المشاركات: 1911

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    Quote: مراحب يا زول
                  

04-10-2010, 01:06 PM

محمد إبراهيم علي
<aمحمد إبراهيم علي
تاريخ التسجيل: 08-10-2009
مجموع المشاركات: 10032

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: البدري عبد الله)

    مرحب سمح النضم
                  

04-10-2010, 01:27 PM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد إبراهيم علي)

    مراحب حبابك يا محسن.

    :).
                  

04-10-2010, 04:19 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Omayma Alfargony)

    الكوشرثيا(*1) مصطلحٌ اصطنعتُه من واقع الأبنية القائمة لحضارتنا السودانية ثم ثقافاتها وأساساتهما الماديَّة والمعنوية معاً. لأجل أن تكون رقعة هذا المصطلح التي يقوم فيها ويغطيها، أوسع من رقعة مصطلح الفولكلور بتعريفاته الحالية، التي تُرَكِّز في جوهرها على الفنون القولية Verbal Arts. ويتكوَّن هذا المصطلح من مفردتي "كوش" للدلالة على الحضارة الكوشية، و"إرث" للدلالة على الحضارة الإسلاميَّة والعربيَّة.
    وما يعنيني في هذه الورقة الحاضرة، من سعة هذا المصطلح كُلِّها، هو الفنون القولية على وجه التعيين. ما بدأنا نقاشه سابقاً عبر موضوعة جزئية منه هي (الأمثال السرية). ولم يُرضِ ذلك النقاش بعض الأكاديميين الذين كانت تعلق بيني وبينهم نقاشات أخرى وثانية عن العلمانية، فخلطوا كيل ذاك بكيل الأمثال، ليفسدوا الأمرين معاً. وسآتي لنقاشهم أيضاً بقلب هذا الكتاب في حينه، قبل أن تجف دماء الشهيد حسبو.
    الفولكلورFolklore كمصطلح، بالطبع، يناسب الثقافة الإنجليزية التي أنتجته، ولذلك نجد هناك مصطلحات أخرى مثل مصطلح Volkskunde {وهو يعني "دراسة ثقافة الشعب الجرماني، والأوروبي، مع التأكيد على الفلاحين والناس البسطاء"}(*2).
    فلا أدري على الإطلاق، أسباباً مقنعة أو معرفية، تُبَرِّر لأولئك الأساتذة رفضهم الاشتغال على موضوعة معرفية قمينة مثل (الأمثال السرية). اللهم إلا احتكاكهم الشخصي مع كاتب هذه السطور، في موضوعة العلمانية كما أسلفت. وسأسعى وإيَّاكم هنا، في قراءة بعض الأمثال، وغيرها من مواد الكوشرثيا، وتشريحها لأجل القبض على الكثير مما صنع وتسبّب في هذا الاحتراب السياسي، الذي نراه طافياً الآن على وجه حياتنا السياسية، مثل الزيت. لماذا؟ لأنَّنا لم نقم بقراءته ومواجهته إلا من خلال كلام تهويمي لمثقفين ليست لهم الجرأة لإنزاله على صعيد الواقع المعيش، ولقبضه من واقع المثل والأغنية والطرفة والحكاية وكل ما هو حي وساعٍ بيننا من كلام يُكرِّس لامتهان الآخر والنساء وكل ما هو مختلف. واقرأ عن اسبينوزا -غير الهولندي- رؤيته الضافية والوافية التي سطرها عنه د. مرسي:
    {ينظر أورليو اسبينوزا إلى الفولكلور -كعلم- على أنَّه ذلك النوع من المعرفة الإنسانية الذي يقوم بجمع المادة الفولكلورية وتصنيفها ودراستها دراسة علمية كما يمكنه بعد ذلك أن يفسر حياة الناس وثقافتهم عبر الأجيال. والفولكلور عند اسبينوزا أحد العلوم الاجتماعية التي تقوم بدراسة تاريخ الحضارة، وتفسير جوانبها المتعددة، وعلى ذلك فهو -كمادة- كم متراكم من الخبرات التي اكتسبها الإنسان، والتجارب التي خاضها عبر القرون، فاستقرت في وجدانه على شكل عادات وتقاليد ومعتقدات، أثَّرت في حياته، وما تزال فيها فكراً وسلوكاً. وهكذا يتكون الفولكلور –وفقاً لرأيه- من "المعتقدات والعادات والأمثال والألغاز والأساطير والحكايات الشعبية، والاحتفالات الدينية، وطقوس السحر والشعوذة، وما إلى ذلك من مظاهر حياة الأُميين، وعامة الناس في المجتمعات المتحضرة"(*3)}.

    -------------
    (1) لقد طَوَّرتُ في تعريفي القديم له، إذ كنت أُريد له أن يكون موازياً للفولكلور فحسب، وبالتأمُّل في طبيعة الكوشرثيا التي نمتلكها ذاتها وجدتُ أنَّ حضاراتها التي أملته عليَّ أعرض وأكثر اختلافاً من الحضارة التي أنتجت الفولكلور.

    لا وطن لكم، بانفصال أو بدونه، إن لم تُؤَسِّسوا الكوشرثيا. فعزل الجنوب لن يستولد انسجاماً من العدم لبقية السودان. واهمٌ من يظن أنَّ انفصال الجنوب هو نهاية الأحزان المميتة. سيستمر الصراع الكوشي العربي بعدها أيضاً، إلى ما يشاء الله. ولا نجاة من هذا الجحيم أبداً، إلا عبر تأسيس الكوشرثيا وتنقيحها مما هو ضار، الاعتراف بها، وتأسيس دولتها العلمانية في وجه الدولة العربية الإسلامية.

    (3) كتاب (مقدِّمة في الفولكلور، دكتور أحمد علي مُرسي، ص: 62).
    (4) كتاب (مقدِّمة في الفولكلور، دكتور أحمد علي مُرسي، ص: 59-60).
                  

04-10-2010, 04:28 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    عمران
    وعمار
    البدري
    وود إبراهيم، يا شباب إزيكم؟ ومشتاقين غاية الأشواق.
    لكم المودات والحب

    يا أميمة عاملة شنو؟
    والقاهرة اللّتكم الزينة كيفنها؟ متوحشكم بزاف
    وكيفنو صاحبي أب صلعة حمور وبقية الصحب وحبيب نورا؟
    أريتهم كلهم بخير

    كونوا جميعاً بخير
                  

04-10-2010, 04:40 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    مرحب يا محسن
    ليك وحشة والله
                  

04-10-2010, 04:46 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: د.نجاة محمود)

    وليك وحشات يا نجاة
    كيف حالك والوليدات وأبوهم؟
    أريتكم طيبين وبكل خير
                  

04-10-2010, 07:36 PM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: وسأسعى وإيَّاكم هنا، في قراءة بعض الأمثال، وغيرها من مواد الكوشرثيا، وتشريحها لأجل القبض على الكثير مما صنع وتسبّب في هذا الاحتراب السياسي، الذي نراه طافياً الآن على وجه حياتنا السياسية، مثل الزيت.
    سلام يا محسن وحباب العودة الميمونة،

    نبقى في صف الانتظار لاسيّما لما تحته خط بالاقتباس ولا أود أن أتعجّل لكن ألا تشاركني الرأي في أنّ بالاقتباس اختزالٌ بجوف اختزالٍ بجوف اختزال لما يمكن أن نفترض أنّه تأسيسٌ للكوشرثيا موضوع الكتاب! فأنا أجد تناول إرث الحضارات السودانية (الكوشية والعربية الاسلامية وما يخلط ذلك بذلك وغيره بغيره) عبر السرّي من بعض الأمثال عبارة عن نقطة في بحر هذا الإرث فالأمثال نفسها، أو لنقل كلّها عِوضاً عن بعضها، (سريّة وعلنية وهجين، عربية/اسلامية وكوشية وهجين) تمثّل النذر اليسير من الفنون القولية التي قد نعتبرها، بدورها، جزءاً من العديد من وسائل التعبير عن إرث هذه الحضارات (شايف "آت" دي كيف) فكيف لوضع ذلك اليسير من اليسير من اليسير تحت مبضع الجرّاح أن يقود إلى تفسير الكثير من مسبّبات هذا النزاع العضال ببلادنا؟ وهذا سؤال يثير الترقّب بأكثر مما يثير الريب.

    هذا، فيما يوحي المدخل للموضوع بما يمكن أن نطلق عليه "التأسيس الكوشرثياسي" وفيه ما أخشى أنّه اختزال حتى لموضوعٍ مختزل مثل موضوع الأمثال السريّة في أداةٍ للتعبير عن خيباتنا السيّاسية الآنية عبر تطويع بعض أمثالنا السرية لتأويل أحداث سياسية ربّما إنّ بعضها قصير المدى (فكلّها أيّام و"تنفقع" فقاعة الانتخابات وكلّ قِرِد، شُفتَ كيف، يطلع جبلو). أمّا ما أخشاه بالفعل فهو أن ينزلق الموضوع إلى اختزال موضوع الأمثال السريّة في مجرد ثأر معرفي ذاتي والله يكضّب الشينة لكنّ رجائي أن تعمد إلى تفادي ذلك ما استطعت.

    أرجو أن لا أكون قد أطلت أو أطلقت كشكوشتي في وجه طيور أفكارك وإن فعلت فلعلّ نكتة ذاك الاعرابي (وربّ نكتة تؤسّس لفصلٍ من الكوشرثيا) تشفع لي: طرق الاعرابي باب الجامع فما أجابه المصلّون المنصتون لخطبة الجمعة أبداً ولما اشتدّ طرقه ولم يجد إلا فرقعة أصابع أن اصمت، استنكر ذلك قائلاً: الشي آناس مِشرّكين!

    مرحباً بك مرّة أخرى ومرحباً بضيوفك.
                  

04-10-2010, 07:51 PM

وليد محمد المبارك
<aوليد محمد المبارك
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 26313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    يا سلام

    حبابك محسن
                  

04-10-2010, 09:25 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    Quote: {البِسِوم أُمُّه بِتَمِّنُوُلوا فيها}.

    مثل قاسي شديد...
    حبابو محسن وملايين المراحب...متابعة لصيقة يا صاحب
                  

04-12-2010, 01:19 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    سلام جميعا

    الاخ محسن خالد

    شكرا لك على هذه القراءة الممتعة لكن هناك تصويب لا بد منه فقد اوردت في تعريفاتك اعلاه
    Quote: مثل مصطلح Volkskunde {وهو يعني "دراسة ثقافة الشعب الجرماني، والأوروبي، مع التأكيد على الفلاحين والناس البسطاء"}(*2).


    و التعريف هنا غير دقيق
    حيث ان كلمة Volkskunde
    تحتوي على شقين و هما
    Volk و تعني شعب باللغة الالمانية او الهولندية
    و كلمة
    kunde و تعني معرفة أو علم حرف الاس بينهما للربط وهذه من خصائص
    الالمانية و الهولندية المزعجة و بها تطول الكلمات
    و يصبح معنى الكلمة علم معرفة الشعوب على الاطلاق وليس الشعب الجرماني و لا علاقة للكلمة بالفلاحين
    و البسطاء
    و ترجمتها الانثروبولوجياالثقافية
    او علم الانسان الثقافي على حد ترجمة الويكبيديا العربية التي لا اتفق معها
    من الكلمات المركبة المشهورة و المركبة بنفس الطريقة
    كلمة فلوكسفاجن
    VolksWagen
    و تعني سيارة الشعب او السيارة الشعبية
    الهولنديون يستخدمون نفس الطريقة في تعريف علوم اخرى
    مثل
    geneeskunde
    و تعني علم العلاج او الطب
    scheikunde
    و تعني علم الكيمياء

    يمكنك مراجعة الويكيبيديا الصفحة الهولندية و بعدها مقارنة الكلمة بالانجليزية و العربية عبر هذا الرابط
    http://nl.wikipedia.org/wiki/Volkskunde

    مرحبا بعودتك لاضفاء الكثير على هذا البورد
    اخوك امجد ابراهيم
                  

04-10-2010, 08:36 PM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الاستاذ محسن خالد
    تحية طيبة
    قست خطر المؤتمر اللاوطنى على مثل جنى الضبعة الذى يهر ويضر فى حالين.
    Quote: المؤتمر اللاوطني متل جنى الضبعة، كان نهروه في عدم نزاهة الانتخابات هَرَّ، وكان خلوه فَاز وضَرَّ.

    وقلت هرّ معناها ذرق - تبرز - خرأ.
    اعتقد أن المعنى الصحيح ما ورد فى لسان العرب وهو صوت نباح الكلاب والذئاب المزعج وشرحه فى الاقتباس التالى:

    Quote: يقال: هَرَّ الكلبُ يَهِرُّ هَرِيراً، فهو هارٌّ وهَرَّارٌ إِذا نَبَحَ
    وكَشَرَ عن أَنيابه، وقيل: هو صوته دون نُباحه

    وقد يطلق الهرير على صوت غير الكلب، ومنه الحديث: إِني سمعت
    هَرِيراً كَهَرِيرِ الرَّحَى أَي صوت دورانها. ابن سيده: وكلب هَرَّارٌ كثير
    الهَرِير، وكذلك الذئب إِذا كَشَرَ أَنيابه وقد أَهَرَّه ما أَحَسَّ به.
    قال سيبويه: وفي المثل: شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ، وحَسُنَ الابتداءُ بالنكرة
    لأَنه في معنى ما أَهَرَّ ذا ناب إِلاَّ شَرٌّ

    ومن معنى الكلمة ايضآ كره. فجنى الضبعة يكره طرده عن مكان طعامه فيكشر عن انيابه ويصدر ذلك الصوت العدواني المزعج، الهرير.
    والتكشير عن الانياب اعلان عن نية الهجوم وتسبيب الأذى.
    أما فى العامية العربية السودانية هرّ وهرار فهى كما قلت، خرأ خراءآ.

    ليت المؤتمر الوطنى اكتفى بأن يخرأ إن نهروه.
    المؤتمر اللاوطني يقتل ويعذّب ويفقر الناس ويزرع الفتن بين السودانيين، ومدجج بعنف اللفظ وعنف السلاح وعنف العمل.
                  

04-10-2010, 09:53 PM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Osman)

    فعلاً، أخشى مع الأخ البدوي أن تنزلق "الكوشرثيا" إلى "تأسيس كوشرثياسي"!
    وأشعر بأنك إذ تعمل معولك منقباً في رصيدنا التاريخي،
    تفعل ذلك وسحابة من اليأس والقنوط تخيم في فضائك!

    المهم:
    مرحباً بك أخي محسن بعد الغياب!
    ومتابعة باهتمام!
                  

04-10-2010, 11:38 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Osman)

    Quote: و بعد أن فتح محمد عثمان البكاء، أخرج محمد حسبه جثة الشهيد المنسية من تلافيف الإسفير و تكأكأ علينا وجهاء البرونيتاريا المتباكين على روح سيد شهداء سودان فورأول، الـ"باحث" محسن خالد، حياه الغمام، و أدخله فسيح جناته و نعّمه بأنهار البيرة النضيفة و بالجكس العين.
    د. حسن موسى


    Quote: و للمعلومية: "الوزة" في عامية أهلنا الفرنسيس تدل على الشخص الساذج الذي لا يدري كوعه من بوعه فيستغله الناس و يتلهّون به كما يفعل وجهاء البرونيتاريا بالأخ الغمام و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
    د. حسن موسى


    Quote: و محسن خالد، في نهاية التحليل، ما هو إلا واحد ضمن سلسلة من الأشخاص الذين دخلوا هذا الفضاء بغرض الإثارة الهرجلة و المجمجة فقمنا بلفت نظرهم و تحذيرهم ثم إنتهينا بأن خارجنا روحنا منهم.لأن أولويات العمل العام الشايفنها قدامنا أهم من أوجاع الذات التي يكابدونها في تيه الدياسبورا[ دياسبورا بتاعة فنيلتك؟].
    د. حسن موسى

    هذه المقتبسات كلّها من بوست "طيز الوزّة" الواحد ومعلوم دا.
    هسَّع يا دكتور دا نقاش أو كلام معرفي ليك عنّي، وألا قِلَّة أدب وسفاهة؟
    ليتذكّر الجميع، (سامعني يا عادل البدوي) -الجملة دي يا عادل، الفيها اسمك، كتبتها والله قبل مداخلتك الفي البوست دي- ولتتذكَّر يا دكتور بأنََّني إلى حين واقعة "طيز الوزة" هذه، كنتُ أعاملك باحترام، بل وبمودة، رغم تجنياتك وحيفك السابق كلّه في حقي. من هنا وإلى الأمام فشأني معك مختلف، وإلا أكون ساذجاً بالفعل كما تقول. ويتلهّى بي وجهاء البرونيتاريا من أمثالك وأمثال نجاة وبولا.

    *
    مشكور يا دكتور على لقب "سيّد الشهداء" حمزة بن عبد المُطلب، فهذا الرجل على وجه التعيين، أحببتُ وجوده حيَّاً وميّتاً. ورد عنه في رواية (إحداثيات الإنسان) للمُهَرِّج الساذج محسن خالد:
    Quote: قلت في نفسي، لقد فهم أنني دهشت وإن لم يدرك من ذلك شيئاً. إنه يفهم بدرجة سطحية لا بأس بها. ولكن الاختلاف بيننا ليس قائماً على عامل الفهم. إنه اختلاف قائم على عامل الخلق والابتكار، فلن يفهمني كما ينبغي إلا إذا استطاع أن يستشعر المفهومات في عجنتها الخام وأغوار الحس. لذلك لم أُسَفِّه ما قاله. فمنذ الابتدائية أنا في جهة والأطفال في جهة. كانوا يتعَجّلون لدخول مَكّة مع حمزة بن عبد المطلب، وكنت أفارقه على أعتابها تمَسّكاً مني بالإنسان مرؤوس الخُطا والخارجي.
    هم يحبون التجَوُّل معه في شعاب مكة ليُسَفِّه لهم الكفار. وليكون لهم البطل الذي يتمنون طاقته ليعيشوا بها مهابين بين الناس. وكنت أُريده حمزة المُقْفِر. الذي يرد جبين جواده سراب الصحراء، مَن يدندن مع أصوات الريح وعواء الليل وخوار الوحوش، الفتى الذي يحرث ظهور الخيل بصلبه، حمزة المأهول بالرحيل والوحشة.
    كانوا يفهمون التاريخ كبحيرة وكنت أفهمه مجرى لنهر.


    مثل فهمك وأخيَّتك نجاة للأمثال السرية بالضبط، هي ليست بحيرة راكدة وانقطعت، لا، بل هي نهر ما يزال جارياً. ويُوجد فيها كل الصلف وما هو مغطغط من عنصرية وازدراء للنساء والأديان والثقافات.. إلخ. الغريبة نجاة تتحجج بذات الحجج لأجل محوها بالشطب من سودان فورأوول. لماذا؟ ما الذي قدمتيه لها من قراءات كي تنمحي لك يا نجاة! أتعتقدين بأن القبح يذهب من الدنيا بمجرّد إغماض الأعين عن رؤيته؟ (يا إلهي) كما يُكتب في ترجمة كتب الأطفال.
    **

    أها، الشهيد محمَّد حسبو دا، تسميهو وألا نسميهو ليك يا دكتور؟
    نظراً لكوني تقدّمتُه في الشهادة وبذلك فقد ظفرت بلقب "سيِّد الشهداء"، أقترح تسمية الشهيد الرفيق حسبو بـ"غسيل الملائكة". ولأنَّك قادِّي تربية إسلامية وقادِّي التربية الربُّونا ليها أهلنا دي يا عملاتك، سأساعدك بالشرح. هو الصحابي حنظلة بن أبي عامر، الذي قال عنه النبي مُحَمَّد، إنَّ الملائكة قد غسلته، لأنَّه خرج إلى واقعة أحد من عند عروسه التي كان يقضي معها أُولى ليالي زواجهما "ليلة الدُّخْلة". ما يدلُّ على همّة هذا الرجل الشنحيب وبسالته. لم ينتظر حتى يغتسل كما تقول القصة، تييف تلّب في الدرع، ختف السيف، لحق الرجال في الكعّة خُمْرتو وِدلكّتو يشَّتتن، ما حَتَّاهن من جلدو غير الدم.. وقال عنه النبي محمّد {لقد رأيتُ الملائكة تغسله في صحائف الفضَّة، بماء المُزن، بين السماء والأرض}، أو بين سودان فورأوول وسودانيز أون لاين، كما تشاء.


    الرجال الزيي أنا وحسبو ديل، ما بتقدر على منحهم الشهادة، إلا بتشهيد الباسويرد بس. شهادة شنو يا زول؟ قول بسم الله، ملاقاتهم ساكت ما بتقدر عليها. هيلك الجري إنت يابا؟
    لقد ثبت بالبراهين القاطعة والمتكرِّرة، إنَّك ما بتقدر إلا علي الجري، ونصيبة آآلبجري.
    والجرايين في موقعكم داك، والمندرقين، هم الغالبية، فلا شك أن السودان سينعم بديموقراطية من جنس ديموقراطية موقعكم وأكثر بهاء.
    وحِقُّو لي قولي
    ولداً غير حسبو، أنا مااا بهز فوقي
    نصيبة آآلبجري
    ------------------


    -------------------

    جري ساكت هو؟ جري غزير، موقع العدّائيين بلا منافس. الدكتور جرّاي، ونجاة جرّاية، وهاكم الجرّاي دا كمان:

    Quote: على العموم أنا اثق -كما تعرف- في حكمتك دائماً لذا فإنني أعتذر عن أي غلظة لم استطع تفاديها في مداخلتي الأولى ولو قلتوا نسحبها فسنفعل
    محمد عثمان إبراهيم.

    انظر لهذه المبايعة المجانية، على حكمة "دائمة"، مثل العمل الصالح الذي لا ينقطع أجره، للشيخ، القوس، حسن موسى. مبايعة لا تقوم على صعيد الماضي فحسب، لنقرأها في هذا الإطار المنبطح هنا وكفى، نووو، بل على صعيد المستقبل أيضاً، لأنَّ محمد عثمان ربطها وحدَّدها بـ"دائماً". ياخي الحكمة الدائمة هذه، النبي محمّد نفسه تمَلَّص منها، حين واقعة تأبير النخل التي أخطأ فيها. وقال ما معناه، الحكاية فيها شيل وخت حتى معي أنا النبي الذي من ورائه السماء ذاتها، وجَلَّ مَنْ لا يُخطئ. فاسحب سحبك كان ساحب، فما أنت في العير ولا في القميص، مجرّد تسلسل البوست جاء بك في طريقي. وهذا الوجود يا أيّها السحَّاب أسَّسه أشخاصٌ لا يسحبون رؤيتهم مطلقاً، ولو دفعها في وجوههم الموت ذاته. أمثال سقراط، ابن الراوندي، جان هووس، الشلمغاني، والقائمة تطول حتى تبلغ محمود محمد طه في الثمانينات القريبة دي.
    قال أوفيندد قال؟ شوف الود -الصحفي- الذي في خِدْرِه من الحياء دا!؟


    مافي شهداء يا ود موسى، لأنَّك لم تثبت لتلك اللقاءات حتى تسفر عن شهداء. وإنَّما هم رجالٌ أحياء من ضمير هذه الكوشرثيا ذاتها، حين قَصَّرت بك الطرقات معهم وعنهم، استرجعتَ ما تعتبره "رشوة باسويرد" منهم. فالتعامل في موقعكم لا يدل على نديّة أو استضافة آراء، أعني سلوككم بأكثر من سلوك الناس، المندرقين منكم. لذلك حين تُنْتَقَد، ولا تُمْتَدح بالحكمة الدائمة، مثل مديح طيز الوزة ذلك، تعاجل لسرقة كلمات المرور. هذا بالطبع والعادة والتجربة، قبل أن تتعاون أنت وشريكتك نجاة في تلفيق تهمة للمسحوب كلمة مروره كي لا يرد عليكم. كما لفَّقَت لي نجاة مداخلة لم أكتبها بشهادة الكل، وكما لفَّقَتَ أنت "كلام التعـرصـة" لمحمّد حسبو حتى يخال الناس أنَّه كتبه لك ولذلك قمتم بسحب المداخلة بدون مُبرر، كسحبكم لمداخلتي، لا أعني بتاعة العلمانية، وإنما الأخرى التي احتج عليها قصي، كي توحوا للناس أنني كتبت شيئاً مسيئاً. ذات الأمر، وبحذافيره، صنعتموه مع حسبو، ولأنّك تعرف أنّ حسبو ليس بالرجل الذي سيفوِّت لك هذا التزوير، قمتم بسحب الباسويرد.
    بعد أقدِّم شوية في الكوشرثيا دي، بجيكم لنوع المساخة دي و"ننبش" ليكم، النبش المابيهو دا يا دكتور ومنهزر فيهو محمد عثمان،
    قلنا ننبش القصة يا حسن ونجاة وبولا من أولها، اصطبر.
    وأختم لك حالياً بقصة {يا غدرُ، والله ما غسلت عنّي سوءتك، إلا بالأمس}.
    العبارة التي قالها عروة بن مسعود للمغيرة بن شعبة (مغيرة الرأي) والدهاء كما يُلقَّب، والرجل صاحب الكفاوي المعروف ومن قُبِضَ عليه في قصة الزنى الشهيرة. وسودنة القصة أنَّه في صلح الحديبية، حينما جاء عروة مفاوضاً للنبي محمد، قال الرواة إن عروة كان يمسح لحيته، وإني أستبعد ذلك، وأعتقد بأن عروة كان يمد يديه أو أصابعه في وجه النبي بينما يحادثه. شعبة قال لعروة لو مديت إيديك ديل تاني، ما بترجعهن صادات. وشعبة كان في خوذة قتال، أي كان مُقَنَّعَاً بالدروع والحديد لا يُرى وجهه، فسأل عروةُ النبيَّ، الزول اللعيم والنعيل دا منو؟
    محمد قال ليهو دا ود أخوك شعبة. شعبة كان كاتل ليهو طاشر زول وطافش من دمهم، زيك كدا يا دكتور العمل العام والديموقراطية وحقوق الرأي، كاتل ليك كم باسويرد إنت وطافش من دمهم؟
    كمان جايب ليك تسمية لشهدائهم ببجاحة يحسدك عليها ألأم ديكتاتور رذيل أنجبته إفريقيا.
    أها عروة بن مسعود أجاب شعبة الشرَّاد من وش الرجال، وكان عروة رجلاً شرساً في الحق، وفارساً باسلاً كصديقي حسبو، قال له:
    {يا غدر، والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس}.
    أعتقد أنَّه يعني تحصُّن شعبة بدخوله للإسلام كما أرى، أو لدخوله في ثلاثي الإدارة في مناسبة هذا السياق.
    فعلي بالحلال يا دكتور ما غسلت عني وعن حسبو طيز وزتك ذلك، إلا بسحب الباسويرد.
    فإن قال الصَّحْبُ النور دخلكم في طيز الوزّة، إني أرى فيكم رأي ذلك المسطول، الذي قال:
    زمان قلتوا الصادق المهدي دخَّلكم في طيز الوزة. علي بالحرام عمر البشير دا، شال الوزة ودخلها ليكم في طيزكم.

    وحا أجي يا حسن موسى، أوريك الدياسبورا، أم أوجاع الذات دي، أكان بتاعة فنيلتي وألا بتاعة عِمَّتك، اصطبر.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-11-2010, 00:08 AM)

                  

04-11-2010, 00:19 AM

محمد قرشي عباس
<aمحمد قرشي عباس
تاريخ التسجيل: 03-19-2010
مجموع المشاركات: 3195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    يا محسن العزيز ..
    هكذا بالطبع دون توقير .. فقد كنا نضحك معا عندما تعلن بنبوءتك الحاسمة أنه عندما يطير ذكرك في الركبان فسوف تسخر من توقير الكل لك سوى الفنان منهم (أتذكر فنان سومرست موم؟) و أنت حينها الفارس المتوحد كحمزة لا تأنس الناس و لا يأنسوك .. سعيد بالتداخل معك هنا، ربما هي مواصلة حيية لشاطىء النيل بمدني حين كان الزمان غير الزمان مع الشفيف السموءل و إبنا أخيك و بقية الـ Dirty Dozen .. أيام لو علم بها شانئوك لجالدوك عليها بالسيوف.
    و طبت صديقي
                  

04-11-2010, 03:05 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد قرشي عباس)

    Quote: ولداً غير حسبو، أنا مااا بهز فوقي


    شبال يا وليد
                  

04-11-2010, 07:15 AM

محمد عبد الماجد الصايم
<aمحمد عبد الماجد الصايم
تاريخ التسجيل: 10-16-2005
مجموع المشاركات: 35312

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: د.نجاة محمود)

    وين يا عمكـ!
    حمد لله على السلامة ياخ!
    كل مرة تقول لي بعدين نتفاهم بعدين
    نتفاهم .. لمن مشيت اتشالقت براي!
                  

04-11-2010, 07:27 AM

أيمن الطيب
<aأيمن الطيب
تاريخ التسجيل: 09-19-2003
مجموع المشاركات: 5845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد عبد الماجد الصايم)

    سلام يا محسن خالد,,
    Quote: المؤتمر اللاوطني سام (البلد) أمّ الجميع، واسترخصها وابتذلها، قدر عافية الدِّلالات والمزادات والنخاسات ما أدَّتو، وياها ديك الناس تَتَمِّن.
    المؤتمر اللاوطني متل جنى الضبعة، كان نهروه في عدم نزاهة الانتخابات هَرَّ، وكان خلوه فَاز وضَرَّ.
    المؤتمر اللاوطني مراكب تَغَاه جاهزة من مال البلد، عادي يسوطها لينا لامن تقول بس، وكمان يكشح في حَلَّتِها حَصْحَاص.
    بِقَتْ ما بتنأكل!؟ ما خَصَّاهو، ما هو مراكبو جاهزة وح يمشي يأكل ويخرأ في ماليزيا.
    يازول ماليزيا دى كان زمان,,
    آفاق أخرى جديدة قد فتحت,, والإستثمارات فى بلدان أخرى قد فاقت ماليزيا نفسها,,

    تحياتى
                  

04-11-2010, 07:59 AM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: أيمن الطيب)

    محسن الجميل

    أسعدني سؤالك

    أنا بخير

    و أنت كعهدي بك دائما

    فرداً صمداً إلا ما تعلّق بالذات الإلهية

    وحقيقة أوفيت وما صرت

    عفيت منك يا زول يا نجيض
                  

04-11-2010, 08:59 AM

نيازي عبدالله مرحوم احمد
<aنيازي عبدالله مرحوم احمد
تاريخ التسجيل: 08-25-2006
مجموع المشاركات: 1006

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: حبيب نورة)

    سلامات يا استاذ محسن
    اولا تعجبني لغتك الجميله شديد رغم انك احيانا تحتاج الي قراءتها مرات لتقع ليك لكن بكل صدق
    لغه ممتعه شديد
    ثانيا يعجبني حرصك علي الرد علي كل المتداخلين معك كانما هم خلانك واصاقائك
    لك التحيه والمحبه

    نيازي عبدالله
    جامعة الجزيره لو تذكر
    وشمار الفحلايه الهربت منك حارقني شديد
                  

04-11-2010, 12:42 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: نيازي عبدالله مرحوم احمد)

    وليد المُبارك
    وأنور كينغ
    يا شباب إزيكم، وكيف عاملين؟
    غاية الأشواق وحبابكم ألف
    كونا دوماً بخير
                  

04-11-2010, 01:43 PM

Siham Elmugammar
<aSiham Elmugammar
تاريخ التسجيل: 06-18-2004
مجموع المشاركات: 3488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: الكوشرثيا(*1) مصطلحٌ اصطنعتُه من واقع الأبنية القائمة لحضارتنا السودانية ثم ثقافاتها وأساساتهما الماديَّة والمعنوية معاً. لأجل أن تكون رقعة هذا المصطلح التي يقوم فيها ويغطيها، أوسع من رقعة مصطلح الفولكلور بتعريفاته الحالية، التي تُرَكِّز في جوهرها على الفنون القولية Verbal Arts. ويتكوَّن هذا المصطلح من مفردتي "كوش" للدلالة على الحضارة الكوشية، و"إرث" للدلالة على الحضارة الإسلاميَّة والعربيَّة.

    سلام يا محسن
    شكرا للتوضيح.... انت عارف نحن ناس هنا ديل ثقافتنا محدودة
    هسه كنت شايله هم القوقله لولا تفسيرك تقافتى الضحلة كانت فى مأزق
    عفا الله عنك
                  

04-11-2010, 01:59 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Siham Elmugammar)

    أبو خالد سلام[

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 04-20-2010, 01:12 PM)

                  

04-11-2010, 11:03 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: ابو جهينة)

    ثَمَّة عوامل كثيرة تقف ضد تأسيس الكوشرثيا لصالح رؤية غازية لا بديلة وهي (العروبية/ الإسلامية). وقامت هذه الرؤية الغازية باحتلال الواقع كُليَّاً وتوجيهه في هذا الصوب منذ وقتٍ مُبكّر من التاريخ السوداني. أستبعد هنا دولة الفونج بحسبانها لا تُحَقِّق الشرط العروبي –بحذافيره- وإن هي تُحَقِّق شروط الدولة الدينية الإسلامية بامتياز. ولكن بمرور الزمن، وتراكم هذا الوهم، مع زيادة الاستجلاب لخامات ومداخيل الثقافة العربية، نشأت ثلاثية سرطانية تنحصر فيها مجمل إشكاليات "الواقع" وكذلك "التصور" السوداني، كما أرى. وهي الثلاثية المرقونة أدناه:
    1- اللغة كمرجعيَّة وجود لا أداة تواصل.
    2- إنهاض ما هو طبيعي على إرث مُفَخَّخ، والتفخيخ يقوم على منحيين، أوَّلها ما يتجاهل الإرث الكوشي الذي انبنى في طبيعة ما هو مسلم أو عربي في ذاته.
    وثانيهما ما هو ضار وعدواني تجاه هذا الإرث الكوشي، تمييزي، عنصري.. إلخ.
    3- ضبط إسكرين الواقع السوداني على حجم الذات، أو الجماعة الصغرى، الناحية، الإقليم.. إلخ.

    هذه الثلاثية السرطانية، نجدها مخبؤوة في الكثير جداً من مواد الكوشرثيا، كامنة أحياناً، كمون النار في العود، وملتهبة في أحايين ثانية وترمي بلهب كالقصر. إن كان مما هو منطقي ومقبول في الفهوم، أنَّ هناك حضارتين أُضيفتا لمجمل حضارات كوش في السودان. فالعربية بالتمحيص الدقيق فيها نجدها بالأصل حضارةً ذات أساس وجذر مختلف، عَمَّا أضافه لها الإسلام. بحسبانه متحرِّكاً ثقافياً وأيدولوجياً، التحمت في طبيعته وكذلك تشكَّلت مع طبيعته، معظم الحضارات المحيطة بمنشأه. مثل الحضارة الفارسية في إيران، وحضارات بابل وآشور وآرام ما بين العراق وسوريا، والفينقيين والكنعانيين واليهود من بقيّة المنطقة، التي كانت تعرف فيما سبق ببلاد الشام الكبرى. وإلى أن تلحق بهذه التركيبة حضارات إفريقيا القرطاجية والمصرية وحتى نبلغ السودان إلى الكوشية. إذن هذا المُتَحَرِّك الثقافي والأيدولوجي الإسلامي ذو طبيعة شديدة التعقيد، التركيب، التنوُّع والثراء. هذا من ناحيته الجمالية فحسب، أمَّا ناحيته السيئة فقد جاءت من جهة تكريس هذه العظمة كلّها كأدوات محو لا أدوات تلاقح. منذ وصيّة النبي محمّد وهو على فراش الموت، وخروج جماعة من القرشيين من عنده، ادَّعت هذه الجماعة فيما بعد، أنَّها نسيت إحدى الوصايا التي قالها النبي. أعني باختصار قصة التآمر على الشورى، نظام الديموقراطية الإسلامية البسيط الذي أوصاهم به القرآن، وتقويضها. وتثبيت أحاديث في البخاري تقول إنَّ الخلفاء كلهم يجب أن يكونوا قرشيين. من هنا بدأت الخيانة للنظرية الإسلامية التي كانت متحرّكا ثقافياً وأيدولوجياً بوسعه استيعاب الكثير وليس الجميع، ليُسْتَبْدَل هذا المتحرِّك الثقافي الأيدولوجي بساكن قومي إقليمي، لا يستوعب إلا ذاته. والمتأمِّل في فقهاء الإسلام ومشرِّعيه وباحثيه الأُول، يجد أنَّ معظمهم كانوا من البيئات المحيطة بالجزيرة العربية، من غير العرب. هذا لعامل سبق تلك البيئات حضارياً للجزيرة العربية كما هو مفهوم. ومع ذلك بقي أولئك الناس تحت رحمة العرب بواعز من الدين ذاته، ومن تلك النصوص التي تُكَرِّس لمفاهيم الخليفة القرشي وعدم الخروج عليه، ومحبّة هذه الأرومة التي جاء منها النبي محمّد. ولكن الأمر يختلف جداً حين نبلغ السودان وما تم فيه على الصعيد التاريخي. فالسودان في فترات التاريخ الوسيطة كان قد انقطع عن ماضيه الحضاري السامق، ويعيش في ظلام وعزلة تامَّين. حتى إنَّك لا تكاد تجد إلا نذراً قليلاً من المعرفيين السودانيين ومعظمهم ممن لهم علاقة بالإسلام أو العروبة. هل سألنا أنفسنا كم يمتلك السودان من الكتب المنتجة بين الفترتين 1000 – 1700م؟ وما هو أقدم مؤلَّف سوداني خلال هذه الفترة؟ هل يستطيع أيُّ أحدٍ منَّا تعديد عشرين كتاباً عدا كتاب طبقات ود ضيف الله؟ وهل كل كتابات تلك الفترة تجاوزت موضوعة الفقه الإسلامي؟ هل أنجز تلك الكتب سوى الفقهاء النازحين الذين أسَّسوا الطرق الصوفية؟ إنَّ تاريخنا لدى هذه الحقب متواضع للغاية إن لم يكن بائساً ومخجلاً.
    الخلاصة من ذلك أنَّ هؤلاء القادمين بقدرات ومعارف أرقى استعمروا البيئة السودانية، وثَبَّتوا فيها مكرمة اللغة العربية، على غيرها من اللغات، من واقع الدين. وكرَّسوا كذلك لمفاهيم الأشراف الإثنية، وربطوا احترامهم وتكريمهم بالدين أيضاً. وبذلك غدا هذا المُتحَرِّك الثقافي الأيدولوجي أداة محو لا تلاقح. وكلّ ذلك تم من خلال المصلحة وقوانينها، سواء مصلحة الجماعة أو المصلحة الفردية. التي هي بالتأكيد مرتبطة بمصلحة الجماعة الصغيرة، أو مرتبطة بالوحدة التي ينتمي إليها الفرد رأساً ومباشرة. ومن هنا بدأ التأسيس لهذا الواقع –كفخ- يبدو ظاهره طبيعياً، ولكنه في الحقيقة انبنى على إرث كوشي عريق، بمرور الزمن اندغم هذا الإرث في طبيعة الإسلام ذاتها، وغَذَّاها حضارياً بأكثر مما غَذَّته. وأيضاً في المنحى الثاني من التفخيخ، تم هذا التشييد لكل ما هو عربي أو إسلامي، على ثقافة ضخمة عدوانية وعنصرية وتمييزية، ومستلهمة لأزمان الرق في كافَّة تجلياتها، نجدها في الأمثال والأساطير والمقولات والألغاز والحُجا، لهذا الواقع المتصارع تحت لحائه القشري الأَدَمِي مباشرة، قبل بلوغ العظام.
    ومع ذلك بقيت مصلحة الجماعة العربية المُسلمة الصغيرة وسط هذا الوعاء الكوشي الكبير فوق الجميع. ولكي تستمر هذه المصالح بلا نهاية بدأت السرطانية رقم ثلاثة، وهي ضبط إسكرين الواقع السوداني على حجم هذه الجماعة العربية الصغيرة المُسلمة، المتعلِّمة أكثر من غيرها، وذات الصلات بالعالم الخارجي. فمعظم المتعلمين الشماليين الأوائل، أو في فترة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحتى مطالع القرن العشرين، تلقوا تعليمهم بمصر، وقليلٌ منهم بدمشق.
    واستمرَّ إنتاج هذه الثلاثية عابراً لكل تلك الحقب، ولدولة المهدية، وحتى الكفاح في وجه المُسْتَعْمِر الإنجليزي في جولته الثانية، التي تلت كتشنر. وما الطائفية السودانية والأسياد هؤلاء، السيد فلان، والسيدة فلانة، إلا شظايا من تلك النخبة العربية أو المستعربة، المتعلمة، المسلمة، التي قامت بتأكيد اللغة العربية كمرجعيَّة وجود لا أداة تواصل، وبتأسيس وطن يناسبها ويُمَثِّلها هي وحدها، على فخ كوشي عريض، اضطرها لأن تضبط إسكرين الواقع السوداني على حجم ذاتها، وبمواصفات جماعتها الصغرى، ناحيتها، إقليمها.. إلخ
    ولأنَّني أُرَكِّز على الفنون القولية هنا كما أسلفت، فسأقوم بمطاردة هذا الوطن المستورد، على حساب الوطن المأمول، من خلال عرض اجتهادات بعض كُتَّاب الليركس، الذين كتبوا في وجه الاستعمار الإنجليزي، لنرى عن أي وطنٍ كانوا يتحدَّثون؟ وهذه الأعمال ليست من أعمال الفولكلور أو الكوشرثيا، لأنَّها معلومة المؤِّلفين، المتعلمين، وماهي بإرث. أتناولها فقط من باب أنَّها أعمال مؤسِّسة لوطن ما بعد الاستعمار الإنجليزي الثاني.
    وقبل ذلك أُنَبِّه لكوني تناولت الكيفية التي أنظر بها وأُمَيِّز عبرها بين الشعر والليركس في كتابي {ليركس مصطفى}، كي لا يرميني أحد بالنقد المضموني للفنون. ولكن ليس بالوسع نقل تلك الرؤية كلها إلى هنا، من شاءها فليراجعها حيث موضعها. وموجزها المُبتسر للغاية، هو أنَّني أقوم بتفكيك المادة الشعرية عبر إخضاعها لاختبارات تقوم على ثلاثة مستويات من الوعي، هي:
    1- أوَّلاً الوعي الفنِّي للكاتب.
    2- ثانياً الوعي الوجودي.
    3- ثالثاً الوعي الإنساني.
    وأعتقد بأنَّه ليس بوسع أية خصائص للكتابة أن تخرج من مدى وإحاطة هذه الثلاثية بشكلٍ من الأشكال. فالكتابة التي نجد بها هَنَّات على صعيد الوعيين الإنساني والوجودي، هي عندي اسمها الليركس وليست الشعر، لأنَّها مستلفة من رؤى ولغة المجتمع الذائعة بعللها. وأمَّا تلك المواد الشعرية التي نجد أنفسنا عاجزين بالأساس عن الدخول إليها، ومقاربتها، إلا عبر الوعي الفني وحده وآلياته، فهذه هي الشعر الأمثل كما أفهمه وليست بليركس.
    عليه، سأقوم بتقديم نماذج حالياً من ليركس العلم الأكبر الذي رَوَّج للثلاثية السرطانية التي محقت عن متحرِّك الإسلام الثقافي والأيدولوجي بركاته وثراءه وأحالته إلى أداة محو ومسخ لا تلاقح وتواصل. وربما كلامي عن هذا العلم يحزنني أنا نفسي قبل أن يحزنكم، ولكنها المعرفة التي لا تغفر ولن تتسامح، حتى مع الفنَّان العظيم العطبراوي. من اشتُهِر بأعماله في حقل الليركس الوطني هذا أكثر من غيره، ومَنْ عُرف ببسالته الواقعية، العملية، في التصدي للمُسْتَعْمِر، الفنّان الكبير والعلم "حسن خليفة العطبراوي". ولكن للأسف كانت الريسورس التي تلقَّى منها أشعاره وليركسه، جُلَّها تعاني من إشكالات عميقة على مستوى وعيها الوطني ووعيها بالطبيعة التكوينية لهذا البلد. اخترتُ هذا العلم، لأنَّ "أنانيا صفر في الثقافة السودانية"، أحد أهم أهدافها، هو مطاردة هذه البدايات والأُسس الخاطئة، التي نحن اليوم لا نفعل أكثر من حصاد بذرتها الأولى تلك. وهذا كلّه يُنَقَّب في مواد الكوشرثيا بالإجمال، وكذلك في باقي الفنون القولية والماديّة بشكل عام حتى إن لم تكن فولكلوراً، كي نكتشف ببساطة، أنَّ هذه المواد كلّما تقادم عهدها نجدها سودانية تناسب فكرة المنطلقات الوحدوية للبلاد، وكلّما اقتربت من أوقاتنا المعاصرة، التي كَثُرت فيها الجماعات الإسلاميّة على وجه التحديد، نجدها صريحة الانحراف نحو ما هو "إسلامي وعروبي" في أكبر محاولة لتزييف بلاد بحالها. أمَّا موضوعة الهُويَّة ذاتها فهي كما ردَّدتُ عنها كثيراً، موضوعة وجوديّة، واختيارية، حينما لا تعتدي على مفاهيم الوطن الشموليّة والعدالة. الوطن المجَرِّي، الذي يُصاغ وَفْقَ قوانين لا يُضارُّ بها البشري من حيث هو بشرى، ومن حيث هو مُطلق إنسان. أي أنَّ الهُويّة لا تستأهل أن تكون موضوعة وجوديّة، واختيارية، إلا حينما لا تصطحب تفسيراً شمولياً للوطن على مقاييس الذات أو الجماعة أو الإقليم. ما يجعل "أنانيا صفر" غير قادرة بالمرَّة على قبول ما غَنَّاه العطبراوي باعتباره مادَّة في التربية الوطنية يُراد لها أن تُدرَّس في جميع مناحي وأقاليم السودان. فطرد المُسْتَعْمِر للمرَّة الأولى من تاريخ السودان الحديث، كان عبر تمثيل ما هو إسلامي وعربي، في أبشع صوره التراجوكوميدية. فالمقاومة كانت تمثيلاً مُغِيِّباً للذوات القائمة بها، لأبعد الحدود، مثلما كانت تغييباً للذوات السودانية الأخرى، التي لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالعرب. فالمهدي نفسه استلافٌ لمقام النبي العربي مُحمّد، وعبد الله تورشين استلافٌ لمقام الشخصية الإسلاميّة العربية أبي بكر، وإلخ، مما رَوَّج له المهدي بحسبانه واضع التصورات الأولى للدولة الدينية العربية.
    وباستعراض أوَّل نموذج من الليركس الذي غَنَّاه العطبراوي، وهو:
    نحن في السودان وقاية
    نحن للأعراف حماية
    نحن للأرض التقاوي
    سلسبيل نيلنا السقاية
    ***
    عندنا الرأي البرجِّح
    ما بندور من زول وصاية
    عندنا النيلين بفيضن
    ما بندور من زول هَدَايا
    عندنا السيف في يمينا
    عندنا القرآن هِدَاية
    ***
    عندنا الموروث مأصَّل
    في الشَّرَافَة وفي الدواية
    في شرقنا اتصَدَّى دقنة
    سوَّى للأعداء النكاية
    وفي الشمال ود النجومي
    للبلاد كم عَلَّى راية
    ***
    صفحة في تاريخنا ماجدة
    صفحة في أيامنا جاية
    بكرة يا عالم بتسمع
    يحكوا ليك أعظم رواية
    عن وطن مسلم مجاهد
    ليه استشهاد وغاية

    نجد أنَّ الموارد الطبيعية كانت فَخَار النشيد الجهادي منذ مطلع تأسيس السودان العربي المسلم. فصوت المُتَكلِّم العربي المُسلم هو الذي له {الرأي البرجِّح} وهو مالك {النيلين بفيضن}، ومن لا تعجبه هذه القسمة وهذا الشعار، فالعربي المُسلم في السودان جاهز ومحتاط بـ{السيف في يمينا} لإنفاذ طريق الهُدى الواحد ألا وهو {القرآن هِدَاية}. فالقتل لأبناء الوطن الواحد، غير العرب والمسلمين كان مضمَّناً في الأهازيج والأناشيد التي غَنَّاها الجميع بما فيهم السوداني من غير العرب والمسلمين أنفسهم. ولكي يتم تطبيق هذه النظرية فلا بُدَّ من قطع السوداني عن موروثه متعدد الثقافات {عندنا الموروث مأصَّل ... في الشَّرَافَة وفي الدواية}. فالطبيعي أن يعود هذا الموروث الـ{مأصَّل} إلى نَبَتَة وأخواتها من ممالك كوشية قديمة، إن كان هو بالفعل مؤصَّلاً، وأن ينتسب إلى مُعْجِزَات الأهرام، وأماني بَيَّا وتهارقا. ولكن لا، هذا موروث استئصالي قادم بسيفه في يده، ليمحو عن السودان موروثه المؤصَّل فعلاً، وليستبدله بموروث ديني يُؤسِّس بالضبط إلى إعادة الدولة الدينية التي قاتلها أركماني، صاحب الموروث المؤصَّل بالفعل لا بالادِّعَاء. فإحالة الموروث السوداني كلّه إلى موروث (الخَلَاوي) من قول الشاعر {في الشَّرَافَة وفي الدواية} أي فيما هو إسلامي فحسب. وهذا النشيد لا يمس المشكلة الإثنية لا من بعيد ولا من قريب، ولا يختلف عن أي نشيد شيوعي، يُكَرِّس إلى النظرية وحدها، وهي هنا النظرية الإسلامية. ولكن بسؤالنا عَمَّن هم وُرَّاث هذه الدولة الأكثر ترشيحاً؟ فهم عرب ومستعربو السودان، الذين سيكونون ترجمان هذه الدولة والمُعَبّرين الأبرع من غيرهم عنها. ولكي تنهض هذه الدولة الدينية العربية المسلمة، فلا بُدَّ من إحالة تراث السودان الفعلي كلّه إلى أرشيف لا عودة منه، واستبداله بكل ما هو عربي، وإسلامي، ومسخ الوطن في كلّياته ليستحيل إلى شخص مسلم عربي، على استعداد للجهاد ضد إخوته وأخواته من شركاء الوطن. فالتاريخ السوداني سيُلْغَى ولن يتم تناوُلُه إلا من عند الدولة المهدية التي أسَّست لوطن ما بعد الاستقلال هذا، وشاطرته اقتسام تركة (وكالة الجلاّبة). وكذلك تركة دقنة وود النجومي، والمهدي الدنقلاوي، وشريفي "كمان"! معاً، ويا لسودان العجائب! وستزال الصفحة الحقيقية من تاريخ الوطن، لتعقبها، مباشرة، بعد آلاف من السنين المُفرَّغة عن أمجادها الفعلية، لتليها صفحة المهدية، التي تخدم ذات الخط المضموني لنظرية الخلوة السودانية {صفحة في تاريخنا ماجدة ... صفحة في أيامنا جاية}، تُطوى صفحة ناجزة وتُدس في مكانها صفحة أخرى، لأجل ماذا؟ {بكرة يا عالم بتسمع} لأجل هذا العالم الذي سيراقب مجريات التبدُّل والتحولات في السودان حين {يحكوا ليك أعظم رواية} {عن} تزوير وطن ومسخه إلى {وطن مسلم مجاهد ... ليه استشهاد وغاية}. فما الفَرق هنا بين دولة "وكالة الجلابة" و"دولة المهدية" و"دولة الاستقلال وما تلاها من دويلات" و"دولة الكيزان" الصورة الأبشع والمُكَبَّرة لمستقبل تلك الدويلات؟
    ولن يعفي المهدية أنَّها قاتلت ضد الاستعمار، فهي قاتلت من مُنطلقات هذه النظرية ذاتها، التي تسعى في محو غير العربي والمُسلم، كما قاتلت أيضاً ضد السودانيين والجنوبيين. وقامت بإخضاع معظم القبائل الكُبرى في الجنوب، كما ذهبت جحافلها إلى الحبشة الإفريقية المسيحية فاتحةً بذات الشعارات. مع أنَّ دولة الحبشة أكثر أصالةً وتمثيلاً لـ"علوة" والمَغَرّة" من المهدية. والرابط بين هذه الأجسام جميعاً، التي توارثت حكم السودان، هو (النظرية الإسلامية) في حالة استغلالها، وامتطائها لأجل تحقيق نفوذ ديني، إثني، ثقافي وسياسي، أي الركوب عليها لأجل تحقيق نفوذ شامل وكلّي.

    النموذج الثاني:

    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    كيف لا أستميت في حبي وأجاهر!
    بي إخلاصي ليك يا الواديك زاهر
    تاريخك مجيد ولي أعداك شاهر
    صحفه مرصّعات بالدُّر والجواهر
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    كم في هواك رجال اتلقوا المخاطر
    ومفرد جمعهم كالأسد البناتر
    في حوضك يمين قَطْ ما راعوا خاطر
    وسجّلوا ذكرهم بدماء البواتر
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    بنداء الوطن أُلهبتْ الضمائر
    وقاموا بواجبهم يوم دارت الدوائر
    في جبل كرري صالوا.. صادموا كل غائر
    وماتوا مجاهدين طاهرين السراير
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    أنصار الوطن ما بعرفوا المظاهر
    أحرزوا نصرهم بتفوُّق باهر
    واقعة "هَتْشِي" ليهم هي برهان ظاهر
    وما تقهقر جيشهم بالكتائب قاهر
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    عند سفح الجبل قِف يا صاحِ خابر
    هاتيك الروح أم تلك المقابر
    تخبر كالجماجم أنها من أكابر
    شهداء الوطن في الزمان الغابر
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر
    ***
    يا حليل عصرهم بالمآثر عامر
    وناهي عن المعاصي وبالفضائل آمر
    ذكراهم شجاني ودمعي أصبح هامر
    شَنِّف سمعي بيهم وزيد وقول يا سامر
    ***
    يا وطني العزيز يا أوَّل وآخر
    أهتف بحياتك .. بمجدك أفاخر

    ولا يختلف هذا النشيد عن مجمل ما أدَّاه العطبراوي، ذات الوطن الذي يبدأ بدولة المهدية {في جبل كرري صالوا.. صادموا كل غائر}، الرجال الذين يبكي عصرهم التقي {بالمآثر عامر} وأيُّ مآثر هي؟ تلك المآثر التي تحققها التقوى الإسلامية ومفاهيم الجهاد والاستشهاد {وماتوا مجاهدين طاهرين السراير}.
    (ولتتأكَّد من تأسيس هذا الوطن المستورد، الذي يبدأ من المهدية فحسب، بدلاً عن الوطن المأمول، الذي يبدأ بالأهرام، اسمع هذا الشريط أدناه، سيغيظك المذيع بالبلاهة الوطنية الإسلامية العربية حتى {تبَّاً لك} المضحكة تلك، وستقول محسن خالد معه حق. وبمجرّد أن يأتي الصوت العظيم للعطبرواي، لن تجد حرجاً، بل ربما تستمتع وأنت تعيد عليَّ { تبَّاً لك} يا محسن خالد. فمن المحتمل أن تجد نفسك عاطفياً تحَرَّكت متحمَّساً وغصباً عنك. أو كما قال لي صديقي الإيرلندي، المحزن يا مستر خالد، أنَّنا نُنَطِّط حماسةً وفرحاً Leap out of enthusiasm and happiness مع المارش الوطني الإنجليزي، ما غزونا به، وأصبح اسمه البريطاني. ضحكتُ وقلتُ له ونحن مثلكم، فعلاً، حتى لو امتلكنا وعياً عقلياً بالمسألة، ماذا نفعل حيال هذا الوطن الآخر، الوجداني الزائف!؟ لا بُدَّ من إعادة صياغة حياتنا كلّها، وكتابة برامج التربية بجميع أنواعها من البداية، أو منذ الطفولة، لأجل أجيال قادمة).
    ----


    ---


    النموذج الثالث:
    نجده في قصيدة وليركس "أنا سوداني أنا" التي بشكل حاسم ومباشر للغاية تقول:
    {نحن من نَفَرٍ عمّروا الأرض أينما قطنوا}.

    وهي بذلك تَرُدُّ أصل السودانيين إلى العرب وحدهم، وتُقَصِّر حَتَّى عن الوعي الوطني في ليركس إسماعيل حسن حين يقول:
    {عرب ممزوجة بدم الزنوج الحارَّة ديل أهلي}.

    ولاحظ أنَّ الكاتبين يلتقطان أحاديث وجُمَل المجتمع الشمالي برؤيته ولغته ذاتيهما، دون أدنى شُغل أو تأمّل فيهما. ولكن قصيدة "أنا سوداني" التي هي في الحقيقة "أنا الشمالي العربي لا غير" أبشع في امتداداتها من ليركس إسماعيل حسن، فهي لا تعتبر حتى هذا التمازج الإسماعيلي ولا تعيره أدنى التفات، إذ تقول:
    {دوحة العُرب أصلها كرمٌ وإلى العُرب تُنْسَبُ الفطنُ}.
    هكذا، بكلّ يقينيَّة فجّة، يُسَلِّم إلى العرب النبوغ وحدهم، ودون غيرهم من شركائهم في المكان أو الإنسانية. وهذا كلامٌ مردودٌ على الصعيدين الإنساني والوجودي، لأنَّه يستبطن العنصرية والتمييز. "راجع كتاب ليركس مصطفى لمزيد من القراءة".

    النموذج الرابع:
    يا غريييب يلا لبلدك.. يلا.. لبلدك
    يلا لبلدك.. أمشي لبلدك
    سوق معاك ولدك
    ولملم عِدَدك
    انتهت مُدَدَك.. وعلم السودان يكفي لسندك
    ***
    يا غريييب يلا لبلدك.. يلا.. لبلدك
    ***
    الحروب زالوا فَزُّوا ما صمدوا
    والشباب اليوم للجهاد نهضوا
    طالبوا الأقطاب يوفوا ما وعدوا
    ذَكِّروا تشرشل يحترم وَعَدَو
    قلتو في الميثاق كُلّو زول بلدو
    وديل بواقيكم لسَّه ليه قعدوا!
    ***
    يلالا
    يا غريييب يلا.. يلا.. لبلدك
    ***
    رفعة السودان ديمة نحن نقول
    بئس الاستعمار في شمس أو ظل
    تاني ما بننغش واستلابنا يطول
    شعبنا اتحرَّر من قيود الذُّل
    ونزِّلوا العلمين يلا فُوتوا الكُل
    ***
    يا غريييب يلا لبلدك.. يلا.. لبلدك
    ***
    ولا يُكاد يفرز هذا النشيد عن سابقيه، إلا بالقليل الذي تناول فيه كاتب الليركس بعض الأحداث السياسية الشهيرة. ولكنّه إجمالاً الخط ذاته، الذي يتحدَّث عن وطن لم يسمع بالبجراوية والبركل والنقعة والمصوَّرات. الوطن الذي لم يُخلق مع المهدية العروبية/ الإسلامية فحسب، بل كأنَّما هي التي خلقته. وهم أبناء المُجاهدين أنفسهم الذين يقومون بكل شيء، ويُؤمَّل فيهم صنعة وقيادة كل أمر:
    {الحروب زالوا .. فَزُّوا ما صمدوا
    والشباب اليوم للجهاد نهضوا}.
    حتى لتخال كُتَّاب ليركس العطبراوي هؤلاء، حجازيين، شواماً أو مصريين. وهذا الوطن الذي ربما هو فلسطين أو سوريا، ولكنه ليس السودان بأي حال من الأحوال، لماذا؟
    لمفردات هذه القصائد البيئية ذاتها، ولروحها وحماستها العروبية الإسلامية ولكل شيء فيها ومنها. فـ"تربالنا" مثلاً، أو مزارعنا السوداني ممن يزرعون محاصيل أخرى لاعلاقة لها بتاتاً بما ينتجه "فلاح" تلك القصائد. المستوردة، من بلادٍ بعيدة تُؤتي حقولُهُا "الزيتونَ" من أجل أطفالها الصغار، وهذا نجده في نشيد (السلام) من غناء العطبراوي، النموذج الخامس:

    لا لن يكون .. لن يفلح المستعمرون
    لن يحرقوا في الموت بالذر أحلام القرون
    لن يهدموا القيم الرفيعة والحضارة والفنون
    لن يسرقونا في الظلام فإنَّنا مستيقظون
    ***
    لا لن يكون..
    ***
    صوت انفجار في كل ناحية يثار
    فيؤلّب الآفاق من حولي بمزحوم الغبار
    يُهَدِّدُ العمرانَ والأسرة السعيدة بالدمار
    سأعيشُ رغم تهور الحمقاء أعداء النهار
    وسأغرسُ الزيتون في حقلي لأبنائي الصغار
    ***
    لا لن يكون..
    ***
    باسم السلام والزاحفين إلى الأمام
    باسم الأماني الفيك راقصة كأجنحة الحمام
    باسم العذارى الحالمات بضجة العرس المقام
    باسم الطفولة وهي أنغامٌ وحبٌّ وابتسام
    سنتوِّجُ الغدَ بالرخاء وبالصفاء وبالسلام
    عاش السلام... عاش السلام

    ومنذ كنار العطبرواي ذلك:
    {غَنِّى الكنارُ على تلك البساتين
    فهل يُفَرِّج هَمَّاً بات يضنيني!؟}.
    وحتى كنارهم الآخر، الذي سيحلو لي أن أُسمّيه "كنار الدكتور عبد الله" بعد ما قرأتُه له في حق مُلَحِّنه:
    {صه يا كنارُ وضع يمينك في يدي..}.
    وإنِّي عليم بطيور السودان ومن هواة البحث في حيواتها، فما علمتُ لنا طائر كناري يُزَمبِّرُ فوق أشجارنا قط، فالطائر منسوبٌ إلى جزره التي عرفت به. وإن شئنا مُسَبِّبات ذلك فهو الغَرْفُ من حركة الرومانتيكية العربية التي سادت القرن المنصرم، بلا فرز، ولو دخلت تلك الرومانتيكية دُبر عنز. قرأتُ مقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم، المعنون باسم هذا النشيد، والمحتفي به. وهو بالفعل، وحقاً، شعرٌ قوي من ناحية بنائه وتكوينه وشاعريته، ما قلنا حاجة. ومؤثِّر من ناحية ذكرياتهم الحنينة تلك، التي تاوتت حال هذا البلد حتى بَلَغَ مبالغه الحاضرة من الأسف الذي يسيل دماً. بس كمان اليورونا "كنارهم" دا لقوهوا يغني فوق ياتو شجرة من شجرنا!؟ ولو كانت الطيور ما بتنضمن في طيرانها، اليورونا حينها:
    {فالجلنار سياج روض السؤدد}.
    أها الجلنار دا في حسبة شاعر سوداني يطلع شنو؟ العُشر، الكتر، اللعوت، السيّال، التَّبس، الحَلْفا، النال، الحصير، الخيزران، السيسبان، المهوقني، التك، أم هو العوير!؟ ولا تعتقد بأنّ هذه الأناشيد في بنائها العربي القح، بوسط بيئتنا السودانية لا علاقة لها ببناء التصوُّر العربي ذاته للشعر والموسيقى، إيَّاك أن تعتقد ذلك. فالدكتور، رئيس البلاد، عبد الله على إبراهيم، هذا بالطبع قبل أن تسقط كشاشُتُه دزززز، ففي الفقرة قبل الخاتمة لمقاله يورد جُملة عجيبة في سياقٍ ويا للغرابة مطلعه يمتدح الموسيقِي العَلَم والمعروف، إسماعيل عبد المعين، الذي قام بتلحين هذا النشيد. ولكن الدكتور يمتدحه من خلال مقارنة ذات سخرية لا تخطئ العين البصيرة ما فيها من أَنفة عروبية، مُستلبة، بغرام الكنارات هذه وبالجلنارات، إذ يقول دكتور عبد الله:
    {ومن استمع إلى أحاديث عبد المعين عن الموسيقي السودانية عرف أنه عاشق متبتل لها وكان نفاذاً إلى مناجمها خطاراً فوق سماواتها الفذة. وكان إنساناً برئياً يقربه ولاؤه للموسيقي من السذاجة . . . الراديكالية:
    القدو قدو يا يا
    باكلها برايا}
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2488

    أهذا شكرٌ أم نبز؟ مدخل الجُملة يمتدح باليمين وخاتمتها تلفخ بالشمال؟ "السذاجة" وكمان "الراديكالية"! إنَّا لله. فيا تُرى كيف تُوصف السذاجة بأنَّها راديكالية؟ هل ذلك يعود بها مثلاً إلى جذر عبد المعين أم ماذا؟ أم أنَّه يقصد بأنَّها متطرفة؟ وكيف تُوصف السذاجة بأنَّها متطرفة، لكأنَّما الشخص الساذج بوسعه السيطرة على سذاجته وجعلها سذاجة متوسطة بدل التطرف! جُملة من أي الوجوه أتيتَها فلا حل معها سوى العودة بها إلى منبت عبد المعين. ولأنَّني لا أُريد أن أصطنع جريرة للدكتورة كيفما اتفق، فسأكتفي هنا بكونها جملة ساذجة فحسب، سذاجة بدون أية راديكالية.
    وبِمَ يستشهد الدكتور على تلك السذاجة الراديكالية لعبد المعين؟ بالمقطع الشعري المقتبس أعلاه، الذي يرد فيه القدو قدو عبر لكنة كوشية. كأنَّما الدكتور بعد مديحه الطويل لنشيد "صه يا كنار" يقول للقارئ، لقد سمعتَ رُقِيَّنا في النشيد أعلاه، وفصاحتنا وبلاغتنا، ولكن انظر للعوير ذا، قَدَوُ قَدَوُ، قال! ولك أن تتخيَّل وجه الدكتور منتفخ الأوداج، وبوزه ملوياً، في تقليد الصوت الإفريقي المنطوق للقَدَوُ قَدَوُ، الذي يملأ الفم. فويين من الكنار الذي يجري عليه اللسان العربي جرياً زَلِقَاً!
    والقَدَوُ قَدَوُ لمن لا يعرفه شرابٌ ثقيل بحيث لا تعرف أهو طعامٌ أم عُكارة، أُشْتِهر به أهلنا الفلاتة، وهو من فصيلة كوشرثيا "الكجو مورو". فيا دكتور عبد الله، إسماعيل عبد المعين ليس بمغترب ذات وتكوين عن دياره، ومع ذلك جاملكم ولحَّن لكم جلناراتكم وكناراتكم، أتشكرونه وتجاملونه حين يأتي الدور مع قدو قدوه هذا، أم تسخرون منه؟ تسخرون من عبقرية موسيقية كبيرة لدرجة أنَّ الأمريكان لَصَّوا منها "شعار المارينز الموسيقي" الشهير، وهي مأخوذة من بقايا الكوشرثيا السودانية الخالدة، من لحن "الطير نزل في الرمَّة"، المأخوذ بدوره من شقاء الجنود الذين كانوا يتبعون الزبير باشا، والما عارف "يشوف أبا ملود يقول دا كنار". وإسماعيل هذا ما قصّر أبداً، جاملكم في "إرثكم" بضراعه، بالرغم من أنَّه لا كنار له ولا جلنار، من حديقتكم الرومانتيكية تلك. أفمن الواجب مجاملته في كوشيته هذي وشكرانيته؟ أم السخرية من دنياه الأصيلة وغير النازحة، التي كلّها "قَدَوُ قَدَوُ" و"بني كربو" و"طير نزل في الرمَّة" و"اللوري حَلَّ بي.. في الوِدَي.. أنااا" يا سعادة المُرشَّح لرئاسة السودان الذي يضم غير العربي وغير المسلم.
    وقد جاء في الكوشرثيا الضارَّة {فلان لسانه أغلف} وهنا يتم إلحاق غلفة العضو الذكري بغلفة تُسحب استعارتها إلى اللغة واللسان، فالافتراض الأصل في تصورات الاستعراب السوداني أن غير المسلم كله هو أغلف. علماً بأنَّ عادات الختان هذه مرسومة لجوارهم على حيطان المعابد في البجرواية وأخواتها من مواضع أثَارة الحضارة الكوشية وباقيتها الماديَّة. فكلّها فلهمة عايرة من نظير فلهمة الدكتور هذه. ومنطق الدكتور عبد الله في اختياره لهذه الأغنية بالذات، لعبد المعين، أعني الأغنية ذات اللكنة الكوشية {القدو قدو.. يا يا.. بأكلها برايا}، لهي تتضمن في باطنها، حتى وإن لم يقصد الدكتور، هذا الاستخفاف {أبو غلفة} النائس عميقاً في الاستعلاء العروبي، أبو جلنارات وكنارات. ما يثبت التسبيب الأوَّل لهدم الكوشرثيا من استخدام (اللغة كمرجعيَّة وجود لا أداة تواصل). فالكوشرثيا تحققت فعلاً بباطن أغنية "القد قدو" المفردات الكوشية والعربية تراصَّت في الأغنية متجاورة، والناظم لها هو هذه اللكنة التي زاوجت بين {القدو قدو} المُذكَّر، و{باكلها} التي تُستخدم مع المؤنَّث.
    يدهشني موقف الدكتور هنا، لأنَّه ليس بكاتب ليركس ساذج يمكنه أن يقع في أخطاء نقل تصوّرات البيئة التي حوله دون تمحيص وتدقيق. هذه مسألة يقع فيها كاتب لريكس صغير وليس باحثاً من مقام الدكتور. وقد سبق لي أن استثنيتُ الشعر الحق من الوقوع في براثن الفشل على صعيد الوعي الإنساني. وقلتُ إن الشعر وليس الليركس هو المؤهَّل لاستيلاد أُخيولات من خلال لغة ونسق وطريقة تفكير وتخييل يصعب اصطيادها من ناحيتيْ "الوعي الإنساني"، و"الوعي الوجودي". وهذا يتأتَّى لكون الشاعر قد تمكّن من وعيه الفني بالدرجة التي يبتكر بها فَنَّاً حقيقياً لا يستعير الوعي الجاهز للمجتمعات، ولا يغرف من لغتها جزافاً قبل نحتها وتطهيرها وتعقيمها. أمَّا ما نجده في غالب ليركس اليوم، حينما تمر به الظروف ناحية قضية الوطن، أو مكوِّنات ذلك الوطن، فهو مفردات غرائبية، لا تمتُّ إلينا بصلة. زنيمة لكونها تتحدَّث عن وطن كلَّما نُشَبِّه ملامحه هذه علينا ننكره أكثر من كابوس. لماذا؟
    لأنَّ مُغَنِّيي هذه البلاد قد غَنُّوا، طويلاً وممِّلاً، على حدود بلاد فارس وبلاد الروم، وعافوا، دوماً، حدود جيرتهم الإفريقية بفعل هذا الاستلاب المتوارث وبلا نهاية:
    {بين جناين الشاطئ وبين قصور الروم .. حيّي زهرة روما وابكِ يا محروم}.
    فهل تتناقض هذه الرؤية وفكرة (الإنسان المَجَرِّي!؟) لا أعتقد، إذ لا يعقل أن نجد في هذا الغناء السوداني كل المكوّنات من حدود بلاد فارس والروم، ولا نجد نَفَّاجاً واحداً يقود إلى هذا السوداني نفسه ولالوبه وقنقليسه وتبلديه وود أبرقه وتاكاه وبركله، فأيهما أسهل، تناول ما هو موجود، أم تسوُّل الجيران؟
    وهنا نشيد {الكنار} وهو نشيد جميل وبديع بحق، ولا يعاني من أي مشاكل على صعيد رؤياه الإنسانية أو الوجودية، يتحدَّث عن الكفاح لا الجهاد، وعن دولة مطلقة لا ولاية إسلامية، وكل ذلك لا يُرشّحه في أعيننا ليكون منصَّة ننطلق منها للسخر من الكوشرثيا كما جاء في عبارة الدكتور عبد الله التي تسخر من {القدو قدو.. يا يا.. بأكلها برايا}:
    صه يا كنار وضع يمينك في يدي
    ودع المزاح لذي الطلاقة والردئ
    صه غير مأمور وهات هواتنا
    كالأرجوانة وايل غير مصفد
    فإذا صغرت فكن وضيئاً نيراً
    مثل اليراعة في الظلام الأسود
    فإذا رأيت من الطلاقة بارقاً
    فابذل حياتك غير مغلول اليد
    وخذ المآربَ من زمانك عنوةً
    والقِ العريف على الرعاف ولا تد
    فإذا ادخرت إلى الصباح بسالة
    فاعلم بأنَّ اليوم أنسب من غد
    فالقَ البليةَ بالبلية وارمِها
    بمسدد ومثقف ومجرد
    واسبق رفاقك للقيود فإنَّني
    أيقنت أن لا حر غير مقيد
    واعمد إلى دمك الزكي فجد به
    فالجلنار سياج روض السؤدد
    والعمر موت في شبابك إن تكن
    تقضيه بين مصفق ومغرد
    واملأ فؤادك بالرجاء فإنها
    بلقيس جاء بها غيا الهدهد
    فإذا تبدد شمل قومك فاجمعن
    وإذا أبوا فاضرب بعزمة مفرد
    فالبندقية في بداد بيوتها
    طلعت بمجد ليس بالمتجدد
    صه يا كنار وضع يمينك في يدي
    فكأن يوم رضاك ليلة مولدي
    أنا كم رعيتك والأمور عصية
    وبذلت فيك جميع ما ملكت يدي
    وجرى فؤادي نحو قلبك سلسلاً
    لكن قلبك كالأصم الجلمد
    (لستُ متأكداً من دقَّة مفردات هذا النشيد تماماً، من يمتلك تصويبات أكيدة فليبرّني بها).

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-12-2010, 00:04 AM)

                  

04-11-2010, 11:17 PM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: ابو جهينة)

    Quote: سامعني يا عادل البدوي

    سلام يا محسن وسااامعك ووالله ما حبسني من أن "أخُتّ الخمسة فوق الاتنين" وفوراً، وهو موقف حمله رجائي الخجول ذاك على أي حال، إلاّ أكولة تشبيه استحقاق غضبتك هذه بالاستحقاق الرئاسي حق "أخونا" عمر* فكلا الفعلين مشروع وكلا الفعلين مسروع صوب التأسيس لشرعيّة مفقودة وهذا ما يوقع (قول يا زول أوقع) كلا الفعلين في الغلط.

    هسّع في، في الأسافير دي (وألاّ قول في الاسفيرين ديل)، من هو "ألمض" من حسبو لكن كأنّني أرى حسبو وقد آثر الصمت ليس من قلة حيلة أو فقرٍ للعدة والعتاد وإنّما من وافر الحكمة في الاهتداء إلى أنّ الصمت في حدّ ذاته موقف وإيجابي في ذلك. ففي مثل هذا الصمت ضربٌ عصي من ضروب الاستقامة يقتضي مخاطبة القضايا من منطلق تجاهل الصغائر وإن عظُم شأنها وإن أصبح بساط التصدي لها أحمدي ومفروش، أحياناً، بورود النجومية وبما إن البلد لا تخلو من حملات (كشّات) اسقاط نجومية فإن اشارتي للنجومية هنا أقصد بها قُصي الآخر...أيُّ القُصيّين، بالمناسبة، هو قُصي الآخر! هذا، وأعتقد (بالأحرى أرجو) أن تجاهل صغائر الأمور فيه من السطوة ما أقنع حسن ذاتو يهتدي لما فيه من حكمة لكنّني أعتذر بأنّه ما بقيت لديّ موية رجاءات أشتّتها على الرهاب وعليه فما عندي ليك، يا صديقي، غير: "انجقد" وتوقد نار تصبح رماد.

    وإلى اللقاء في دروب ما نرجو من فوائد الكوشرثيا.


    * من عيوب الكوشرثيا، أو فنونها القوليّة، أنّها يمكن أن تركّبك فوق سرج واحد مع عمر الساكي كيس الشرعيّة دا ولا تبالي أو تركّب حسن مع شعبة أو تنصّب عمر متحدّثاً (بساقط القول) باسم الجعليين وما هو منهم. أو يهزم تربّصها حسن (التاني) فيقطّع باقي قوله في مصارينو فقد تواتر أنّه قد أُنشِد تجسيداً لحالة مؤتمرَيه قول بشر بن أبي عوانة العبدي: " أَفاطِمَ لو شَهِدْتِ ببَطْنِ خَبْتٍ وقد لاقَى الهِزَبْرُ أَخاكِ بِشْرا، إِذَنْ لَرَأَيْتِ لَيْثاً أَمَّ ليثاً هِزَبْراً أَغْلَباً يَبْغِي هِزَبْرا"، فقال بمرارة: "هسّع عمر دا هزبر!..." لكنّه لم يكمل قوله، ربّما خشيةً من تربّص الكوشرثيا، إلى مستقرّه الموضوعي الذي تمليه الخصومة الحقّة: "...ما زول نعجة ساي!" والمعلوم أنّه بحالات الفجور في الخصومة الكثير من درر الكوشرثيا وفي ذلك غير قليلٍ من العزاء.
                  

04-12-2010, 00:45 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    عادل البدوي، ياخي أوَّلاً مشتاق ليك شديد الأشواق
    أريتك طيّب وفي أمان
    بجيك لرد مستوفٍ، وزي ما كلَّمتك، جملتك بتاعة "سامعني يا عادل البدوي" كتبتها ليك والله قبل أقرأ مداخلتك.
    طبعاً للكلام الكان مدوِّر في بوست عصام. وإنت كان جبت ليك لويمات لي أنا بس، ولومي الكان بالأصل رد فعل صغييير مع لوم حسن موسى المتعمّد والمتسلسل،
    والذي يسعى بكل ما يمتلكه من طاقة لإلزاق حكاية المخمور والسعلوق دي بي، رأيك شنو إنت في الحكاية دي؟
    التي احتج عليها من قبل سيف، والتي احتج عليها في البوست الحالي مصطفى مدثر، عبر تقديمه الكريم لي.
    حينها قلتَ لي يا عادل، لومك كِتِر، والله يا أُمحمَّد أخوي لومك كتر، وكنت ظالم يا عادل، والله كنتَ ظالماً.
    لأنو اللوم أنا ما بديتو، وإنت خليت بداياتو وسياقاتو ومسبباتو وراك، ولأنّي اللوم دا اتحاشيتو قدر ما الله أدَّاني، قدر ما ربَّك بهل.
    فالزول دا ما داير يشوف كلّو كلّو، بقى بس ينبز، لا في نقاش ولا دين حجر. النقاش عن (الاستهلال البصري) خلاهو مشرور لليوم.

    حسن موسى دا يا عادل أخوي اتبطَّر. اتبطَّوور. أجيب ليك كلامو عن القروش والنيّات وكلام غريب مرّة واحدة، والله لما احترت ذاتو.
    الزول دا بتكلّم عني أنا وألا عن زول تاني؟ قروش شنو كمان!؟ دا شنو دا؟
    عادل إنت الزول دا ما شايفو كويس لأنو ماجاك في جلدك، أنا ذاتي كنت زيك، وقايلو ناقد، الزول دا ما ناقد، وبجي للكلام دا بالوافي.
    من المطاعنات في مصادر الرزق، لدكتور النور، وود المكّي، بالمناسبة الكلام دا أنا ما كنت فاهمو بقول في شنو، لأني لا أمتلك روحاً خبيثة.
    هسَّع يا عادل أخوي، وريني بدون ما تقعد تتونن في الكلام وتسويّلو سيداب، رأيك شنو في الاقتباسات المدقوقة فوووق ديك.
    ولو داير اقتباسات لنجاة، بذات الشاكلة والعينة من البوست داك ذاته، أجيب ليك. الاقتباسات دي رأيك فيها شنو؟

    معقول يا عادل بعد كل المظالم والمغارم الفوق دي، بقى استحقاقي لعدالة زي استحقاق عمر البشير للرئاسة! معقول؟ مبالغة مبالغة مبالغة
    أُمحمّد أخوي، والله لومك كتر، والله كتر. وشغلتك دي أنا بقيت ما فاهم مشهادها شنو!
                  

04-12-2010, 01:35 AM

أمين محمد سليمان
<aأمين محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 8437

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    أخونا محسن ياخي حمدالله علي السلامه ، و بركه الشفناك طيب ،
    عليك الله براحه براحه لانو معانا عاهات بسيطه و قليلة الثقافه كان كبرت ليهم الكلام ما بفهمو .
                  

04-12-2010, 09:55 AM

شول اشوانق دينق
<aشول اشوانق دينق
تاريخ التسجيل: 02-13-2006
مجموع المشاركات: 5332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: أمين محمد سليمان)

                  

04-12-2010, 11:38 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: أمين محمد سليمان)

    Quote: لا وطن لكم، بانفصال أو بدونه، إن لم تُؤَسِّسوا الكوشرثيا.




    مرحب بعودتك.
    استاذ محسن خالد.
                  

04-13-2010, 07:13 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Medhat Osman)

    لاخ - محسن - تحياتي،


    البوست الثقافي ده يخلي الزول يرجع
    يقرأ تاريخ الجغرافيا الإسمها السودان
    دي من أول طلوع للشمش .. وعلى وزن الأحلام
    على مفسريها البوست ده يخلي الواحد يقول التاريخ
    على مفسريه، خاصة لو المفسر زي محسن خالد
    دارساً محققا لتاريخ الشعوب ومدارس النقد الأدبي

    ورغم:

    1) أني مريت على هذا الخيط على عجل
    2) واقع السودان الراهن يسند إعوجاج التاريخ
    ويتطلب أعادة السبك من جديد

    لكن ما سجلته هنا يا محسن بدا لي وكأنه يصور أن
    مؤامر كبرى أنتجت حاصل جمع الفشل الراهن

    أرى أن مثل هذا التفسير يزيد المسألة تعقيداً .. مش
    أحسن يتوجه الجهد نحو فتح آفاق بكرة بأقل نظر في
    الماضي خاصة الذي لا يمكن التحقق من تفاصيل أحداثه

    عجبتني الكوشرثيا ساااكت
                  

04-13-2010, 07:31 AM

صديق الموج
<aصديق الموج
تاريخ التسجيل: 03-17-2004
مجموع المشاركات: 19433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    ود عمى حبابك الف جينا نسلم اما محتوى البوست خلينا نجيك بالمهله
    لكن اقول ليك عليك جنس شدة ربنا يحفظك وعينى باردة،،،
                  

04-14-2010, 08:21 PM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: صديق الموج)

    سلام يا محسن ولك من الشوق ما يملأ المقل ويجر اللوم والشكل،

    أود أن اختصر في توضيح مشهاد شغلتي حتى لا أشتّت الانتباه عن كتابك أو أستنزف مواردك الشحيحة الأَوْلى بالتوظيف في موضوع الكتاب:

    1. الاقتباسات التي أوردتها نبزٌ صريح وهو مرفوض، بالطبع، ومُدان لكنّه ليس مما يلصق بكاتب في قامتك وإن لصق فما هو بمنتقص من وجودك ككاتب ولو بنكلة. "يوسف أعرض عن هذا" وسيستغفرك حسن وإن طال الانكار والاستكبار والزمن فهو من الخاطئين.

    2. ذلك؛ وتجاهُل صغائر الأمور، عندي، من تيجان التفكير الإيجابي كما وأجد في الترفّع عن التصدي لها حكمة بالغة وفي ذلك الترفّع أيضاً بذرة فناء مثل هذا العدوان.

    3. تشبيه الاستحقاقَين يعود لما أرى أنّه تأسيسٌ لغاية الشرعيّة المفقودة أصلاً وإن كان ذلك عبر وسيلة مشروعة. وذلك مثبتٌ في حالة "أخونا" عمر وآمل أنّني أفلحت في الدفاع عن بياني كما يجب فيما يخص حالتك وذلك في (1) و (2) في أعلاه.

    لكنّ التشبيه لا يخلو من المقصود (وقيل المشروع) من التجني! والهدف الاشارة إلى رأيي المتمثّل في إنّه حين يصير "الكلام" إلى كوشرثيا فإنّه قد لا يحفل الناس بقراءته ضمن سياقه أو بيئته (أعني بـ"بيئته" زمانه ومكانه كما في مثال أنت كالكلب في الوفاء...الخ) وأحسب أنّني قد أشرت لذلك ضمن هامش مداخلتي وقد أعود للاسهاب إن هيأ الله لنا أن نتفاكر في أمر الكوشرثيا لاسيّما إن ارتبط ذلك بنقاشنا المعلّق بكتاب "ليريكس مصطفى" حول موضوع رؤيوية ولا رؤيوية الليريكس وثباتها وتحوّلها مع حركة التاريخ لكنّني أقدّم في ذلك قدحي وإن كان فطيراً فنموذج العطبراوي الذي تناولت بالتحليل يدعم وجهة نظري حيث إنّني أجدُ العطبراوي ابن بيئته (قول يا زول إن أفق الرجل محدود بأبعاد هذه البيئة) فأناشيده الوطنية تتميز بمباشرتها دون أي رمزية (وإن كان في ذلك شيءٌ من جسارة تميّز هذا الفنّان المناضل الذي سُجن بسبب نشيد "يا غريب" فكان أوّل نشاط له بعد الخروج من ذلك السجن أن غنّي ذات النشيد علنا وتحدّياً لجلاّديه وتلك لعمري جسارة يُتغنّى بها بغض النظر عن تحت أي راية سارت جيوش العطبراوي). لا شك أنّ العطبراوي غير مُدرج ضمن رؤيويي كتاب "ليريكس مصطفى" (وإن كان أفق الرؤيويين أنفسهم محدود بأبعادِ أيديولوجيا أو أخرى) وبذات المنحى فإنّني لا أجد الرجل داعية جهادٍ أو استعراب ولا أجده مبشّراً بدولة دينية ولو كان كذلك لواتته الفرصة الذهبية، وقد كان قادراً حينها على العطاء، حين كان الفضاء يعج بأناشيد الجهاد ولكنات الاستعراب (من أراد منكم أن تثكله أمه فليغلق متجره...إلى آخر قول متنفّذٍ بالخرطوم أيّامها) وملامح الدولة الدينية. ولم يكن مكان ذلك، كما تعلمون، الأستوديوهات المكيّفة وإنّما بالأحراش المعبأة بلون وصوت ورائحة وملمس وطعم البارود حيث السوداني يسحل كلّ من صدح بأن "أنا سوداني أنا" في معارك لا يعلو فيها صوت على صوت يهتف بالباطل أن "هي لله".

    عبّر العطبراوي، يا محسن، عن تقديره لوطنه بالمتاح ببيئته (أو المتاح لمؤلفي أناشيده) من موارد (قول يا زول كليشيهات) محدود أفقها بأبعاد وجودهم الزماني والمكاني (مصطفي يوسف التني، مؤلّف نشيد "يا غريب يلا لبلدك"؛ مثلاً، شوقيٌ وحافظيٌ وعقّادي...وعلى ذلك قِسْ) بدون نوايا مسبقة تتجاوز تمجيد هذا الوطن إلى التآمر لاستيراد وطنٍ غيره. وبذا فلا أعتقد أنّه من العدل أن ندمغ "مجمل ما أدّاه العطبراوي" بـ"دنس" المشاركة في مسئوليةٍ عن التأسيس لوطنٍ مستورد بمجرّد تأويل المآثر التي يتغنّى بها تقديراً لوطنه إلى "المآثر التي تحقّقها التقوى الاسلاميّة ومفاهيم الجهاد والاستشهاد" اللهم إلا عبر منهجٍ بشاشوي يؤمن ببعض الكوشرثيا ويكفر ببعض. وبما إن بني هذا الوطن منقسمون بين من يتّخذ هذه المآثر عقيدة ومن يعتقد في ضدّها وفي ذلك قطعاً الكثير من الكوشرثيا، إلاّ إنّ انتقاء أناشيد تتّسم بحسن النيّة، وربّما العفوية، لمحاكمتها عن مسئولية جسيمة تنتهي إلى حروب وتفتّت دولة لا يبدو لي عملاً متماسكاً وإن كان في وسعي أن أدلّل على حجّتي هذه فليكن ذلك عبر دعوتك للتأمل في النص الذي أورده في أدناه وهو نصٌّ قد تغنّى به العطبراوي ضمن ما تغنّى به من أناشيد دون أن يخشى حينها كوشرثيا، مثل الكوشرثيا التي تحاكمه الآن، تتربّص به لتنصّبه نصيراً للمهمّشين حين يطغى المصطلح بعد عشرات السنين أو حين ننظر حولنا، اليوم، فيصدمنا "المترفون الهانئون يقهقهون ويضحكون"..."ولا يسمعون"، ولا نحن نتذكّر النص:

    لن أحيد
    أنا لست رعديدا ًيُكبل خطوه ثِقل الحديد
    وهناك أسراب الضحايا الكادحون
    العائدون مع الظلام من المصانع والحقول
    ملؤوا الطريق
    وعيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق
    يتهامسون
    وسياط جلاد تسوق خطاهمو
    ما تصنعون؟
    يجلجل الصوت الرهيب
    كأنه القدر اللعين
    وتظل تفغر في الدجى المشؤوم أفواه السجون
    ويغمغمون
    نحن الشعوب الكادحون
    وهناك قافلة تولول في متاهات الزمان
    عمياء فاقدة المصير و بلا دليل
    تمشى الملايين الحفاة العراة الجائعون مشردون
    في السفح في دنيا المزابل والخرائب ينبشون
    والمترفون الهانئون يقهقهون ويضحكون
    يمزقون الليل في الحانات في دنيا الفتون
    والجاز ملتهب يؤج حياله نهد وجيد
    وموائد خضراء تطفح بالنبيذ و بالورود
    لهب من الشهوات يجتاز المعالم و السدود
    هل يسمعون ؟ صخب الرعود ؟
    صخب الملايين الجياع يشق أسماع الوجود ؟
    لا يسمعون !!!
    في اللاشعور حياتهم فكأنهم صم الصخور
    وغدا ًنعود
    حتماً نعود
    للقرية الغناء للكوخ الموشح بالورود
    ونسير فوق جماجم الأسياد مرفوعي البنود
    تزغرد الجارات
    والأطفال ترقص و الصغار
    والنخل و الصفصاف
    والسيال زاهية الثمار
    وسنابل القمح المنور في الحقول و في الديار
    لا لن نحيد عن الكفاح
    ستعود أفريقيا لنا
    وتعود أنغام الصباح

    أدس كليمة: لست متأكّداً ممّا إذا كانت بالنص أخطاء في كلماته، نحوه أو ترقيمه.
                  

04-17-2010, 11:26 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    لا بُدَّ من طرد إسلامات "السعودية" ومصر، واستعادة إسلامنا الكوشرثي، هذا المُحِبُّ للكون وللكائنات،
    والفَنِّيُّ، المتفاني بالعطاء، المتماهي مع الوجود بتمامه، والخلائق في تمامها.
    أهل إسلامنا الكوشرثي، لهم رحابة تسع الكل، تسع الأديان، والألوان، والثقافات، وحتّى الأمزجة.
    وحكمتهم لا تنفد، ولكم هي مباغتة، وناجزة بالتقعيد للتبسيط والسبك، لا بالتركيب.
    الشيخ محمَّد المهدي البشير الجميعابي، سأله صديقي الروائي موسى حسن البشير، لماذا يا شيخنا لا تكالمنا؟ بلِّغنا وعلّمنا.
    فأجابه بهدوء يُجَفِّر من الليل مدية ظلامه وغشاوته {يا ولدي، الدابي بِرَبِّي جَنَاهَو بالنَّظَر}.
    يا لها من حكمة حَفَّارة وجود، جعلت صديقي موسى يتدردق بالأرض من هولها وسعة آفاقها.

    **
    سلامٌ للجميع، أهديكم، وصديقيَّ رشأ شيخ الدين وود البدوي، الشيخَ علي المُبارك، الرجل الذي لكم ألهمني،
    وأثراني وأغناني وأضاء بصيرتي بعينين تُنَقِّبان في الأكوان وتتأملها فلا تقرّان على انتهاء، وتُحَدِّقان في الأجل ولا تطرفان.
    **
    كَدِي كدَي..
    وقال للشجرة تعالي، النبي
    بلا تمهيد وتسعالي


    **
    يا شيخنا علي المُبارك، عارفين إنُّو الكعب هجير الليل، هجير المُحَبِّين والعُشَّاق،
    ومَن لم يطلق الشفَافُ قيودهَم حتى استحالت إلى حجول تُنَغِّمُ المسيرَ بأكمله،
    منذ أن هبطوا إلى الأرض وحتَّى عروجهم في السماء. غُرَّة صلاتك في قلبك، وقلبك شامة ملاك.
    وكت الشيوخ اتسوحروا في درب الله، حقبوا طبايق أورادن وصرايم إبليس،
    ما بناضموا إنسي بلغلغة، يشيلوا الكلام من قلوبهم ويختوهوا في قلبك.
    ضراعك مَدَّ العافية يشولب
    وقلبك مَدَّ المحبة يفوح
    **



    وفي كوشرثيا المديح، تُصطلح "المَدْحَة" لما يُوَجَّه إلى النبي فقط من امتداح شعري.
    أمَّا "القصيدة" فتُصطلح إلى ما يُوجَّه إلى الشيوخ من امتداح شعري.
    وكاتب أشعار المديح يُصطلح له، ويطلق عليه "الراوية".
    أمَّا الشخص الذي يؤدِّي المديح، ويترنَّم به، مثل الشيخ على المُبارك، فيصطلح له ويطلق عليه "الشاعر".

    النَّص الذي يؤدِّيه علي المُبارك في الفيديو للشاعر "سليمان" على حسب اصطلاحنا، وللراوية سليمان باصطلاحهم.



    نسيم الحُبِّ هَبَّالي
    شَمَمتُه غَيَّر أحوالي
    هوووي.. هووي.. الله
    رَبِّ اجمعني بي شِمِالي
    **
    وباسم العلي العالي
    كريم الخُلقِ أحوالي
    صفوح أصلح فساد بالي
    أقبل يسري وأعمالي
    **
    ومن ذهب القرى العالي
    هَبْ لَي قدري مثقالِ
    أصنع فيه خلخالي
    كمان حلَّلي شَبَّالي
    **
    يشيلو يسومو دَلاّلي
    يصيح بي صوته العالي
    يخلي الأمّة تنجالي
    ينوحوا ويبكوا للغالي
    **
    مع التلويحِ أصغالي
    المعاني الواضحة في مثالي
    نبينا الفاقَ دانيالِ
    وضُوعه اللي المسوخ جالي
    **
    عظيماً قدره العالي
    وذكره في اللسان حالي
    صفوحاً ماهو زَعَّالي
    يحب النَّصر والفألِ
    **
    معاجزو الما لها مثالي
    أحيى الجمجمة في الحالي
    وقال للشجرة تعالي
    بلا تمهيد وتَسْعَالِي
    **
    كان زَهَد العبوس سَالي
    نبينا الما كَنَز مالي
    ينفق يُمنى وشمالي
    يحب الضيف جَلَس سالي
    **
    ولاح البرق وَلْوَالي
    نسيم الروضة هَبَّالي
    كريم أجمعني بشمالي
    أزور أم قُلَّة بعيالي
    **
    ابنه سليمان وقيع تالي
    وأبيع أبنائي وزُمَّالي
    أحبابي.. نساء/ رجالي
    مع الصادقين سرور بالي
    **
    عدد ما اتراضى وَبَّالي
    بعَزْل الحصباء لرمالي
    صلاتي تمشي طَوَّالي
    وتُرضي نبينا والآلِ
    -------

    {رَبِّ اجمعني بي شِمِالي}.
    إنَّها لحظة احتراق، تعادل التحديق المُباشر في الأجل، فتمرُّ ذكرى الندامى والشَّرْبِ من معين المحبّة والإخاء أيٍّ يكن.
    مثلما جلس عبد يغوث اليماني يُحَدِّق في أوردته المبشورة بمُدية، ودمه يسيل نحو أزل الحتف.
    فأوضح ما في الموت أنَّه يلغي التاريخ، فالموتى بالأمس، لا فرق بينهم وبين الموتى من عهود الكوشيين.
    وقال عبد يغوث، عن ذلك الاجتماع المودِّع بالشمل:
    ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بِيا ... وما لكما في اللوم خيرٌ ولا ليا
    ألم تعلما أنَّ الملامةَ نفعُها ... قليلٌ ومَا لومي أخي من شماليا
    فَيا راكباً إمَّا عَرَضت فَبلِّغن ... ندامايَ من نجران أن لا تلاقيا
    {أبا كَرِبٍ والأيهمين كليهما .. وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا}
    أحقاً عباد الله أنْ لستُ سامعاً ... نشيدَ الرِّعاء المُعْزِبينَ المَتاليا
    وقد كنتُ نَحَّار الجذور ومُعْمِلَ الـ ... مَطيَّ وأمضي حيث لا حَيَّ ماضيا
    وَقد علمت عرسي مُليكة أنَّني ... أنا الليث معَدوَّاً عليَّ وَعاديا

    فانظرني يا عادل، يا ابن البدوي، يا صديقي العزيز، ولا تلمني، فيما لا أملك.
    الليلة شبعااان أرهج، وأدشُر غارتي شيوخ وأباليس، من فَت بَطن، وشَدَر ووحَش،
    وأبلع Chup ياتَ من مَسَك ديدابَ الكَعَب من بحري، وخَرَت في قفاهو شُوك السَلَم.
    لا أتبع الضُّل، الناس ناس ضُل، ولا ضَحَل، الناس ناس ضَحَل، وأنا ابن قلم وطلاع الكتابة.
    فكن بخير، يا صديقي المُحب، حتى آتيك والصَّحب هنا بنشوار.
                  

04-17-2010, 11:45 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    ثلاثة من ذائقتي لن تتوقف حَسَرَاتي على خسارتهم
    حميراء
    علي المُبارك
    بادي
    منذ ما يربو على الثلاثة عشر عاماً، ولم أرَ الشيخ علي المُبارك، وأهاتي لكل من أعرف وأوصي معظم من بوسعي توصيتهم، لأن يبرِّوني، بجلب فيديو للرجل من التلفزيون. ولا مجيب.
    (أعيد الاقتراح الذي طالما كررته، لماذا لا يطبع التلفزيون والإذاعة ما بحوزتهما من أرشيف، وتُباع نسخه لمن يشاء، ويُدْعَمُ الصرحان بهذه الأموال!؟).
    وأخيراً فعلها صديقي العزيز "مُبِر"، له أجمل التحايا، طلع فعلاً مُبِر، وجعلني ألتقي الرجل بعد ثلاثة عشر عاماً، فرّحتني ياخي، تفرّحك عروسك.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-22-2010, 08:48 PM)

                  

04-18-2010, 06:45 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    عزيزي عادل البدوي
    محبَّات كثيرة لك، وتاني تأكيد شوق يصلك ويجدك في هناءة وبسط
    تجد الأجوبة على أسئلتك الأولى، من خلال القطعة أدناه،

    ودمتَ
                  

04-18-2010, 06:50 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: يا أميمة عاملة شنو؟
    والقاهرة اللّتكم الزينة كيفنها؟ متوحشكم بزاف
    وكيفنو صاحبي أب صلعة حمور وبقية الصحب وحبيب نورا؟


    يا محسن يعميني ما شفت الكلام ده الا كان هسي
    كيفنك أبوي ؟
    نعلك طيب و مغتيك جناح جبرين ؟
                  

04-18-2010, 11:19 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: حمور زيادة)

    التأسيس للكوشرثيا يبدأ أوَّلاً من جمع موادها. وهذا الجمع هو ما يمكن الإشارة إليه بالمصنَّفات المتنوعة في هذا الحقل. التي يؤمَّل فيها نهايةً، التضافر جميعاً لتكوين هذه الكوشرثيا. أعني من ناحية مأثورها القولي إجمالاً بالنسبة للحقل الذي سأشتغل عليه. فالأمثال بشقيها، السِّرِّي، وشقها الشمولي، إذ هي عندي، هذه الأمثال السِّرِّية، تستكملها الأمثال "الشاملة" وليس المُعلنة. كما بَيَّنتُ سابقاً، أيامَ حربها تلك، أنَّ سِرِّيتها هذه تتحَقَّق وتقوم على وجهٍ من أوجه "الاستخدام" لا "التداول". والحُجا الذي هو كوشرثيا الميثولوجيا القصصية عندنا. الألغاز، والأغاني القديمة مجهولة المؤلِّفين، والمديح النبوي مجهول المؤلِّفين، الدوبيت المجهول، المناحات المجهولة.. إلخ. مع أبواب أخرى ومختلفة، قمتُ بإضافتها، وأرى أنَّها تختصُّ وتنبع من طبيعة الكوشرثيا هذه ذاتها. وكل هذه الفنون القولية لا بُدَّ لها من جمع في البداية، وما من وسيلة لفعل أي شيء حيالها قبل جمعها أوَّلاً، ثم تبويبها وتصنيفها ثانياً.
    وقد عَيَّنتُ الفنون القولية على وجه التجزئة، لأنَّني كما بَيَّنتُ في تعريفي لمصطلح الكوشرثيا، أضفتُ لرؤيتي السابقة له سعةً سينجزها غيري إن راق لهم المصطلح. وهذا الجمع، هو ما اعترض عليه الدكتور حسن موسى، والأستاذة نجاة محمَّد علي، ورأا فيه ما يدلُّ على بذاءة هذا الجامع وتهريجه، وكذلك رأا فيه وفيني، حَسْبَ نجاة محمّد علي {كان غرض محسن خالد الاستفزاز والإثارة والبذاءة لوجه البذاءة}.
    أقترح إضافة هذه العبارة، إمَّا إلى علم اجتماع تاريخ العلوم، وإمَّا إلى الأنثروبولوجيا الثقافية. فهي عبارة على درجة عالية من الإهمال المُسْتَميت، والبشع. لا تفوقها في البشاعة المتعالِمَة إلا عبارتها الأخرى حينما قالت لي عن العلمانية {العلمانية ليست علم ولا معرفة، ناهيك عن أن تكون مجموعة معارف. العلمانية مبدأ. مبدأ بسيط لا يتجزأ، وبالتالي لا يمكن أن ناخد منو الدايرنو}. وما من أحدٍ، على سطح كوكب {الصفوة} ذلكم -كما يُسمِّيهم د. حسن- بوسعه منافسة هذا الطيش النَّجَوَي كلّه إلا الدكتورين الآخرين. شريكاها، في عِزْبَة الفنون، الديموقراطية، والعلوم الإنسانية تلك. واسمع لدكتور حسن، الذي عميقاً وغالباً ما يشبه لي، تركيبة، ستالين العمل العام ومارشاله النيجيري. ذلك المارشال الذي رأيناه على شاشات الأخبار يرمي رِجَالُهُ الأسرىَ بالذخيرة الحَيَّة في قلب المدن النيجيرية، وأمام السابلة وتحت فلاشات الكاميرات. وما هذا بتصوري وحدي عن دكتور حسن، فقد سبقني بها إليه مازن مصطفى حينما مدافعة الدكتور عن تلك الدكتاتورية، بمنطق غريب للغاية! عندما تأفَّف {الصفوة} من طفحان تلك الدكتاتورية، والاستبداد، لإدارتهم، وتجاوزهما للحدود كلّها. فقال د. حسن مدافعاً على هذا النحو التالي من سُقم المنطق وكساده. الذي هو في الحقيقة كأنَّما يقول، على طريقة الإعلانات التجارية؛ الدنيا كلّها دكتاتورية، وحتى منتدى سودانيز أون لاين دكتاتوري مثلنا، فقايسوا الدكتاتوريات في السوق، قطعاً ستجدون أسعارنا لا تُنافس. نعم على هذا النحو التصويري، التشبيهي، البائس، يبني الدكتور لا منطقه، واقرأ قوله:
    {الخور لديكم هنا بديل له هو سحب البوستات التي لا تعجب الإدارة وبذا يصبح الحال من بعضه}.
    (الخور) هو المكان الذي تُحال إليه البوستات غير المرغوب فيها على منتدى سودانيز لصاحبه بكري أبي بكر. إذن لو كان سودانيز يمتلك وادياً أو خوراً لوأدِ البوستات أو أفكار الناس، فالدكتور يقر بعمل المثل، ويُبرِّر لارتكاب شناءته تلك بشناءة غيره. وحُجّيّتُه على أن تكون له دكتاتورية، هو وجود دكتاتورية أخرى، في أماكن أخرى من الدنيا! أو كما قال {وبذا يصبح الحال من بعضه}. يصبح الحال من بعضه، في الدكتاتورية، على صفحات منتدى زعموا بأنَّه لاسترداد ديموقراطية البلاد السليبة ولحماية حقوق التعبير وإبداء الآراء، و"كمان" للفنون والدراسات في العلوم الإنسانية! فتأمَّل!
    الدكتور حسن موسى، هو فعلاً تجسيدٌ ناشطٌ وحي، لتركيبة، ستالين العمل العام ومارشاله النيجيري. وبما يوافق معنى هذه التركيبة، التي شَخَّصْتُها من حاله، خُذ ما أجابه به مازن مصطفى حين قوله السابق، بتاع الحال من بعضه، يقول مازن:
    {علمت من بوست ما، لطارق أبوعبيدة، بحذف بوست آخر، ثم لم ألبث كثيراً قبل أن أفتقد البوست الذي نبهني لحذف البوست! أها لو صح قياسك، ستقوم يا حسن بالإعدام عوضاً عن الإعتقال بتاع بكري لو إمتلكت القدرة! واللا كيف؟}.
    أكيد، وهل كل ما لمسناه من روح الدكتور في النقاش ومن سلوكه التطبيقي والنظري، يترك أمامنا ولو بصيصَ شكٍّ!
    لو امتلك الدكتور القدرة، أو حفنةً من مليشيا لا جيش بكامله، لأحال منتداهم ذلك إلى (درْوَة).
    والدّرْوَةُ هي المكان، الذي تُنَفَّذ فيه إعدامات الجيش، رمياً بالذخيرة الحيَّة. وهو لم يُقَصِّر في ذلك أبداً. فحتى هذا المكان الذي يُفترض فيه أنَّه منذورٌ للتثاقف، فهو قد أحاله إلى درْوَة، وأسمى من يرميهم فيه برصاصه، يرمي شخوصهم لا أفكارهم، أسماهم بالشهداء. كما وصفني شخصياً بـ{سيد شهداء سودان فورأول، الـ"باحث" محسن خالد}.
    وحينما احتج المترجم المعروف، المُقيم بالمملكة المتحدة، الأستاذ عادل عثمان، على حذف مواد الكوشرثيا التي نشرتُها على صفحات منتداهم، هذا بعد شتمي والإساءة لي. وقبلها سحبوا كلمة مروري كي لا أُدافع عن مادتي التي نشرتُها، ولا عن نفسي في وجه أقاويلهم. احتج الأستاذ عادل بهذا الكلام الرصين أدناه، بلا مواربة أو مجاملة:
    {أرى أن تصرف الادارة بحذف بوست محسن خالد وفصله/طرده من المنبر ليس له مسوغ على الاطلاق. وأسجل استنكارى لهذا التصرف القامع والمتستر بمكافحة "البذاءة". ولقد قالها فولتير، الذى يشارك ثلاثى الادارة فى المواطنة والاقامة، قالها واضحة وصريحة لا لبس فيها: أنا مستعد للتضحية بحياتى كى تعبّر عن رأيك! فحرية التعبير وحق ابداء الرأى من اهم حقوق الانسان إن لم يكن أهمها على الاطلاق بعد حق الحياة. إن المرء ليحزن أن تسلك الادارة هذا السلوك غير الديمقراطى، والذى لا تسمية له سوى انه سلوك ظلامى}.
    فبماذا أجاب الدكتورُ، الأستاذَ عادل عثمان؟ اسمع لستالين العمل العام ومارشاله النيجيري، وهو يقول متمسخراً:
    {فولت إيه؟
    فولتير..
    يا شباب فولتير بطريقتو، لكن أنا القدامكم دا ما مستعد أضحي بحياتي عشان فلان أو فلتكان يعبر عن رأيو. حتى و لو كان الأديب الكبير حسني مبارك هيمسيلف.
    و ما أدراني بآراء الناس حتى أهدر حياتي في سبيلها؟
    و ما أدراكم بأرائي؟}.
    قطعاً هذي هي مستويات وعي الدكتور، وحدود فهمه المتواضع جداً، والخاطئ للغاية، لمقالة فولتير. فآراء الناس أنت تدافع عنها ليس لأنَّك تدريها أو لا تدريها، وما شأنك بها أصلاً!؟ وإنَّما يُجْمَلُ الدفاع عنها في الدفاع عن الديموقراطية ذاتها، لأنَّ حقوق آرائهم تلك مكفولة لهم بالميثاق الديموقراطي الذي أنت ملزمٌ بالدفاع عنه. هذا الميثاق، الذي تتمشدق بعمله العام {قَشَّة عينك من النوم} حتى تغيب. وتدِّعي، أنَّك بنيت ذلك الصرح المؤسَّسي والمنبري كذلك، كي تشيع به ثقافة ذلك الميثاق، ناهيك عن "استعادته". فالمؤتمرون معك هؤلاء يحتاجون للتدرُّب على استعادته منك أوَّلاً، قبل أن يذهبوا بتدريباتهم "الشفاهية" تلك ويطبقونها على استعادته من عمر البشير، على واقع الثورة العملي. فإن كنتَ لستَ بقدر ولا حجم ولا فهم هذه التضحية، فالناس لا يحتاجونك في شيء إن لزمت دارك. فكلُّ امرئٍ مُسَخَّرٌ لما خُلق له. فقط انصرف لما أنت مُسَخَّرٌ له من الهجاء، ودع عنك إملال الناس بحجوة {ضبيبنة} العمل العام تلك.
    نعم لينصرف إلى "الهجاء" فهو به أليق، وله فيه سهمٌ ورسوم. لأنَّه رجل وَطَبٌ وفجُّ الحاشية، غليظ الأريكة ودميم العبارة، ما قَدَّم نفسه إلى العالَمين إلا في اكفهرار "مالك" و"التسعة عشر". وإنِّي لا أمزح، ولا أفتري، فالرجل قد اصطنع له لَوَّاحَةً للبشر، أسماها {جهنم}، يُصدرها من حين إلى حين، حسب احتقاناته. "جهنم"؟ تخيّل! مثله ومثل آلهة السابق كما يقول جبران خليل جبران، عبر عنوان كتابه المنعوت بـ"الأرض وآلهة السابق". ثم شرع تحت ذرائع النقد الذي هو منه براء إلى يوم يبعثون، بُراءٌ في قسطاسه وسَمْتِ من يعملون عليه، شرع بعدها في إلقام جهنمه تلك بمثقفي السودان وسُراته، وما لا يخطر على قلب بشر، من مُعَذَّبي الأرض. كلما عصفت به الأهواء، ومزاجاته الشخصية، ونقماته الخاصَّة، يُقَضِّي بها أوطاره على طريقة "التنفيس" المعروفة في علوم النفس ومدارسه.
    أيُّ ناقدٍ هذا الذي يسعى دوماً لتعييب المُتثاقفين معه على طريقة الكوشرثيا الضارة! لا تعييب أفكارهم ومثاقفاتهم كمعرفيين!؟ بالتمام والكمال يفعل، كما تفعل صحيفة "الدار"، وكما فعلت قبلها صحيفة "ألوان" إبَّان تلك الديموقراطية التي ما أزهق روحها سوى جنس هذه الصنائع المرذولة لهؤلاء الإسلاميين أنفسهم، حين قَدَّموا على صحفهم أشباه ما هو نظام ونقد في أقداح الفوضى. عبر نقد الأداء الإداري، من أبواب ما هو شخصي، وتحويله بذلك إلى بئر نميمة واقتتال أُسَري. يعود بنا إلى المجتمع الأسراتي الأوَّل. الأمر الذي مَسَخَ الدولةَ بكاملها إلى شخوص أولئك الموظفين وحيواتهم الخاصَّة والأسرية. وذلك كلّه جرى في وديان "جهنم"، غريبة الأحاديث ومرسلتها، من جنس وادي "الوَيْل" و"سَقَرْ" و"الفَلَق" وأحاديثها الغريبة والمُنْكَرَة. وكذلك، على صفحات "دار فور أوول"، هاجَم وشنّع وبشّع بحيث ما أبقى أحداً، ولا اكتفى. ما أحال دارهم الأخرى إلى مجلس الفورلاب النمّامين. أو بالأحرى "ديم الفورلاب" كما هي معاني لفظة ديم، إذ بَيَّنتُها من الكوشرثيا، بمعنى الإقامة الدائمة، من {دامَ الماءُ، يدومُ دَوْماً، وأَدَمْتُه إِدامةً، إذا سَكَّنتُه. وكُلُّ شيءٍ سَكَّنْتَه فقد أدَمْتَه}، العين، للفراهيدي. أمَّا اللاحقة أو الـsuffix "آب"، فهي كوشية تُلحق بذيل المفردات العربية في تسمية ونسبة الجماعات الإثنية والجغرافية نحو {الميرفاب} و{الرباطاب}.. إلخ، كي نضيف وشيجة الأرومة المعيبة، ووشيجة الصداقات المتراشية، أو كما تقول الكوشرثيا {ناس شَيِّلني وأشيَّلك، قِيِلني وأقيلك}، وننفي وشيجة التثاقف الحق، العادل، واحترام الحقوق الديموقراطية عن "دار الخمج" تلك.
    وأصدرت نجاة، شريكته الأعلى سهماً في قسوتهم على المحاورين وابتذال آرائهم وإنسانيتهم، بعد محو مادَّة الكوشرثيا التي نشرتها، وتجريدي من كلمة المرور للدفاع عن آرائي، كتاباً ناقشت فيه ما دعَته بـ{حدود حرية التعبير المرعية في وسائط النشر والاتصال} بكل تخليط مَكَّنتها منه الأحداث والقدرات. وقالت في مطلع كتابها أو بوستها ذلك:
    {لحرية التعبير حدودها التي يجب أن لا تتجاوزها، خاصة ً في وسائط النشر والاتصال العامة من صحافة وإذاعات ومحطات تلفزيونية ومنابر للحوار}.
    فأي حدود تعبير تجاوزتَها مادةُ الكوشرثيا التي نشرتُها؟ إنَّني جئتُ بها من عينِ الثقافة التي رَقَّيتم أنفسكم جنرالاتٍ على سُدَّتِها بعد تنفيذ انقلابكم فيها، بالانقلاب على موازين ديموقراطيتها حيث تتمشدقون! فما فرقكم عن عساكر الجبهة الإسلامية إذاً؟
    أفلا يناظر حَسَنُكُم هذا، حَسَنَ الآخر اسماً وسلوكاً!؟
    فـ(حدود التعبير ليس لها سقفٌ، إن لم يكن التعبيرُ عدواناً يهدم دستوراً علمانياً أنجزه مجموعٌ عبر الترشيح والاتفاق السلمي. أو إن لم يكن نَسَقَاً فكرياً أو سلوكياً يعمل ويستقصد تعريض حياة الآخرين للخطر، عبر ممارسة ملموسة حين التقاضي).
    وهذا تعريفٌ أقترحه من عندي، وأعتبره مانعاً جامعاً، في ضبط حدود حُريَّة التعبير، التي أعيت الناسَ أن يُحَدِّدوها، بالحيث الذي لا يكبح تقَدَّم الإنسانية الفكري، والسلوكي، كما لا يُعَرِّضها وثقافاتها إلى الزوال.
    حتى هذه الجماعات التي تُؤمن بتكفير الناس ومن ثَمَّ قتلهم، يجوز لهم أن يُعَبِّروا عن أنفسهم، ما دامت هذه المجموعات تتبع أسلوباً سلمياً عبر أدوات التعبير المقبولة وغير المتبنية للعنف، وما دامت "تعتقد" القتل، ولا "تُصَرِّح" به علانية، وإلا لأصبح تحريضاً على إزهاق الأرواح والقَتَلَة يستوجب الملاحقة القانونية. أمَّا التعبير، الذي هو خلو التحريض من القتل، مثل الدعوة السلمية، في المساجد والأسواق وأدوات الإعلام.. إلخ. فمسموحٌ لهم أن يُعَبِّروا عن أنفسهم في دعوة الناس لأن يتبعوا منهجهم في الحياة ومعتقدهم "فقط" غير المُصَرِّح بالقتل. ولا يستوقفهم القانون، ويحرمهم من هذه الحريّة إلا إذا شرعوا، عملياً، في التحريض، أو التنفيذ أو التخطيط الملموس للقتل، كأن يشتروا أسلحة مثلاً، أو يُوفِّروا خُرَطاً لتنفيذ خطة إرهابية ما، أو باختصار، لا يستوقفهم أحدٌ، إلا إذا أتوا بما يتجاوز حرية التعبير السلمية والفكرية والنظرية، إلى حرية أخرى، ضد ذلك كلّه، وتُعَرِّض حياة الآخرين للخطر، ويمكن عرضها للتقاضي، وإثبات ذلك التجاوز ضدهم أمام القضاء.
    أعيى الناس أن يُحَدِّدوا حُريَّة التعبير ليس لكونها صعبة، ولكن لأنَّ معظم المجموعات التي انْتَدَتْ لأجل تحديدها، أرادت تدجينها بما يحمي مصالحها ابتداء. ومصالح ما هو "منتخبٌ" حسب رؤيتها، لأديان وثقافات وأعراق ورؤى ما تبقَّى من المجموع. أي أرادوا تسخيرها لا تعيينها، كي يُعَبِّرُوا هم فقط، ويحرمون غيرهم من التعبير. بالضبط، كما فعل الطيب مصطفى، حين حَذَفَ وسَنْسَرَ حريّتي في التعبير وحَظَرَ كتاباتي، بذات دعاوى وسائط النشر والاتصال، لأنَّه كان وزير الاتصالات حينها. فأنتم والطيب مصطفى، أين تُريدون أن يعبّر لكم الناس؟ بالأدق أين هي مواقع التعبير قائمة، في مَرَايا الحَمَّام أم على وسائط النشر والاتصال!؟
    فهل يرى ثلاثي إدارة فور أوول أنَّ تلك "الأمثال البذيئة" إذ يعتقدون، تشتجر وما رقَنَّاه أعلاه!؟ أتعتدي على دستورٍ بالكيف الذي وصفناه به، أم يا تُرى تُؤَسِّسُ إلى أنساقٍ فكرية وسلوكية، تعمل وتستقصد تعريض "حياة" آخرين إلى الخطر، وبوسعهم جَرِّ إرهاب "الأمثال البذيئة" ذلك، القاتل للإنسانية، إلى القضاء وإدانته في التخطيط الإرهابي، أو الممارسة لقتل البشري!؟
    أم ما هِيَ مشكلة إدارتهم معي ومع ما أنشره من كتابات؟
    بأي حال، الدكتور حسن موسى، بَيَّنَ أسباب نقمته عليَّ تلك وعلى كتاباتي، حين قال عَنِّي "النقد"؟ الآتي، ودون أن ترمش له وسيلة تفكيك معرفية:
    {أنا انشغلت بشوية شغلانات تانية و نسيتو لغاية يوم بالصدفة شفت الصورة العجيبة الفي " مكتبة محسن خالد" و مسرّح شعرو زي ابطال الأفلام الهندية بتاعة الستينات. و الله يا عبد الماجد من يوم ما شفت الصورة دي اقتنعت إنو أديب متصوّر بالهيئة دي ما في خيرا يرجى منو}.
    وربما يصلحُ قولُهُ هذا في تفسير صنائعه الذميمة في حقي، وحقوق آخرين كُثُرٍ. فعدوانه على عشرات البشر والمُثقفين السودانيين، لا مُبررات له، إلا إذا كان الدكتور يَصْدُر في عدوانه ذلكم عن تأمله في صور الناس وهيئاتهم، والحمد لله الذي يُحمد وحده على المكروهات والبلاء، والابتلاء! ولو أنَّ الدكتور لم يُشِرْ علينا بالتسريحات المُناسبة، التي يُرجى منها الخير، والثقافة، والعلم، عسى أن نترك كتاباتنا هذه، وننفق تعبنا وشقانا، وسهرنا هذا، على محلات الكوافير. أمَّا إن كان يتحَدَّث عن هيئتي ذاتها، فالله أعلم، بحسب نظريته تلك في ارتجاء الخير، أن يَصْدُر عنَّي خيرٌ في هذه الحياة الدنيا. فلا أظن أنَّ محلات مكياج وكوافير الدنيا كلّها بوسعها أن تحيلني في عيني الدكتور إلى "دي كابريو". وقبح صورتي المعنية، مما ضَرَّسَ الدكتور وحملتُ صليبه بمفردي، على استعدادٍ لأن يربك مجموعة من الأشخاص ذوي المعنويات العالية، إذا قُسِّم عليهم! لا نصيب ولا حظ لنا إذن من فعل الخيرات، والثقافة، كما تقول نظرية الدكتور الصورية تلك.
    ما حدا بالمُثَقَّف السوداني، الأستاذ عمر علي، لأن يكتب تعليقاً في سخف كلام الدكتور، على صفحات سودانيز أون لاين، لدى هذه الجزئية، حاكياً عن الدكتور:
    {انه حين رأي لاول مرة صورة محسن خالد بتسريحة شعره علي
    طريقة ابطال الافلام الهندية اسر لنفسه بانه لا فائدة ترجي من اديب بمثل هذه التسريحة.
    وها هي معايير شروط النشر يا صديق كبلو في " اوف اوول" حسب التسريحة وليس
    حسب شئ آخر}.
    ومن ضمن ما جاء في آراء عمر علي حول الموضوع أيضاً، قوله:
    {ان القمع الفكري الذي تعرض له محسن خالد امر يستحق الشجب باقوي الكلمات وواضحها وليس هناك مجال للمجاملة وانصاف المواقف لانه تعد علي حرية التعبير وحريةالبحث..وبالاضافة الي ذلك استخدام رخيص لاسلحة سلفية فاسدة لتبرير القمع الفكري..وهي نفس الحجج التي استخدمها سئ الذكر الطيب مصطفي عندما حاول حجب هذا الموقع بسبب نشر ورواية تموليت.. واذا كان الذين يقبعون في عاصمة " النور" يقولون اليوم ان " لحرية التعبير حدود " فلماذا نلوم اذن مفتي الديار المصرية القابع في حي الحسين او الشيخ العثيمن او الطيب مصطفي القابع قرب خط الاستواء}.
    وهاجمهم مئات المثقفين والمثقفات، على اعتراضهم حرية التعبير، وعلى استبدادهم بالرأي ونفيهم الآخرين مع تشويههم، وإلحاق الأذى الشخصي بهم، ولكن كما يقولُ دُرَيْدُ بن الصِّمَّة، لقد أسمعتَ إذ ناديت حَيَّاً، ولكن لا حياة لمن تنادي.
    هذا هو حالُ الرجل، الدكتور حسن موسى، ونصيبه من فهم وممارسة الديموقراطية وحقوق التعبير. وهذا هو عتاده من المنطق وإقامة الحُجَج. وهذي هي اهتماماته، التي يُلَقِّبُهُا ويُكَنِّيها بـ{العمل العام}، وما يَفْتَتِحُ على قَرْنِ شَرَفِها، وذَيْلِ ناصيتها، متجراً شخصيَّاً ودنيوياً لـ"جهنم".
    ***
    والدكتور الذي سَبَق هذا، هو أحد أعضاء المجلس الثلاثة، الذين تظاهروا على وأد مادَّة الكوشرثيا التي نشرتُها على منتداهم. وقد اطَّلعنا عليه في اليسير جداً من أقواله، وفعائله. لندعه وراءنا إذن، وننظر في أقوال وفعائل الدكتور الثاني، والمعروف جداً، أكثر من الأوَّل. وهو الدكتور عبد الله بولا، البشير والشهير. اقرأه في صَنْف ونوعيَّة أسئلة وجَّهَهَا لي، لتعرف تصوُّراته وممارساته للديموقراطية، وانسَ الديموقراطية {ست اللِّسم}. فقط دعنا في مجرَّد ديموقراطية شفاهية، وظاهرة أسافير، ومغتربين عن بلادهم المنهوبة ديموقراطيتها الواقعية. هذه الأسئلة وَجَّهَهَا لي حين النقاش حول وسائل وآليات إدارتهم لمنبر حوار يزعمون بأنَّه ديموقراطي! طالع أسئلته لي أدناه، لأنَّني اقترحتُ عليه مسألة أن يُصوِّت الناس على تخطئتي، بدلاً عن أن يكونوا هم الخصم والحكم والجلاد، في الأحوال كلّها، وضد الناس كلّهم. فهم قد سبق لهم وحذفوا مادَّةً لي في التفريق بين علمانية الدولة والعلمانية في إطلاقها، أنزلتُها في وجه تعريفات شريكته العائلية والثقافية -نجاة- للعلمانية. تعريفاتها تلك، التي تحصل عليها بالإلهام و{نومة الخَيْرَة}، كما يحصل الشعراء على قصائدهم، والمستخيرون على هلاويسهم الخاصَّة، حينما تَرْتَدُّ إليهم ككشف.
    لكي تتأكَّد من كون فكرة الديموقراطية ذاتها، تبدو لبولا أكثر غرابة من بهيمة الجساوسة (The Apocalyptic Monster) من إرث اليهود والنصارى. ما وردت في آية القرآن {وإذا وقع القولُ عليهم، أخرجنا لهم من الأرضِ دابَّةً تُكَلِّمهم، أنَّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}. راجع أشراط الساعة لدى الإمام مُسلم لتسمع عن هوائل هذه الدَّابَّة ولن تجدها أفظع من هوائل بولا أمام الديموقراطية، ولا أفدح من تهوُّلاته هو نفسه في وجه الوسائل الديموقراطية وآلياتها.
    إذ يستنكف عن الاسترشاد برأي المجموع، بهذه الطلاقة أدناه، ويا للأسف، اقرأ قوله لي:
    {وتقول في سياق مطالبتك للإدارة بالاسترشاد برأي مجموع أعضاء المنبر في صحة أو خطأ موقفها إزاء ما صدر عنك من عباراتٍ مسيئة في اعتقادنا ووفق قوانين منبرنا.. بولا} ثم يقتبس قولي الآتي:
    {وخُذ قصي هذا الفتى المتنوِّر والباسل صوتاً معي، إن كنا فعلاً نؤمن بالديموقراطية ونريد أن نجرّها من هذا المكان الافتراضي لواقعية السودان. م. خالد}.
    ثم يواصل استخفافه بي وبرأي المجموع الديموقراطي هذا، حتى يبلغ به غُرورُ امتلاكه لتلك العِزْبة التي يدعوها منبراً للحوار الديموقراطي، موضعَ أن يسألني بهذا الحجم من الفاجعة الديكتاتورية:
    {هل تعني أن نجري استفتاءً في المنبر لمراجعة أو لحذف ما تعتبره الإدارة غير لا ئق بالحوار، ومخالف للمبادئ المقرَّة فيه؟ اعتراضنا على ما صدر منك من عباراتٍ غير لائقة ومطالبتك بحذفها وتعديلها محتاج لاستفتاء يا محسن؟}.
    نعم، ولِمَ لا يحتاج لاستفتاء؟ هذه أُعطية الديموقراطية لي وحقي في التعبير وماهي بصدقةٍ منك، يمكنها أن تُدخلك أية جنَّة ما ذات يوم. انظر إليه كيف يستنكر الاستئناس برأي المجموع {الصفوة} ويبتذله! وكيف هي مسألة أن يحذفَ رأيي ويُبقي رأيه الصمد، هي مسألة يسيرة عنده، ولا تحتاج لهؤلاء المعازيم الديموقراطيين في شيء!؟
    نعم، لِمَ لا تستفتي؟ أهذا المجموع الذي تسمونه بـ{الصفوة} والطلائع المنوط بها جلب الديموقراطية وصيانتها وحمايتها، أفلا يجادلك هذا المجموع في مُجَرَّد تداول الآراء هذا!؟ ناهيك عن كراسيِّ الإدارة التي اقتعدتموها بعدد صَلَبَتِكم لا بعدد أصوات!
    ما دمتَ أنت تتدرَّب على دور دكتاتور منذ الآن! وهذا المجموع لا يستطيع أن يتدرَّب معك أنت على إبداء رأيه، وصيانة الحرية والديموقراطية والعدل! أنت الذي لا تمتلك سوى عِزْبَة وهمية، في الفضاء، بثلاثمائة دولار على الأرجح! أفترى أنَّ بوسع ذلك المجموع استرجاع الديموقراطية مِمَّن له جيوشٌ، وفي كل جيبٍ من جيوبه تقبع مليشيا، وممَّن أحال بيوت الشعوب السودانية كلِّها إلى داخليّة أشباح!؟ أيستوي حذفك للمواد، وأخذك للباسويرد، بحذفه لأعضاء البدن وأخذه الأرواح، والطين، وهتكه الأعراض، وحَرْقِه النَّسْل والزرع والضرع!؟
    أنتم تلهون إذن، وتؤسِّسون لطائفية كريستيان ديور هذه المرَّة. فلِمَ لا تستفتي إن كنتَ أنت الخصم والحكم والجلاد، أو فِيَم اجتماعُ {الصفوة} ذلك حينها؟ أليحفروا النميري من تربته؟
    إذن فليبدأ قَرْنُ هذه الجساوسة تصديعه لأرض الكفاح من هنا، كِشْ قيامة الدكتاتور.
    مَنْ مضى طاغياً ليفتك بالفلسفة بعد أن فَتَكَ بالديموقراطية وحقوق التعبير، ويقول بكل هذه الشناءة المعرفية والإهمال النظري:
    {مع إنو يا محسن وأنت أديب وأريب، الحقيقة ليست بالكثرة كما قال على سالم في مسرحيته البديعة "أوديب ملكاً"}.
    يُقَدِّمُ لِيَ الدكتورُ رِشَىً بأديب تلك على ما يبدو! طُعْم ابقَ هنا، اسبح وجَلْبِق، ودع باقي البحر لي. فَرْصِدْ حتَّى تشبع، ومُلْك الدالية مُلْكِي.
    تَمَنَّيتُ لو أنَّ اهتمامي بالأدب، كان يفوق في نفسي وتَطَلُّع اجتهاداتي، اهتماميَ بالفلسفة والتنظير. لربَّما مَشَّيتُها حينها للدكتور، تغافلاً من عندي! وخَرَّجتُها له تخريجاً أدبياً غشيماً، باعتبارها قطعة ليركس شتراء. من جنس ذلك الليركس الأشتر، الذي يُرِيدُ أن يَحْلُبَ بقرة البلاد الكوشية بِـ{بَوْ} بناتها وبنيها الكوشيين. والبَوْ، هو {العبوب}. أي أن يُسْلَخَ جِلْدُ العجل الذي يموت وليداً، ويُمْلأُ بالقش. تُمَكيجُ فطيسةُ الوليد الصريع، حتى تحسبه الأُمُّ وليدَها. فتنخدع بذلك، وتدر اللبن لجثَّة صغيرها المتوفى، فيلهطه الخادعون. وكنتُ في حينٍ من الزمان، أرى أنَّ أقصي مراحل فساد الرأي يبلغها شخصٌ يحاورني، هو أن يضطرني لأُنادي فيه بعد إتمام رأيه الفاسد ذلك، بصيحتي، الصُّوُر، والقاضية.. (بَوْ). كلامك بَوْ. وهي أقوى، وأبلغ، وأمضى من صيحة الإنجليز إثر الرأي الفاسد Bull.sh.it . فـ"البَوْ" يرتبط بما رويناه آنفاً من تلك الحكاية القاسية، حكاية من يشربون اللبن بمكيجة الفطيسة، ومن ضرع فجيعة الأُمهات الثَّكْلى وما دَرَيْن.
    أتقول يا دكتور، في هذا المقام، مقام الديموقراطية، وحقوق إبداء الرأي {الحقيقة ليست بالكثرة} كما قالت مسرحية ما!؟
    بَوْ... يا دكتور بَوْ.
    أتَتَبَنَّى قولاً مثل {الحقيقة ليست بالكثرة} كي تستخدمه في مقام التصويت والديموقراطية!؟ أي فداحة عشواويَّة هذه وإهمال في استدلالك يا دكتور! كما تريدُ تجييره بِرِشى تبسيطية، وختّالة، كهذه {يا محسن أنت أديب وأريب}. يا أستاذ إنَّني الفيلسوف ذاته. أنا ابن قَلَمٍ، وطلاّع الكتابة، هذه ليست قضيتنا، ألا انتبه لما تستدل به من مقام البحث في "الكُنه والماهيّة" لتجعله ضد الأغلبية الديموقراطية.
    وجنس هذه العبارات، التي سلفت للدكتور حسن ونجاة، وهذي التي لبولا، لثلاثتهم، إن صَدَرت عَن أهلِ زعمٍ بتأسيس {جمعية سودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية} وعَمّن نادوا بمنبرٍ للحوار الديموقراطي لأجل إعادة وصيانة الديموقراطية وإشاعتها! حينها لا بُدَّ إذن من جَرِّها، أي هذه العبارات، نحو حنوط متحف وبرودته. ليس بالوسع ترك مومياءات ثمينة كهذه، تتمَدَّد في موتها الخَلَوي هكذا، دون تكريم.
    فالتاريخ من خصائصه، أنَّه يُكَرِّم بلا فرز، ويُؤَرِّخ لمقولات النبي مُحَمَّد، مثلما يُؤَرِّخ لمقولات أبي جهل.
    وإنِّي أجنح هنا، للتأريخ لهذه العبارات والأحداث، لأنَّ أهلها هم من تصدَّوا لجمع الكوشرثيا، هم ثلاثتهم، الذين اختَّصتهم العناية الإلهية، على وجه التعيين، بـ{جمعية سودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية} فتأمَّل فساد الدهر، الذي غَدَوْا له خميرةً تُرَوِّبُ أزلَه وأبدَه. وتأمَّل فساد الحكمة والسلوك مأزولاً ومأبوداً.
    فالأمر المتفق عليه، وسط هذه العلوم الإنسانية التي جهلوها ثم تظاهروا ضدَّها بالوأد الخائن لها وبالقمع، ضد تعريفات الفولكلور كلّها، وجميعاً، التي تؤكِّد أنَّه يبدأ بجمع هذه المواد أوَّلاً. فهو يؤخذ من أفواه الناس ولا يؤلَّف. الأمر الذي شَجَّعني على استغلال الإنترنت كوسيلة ناجزة ومخترقة للقارات، لم تكن متاحة لجامعي العصور السالفة، لكي يزوِّدني الناس بمواد لستُ محيطاً بها. فالكوشرثيا هذه متنوِّعة وشاسعة بحجم وشساعة السودان. وقد وَضَّحتُ هذه النقطة تمام الوضوح في المقدِّمة التي نُشرت مع الحصيلة الأولى من الأمثال السريَّة التي قمتُ بنشرها، وحُذِفَت. بَيَّنتُ غرضي هذا على النحو التالي، الذي يمكن مراجعته من بوست الأمثال السريَّة بمكتبتي، وعبر إطلاقي لهذا النداء كخاتمة لمُقَدِّمتي {فأعينوني في رفد هذا الكتاب بما تعرفونه وأجهله، فكلي ثقة وإيمان بأنَّه سيكون لاختلاف معارفنا وجغرافياتنا الصغيرة تلويناً زاهياً، بأصباغ وألوان محنّكة وفاتنة، كي نرسم الكثير من الحكمة هنا}.
    ***
    وحتى سعيي وراء الجمع هذا، الذي هو بخصوص الكوشرثيا، عتبة لا يمكن القفز عليها ولا تجاوزها، اتَّخَذَها بعضُ مناصري حملة القمع تلك، كحُجَّة يستميتون بها في مقاتلة الموضوع إن لم يكن يحتوِي قراءاتٍ متينةً تُرافق هذه الأمثال، التي هي جزئية اخترتُ الاشتغال عليها من مواد الكوشريا الوفيرة وأبوابها المتنوعة، كما سيستبين لاحقاً في هذا الكتاب. ومثالي على هذه الفئة وسيطة الرفض، التي طالبتني بقراءة مع هذه الأمثال، هو الدكتور صدقي كَبَلو. مَنْ وَجَّه إليه عمر علي حديثه الذي اقتبسته فيما تَقَدَّم لي من حديث. وأجبتُ الدكتور كَبَلُّو في حينها، بردود مُطَوَّلة، مفادها أنَّ الحقل الذي أشتغل عليه هذا طبيعته تختلف ومسألة الجمع هذه وحدها أكثر من كافية كمساهمة لي. وعلى الناس مراجعة مصادر هذا الحقل قبل إطلاق الفتاوى، ولكن لا مُجيب. بل إنَّ الدكتور صدقي أفتى في الموضوع من خلال قراءة شخص آخر، لأنَّ الموضوع كان قد حُذِف من سودان الجميع، وصرَّح بذلك هو نفسه {أنا لم أقرا بوستك المحذوف ولكني أثق في من قرأه من أصدقاء عرفتهم لأكثر من ثلاثين عاما} تخيَّل! عرفهم لأكثر من ثلاثين عاماً، أو برواية {أظرط}، عرفهم للدرجة التي ينوبون عنه في القراءة وإطلاق الأحكام! "بَوْ يا دكتور بَوْ". هل يا تُرى إن قفزنا فوق هذه الهُوَّة الأسطورية في لامعقوليتها وفجيعتها، سيكون بوسع الدكتور بعدها تغيير رأيه حين ينام أصدقاؤه الموثوقين أولئك، وتأتي ورديِّتُه هو في القراءة!؟ ليس في وسعي القول إنَّ ذلك سيُعَرِّضَه إلى التناقض. التناقض بعد {الهجائم} هذي، كما تصف الكوشرثيا، سيغدو مفردة مضحكة، لأنَّ الموضوع مستحَمِّي لدرجة بَطَّالة. وجُمْلة قُرئ له، مادةً فكريةً تُقرأ قراءةً، كما حُكِم عليها بالنيابة عنه، تغدو، مُطَابِقةً لأن تقول لابنك خُذ سيارتي ووصِّل ناس خالتك بيت العرس! هذي الإفادة الصادرة عنه، هي بالأساس آتية من بلاد ما وراء المنطق، وهناك الأمور مختلفة، ولن يحكم عليها إلا جالبو بضائعهم من وراء تلك الحدود. بأي حال الدكتور جاء إلى بوست الأمثال ذلك مرَّة ثانية وأعلن {قرأت للتو بوستك الذي حذف ولم أرى داعيا لتغيير مساهمتي أعلاه}.
    وذلك قد كان فعلاً، إذ لم يقم الدكتور صدقي بأي إضافة أو تعديل على رأيه، لا بخصوص الموضوعة المعرفية التي بالأصل هذه هي طريقتها الوحيدة في المعالجة، أي أن تُبْدَأ بهذا الجمع! ولا بخصوص حقوق إبداء الرأي، كما تقدَّم.
    بل تساءل الدكتور صدقي، بطيبة تتجاوز الحدود كُلَّها من قوله {ما هي العلاقة بين سحب بوست وحرية التعبير?}.
    ولا أدري لماذا لم يواصل الدكتور تساؤلاته الفلسفية هذه!؟ كي يسأل على هذا النحو مثلاً، ما هي العلاقة بين سحب كتابتك وحقوق التعبير أوَّلاً؟ ثم ما هي العلاقة بين سحب باسويردك ومنعك من الكتابة على ظهر ذلك الموقع للأبد وبين حريّة التعبير ثانياً؟ وما دام الأمر قد أضحى أمراً عجائبياً هكذا، فحتى لو أغلقوا فمي ذاته بطبلة {مَسَوكرة}، فبوسع الدكتور أن يأتي ويسأل، ما هي العلاقة بين طبلة مزرودة على الفم وحقوق التعبير ثالثاً.. إلخ.
    إذ يبدو أنَّ العلاقة بين سحب بوست أو مادَّة منشورة، وبين حرية التعبير، علاقة غيبية يمكن نفيها، أو تقوم في مدى تجريدي مستعصٍ! أو لا تعليق على تساؤل الدكتور هذا بتاتاً. يكفي فقط تثبيته للعدم، وليس "لفطنة القراء"، كما يرشو، أو يستغشم الكُتَّابُ بهذه الرشوة الجاهزة "فطنة القراء" قراءهم حين يُريدونهم يقرؤون كتاباتهم كما يُوحون هم، الكُتَّابُ، بالقراءة المطلوبة. وإن كان الأستاذ عمر علي قد رد على الدكتور بقوله:
    {ثمة تضليل يمارس هنا واحتيال مفضوح علي ذكاء القارئ..ان تعتذر مجلة
    متخصصة في مجال تحسين البذور عن نشر دراسة متعلقة بهندسة المباني
    المقاومة للزلازل علي سبيل المثال امر لا علاقة له بحرية التعبير بطبيعة
    الحال يا د. كبلو ..ولكن عندما يتعلق الامر بمنبر اسفيري كتب علي مدخل
    رواقه [ منبر الحوار الديمقراطي ] فان الامر جد مختلف لان الحوار. ليس
    محددآ باطر معينة ولا بموضوعات مخصصه وحسبه ان يكون ديمقراطيآ طبقآ
    لمنطوق العنوان وما جري لبوست الامثال السرية ليس من الديمقراطية في شئ.
    ..وهذا ما قصدته بالقمع الفكري في " فور اوول " وانتفاء حرية التعبير....
    وحرية الدراسة فيه}.
    وتذكيراً منِّي هنا، أقول إنَّ مجلس ثلاثي الإدارة للمنتدى، لا تنسَ، أنَّه يشمل بولا. ما يعني أنَّه هو الآخر أقَرَّهَما، حسنَ ونجاةَ، على قرار الشطب والمحو للمعرفة، والاستبعاد لمُسَاهِمٍ ثقافي دون جريرة. هو بولا نَفْسُهُ وبنفسه، من استخدم هذه الكوشرثيا عبر مَثَلِ {يِبَخِّرُوا فيها، وهي تَظَرِّط} مطلقاً له في وجه أحد محاوريه. فتأمَّل أدب الدكتور وحياءه! وهو أقَرَّهَما، حسنَ ونجاةَ، على قرار تجريدي من حق إبداء الرأي والتعبير على صفحات المُنتدى. ولو أنَّه لم يُشارك في سجالات تلك المادَّة، وإنَّما اكتفى بسجالاته معي، أو بالأحرى مناصرته لشريكته العائلية والثقافية نجاة، في كوارث تعريفاتها التي اقتبستها أعلاه وعَلَّقتُ عليها خفيفاً بخصوص العِلْمانية وحدها. وخلطها المُريع بين العلمانية في إطلاقها وبين علمانية الدولة. أمَّا موضوعة الأمثال فقد تَولَّى كِبَرَهَا الدكتور حسن موسى والأستاذة نجاة، وأقَرَّ بولا إزالة مداخلتي عن العلمانية، كما أقَرَّ سحب باسويردي بوصفه عضو مجلس إدارة حين إنزال جزئية الكوشرثيا تلك، بعد حذف المادَّة ذاتها. وهنا قوله بخصوص إزالة كتابتي عن العلمانية كما يُعلن أنَّ لإدارته تلك "مخزن" تفوح منه رائحة الكتابات المُمَاتة على أيديهم، والعياذ بالله! اقرأ هذا الإعلان المُطلق من باريس {لقد حذفنا المداخلة كلها، وأحلناها إلى مخرن الإدارة. لأننا لسنا مكلفين بإعادة صياغة العبارتين اللتين "ترى" أنهما "من كلام الناس الطبيعي جداً ودارجتهم". ولأننا لا نجادلك فيما "ترى"، ولا نمنعك أن ترى. إلا أننا نطالبك بحذفه، وإن تعذر ذلك حذفنا المداخلة بأكملها كمارأيت وللأسباب التي ذكرتها آنفاً}.
    وقارنه بكلام هذا الرقيب البوليسي الآخر، الإسلامي هذه المَرَّة، المُسَمَّى إسحق أحمد فضل الله. حينما أحال كتابي "إحداثيات الإنسان" إلى مخزن بالخرطوم، أو بمباني برنامج ساحات الفداء، اقرأ:
    {حسب ما جاء في خطابكم ، بحثنا طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات عن الثاني كذلك . ثم جاء الجزء الثالث الذي يأخذ الطريق إلى كل محاولة للإصلاح.
    - وهكذا نجد أنفسنا = آسفين = ونحن نرى عدم صلاحية الرواية للنشر . (علامة = كما في الأصل)}.
    بل إنِّي أجد إسحق فضل الله، أكثر اتساقاً من بولا، فهو يتعامل بأريحية مع وظيفته كسفَّاح كتابات وجَزَّارٍ لها، ولكن اقرأ هذه الجزئية مرة ثانية من حديث بولا، الذي يُرْبِك ثلاثي "المنطق" و"اللغة" و"الخيال" معاً:
    {ولأننا لا نجادلك فيما "ترى"، ولا نمنعك أن ترى. إلا أننا نطالبك بحذفه}، هل قرأتَ في حياتك شيئاً كهذا؟ أحدٌ لا يجادلك فيما "ترى" ولا يحجر عليك أن "ترى"، المهم، آخر كلام فهو يطالبك بأن "تحذف"!
    والأسماء ليست مهمَّة، بوسع رقيب نظام الجبهة ذلك أن يكون إسحق بولا، وبولا أيضاً بوسعه أن {يتمرعف} كما يرد في الكوشرثيا، ويكون عبد الله فضل الله. قطعاً الأسماء ليست مهمَّة، المهم هو الناتج منهما، الذي كان واحداً. واقتناؤهما معاً لمخازن، يَجُرَّان إليها الكتابات المنكوبة. بينما الكتابات تبكي وتتمرَّغ بالتراب، تتفَلَّت منهما، وتتملَّص لأجل تخليص نفسها من الاغتصاب والتشويه بالتعذيب والذبح. يمتلئ شعرها الناضر بالتراب، وخدودها تذبل، بينما هما يركبان على أنفاسها، ويُفَطِّسانها. وإن كانت الكتابات قويّة ومتعوِّدة على المصادمة يلحق بإسحق صديقه علي يس معيناً، وتغيث نجاة شريكها بولا، فلكلٍ منهما مغيثٌ وعونٌ على التفطيس، والكتابة لا أحدَ لها، في وكر قتل الكتابات ذلك، و{كركور} الجرائم التي لا تُغْتَفَر.
    بل إنَّ الرقيب البوليسي الآخر، الإسلامي أيضاً، علي يس، كان معقولاً ورشيداً أكثر من الدكتور بولا، حينما لم يتخذ قرار منع رواية (إحداثيات الإنسان) وحده، فذلك جُرْمٌ مخيفٌ بالفعل، إن كان للشخص علاقة بالكتابة فعلاً. علي يس هذا، كان الرقيب الأوَّل الذي قرأ رواية "إحداثيات الإنسان" وأوصى بالخلاصة الآتية:
    {ما أثبتناه أول هذا التقرير من جراءة لم يعتد عليها القاريء السوداني، وهي عندنا ليست سبباً لمنع النشر، ولكن نرى الاستئناس حولها برأي محكم آخر}.
    حتى هذا البوليس الإسلامي الصغير، لمُجَرَّد أنَّه يكتب بعض أبيات الشعر وحسب، نَهْنَهَ قلبُه فَرَقَاً وهَرَبَ بجِلْدِه، مما خَلَعَ له الدكتور بولا والدكتور حسن والأستاذة نجاة جُلَودَ قلوبهم وجَلَّدوه بها. المسألة تحتاج لملكات أولي عزم، مسألة قتل الكتابة هذه. هي ليست هيّنة لمن فَكَّ الحرف فقط. ناهيك عَمَّن قرأ، هذا إن كانوا قد قرأوا فعلاً، فهرست ابن النديم، وكتابُ فلانٍ أُحْرِقَ، وكتابُ علانٍ أُعْدِمَ، وكتابُ فَرْجَكَانٍ فُقِد، وكتاب الحَبْر مين مين أكلته دويبة.. إلخ. الفهرست في الضياع والفقد، وكذلك في جرائم قتل المعرفة الإنسانية، الفهرست في دمار الأفكار والحسرة. الفهرست عن عالمٍ بلا كتابات ولا كِتَاب.
    ولكم لبثتُ أُفَكِّرُ في قول الطيب مصطفى، أيامَ كان وزيراً للاتصالات، وحينما حَظَرَ أعمالي، كما أفتى بأن {أهل الغرب} أيضاً يقومون بمثل هذه الفعائل النكراء، من قوله:
    {عندما حجبنا ذلك الموقع البذئ الذى ضم كتابات المدعو
    محسن خالد فاننا لم نفعل إلا حرصاً على عقيدة واخلاق أهلنا
    وأرجو الا يتهمنا أحد بالوصاية لأن ديننا يأمرنا بالأمر
    بالمعروف والنهي عن المنكر وانا فخور بهذا الدور والله خاصة
    وأن أهل الغرب يمارسونه بصور مختلفة على مجتمعاتهم وأنت أخى
    بكرى ادرى بذلك منى}.
    ولكنني تأوَّلتُ بعدها، حينما تم حذف مواد الكوشرثيا من باريس، أنَّ الطيب مصطفى "قطعاً" يقصد أهله هو بالغرب، ناس بولا ونجاة وحسن، أمَّا أهل الغرب {أسياد اللِّسم}، فلو سمعوا حديثه هذا لرفعوا عليه، حسب لغته الدينية هذه {قضية قَذْف}.
    لكم هي الأشياء تشبه الأشياء، والعقليات هي العقليات، وَقْعُ الحافرِ على الحافر كما قال المتنبي، ما لا يمكن وصفه إلا بمادَّة الكوشرثيا التي تقول {دا الرَّماد، ودا قَدَحُو}.
    وإله الطيب مصطفى وإسحق فضل الله والكيزان، المزعوم ذلك، له جهنم. وأيضاً صديق بولا وتلميذه، حسن موسى، له جهنم. كلا لا كُتَبَ ولا حِبْر، وقطعاً هي العقليَّة ذاتُهُا والوِزْر، فأين المفر؟
    ومجاراةً منّي لهذا السياق الأسطوري، والنَّسَق الملئ بآلهة يقتني كلُّ واحدٍ منهم جهنَّمَ، ومخازنَ مليئة بالويلات للكتابات المنكوبة، ونفائل الثُّبُور، أقول، لو كان هنالك مبشَّرَون بالجنَّة فالكاتبُ المقتولةُ كتابته أوَّلُهُم، ولو كان هنالك سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ، فالكاتب المقتولةُ كتابته سيّدُ أرايكهم ودوحات ظلالهم. ولو كان هنالك، مَنْ ستساعدهم السيّدة الزهراء في اجتياز صراط القيامة، فالكاتب المقتولةُ كتابته سيُمَسْرِنُ الصراطَ ماسورةَ دوشكا ويعبره طلقةً من بارودها.
    ولكن أسمعتَ إذ ناديتَ حَيَّاً! فمع ذلك وجدوا خدودهم رطبة، رغم شح الحياء المعرفي، ليسأل الدكتور حسن موسى، بعد {خراب سوبا} كما يرد في الكوشرثيا، يسأل الأستاذ أبا بكر {إنتو [ يا أبابكر] " بحث" محسن خالد دا إنتهي على شنو؟ هل تم نشره بأي شكل من الأشكال بعد إكتماله؟ عشان الـ " بحث" بتاع محسن في موضوع الأمثال السرية لو لم يتجاوز تلك الصفحات التي شنقلت الريكة تكونوا دخـّلتوا صاحبكم دا في Cul-de-oie}.
    والكلمة الفرنسية، من سياق موضعها الذي جاءت منه، ومع موضوعتها تلك، تجعل جُملة الدكتور، تعني (أدخلتم صاحبكم في طيز وزّة). فتأمَّل حياء صاحب {الدروة}!
    قاتلُ البحثِ يسأل عن جنازة البحث ونعشه، عن مثواه الأخير، كي يطمئن على صَحَاح مهمّته. تُطربه {مناحات} البحوث و{دافونتها}! والبحث عنده يُقاسُ بعدد صفحاته، لا بفكرته وأصالته، حتى لو كان ورقةً واحدة! وَيْ، كأنَّه أمهلني، أو استزادني عددَ صفحاتٍ أكثرَ وأنا {اتفاسلت} ولم {أتفنجر} معه! فتأمَّل.
    ونِعَمَ بالله، إي يا أخي، نِعَمَ بالله، ولكن البحوث في القرون الوسطى وعصور المحارق لم تمت لطرائقكم هذه، فما بالك بعصر الإنترنت! لأنتم الأشخاصُ المعنيون أنفسهم، من وراء التوحيدي والإمام أحمد وابن الراوندي بالفؤوس والبلطات، من وراء الأفكار بالخناجر، مهما تكن. أنتم أنتم، أنفسهم أنفسهم، ولكن هذه بدائع دهور الإنترنت، وستحفى خيولكم من أرجلها ذاتها، قبل سنابكها، ولن يُبْلِغَ الشَّرُّ بكم.
    وسيُقَطِّعُ لكم استبسال، النِّسَاء والرجال، طريقكَم الملتوي ذلك في رؤوسكم، قبل أحذيتكم في أرجلكم.
    {" بحث" محسن خالد دا إنتهي على شنو؟}، سؤالٌ يستخف بعقول الناس، ويفتقر إلى نقد الذات، وحسن التأمل والاستبصار، ولا يجلب إلا السخرية. ما جعل الكاتب مصطفى مُدَّثر يسخر من الدكتور في سؤاله أعلاه عن "البحث"، رادَّاً إليه خُشارته تلك عبر اقتباسات ثلاثة من حديث الدكتور. كان ثالثها ما عَلَّق عليه دكتور مُدِّثر هكذا: {أما ثالثها فهو سؤاله العجيب عن ما آل إليه بحث محسن خالد!}.

    والدكتور موسى يسأل الآن في شماتة، وربما في "متعة لاهية". وكأنَّما نسي تأليبهم الناسَ والنساءَ لشلِّ حركتي كُلِّها، وإهدارها في الفراغ. كانت المسألة حرباً بالنسبة لهم، في مكان التثاقف وخارجه، وفعلوها مع كل من اختلف معهم و{خسروه في الدارين} كما يرد في الكوشرثيا. وهذه هي طريقتهم المُثلى، التي سَيُقْبَرَون عليها. والأكيدة حتى الآن، لإدارة النقاشات، على صفحات ما يُسَمُّونه بمنبرهم الديموقراطي ذلك، و{العاجبو الحال يقعد معانا و الماعاجبو يمشي} وهذا مقتبسٌ، من كلام الدكتور حسن، وهو يُزَيِّنُ حوارات، في الحقيقة "اشتباكات" الدكتور كلّها، كما تُزَيِّنُ "الفاتحةُ" مَدْخَلَ المصحف، ومطلعَ كل صلاة. حتى إنَّ العبارة أصبحت مأثورة عنه، ويمكنك أن تقولها بدلاً عن اسمه ويفهم السامع عَمَّن تتحدث! أهذه هي الثقافة التي يُمَنُّون بها الشعوب السودانية؟ إنَّما هذا، وعن حق، تأسيسٌ لأنماط العنف الثقافي، المُزدري للآخر، رغم تمشدقات منتداهم، الجوفاء، المكتوبة بثلاث لغات، ما عرفوا أن يقولوا بها، الثلاث، خيراً أو يصمتوا.
    فكل اختلاف لهم مع أحدٍ من بني أو بنات السودان النابهين، تحوَّل إلى قطيعة تلحق بالناس في بيوتهم! فما الذي يريدون تعليمه للناس، البغضاءَ، القسوة، أم تصنيف الناس إلى {صفوة} وعنقالة!؟ أم ما الحكاية؟
    وإنِّي لا أعفيهم أبداً، من معاداة المعرفة و(جَمْعِ) الكوشرثيا عن عَمْد. وأعتقد اعتقاداً، دلائله في يد الجميع، وكَتَبَه غيري ما ينوف عن عشرة كُتَّاب، بل أكثر من ذلك بأضعاف. أنَّهم ينطلقون ضدي على نحو شخصي، من مناطق خافية فيهم. وأنَّها حَمْلة كانت مُدَبَّرة ومُرَتَّبَة تهدف لتشويهي ككائن مُفَكِّر وكاتب وبشري. لماذا؟
    لأسباب انهزام كثيرة لهم في وجهي، لا تصلح لطرحها هنا، في هذه الورقة التي تهتم بالتأريخ للكوشرثيا، والمصاعب الجَمَّة والغفيرة، التي اعترضت أُولى وريقاتها من (جمع) الأمثال السريّة.
    وعليه، فهم اعتبروا تقبّل بكري أبي بكر، لنشر تلك المادَّة على صفحات منتداه، هزيمة أخرى لهم على مستوى النشر. غير هزائمهم، أمامي، الباطنة والمستكينة حَتَّى لِبَى العظام من طفولتهم. وهذا حالهم مع الجميع، مع الكاتب والشاعر أسامة الخوَّاض، مع الكاتب والقاص عبد الحميد البرنس، مع الكاتب عجب الفيا، مع الصحفي المعروف عبد العزيز البطل، ومع الكاتب السياسي عصام جبر الله، ومع الموسيقي طارق أبو عبيدة..إلخ، مع قومٍ تِلْوَ قومٍ، فأقوامٍ دونها أقوامُ. وقديماً جداً كانت مع الدكتور حيدر إبراهيم، في زمنٍ سمعنا به ولم نشهده في نضجنا. أمَّا حديثاً جداً، وبطبعهم لن يكون آخر الأرزاء، فمع الكاتب والمُفَكِّر السياسي مُحَمَّد حسبو. الشاب الصغير في العُمُر والنابغة، الذي أجدُ نفسي معجباً بمساهماته أيَّما إعجاب، وأتأمَّلُ فيه الكثير.
    باختصار، أيَّما أنثى أو ابنٍ لها، فيهما {كَدَّة} تنافس، أو يسمحان بتنشيط إلهام الغَيْرَة السالبة، أو يعملان للتعايش معهم وَفْقَ شروط أخرى، إنسانية وحقوقية، غير قانون خازن جهنمهم بتاع {العاجبو الحال يقعد معانا و الماعاجبو يمشي}، فهو عدوٌ لهم حتى فيما وراء القيامة. إنَّ الكُرْه والنَّقْمَة فيهم، لَقُوىً مُبْدِعة في حَدِّ ذاتها. لدرجة أنَّ أخويَّ بولا وحسن رحلا عن هذه الفانية، فخَفِفِتُ إليهما بتعازيَّ في الراحلين الكريمين، فما أجاب الأوَّلُ تلفوني، وما أجاب الثاني إيميلي. أحَقَّاً هذان أنجبتهما كوشرثيا النفير، والمَلَمَّات، والمُلِمِّاتِ، والفزع ومن {يفرشون لك، توبهم، تأكل فوقو}!؟ أم يا تُرى، ما حجم ما يرونه فِيَّ من ثأرٍ وموضعَ نقمةٍ وجهة خصومة، اخترعوها هم بأنفسهم؟ وما تماديتُ معهم إلا بمقدار ووفْقَ دَرَج! وَيْ، كأنَّما يريان فِيَّ ما كان يراه الزير سالم في أبناء مُرَّة، وَيْ، كأنَّما قتلتُ، وائلاً، من الأخوين الراحلين، أو كليهما!
    أمَّا الأنكأ للجروح من ذلك، والأنكى للسِّجَال حول ذلك، فهو أنَّني كنتُ مَعْدَوَّاً عليه لا عاديا. أو كما جاء في الكوشرثيا {ضربني.. بَكَى، وسَبَقني.. شَكَا}.
    ولذلك تعجّبت من "دهشة" الدكتور حسن، الذي روى بنفسه هذه "الدهشة"، حينما التقى الطيب صالح وسَلَّم عليه الأخير، بشكل طبيعي وبأريحية تامَّة. رغم أنَّ الدكتور موسى كتب موضوعاً طويلاً عريضاً أسماه {دليل الفالح في استخدامات الطيّب صالح}. وممَّا قاله الدكتور عن الطيب صالح في جهنمه تلك، وأترك الحديث للدكتور {قلت للطيب صالح :"عرب شنو يازول؟ انت عبد شايقية ساكت، مالك و مال العرب؟"}.
    تعَجَّبتُ حينها من "دهشة" الدكتور، لأنَّني حسبتُه محترفاً، {كَلَس} وشهماً مثل الطيب صالح هذا نفسه. المُحترفون، سيتركون شأن صراعات التثاقف في مواعينها، ولا يذهبون بها إلى حيواتهم الخاصَّة أو بيوتهم، لتكون غِلاً في نفوسهم، وتُمْرِضُهُم. ولكن ما كان عليَّ أن أتعجَّب، بل كان عليَّ أن أنتبه إلى "مع أي نوعٍ من الناس" أتصارع فيما حسبتُه تثاقفاً، ولك أن تُسَمِّيَه {دواساً}. ما فَرَقَت، علي بالحلال، ما فَرَقَت في موضع مثلنا هذا. فحسن له جهنم، ونجاة ينقصها جيشٌ. كان عليَّ أن أنتبه لكون الرجل يَحْسَبُ أنَّ الطيب صالح جاء بـ"معجزة"، غير سودانية، حينما سالمه وطايبه بنفس طيِّبة. كان عليَّ أن أحذر ولا أعجب، من كون رجلٍ يشارف الستين مثل الدكتور، ولم يصدف أن رأى السودانيين، يفوتون دَمَ الرقاب ذاتها، الدَّم الذي حَرَس صنمَه الزيرُ سالم وعَبَد، لا كلمات التناوش الثقافي وحسب.
    وأُعيد مُكَرِّراً، أمَّا الأنكأ للجروح من ذلك، والأنكى للسِّجَال حول ذلك، فهو أنَّني كنتُ مَعْدَوَّاً عليه لا عاديا. وأنَّني، من كان يجب أن يغضب، ولي غضبٌ مستحقٌ، وأنَّه هو من اغتال مادَّتي المنشورة، وأخذ كلمة مروري كي لا أدافع عن نفسي، ومَنْ حَصَبَنَي بالكلمة والرسوم التي تتمسخر، بل ويُراد لها أن تمسخ و{تَسْخَت} لو بمستطاعها.
    ولكن كما جاء في الكوشرثيا {صَفِّق إيديك، وادِّ ربَّك العَجَب}!
    بلى، ما فعلوه كان خُطَّة، وما أتى به ارتجالُ الأحداث العفوي ولا أتت به بداهة الطبيعة. ولذلك، حينما اختفت المادَّة المنشورة من على موقعهم، بعد حذفها، وحين اختفيتُ أنا أيضاً من موقعهم بعد حذفي، لم يكتفوا بذلك. بل لاحقتني مراسيلهم إلى سودانيز أون لاين. وانضمَّ للحَلْبَة دكتورٌ جديد منادياً بحذف المادَّة، إعداماً، وليس بإحالتها إلى "مخازن" من نوع ما يُشرف عليه بولا وإسحق فحسب، بل محوها من الوجود كلّه.
    وقائد حملة مصادرة الرأي والمعرفة تلك، الدكتور بشرى الفاضل، القاص المعروف، والذي، يا للغرابة، أطلق نداء يناقض مواقفه السابقة كلّها، في أن لا تزال أية مادَّة منشورة، وإنما يُناقش صاحبها حتى يُقْنَعَ بمحوها من نفسه واقتناعه. فَبَعْدُ تركي لموقع فور أوول، جاء هو ملاحقاً لي، في منتدى سودانيز أون لاين، وأطلق نداء، إعدام، مادَّة الأمثال تلك على هذا النحو {هذا لا يجب السكوت عليه}. واجتهد الرجل في حملته تلك، ودعا لها حتَّى هوامَ الأرض، لم يترك حَنَشَاً. دعا لها الطوب تحت خدود الموتى، والبيضَ حتى يفقس ويتبعه أباً.
    أمَّا أوَّل سطر نطالعه تحت ذلك العنوان فهو الآتي:
    { الأعزاء في المنبر الحر
    {تطالعون هنا في بوست مجاور للكاتب محسن خالد باقة أمثال معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)}.
    هذا ما نقرأه مباشرة بباطن كتاب الدكتور بعد صيحته الاستنفارية، المُسْتَعْدِيَة، والحاشدة للناس من عنوان كتابه {هذا لا يجب السكوت عليه}.
    ولكم ذَكَّرتني صيحة الدكتور هذه، صيحةً أخرى، تناظرها، لُغةً ومضموناً. أطلقها جِلْفاطُ نميمة لا صحافي، من مِلَّة المصالح والمنافع، القارونية النظرية، قبل أن يلتحق بمِلَّة المؤتمر الوطني التطبيقية. أمَّا جِلْفاطُ النميمة ذلك فأطلق تشنجه هكذا {شهادتي لله، هذا الفاجر ...!!}، بهذا الكيف الشَّتَّام، يُحَرِّض الناس ضدي، ويدعوهم للعِفَّة عن البذاءة عبر وصفي بـ"الفاجر". كما يضرب جَرْسَاً لإقامة مزاد ديني، إرهابي، لرأسي، إذ يقول:
    {* أين «عبد الحي يوسف» وعطية محمد سعيد ومحمد عبد الكريم من هذا الفاجر؟
    * وأين طيب الذكر اتحاد الأدباء السودانيين وأين... وأين...؟
    * إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين}.
    وهذا الجَرْسُ هو ما خَرَج إلينا بوزير الإعلام إبَّانَهَا الطيب مصطفى، ليكتب خطابه ذلكم الذي يردُّ فيه على أعضاء منتدى سودانيز أون لاين، بعد أن قام بحجب الموقع وحَظْره، بدعوى أنَّه يقدم كتاباتي للقراء.
    {هذا لا يجب السكوت عليه} المُطلقة من الدكتور، تعني من غلافها ولَمَّا ندخل لمادّتها بالداخل، أنَّه يجب إسكات هذا الرجل، بلا تردّد وفوراً. بينما نحتفظ بحق الحديث لأنفسنا وحدها! وهي تُطابق صيحة {شهادتي لله، هذا الفاجر ...!!}، تعالوا يا عبد الحي يوسف وعطية محمّد سعيد ومحمّد عبد الكريم، لنُسكت هذا الشخص. وإلى هنا تنتهي المطابقة، الشكلية، وتشابه الهيئة.
    الزيادة المضمونية لعبارة الصحفي تقوم من واقع "تضمين" لا بأس من إسكات ذلك الكاتب، وهو أنا، إلى الأبد. ما تسنده الفقرة الآتية من حديثه {إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين} فاهدروا دمه كما أهدر شاه إيران دمَ رشدي.
    ولكن الإسكات، في الأحوال كلّها، هو إهدار للدماء، لأنَّ المُسْكَت بالقوَّة، لا بالقانون أو الاقتناع، سيقاوم هذا الإسكات. ولذلك ابتكرت الإنسانية هذا الحل البسيط، في أن يُعَبِّرَ كُلُّ شَخْصٍ عن رأيه.
    رجال الدين هؤلاء لم يولوا ذلك الأرزقي اهتماماً، غالباً لكونهم يعرفونه، ويعرفون {كفاويه}. ولكن الطيب مصطفى وجدها موضعاً للبطولة، وادِّعَاءِ التقوى. كما هي فرصةٌ للتمهيد لذاته "الكاتبة"، صاحبة {الانتباهة}، التي ستتخَلَّق في المستقبل القريب، وقد كان.
    ثم كتب الدكتور بشرى، بقلب كتاب الإسكات ذلك، الكثيرَ عنِّي. بوصفي كاتباً إجمالاً، ولكوني كاتب تلك المادَّة تخصيصاً.
    أمَّا من أين يستمد شرعية معاداته لمادَّة الأمثال تلك؟ فدعنا ننظر في شذراتٍ قليلة جداً مما كتبه. فقد كتب بداخل كتابه المعني، وببنط عريض، أعرض مما استخدمه لباقي كتابته، وكعنوان جانبي، كما وضع تحت الكتابة خَطَّاً. إمعاناً عالياً منه، ومسرفاً جداً، في التعيين والتخصيص، والتعلية فوق باقي جسد النص لما سيكتبه. كتَبَ الدكتور بشرى هذا العنوان الجانبي، شديد الخصوصية، عن المعيارية، والمنهجية التي سيتبعها لاختبار.. أولاً، هل تلك المادَّة بذيئة أم لا؟ وثانياً، هل تُحذف تلك المادَّة، إعداماً، أم لا تُعْدَم؟
    ولكن هذا للأسف، جرى وتَمَّ، بعد أن أعطانا الدكتور نتيجة مُسَبَّقة ولم يجرِ اختباره أمامنا ثم يتوصّل للنتائج بين أعيننا. لأنَّه في أوَّل سطر له من الكتاب كان قد قال عن المواد إنَّها {معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)} وسآتي لقضية النساء هذه، بوجه خاص أيضاً.
    أقول إنَّه سَبَّق النتائج على الاختبار، لأنَّه انتقدني من ذات الباب الواهي. باب تقديم الخلاصات على الاختبارات. في حين أنَّني لم أكن أُجرِي أية تجارب لوكالة "نَاسَا"، ولم أدِّع إجراء اختبارات من أي نوع كانت. هذا الفرض جاؤوا به هم من عند أنفسهم، وشرعوا يدحضونه أيضاً لإقناع أنفسهم، أنا لا دخل لي. ما قلتُه وبالبنط العريض مثل بنطه هذا، أنَّني بخصوص (جمع) مواد من الأمثال السرية، وهذه هي حصيلتي المجموعة، فائتوني بما تمتلكون منها، إن كنتم تقتنون منها بَتَاتَاً، أي متاعاً.
    وثالثاً، في إجابة من أين يستمد الدكتور نفسه شرعيته تلك؟ والإجابة هي ذاتها السابقة، من منهجية خاصة "المعمولة في عنوان فرعي، ببنط عريض، تحته خط" اخترعها الرجل بنفسه، ويُريد أن يمحو بها المادَّة المنشورة، وكذلك يسلبني بها حقي الديموقراطي في التعبير.
    وكان عنوانه الجانبي، المهم جداً، وللغاية، هكذا {المقياس}!؟
    ويا تُرى ما هو {المقياس} عند الدكتور بشرى الفاضل، الذي سيفتينا في نشر تلك الأمثال السّريّة، وفي كيف نعرف، ما إذا كان الكلام بذيئاً أم بريئاً!؟ وكم متراً تبلغ حدود حُريّة التعبير، بحجم زنزانة أم أعرض!؟ يمنح شخصي حق أن يكتب أم لا يمنح!؟
    حقاً، و(Verily)، معالجة {المقياس} تلك، وأُخريات له سيأتين لاحقاً، مما اقترحه الدكتور من معالجات، أجِدُهُنَّ غريبات الأطوار والمنطق. و(Very eccentric). فقد دفع بهن كأدواتِ فصلٍ وفرزٍ مثل {الإلكتروليزا}، الأداة أو الطريقة التي تستخدم في الكيمياء لاستخلاص أو فصل بعض العناصر عن مُرَكّبَاتِها. وطَرَحَ الدكتور من {إلكتروليزاه} تلك "كميات" وفيرة، وأنواعاً عديدة، بدأها بالعنوان الفرعي {المقياس}، المهم جداً، لا تنسَ، بحسب الطريقة التي وصفناها أعلاه، في تخصيصه، بالبنط العريض، ووضع خط تحته لأجل "تشحيمه وتدعيمه"، كركيزة كوشيَّة متينة لا يمكنك أن تمرَّ عليها لا مرور الكرام ولا اللئام، في غفلة من أمرك.
    ولننظر إلكتروليزا الدكتور رقم واحد، التي جاءت على هذا النحو:
    {أيها الاخوان عصام جبرالله ودكين وابوجهينة وكافة المتداخلين في ذلك البوست بوست محسن عن الامثال السرية هل يمكنكم أخذ هذة الباقة من الامثال السرية المفعمة بل الملوثة (بالفعل-ن)F-verbوالتفاكر حولها أو حتى قراءتها لآبائكم وأمهاتكم؟ هل تجرؤ على ذلك ياعصام وأنت من أعرف عن تحدرك من اسرة ينادي جل أفرادها بالديمقراطية وكرامة الإنسان؟}.
    الإلكتروليزا هنا، هي، إن كان بوسعكم أخذ تلك المادة وقراءتها {لآبائكم وأمهاتكم}، فمن حقكم التجاوب مع بوست الأمثال، ومع حقوق كاتب هذه الورقة في حرية التعبير وإبداء الآراء. وفكرة الأم والأب، ليست بالفكرة الجوهرية للدكتور، هو يقصد النساء تحديداً. كما نجد من مراجعة البوست وتمدّداته في الشرح والنقاش مع المتداخلين بعدها.
    إذ كان الرجل يُكَرِّر على الناس بلا تَرَدُّد أو ملل.. قيسوا واختبروا المسألة هكذا.. هكذا..
    ولنقرأ له هذا الاختبار، الذي يوجّهه إلى الأستاذ عبد الرحمن بركات، أبي ساندرا، وفي وضوح تام:
    {ما يحدث هنا اخي ابو ساندرا لايمكن السكوت عليه.هل يمكن ان تقرأه ام ساندرا ناهيك عن البنت؟اجب وعلى ذلك قرر}.
    إذن {المقياس} ذلك، أو الإلكترلويزا الخاصَّة بالدكتور، هو تعريض هذه المواد، لشرائح "المرأة" الرقيقة. لا ليس المرأة، بل الأمتن هنا، والأمثل، أن نقول لشرائح {القوارير}.
    فإن عجزتم عن هذا التعريض، فالأولى لكم أن تَصُفُّوا أنفسكم مع الدكتور، الذي هاهو أمامنا يستهتر بالديموقراطية وحقوق التعبير، كما يعيد {قوارير} النساء من فهمه، إلى زمن القوارير، زمن (–ألاّ-) يُقَرِّرْنَ ما يقرأنَ إلا بِوَلِي أمر ومن وراء حجاب.
    والحمد لله أنَّه لم يقترح هذه الأمثال مع حماسة اختباراته على المرأة تلك، بدلاً عن اختبار الـHCG.
    إذاً ("باي.. وتُقرأ π وBye" لـ(الكوشرثيا) من مجموعة هذه الدكاترة= - زيرو + عدم النشر+ سحب الباسويرد + ملاحقة هذه المادَّة وكاتبها، في سماوات ثانية، والتحريض ضده، وضدها، إلى الأبد).
    والمعادلة الرياضية، الناجمة عن حسابات ومُسَلَّمات هؤلاء الدكاتره في غاية البساطة كما ترى.
    الأخ، يُحَدِّثُنُا عن تسفيه تلك الأمثال للمرأة! بينما هو بوسيلة {المقياس} الشنعاء تلك، التي ابتكرها ليُجري تجاربه على ديدان المرأة.. لا لا.. دع عنك الديدان، فلنجامله ولنقل إنَّه يُريدُ أن يُجَرِّبها على {القوارير} فحسب، وهي، أي هذه {القوارير}، مجموعٌ من المفاهيم، وما هي بمفردة وحيدة ومسكينة. هي مصطلح، للمرأة التي هي قنينة من ممتلكات الرجل، لا تحتمل الخدش، ويكسرها حرفٌ طائشٌ في مثل، بحيث لا تتصلَّح بعدها، إلى يوم يبعثون.
    فما هي الدكتاتورية والوصاية والولاية إذن إن لم تكن هذه؟ الذي يكتب شيئاً يجب أن يستخرج تصريحاً منكم، والمرأة التي تُريدُ أن تقرأ شيئاً، أيضاً عليها استخراج مرسوم قراءة منكم. أو كما قال الدكتور {اجب وعلى ذلك قرر}.
    فالذي يُعَيِّن للمرأة ما تقرأ وما لا تقرأ، كأنَّما يقول المرأة دابةٌ يعلفها الرجل معرفياً، وفْقَ هواه، بينما هي مرميّة في {طقاطيق} الأرض السابعة، من حظيرة ذكورية ما. فتأمَّل!
    أمَّا إلكتروليزا الدكتور رقم اثنين، فتقل عن الأولى يسيراً من ناحية البشاعة المضمونية، الأُوَلَى ترجع النساء إلى عهد {الحريم، القوارير}.
    ولكنَّ الثانية {أظرط} من الأولى من ناحية البشاعة المنطقية. والرجل مُغْرَمٌ بوضع جُمَلٍ تشبه بالفعل من ناحية تركيبتها وصياغتها "المنطقيات" التي بدأ بها تاريخ وضع المُسَلّمات، مثل مُسَلَّمات إقليدس الخمس، من تاريخ العلوم. واقرأ له هذه المُسَلَّمة التي وَجَّهَهَا إلى أحد المتحاورين معه، مُبتزاً له، ومُخْرِجَاً للحوار من سَمْتِهِ العام، إلى بيت الشخص المتحاور معه، كما فعل مع أبي ساندرا وعصام جبر الله، وكل من صَادَفَه أو نَاقَشَه. مُسَلّمة لم يُفَكِّر فيها برتناند رسل نفسه، اقرأ:
    {هل تسمح أنت شخصياً ان تخاطب اهلك وأصحابك هكذا بالمكشوف بكلمات فيها (الفعل-ن) ؟ هل يمكنك ان تقول لأبيك : يابوي ادينا القروش (أنونك)؟هي اشياء لا تشترى}.
    {هي اشياء لا تشترى}، المقصود بها تربيتي أنا. أي لم أتلقَّ تربية محترمة، ولم يعد من الممكن تدارك ذلك، وحَلُّ المشكلة من أقرب سوبر ماركت. فهي أشياء لا تُشترى. وسيُكَرِّر العبارة عينها لاحقاً، وكاملة المقطع. هذا لأنَّني (أجمع) وأنشر، مثل هذه الأمثال التي ألَّفوها هم، السودانيين أعني! وبالرغم من شتائم الدكتور غير الحريفة، فحينما قرأتُ كلامه هذا، لم أمتلك سوى أن أضحك. فكأنَّ كاتب هذه الورقة بوسعه، أن يقول لأبيه كلاماً من جنس فعل حرف "النون"، بالعربي، أو حرف "الـF" بالإنجليزي! هل وجود مَثَلٍ سرّي في هذه الحياة فيه فعل حرف النون، ويستخدمه الأب مع أصدقائه الذين من عمره في الكتشينة، والولد مع أترابه في الكُرة، والبنت مع صويحباتها أثناء تَسَارُرِهِن. هل ينتفي وجود ذلك المثل لمجرّد، أنَّ الولد والبنت لا يستخدمانه مع أبيهما؟ أو هل تسقط صلاحية ذلك المثل من أساسه، ولا يجد أي موضعٍ مناسب، آخر، يُسْتَخَدَم فيه!؟ ومَنِ اخترع ذلك المَثل أصلاً، إن كان غير معترف به من الجميع، ويعاف استخدامه الجميع!؟ ولكنَّ الدكتور لا يدري أيَّ شيءٍ عن بزوغ أسئلة كهذه في أذهان غيره، مثلما هو لا يدري من أين جاء بـ{فرض عَيْنِه} هذا، لأن يستخدمه الولد مع أبيه!؟
    وهل يا ترى، لو قلتَ لأبيك جملة الدكتور ذاتها، بدون فعل حرف الـ"نون" وهكذا:
    يا بوي أدِّينا القروش وألا {بَدِّيك كف}، بدلاً عن فعل حرف الـ"نون" البذئ والفاحش، فهل حينها تصبح مثل هذه الأشياء تُشترى!؟
    يا أخي الدكتور، الكريم، مِثْلُ القرآن؛ الذي أوصى بلا تقل لهما حتى {أُفٍّ} هذه الصغيرة فحسب، والتي ما هي إلا زفير، فلا تزفر مجرّد الزفير أو تُطلق حموَ أنفاسك في وجه أحد الوالدين.
    وإنْ قلت لأبيك، يا بوي أدِّينا القروش {زَهَّجْتَنَا ياخ}، هل بذلك ستنزل الأشياء لسوق الأوراق المالية مثلاً؟
    أو إن قلت له، يا بوي أدِّينا القروش. ثم أضفت "بصورة معيّنة"، يا بووي! تصبح الأشياء بذلك في الميزان التجاري للصادرات والواردات!؟
    أفتراها تصبح مقبولة؟
    لقد غَيَّرنا للدكتور فعل حرف الـ"نون"، كما ترى. حتى شارفنا الاختتام بمفردة "الأخ" ثم ختمنا بمفردة "الأب"، الحنون، والجميلة هذه، والحبُّوبة. ولكن الحال لم يتغيّر، فقلَّة الأدب ما تزال هي قِلَّة الأدب، في الميزان الكوشرثي.
    لقد أنزلنا اللغة، من اصطلاحنا للأدب حولها، درجةَ تلو أخرى، من فعل "النون"، وحتَّى.. النداء باسم "الأب"، الذي هو قِمَّة التكريم. إذن (الخلل) عادةً، شيءٌ جوهري، يتم عبر محسوس مثل رمي الناس بالطوب، أو محسوس سلوكي مثل شتم الناس أو البصق في وجوههم، وما هو بقشرة. فـ(الخلل) في هذا النَّسَق، مثل (العدوان) بجميع أشكاله، كما عَرَّفتُه سابقاً. وما (قِلَّة الأدب) إلا عنوانٌ صغير يتعلَّق بتخييب التوقّعات الحسنة، حول الشخص في أغلب الأحيان، "حسنة" بحسب ثقافة المتوقِّع. إن لم أقف لامرأة مُسنّة في البص، فهل اعتديت عليها؟ الإجابة القاطعة لا. هل اخترقت قانوناً يقوِّض الدستور؟ أم أنَّ مفاهيم النخوة والشهامة إن لم تكن تعجبني، على ذلك النحو، أُعْتَبَرُ بذلك مُذنباً؟
    في أحايين قليلة جداً ترتبط قِلَّة الأدب، التي لها آلاف التعريفات الزاحفة والمُتَحَرِّكة حسب ثقافات الإنسانية وتعارفاتها، وهي نادراً ما ترتبط بـ(العدوان)، وإن ارتبطت به، فغالباً في صوره الضحلة جداً، وهذا أيضاً لا يكون إلا بناءً على الثقافة. كأن يُخْرِجَ مثلاً رجلٌ أو امرأةٌ أعضاءه التناسلية أمام الآخر، بهدف الإهانة، أو التَّحَرُّش. دون أن يَنْبَسَّ بنأمة، أو يُصدر إشارة، أو يدفع بصوت، ولا حتى بنظرة. فقط أعضاء معروضة أمامك، إن شئت فانظر، وإن شئت فكُف. وهذه مسألة تعرفها النساء هنا في الغرب، لأنَّها تتم يومياً وفي محالٍ شبه عامّة، أو شبه منزوية، ويقوم بها أشخاص مفروض يتكلَّم معهم علم النفس -((المُصاغ حسب بيئتهم وتربيتهم، فعلوم النَّفس جزءٌ كبير منها بيئي، ويملأه ما هو ثقافي إلى أذنيه))- ويرى ما هي قصتهم في بلدهم وحده، بريطانيا، على سبيل المثال. بينما في أي قرية إفريقية قد يمر بك فوجٌ من سابلة عراة، فالموضوع إذن، ودون شك، يعتمد على الثقافة.
    وعليه، فإنَّني أرفض لفظة "بذاءة" أو "فاحشة" هاتين، ما لم ترتبطا بـ(عدوان)، من نوع عدوان بولا بذاك المثل السِّري، على محاوره كما تقَدَّم.
    لا تُريدُ الأمثال السِّرِيَّة؟ أنت وشأنك، فلا تقرأها ولا تستخدم ما هو نافع منها، كما تشاء، وما لك على الآخرين سلطانٌ من أي نوع.
    فبعيداً عن الكوشرثيا والفولكلور، اللذان يجمعان جمعاً وما إليه من قضايا معرفية، فرؤيتي نحو ربط البذاءة بالعدوان، يجعل لها مَسَّاكَاتٍ قانونية، في حالة الاعتداء بها على الآخرين. وكذلك تتسق مع حدود حريّة التعبير التي بيّنتُ أعلاه، كيف أنظر لها، كما وضعتُ لها تعريفاً فاختبروه، وناقشوني فيه ما أمكنكم، منطقياً، وبدون ثقافات أو ديانات أو أعراق مُسَبَّقة. دعونا نؤسِّس الكوشرثيا من هنا، ونحو المُستقبل، فهذا البلد كبيرٌ بالفعل، ومُتَعَدِّد ومتنوع ومتناقض كذلك، في كل شيء.
    وستجدوني مستمسكاً دائماً، ما لَمْ تقنعوني لا تقمعوني، بأنَّ البذاءة هي سلوك، وما هي بلفظ. فهنا في بريطانيا التي أعيش فيها هذه، الأب والأم والابن والابنة، جميعاً يستخدمون ما يعادلُ فعلَ حرف "النون"، بالعربي، حرفَ "الـF" بالإنجليزي، أمام بعضهم بعضاً، مزاحاً، أو تعبيراً عن الدُّهش، سخريةً..
    You are so f..uck.ing brilliant
    You are so f..uck.ing stingy..etc
    ولا يقَلِّل ذلك من احترامهم لبعضهم بعضاً في شيء. فالاحترام يجب أن يبنى، في الأصل، على الحب بين المُتَخَاطِبَيْنِ، وليس على مسافات دينية، أو لغوية، أو عُمُرية، وغيرها من المسافات التي تُؤَسِّس قوانين التربية، والاحترام، في مواد الكوشرثيا عندنا. البذاءة عظم، وماهي بأدمَة، لُبٌّ وما هي بخُشَارة أو قشرة.
    وقصة مَثَلِ الدكتور في ربط استخدام فعل حرف "النون"، مع "الأب" تحديداً، تبقى حكاية ثانية، ومنطقها غريب الأطوار (Very eccentric)، ولا علاقة لها بموضوعتنا هذه مأزولةً ومأبودةً. وفي الكوشرثيا يقال من باب المحنة العظيمة {اللهم لا تمحنَّا، ولا تَبْلِينا}.
    لا أجدُ منطقاً واحداً، أو رفضاً معرفياً ذا أُسُسٍ، أو عقلانياً ذا نباهةٍ، ولا إلماحاً ذا طَرْفٍ ظَفِرٍ بنشوار، قام به أيُّ واحدٍ من هؤلاء الدكاتره المذكورين. كُلُّه خُلَّبٌ، (بَوٌ)، وخُشارةٌ.
    فقد تَحَدَّث دكتور بشرى بهشاشة وإهمالٍ وتناقض حتى تُشفق عليه مما هو فيه. وألقمه مثقفو منتدى سودانيز أون لاين جبالاً بدل الحجارة. فما لَبِثَ أن أعلن، وأقام لنا، عزاءً لأحدِ أصدقائه الراحلين، بداخل بوست ذلك الصراع الثقافي المحتدم. وإلى حين تحويل بوست التثاقف ذلك إلى بيت بكاء! كان الدكتور لايكادُ يصيغ سطراً بلا تناقض. بل بلغت به طوائر الطيش حَدَّ أن اعترف، للأستاذ النزير حجازي، الذي ذكَّره، بكتاب بابكر بدري، وما يرد فيه من أمثال تشابه ما جلبتُه. فأمَّن الدكتور بكل شجاعة على الكتاب، وامتدحه، ثم تسلسل نحو موضوعته الأثيرة، وهي انتقادي ككاتب "عظيم" دائماً، هذا كي لا نغمطه حقه في امتداحه لكتاباتي الدائم، ولكنه في ذات الوقت، لا يتوقَّف عن رمي مثل هذه الخُشارة أدناه، وبشكلٍ دائمٍ أيضاً:
    {لكن محسناً يزدري كافة كتاب السودان وقد صرح بذلك اكثر من مرة . إنه مثل لاعب كرة قدم يبرز فجأة فتعجبه حال عضلاته وأهدافه الحالية التي احرزها فيصيح باعلى صوت: مارادونا دا شنو كمان؟}. ربما يقصد أنَّه "مارادوانا" الكتابة! من يعرف؟ إذ لا يُكَلِّف الدكتور نفسه حتى عناء الاستشهاد، أو الاقتباس، أو الإتيان بدليل على {يزدري كافة كتاب السودان} هذه. ومع كل مداخلة له، يشتغل على موضوعة حياته الأثيرة تلك، ومشغولاته من أنتيكات {المهوقني}، دون كلل، ودون البرهنة عليها ولو بقطمير. ولكن أفجع ما رأيتُه منه، وما جعلني أطيش في وجهه وأكتبُ له كلاماً "حقيقياً" من منظوري، ولكنَّه دون شك قاسٍ، وربما لو عاد بي الزمان لكتبتُ له جوهره فقط وأعفيتُه من خشونته. وإن كانت فعائله، فعائله لا هو، تستحقه قِشراً ولُبَّاً.
    لأنَّ نَسْجَه القصص من خياله، في كل مَرَّة، وإلزاقها بي، كان قد تجاوز حدود الإمهال التي أقتنيها كلّها. ولم تعد دعاواه أمراً محتملاً بالمرَّة.
    كانت ذرائعه الأمثال، وأحاديثه تدور بوادٍ غيرِ ذي أمثالٍ، ولا حَطَبِ. لم يضجرني وحدي بذلك، حتى القراء والمشاركين في الجدل أضجرهم. لدرجة أنَّ الأستاذ نصر الدين هَجَّام، عبر مداخلة له، قام بتجميع بعضٍ من رسائل بشرى من هذه النوعية، التي كان يُمَرِّرها عبر بوسته في حقي. أي كلامه عنّي ككاتب له إسهامات في مجال الرواية والقصص، وكلامه عن هذا الكاتب وتلك القصص بأسلوب {مطاعناتٍ} لا حظَّ لها من النقد الوعر والمُتطلب. وأقاويله كلّها موجودة في ذات الكتاب. ما جَمَّعه منها نصر الدين وما أعياه تجمعيه، لكثرته. ومداخلة نصر الدين أيضاً ما تزالُ مرقونة وموجودة حتى تاريخ اليوم ويمكن الرجوع إليها. وستجدونها مُذيَّلة بهذه العبارة، للأستاذ نصر الدين:
    {كقارئ يبدو لي أن الغرض من هذا البوست ليس المطالبة بحزف الباقة الأولى فحسب بل تعدى لموضوع آخر لا علاقة له بموضوع البوست}.
    وأيضاً في مداخلة باللغة الإنجليزية، قال له الأستاذ سامي، هذا الصراع لا علاقة له بالأمثال السرّية، ونحن كُنَّا نتابع سجالاتكما أنت ومحسن خالد، في سودان فور أول، ثم ختم مداخلته للدكتور بالآتي:
    {Believe me trying to sell to us that this post has nothing to do with your arguments with Muhsin Khalid will fool nobody and takes a lot from your own credibility as a writer and intellectual}
    وتعريبها "السياقي" {صَدِّقني، محاولات تسويقك لأنَّ بوستك هذا، لا علاقة له بحواراتك مع محسن خالد -"في سودان فور أوول"-، لن يستغفل أحداً، وسيخصم الكثير من مصداقيتك، ككاتب ومثقف}.
    أمَّا الدكتور، فكان لا تنقضي له عجيبة "غريبة الأطوار"، إلا وأتانا بألطم وأشجَّ منها. ما جعلني، أُبْهَتُ، أُصْعَقُ، والحمد لله أنَّني لم ينفرط عقلي من أقواله أدناه، التي يخترع فيها أنَّني انتقدت كتاب الأستاذ بابكر بدري عن الأمثال السودانية، اقرأ:
    {انظر كيف تخلى محسن عن البذاءات في ما يسمى بالامثال السرية وجاء لينتقد بالبذاءات نفسها في جملة من ثلاث أو اربع كلمات كل مجهود الشيخ الجليل بابكر بدري في الامثال السودانية}.
    بَوْ.. كلامك يا دكتور بَوْ، مثل "إنكاره" لأنَّه ثَبَّت تعددية الأصوات الباختنية في كتاباتي، وكذلك كتابات الطيب صالح، وكاتب آخر، إمَّا البكري وإمَّا عبد الغني. ما أتيتُه فيه بالشواهد القاطعة من اخْطِطَاتِ يديه، مما قاله في الصحف ونسيه، أو أنكره. الأمر الذي لم يغفره لي حتى اليوم.
    وحقيقة الأمر أنَّني كنتُ أستشهد بكتاب بدري في وجه الدكتور، وانتقادي كان للدكتور نفسه وليس للكتاب. إذ كيف أنتقد الكتاب وهو يقيم الحجة على الدكتور في تثبيت أنَّ هذه الأمثال السرية، ذات اللفظ قليل التداول، ما يُسمونه هم بالبذاءة، موجودة بقلب الكتاب، والدكتور يمتدحه، ومع ذلك يشتم ما جمعته أنا من أمثال. فكيف أنتقد الكتاب؟ بأيِّ منطق؟
    ومسألة أن لا يفهم الدكتور ما يُكتب له، هي مسألة من دَيْدَنِه وسَمْتِهِ، وتَكَرَّرَت لي معه، الحُذْفُرَ تِلْوَ الحُذْفُرِ. حينما كنتُ أستشهد بمقطع من إحدى أقاصيصه، فجاء مُحْنَقاً وقال إنَّني أهاجم كتاباته! ولم يقتنع بالعكس، وبطيش قراءته تلك، حتى بعد تدخُّلِ الأجاويد وشرح المسألة له. ومحاولة إفهامه أنَّ الرجل كان يستشهد بك، فكيف قرأت المسألة! ولم يتبقَّ لهم سوى أن يحلفوا له بالطلاق كي يصدقهم. ولا أظُنُّه قد صدَّقهم حتى تاريخ اليوم.
    قلتُ اخترع قصة موضوع كتاب بابكر بدري تلك، وصَدَّقَهَا، واستمرَّ فيها:
    {لم يكتف محسن خالد بإيراد باقته اللطيفة بل مضى ليصف جهد الشيخ بابكر بدري بأسوأ الألفاظ. انظر إلى قوله بان كتاب الامثال للشيخ بابكر بدري كله(يعف اللسان عن ذكر كلمتي محسن البذيئتين).}
    انظر، لمقتبسه من أقوالي، هو طبعاً دكتور ولا يحتاج لاقتباس الكلام كما يرد لدى صاحبه، فكلامه بذا مُطَلْسَم ولكنه يكفي لفهم {حجوة أم ضبيبينة} تلك كما يرد في الكوشرثيا. فحين أقول له، بأنَّ كتاب بابكر بدري ملئ بنوع اللفظ الفلاني، والفلاني، البذيئات على حَدِّ تعبيره، والواردات في مجموعات الأمثال التي جلبتُها "أنا" لكم من الكوشرثيا هذه ذاتها، فهو يرى ذلك نقداً لكتاب بدري لا إقامة حُجَّة في وجه الدكتور! فإن كان الدكتور يقصد هذا الأسلوب في النقاش، سواءٌ، كان ذلك كل ما بوسع الدكتور أن ينجزه من أي نقاش، فالأمران يستويان، ويكفيان عندي، لبلوغ اليأس، وزيادة.
    وهو مستمرٌ ما يزال، مُطَوِّفاً في هُوَّةِ ما بعد يأسي، يركب عربةً تَجُرُّها أيائلُ مُجَنَّحةٌ، مُخَطْرِفَاً في ماء المُزْن:
    {لقد هتك محسن في ظني هذا السياق بغرض الإثارة هتكاً.ولم يكتف بذلك بل استخدم نفس مفردات الاقوال التي اسماها الامثال السرية لذم كتاب الأمثال لبابكر بدري بجملة بالغة الإسفاف انظر ردوده بأعلا البوست}.
    فالدكتور قَاتَلَ مُبادرة جمعي لمواد الكوشرثيا، مُتَمَثِّلة في تلك الأمثال السِّريَّة، بكل لولوة امتلكها، وألَّب، واستنفر، وحَرَّض، ودَبَّر، وتنادوا في نادي {الصفوة} والأفندية ذلكم، أن هلموا للمحو، والشطب، والحذف، والإزالة، والفصل. والدكتور كان نُشُرَهَم المُرسلة لموقع سودانيز أون لاين كما تقَدَّم. وقد بدأ كتابه بالتحريض الذي اقتبسته أعلاه، واختتمه بالآتي:
    {تريدون رأيي صراحة: حذف الباقة إلى خارج المنبر والخور أيضاً
    أترى حين أفقأ عينيك
    ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟
    هي أشياء لا تشترى
    (دنقل)}.
    فالدكتور لا يُطالب بإزالة المادَّة فحسب، بل بإعدامها تماماً من موضع أي توثيق:
    {إلى خارج المنبر والخور أيضاً}.
    فالمواد، التي في "الخَوْرِ" تبقى مواداً موثَّقَة ويجدها الناس إن قصدوها، خصوصاً الأعضاء في المنبر.
    ويعود الدكتور ويُكَرِّر مسألة {هي أشياء لا تشترى}، ليتبيَّن لك تماماً أنَّه كان يشتمني. فما دخل "أمل دنقل" هنا! وما هي وجاهة الاستدلال بهذه الأبيات على وجه التعيين! أو على ماذا يستدل بها، وما مناسبتها، فما لها من رابطٍ، إلا بتكرارها، الذي عَلَّقت عليه من صدر كتابه التحريضي ذلكم.
    ودكتور بشرى ونجاة، لا يَكفّان ولو زفيراً واحداً، يخرجُ منهما دونَ رميي بالغرور، وتضخُّم الأنا. وليتهما كانت لهما "بَاسِنَة"، يُنْزَلاني بها من سماء تلك الغرور، كالباسنة التي أُنْزِلَ بها آدم إلى الأرض. حاشا وكلا، فهما لا يعرفان عن الغرور أكثر من نشرته الدينية السَّاذَجَة تلك، وتكرارها في وجهي. وما كانا بطَالبيْ تواضعٍ، بل كانا مُنَقِّبَيْ ضعفٍ وخَوَارٍ من قِبَلي، فما وجدا.
    بولا لم يَرْمِنِي بذلك، ولكن الدكتور حسن فعل، وردَّد معهما ذات كلام الغرور الديني الساذَج. ولا أمتلك حياله سوى قولي، إنَّ الغرور كلمة دينية، وراجت بنصوص الدين، في وجه المعرفة والحوار، وما من تعريف علمي لها أبداً.
    وحتى الغرور بسذاجته الدينية هذه، هم يفهمونه على أنَّه الضمائر. فأُصْبِحُ بذلك مغروراً إن استخدمتُ الضمير "أنا" بحسّنا العامي والدَّارج، الذي يصعب أن تقول من خلاله جملةً واحدة دون استخدامه. إذ هو يُستخدم بكثافة في دارجتنا، وابدأ في تأمُّل ذلك إن لم تكن قد فعلت من قبل. بالرغم من أننا شعوب رقيقة الحال ومتواضعته في الغالب. وما ذاك الاستخدام الكثيف للضمير، إلا لأجل تعيين المُتَكَلِّم، لا تمييزه، بوسط مجتمعات، تقوم حياتها، منذ التاريخ الوسيط، على المُشافهة والأنس في ظلام الليالي.
    {"أنا" يا علي أخوي مشيت أجيب العليقة، لكن تاريني "أنا" نسيت الزريبة فاتحة، أها لامن "أنا" جيت صادِّي، لقيت البقر مرقن. الله! "أنا" أخو اللينة! ومن محلّي داك يا زول، "أنا" طواالي كوركت لأولاد التلب، عووك آناس، "أنا" سِرِقْ..إلخ}.
    هكذا، ضمير تعيين لوجهة الجملة والكلام، لا مفارز {صفوة} ضد {عنقالة} لا تشملهم (For all) المبهوتة {في صَمَّة خشمها} تلك. وأيٌّ من المُنْتَدِين، يستخدم من هذا الضمير -أنا- ما يشاء، في تلك المسامرات، الخالية من {الصفوة} ولا يَتَوقَّعُ أن يتهمه أحدٌ بعد فراغ حَكْوته بالغرور.
    تلك المنتديات، التي يجلس فيها {سِيِدْنَا} العالم، ليعَلِّم غيرَه، و{السَّفيه} و{الفرطوق} ليتعلَّما من {سِيِدْنَا}، فإن تكبّر هو وتجبّر وقَصَرَ محرابه على أنِفِتِه وخيلائه، فمن يُعَلِّمُهُم؟
    تلك المنتديات، التي تجد فيها، حينما يفتحون أوعية زادهم، ما هو لتاجر {بدين} وما هو {مفروكة} وما هو {صيد بحر} وما هو {صيد رعاة وخلاء} وما هو {أم تكشو} لفقير، ومن ليس له شيءٌ مطلقاً، {حَتَّى هو} يأتي ويأكل مِمَّن لهم، ولا يبيت القواء.
    ولكن الأساتذة، الأجلاء، يفهمونه بخلاف حقيقته، لضعف تأمُّلاتهم في الكوشرثيا. علاوة على إيمانهم بمدارس نقدية ما عادت في دنيا التثاقف منها من باقية. ولكنَّهم ما زالوا هناك، مع مدارسهم القديمة تلك، تحت {بِرْشِ} التاريخ. المدارس التي تقوم بإحصاء عدد الضمائر في النِّصُوص بكل بساطة جداول الجمع والطرح الطفولية تلك. بالرغم من كون "الأنا" لم تعد ضميراً "لُغويَّاً" يُحصى بداخل النص، بل "تَقَمُّصاً" لحركة، ودور الذكرى، بداخل النص على صعيد تاريخيته، وفرحاً آنياً بالحيوية المُتقدة على صعيد حاضره، ونزوعاً نحو المُستقبل، من خلال أحلام، وأمنيات، وآمال. أي "الأنا" أصبحت هي المُضاد للعدم، وترياقُ السلبية. وهذه التَّبَدُّلات في رؤية الأمور وتقديرها، جَرَتْ على هذا النحو، لِعِظَم ما تواجهه الإنسانية المُعاصرة من خذلان وإحباط على صعيد نصف حياتها الإنسانية والوجودية.
    لكم يواسيك قول الأُحيمر السعدي:
    {عَوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئب إذ عوى ... وصوَّتَ إنسانٌ فكِدتُ أطير}. أهي وحشته وحده أم وحشتنا؟ أنقول هذا الكلام وفي بالنا ذواتنا، أم ذات الشاعر، تلك، الغاربة؟ أنا الفنون هي أنا المجموع.
    إنَّها مواساة، واستنهاض، مثل كلمة {أبشر بالخير} أو {Cheer up}، فأنا الفنون، والفنَّان، هي أنا الجماعة لا المُفرد. وهي حَيَّ على العدم نستأصله، حَيَّ على الحياة. هي "أنا" يذوب فيها الآخر، فلا تحرمه مجرىً لوادٍ، ويندغم فيها فتمنحه ألف خانة.
    وما كانت تلك دعاواهم الحقَّة، إنَّ دعاواهم الحقّة مقيمة فيهم، لا فيما يُنْظَرُ مِنِّي.
    وما كان هجاؤهم ذلك إلا حملةً ضدي في شخصي، لا في ما يجاورني من Objects. منذ حذفهم للمواد التي أنزلتُها عن العلمانية، مستعدلاً فيها الخمج المعرفي للأستاذة نجاة، ولا دخل لتلك المواد بالكوشرثيا إطلاقاً. بل حاولتْ نجاة تجريمي بزعم أنَّني كتبت مداخلة ما، لم تكن، وما كتبتُها، وشهِد صحبٌ من الإخوة الجمهوريين بذلك كتابةً، حينما طفح كيل إدارتهم الظالمة، واستبدادُهم، بي، وبالمنتدين.
    منذ ذلك الحين وحملتهم تقصدني في شخصي، لا فيما أكتب. ومن إحدى مُلْغزاتها في نفسي، أنَّها تستقصد تأليب النساء ضدي، وخاصَّةً، أكثر من الرجال. ولك أن تُفَكِّر معي في أسباب ذلك!؟
    وفي هذه المسألة، الدكتور هذا، بشرى، كان يقتفي خطة الدكتور ذاك، بولا. فاسمع التناغم، الحاصل بين قوليهما التحريضيين للنساء، بالذي هو وصاية وتحريض، ضدي، ولك أن تقرأها ضد ما عرضته من المعرفة أيضاً. والدكتور ذاك، بولا، أيام حذفهم لمواد العلمانية، كان مُفرَّغاً لتأليب نساء منتداهم، ضدي.
    فالدكتور هذا، بُشرى، بعد حذف مواد الكوشرثيا من منتدى سودان الجميع، جاء فوراً، كما أسلفت، وافترع تأليباً للناس عامةً، وللنساء خاصَّةً، ضدي، وضد المادَّة المنشورة. اقرأ التناغم، الحاصل بين قوليهما التحريضيين للنساء.
    {تطالعون هنا في بوست مجاور للكاتب محسن خالد باقة أمثال معادية للإنسان في السودان (للنساء والرجال وللنساء بوجه خاص)}.
    فلنفترض سَخَفَاً، لا جدلاً، أن تلك المادَّة بالفعل {معادية} كما يقول الدكتور! لماذا هي {معادية} بدرجات متفاوتة هكذا {وللنساء بوجه خاص}؟
    ما هو وجه الخصوصية؟ لا حَلَّ مع الدكتور! ألأنَّهَنَّ {قوارير} كما في تربية ومواد الكوشرثيا الضارَّة!؟ أم لأنَّ الدكتور يطمح في تحريض النساء ضدي، على نحو خاصٍّ، وأكثر من الرجال!؟ طَوَال حملتهم رَكَّزوا على هذا الجانب.
    فالدكتور ذاك، بولا، كتب أيَّام حذفهم لمواد العلمانية، التي كانت تصحيحاً لشريكته الثقافية والعائلية، مؤلِّباً النساء المُنْتَدِيَات في منبرهم بهذه الخُشَارة:
    {العزيز محمد حسبو، والمشاركين والمشاركات. والمشاركات "ظَنْبَهِن خَتِيَّة رقبَتِن" (حقوق المؤلف محفوظة لأستاذتي عاشة بت عباس ود خلف الله)، نشيل ونكتب في ات/ ات/ات وهن ماجايبات خبر وماعندهن ممثلة غير نجاة مع إن الموضوع يهمهن كثيراً}.
    وماله الدكتور؟ {يشيل} و{يكتب} في {ات/ ات/ات} ولم تعره إحداهن التفاتاً. هم يعتقدون أنَّ هذه المرأة غشيمة! ويعاملونها من باب {ناقصة عقل ودين}! هذا الشيء مضمّن في عقلياتهم تلك، هم لا يحترمون خشونتنا مع النساء، ونحن نفعل ذلك لأنَّنا لا نرى في المرأة كائناً {عضيرة} كما في مواد الكوشرثيا غير الحسَّاسة. فهي ندٌّ لنا وكفوء، وإن دخلت إلى سجالاتنا سنحترمها، عبر مساجلتنا لها دون أن يعنينا نوعها، كما نساجل بعضنا بعضاً كرجال. وهي ليست {الكديسة} لنشفق عليها، وليست {القارورة} لنخشى عليها.
    فإن لم يكن الموضوع استهواناً بعقل المرأة، فلماذا يُصِرُّ هؤلاء الدكاترة على إقحامها في حروبهم الشخصية معي، وبهذه الكيفية المكشوفة والبائسة!؟ أيحسبونها غير قادرة على اكتشاف، والتقاط، أغراضهم الطافحة هذه ومفهومة حتَّى لـ{طوب الأرض}؟
    فالنساء في عينيِّ بولا لم يكتفن بالغياب فحسب، و{كمان} ليس لهن إلا مُمَثِّلة سوى شريكته الثقافية والعائلية نجاة! فتأمَّل.
    ونجاة مترجمة جيّدة، عن الفرنسية، ترجمت لرامبو وغيره. ولكن تثاقفها مع الناس تثاقفٌ موتورٌ لا يفضي إلا إلى حَرَابَة. وإن شئنا تعديد أسماء المثقفين الذين اشتبكوا معها، ولم يقبلوا منها روح تأمُّرِهِا وصلفها تلك، فسننتهي لنصحها بتكوين جيش، بدلاً عن دس ذاتها في مواضيع الثقافة. ويكفي اللهُ الناسَ شَرَّ تعريفاتها هذه {العلمانية ليست علم ولا معرفة، ناهيك عن أن تكون مجموعة معارف. العلمانية مبدأ. مبدأ بسيط لا يتجزأ..إلخ}.
    والدكتور هذا، بشرى، الذي قلنا إنَّه يقتفي خطة الدكتور ذاك، بولا، جاء، فيما جاء به من كثرة محن وتحريض وتأليب، بهذه الخُشَارة، ورمى بها في ذات بوست "التسكيت" المعني:
    {أرجو ان يتداخل كل من يرى رأيي هذا للمطالبة بحذف امثال الباقة الأولى من بوست الكاتب محسن خالد وكذلك المداخلات المستجيبة لها وعلى هؤلاء ومحسن ان يجيئوا للعام بعد ان يقنعوا الخاص بجدوى هذه البذاءات}.
    وهو هنا لا يُطالب بحذف مواد الكوشرثيا التي نشرتُها أنا فقط، بل حتى بحذف مداخلات الأشخاص والمعرفيين الآخرين التي استحسنت المادَّة أو أسهمت فيها بالأحرى، وتوسعت. انظر لحجم الاستبداد أين بلغ!
    ولا أمتلك سوى أن أكرِّر ثانية من قول الكوشرثيا {صَفِّق إيديك، وادِّ ربَّك العَجَب}.
    ففصل (الأمثال السريّة) هذا، حين إخراجه مع بقيّة مواد الكوشرثيا التي جمعتها، لا أزعم فضل جمعه وتحقيقه لنفسي وحدها. بل لكل من كَتَبَ في ذلك البوست مُصَوِّباً للمادَّة، مُضيفاً عليها، مُحَقّقاً للغتها أو قصَّة مَثَلِها، مادَّاً برواياتٍ ثانية عنها من جغرافيته المُختلفة.. إلخ. بل هناك من قام بعَمَلِ ترجماتٍ إنجليزية للمادَّة، مثل الأستاذ نصر الدين هجَّام، والترجمات ذاتها هناك من تداخل مُحَرِّراً لها وضابطاً.
    نعم، لقد كانت تَحَرُّكَاتُهُم في مجملها يصعب تفسيرها، ظاهريَّاً. لأنَّها جاءت من عاملين في مجالات، يدَّعون أنَّ شهادات دكتوراهم تلك، كانت في حقولها ومجالها. ومع ذلك تصرفوا على هذا النحو، الذي بيَّنا قليلاً من {هجائمه} فحسب. نعم، تعاملوا مع الموضوع بهمجية، بالرغم من كونه نُشِر على صفحاتٍ من مزاعم "جمعيةٍ" لهم، {أم تلاتة لغات ديك} على وزن {أم أربعة وأربعين} من تسميات الكوشرثيا، وكنيتها {الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية}. فإن كان هذا إسهامهم في الكوشرثيا، ورأيهم في أمثال هذه الشعوب السودانية، فلينسوا جمعيتهم تلك وينصرفوا إلى علوم التكنولوجيا أو الفيزياء التطبيقية، لو بوسعهم ذلك!
    وكنتُ قد دفعتُ بعنوان بوستٍ لكتابة ردٍّ عليهم، على منتداهم، تحت هذا العنوان:
    {بولا، حسن، نجاة والتأسيس للردة (خواطر عن بوستي المحذوف)}.
    ولكنَّهم لم يمهلوني لمحةً، ففوراً قاموا بسحب كلمة مروري، خَوْفَاً وفَرَقَاً، من المواصلة في ذلك البوست وافتضاح عوراتهم المعرفية، وخمجهم الثقافي واللاديموقراطي. فـ"الأحزان" الثقافية والمعرفية واللاديموقراطية التي يُسَبِّبِونَها للكثير من مثقفي ومُثقفات السودان، هي من النوع {القَطْعُوُ كَبير} الذي إن ذهبت مسافراً به في الحياة، دون تعليقٍ يَحُتُّ عنك ذنوبَ السُّكات عليه، فلا بُدَّ أن المحطّات ستحتاج لأن تشحنك في قطار، وتشحن تلك "الأحزان" في آخر.
    وكنتُ تحت ذلك العنوان، أنوي التركيز على كتاباتهم، التي أنتجتها عقلياتٌ بهذا التناقض، وهذه الهشاشة، وهذا الخمج الثقافي، و{الانسياطة} المعرفية والأخلاقية.
    قلتُ إنَّهم يؤسِّسون للردَّة، فوجدتُهم أبشع من ذلك، فعن أي ردَّة أتكلم معهم وهم يرفضون هذه الأمثال!؟
    هذه مسألة لا يمكن تسميتها بالردة ولا الرجعية، لأنَّ ألفاظ الأمثال التي اعترضوها وردت في معظم مصنفات الأمثال المُعاصرة، وفي مُطلق مصنّفات الأمثال الكلاسيكية.
    فكيف أصفهم بـ(الردة) هنا، وكيف أصفهم بالرجعية في هذه الحالة المحدودة، حالة (الأمثال السريّة)، إن ذلك مما يستعصي عليَّ عن حق، مهما طالت بي حبال الأفانين.
    أأرُدُّهُم إلى عصور كتاب (الأمثال) لـ"المفضل الضبي" المتُوفى عام 784م، والذي أورد عشرات الأمثال من نوع ما يعترضون عليه!
    أم يا تُرى أرُدُّهُم وأُرْجِعُهُم إلى عصور (مجمع الأمثال) لمؤلّفه الميداني المتُوفى 1124م، والذي أورد عشرات الأمثال من نوع ما يعترضون عليه؟ أفلا أكون بذلك قد جنيتُ على الرجلين، وسفحت دماء دهورهما المعرفية، ودهور معاصريهما!؟
    حتَّى إن رددتُهم لأهل الكهف "أنفسهم" فسيعيدونهم لي سالمين، وغانمين بالأمثال من كل نوع، وشاكلة ولون. وسيعيدونهم المَرَّة تلو أختها، متنازلين عن "وَرْقِهِم" ذلك، بقشيشاً لي، كيما أسترجعهم لدهري وأعفيهم من مهمة النزوح لعصورهم تلك، وتشويه سمعتها المعرفية.
    فلا الورى يقبلهم، بحالهم هذا، ولا هنا تشبههم حياة المعرفيين، بحالهم هذا.

    ***
    مما سَلَف أنَّه طالبني بعضُ الناس بقراءاتٍ، غير مستحقَّة، لأنَّها لم تصادفني في أي كتابٍ للأمثال. وكما بيَّنتُ من خلال تعريف الكوشرثيا التي تبدأ بالجمع لا بالدرس، وكما هو معلوم عن الفولكلور، الذي يبدأ بالجمع ولا عداه. طالبوني بدراساتٍ، أُجْرِيَهَا على مادَّة الكوشرثيا، التي نشرتُها واستولدوا لها هذه الزوبعة كلّها من سَطْلِ رؤوسٍ فارغة، وغير مُلِمَّة بِفِلْقَةِ نَوَى من كوشرثياها. ولكن حتى قضية القراءات المدسوسة هذه، طُولِبْتُ بها عبر مراسليهم، الذين طاردوني لموقع سودانيز بعد تجميد حسابي بذلك المُنتدى. فإدارة منتداهم ذلك، لم تمهلني فرصة، بالأساس، كي أفعلها أو لا أفعلها. لأنَّ عنوان كتابي كان كالآتي {أمثالنا السريّة، ومفاتيح ثانية}. ما حَدَا بالكاتب أبي ذر بابكر، لأن يُنَوِّه بما يُقْرَأ منه، أنَّ السِّرَّ في هذه المفاتيح الثانية، كأنَّما يطالبهم بإمهالي، ومنحي فرصة لاستكمال ما بدأته، وأيضاً لا مُجيب. بالتأكيد لستُ في حاجة، لأن أقول للناس إن كُتُبَ الأمثال كلّها في مصادر جمعها الأساسية، لا تحتوي أية قراءات. فهي، أي هذه القراءات Process أخرى من المعرفة، وهذه مسألة لا يجهلها إلا من يجهل هذه المصادر ولم تُصادفه في حياته. وإنَّما فقط لمح الموضوع في بوست الأمثال السريّة، وأخذته {الهاشمية} -كما يقال في إحدى مواد الكوشرثيا الضارَّة، التي تنسب النخوة، لبني هاشم حصراً، أو لزاعمي أنَّهم حفدتهم بالسودان- ليأتي ويُجادل بـ{هاشميته} هذه، في موضوعة كنتُ قد حشدتُ في مقدِّمتها من المراجع ما يدُّل بوضوح تام، لكل ذي عقل، أنَّني حسبتُ حسبتي جيَّداً ونظرتُ في تصانيف وتداوين من سبقوني. فحتى إن كانت محاولتي تلك ستكبو، فمُحَتَّمٌ عليها، ولا بُدَّ لها، أن تكبو في درب، وعلى صراط، معرفي رصين، لا في السهلة "ساكت". ومما جاء في تلك المُقَدِّمة، أقتبس الآتي:
    {ما أجمل الأمثال الإنسانية هذه من رؤى عظيمة للبشرية. فقد ضُغِطت واختُزِلت على نحو يُقَيِّد الحكمة بأقصر عقال تمتلكه اللغة. وبأيسر صيغة تُخَلِّصها من أي صفوية عقلية أو إدراكية في تلقيها. إذ بوسع أي أحد أن يفهم المثل دون مشقّة. لأنّه يجيء في إبانة كافرة ورؤية ناجزة يناسبها مقالة إنّ النبي يُؤتى مجامع الكلم. فيا لها من كلم لأنبياء لا ندري من هم، ولا أين عاشوا ولا بأي لغة قالوها. فمعظم الأمثال نجد لها مقابلات لدى كل قومٍ وحضارة وفي كل صَقْعٍ ودسكر. عن حق لا أرى مادةً فكرية ورؤيوية تجتمع فيها الإنسانية كما الأمثال. لقد أوليتُ في حياتي انتباهاً دائماً لهذه الأمثال ولمعظم ما تفنجرت به المكتبات عليَّ منها. ما أعرفه أنّ التصانيف الخاصّة بالأمثال كوحدة ومشتقة أدبية منمازة عن غيرها من تصانيف الآداب الأخرى كانت أبكر عند المسلمين عن غيرهم من الرقاع الحضارية. فالأمثال القديمة الصينية والهندية والإغريقية مثلاً، الناس استلّوها من بطون التصانيف الأدبية الأخرى ككتب الآداب والتاريخ والفلسفة وغيرها. وهذا تقدير مني لا غير حسب التواريخ المتوفرة لدي. فلا علم لي بمؤلفات أُنجزت حصراً لهذه الأمثال وتخصصاً وبحثاً فيها في عهود أبكر من المسلمين. كما هو الحال مثلاً مع كتاب "الأمثال" لمؤلفِّه "المفضل الضبي" المتُوفى عام 784م، سنناقش هذا الرجل -الخطير والرجعي في آن- حين الحديث عن وهمة طه حسين.
    وهو كتاب بعيدٌ في القدم إذا ما قارناه بكتاب الإنكليزي القديم هايْوود Heywood للعام 1546م المسمَّى (A Dialogue containing the proverbs in English language )، أي (حوار يشتمل على الأمثال الإنكليزية). ترجمات المراجع الإنكليزية كلّها للبعلبكي في كتابه المعنون "مصابيح التجربة" المزيد على معجمه الكبير .
    ثم تلا كتاب الضبّي الكتاب الذي يفضله كثيراً ويعتبر أهم من كتاب الضبّي تخصصاً وحصراً وجمعاً للأمثال وهو كتاب "الأمثال" لمؤلِّفه أبي عُبيد بن سلاّم المتُوفى (774 - 838م)(*1).
    أما أشهر كتب الأمثال جمعاء وأفضلها تأليفاً ومنهجية كما تعارف الناس على ذلك فهو (مجمع الأمثال) لمؤلّفه الميداني المتُوفى 1124م. وهذا طبيعي فبمرور الزمن يتطوَّر الميزدولجي ويتوافر الناس على مادة أعرض بتطوّر وسائل الاتصال والتنقّل. يضم كتابُ الميداني ستة آلاف مَثَلٍ ونيفاً. في خاطري على نحوٍ أساس مقابلة الأمثال العربية مع الإنجليزية التي قام بها الأستاذ منير البعلبكي ككتاب مزيدٍ على معجمه "المورد الكبير" كما أسلفت. وهو قد اعتمد على كتاب هايوود المتقدّم ذكره. وكتاب "راي" للعام 1670م (A Collection of English Proverbs: مجموعة من الأمثال الإنكليزية). ثم كتاب "كولنز" (A Book of English Proverbs: كتاب الأمثال الإنكليزية). وكل ذلك طبعاً من خلال Oxford Dictionary of English proverbs}.
    ولكنَّ "القوم" كما يرد في إحدى مواد الكوشرثيا النافعة {لا بِجِدِّعوا، لا بجيبوا الحجار}، رغم شهادات الدكتوراه الكثيرة والوفيرة كما يلاحظ القراء والقارئات الكرام. فلا أكملتُ جمعي ولا قرأتُ ولا فَكَّكتُ، ولا تَرَكَتْ لي محاحاتُهُم ظهراً باقياً، ولا قطعت بي وادياً. وهذا بالضبط حال بعض السودانيين كما تُصَوِّرهم إحدى قصصي الخاصَّة {لا يِشَيِّل، لا يِعَدْل المِيِمَيِّل}، هذا إن نجوتَ منه، قبل أن يقطع لك {اللَّبَّاب}، ويزعط صوف راحلتك من قفاها كي تعير، فلا تَلِمَنَّ فيها أنت ولا أحمالك. وكذلك فعلوا.
    فمن سبقوني في التأليف وإقامة التصانيف، جمعوا وشرحوا فقط. دون أي معالجات معرفية أخرى، أو تنقيحات أيدولوجية. والموضوع كما تَقَدَّم هو مدخل لتدوين مواد هذه الحضارة الشفاهية المأثورة. فلا يشترط في جامعه، أن يكون مؤرِّخَهَ وناقَدهَ، بل يُشترط فيه أمانة الجمع وحدها. بكل تلك المواصفات التي يشترطها البخاري، لا الطبري. ودونكم ما اقتبسته أعلاه من مقدِّمتي، وما فيها من مراجع، نَقِّبوها. كما دونكم كلّ مصادر الفولكلور، فراجعوها، وائتوني بأنَّها تبدأ بغير (الجمع)، إن كنتم مُحِقِّين. وقطعاً هو من نافلة القول، إضافتي أنَّ "الجمع" يُمَكِّن حتى غير المُلمِّين بهذه المواد، ومَنْ لم يسمعوا بها أساساً، من التوافر عليها، لأجل إنجاز هذه القراءات المُفْتَقَدَة، والتحصيل والتدارس، وللمتعة فحسب. أي باختصار، كي تتوفَّر هذه المواد لكل من يريدها وله فيها شأن أو حاجة بحثية، معلوماتية، أو فَكِهَة، يُريدُ قضاءها.
    ولكن كيف تُقضى الحاجات المعرفية والفنَّيّة والأدبيّة! بينما هؤلاء "القوم" ما تركوا {بَديقةً}، {شوتالاً}، {نَشَّاباً}، {ساطوراً} إلا ورموني به. حَتَّى قَرَّ في خَلَدي، لكي أعبر فوق محزنتهم تلك، دون أن أُشخصنها، أنَّهم فصيلةٌ نادرة من "دكاترة اللامعقول". فكيف أبلع طرمذاتهم وفجائعهم هذه كلّها!؟ وموجزهم كالآتي:
    (واحدة تقول ليك حدود التعبير فيها كم متر مُش عارف، والعلمانية ليست معارف، بل مبدأ، مبدأ بسيط. والتاني تقول ليه العلوم والفنون قالن كَيْت وكَيْت، يقول ليك من شفت تسريحتك قنعت من خيراً فيك. والتالت يقول ليك نُص نقاش الديموقراطية والترشيح وعدد الأصوات، الحقيقة ليست بالكثرة. والرابع يقول ليك الناس القروا لي الموضوع، وحكموا بالنيابة عني، قالوا.. والخامس يقول ليك كان عندك أختك وألا بتك وألا أمك بتخليها تقرأ إيه وإيه، وإنت ذاتك شتّمت بابكر بدري العمل كتاب فيه أمثال بذيئة أكتر من حقتك..).
    يا عَمْ دي سِيِما دي! على لسان أصدقائنا بمصر.
    أعتذر إلى كل قارئ، يمرُّ على ورقتي هذه، وكان يعتقد بأنَّني استضفته في إحدى قصصي الخيالية، وفي نادرة ماكرة من نوادر أدب اللامعقول. وأعَزِّي نفسي وإيَّاكم بالصبر الجميل، وإن ابيضَّت أعيننا جميعاً من الحزن. وأواسي بقلبٍ مبتول وفؤادٍ مَنْزُوك، كُلَّ من ألمَّت به فجيعة، أو نَزَلَت به نازلة، من حكاية "دكتور فلان"، "أستاذة فلانة"، "دكتور علان". التي تَرَدَّدَتْ كثيراً، حتى يخال الشخص، بأنَّ ما أتيتُ به من مقتبسات أولئك الدكاترة كلّهم، لا بُدَّ أن يسبقه فاصل إعلاني، لا مَحَالة تليه، تنويهة، كنتم مع {الكاميرا الخفية}. تَمَنَّيتُ ذلك مثلكم، ولكنها المقادير، وما باليدِ حيلة في هذا الكون العريض، الذي استحال في معظمه إلى كاميرا خفية، لن ينوِّه بعد فاصلها الإعلاني ذاك سوى الموت.
    والحمد والشكر، للدكاتره الأجلاء، الذين صرفونا عن (جمع) مواد الكوشرثيا، بكل جهد امتلكوه أو استلفوه أو اسْتَّغْفَلوا له، وسهروا عليه. وجعلونا نَتَحَدَّثُ بمثل هذه الشروح، وهكذا، عن ضرورة (جمع) مواد الكوشرثيا وما أدراك! والدنيا في الثلث الأخير من القيامة. بينما نحن مشغولون جداً، وللغاية يا أخي وأختي الكريمين، فساهما بعرقكما وصوتيكما معنا، لأجل تعريف جنس هذه البدهيات، ببدهيات {أظرط} منها. وكأنَّنا سنُؤَسِّس لمثل هذه الأفرع من المعارف الآن! والدنيا في الثلث الأخير من القيامة. والسماء انتكت للأرض، تَدِّي الموتى شَبَّال النشور. ونحن ها قد صحونا الآن، من لحدنا، نتمطَّى في أكفاننا، كسالى وجهلة ومتأخرين حتى فيما وراء القيامة. نتمطَّى في أكفاننا، كي يسقطَ مَوْتُنَا عن صدى مَوْتِنِا، فربما نُؤَسِّسُ للمعارف التي أسَّسَهَا الإمام البخاري ما بين (194-256هـ: 810-870م) من الحياة الدنيا.

    ***
    أشرتُ لكوني عَيَّنتُ الفنون القولية على وجه التجزئة، بالرغم من أنَّني أضفتُ لتعريفي سعةً وكلتُ أمرَ إنجازِهِا لغيري إن راق لهم المصطلح، كما تَقَدَّم أعلاه. وأسباب ذلك تعود لطبيعة المادَّة التي يُرَاد تناولها ذاتها، وعلاقتها بطبيعة اهتمامات الباحث أوَّلاً، ثم بالمعارف والعلوم التي تلقَّاها ثانياً. كان بوسعي الاكتفاء بتعريفي الأوَّل للكوشرثيا بوصفها الدراسات والعلوم المُفارسِة -من فرس الرِّهَان- للفولكلور، والدائرة في فلك الشفاهيات عموماً، والفنون القولية حصراً. دون أن أضيف إلى ذلك الأساسات الماديَّة للحضارة. ولكن تأملاتي التي تَمَّت لي على مُكْثٍ في مواد الكوشرثيا وأبوابها الكثيرة، التي جمعتُ منها إلى الآن ما ينوف عن الثلاثين ملفَّاً من الويرد، باعتبارات ما يمليه التبويب والتصنيف، ولا أقصد الكثرة، لأنَّ ملف الويرد الواحد لا يمتلئ ولا يشبع. فبحاصل ذلك كلّه، ومن واقعه الذي تَمَّ لي على مُكْثٍ، خرجت بتصوُّرٍ مفاده أنَّ الكوشرثيا تتطَلَّب إدخال تلك التوسعة حتَّى وإن نَدَّت عنها معارفي وقدراتي. فما أنجز أحدٌ بمفرده علماً قط. ولكن الأفراد أسَّسوا للعلوم بوضع بذرتها أو فكرتها الأولى. ومنهم من اقترح مجرَّد تسمياتها، اقتراحاً طارئاً كما حَدَثَ مع الفولكلور هذا ذاته، وعلى وجه التحديد.
    أيجوز أن نقول ويا لعجائب الصُّدَف!؟
    بل هنالك من ألهم فكرة العلم إلى غيره مجرَّد إلهام. وسأعود لهذه النقطة، بعد أن أُعطي أسباباً موضوعية لتلك التوسعة التي سأُلقي بحبالها على بقر الناس. فقد وجدتُ نفسي، أوَّلاً، أقربَ إلى متتبعي الحضارات، منها إلى مغرمي البحث في الأقوال دون ربطها بالأفعال. والأفعال هنا هي الحضارة في منتجاتها على الصعيدين، المُنتَج المادِّي الأدواتي، والمُنْتَج السلوكي البشري. وهذي ملاحظة لي في كون الحضارة الكوشية هي حضارة ماديَّة عقلانية في الأساس، أكثر من الحضارة المصرية المتشابكة معها في معظم ملتقياتها الروحانية. ما جَعَل الغربيين يسفهونها بحسبانها نسخاً، وفي رواية مسخاً، من الحضارة المصرية. الحضارة الكوشية، في ملاحظتي وقراءاتي لها، اهتمت بتصنيع الإكسسوار الطقسي أكثر من اهتمامها بالإله الذي تُقَدَّم وتُنذر إليه الطقوس. واهتَمَّت بشَقِّ قنوات الرِّي، وبتسمياتها، أكثر من تمثال الإله أبادماك الذي تجري الأنهار من تحته، وفي بعض التماثيل تجري من فمه. ورَعَت، الخِصْب في منحاه العملي، بتحديد مواسم الزراعة، وتسمية الفصول والنباتات، أكثر من فكرة الخصب ذاتها، في الميثولوجيا التي تكون غالباً مصرية عاطلة. أعتقد أنَّ الحضارة الكوشية تُشابه، وربما تُطَابِق، جوهر الحضارة الغربية المعاصرة. ومع ذلك أهمل دراستها الغرب، إذا قارنَّا الأمر بالاهتمام الكبير الذي حَظيت به الحضارة المصرية المجاورة. ومع ذلك تَفَوَّق علينا الغرب، في الصراع المادِّي الأدواتي، وأيضاً السلوكي العملي، بالنسبة للبشري نفسه. وثورة أركماني الأولى، في وجه الميثولوجيا، والمعبد، تُفْهَم في هذا السياق المادِّي للحضارة الكوشية كما أفهم. ومع ذلك نحن نُسَمِّي "العِلمانية" بهذه التسمية، التي هي نتاج ترجمة مُتَعَسِّرة لدرجة تشويه المولود، ونطأ فوق اسمها الحقيقي ذي الصَّحَاح. الذي كان يجب أن يكون لهذه الحضارة الكوشية. ألا وهو "الأركمانية" تَيَمُّنَاً بهذا الرجل الذي كان أوَّلَ من دعا الحواس الخمس لطرد الميثولوجيا، وإنزال العلم والمنطق إلى الواقع، لما ينفع الناس. الرجل الذي كان يجب أن يُقتل طقسياً فعاجل تلك الطقوس غير المنطقية، ولا العقلانية، وأماتها قبل أن تُمِيتَه.
    ولهذه النقطة الجوهرية، التي تجعل الحضارة الكوشية مختلفة عن غيرها، أي كون هذه الحضارة هي حضارة مادِّية بالأساس، وربما لا يكون لها غناءٌ شفاهي إلا وهي تعمل، ولا تأتي للطقوس، وتُرَدِّد الأناشيد الدينية، إلا لأجل عرض إكسسواراتها الذهبية والفضيّة والنحاسية، وسيوفها وخناجرها وبلطاتها، وتغشُّ آلهة الخصب كلّها بالتقوى بينما هي تُوَفِّر قوتها، ولا تمتدح ملوكها أبداً إلا إذا جاؤوها بغنائم نصر ما! تَخَيَّل، أنَّ حضارة على هذه الشاكلة الماديَّة أدواتٍ وسلوكاً، يرثها هذا الكائن الكوشرثي المعاصر، المشهور بالكسل والخمول، بعد أن لحقت بكوش إضافة وSuffix "رْثِي" هذه. وإلى اليوم، لاحظ لكون الكوشيين الأقحاح مشهورون بالعمل الشاق وذي العَنَتِ والمَكَاره، كإخوتهم الآسيويين من قلب آسيا، عكس مستعربي السودان تماماً، وكُليَّاً. لهذه النقطة الجوهرية، وجدتُ أنَّ الأدوات يجب أن تُشْمَل في مصطلح كوشرثيا، وإن قادت المسألة إلى تأسيس أنثروبولجيا ثقافية، خاصَّة بنا، عوضاً عن تلك التي أسَّستها أجهزة المخابرات الغربية، وعوضاً عن ذلك الفولكلور. لأنَّ الأنثروبولجيا الثقافية تقرأ الأدوات وتحتويها بينما "غالب" مدارس الفولكلور تنتبذها وتُرَكِّز على المأثور الشفاهي لأُمّيين مجهولين. إنِّي أعتقد أنَّ أصغر مقارنة للأدوات والسلوك الكوشي التاريخي، مع الأدوات والسلوك المصري التاريخي، ستريك الفرق الشاسع، والبنيوي، بين الحضارتين. فلا بُدَّ إذن من إضافة الأدوات ما دامت هذه هي الميزة الحضارية الأعلى للكوشيين، التي تُميِّزَهم، وتُخَلِّصَهم كذلك، من جور تلك القراءات كلِّها، التي تكتفي بأنَّ مأثورهم الميثولوجي، الروحاني، ما هو إلا استنساخ للمأثور المصري. فهذه هي حضارة اللِّبْنِ، أو الطوبِ، الخاص جِدَّاً، أوَّلِ مصاهرِ الحديد في التاريخ الإنساني، المضفورات، المراحيك، اللاماتِ، الألبسة، المكياج، الأقنعة من باب الصناعة والمشغولات لا الطقوس.. إلخ.
    وبذهاب ذلك التاريخ كُلّه، وقدوم الإرث الإسلامي العربي، لم تمت تلك الأشياء، بل اختلفت في ذبول. ومع ذلك، انظر لبيوت أهلنا من المحس حَتَّى تاريخ اليوم، وإلى الزخارف عليها، ستجد هذه الكوشرثيا التي نتحَدَّث عنها. المزيج، اللِّبْنِي، والفنَّي، من الحضارتين الكوشية والعربية، مع إضافة كُلِّ ما حمله ذلك المُتَحَرِّكُ الثقافي الأيدولوجي للإسلام، قبل أن يستحيل إلى ساكنٍ قومي، منكفئ على ذاته. وحتى تاريخ اليوم، بيوت أهلنا من المحس تحديداً، ومعظم نوبيي الشمال، ذات عِمَارة فريدة لا يمكن أن تكون إلا كوشرثيا. فهل يُتَوَقَّع منِّي أنا مثلاً أن أقوم بدراسة هذه المباني! لكان ذلك من دواعي سروري، لو كنتُ مُتَخَصِّصاً في هذا المنحى من المعارف. فالذي هو من باب أولى أن ندعوا المعماريين وأهل الهندسة لدراسة الكوشرثيا لدى هذه الجزئية.
    الرِّي، وتقسيماته في وحدات، وأقنية، دقيقة، وماهرة، ما بَرَعَت فيه الحضارة الكوشية، على عكس الحضارة المصرية تماماً. وما لم يتبَقَّ بين أيدينا منه، إلا مهاراتٍ لا تتجاوز لُقَى اللغة. من تسميات مثل "اللُّرمبو"، و"اللاويق"، "الانقاية"، "التَّقْنَت"، "اللَّبَقَة"، وهذه مفردات كوشية. حسب علمي السَّمَاعي، فإحدى حَسَرَاتي العِراض من سودان الحَسَرَات العريضة مثله، أنَّني لا أعرف أية واحدة من اللغات الكوشية. هذه المفردات الكوشية، دَخَلت عليها مع العرب والمسلمين مفردات مثل "فَسْقِيَّة" وهي فارسية، يَرِدُ عنها في أحد قواميس نقل العربية إلى الإنجليزية أنَّها كانت تُطلق على الوضَّايات، جاءت مع الصلاة الإسلامية إذن لتنضاف إلى الرِّي الكوشي. و"البربخ" وهي تطويع بيئي من لفظة "البرزخ"، لتنمو الكوشرثيا فعلاً وتزدهر.
    فمتى نتوقَّع مثلاً، أن يخرج علينا أحدُ مهندسي الرِّي ببحث شامل ودقيق في هذه الجزئية، تسانده معارف وعلوم عصرنا التي تَلَقَّاها في جامعة الخرطوم أو غيرها من الجامعات؟ وخبراته التي كَوَّنها من العمل لسنين طِوَال في مشروع الجزيرة أو غيره من المشاريع؟ فيكون لدينا فصل من الكوشرثيا لدى هذه الجزئية أيضاً.
    التداوي، الذي إن كانت مفردة الفولكلور تعني بأحد تعريفاتها الموجزة "حكمة الشعب"؟ فانظر في كوشرثيا "البُّصَرَاء" عندنا، والمفردة ذاتها تُريك الفرق بين الكوشرثيا وغيرها من ثقافات الحضارات. وقلتُ عَن الكوشية سابقاً إنَّها غَذَّت الإسلام والعروبة حضارياً بأكثر مما غَذَّياها. فهي شَكَّلتهما بنيوياً وجوهرياً، أمَّا هما فزوَّقَاها فسيفسائياً فحسب. فوقفة قصيرة مع كلاسيكيات الليركس، قبل طاعون الجماعات الإسلامية هذه، تُريك أنَّ اللغة العربية التي ما انتصرت إلا بالقرآن، كانت خليطاً بين العربية القُحَّة والمفردات الكوشية. أمَّا الموضوع ذاته، كما سبق وتناولته في كتابتي عن حميراء وأشعار الفروسية، فهو لممدوح كوشي دون ريب. والأسطورة التي تُعْلِي من شأن الممدوح، إمَّا أسطورة كوشية، أو أثارة إسلامية بحتة. والاستعراب المُسْتَّعْلِي هذا كان له وجود ولكن بنسبٍ تقل كثيراً عَمَّا إذا مضينا مع الزمن ملاحِقين له نحو اليوم. فالحياة في عصر الممالك، كانت طبيعية لحدٍّ كبير، ولا يُسئ أحدٌ فيها للآخر لأنَّ كل مملكة تقتني جيشاً. وما بقيت تلك الأشعار، القديمة، والمعتدية إثنياً، إلا لسبب رئيس، هو أنَّ الشعر نادراً ما يموت. ولسببٍ آخر وهو أنَّ الكوشيين أخذوا في الانمساخ والتحوُّل لمستعربين بمُحَفِّزات الدين، أكثر من مُحَفِّزات الانهزام. فما عاد يدافع عنهم أحد. والمهدي نفسه في التاريخ المُعَاصر التحق بالأشراف، وسَمَّى أهله الدناقلة {شريفيين}. وهذا بواعز من الدين المُتصوِّف لدرجة أن يتماهى المهدي في محبَّة تلك الروح المحمَّدية حتى يكونها بالتخييل. التخييل الحقيقي، الذي يطمس الواقع بالذهانيات، لا بالكذب. المهدي كان فَنَّاناً مجذوباً، وخيالياً عظيماً من طراز بوهمة، ولم يكن دَجَّالاً صغيراً، أو كاذباً رخيصاً. أي بوسعك الذَّهاب بالمهدي إلى مستشفى يعالجُ أشخاصاً شربوا جرعةَ تخييلٍ أكبر مما يحتمله الإنسان، ولكن ليس بوسعك اقتياده إلى حَراسَة أو محكمة دَجَّالين تافهين. وهذا لا يعني ألّا نتعرّض لشخصيته أو لدولته بالنقد، ولما أرسلته من معايب نحو المستقبل ليؤثِّر على ما تلاها من دويلات.
    أوضحتُ أنَّ بقاء تلك الأشعار المسيئة، بسبب أنَّ الشعر نادراً ما يموت، وغالباً هي أشعارٌ أرَّخَت لمعارك عربية مع الكوشيين، بما يجعلنا نعزلها ظرفياً ومنطقياً عن مجمل حياة الناس. التي كانت طبيعية لَحَدٍّ كبير، لأنَّ الممالك كانت معزولة عن بعضها بعضاً، بعد تشظِّي السودان الكبير. فالذين يتحَدَّثون عن سودان جاء به للوجود فرمان لـ"محمّد علي باشا" هؤلاء أشخاصٌ واهمون. السودان كان أكبر من ذلك، وتشظَّى قبل دخول العرب بإسلامهم. ولأسباب خارجية ليست داخلية، لأنَّ السودان كان يتصارع مع الرومان وقمبيز الفرس. في الحقيقة المستفيد من مُزحة فرمان "الباشا" هذه، هم العرب والمسلمون، كي تكون لهم تلك الممالك القريبة جذراً تاريخياً يزعمون من عنده أنَّهم كانوا هنا، ربما من زمن الأهرام!
    فأساس التداوي، وأساس البصير في السودان، هم الكوشيون. ولكن الناس تفهم الحضارة في ظاهرية الدين هذه، التي إن نبشنا فيها سنجد أنَّها تقود إلى دين إسلامي سوداني، خاص بنا، ما أفسده علينا إلا جماعاتُ الإسلام السياسي هذه. وباللغة العربية؛ اللغة التي مما قلتُه عنها في موضع آخر، أنَّها أكواد ميتة. لا حياة لها إلا على الموضوع، كما شبَّهتها بالفيروس، الذي لا حياة له إلا على العائل، والعائل في أغلب مناحي الكوشرثيا كان كوشياً. ولذلك قَدَّمتُ لفظة "كوش" على "إرث" في نحت المصطلح، ليكون المصطلح حتَّى في شكله الظاهري مناسباً لموضوعه وجوهره. و"كوش"، من المُصطلح، مقدمةٌ على "الإرث" لأنها جذر المكان وأصله، والإرث جاء لاحقاً.
    وجوهره، هذا الكوشي، المادِّي أدواتٍ وسلوكاً، الأركماني، كان المُنطلق الأوَّل، والبذرة. فبصير هذه الحضارة يشبهها ولا علاقة له ببُصراء من حضارات ثانية. فهو له ثلاثة حِرَف في العموم، وغالباً يكون شخصاً واحداً. هذا لا ينفي أنَّه في أحايين كثيرة يَتَخَصَّصُ في حرفةٍ واحدة من تلك الحِرَف الثلاث. الحِرفة الأولى هي طِبَابة الناس، والثانية طِبَابة البهائم، والثالثة طِبَابة الأدوات. فأنت تأتي إلى البصير وتجده يجلس تحت ظل شجرة كبيرة، يحمل قَدُّومَه الصغير وينجر سرجاً لدابّته، عنقريباً، توريقاً للساقية، باباً، حسب مصادفتك له. وبناءً على شكواك سيتعامل معك، إمَّا وضع آلته تلك وتناول آلةً ثانية، مروداً من باب المثلات، ليكوي لك فككاً، أو أوصاك بحمّية، وأعطاك كمُّوناً، عُشبةً، أو ما تحتاجه من وجهة نظره الطبية باختصار. ويُؤَتَى له بالبهائم التي تعاني من إسهال أو كسر فيَطُبُّها أيضاً، وكذلك يرقي بالقرآن والحديث، كإضافة من الإرث الإسلامي.
    كما يصنع الأدوات، وأيضاً يُصلح الذي فَسَدَ من صناعتها، ويعيد ترميمه.
    أحياناً قليلة جداً يقوم البصير بنفسه، على مسألة الصيدلة، وفي الغالب الأعم، هو يترك ذلك لـ{العَشَّابَة}. أي المتخصصين في الأعشاب، سُمِّياتها ونافعاتها.
    كما يقوم بالمهام الطبيَّة بشقيها، النفسانية الروحانية، والبدنية. وبإجراء المُكَثَّف من البحوث سنستطيع، تعيين، الكثير، الظاهري، مِمّا لم يلتحم التحاماً تامَّاً، ويُشَكِّل نَسَقاً حضارياً ثالثاً، أي ماهو لكوش وما هو للإسلام والعرب.
    فتقديري، أنَّ الذي بين أيدينا هذا هو نَسَقٌ حضاري ثالث، قائم بذاته، ليس الكوشية ولا الإسلاموعروبية. وهذا لا يمنع أنَّه بوسعنا أن نرى، مظاهرَ واضحة تنتمي للكوشيين، وغيرها مما ينتمي للإسلاموعروبية.
    فتسمية لمرض مثل "أم التيمان" مثلاً، أو التواء الرقبة، هذه العِلَّة مع تطبيبها تجدها في الثقافة الإسلامية واضحة جداً، وهناك أحاديث نبوية عنها، وغالباً مردُّ التسمية إلى الحسن والحسين، أبناء الزهراء، وهذا إرث شيعي، علاوة على الصوفي، والسُّنِّي.
    وتسمية لمرض آخر مثل {الدانقسيت} مع حقيقتها "السببية" أو أسطورتها، لا أدري بأي حال، أأسبابه تلك أسطورةٌ أم حقيقة!؟ ولكن هذه اللفظة هي عربية جاءت من الفعل {دَنْقَسَ} وجاء في معجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ {الدَّنْقَسَةُ: تطأطؤ الرأس ذُلاً وخضوعاً، وخفض البصر}. ونقول من دارجتنا {الدَّنْقُوس} ونعني بها الرأس، والحلاق يقول لك {دَنْقِس رأسك}، أي اخفضه.
    و{الدانقسيت} ألم يطعن في باطن راحة الكراع، ولكم عانينا منه عندما كنا أطفالاً. وهو يأتي من الوطء على بول ذكر الحمير. "كما يشاع". وربما هناك بكتيريا أو طفيليات أخرى تُوجد في بول الحمير تُسبِّب ذلك وربما قصته ثانية!؟
    وهم قد أسموه على هذا النحو لأنَّ المصاب به يدنقس رأسه حين يمشي، لأنَّه يضلع.
    فمن سيفسِّر ذلك كلّه، أنا أم أطباء وخبراء معامل؟
    فإن ثَبَت أنَّه لا علاقة لذكور الحمير بهذا المرض، وأعتقد أنَّ لها علاقة به، لأنني جرَّبتُ المرض المعني بنفسي، ولكن إن لم يكن له علاقة، وكان ذلك الوطء الذي يُسَبِّب الألم لمُسَبِّب آخر، لا لبول الحمير، فلا بُدَّ أنَّ هذا التفسير لُمَسبِّب المرض يستند إلى أسطورة كوشية ما عن الحمير.
    ولكم من البحوث والدِّراسات نحتاج، يا تُرى، لمناقشة موضوع {الزَّار السوداني} وحده، بشقيه الميثولوجي، والطبي، النفساني، وهو أيضاً كوشرثيا. وكل الكوشرثيا الصيدلانية المرتبطة بالنبات، طبياً وأسطورياً. وكذلك الكوشرثيا المرتبطة بالحيوان، بيطرياً وأسطورياً.
    في الحقيقة، الكوشرثيا من أثرى حضارات الدنيا، ومع ذلك هي من أفقر حضارات الدنيا اشتغالاً عليها. هل قابلك ولو مجرَّد دليل سياحي، ناهيك عن قاموس علمي مُحْكَم، يُعَرِّف ولو بجزءٍ قليلٍ فحسب من الحيوان في جنوب السودان مثلاً؟
    هل قابلك قاموس نباتات السودان؟ قاموس طيور السودان؟ قاموس فراشات السودان؟ قاموس جراد السودان؟ قاموس نمل السودان؟ قاموس تماسيح السودان؟ قاموس زواحف السودان البريّة؟
    بل إنَّ مفرداتٍ شهيرة كالشيح، القرض، الحرجل، المحريب، الجردقة، السنمَكَّة، العرديب، الحُلْبَة، الحنبك. هناك من هذه الأجيال من لا يعرفها ولم يسمع بها بتاتاً. ولذلك أضفت تلك التوسعة في المصطلح، عَلَّ كل من له فضل علم، بكوشرثيا شفاهية أو غير شفاهية، يرمي به في أتون ذاك المُصطلح.
    وحتى خلط بعض المفردات النباتية أعلاه، بعسل النحل عبر مفاهيم معنوية مأخوذة من كتاب "الطب النبوي" أي من الإسلام، مع إضافة مكونات عربية، استقاها النبي محمّد أساساً من البيئة العربية ولم يخترعها القرآن. وأحياناً خلطها ببول الدواب، ودمائها، وبمشتقات أسطورية ثانية وكثيرة.. إلخ، المتعلّقات بالطب هذه كلّها، من سيقوم بدراستها؟ أنا أم أطباء وصيادلة؟
    وكذلك، مما تسبَّبتُ به على توسعة المصطلح، على نحو جوهري، مما بيّنته أعلاه، من كون الحضارة الكوشية كانت حضارة عقلانية، ماديّة بامتياز. حضارة تصنيع، وأدوات وإكسسوار، فكان لا بُدَّ من هذه التوسعة، ولو من باب قانون التناسب. فالعلوم هذه، أعني الإنسانية لا التطبيقية، خُلقت لتخدم الحضارة، وليس لتوافق قوانين روحها الحدوديّة النظرية. ولذلك أسموها بالإنسانية وعزلوها عن التطبيقية، التي لا يمكن السيطرة عليها في كل الأحوال، أم صواريخ، وقنابل، وإلى آخر {الكفاوي}.
    وما هي روح هذه العلوم الإنسانية؟ روحها هي هذه الحضارة التي يجب أن تحميها من الهلاك والفناء. فالإنجليز هؤلاء ومنذ زمن بعيد يستخدمون آلات حديثة وتكنولوجيا حديثة، وما يخافون عليه هو إرثهم الشفاهي. هل يا تُرى لهم "واسوق" و"بُرمة" و"كدنكة" و"مشلعيب" تبلغ أعمارهم آلآف السنين؟ طبعاً لا، فما هم بأقدم من الحضارة الكوشية. وهذه الأشياء هي تهلك الآن حتى في السودان، إلا مناطق الأرياف البعيدة جداً، والتي لا نعرف أننتظر بها خبراء التنمية أم منقّبي الكوشرثيا!
    ولكم فرحتُ حين وجدتُ لفتةً عبقرية وفي منتهى الخطورة الحضارية، قام بها ابن عمر التونسي، صاحب كتاب {تشحيذ الأذهان، بسيرة بلاد العرب والسودان}. هذا الرجل قام بحصر كميّة كبيرة جداً من الأدوات في منطقة دارفور إبَّان عيشه فيها عام 1803م. ومع قِدَمِ هذا التاريخ، وقِدَم التفكير فيه، فالرجل قام بَعَملِ قاموسٍ للأدوات مع رسوم توضيحية "كمان".
    فمن حسن الحظ، أنَّ الرجل له اهتمامات بـ(الجمع) وتنضيد القواميس وصناعتها، إذ له اهتمام بعلوم الطب والنبات والحيوان، كما له مؤلَّف اسمه {الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية}.
    المخطوط القديم، لكتاب ابن عمر، الأصل، إمَّا بالقاهرة، وإمَّا أنَّه بباريس الآن، وربما يمتلكه ورثة "بيرون"، الفرنسي صديق ابن عمر. الذي أخرج طبعةً فرنسية من رحلة ابن عمر إلى {وادَّاي}، ويُعتقد أنَّ أصلها العربي مع ورثة بيرون أيضاً، حسب معلوماتي. ولماذا فعل ابن عمر ذلك في ظنّك؟
    فلجانب اهتمامات الرجل، فمن المؤكَّد في خاطري، أنَّه فعل ذلك، لأنَّه رأى شيئاً لم يره لا في دياره ولا في مصر التي قدم منها. أدهشته هذه الأدوات بوفرتها، براعة تصميمها، وجودتها واختلافها، فقَرَّر أن يُطلع عليها الآخرين. خصوصاً إذا عرفنا أنَّه ألَّف كتابه هذا بعد مُضي زمن ورجوعه إلى مصر، وربما كانت مخطوطاتها "البدئية" معه منذ البداية، من يعرف!؟
    بأي حال هذه الأدوات التي عَدَّدها ورسمها لا أعتقد أنَّ ربعها قد يكون موجوداً، أو حَيَّاً، في دارفور الآن. فهذه الأدوات تهلك مع الزمن وبتطور الأدوات ودخول الآلات الحديثة.
    بل إنَّ الرسوم النادرة من ذلك الكتاب والقليلة ذاتها تهلك. ولكم كنتُ أُصِرُّ وأتسوَّلُ أصدقائي التشكيليين في أن يعيدوا رسم ذلك القاموس، لأنَّه فَنِي إلا قليلاً. أمَّا كشَّافُهُ وثَبْتُهُ، اللغوي الإيضاحي، فكنتُ قد حَرّرتُه وجَهَّزَّتُه مع نسخة الكتاب التي أعددتُها لمركز "الأدب الجغرافي العربي" بالإمارات. لكم ناديتُ في التشكيليين، ولا مُجيب. لأنَّ وجود قاموس مُحْكَم لها، سيساعد الناس في دراستها، بل واستعادتها، وحفظها، وستفيد في قراءة تلك المعابد وما عليها من نقوش. ومن لغة كورسيفية لم تفك معضلتها حتى اليوم. أكتب ذلك عسى أن يُثير هذا الكلام رأفةً في قلب أحد التشكيليين، فيقوم بعملٍ مفيد.
    والإكسسوار، الذي لي به غرام وولع، العقود، الحجول، الأقنعة، الأسورة، أخلَّة البجة وأمشاطهم، الحجبات، خناجر وسكاكين الإكسسوار التي تُلبس، الذمام، الحلقان، العصي، الحرائر بأنواع أهلّتها المختلفة، للعرس، للطهور، للسيرة، للمشاهرة.. إلخ.
    الأزياء، الصديري، الطاقية، العمَّة، الرحط، سروال البادوبة، القرقاب، التوب، الفركة، الشملة، الشالات، الطِّرَح، القرمصيص، هل سيتعيَّنُ عليَّ أن أقرأها أنا أم متخصصو أزياء وإكسسوار؟
    سأكتبُ و(أجمع) ما بوسعي كتابته وجمعه، ولن يوقفني أحد. وفي بالي شابَّة صغيرة أو شابٌّ صغير، لنتخيّلهما بعد ثلاثمائة عامٍ من الآن، وهما يُقَلِّمان أظافرهما بأسنانهما، في إحدى مكتبات الجامعات السودانية، ينتظران دورهما للحصول على مرجع {الأمثال السريّة} التي انقرضت قبل مائة عام من زمانهما. ولهما بحث في إحدى مواد الحضارة الكثيرة التي تتطلب معرفة بيئة محدودة تتوفَّر في تلك الأمثال، ومعرفة لغتها. فلا بُدَّ، وقطعاً، أنَّنا بهذه الحال التي نحن فيها الآن، من التقاتل حول البدهيات، سيبقى هذان الشابَّان إلى ذلك الوقت، في بلدٍ، وبوسط جامعةٍ، ينتظر فيها طلابُ العلم دَوْرَهم لِلَمْسِ {حَجَر أسعد} المراجع وتقبيله.
    وبالإضافة لما وسعي القيام به من (جمع) سأقوم بمعالجات تقنية حسب قراءاتي في جنس هذه العلوم لدى الشعوب الأخرى، كي أستفيد منها في حل إشكالات بعض المواضيع التقنية بخصوص الكوشرثيا.
    فهل يُوجَد يا ترى قاموس للأدوات الموسيقية السودانية؟
    الموسيقى مثلاً ليست موضوعاً شفاهياً في أوروبا منذ اجتهادات ذاك القس الإيطالي، على النوتة، الخالد والعظيم غيدو دِّيزو Guido D'Arezzo النسبة لمدينته Guido of Arezzo، وهو قد عاش بين العامين (990-1050م).
    ولكنَّ الموسيقى في بيئات ريف الكوشرثيا ما تزال حتى اليوم موضوعَاً شفاهياً. بل أغلبُ العازفين السودانيين، والفنّانين، للآن لا يعرفون النوتة. ولكن هنالك من الألحان المأثورة، مجهولة المؤلِّف، المحفوظة حتى تاريخ اليوم شفاهياً، والمنتقلة من فم آلة موسيقية إلى أختها عبر الدهور دون أن يُدَوِّنها أحد.
    فهذه الألحان كوشرثيا، أعني من خلال مواصفات الفولكلور.
    فالفولكلور له كميّة مهولة من التعريفات، ولكن أكثر تعريف راقني منها، هو تعريف الدكتور أحمد علي مُرسي نفسه، إذ يُعَرِّفه هكذا:
    {الفنون والمعتقدات وأنماط السلوك الجمعية التي يُعَبِّر بها الشعب عن نفسه، سواء استُخدمت الكلمة أو الحركة أو الإشارة أو الإيقاع أو الخط أو اللون أو تشكيل المادَّة أو آلة بسيطة}.
    ولو تتبعنا {الزُّمْبَارة} وحدها، كأداة بسيطة عَبَّرت بها الكوشرثيا عن أنفسها، لوجدنا منها آلاف الألحان الكوشرثية، المأثورة، ومجهولة المؤلِّف. فلو كنتَ بأي بادية من بوادي غرب أو شرق أو شمال، وسط، حدود بحر العرب من السودان، وسألت عنها الرعاة، فسيعزفونها لك.
    فحالة القُمْري، الطَّيْر، تُقَسَّم إلى أحوال، لكل حالةٍ منها نَغَمٌ مُعَيَّنٌ. فهناك {ضَرْبَة} أو {نَقْرَة} كما يُسَمِّي الرعاة المعزوفة، {ضَرْبَة الرويانة} و{ضَرْبَة العطشانة} و{ضَرْبَة أم حُزوز}.. إلخ.
    وأيضاً حالة الإبل لها معزوفات {المِتَاومَة} و{الطارحة}..إلخ.
    هم يُصَوِّرون حياتهم كلّها بالموسيقى. فهناك معزوفة {الرَّي}، وما هو ثقيل من معزوفات مثل معزوفة {الجَكُّونيّة}. والخفيف منها مثل {الحمامة} و{العرضة} و{البَّشرية} و{أبو الصِّقير} و{مَندوف}.. إلخ.
    وهذه جهة من الكوشرثيا تحتاج إلى مدوِّنين يُلِمِّون بكيفية تدوين هذه المواد. وهناك من الموسيقيين من أخذ من هذه الكوشرثيا، ومَنِ اقتبس. بعضهم لوَّن فيها، وبعضهم عَصَرَها في حَلِّته دون زيت، فلا ثَبَّت مرجعيتها إلى "تراث" الشائعة والخاطئة تلك، ولا إلى كوش، بل عِيَاناً بَيَاناً، وجهرةً، زعمها لنفسه. وما من مكتبة (جامعة) تسمح بمراجعة أولئك النَّاس فيما أخذوه دون تثبيت مصادر.
    لا نمتلك ((مكتبة وطنية)) حتى اليوم، والدنيا في الثلث الأخير من القيامة، كما ناديت بهذه المكتبة حتى بُحَّ قلمي. لا بُدَّ من إنشاء مكتبة وطنية، فحضارة هذا البلد تهلك كل يوم ولا مغيث.
    ولا بُدَّ من النظرة الموحَّدة إلى كل مواد الكوثرثيا، ولا أُطالب بإنصاف ما هو كوشي وحسب، وإنَّما بإعادة صياغة هذه الثقافة، ومواد التربية، في تمامها. بحيث نستعدلها هكذا.. كوشياً-إرثياً، وبهذا الترتيب، الذي هي عليه في الحقيقة. ولا بُدَّ أن تتوقَّف أدوات الإعلام السودانية هذه، وفوراً، عن تسمية مواد الكوشرثيا، في الإذاعة والتلفزيون، وغيرها من أدوات الإعلام، بالمصطلح "تراث". القاصر وغير الحَسَّاس، وأن تستخدم هذا المُصطلح كوشرثيا، أو ما يشبهه، احتراماً للثقافات السودانية في تمامها ومجموعها.
    ***
    وختاماً أقول، إنَّ الشعوب لا تتخلَّص من تاريخها القبيح، على مستوى مواد التاريخ وأثارتها الباقية. وإنَّما على مستوى العظة والعبرة من ذلك التاريخ ومن تلك الكوشرثيا كُلِّها. ولا تتخَلَّص من جنس هذه المواد بطريقة وعلى نهج طالبان، التي قامت بتدمير تماثيل بوذا، بذريعة أنَّها وثنية! وهو النَّهْجُ الطالباني، الدِّيني القِيَمِي ذاته، المُنْتَخِبُ لما يُريدُ مزاجياً، لا عَبْر براهين وتسبيب تُمليه العلل والمعرفة، لمن أرادوا تدمير مواد هذه الكوشرثيا، بدعوى البذاءة. ولمن أرادوا إزالتها إعداماً، وتمزيق صفحتها بالاقتلاع من كتاب التاريخ والنَّسَق الحضاري، لا بالأرشفة ومن خلال الإحالة لمتحف علوم، من أجل قراءتها، وقراءة ظروف ميلادها، تسبيبها، ونشأتها. وكذلك من أجل معرفة موقعها النَّسَقي والسِّيَاقي من إشكالات هذه الحضارة ومعالجاتها، ومعرفة موقعها الباني، ومن ثَمَّ ترشيحه وتدعيمه للمزيد من الارتقاء والنمو الحضاري. كما ضربتُ، من ذي قبل، مُثُلاتٍ، بمتحف الأبارتيد Apartheid Museum بجنوب إفريقيا. الذي قُدِّر لي أن أراه، وهو من أكثر متاحف جنوب إفريقيا جدية، وخُصِّص له مبنى ضخم، مترامي الأنحاء، والخضرة تُحيط به من كل ناحية، ويجاور مدينة شذور الذهب الـGold Reef City في جوهانسبيرغ.
    وكتبتُ عنه في رحلتي، إنَّه لا يُركِّز على الضحايا والسوء العنصري مثل سجن "تَلَّة الدستور Constitution Hill" الذي سُجِن فيه أعظم مناضلين في التاريخ الحديث، وهما مانديلا وغاندي. ولا مثل معرض "هيكتور بيترسون Hector Peterson" الذي يُرَكِّز على كفاح الطلاب واليافعين ممن حصدتهم آلةُ الطغيان الأبارتيدي.
    ولكنَّ متحف الأبارتيد يُرَكِّز، على فحص تلك المُخطَّطات الاستعمارية، وآلية تنفيذها، كما يتناول حياة بعض المساهمين في بناء جنوب إفريقيا غير العنصرية، وكذلك يقارن، ويجري المُقاربات، بين ذلك الأبارتيد وما شابهه في التاريخ الوحشي للبشر من كيانات على مدى العالم. فبداخل المعرض ذاته يُوجد استعراض تاريخي لحركة السود بداخل أمريكا وكفاحهم بالنقطة الواحدة. كما يقوم بالنظر إلى نظام الأبارتيد بوصفه "ذهنية"، لا أقوال أو أدوات، ويجب إعدام تلك الذهنية، بالفكرة المُضادة، لا بالغلبة السياسية والعسكرية. فالمشكلة أعقد من هدم الأبارتيد بوصفه جداراً، وسوراً، وحَلُّها يتعلَّق بهدم تلك الجُدُر داخل رؤوس الناس، وبقلب أفئدتهم.
    فهذه الأمثال السريّة ليست كلّها بشاعة، بل ما يربو على 95% مما جمعتُه منها هو من الكوشرثيا الحكيمة لمنتهى الحكمة، والعاملة في مناطق ميتة من جهة التعبير، اللغة، التمثيل، الخيال، المنطق.
    وهي، علاوة على المَثَل الفنِّي العظيم منها، في قدراتها وأساليب تكوينها، فالشقُّ الضار منها تنبع أهميته من كونه يُعطي صورة حيَّة لقضايا امتهان الكرامة إثنياً، وجندرياً، ودينياً. وإنَّي بالأصل، أسميتُها سِرِّيَّة لأنَّ لكل مَثَلٍ منها فئة بعينها يتحرَّك في مداها وحدودها.
    فـonce إنه كلام إذن هو غير سري، لكن بمجرّد أن يُشْكِل على أهله استخدامه في برنامج سهرتنا الليلة، أو كتابته في عمود اليوم الصحفي، أو روايته على الإثنية الفلانية، على النوع الفلاني، على أهل الديانة الفلانية، فهو لا محالة سري بوجه من وجوه "الاستخدام" وليس "التداول".
    وسريّة هذه الأمثال، بالنسبة للضارِّ منها، في هذا المقام تحديداً، أعني الأمثال المسيئة للأديان، النوع، العرق، مُسبِّباتها حَذَرَ الفئة التي يتناولها المثل. فإن كان المثل يتحدَّث عن بشاعة إثنية أو عن عصور العبودية والرق، فقطعاً لن يُذاع في حضرة من (يُظَنُّ) أنَّ المثل قد يمسّه. مثل {لا تصاحب عَبْ، لا تبول في شَقْ. العب نَسَّاي، والشَّقْ حَسَّاي}.
    والأمثال التي تُناقش النساء وتمتهن كرامتهن لن تُقال في حضرتهن مِثْل {غلفاء وشايله موسها تطهِّر}.
    والأمثال التي تُناقش الأديان من نوع {المسيحي، أو القبطي، أب ريحةً نحاس} لا تُقال أمامهم بالضرورة وكما هو مفهوم.
    وهذه المواد الضارَّة من الكوشرثيا، كلّها، ضرورية للغاية، فالواقع يقول إنَّها لم تهلك، وإغماض الأعين عنها لن يُهلكها. فاستنطاقها إذن واستجوابها مسألة لا فِرار منها إن كُنَّا نريدُ إبادتها بالفعل. هذه المواد الضارّة من الكوشرثيا، لا يبيدها إلا الوعي الحق ضدها، واليقظة الكاملة والانتباه لها ولتسرّباتها في كلام الناس الاعتيادي، غير -"البذئ"- نزولاً عند لغتهم.
    وكما قلتُ {الوعي نبيلٌ وقويم بأصله قبل طبع الواعين} وعنيتُ بها أنَّ الواعي بحق، ليس هو الإنسان الذي تخلقه الصدف والظروف، وعدم توفّر مناخاتٍ ثانية تختبر وعيه هذا. فالواعي هو الواعي، لكل هذا الخمج، وقوامة ونبل وعيه يأتيان من وعيه ويقظته لما هو سوء ولما هو حسن. وقول الناس في الكوشرثيا {فلان دا الله هاديهو} أجد نفسي لا تستسيغه على هذا النحو من الطيبة. لأنَّ المجتمع أساساً ملوثٌ بمثل هذه المواد، فإمَّا أن فلاناً هذا له ملكة نقدية مستيقظة، وصاحية لمثل هذه المواد الضارَّة من الكوشرثيا، وبذلك فهو مهتدٍ لأنَّه واعٍ، وإمَّا أنَّه سيتبع المجموع ذات يومٍ ما. فالخير عندي مَردُّه الوعي، وإلى أصل الوعي، وليس إلى رؤى طوباويّة، ولا إلى أصل الإنسان نفسه.
    وأوكِّد مرَّة أخيرة، أنَّ (جمعي) لمواد الكوشرثيا بجميع أنواعها، الصالح منها والطالح سيستمر، ورؤاي ستتواصل ما لم أُعْدَمْها. وليكن لي بأقل اجتهاد مجابدة اختراع "المصطلح" في لُبِّه، وحسبي أن يقتنع به بعض الناس ويفيدهم ولو في مجرَّد الانتباه لتوثيق مواد الكوشرثيا هذه التي تبيد كَلّما رحلَ مُسِنٌّ، ولها في كُلِّ ميّتٍ موتٌ.
    مُجَرَّد تركيب هذا المصطلح أجده مساهمة منّي، بقدر ما أُوتيت من {بَصارة}. وواضع مصطلح الفولكلور ذاته William John Thoms لم يقدم لمصطلحه شيئاً إذا قارناه بأصغر باحث اليوم في المجال الذي اصطلحه. بل جاء الموضوع كلّه من "رسالة" لا تتجاوز الثلاث صفحات بكثير. أرسلها بتاريخ 21 أغسطس 1846م إلى مجلة أثينيوم The Athenaeum.
    وكان يُعرف هذا الحقل، الذي يُعْنَى بمواضيع أكثر من المواد القولية، والفنون الشفاهية، بـ"الأثريات الشعبية" Popular Antiquities. فاقترح وليم في تلك الرسالة استخدام هذا المصطلح فحسب (Folklore) بدلاً عن "الأثريات الشعبية". ولم يكد يُعْطِي الرجلُ أمثلة كافية ولا شافية في رسالته تلك. لأنَّ الحقل كان موجوداً بالفعل في سياقات حقول أخرى من المعرفة. وما عَمِله وليم أنَّه ابتكر لها خيطاً ناظماً فحسب، كما استعدل تسميتها الخاطئة تلك، من منظوره. ليتداخل من بعده في الموضوع، أناسٌ كثيرون فأنجزوه وتمّموه على الهيئة التي نراه فيها اليوم. وما يزال الناس يُدْخِلون ويُخْرِجون منه حسب ثقافاتهم المختلفة وطبيعة بُنى تلك الشعوب التي يعالجون ثقافاتها، كما يسعى شخصي الآن. ومع ذلك لم يمنع "مُجَرَّد الاقتراح" هذا، مستر وليم أن يكتب، مُطَالِبَاً، في رسالته ذاتها للمجلة، أم ثلاث وريقات {شنقلت الريكة}، وبهذا الشكل الواضح والقاطع {وتذكر أن لي الشرف، وأنني أستحق التكريم لتقديم مصطلح "فولكلور" لأدب هذا البلد، كما فعل دزرائيلي عندما قدم مصطلح "الوطن الأب" Father Land}، كتاب مقدِّمة في الفولكلور، للدكتور مُرسي، ص: 26.
    وها قد صار هذا الضرب المعرفي يُعَرَّف عبر الإنجليز بالرغم من أنَّ الذين أسَّسوه في محتواه لا تسميته، والسابقون إليه، هم الفنلنديون والألمان (راجع كتاب الدكتور مُرسي، المذكور، الوافي، الشافي).
    وحتى ألتقيكم، بأعلى قُبلاتٍ ثانية، لدى أطيب وأشفى، تدويمٍ للزَّعْفَران، على زراوحِ المعرفة، وتلالها الخُضْر.






    -------
    (*1) كنتُ قد قَدَّمت اسم ابن سلاّم، على الضبّي، فأجريتُ هذا التصويب على المُقتبس.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 00:12 AM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 01:05 AM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-01-2010, 09:03 PM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-01-2010, 09:13 PM)

                  

04-19-2010, 04:10 AM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    محسن حبابك آلاف "مؤلفة قلوبهم".

    :).
                  

04-19-2010, 08:00 AM

دينا خالد
<aدينا خالد
تاريخ التسجيل: 06-26-2006
مجموع المشاركات: 8736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Omayma Alfargony)

    محسن اخوى !!
    انا يادوب جيت ... الليلة دى اسمها القراية ام دق ..
    يعنى انت المصطلح لما قاطعوا من كنكروجك ما تراعى فينا
    عامل الحنكشة ياخ .. نحن بنعمل بى يدينا وكرعينا
    للتخلص من قلل ناس سيبوية والكلام البفتر داك ..
    يعنى غالبك تنجر لينا مصطلح لذيذ كدا نقدل بيه
    فى عربات العربان !!

    بعدين ديل يقولوا ليهم امثال سودانية عامية
    برضو يمشوا يبحتوا لينا فى العربى البصدع داك ..
    انت يا محسن مش مرقوك من الكلام الدراب دا وودوك للفرنجة ؟؟
    ما تمشمشها لينا شوية كدا القصة دى ! بحيث اننا نفهم وكدا ..

    اتاريييييك محتفى ليك فوق راى !!!
    بعدين بجى اقرا وامرى لله









    ـــــــــــــ
    رايك شنو نبدل ليك مثلك الفوق داك بى
    بتاع المصريين :: اللى عنده فلوس تحيرو يشترى حمام
    ويطيرو لوووول .. بدل الحمولات الاستراتيجية فى المنطقة ال استدعيتها دى !!
    قالوا الملافظ سعد ..
                  

04-19-2010, 04:31 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: دينا خالد)

    العزيزان
    أنور
    ووليد
    لكما أجمل التحيات، وأرجو أن تكونا ومن معكما بألف خير
    كيف يا شباب؟
    يا أنور منقطع مالك، علّ الداعي خير! السلام لمن حولك
    وليد، إنت فزت وألا لسع! يضحك نهارك
    مشتاقين ياخ، كان لقيت لي وكت بتونّس معاك في حكاية الانتخابات دي.
    لكن بيني بينك يا وليد، الحكاية زي ما تقول الكوشرثيا {فلان دا حارس ليه جنازة بحر} دلالة على المصير المجهول.
    فحارس جنازة البحر لا يعرف متى وأين وكيف يجدها!
    ومن باب الفوائد أزيدكم:
    يأتي أيضاً في الكوشرثيا {الشيء الفلاني دا جنازة بحر، أو فلان دا جنازة بحر}،
    ويُقال للورطة وصعوبة وجود حل.
    أمَّا وجه التشبيه، أو أسباب ربط جنازة البحر بالورطة، فهو كالآتي:
    لكون جنازة البحر تحللها المياه ويفتتها استطعام كائنات البحر، ولذلك هي لا تُحْمَل مثل الجنازات الأخرى،
    وإنَّما تحمل في ثوب أو جوالات، كي لا يتنسّل ما بقي منها من باقٍ.
    وأيضاً من ناحية أخرى، يُوصف بها الفرسان، الذين اشتهروا بالركزة في الحفلات والبطان.
    فلما يجلس أحدهم ليخلع ثيابه كي ينجلد، لا يقوم أبداً، إلا إذا ضُرِب. ويقول من يحاولون إخراجه من الدارة ويتعبهم:
    (بِرِش ما بشيلو، خليهو يندق، جنازة بحر دا).
    كونا بخير يا أنور ووليد
                  

04-20-2010, 02:25 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    عزيزي أمجد
    ألف تحيّة لك وشكر على هذه الإفادة الجميلة بخصوص المُصطلح
    في الحقيقة لا علم لي باللغة الألمانية. وما صَحَّحته أنت هو مقتبسٌ من الدكتور مرسي، وما هو بكلامي.
    أعرف أنَّ الذي أربكك هو (أرقام) الهوامش التحتية، وهي من فعائل الكمبيوتر. لقد انتبهت لهذا الخطأ في الهوامش بعد قراءة مداخلتك، ولم أقم بتعديلها، لأنني رغبتُ في أن أبيِّن لك ذلك أولاً، من باب عدم التشويش.
    الكمبيوتر حينما تكتب فيه أرقاماً وتليها بشرطة يقوم أوتوماتيكياً بعدها بوضع الترقيم، دون استشارتك. فإن صنعت براغرافاً بعد (الرقم 5) مثلاً، يقوم يلصق ليك الرقم ستة للبرغراف من رأسه. وهذا ما حدث لي، قمتُ بحذفها، ولكن بقي الرقم أربعة وطفش اتنين، ولم أنتبه.
    (يعني في الهوامش بتاعتي دي، الرقم تلاتة هو اتنين، والرقم أربعة هو تلاتة).
    *
    ابتداءً أقول لك لغة المصطلحات يدل عليها موضوعها، وتاريخها، والقواميس وحدها غير كافية. ودعني آتيك بحديث الدكتور كله، ومن ثم احكم بنفسك. لأنَّه يقول بما تقول به أيضاً في استرساله. لدي ثلاثة مراجع إنجليزية عن الفولكلور، ووجدتُ –قدر بحثي مساء الليلة فيها، مع الدرش والعودة مغارب- مراجعي تتحدث بصورة عامة عن Volkskunde. طاردتُ التعريف حرفياً لآتيك بالفصل، أو بالأحرى بمقارنة بين التعريفين، واللغتين، ولم أقدر إلى الآن so far، والانترنت بالنسبة لي ليست ثقة، لو عثرت أنت على ترجمة للمصطلح بالإنجليزية من مصدر فأرجو أن تبرنا بها، هذا بالطبع إن لم يكفك كلام الدكتور كاملاً، وإليك قول الدكتور في تمامه:
    ------
    {مرادفات أخرى لكلمة الفولكلور:
    وينبغي لكي تكتمل جوانب الصورة التي بين أيدينا، أن نتناول بالمناقشة بعض المرادفات الأخرى التي تستخدم عادة –بشيء من التجاوز- لكي تدل على ما يعنيه الدارسون من مصطلح الفولكلور. ولعلَّ أوَّل هذه المصطلحات المصطلح الألماني فولكسكنده Volkskunde وهو يعني "دراسة ثقافة الشعب الجرماني، والأوروبي، مع التأكيد على الفلاحين والناس البسطاء" وهذه هي الترجمة الحرفية للمصطلح، وهي تشير إلى العلم، لا إلى موضوع الدراسة على العكس من كلمة فولكلور التي تدل على الاثنين معاً. ويعرّف فرويد نتال Volkskunde بأنَّها "دراسة الثقافة الشعبية" وقد اتفق الباحثون على أنَّ موضوعها هو "المنتجات الثقافية التي خلقها الشعب"(*2).
    (2*) Harbert Freudental: Wissenschaftstheorie der Duetchen V olkskunde, Schriften des
    Niiedersachsischen Heimatbunds Neue Floge, Bd. 25, Hannover 1955, S .208:223
    ---------------
    طبعاً ما محتاج أقول ليك، إنو الكلام الأخير الهو عامله هامش دا أنا نقلتو زي ما هو بدون فهم. وكمان عذّبني ونقلته كما تقول الكوشرثيا {زي شراب الحدية} أكتب حرف، أصنقع، وألتفت لما يليه مدنقر، وتاني أصنقع، والحمد لله الحروف ما طلعت فيها الأشكال العجيبة، أم سنكيت ديك، والفيهن دورانيات وألا ضنيبات طائرة. طيب بعد تمامة الكلام أم مراجع ألمانية دي، كدا كيف معاك؟
    ورينا بعد الزيادات دي لو الموضوع ظابط.
    كن بألف خير، ومشكور إنَك علّمتني إنو (فلوكسفاجن) دي عربية الشعب، أو السيارة الشعبية. معلومة قمينة بالنسبة لي.
                  

04-20-2010, 02:37 AM

محمد قرشي عباس
<aمحمد قرشي عباس
تاريخ التسجيل: 03-19-2010
مجموع المشاركات: 3195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    يا محسن العزيز ..
    هكذا بالطبع دون توقير .. فقد كنا نضحك معا عندما تعلن بنبوءتك الحاسمة أنه عندما يطير ذكرك في الركبان فسوف تسخر من توقير الكل لك سوى الفنان منهم (أتذكر فنان سومرست موم؟) و أنت حينها الفارس المتوحد كحمزة لا تأنس الناس و لا يأنسوك .. سعيد بالتداخل معك هنا، ربما هي مواصلة حيية لشاطىء النيل بمدني حين كان الزمان غير الزمان مع الشفيف السموءل و إبنا أخيك و بقية الـ Dirty Dozen .. أيام لو علم بها شانئوك لجالدوك عليها بالسيوف.
    و طبت صديقي
                  

04-20-2010, 10:18 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد قرشي عباس)

    يا صديقي العزيز، محمد قرشي، أخي الصغير، وأستاذي الذي درستُ عليه الكثير من العلوم والمعارف.
    سعيدٌ بأن أراك هنا، وتلك أيام تقتل خائنها بتركه دون أحباب ومحبّة وبلا تاريخ، أفلا عادت بنا الأيام، الذكرياتُ، والفِكَرُ!؟
    فنّان سومرست موم، وشاعر فيكتور هوجو، وعجوز شيخوف، جزيرة هيكسلي، وإخوة دستوفسكي، النسبية، القرآن والإنجيل، ميكانيكا الكم، الـCNS، وعلوم النفس التي كُنَّا نبتكرها تحت ظلال شجرة أطلس ضد الجغرافية.
    مازن الدومي، موسى حسن، الصحابي الهاشمي، السماني يحيى، ناهد محمد الحسن، أشرف السر، سموأل الشريف، وكاظم الزعيم حين كان يأتينا زائراً.
    تلك أيام، كلّما نقّبتُ في الحياة أكتشف أنّني عندها قد فارقتُ بُسْطَام ذاتي، وذات بُسْطَامي؛ بَدْئِي وخِتَامي.
    ولولا ذكرياتها لما استمريتُ أعيش.
    مازلتُ متوحداً يا صديقي العزيز، وقالب غيري لا يلدني طوبةً تفي بشروط التناسب، وقالبي يضربُ طوبَ الناس كما يشتهي منه فلتان النظائر والأشباه.
    ومن الكوشرثيا لا غَرْفَ لها سوى {عايرة وأدّوها سوط}.
    يا زول وين دهورك؟ سلام القلب يغشاك، ولك أشرق ما في المودَّة من نهار. الدنيا لاقياني في مَهَكَع ومتكايتة فوقي بتقيلتها، الله يشد حيلها، ويلايم كَرَّابها المهتوك، ويورينا درب مروق من جبّانة الحيين دي.
    مشتاق ليك يا جَنَى
    --------
    النص بتاع (وحدك يا نبي) لقيتو وألا راح للأبد!؟
    شفت مداخلتك يا دكتور، ما رديت عليك حينها لأنو الحكاية هنا بالترتيب، ولأنك "جديد" الجماعة ح يعذروني، يضحك نهارك.
    I will drop you a line

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 04:21 PM)

                  

04-20-2010, 04:29 PM

آدم صيام
<aآدم صيام
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 5736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: وتثبيت أحاديث في البخاري تقول إنَّ الخلفاء كلهم يجب أن يكونوا قرشيين



    صحت قراءتك ونعما هي
                  

04-20-2010, 09:28 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: آدم صيام)

    عادل عثمان، مشتاقين يا رجل، ويين أراضيك؟
    عادل، حاف كدا، بدون أستاذ، ومع تَعَمُّد رفع الكُلفة
    يا عزيزي الكيزان أسوأ، فعلاً، ولا شك، سلسلتُ فيهم الأمثال تلك، وجعلتها تأوي إليهم من باب المناسبة وإنَّهم "جُغُب" يسع كل رذيل ونعيل، لا من باب المقايسة.
    هؤلاء أكبر من مقاييس الشر والضر كلها.
    "الله يستر ما يجيني ود البدوي يقول لي طيب مالك أبيت مثل عمر البشير" عشان جنس دا يا عادل، عشان جنس {الشَّبَحَو واسع دا}!؟.
    -----
    المثل صحيح على نحوه هذا، وشرحه قائمٌ على ما بَيَّنتُه أعلاه، من أنَّ "هَرَّ" بمعنى "خَرِئَ". وليس على طريقة ابن منظور اللغويَّة بمعنى "ݘَنـْـرَّ"، أرجو أن يكون قد بلغ القراء هذا الصوت من دارجتنا، الذي يُستخدم لأصوات فصيلة الكلبيات والضبعيات والنُّمُور من الحيوان، عندما تُهاجم مُصْدِرةً لذاك الصوت، فهي تـ"ݘَنـْـرُّ".
    ومخترعو المثل، لم ينظروا في ابن منظور، من ناحية اللغة، وإنَّما نظروا في ما معهم من أساطير، من ناحية الحضارة، وصاغوا مثلهم عليها. أهل شرق السودان، الشهير عندهم تسمية الضبع بـ"الكَرَاي" وأعتقد أنَّها مفردة تبداوية، غالباً هي كذلك. أمَّا التسمية الأشهر لدى السودانيين عموماً للضبع فهي "المرفعين". وهي تُسْتَخْدَمُ في أية بقعة من بقاع السودان الحالي بدون استثناء. والمثل ذاته في رواية ثانية منه، قبل أن يُجْرَىَ عليها ذلك التأريث، من إرث العربية، بـمفردة "الضبع"، كان كالآتي {فلان/ فلانة.. متل جنى المرفعين، كان نهروه هَرَّ، وكان خَلُّوه ضَرَّ}، وهذه رواية ثانية وشاملة للمثل.
    وأصل المثل مجموعة من أساطير الكوشرثيا تختلف من جغرافية سودانية إلى أختها. ولكنها جميعاً تلتقي لدى نقطة واحدة وهي الحديث عن "خراء" المرفعين الأسطوري، على وجه خاص ومُعَيَّن غاية التعيين.
    أهل الشمال يعتقدون أنَّ خراء "المرفعين"، هو بالأصل أكثف من خراء غيره من الحيوان. وإن وَقَعَ في الزراعة فهو يحرقها، ويبيدها، ويُنْذِرُ بشؤم الموسم.
    والمرفعين في الأسطورة الكوشرثية، الذائعة، يخرأ "الحَصَى". أمَّا الأسد، ولاحظ لكون الأسد هو مُجَسَّد الإله "أبادماك"، فهو يخرأ "النار".
    وفي الميثولوجيا الجنوبية، أعني جنوب السودان، المُتحَدِّرة عن أصل ضار وعرقي، وما يُدَلِّل على أنَّ الحضارة الكوشية كانت بالفعل في سودان أكبر ليس من سودان اليوم فحسب،
    وإنَّما أكبر مما نتصَوَّر*(1).
    هو أنَّ الأسطورة الجنوبية تقول، إنَّ "الدينكاوي" عندما "يتمرعف" أو تَحُلُّ فيه أرواح الأجداد، الآلهة، فإنَّه يستحيل إلى "أسد"، أي إلى أبادماك.
    بينما "الفرتيتي"، وهو المنسوب إلى قبائل "الفرتيت"، حينما "يتمرعف" فإنَّه يستحيل إلى "ضَبْع، أو مرفعين".
    وهذا من باب، أنَّ الفرتيتي أقلُّ شأناً من الدينكاوي. أي من باب الكوشرثيا الضارَّة، التي تسندها الأسطورة. وسآتي لمسألة الأساطير هذه أوسع وأطول.
    كن بألف خير يا عادل، وباهياً

    -----هامش----
    *من أدلَّتي على عِظَم المساحة التي كانت تغطيها الحضارة الكوشية ولو بثقافتها فحسب، هو تشابه أساطيرها هذه، وتقاطعها حتى مع أساطير إفريقيا الغربية. وقد لَمِستُ هذا الأمرَ، حينما أكرمتني الحظوظ، بالعمل على كتاب {رحلة في بلاد الزنوج، ثمانية أشهر في إفريقية الغربية 1929م} حَرَّرتُه –بل حقّقته- وقَدَّمتُ له، صدر عن (المركز العربي للأدب الجغرافي). ولكن المؤلِّف اللبناني عبد الله حشيمة، اضطرني لإدارة مساجلة ردود عليه، على طول هوامش الكتاب. فهو يُخَلِّط في مواد الأساطير وأبنيتها، ويسخر، بحس عنصري مُبين ولئيم، ضد إفريقيا وإنسانها. ما اضطرني لأن أرد عليه في المقدمة التي وضعتها للكتاب، بالتعليق وإيقاظ القارئ وحديهما، لا بالنقد، لأنَّه تقديم للكتاب في حدِّ ذاته وإخراج له، وما هي بدراسة منفصلة عنه، ونقدٍ مُفْرَدٍٍ ومُخَصَّصٍ لمادته. الأمر الذي وجده بعضُ الصحفيين العرب خروجاً على ضوابط المعرفة البحثية البحتة. وحشيمة قد جمع مادَّة عظيمة وفريدة وهائلة، والكتاب مهم جداً جداً، للباحثين في تاريخ إفريقيا بدايات القرن المنصرم، إفريقيا المستعمرات، وأثر العرب ودورهم في ذلك. وبحوثي التي أجريتُها، المضنية لشح المصادر عن إفريقيا وعن تلك المرحلة بالتحديد، لأجل ضبط مادَّة الكتاب على كافَّة مستوياته، أفادتني عميم الفائدة. كما كَشَفَت لي الكثير من مواضع الملتقيات الروحية بين الكوشية وهذه الثقافات من غرب إفريقيا. فرحلة حشيمة غَطَّت أربعة أقطار من تلك المنطقة. دع عنك أساطير إفريقيا القديمة جداً، بل المسيحية ذاتها، وفكرة ميثاق الدم، في ثقافات التاريخ الوسيط كلّها، أعني الأوروبي إبَّان عصور الفرسان الأوروبيين ومواثيق دمائهم تلك. انظرها هنا، من حيث النقوش على الحجارة، وما توارثه الأفارقة، في بُنى حياتهم المعيشة الثقافية، إلى أيام زيارة حشيمة لهم!
    اقرأ هذا الهامش الذي أعياني بجمع مادته والمضغوط للغاية، بما يفكّه في كتاب كامل، من خلال المادَّة التي جمعتها حوله. أرد فيه على حشيمة بعد إحدى مرات تخليطه الذي لا يحد:
    {هو يشير إلى جمعية "ميثاق الدم" في الداهومي، التي يقوم نظام احتفالها على مجموعة معقدة من الطقوس، والنقوش، والأدوات، والمخاليط، التي يجلس الأعضاء الجدد حولها،
    ثم تُحضر جمجمة بشرية بها خليط نادر من تراب ورماد وحجر الصواعق وحديد البنادق، ويُؤخذ دم فصادة من مقدم ساعد كل منهم، ويُلْتَقَط هذا الدم السائل على قشرة ليمون ويُصب في الجمجمة التي تدار عليهم ليشربوا منها، وبذلك يصبح كل الحضور إخوة في الدم يستوجب عليهم التآخي والتعاون في السراء والضراء، ويسود اعتقاد بأن من يخرج على هذا الميثاق يصاب بالجنون المطبق، أو تنزل به أبشع الكوارث. (م. خالد)} (ص: 345) .
    وهذا "هامش" لي، أو تصويب آخر منِّي له، لأنَّه يجهل ماذا تعني "أم الملك" في الحضارات الإفريقية. ولكي تلاحظ أيضاً أنَّني كنتُ أقرأ المسألة من زاوية هينة بالنسبة لي، من واقع الكوشرثيا، والملتقيات بين الحضارتين الإفريقيتين أوفر من أن يسعها ماعون أطلنطي:
    {هذا مصطلح "الملكة الأم" تُسَمَّى بـ"الماجيرا" لدى البرنو بلغة الكانوري، إذ يرد في المراجع. كما تُسَمَّى كانديس في مروي. وكانديس مفردة حيَّة حتى اليوم في لغة "الزغاوة" وتعني الأم. وليس من الضروري أن تكون الملكة الأم هي الأم الحقيقية للملك، وهي تتمتع بامتيازات كثيرة وسلطات واسعة وعلى أرفع المستويات داخل حكومة الملك (م. خالد)}. (ص: 370).
    هذه مسألة طويلة، لن أفتل لكم بها البوست الآن، ربما في المستقبل، ولكن من طرائفها أنَّني كنتُ أمازح رفاقي في العمل،
    حينما قالوا لي ما هي هذه (الأساكل)، التي يتحدَّث عنها حشيمة؟
    يا حليلكم، ألم تسمعوا قول الحقيبة:
    {من الأسكلة وحَلَّ، قام من البلد وَلَّى ... ودمعي اللي التياب بَلَّ}!
    و{الأساكل، مفردها إسْكِلَة، وهي "الميناء" في بحر الروم، وهي لفظة إيطالية (م. خالد)}. (ص: 351).

    (عدل بواسطة محسن خالد on 04-20-2010, 09:46 PM)

                  

04-21-2010, 00:00 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    صلاح فقير
    أحوالك يا عزيزي، وأريت دهرك مزيان، وحالك زيناً لامن يحجّوا فيه.
    كدا بتكون اكتشفت إنّك وعادل اللتنين، ما مهلتوني،
    وجاء في الكوشرثيا {أمهل البهيمة تبول} دا ح يجي مقاصدني في رقبتي دي.
    لووول
    وليك إنت وعادل من الكوشرثيا {الصبر اللِّيبل الآبري}.
    يضحك نهارك وكن بألف خير

    يا ود الصائم، أريتك طيب أبوي
    ومبسوط، والهناءة وراك وقِدّامك
    إنت قاصد سؤالك بتاع لما أنا كنت مسجون في ترانزيت تركيا داك، مو كدي؟
    لكن شلاقتك إنت ما عرفتها، خلّي بالك كترن علي الشلاقات، لووول

    أيمن الطيب
    ياخي يضحك نهارك
    وحاة أمي عارف يا أيمن، أوروبا دي ذاتها الدّقت صدرها، زمان، وقالت نحن أي زول يجينا من العالم التالت ولتحت، شايل ليهو قروش كتار، بنسأله قروشك دي جبتها من وين.
    طلعوا كضابين –مؤقتاً- عشان القروش تجي هنا كلها، وبمنظماتها الملغوثة دي. والخواجات "عقاب الإمبريالية أعني" ديل أمكر منهم إلا كان ربّنا. العملوها بعد أحداث سبتمبر ونهبوا أموال المسلمين والعرب، من طرف، الوسخانة والنضيفة. ح يعملوها في قروشنا البقنطروا ليهم فيها الكيزان دي. {بِرقِّدوا ليهم في شعرة جلدهم} ساااكت، كما تقول الكوشرثيا. أها لما ساعة الصفر تحين، المخابرات الغربية بتظبط ليهم واحد إرهاب بالمايونيز، وبتشيل القروش دي كلها {عَنْدَكَة} كما تصف الكوشرثيا.
    "ينهبوها الكيزان، ونهب الناهب في رواية همباتة الإنجليز والفرنسيين جايز، وكذلك في رواية الأمريكان" ونحن المواطن الغلبان المحنان.
    كن بخير
                  

04-21-2010, 06:23 AM

محمد عبد الماجد الصايم
<aمحمد عبد الماجد الصايم
تاريخ التسجيل: 10-16-2005
مجموع المشاركات: 35312

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Quote: إنت قاصد سؤالك بتاع لما أنا كنت مسجون في ترانزيت تركيا داك، مو كدي؟
    لكن شلاقتك إنت ما عرفتها، خلّي بالك كترن علي الشلاقات، لووول



    أيوااااااااا يا عمكـ .. هو بي ذات نفسو!
    أما فيما يختص بالشلاقة .. فخد يا عمكـ
    إلى الضحوكنجي الأكبر ود الصايم، يجده بخير ..
                  

04-21-2010, 02:06 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد عبد الماجد الصايم)

    كيفك يا حبيب نورها الذي أضاء
    تمام يا زول،
    ونبقى نشوف السكّة لرجعة تانية
    دمت
                  

04-21-2010, 02:56 PM

Mohammed Haroun
<aMohammed Haroun
تاريخ التسجيل: 12-21-2005
مجموع المشاركات: 4836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الشيخ محمَّد المهدي البشير الجميعابي، سأله صديقي الروائي موسى حسن البشير، لماذا يا شيخنا لا تكالمنا؟ بلِّغنا وعلّمنا.
    فأجابه بهدوء يُجَفِّر من الليل مدية ظلامه وغشاوته {يا ولدي، الدابي بِرَبِّي جَنَاهَو بالنَّظَر}.
    يا لها من حكمة حَفَّارة وجود، جعلت صديقي موسى يتدردق بالأرض من هولها وسعة آفاقها.
    ________________________________________________________________

    أستاذ محسن خالد أسعد الله أيامك

    يا أخي جنى الدابي بشتت بعد الـ (hatching) على طول .... ما أظنيتو الدابي كان لقى بنيتو سارحة بيعرفها ... غايتو شيخكم الجميعابي بكون قاصد بي كلامو دا دبيباً تاني.

    البقارة عندهم مثل سري فيه حكمة عظيمة بيقول (الباحش كان توى (بكسر التاء) العجال بلحسن ط يـ ز ه ).

    الباحش : الأسد
    توى : عجز فوهن.

    تحياتي
                  

04-21-2010, 04:05 PM

وليد محمد المبارك
<aوليد محمد المبارك
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 26313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohammed Haroun)

    المفيد محسن
    اها وكت همزتني خليني نكُب ليك كلامي هنا واخرمج ليك البوست د شوية .. اصلك بديتو بي فُرشة سياسة
    ياخ تجربة الانتخابات دي .. ورتني انو واقعنا مكشوف .. وحالنا كمان ....
    الناس يا محسن بقت بتفرح وتأمل حتى لو زول نزل انتخابات ساكت .. او كمان تحسدوا وتناوشو وتتواكد عليهو .. هو الحاصل شنو؟؟ والصعب في الانتخابات شنو ؟؟؟ .. اي زول يقطع من وكته وهو ماشي الخرطوم نص ساعة ... ويوم جمعة وسبت يحوم على مربوع واحد في حلتهم يلم اصوات تذكيه .. ويبقى مرشح ...
    لكن حتى دي بقت بطولة يا محسن !!!
    شفت الورطة ...

    اهلنا حسب كوشرثيتك بقولوا " ارجا سفيه .. ولا ترجى عاطل " .. ووالله بموقف الاحزاب الاخير ده سفاهة الانقاذ اخير مليون مرة من عطالة الاحزاب ... شنو يعني انسحبنا عشان ما نكون مسئولين عن تمزيق السودان ؟؟؟ هو يعني انسحابها حا يجيب الوحده ؟ .. وما يتمزق السودان !!.. وهو منو القال انو العلاقة بين التكتلات والاثنيات والاصحاب حتى بتحددها خطوط الكنتور وفواصل الخُرط ؟؟ ... بعدين هو انفصال السودان حدث خارج ثقافتنا ؟.. شوف ليك اقرب بيت ورثة مات سيدو اولادو يا قسموه وفصلوه وعملو حيط ببيناتهم بدون نيفاشا .. او باعوه وتقاسموا قروشو بيناتهم .. الانفصال في تقافتنا .. لسع ما وصلنا مرحلة اننا نلم .. نحن لي هسع في ثقافة شيل كومك .. بيناتنا في البيت الواحد الثقة مفقوده فكيف عاوزنها تكون بناتنا في دولة ... ودي يا محسن حاجة تعتمد على الثقافة العالية .. المثقف واثق يا محسن .. واثق في روحو في الاول .. عشان كده بثق في الحواليه .. موش لانهم كويسين .. لكن لانه عارف انو ممكن يمتص ويستوعب اي صدمه او خيانه تحصل ليه من اي جهة او انسان .. عارف انه ممكن يبدا من اول في كل مرة وعارف انه يملك الامكانيات والادوات لي كده .. لانه ادواته هي ذاته .. المهم يا محسن ان لم ينفصل السودان ببقى شي ضد طبيعتنا كسودانين .. وببقا بفضل الخواجات

    يا محسن ماني زول سياسة .. لكن كمان ماني اضينه .. الكوم الحايم في سياستنا ده كله ما عاجبني .. كله
    ولحدي ما يجي زول سياسة يعجبني .. حا اترشح في كل مرة .. واقول ليك حاجة المرة الجاية حا اترشح للرياسة .. ومن هسع بفتح حساب الم فيه الخمسطاشر مليون الامنية حقتهم
    والله ما يجي زول مقنع ياني مرشح نفسي عشان اديها صوتي بس ... واصلي ما احرد الانتخابات ولا بقاطعها .. برشح روحي دي واصوت ليها واكون مبسوط ومتقريف ..

    عارف يا محسن صعلكة اولاد حلة ساكت الانتخابات في دايرتنا عدنها .. هسع ناس الاحزاب ديل .. لابعرفوا سياسة ولا بعرفوا صعلكة اولاد الحلة ؟؟؟!!! طيب عاوزين يحكمونا كيفين ؟؟؟

    في قاموس الشارع ده .. وكت تحمى بقولوا ليك ما تسال الدورها منو الزم زولك وضارب معاه .. بعد نهايتها اسال المشكلة شنو ؟ .. في قاموس الشارع البنسحب من اخوانو في نص شكلة .. حتى لو مشاكلين البوليس .. ماهو راجل ولا زول حارة .. خلي وكت تنسحب من انتخابات وراها في استفتاء ...

    وصحي والله الانتخابات دي جنازة بحر .. لكن يا محسن يا اخوي .. جنازة البحر اهلها بخلوها دحين ؟؟
    ما بباروها لحدي السبلوكة 100 كلم شمال الخرطوم .. هاهاهاهاهاها

    .....

    ياخ ارجعوا يرجع ميتينكم البلد فاضية قيقي
                  

04-21-2010, 04:24 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: وليد محمد المبارك)

    Quote: جنازة البحر اهلها بخلوها دحين ؟؟
    ما بباروها لحدي السبلوكة 100 كلم شمال الخرطوم .. هاهاهاهاهاها

    :D

    looool

    Couldn’t help it
                  

04-21-2010, 04:19 PM

محمد المختار الزيادى
<aمحمد المختار الزيادى
تاريخ التسجيل: 08-11-2006
مجموع المشاركات: 4050

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    محسن خالد حبابك يا زول

    المثل ده شكلو قرب ينقرض واول مره اسمعوا من اخوى الصغير سمعو من عمنا كبير فى العمر وزول ارشيف
    يا ربى مر بيك ولا ما حصل سمعتو, وقد اضحكنى جدا على الرغم من دلالاته العميقه0
    هاك

    البنونى لابد من يغنى والبفسى ما عليو بالبشم

    لى عوده

    تحياتى
                  

04-21-2010, 10:17 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد المختار الزيادى)

    ولك أجمل التحيات يا نيازي
    يا راجل كيف حالك؟ أوَ تلك أيامٌ تُنسى!
    الدنيا ودّتك وين، لعلّك طيب ومن حولك؟
    الفحلاية دي براها حكاية
    تموليلت السوَّتو كتير، يا فردة
    كن بألف خير


    يا سهام أريتك طيبة ومن معك
    عارفة؟ لو كان مشيتِ قوقل برضو كان بوصّلك بجاي
    أجمل التحيات والأمنيات لك
    مشكورة على الطلّة والقراءة
    كوني بألف خير


    يا أبا جهينة
    أتمنى أن تكون بخير
    كيفك والكتابة، وكل عوالمك؟ أمَّا مشتاقين بصحيح
    جارّة معاك الحروف وألا عاضّة؟
    مالك حذفت المداخلة بتاعتك؟ قلت أجي أفلفل مادتها معاك لقيتك شلتها.
    أرجو إنّك توضِّح الأسباب، إذا بتريد.
    كن بألف خير
                  

04-22-2010, 00:43 AM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    محسن

    كيفك يا زول
    الكلام بتاعك دا مهم عاوز ليهو قراية تانية وتالتة.

    المهم أنا قلت أرحب بيك بطريقة تانية
    هنا

    من أجمل ما كُتِبَ في هذا البورد " دكين وحضارة دراكولا"


    عارف لمن قريت كلام وليد الفوق داك بتاع ترشيحوا للإنتخابات حسيت إنو فعلاً البلد دايرا ليها تفكير جديد بتاع ناس الشفت دا وبتاع اي زول تاني يا هو بيقول افكاروا ويقيف معاها، البلد دي ما جابت ليها تحالف بتاع (خير) كلو بتاع مصالح ضيقة، ولي هسة ما قادرين يربطوا مصالحهم مع مصالح الناس العاديين.


    المههم على قول تبارك مرحبا بك وبكوشريثيتك فنحن نححتاجها في ظل هذه الإنتخابات التى طلعت

    عَوَة في ضُلُف

    الصادق
                  

04-22-2010, 10:33 AM

Mohammed Haroun
<aMohammed Haroun
تاريخ التسجيل: 12-21-2005
مجموع المشاركات: 4836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: الصادق اسماعيل)

    يا بقري الفزعكن طوووووووووووووط

    هكذا وصفت امرأة بقارية زوجها ... فأصبح مثلاً سرياً يقال للتهكم على الرجل الجبان.


    تحياتي
                  

04-22-2010, 11:06 AM

أحمد أمين
<aأحمد أمين
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3371

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohammed Haroun)

    Quote: أهذا شكرٌ أم نبز؟ مدخل الجُملة يمتدح باليمين وخاتمتها تلفخ بالشمال؟ "السذاجة" وكمان "الراديكالية"! إنَّا لله. فيا تُرى كيف تُوصف السذاجة بأنَّها راديكالية؟ هل ذلك يعود بها مثلاً إلى جذر عبد المعين أم ماذا؟ أم أنَّه يقصد بأنَّها متطرفة؟ وكيف تُوصف السذاجة بأنَّها متطرفة، لكأنَّما الشخص الساذج بوسعه السيطرة على سذاجته وجعلها سذاجة متوسطة بدل التطرف! جُملة من أي الوجوه أتيتَها فلا حل معها سوى العودة بها إلى منبت عبد المعين. ولأنَّني لا أُريد أن أصطنع جريرة للدكتورة كيفما اتفق، فسأكتفي هنا بكونها جملة ساذجة فحسب، سذاجة بدون أية راديكالية.
    وبِمَ يستشهد الدكتور على تلك السذاجة الراديكالية لعبد المعين؟ بالمقطع الشعري المقتبس أعلاه، الذي يرد فيه القدو قدو عبر لكنة كوشية. كأنَّما الدكتور بعد مديحه الطويل لنشيد "صه يا كنار" يقول للقارئ، لقد سمعتَ رُقِيَّنا في النشيد أعلاه، وفصاحتنا وبلاغتنا، ولكن انظر للعوير ذا، قَدَوُ قَدَوُ، قال! ولك أن تتخيَّل وجه الدكتور منتفخ الأوداج، وبوزه ملوياً، في تقليد الصوت الإفريقي المنطوق للقَدَوُ قَدَوُ، الذي يملأ الفم. فويين من الكنار الذي يجري عليه اللسان العربي جرياً زَلِقَاً!
    والقَدَوُ قَدَوُ لمن لا يعرفه شرابٌ ثقيل بحيث لا تعرف أهو طعامٌ أم عُكارة، أُشْتِهر به أهلنا الفلاتة، وهو من فصيلة كوشرثيا "الكجو مورو". فيا دكتور عبد الله، إسماعيل عبد المعين ليس بمغترب ذات وتكوين عن دياره، ومع ذلك جاملكم ولحَّن لكم جلناراتكم وكناراتكم، أتشكرونه وتجاملونه حين يأتي الدور مع قدو قدوه هذا، أم تسخرون منه؟ تسخرون من عبقرية موسيقية كبيرة لدرجة أنَّ الأمريكان لَصَّوا منها "شعار المارينز الموسيقي" الشهير، وهي مأخوذة من بقايا الكوشرثيا السودانية الخالدة، من لحن "الطير نزل في الرمَّة"، المأخوذ بدوره من شقاء الجنود الذين كانوا يتبعون الزبير باشا، والما عارف "يشوف أبا ملود يقول دا كنار". وإسماعيل هذا ما قصّر أبداً، جاملكم في "إرثكم" بضراعه، بالرغم من أنَّه لا كنار له ولا جلنار، من حديقتكم الرومانتيكية تلك. أفمن الواجب مجاملته في كوشيته هذي وشكرانيته؟ أم السخرية من دنياه الأصيلة وغير النازحة، التي كلّها "قَدَوُ قَدَوُ" و"بني كربو" و"طير نزل في الرمَّة" و"اللوري حَلَّ بي.. في الوِدَي.. أنااا" يا سعادة المُرشَّح لرئاسة السودان الذي يضم غير العربي وغير المسلم.
    وقد جاء في الكوشرثيا الضارَّة {فلان لسانه أغلف} وهنا يتم إلحاق غلفة العضو الذكري بغلفة تُسحب استعارتها إلى اللغة واللسان، فالافتراض الأصل في تصورات الاستعراب السوداني أن غير المسلم كله هو أغلف. علماً بأنَّ عادات الختان هذه مرسومة لجوارهم على حيطان المعابد في البجرواية وأخواتها من مواضع أثَارة الحضارة الكوشية وباقيتها الماديَّة. فكلّها فلهمة عايرة من نظير فلهمة الدكتور هذه. ومنطق الدكتور عبد الله في اختياره لهذه الأغنية بالذات، لعبد المعين، أعني الأغنية ذات اللكنة الكوشية {القدو قدو.. يا يا.. بأكلها برايا}، لهي تتضمن في باطنها، حتى وإن لم يقصد الدكتور، هذا الاستخفاف {أبو غلفة} النائس عميقاً في الاستعلاء العروبي، أبو جلنارات وكنارات. ما يثبت التسبيب الأوَّل لهدم الكوشرثيا من استخدام (اللغة كمرجعيَّة وجود لا أداة تواصل). فالكوشرثيا تحققت فعلاً بباطن أغنية "القد قدو" المفردات الكوشية والعربية تراصَّت في الأغنية متجاورة، والناظم لها هو هذه اللكنة التي زاوجت بين {القدو قدو} المُذكَّر، و{باكلها} التي تُستخدم مع المؤنَّث.


    كلام جميل و فى الصميم يا محسن

    عبدالله على ابراهيم ده اصلا ماترخي ليهو اديهو فى التنك.
                  

04-23-2010, 00:40 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: أحمد أمين)

    سلام عليك يا محسن وسلام على ضيوفك. يا زول أدّيتنا السهر وإن كانت الكوشرثيا تشير إلى فائدة ترجى من "سهر الجداد ولا نومو"

    أراك عدت فتناولت موضوع نزاعك مع الفورلاب من منظور الديمقراطية وحريّة التعبير (أم هي حريّة التعبير والديمقراطية)، وقد أفلحت إلى اعمال النقد بأكثر من اعمال النبيشة فمرحى. أود أن أسهم بملاحظتين راجياً أن لا يصرفانك عن موضوع كتابك وإن كان فيهما خميرة نقاش حين متّسع وميسرة:

    أولى الملاحظتين أنّني أجد في تعريفك لضبط حدود حريّة التعبير خللاً مصدره تحديد سقفٍ لحريّة التعبير فقط في:

    1. الحالة التي يصير فيها التعبير إلى عدوانٍ يهدم دستوراً علمانياً أنجزه مجموع عبر الترشيح والاتّفاق السلمي.

    2. الحالة التي يكون فيها التعبير نسقاً فكريّاً يثبُت، عبر الأدلّة الجنائية، أنّه يعرّض حياة الآخرين للخطر.

    والخلل في (1) هو في تحديد الدستور الذي يود التعريف أن يحميه من تجاوز التعبير لحدوده في أنّه علماني أنجزه مجموع عبر الترشيح والاتّفاق السلمي والعبارة توحي بأن لا حدود لحريّة التعبير الموجّهة لهدم دستور غير علماني وإن أنجز عبر الترشيح والاتّفاق السلمي وفي ذلك تطفيف. كما وتظهر فيه اشكالية معارضتك لمقولة "الحقيقة ليست بالكثرة" لكنّني أتناول هذه الجزئية لاحقاً بهذه المداخلة.

    أمّا الخلل في (2)، وعلى الرغم من التعديل الذي أجريته فخفّف عبارةً ثقيلةً تجوّز للجماعات التي تؤمن بتكفير الناس ومن ثم قتلهم سقفاً مفتوحاً لدعوة الناس "لأن يتّبعوا منهجهم في الحياة"؛ أي حريّة شبه مفتوحة للتحريض على القتل أحسنتَ إذ شذّبتها، إلا إنّ إيجاد مخرج لمثل هذه الجماعات في أن تعبّر عن معتقداتها (وإن كان ذلك سلميّاً ومن دون عنف، وهو مخرج ما زال لا يرى بأساً في الاعتقاد في القتل طالما لم يُصرّح بذلك علانية) يبقى فيه إيجاد رخصة لأهل الانتباهة، مثلاً، إذ يظل سقف التعبير مفتوحاً لهم فيبثّون الكراهية والتكفير وذلك سقفٌ يظل مفتوحاً أيضاً لأن يتبنّى هذه الأفكار من ليست لديه الرغبة (أو لا تتوفّر عنده المقدرة) للتمييز بين الاعتقاد في تكفير الناس ومن ثمّ قتلهم والتصريح بذلك علانية أو القيام به فعلاً إلاّ أن يقيّض الله له من يقاضيه فيثبت، عبر الأدلّة الجنائية، أنّ هذا النشاط النائم (جدلاً) قد عرّض حياة الآخرين للخطر ويموتوا ناس ويموتوا ناس إلى حين مقاضاة.

    يبدو لي أنّك قد حاولت مضايرة السقف المفتوح لحريّة التعبير بحيث لا يقع في الأيدي الخطأ فوقعت أنت في انتقائية مخلّة متجاهلاً أنّ الكثرة، لاسيّما في سوداننا الغريب، قد تقود إلى "حقيقة" أنّ الأيدي الخطأ خشم بيوت فهنالك الكثرة الواصلة المنتدية لحماية مصالحها ومصالح ما هو منتخب من معتقدات المجموع وإن كانت هذه المعتقدات تكفيريّة تجوّز قتل الآحرين وهناك الكثرة القاصرة عن التصدّي لذلك. واحتمال وقوع رخصة حرّية التعبير في الأيدي الخطأ هو ما يجعلني أرى أن لابد من سقوف لحريّة التعبير بغض النظر عن النظام الذي يستهدفه هذا التعبير فالتنظيم، مثلاً، عبر الـContent Rating وهو موجود في مختلف أنحاء العالم وتخضع له الأعمال السينمائية والتلفزيونية وحتى الألعاب الالكترونية قد يحوّر ليكون أحد هذه السقوف. لكنّ التعبير عبر الانترنيت شبه مفتوح وربّما إنّ ذلك ما يضع مسئولية تحديد سقوف حريّة التعبير على عاتق المسئولين عن النشر بمواقع الانترنيت وهنا يصطدم محسنٌ بمحسنٍ لسلطته أو بمسيءٍ لها حسب ما تمليه الكثرة المفضية لهذه السلطة فتغلب حقيقة الشجاعة في السعي وراء حريّة للتعبير. غنيٌّ عن القول أنّ هذه الكثرة قد تكون قلة استحقّت سلطتها عبر الملكية الفرديّة، الشراكة، المساهمة المحدودة، المساهمة العامّة أو قد تكون كثرة شائهة استحقّت سلطتها عبر تصويت معطوب أو ديمقراطية صوريّة.

    الملاحظة الثانية أنّني أعلم أنّ بجعبتك العديد من التخاريج الفلسفية لمفهوم "الحقيقة" لكنّني أودّ أن أبسّط الموضوع تبسيطاً (قول يا زول مخلاً) لكي أتّفق مع الدكتور عبد الله بولا في تبنيه مقولة "الحقيقة ليست بالكثرة" وإن كان ذلك في سياق خارج سياق نزاعك مع الفورلاب لكنّه في مقام التصويت والديمقراطية. فالكثرة، لو كنت حسبو لأضفت: الغوغائية، غلبت الشجاعة كما جاء في الكوشرثيا التي جاء فيها أيضاً "اتنين كان قالوا ليك راسك مافي ألمسو" فما بال كثرة قلّة الفورلاب لما قالوا ليك راسك مافي فما لمسته فقطعوه وهذه مجرّد مشاغلة مني، طبعاً. ما أرمي إليه هو أنّ الكثرة غاية سُبُل الوصول إليها عديدة وليست كلّها شريفة وهي تفضي إلى "حقيقة" السلطة وإن كان ذلك عبر الأمر الواقع وما كل أفعال السلطة لاسيّما سلطة الأمر الواقع بمستحبّة بل هي تُتحدّى فيكون اضطهاد ويكون استشهاد. وثمّة سلطة لا تخلق منها الكثرة (ولا حتى الاجماع) حقيقة لاسيّما في عصرنا هذا حيث الآراء ملوّثة بالمصالح (والمفاسد) وبمحض هياج الجماهير.

    أنظر كثرة عمر البشير، وهي كثرة في مقام التصويت والديمقراطية وتلك حقيقة تمليها بعض المصالح، لكنّها لا تخلق من شرعية حكمه حقيقة لاسيّما لدي الكثرة المغيّبة وإن خلقت من شرعية حكمه حقيقة فهي عبر الأمر الواقع الذي تمليه مصالح لنفر قلّوا أو كثروا. كما وأراك قد افتتحت كتابك هذا بقولٍ سمح: "الكوشرثيا ستنقص كثيراً لو انفصل الجنوب، فلنزرع بعض التأمّلات الحسنة إذن، وبعض الآمال التي تلوح يتيمة حتى الآن". فأقول، ربّما في نفس المقام، ليس بأمانيّكم ولا بأمانينا ولا بالتأمّلات الحسنة والآمال اليتيمة التي تنوح، للأسف، تُخلق حقيقة (قول يا زول تتحقّق) رغبتنا في بلدٍ موحّد...هي الكثرة؛ كثرة الاستفتاء، التي تسير بمحرّك وقوده مصالح ومفاسد ورأي (جماهيري؟) فاسد أدّى إلى تراكم شعورٍ بعدم الثقة وسوء الظن، تخلق حقيقة تظل تعارضها الأقلية الساحقة أو الكثرة المغيّبة والعقرب في نتحيها!

    ثمّ وشكراً على العلي المبارك ولابدّ أنّك قد وجدت، إبّان بحثك في الكوشرثيا، في فن المديح والذكر (عبر خليط الشعر والموسيقى والرقص والأزياء والاكسسوارات والأدوات والطقوس) أعلى درجات الدلالة على حسن نحتك مصطلح الكوشرثيا. هذا، وإن جاز لي أن أضيف إلى مناجاتك، الشاعرية، شيخنا علي المبارك فليكن ذلك معلومة أحسّها صحيحة: يطلق على كاتب أشعار المديح النبوي راوية من حيث إنّه يصيغ (أو يعيد صياغة) مدحاً محدّداً بالصفات والمعجزات والسيرة النبوية فالراوية يمدح بروايته فحسب فهو لا يأت بجديد صفات أو معجزات أو سيرة.

    أطلنا عليكم وردينا لكم السهر مقرطس في ماعونكم فعذراً وإلى اللقاء.
                  

04-23-2010, 04:39 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    عزيزي أبو خالد

    سلام ماكن و تحية مدغلبة

    جارّة معاك الحروف وألا عاضّة؟

    جارة جر شديد ، بس ملاواة الدنيا بتخلي النشر زي ملي أزيار السبيل ( وجه عطشان )


    مالك حذفت المداخلة بتاعتك؟ قلت أجي أفلفل مادتها معاك لقيتك شلتها.
    أرجو إنّك توضِّح الأسباب، إذا بتريد.


    بعد مداخلتي إكتشفت إنو أول البوست له صلة وثيقة لا تنفصم مع بقية البوست الشحمان و أسئلتي المحذوفة بها إجابة ضمنية ببقية المادة ، لذا قلت أطبع و أقرأ ثم أجيك صاد

    كن بخير
                  

04-24-2010, 08:40 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: ابو جهينة)

    أمين محمَّد سليمان
    الله يسلّمك يا أمين، وبركة الشفتكم طيبين كمان
    وبألف خير
    غايتو الجماعة التعبانين الإنت قاصدهم ديل أخوك ما عرفهم فرداً فرداً. لكن "للضمان كدا" لو قصدك الجماعة "الحرقن كلام أبو الريش". ود الصائم ووهبة، مثالاً (كما يقال) لوووول
    أها ود الصائم، في منتديات السُّرَى من سماء إلى الثانية دي وروهوا "مقامه". شلاقتو دي كان ما وَرَّاني بنفسه، ما جايب خبر. هو الشقي كان ماشي لمحل الله عدييل!؟
    مش لمَّا جبريل وصل حتّة معيَّنَة كدا من تطبيق السماوات وكرفستها، في الرواية المجهجهة من حديث ابن عَبّاس، قال ليهو: عارف يا محمّد بن عبد الله، أنا من هنا ولا فوق جنحاتي ما بشيلني. "من هنا ولا فوق الحكاية صعبة خلاص". إنت يا أمين، دحين التعليم والديموقراطية ديل، وفور أول ديل، المقصود بيهم منو؟ برجواز طبقي وأكاديمي وكائنات متثاقفة وألا ياهم نحن ديل!؟ لامن أنتقد مُشهاد نقريطة وكشّاشة، زي ما انتقدوني الجماعة زمان، بنتقدو هنا، محل أشوف لي خمج، ويدِّي في "أم تكشو" مع أبعاضي من الغبش لكوعها. زي "سِيِدَنا" الحكيتو فوق داك، بقول للواحد {يا فرطوق، دي ما بديروها كدي، بديروها كيت وكيت} لكن، متِّفِّن معاهم في الرملة، لا يستكبر عليهم ولا يُمَيِّز مقامه عن مقامهم، ولا يقطع ظِلَّ صلاتهم عن مَهْوَى محرابه.
    ياخي في بشر كدا، في الطيّارة، النضيفة كلّها وما زي القطارات، تحب تركب درجة أولى، وفي السينما تجي بتذكرة خاصَّة، وفي الكيو أو الصفوف، دايره صف براها، زي الخليجيين. ووحاة الله في المقابر دي في ناس بتحب تندفن في جبّانة عالية أكتر من الموتى التانين.. إلخ.
    المهم، لو قصدك الجماعة التعبانين زينا ديل يا أمين، ممكن كلّنا مع بعض، نعمل بوست تاني "طبعة شعبية" من دا. في حالات معيّنة لكن، قد يجي يوم وأذكّرك ليها وأهديك حينها البوست كمان. لكن من هَسَّع الإهداء بتاعك ح يكون نمرة تلاتة. الإهداء نمرة واحد هو "أساسي".. "أساسي".. "أساسي".. وكَرَّرَها ثلاثاً، قال ثم من؟ قال "دكين" ثم أمين.
    يضحك نهارك
                  

04-24-2010, 09:10 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    شول، كيفك يا رجل، وأريتك في بسط وهناءة
    متذكّر كلامي دا ليك في سنة 2008م:
    Quote: مشكور يا شول، ولك الحب والشكر
    أها الطلبات بتكتر، أخوك نقاق، وكان ما فهم ما بفوِّت الكلام ساكت.
    في البداية يا ريتك تربط هذه الحيوانات بالمعتقدات حسب البتعرفو، والباقي بتموهو بقية الإخوة، وكذلك تربطها ببيوت الدينكا، عشان نعرف أولاد السلطان فلان علاقة احترامهم للحيوان الفلاني.
    ولو هناك أي مأثورات من القصص والمرويات الشفاهية (passed on or transmitted) أكون من الشاكرين لو ذكرت البتعرفو منها.
    الشيء التاني نقطة القرامر دي كدي أشرحها كويس، داير أعرف تداخل الكلمتين ديل بأثر علي الفونتيك كيف، ولياتو سبب؟
    وكن بألف خير


    ودا:
    Quote: العزيز شول، تحايا وود
    يا سلام يا سلام ياخ، علي بالحلال بسطتني بسط، ياخي دا الكلام ذاااتو الدايرو أخوك، غايتو اليسامحنا دومبيك، أهو نُص بيت العرس قاعدين نتونس في (المأثورات والمعارف الشفاهية) التانية. لأنو شغل العرس ذاتو من صميم الفولكلور والأنثروبولجيا الثقافية. وشاكرك كمان يا شول النجيض على تقعيد الكلام في شكل نص موزون غاية الوزنة والترتيب بالنسبة لمداخلاتك الأخيرة. ح أجي لأعيد كتابة القصص –الأولى- بالشكل الدايرو منها، وإنت صححني لو غلطان، يعني ما تفوِّت لي أي حاجة مهما كانت صغيرة، صغيرة قدر البليّة برضو ما تباصيها تب، ولو كبيرة وكمان عندك بسطونة برضو بنقبلها، المهم الكلام يطلع مظبوط تمام. وعن نفسي أبقالي شيخ في الحكاية دي، لامن أمرق بالدايرو منها، مع حفظ حقوقك الأدبية كاملة، لكتاب شغال فيه هسع اسمه (الكوشرثيا)، وهو حصيلة من معارف وتعب بلقط فيه بهدف إحلال هذا المصطلح بديلاً للفولكلور، كوَّنتُه من مفردتي (كوش) و(إرث). فأرجو أن تُثبِّت المصادر، يعني الكلام دا جبتو من ناس كُبار وألا من وين؟ وأكان من كتب ورينا عشان نغرف معاك. ياخي لو ملقطو براك خلينا نتفق نطلِّع كتاب (حكايات جنوبية) ونقسم الأدوار من أجل شغل مكرّب ونجيض، جادي أنا بالمناسبة.
    المهم بس ألقى فرصة وأجي أنزل قصصك النزلتها في البداية دي بالترتيب الدايرو منها، وأضبط لغتها وعرض روايتها وأبنيتها.
    وكن وبقية رفاق ورفيقات البوست بألف خير


    يا شول لمّا نَزَّلت لي الحاجات ديك، قعدت أعرض، ما تفتكر إنّي نسيت الكلام، أبداً، هسّع في البوست دا بجيب كلامك، وأحررو، وأفتلو تمام في لغة بني يعرب دي، زي ما استأذنتك وأذنت لي.
    وهنا موافقتك وتحديد مصادرك من عمنا {أكين أقوير أثيانق}:
    Quote: والله يا محسن ... الواحد بالجد يقول وهو مرتاح كتر خير سودانيزاونلاين والله.
    ياخ كلامك الفوق ده بيطمن الواحد إنو البحث عن الماثورات وتوثيقها حاجة مهمة بالجد.
    عموماً ... الكلام الجبتو كلو ... ونسة موجهة منى مع عمنا أكين أقوير أثيانق رجل يبلغ الواحد وخمسين من العمر وده المرجع الوحيد الإعتمدت عليهو ... بس بعد كلامك ده إنشالله بجتهد ليك اكتر وبجيب كلام كتير هنا للفائدة وإنشالله كتابك الكاتبو ده يتم على خير واصلو زى ما قلت مااااااااا بفوت ليك أى حاجة مهما كانت درجة الصغر فيها وذلك لتكتمل الأمانة فى نقل الموضوع لجيل ربما لن يجد هذه العادات وسيكون بمثابة تاريخ جيد لهم.
    الله يديك العافية يا محسن أخوى.

    فائق ودى وتقديرى لك وللجميع

    شول اشوانق دينق


    وفوائد هذا الكلام لمن يعقل، لا تحصى ولا تُعد، لدرجة هسع بفتش في أهلي من قبائل الجنوب في بوادي التلج دي، عشان ألملم وألقط، المشكلة ما في ناس كبار. ولو عارف ناس كبار بجاي يا شول بالله مدني بالعناوين.
    يا ريت ياخي تواصل مع الكبار الحولك. وأنا جبت المداخلات دي، عشان أربط الناس الما قروها بالموضوع.
    الموضوع كاملاً، في بوست أخينا dombek yai الآتي:
    تعال هنا يا انت شوف عرس الناس ديل كيف


    كن بألف خير
                  

04-24-2010, 09:57 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    محمّد عبد الجليل
    يا رجل كيفك وأريتك بخير
    تاريخ السودان هو بالفعل في حاجة إلى مراجعات كثيرة. هذا أقلُّ ما يمكن قوله الآن.
    كلامك عن المؤامرات والعفوية، وباقي حديثك، ارْقُبْه في المداخلة التي سأنزلها بعد قليل، ستجد الأجوبة.
    وكذلك الأجوبة على عادل البدوي في حديثه عن عمديّة وقصديّة العطبراوي من براءته.
    أجمل المودَّات لك

    ود الموووج، وينك؟
    بتكون عجبتك بتاعة الطير نَزَل في الرِّمَّة دي، أكيد.
    ياخي مشتاقين، ما تجيني تعدي معاي الصيف دا بهنا، والله أمرقك في أم صَفقاً عُراض الأوروبية بالقطر.
    الخواجات ديل عندهم قطر شيطان ومبروك خلاص.
    يضحك نهارك

    يا حمور أخوك طيب وتنقصه المشاهدة فحسب
    تلاقيك ولا فاضي لينا ذاتو، اتخيّل اتوَحَّشت بَزّاف المقاهي الليلية بتاعة القاهرة، والونسة للصباح.
    البلاد دي هنا تدَّمدم من المغارب، الله يقطع البرد ويقطع يومه
    كن بألف خير



    ويين يا دينا؟
    يا زولة مشتاقين
    أها القراية أم دق طلعت معاك كيف!؟
    العربي العجيب دا، لزوم الاصطلاح، لأنو بتقري للناس كلهم عبر قانون واحد.
    بعدين برضو لزوم التصدير للمنتجات الثقافية، تابعي المداخلة الجاية التي أوصيت بها الأخ محمّد عبد الجليل، فيها تعليق صغيروني كدا.
    أبداً وحاتك يا دينا، الاختفاءة ديك كانت نظام فَتَر نفسي وزهج ومرض كدا، والبكتب فيهو هسّع دا، وليد اللحظة، وإلهام هذه الأيام وود البدوي. ولسَّع في مِنُّو راقد.
    الكلام الكنت بجمِّع فيهو بالسنين، لسّع ما نزّلتو، وهو مواد كوشرثيا قُحَّة، أو كما يقال في العربي البجيب ليك الصداع.
    لو لاحظتِ مداخلاتي فيها تعديلات راقدة، للنحو والإملاء، دا بلا إلهام ما ببقى علي {الشيخ الهميم} أو كما لقّبني ود البدوي، وأنا كفّنت الميتة دي. ولسع شايف هنّات عربي شوية كدا، وما فاضي ليها حالياً من الإلهام، العربي ملحوق كعب تطير الأفكار.
    الإلهام بيعمي الكاتب من الجانب التقني دا، بعد ما يروق الكاتب وتمر أزمان حتى يبدأ يقرأ ما أمامه من كتابة فعلاً، بدون تَلَبُّس إلهام وتَمْسَحَة وتُسوحِر. فيرى يا دووب العربي والنحو والإملاء والترقيم.. وإلخ
    تاني مشتاقين، وكوني بألف خير

    آدم صيام
    يا عزيز لك الود والتحايا
    مشكور على الطلّة
    وكُن بخير
                  

04-25-2010, 03:14 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    إنَّ ثقافات الشعوب، نتاجُ سجيِّتها، العفوية، تبقى دائماً، مهما تَعَرَّضت لتنقيحات الأيدولوجيا والبرجواز الطبقي والأكاديمي على مَرِّ الزمان وكَرِّه. تبقى في هذا العنصر الشفاهي، من أنسها وأحاديثها وأساطيرها، من مَلَكَةِ الكلام التي ليس بوسع أحدٍ مصادرتها عن هذه الشعوب. فمعالجة ما فيها من معايب وكوارث، بالنسبة للشقِّ الضارِّ منها، لا تتم إذن إلا على صعيد العظة وتربية وتنقية البشري نفسه، لا تصفية مواد صمّاء ومعنوية بالإبادة. لأنَّ الإبادة فعلٌ غير ممكن الحدوث، ما دام سيبقى هؤلاء البشر، على الدوام، يمتلكون أفواهاً، بمقدورها صنع الكلام في كل حين، ومتى وكيف تشاء.
    فالمكتوب على الحَجَر من ثقافتنا القديمة جداً، التي كانت كوشية فقط، قبل أن نُضطر لوضع لاحقة "إرث" الدالة العربية والإسلامية كان دائماً هو {كتاب الموتى}. كتابُ الملوك الآلهة والمتعلمين والكهنة المثقفين! فما الذي يمكن أن يمثّله "غيرُ" المكتوب إذاً من خلال هذا التناظر! ألا يُمَثِّلُ المأثور من (لسان الأحياء) عامة الشعوب ومن يُتَوقَّع فيهم الأُميَّة نَظَرَاً لطبيعة تلك المجتمعات عادةً؟
    لقد ذهب الكاتب عبد الحميد البرنس، يقرأ موقف الدكتور حسن موسى، من الأمثال السِّريَّة تحت أضواء الأيدولوجيا، وإنِّي أرى أنَّ هذه الزاوية في قراءة الأستاذ البرنس خاطئة تماماً.
    ففي الحقيقة، كما أُقَدِّرُهُا، نجد أنَّ موقف الدكتور حسن موسى، كان موقفاً "أسطورياً" بامتياز، أو شخصانياً، غير عقلاني بالمرَّة. وليس له أدنى حظ من الأيدولوجيا كما تأوَّل الكاتب عبد الحميد البرنس، حين نقاشه لدكتور حسن موسى تحت ظلال الأيدولوجيا.
    لنقرأ تحت عنوان (الأسطورة والنموذج الأصل)(1*) ما كتبته باربرا ويتمر:
    {يمكن تقديم مزيد من التوضيح للتفريق بين الأيدولوجيا والأسطورة. تُعطي الأيدولوجيا بوصفها وظيفة حافظة للسلطة، تشريعاً لتلك السلطة (الحكم بالإجماع على نحو ضمني) عبر الاحتكام إلى الماضي، فتصبح تبعاً لذلك تاريخية. أمَّا الأسطورة، بوصفها ضماناً للسلوك وحكاية الموروث، فهي تدمج الماضي مع البُنى الشرعية فيه، وتمتد إلى المستقبل كقصة نموذجية حول ما هو جوهري لاستمرار الثقافة. حيث يمكن تسويغ خطاب استخدام العنف بالاحتكام إلى الأسطورة بدلاً من الأيدولوجيا كتبرير لسلوك مستقبلي عنيف. من هنا يمكن أن تُقدم الأسطورة، بوصفها نموذجاً أصلياً، نوعاً من تشريع للعنف وتبرير له، بوصفه ممارسة طقوسية اجتماعية}.
    وهي تُشابه بالضبط، النقطة التي وصفتُها أعلاه، من كونه لا يمكن وصف سلوك الدكاترة والأساتذة هؤلاء بالردَّة، لأنَّهم أتوا بسلوكٍ لم تأتِ به الكتب التي سبقتهم بمئات، بل آلاف السنين. إذن هم، وبحسب باربرا في هذا المُقتبس، لم يحتكموا للأيدولوجيا التاريخانية، وإنَّما إلى الأسطورة الدينية من نوعٍ مُعَيِّنٍ ومحدود، مثل الأساطير الوهَّابية للتربية، وبذات فهمها، المانوي، ذي المنطق الثنائي، في تقسيم كل شيءٍ لخير وشر، حتى الكلام. فهي بذلك، وعبر مفهوم الحلال والحرام، والعقاب العنيف كآلة تربوية، ترعى الأخلاق المُنتجة للسلوك المطلوب عبر هذا المفهوم الردعي، المتبني للعنف والإسكات والعقاب البدني. إذ يقول الدكتور حسن موسى مثلاً، بتاريخ 17 فبراير 2010م {فهؤلاء هم الطلشاء، الضرب ينفعهم و العلم يرفعهم}. وهي ليست جملة عارضة، أو سطر تظارف طائش، وإنَّما هي فكرة راسخة بِتُّ أرقبه وهو يكتبها في مَرَّات كثيرة، بالسنين، وبألوان عديدة، ويعتقد في جدواها، لا جدوى إكرام البشري والتَّلَطُّف به، لكي يتعلَّم ويتثاقف بالحسنى لا بالعنف، فتتحسَّن وتتبَدَّل فكرته عن السلوك قبل إتيانه عن اقتناع وفرح ومحبّة.
    اقرأ الدكتور حسن بتاريخ 06 مايو 2005م بفارق خمس سنواتٍ عن قوله المُتَقَدِّم:
    {المهم يا زول أنا افتكر إنو "الضرب بيد من حديد" ينفعهم والعلم يرفعهم. وكان مكضبني أمشي اقرأ كلام ناس مازن والجريفاوي وغيرهم تلقاهو بقى ـ بعد الحديد ـ مكتوب بعناية أكتر من المرات الفاتت. ولا يفلّ الحديد (حديد الطلاشة) إلا الحديد (حديد الهدم النقّاد)}.
    وبتاريخ 21 يناير 2006م:
    {و انا متفائل بأن هؤلاء الرجال و النساء العاكفون على الانحطاط و على رؤوس الاشهاد بذريعة المجهولية الاسفيرية ، قمينون بتجاوز عاهاتهم الاخلاقية و عاداتهم المرذولة لو تعهدناهم بالحزم و بالصبر و بالحيلة و هم الذين عناهم المثل :
    " الضرب ينفعهم و العلم يرفعهم " و العكس ايضا صحيح}.
    وبتاريخ: 6 أكتوبر 2006م:
    {ورغم أن أسلوبي يملك في بعض الأحيان أن يفاجئ بعض الأصدقاء الذين عرفوني من خلال فضاء الرسم، إلا أنني أعرف بالتجربة أن لـ "الكتابة العدوانية" كفاءة لا تخيب في مقام اللئام ممن يخافون ولا يختشون فينفعهم الضرب ويرفعهم العلم(وهيهات)}.. إلخ.
    وأعتقد أنَّ الضرب بيدٍ من حديد، وكتابة أو رسوم العدوان، ليستا بأداتي تعليم على الإطلاق. هما أداتا حرب، ومشروعتان بحدود أخلاقية مُلْزِمَة وفي مقاس الحرب، كما هما مُلْزمتان بمعايير العدالة المُعَقَّدة جداً، حين إخفاق القانون أو قصوره، في مثل هذه الحالات. ولكن هما بذلك تتحولان إلى أداتيْ ثأرٍ وقصاصٍ، ووسيلة نحو أخذ العدالة باليد، لا "تعليم" ولا "نقد". وتنتميان بواقعهما الجديد هذا إلى عصور {كبس الجبّة} لا إلى مدارس التعليم والتربية والنقد. {كبس الجبّة} كما قال الدكتور عبد الله علي إبراهيم وتغافل عن نقد صاحبه "زعيم كابسي الجُبب الأكبر"، والمتوسِّم بريشتهم، كما كان حمزة بن عبد المطلب متوسِّماً بريشة أبطال "بدر"، حين قتال المشركين، كما يرد في إرث الإسلام والعرب. تغافل الدكتور عبد الله عن نقد صاحبه لسنين طِوَالٍ، ومِلالٍ، وَرَدَّ له دكتور موسى هذا الجميلَ المتنافع، بتغافلٍ هو الآخر عن مخازئ لا {كفوات} د. عبد الله فحسب.
    والعنف في إجماله لا يمكن أن يستولد أية فضيلة كانت على وجه هذه البسيطة. والعنف، كما أراه، في أي تجلٍّ من تجلياته هو موقف أسطوري، أكثر مما هو أيدولوجي. وحسن موسى لا يشبع من أنماط العنف الثقافي كلاماً ورسوماً، حتى تخال العنف والقسوة، البَّغْضَاء، من صميم مستوى وعي الدكتور، ومن صميم {ممارسة طقوسية اجتماعية} على حدِّ تعبير باربرا، ومُلِحَّة جداً. لا تنفصم عن رؤيته الأسطورية للكون، ولأنَّه يمتلك الحقيقة كاملة التي تُخَوِّلُهُ حق أن يضرب بيد من حديد، لأجل التعليم والتربية، فمن قال له إنَّ معه الحق، وإنَّه مُرَبٍّ الناسُ متوثِّقون مما معه من متاع تربوي، لذا عليه أن لا يتردَّد في الضرب بيدٍ من حديد!؟ هل {الصفوة} هؤلاء تلاميذٌ عنده، أم شركاء معه في منتدى للتفاكر المتكافئ!؟ ماهي مبرِّرات أن تكون له فَلَقة مشدودة من لسانه، وأخرى مشدودة لألوانه، حتَّى تحسبها حامل رسم!؟
    وبشرح بسيط لمسألة أنَّ العنف الثقافي هذا ما هو إلا موقفٌ أسطوري بامتياز من الكون. أقول، إنَّني لطالما رأيتُ في الموقف الأسطوري ذاته، أنَّه يُنْتِجُ أحد أمرين، إمَّا العنف، وإمَّا الكوميديا. وسأشرح هذه النقطة بمثالين، أحدهما قصة طريفة رواها أحد الكُتَّاب معنا هنا في البورد، وبحثتُ عنها كي أُثَبِّت له روايتَها ولكنني لم أعثر على القصة، وإن كنتُ أذكرها وسأحكيها بروايتي لها، كما أعرف شبيهاتٍ لها، ولكنَّها أنصع من غيرها وأمتن في خدمة المثال.
    يحكي الزميل الكاتب عن مجموعة من الأطفال يتسوَّرون جنينة للفواكه، أحدهم به سمنة قليلاً وبطئ الحركة، فيأتي صاحب الجنينة ويباغتهم، ليهربوا جميعاً إلا هذا الطفل البطئ، فيقبضه بذلك صاحب الجنينة وهو يأكل من ثمرها وفمه وملابسه مليئة بعصير تلك الثمار. فيُصِرُّ الطفلُ مُقْسِمَاً {والله دا ما أنا، أو والله أنا ما معاهم}.
    أي، خلاصة المثل هنا، هي مجافاة الواقع ونقضه على نحو مُطلق وأسطوري، ولكن النتائج المترتِّبة على ذلك لن تكون إلا كوميديا، لنوع وظرفية الموقف. فهو طفلٌ وهذا الموقف الأسطوري نَجَمَ لتحاشي عقاب بسيط، في النهاية سيضحك صاحب الجنينة، ويُطلق صراح الطفل، ليتندَّر الرجل بالقصة بين الناس مشيعاً فيهم روح الفكاهة والكوميديا.
    ولكن ماذا لو كانت هذه الانتخابات التي جَرَت قبل أيام، تُمثِّلُ انتخاباتٍ حقيقية، والأحزاب كلها مشاركة وبوزن وثقل حقيقي، ومع ذلك يُعْرَضُ فيديو لأناسٍ، تراهم، هؤلاء أمامك يُزوِّرون الانتخابات ويَرُجُّوَن الصناديق أمام عينيك، ليتأكدوا من امتلائها، ومع ذلك تأتي المفوضية أو شيوخ المؤتمر الوطني مُقْسِمين {والله ديل ما نحن، أو والله نحن ما كنّا معاهم}.
    ستلجأ الأحزاب للقانون كخُطوة أولى، وبما أنَّ الإسلاميين قد أفسدوا القانون عبر مؤسساته وقضائه، سيتخذ القانون الوهمي هذا الموقفَ الأسطوري عينه، ويُردِّد معهم مُقْسِمَاً هو الآخر {والله ديل ما هم، أو والله هم ما كانوا معاهم}. هنا، بالضبط، وفي تمام مواقيت اكتمال بدر الأسطورة، وهذا الموقف الأسطوري المُطلق في نقضه للواقع، سينشب العنف السياسي، رَدَّاً على هذا الموقف الأسطوري، الذي لا يمكن الجدل معه.
    وفي كتابة قديمة لي، قمتُ فيها بمناقشة ودراسة قضية (العنف بين العُشَّاق، أو المتزوجين) وجدتُ نفسي قد بلغت في آخر تلك الدراسة، أنَّ العنف "بين من يتعارفون" سببه بشكل رئيس هو المواقف الأسطورية كهذه المواقف. كأن تقبض الحبيبة على سلسلة رسائل من امرأة ثانية، في موبايل حبيبها، وسلسلةَ ردودٍ من حبيبها على رسائل تلك المرأة، وتعثر على عشرات البراهين والأدلّة الأخرى، التي تُثبت تورُّط ذلك الحبيب في خيانة. ولكنّه مع ذلك، لا يعترف ولا يعتذر، لا، بل يتخذ موقفاً أسطورياً عبر قَسَمِ {والله دا ما أنا، والله ما كنت معاها ولا بعرفها}، وسَيَسُدُّ الموقفُ الأسطوري البابَ أمام مجادلته، نقاشه، أو محاسبته ومفارقته بالتي هي أحسن. حينها سترتمي هذه المرأة المغدورة، بحنقها وغصتها وغبينتها كلّها، على جسده ضرباً، وسيردُّ لها هو الصاع صاعين، وهكذا تنجر العلاقة إلى العنف. بسبب هذا الموقف الأسطوري. ففي تقديري أنَّ معظم حالات العنف بين أشخاص يتعارفون منبعه المواقف الأسطورية كهذه، التي تنكر أحداثاً ما من سبيل لإنكارها، وليس بالضرورة أن تكون خيانة، أي مواقف أسطورية ما، كفيلة باستولاد العنف "دفاعاً" أو "هجوماً".
    فموقف الدكتور حسن، مع الأمثال السرِّيّة كان أسطورياً "مدافعاً" لا أيدولوجياً كما رأى البرنس. الأيدولوجيا لا بُدَّ لها من منطق، بعكس الأسطورة. والدكتور يعرف أن المنطق الثنائي الذي اعتمده في الحديث عن الأمثال السريّة، لن يصمد طويلاً أمام الحجج المنطقية الكثيرة، والمعرفية، وكذلك الموقفية "أيضا"ً التي يمكن أن تحاصره باستخدامه هو نفسه لألفاظ أكثر بذاءة من هذه الأمثال، في عنف مُباشر مع متحاورين لا تشبه حال الأمثال كمادَّة متهمة بالبذاءة فحسب، منشورة عموماً، وغير موجَّهة إلى أحد الناس على وجه التعيين من خلال حوار. واستخدامه أيضاً لرسوم تفوق تلك الألفاظ بذاءة على حدِّ تعبيرهم وتعريفهم للبذاءة. كل هذا دعا الدكتور لأن يستخدم العنف الثقافي والإرهاب الدفاعي، عبر مشهد أسطوري مطلق لا أيدولوجي. بإزالة المادَّة أولاً دون تركها للنقاش، وبإزالة باسويرد جامعها وناشرها ثانياً كي يكَمِّم فمه من الرد عليه. ثم وجد نفسه، بعدها، في قلب مشهد محزنٍ أكثر مما هو مخزٍ، لأنَّه اختار أن لا يترك العنف مستقبلاً، كأداة يطمر بها عوراته لدى ذلك الخطأ البشع الذي ارتكبه. أو كما قال له الأستاذ محمّد حسبو:
    {لقد كان موقف الإدارة من بوست الأمثال خاطئاً، وغير منسجم مع الأهداف المعلنة لهذا الموقع ورسالته، و كل ابن آدم خطاؤون، و لطالما رأيتُ أنّ الإنسان يحتاج تجربة يتعلّم منها و لا حرج عليه، و حتّى إذا انعدمت إرادة تصحيح الخطأ بأثر رجعي فلا بأس و هذا من حظّ النفس. فإذا كانت إدارة الموقع قد تجاوزت ما حدث و استخلصت دروسه، ففي هذا عزاء، بل ويسهّل علينا أن نفهم هذا الموقف المتسامح مع مكتوب الأخ النور الأحمر}.
    وكلامي، وكلام حسبو لن يستوفيا شروط الصحَّة والقيمة، إلا عبر افتراض حسن النيّة في الدكتور (قطعاً) من كونه لا يقصد جامع تلك الأمثال في نفسه. ولكن هل أجرى الدكتور أي نقدٍ على الذات، هل تهمه تربيتها بذات المقدار الذي يهمه من تربية الجريفاوي وصحبه!؟ هل هو Honest ويسعى للاتساق لا الانتصار والاستكبار!؟
    بأي حال الإجابة تُسْتخلص، من سلسلة سلوكياته، التي ما كانت تعبر به فوق موقف أسطوري، إلا وتحشره في {Cul-de-oie} موقفٍ آخر. والكلمة الفرنسية للدكتور لا لي، أنا لا أعرف الفرنسية، ناهيك عن إجادتها لدرجة معرفة مواقع "غميسة" كهذه من الوز والبط والدُّجاج، وغيرهن مما يمشي على اثنين.
    ولكن الدكتور التزم هذا الموقف الأسطوري طوال الخط، وتجَدَّد ثانياً وأبشع، لأنَ الناس احتجوا عند إنزال بوست {في مديح طيز الوزَّة} وسألوا عن تلك المعايير المتبعة مع هذا البوست "الوَزَّي" ومع ذاك الذي مضى من أمثال. فجاء الدكتور حسن هنا بـ"الترغيب" و"الترهيب" لمحمّد عثمان، مفترع تلك الدعوة للمقايسة. رَغَّبَه الدكتور حسن حينما أغراه، أو استغفله، بـ"المديح" الفطير والمُباشر، دون حصافة، كما يرى الأستاذ البراق النذير . أي يستهون الدكتور به وبالناس حينما يقول له، وأمام الأعين، إنَّه كاتب، وقارئ خطير يقرأ كيت وكيت فـ{كَفَّن -محمّد عثمان- الميتة} هذه، كما تقول الكوشرثيا. والدليل على ذلك أنَّه عَرَضَ سحب المداخلة ذاتها، التي قام فيها بمقايسته تلك بين بوست الأمثال وبوست طيز الوزّة. وأرهبه الدكتور حينما خَفَّضَ منزلته من "عثمانهم الذي في أستراليا"، كما كان يقال في التاريخ، الحجّاج بن يوسف، يَدُ يزيد، أو سيفُه، الذي بالعراق، أو بالشام، وهكذا. فبعد أن كان محمّد عثمان هو "عثمانهم الذي في أستراليا" أي عثمان ثلاثي حسن وبولا ونجاة، كُدِّر كما يُكَدَّرُ ضباط العَسَس. من مرتبة نقيب بثلاثة أنجم في جيشهم، ليكون ملازماً بدبورة واحدة في مليشيا التسعة عشر، وإله جهنمهم وحده. فبولا ونجاة لم يعودا يرغبان في ذلك البيدق بعد مخاشنته لنجاة، وهذا هو "الترهيب". انظر للفداحة، كأنَّما رضاهم عن الناس جائزة، يا للهوان! فـ"ترهيب" الدكتور يعلن لا يضمر، أنَّه إذا استمرَّ محمّد عثمان في المقارنة بين الموقفين، ونقد الموقف الأسطوري لإدارة المنتدى، فسيخسر حتى نجمته تلك. وحرفياً قال له الدكتور معلناً ذلك التكدير {يا محمد عثماني[ شايفني غيرت صيغة ضمير الجماعة عشان الجماعة الطيبين الكنت برجعك ناحيتهم مش قدر المقام]}.
    وتستمر المواقف الأسطورية، مُوَلِّدة العنف على يديِّ الدكتور، بلا انقطاع وفي سياق ونَسَق أسطوري مثلها. يستخف بكل من يقرأ، ويفترض فيه انعدام العقل من أساسه لا السذاجة والبلاهة فحسب. لا أدري ماذا يظن الدكتور عن نفسه وملكات سَحْرِه لأعين الناس، أو ما الذي يظنه عن أفهام الناس وقدراتهم! لدرجة أنَّه يأتي بكلام عن أكل العيش وربطه بالكتابة والنيَّات و"لغوثة ذلك كلّه"، كما قال حسبو، بجامع الأمثال السريّة.
    فتأمَّله وهو يقول كلاماً في موقع المرافعات المنطقية والفلسفية، لا أدري أهو شعر، أم طلاسم، أم ماذا؟ اقرأ له:
    {يا محمد عثماننا أنا مصر على ان أعمال الكتابة بالنيات و الكاتب الحقيقي هو الذي يباشر أعمال الكتابة على نيـّة صادقة و عن رغبة عارمة تموضع فعل الكتابة في خاطر الكاتب كحديقة سرية ممنوعة أو كمخاطرة وجودية فريدة و لو شئت قل :كأولوية دينية حرجة لا تقبل التسويف.و كل كتابة بخلاف ذلك هي صف للتلاوين التعبيرية الجاهزة و بروباغاندا و " أكل عيش " بلا تبعات.و أنا لا استكتر الكتابة النفعية على آكلي العيش البواسل كما لا استبعد ان يخرج من بينهم الكاتب المبدع الذي قد يعثر على ضالته بعد طول ضياع في شعاب الكلام المباح لكني بصدد فرز المويات حتى يقف كل واقف موقفه على بصيرة نقدية تتنائى عن اللبس}.
    نيّة صادقة، رغبة عارمة، تموضع فعل الكتابة؟ حديقة سريّة؟ خاطرة وجوديّة؟ أولويّة دينية حرجة؟ شعاب الكلام المُباح؟
    شخصيَّاً لا رغبة بي مُطلقاً في أشعار الدكتور، إن كانت بهذا المستوى. يكفيني ما يكتبه (إخوان وأخوات الوشل)! فقط ليوضِّح لنا الدكتور، بلغة متواضعة جداً، ومُبينة، همّها المنطق والترافع الفكري، لا الشعر في مقام التفاكر والجدل الصعب..
    (1) من هم الكُتَّاب النفعيون الذين يقصدهم هؤلاء؟ (2) ما هي أدلَّته الملموسة أو غير الملموسة على نفعيتهم هذه؟
    (3) كيف تُبرهن لنا هذه الطرمزات الشعريّة أعلاه أية علاقة ما لـ"الكتابة" بـ"النيَّات"؟
    لكي نقف على بصيرة نقدية تتناءى بنا عن اللَّبس، كما يقول.
    الكتابة التي هي "رَقْنٌ" و"تدوينٌ" ماثلٌ بالخصوص والعمديّة ضد "النيّات"، وفعلٌ ملموسٌ Tangible، تأمَّل كيف يحيلها الموقف الأسطوري من لدن الدكتور إلى نيّات بالخصوص والعمديّة، وإلى هُرَاء Nonsense. وجانبها المُضحك "الآخر"، ما دام قد ثَبَت أنَّها بالنيّات! هو أنَّ المؤلِّف "سين"! ومن هو هذا المؤلِّف "سين"!؟ هو الذي ألّف مليون كتابٍ في جميع أضرب المعرفة! وأين كتبه هذه حالياً؟ دُفِنَت ولُحِدت معه يا أخي وأختي، إنَّما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما انتوى. فمن هَمَّ بتأليف كتابٍ واحدٍ كُتب له عند الله والناس، وصُفَّ له في رفوف المكتبات، بعشرة أمثاله. والكاتب "سين" هذا تُوفي دون كتابة، إي نعم، ولكنه انتوى كتابة مائة ألف كتاب، فاضرباها في عشرة يا أخي وأختي في الله!
    أي أنَّ العنف، الذي أصله كَذِبٌ لدرجة الأسطرة، ما يشبهه في هذا المقام، صناديقَ تُرَجُّ أمامك حتى تمتلئ، ومع ذلك يقسم صاحبها بالتكذيب متأسطراً، ومُناقضاً للواقع الـconcrete والحق الماثل على نحوٍ crucial، حاسم. الأمر الذي قد يجعله يستخدم العنف بعدها مدافعاً وحامياً أوهامه تلك، كي لا يتم إيقاظه للحقيقة.
    بالتمام والكمال، كما فعل الدكتور، إذ غَرِقَ في سلسلة متواصلة، من الأسطورة الكاذبة، والأنماط الثقافية للعنف، لأجل رَدْمِ ما سَبَقَها من أساطير وعنف.
    بالضبط، كما قال شكسبير، ما خلاصته، يستحيل ردم الدم بآخر Blood have Blood.
    ثم وجد الدكتور نفسه، في عرض موقف أسطوري جديد، من تلك السلسلة، وهو أنَّ الأستاذ حسبو "زنقه" ولكن لم يُسِئْهُ، ولم يخاشنه بحيث يعطيه مُبَرِّراً للهروب. وإنَّما كاشفه على نحوٍ لم يرغب به الدكتور من جنس الذي قام بإحباطه لدى محمّد عثمان، وآخرين، عبر ترغيب المديح وترهيب التكدير هذا ذاته. إذ أجابه الأستاذ حسبو بكلام دغري، واضح، ورصين، غير ذي عوج:
    {يا حسن موسى مُحسن خالد دا رجل مرق لهذه الكتابة برضو منذ آلاف السنين، وله طريقته فيها، وهو يقرأ ويعافر أيضاً منذ آلاف السنوات ليخدم هذه الكتابة، وما عرفتُ فيمن يرتكبون الكتابة من أندادي طرّاً من يبذل لها مثل محسن خالد، و ليس من الشرف أن يصبح الاختلاف معه سبباً لنفيه أو الحط من قدره عبر حديث النيّات الملتوي هذا وسيء النية هو ذاته.. محسن له تقديراته فيما يكتب وله رؤاه وربّما كان فيها هنات هنا أو هناك وهذا شأننا أجمعين، إذا لم يكن لديكم من صبرٍ عليه أو نصح له فلا تثريب، وإذا لم يكن مرغوباً بمحسن هنا فهذا حقّ يمكن لإدارة الموقع ممارسته وأخذه بالدرب العديل، عنوةً ودون تبرير، أمّا مثل عملك هذا، و خلط الخبيث بالطيّب، فالسكوت عليه ليس من نوع الذنوب التي أهوى و اقترف..
    يا حسن أشرح لينا كلام النيّات دا وكلام فرز المويات عشان نفهم الموقفين ديل في سياق صحيح ومتسق فنعرف الفرق بين هذا وذاك من جهة خامة المفردات أو من جهة ما اعترضم عليه وقتها في حديث الأمثال، وهذا ليس مطلباً فقط بل واجبك الأدبي كمان}.
    ومشكلة الدكتور، أو معضلته، أنَّ حسبو، لن تعمل معه نظرية "الترغيب" و"الترهيب"، فهو لا يرغب في مديح الدكتور ولا يخشى تكديره. فاضطر الدكتور لمرّة جديدة أن يمارس العنف، ويُلَفِّق كلاماً من عنده، ويجعله في موضعٍ يفهم منه القارئ أنّ حسبو قد جاء وكتب ذلك الكلام للدكتور. ولمّا لم يسكت حسبو على ذلك، في بوست قصي سليم، اضطر ثلاثُتُهم هذه المرّة، بإضافة عضوي إدارة المنتدى الآخرين، نجاة وبولا، لارتكاب عنف ثقافي جديد. باستبعاد حسبو وإنهاء عضويته، وأيضاً من خلال موقف أسطوري عريض، ليس خلفه ما يسنده على الإطلاق، ولو مثقال ذرة. مثلما فعلوا بالضبط مع جامع الأمثال والكثيرين غيره. وهكذا...إلخ. تأسيس خلف تأسيس، للأسطورة لا الأيدولوجيا، ولأنماط العنف الثقافي، بلا شبع ولا انتهاء، ودون حَد. لأنَّهم ينطلقون من موقف أسطوري بامتلاك الحقيقة، ويدفعون عنه بآليات أسطورية، أيائلَ مُجنّحةٍ، تعدو في هُوّة ما بعد اليأس، مخطرفةًُ بين ماء المزن. والأدهى وأمَرُّ، أنَّهم يحلمون بإقناع الجميع، لتبنِّي هذا الموقف الأسطوري بتمام أسطوريته هذه، وأنماط عنفه الثقافي!

    ***


    أمَّا الأمثال السريّة الضارَّة، أو مواد الكوشرثيا الضارَّة في تمامها، فما هي بمُمَارِسةِ عنفٍ في حَدِّ ذاتها. إذ هي مادَّة معنويّة لا عقل لها، والإنسان هو من بوسعه ممارسة العنف بها، وهو المسؤول عن ذلك. وقراءتها، مفيدة للكثير من المواضيع الحضارية والتاريخية، والتربويّة أيضاً، والكثير مما لا يراه كلُّ قارئ. والوفير، مِمَّا لا تظهر منافعه إلا على يديِّ من هو ناقد حصيف، وله نظرٌ ثاقب يجوز العبارة في شكلها الظاهري، لموقعها النَّسَقي، من التاريخ وعلاقاتها الأخرى، والمتشابكة، مع مجمل البناء الحضاري الذي أنتجها.
    فأسئلة من نوعِ، هل تآمر "الإرثُ"، أي لُقى وأُعطيات ما هو إسلاموعروبي ضد ما هو كوشي؟
    سؤال بهذه الكيفية، تتم الإجابة عليه من خلال هذه المواد الكوشرثية، بفحصها وقراءتها. ولا تكمن الإجابة عليه في إثبات أنَّ مجموعة من الناس الإسلاموعروبيين جلسوا في الظلام ذات ليلة، بكهف سرّي ما، وقالوا دعونا نتآمر ضد الحضارة الكوشية وأهلها! ومن ثَمَّ وضعوا خُططهم ثم شرعوا بعد ذلك في إنفاذها! أبداً، المسألة ليست هكذا، ولا الرؤية قائمة على هذا الكيف. وينطبق الحال ذاته، على سؤال هل قَصَد العطبراوي فعلاً عبر تلحين وغناء ذلك الوطن الذي هو في مجمل "تصوُّراته" إسلاموعروبي، أن يؤسِّس لما هو ضد الحضارة الكوشية وأهلها بالنيّة العمديّة لذلك!؟
    فبدءاً أقول، إنَّ التصوُّر الخاطئ ذاته أكبر مؤامرة تجني على الإنسان نفسه قبل أن تجني على الآخرين. لأنَّها شلَّت نصفه، لا بل أساسه، الكوشي تحديداً، وجعلت جسد هذه الكوشرثيا يتقاتل مع بعضه بعضاً بالدهور الطويلة. أمَّا حركة مصلحة الجماعة الإسلاموعربية، التي بالأساس تُنْشِئُها وتحميها هذه التصوُّرات الخاطئة، وغالباً المُجرمة، فهي أكبر مؤامرة يمكن أن تتم بالمفاهيم الحضارية.
    فلنقرأ مثلاً، هذا المُقْتَبَسَ من علم اجتماع العلوم(2*):
    {البعد الثالث الذي يميّز البرنامج القوي في علم اجتماع العلوم هو الأهمية التي يوليها لمفهوم "المصلحة". ويعتبر بارنز، وبلور، وماكنزي، أو شابين أنَّه لا يمكننا فعلياً أن نفهم طبيعة ثقافة ما وكذلك مبادئ تجدّدها من دون الرجوع إلى طبيعة المصالح الاجتماعية ذات الصلة بها. هناك من التصورات حول "النظام الطبيعي للأشياء" بقدر ما يُوجد من مصالح اجتماعية مختلفة}.
    إذن الوطن بمفهومه الطبيعي هذا، لدى الإسلاموعروبيين، الذي نجده ليس في غناء العطبراوي وحده، بل في مجمل الغناء الذي يسيطر على الآلة الإعلامية للدولة، وتمام شعار الدولة، وفي تلفزيون (لا إله إلا الله) الدولة، هذا كلّه، نحن لكثرة تكراره وترداده أصبحنا ننظر إليه وكأنَّه هو {النظام الطبيعي للأشياء} بحسب قول العلماء السالفين، في المقتبس أعلاه. بينما الوطن في الحقيقة الماثلة على أرض الواقع، غير الأسطورية، مما أسطرتهُ في الوجدان الشمالي الأيدولوجيا الإسلاموعربية، هو أكثر تعدُّداً واختلافاً وتنافراً، مما هو مفروض على الجميع من خلال تركيبة "النظام الطبيعي للأشياء" هذه، التي تحركّها المصالح والمنافع. هذه هي المؤامرة وهنا يقبع التخطيط الذي أصبح آلية تعمل بشكل ميكانيكي دون أن يحس بها المنتفع على نحوٍ ظاهر، إن لم يُنَبَّه لذلك.
    وهذا النظام الطبيعي للأشياء، يمكن قراءته ومتابعة تسلسله، منذ دهور الاسترقاق، الذي قادته في تعريفي له، القبائل الأقوى، ضد القبائل الأضعف. رأيي أنَّ القراءات في الرق السوداني "جُلُّها" كانت خاطئة، ولا أعرف منها استثناء. الرق -"داخل"- السودان، كما ثَبَت لي عبر الأدلَّة القاطعة والكثيفة التي لا داحض لها، أنَّه لم تقم به لونية ضد لونية، ولا ديانة ضد ديانة، وإنَّما قامت به إثنيات أقوى ضد إثنيات أضعف. وصحيح أنَّ هناك إثنياتٍ لم يقع عليها الرق مطلقاً "الإثنيات الأقوى"، مثلما أنَّ هناك إثنياتٍ وقع عليها الرق دائماً "الإثنيات الأضعف". ولكن محرِّكه الأساس كان هو القوة ضد الضعف، وليس الألوان ولا الأديان.
    فالفور، هم إثنية إفريقية قُحَّة، مسلمة، هي أكثر إثنية سودانية مارست الرق، بالحساب وليس {الكوار}. والحساب هنا معياريته هي أنَّهم ولمدى مئات السنين، كانوا نظاماً System إدارياً وثقافياً، لم يضارعه على مستويات التاريخ الوسيط كلّها، أيُّ نظامٍ آخر من الممالك التي عاشت على جوانبه، تابعةً له. فكيف تفوقه هذه الشَّراذم والقبائل والممالك بخصوص موضوعة (الرق) التي كانت عصباً أساسياً من عصب الاقتصاد، بحسب المصادر التاريخية، عن الرق وعن سلطنة الفور. التي مارست الرق على الممالك المجاورة لها من غرب إفريقيا ومن السودان، وعلى الإثنيات الضعيفة تحديداً. وموقع الفور الآن من التاريخ تغيّر "حكايةً" فحسب. وأصبحوا لعامل إثنيتهم ولونيتهم، يُجْمَلون فيمن يمكن لـ"جلابي" غير مُلِم بالتاريخ أن ينعتهم بالعبيد، أي حفدتهم، وهم سلاطين الأمس ونخاسوه الأقوياء، وأهل الـSystem لذلك. بالرغم من أنَّ هؤلاء الجلابة أنفسهم كانوا يجلبون معظم عبيدهم بالشراء، من السلطنة. وكانوا يذهبون بأشعارهم مادحين لأولئك السلاطين الأقوياء، كي يمنحوهم العطايا التي من ضمنها العبيد. هذا الترويج الخاطئ حَدَث، وأضراره لا تقوم على مستوى "المَسَبَّة" كما يمكن أن يفهم صاحب عقل خفيف. فلا مسبَّة في أن يقع بك ظلم الرق، بل تقع الشناءة كلّها والانحطاط بمن لا يدينه. وإنَّما يقوم نقاشي بصدد إعفائهم المجّاني، كإثنية، من تحمل المسؤولية الأدبية مع باقي الإثنيات التي قامت بذلك، من الإثنيات الشهيرة، كنوبة الشمال بجميع بيوتهم أوَّلاً والجعليين بجميع بيوتهم ثانياً، والبجة بجميع بيوتهم ثالثاً، والقبائل النيلية القوية بجميع بيوتها رابعاً. فتجارة الرقيق كانت موضوعاً اقتصادياً بالأساس، وحرَّكّها العامل الذي حرّك الاقتصاد على مَرِّ التاريخ وهو القوَّة.
    وكتابات التاريخ كلّها، صالحها وطالحها، تُثبت ما أقول به الآن، بخصوص هذه الإثنيات، وبخصوص سلطنة الفور. وتقول بأنَّه لولا سلطنة الفور القوية في غرب السودان، لما امتلك الجلابة عبيداً إلا النذر اليسير مما كان يجلبه مغامرو الجلابة من جنوب السودان، وأيضاً ذلك تَمَّ عبر القبائل الجنوبية القويّة، كالقبائل النيلية تحديداً، الدينكا والشلك والنوير والأنواك.. إلخ. حتّى في الجنوب كانت القبائل النيلية تسيطر على تجارة الرقيق، وتقوم به ضد القبائل الضعيفة، وتبيعه للجلابة كي يصدروه عبر مصر. وإلى اليوم، انظر للسلالات من أحفاد أولئك البشر الذين بيعوا، أيام تلك الوحشية الغابية لا البشرية، وسُفحت كرامتهم الإنسانية، في بلاد الغرب. تأمَّلهم وستجد أنَّهم يشبهون قبائل إفريقية أخرى، ومعروفة، ولا علاقة لها مطلقاً بالقبائل النيلية السودانية. بالأصل معظمهم من غرب إفريقيا، وسواحلها الغربية، لسهولة غزو هذه الشواطئ بالنسبة للسفن القادمة عبر الأطلسي. وحتى النذر اليسير هذا -مقارنةً بغرب إفريقيا- الذي جُلِبَ من السودان، من فشودة، فقد كان لقبائل معروفة وتشبه في ملامحها الفسيولوجية، قبائل غرب إفريقيا. ولا علاقة تربطها مطلقاً بالقبائل النيلية السودانية، طويلة الأجسام وفارعتها، دقيقة الملامح، ناعمة البشرة، وناصعة بياض الأسنان. وهذا لا يمنع أنَّ هنالك أفراداً من هذه القبائل، التي أعنيها ذاتها، قد وقع بهم الرق. ولكنَّني أتحدَّث عن تلك التجارة وبوصف أنَ هنالك قبائل كانت سوقاً "رئيسة" لتلك التجارة، ولا أتكلَّم عن الشوارد.
    وفكرة المصالح هذه ذاتها، عبر قانون قوّتها الاقتصادي، ستُوَزِّع أدوار هذه التجارة الذميمة وهذا الـBusiness اللئيم على حسب مواقع وجود هؤلاء المُسْتَهْدَفَين، ومنافذ التصدير الخارجي لهم. سيتضافر الأقوياء إذن، في حلف تجاري واحد، ضد الضعفاء. وهذا حَدَثَ أيام كانت تحدث تجارة الناس، ويحدث الآن حين تجارة البهائم، والخضار، والمحاصيل، وفي جميع أنواع التجارات، وبكل بقاع العالم، دون استثناء. والجلابة أنفسهم، بوصفهم المُصَدِّرين، كانوا يذهبون بالمنكوبين هؤلاء إلى داخلية مصر، إلى {وكالة الجلاّبة} الوكالة التاريخية لبيع البشر بمصر. ثم يتركونهم لحلف أقوياء آخر، يرتاد بهم ما بعد المتوسط، وهكذا، حلف قوي، إثر آخر، حتى يبلغ أولئك المنكوبين مبلغهم.
    فمَثَلٌ غير سري، ويسري على لسان غالبيّة مِنَّا مثل {مجبورة خادم الفكي علي الصلاة}، هو في الحقيقة مجهول المؤلِّف، ولكنه يحمل بجوفه الكثير من الدلالات التاريخية، والكثير من الروابط، التي يمكن، ملاحقة تشابكاتها مع دلالات تاريخية وحضارية ثانية.
    فهو مثلٌ قادمٌ أو عابرٌ لأزمان الرق، ما بعد دخول الإسلام والعرب إلى السودان، هو يحمل تاريخه في جوفه. من دلالة "الفكي، أو الفقيه، المُسلم"، فبما أنَّه يُصَلِّي ويأمر أهله بالصلاة، فلا مناص لخادمته من الصلاة، ولو من باب مداهنة سيّدها فحسب.
    فمن واقع قهرها إذن، عليها أن تُصَلِّي ما دامت هي خادمته، مسلوبة الحريّة الوجوديّة والاختيار. ولكن بعضنا لا يرى هذا الجانب الوحشي من المثل، لصورة امرأة مستضعفة في الأرض، ومقهورة، على يد رجل دين، مُسلم، و"كمان" فقيه. وهذا ما أسماه علماء علم اجتماع العلوم بـ"النظام الطبيعي للأشياء". إن لم تفحص وتتدبَّر في الحكاية، سترى مثلاً اعتيادياً، يتَحَدَّث عن الاضطرار فحسب، ويشبه المثل الآخر الذي يقول {المضطر يركب الصعب}. ولكن هل هو يشبهه في الحقيقة؟ لا، ما بينهما بُعْدُ المغربين والمشرقين.
    لأنَّه مدفون الشناءة، وليس مُكَشِّراً عن أنيابه الوحشية مثل {العب عب، والمره مره}، أو {العبدُ عبدٌ، والمرأةُ امرأةٌ}.
    The slave is a slave, and the woman is a woman
    وشِقُّ المثل الأوَّل مأخوذٌ، عَمَّا أعتقد أنَّه مدسوس، على ذلك الشاعر الكبير، المؤسِّس للوعي الإنساني الفاسد والمنحط. مَنْ أنفق الأستاذ الطيب صالح ثُمَنَ عمره مادحاً له ومُعجباً به من جهة الفن وحدها، لا شريك لها، ولا أدري كيف! أعتقد أنَّها مقالة مدسوسة على المتنبي في القول {العبد عبدٌ وإن طالت عُمَامَتُهُ... والكلب كلبٌ ولو ترك النباح}، وما دسُّوه عليه، إلا لأنَّهم وجدوا فيه الكفاءة غير الأخلاقية المناسبة، و"المزبلة" المناسبة جِدَّاً وأزْيَد، التي أقامها عبر أشعاره الثابتة عليه، ثبوتاً ورسوخاً لا طعن فيه، في هذا المضمار. هذه المقالة أعتقد أنَّها مدسوسة عليه، إذ لا أذكر أنَّني قرأتُها في كتاب أصولٍ يعتدُّ به، و"ربما" هي موجودة، ولم تقابلني، فتواي فيها أنَّها مدسوسة عليه، لأنَّها لم تقابلني، ولأنَّها في أصلها ركيكة.
    {العب عب، والمره مره} هو مثلٌ يعمل على أن لا تُفَكِّر، وأن لا تتساءل بأسئلة من نوع، ولماذا هو العبد ليس مثلي، ولماذا هي المرأة ليست مثلي!؟ توقّف عن التساؤل ودع عنك النبش والحفر، لماذا؟ ليبقى "النظام الطبيعي للأشياء" هذا قائماً ويدير كل شيء، وليصبح البشر برمجياتٍ واقعة تحت سطوته فحسب، ولا أكثر.
    أمَّا "المرأة" و"العبد"، فالمقولة تُقَرِّر وبشكل قاطع، أنَّ حالهما سيبقى هكذا، دائماً، وإلى الأبد. وليس بوسع أي أحدٍ من المذكورَيْن في المثل تبديل خانته القيمية، أو موضعه الاجتماعي و"مقامه" الذي يجب أن يكون مساوياً لمقامِ أي بشرٍ آخر.
    فأين نجد هذه التصورات عن النظام الطبيعي للأشياء؟
    نجدها في مجمل السلوك الثقافي المتواتر عن المجتمع، وفي مجمل مأثوراته القولية والتطبيقية أيضاً. "التطبيقية" كأن لا يحدث تزاوج وتخالط بين الإثنيات المختلفة هذه، بعضها بعضاً. لأنَّ هذا النظام الطبيعي للأشياء هو عينه النظام الذي يُراد إشاعته والتكريس له عبر (العب عب، والمره مره) هذا هو الطبيعي الذي سيبقى هكذا دائماً، مثلما قال كَيَانُ الأبارتيد.. الأبيض أبيض، والأسود أسود، وإلى الأبد.
    ولك مقارنة هذا المثل عينه بالفقرة الدستورية الأشد لؤماً وظلماً من تاريخ جنوب إفريقيا، البلاد التي تعتبر الآن تُحكم من خلال واسطة النظام الديموقراطي الأرقى والأكثر كفاءة في العالم كله. لأنَّ هذا البلد اختبر كافة أشكال وألوان الظلم والقمع، فخرج دستوره الحالي ناضجاً ومعافى من الأمراض القاتلة جميعها. هذه الفقرة قد بُروزت في خط عريض ووضعت في مدخل معرض البطاقات بمتحف الأبارتيد Apartheid Museum. وكانت الجمعية التشريعية للأبارتيد الكولونيالي House of Assembly قد ناقشتها وأجازتها في إحدى جلساتها المنعقدة بتاريخ 15 مارس 1950م، وهي تقول:
    The white man is master in South Africa, and the white man, from the very nature of his origins, from the very nature of his birth, from the very nature of his guardianship will remain master in South Africa to the End.
    وترجمتها {الرجل الأبيض سيِّدٌ في جنوب إفريقيا، من واقع طبيعة "أصله"، ومن واقع طبيعة "ميلاده"، ومن واقع طبيعة و"صايته" سيظل سيِّداً حتى النهاية}.
    فهذا المثل عن العبد والمرأة ضروري جداً -إذن- لاستمرار المصالح الذكورية والسيّديّة، التي تُريد بشراً عبيداً لها، وامرأةً خادمة لها كخادم ذلك الفكي، مثل ما هو قانون الأبارتيد ضروري لاستمرار مصالح هذا الكيان الفاشي الغَابي.
    فقانون الأبارتيد هذا هو مثلٌ أنتجه متوحشون لا أُمّيون، ومَثَلُ الكوشرثيا هذا هو بمثابة قانون أنتجه تاريخٌ ثقيل من الأُمّية، والاستعباد. ويراد بالقانونين، استمرار المصالح النوعية، للذكر خصماً من النساء، ولمصالح الأقوياء الإثنية في حالة السودان خصماً على الضعفاء، وللعنصريين في حالات أوسع، خصماً على من يرون أنَّهم ليسوا في مستواهم.
    فموضوعة امتهان الكرامة الإنسانية، يمكن تتبعها في دائرة الكوشرثيا ذاتها، عبر موادها في تمامها، وعبر أمثالها السريَّة، وكذلك أمثالها الشاملة، الذائعة، دون تَحَرٍّ لمعانيها ودلالاتها، ودون تنقيب وحفر في جوهرها.
    ودلالة المثل السالف هذا، في أن يُبقيَ خُدْعَة وغشاوة "النظام الطبيعي للأشياء" هذه تعمل، فلا بُدَّ له من إطلاق واستنفار دعايات كثيرة مجاورة له. هنالك مثل {هذه أخلاق عبيد} وقد كتبتُه بالفصحى بدلاً عن {دي أخلاق عبيد} الكوشرثية، لأنَّه منتشر في البيئات العربية إجمالاً. وأذكر أنَّني أدرتُ حوله نقاشاً حامياً مع الكاتب والصحفي المصري وليد علاء الدين بأبو ظبي. محاولاً أن ألفت نظره لكون المثل، يضع العبيد في Category خاص بهم، لنقل {كرنتينة} عَزْل. فالعبيدُ أخلاقهم قائمة من قيمتهم، التي هي أدنى من الأسياد. لذلك السيِّد يرى نفسه أخلاقه لا تشبههم وفوق أخلاقهم. وهذا المثل أنتجه السيّد ولم ينتجوه هم. بينما كان هو يحاول أن يقنعني بأنَّ العبودية هي التي تُمْلِي أخلاقها على هؤلاء المستعبدين، فيتصرفون تصرف من لا يخشى خسران شيء، كرد فعل لهذا الواقع القاهر الذي وجدوا أنفسهم فيه. قراءته هي قراءة نفسية هَشَّة إذ أراها، لأنَّه يغفل مفهوم العَزْل هذا، المعمول لحماية فوارق وهمية وترسيخها وتكريسها، من قِبَل هؤلاء الأسياد. وهذا المثل يصب في ذات الاتِّجاه، والأنكأ هو كيف يظنُّ من يستعبد الناس أنَّه أكثر رفعة أخلاقية من هؤلاء العبيد، هذا كما تقول الكوشرثيا {الجَمَل ما بشوف عوجة رقبتو}.
    وخُذ مثل هذا المثل الذي يدعم أيضاً مفاهيم العَزْل بمضامينها المصلحية هذه {لا تخاوي عب، لا تبول في شَقْ، العب نَسَّاي، والشق حَسَّاي}.
    فدعوة المثل هي، لا تصاحب العبيد، لا تؤاخيهم، لا تصاهرهم، لا تخالطهم، فهم أهل غدر، وينسون الإخاء والمعروف. معلومٌ أنَّه ما عاد في الدنيا اليوم من عبيد، ما يدلُّ فعلاً على أنَّ الموضوع كان يتم بناءً على مواصفات القوَّة. ولكن بعد ذهاب هذه المواصفات بوجود دول، في موضع تلك القبائل والممالك والسلطنات، مهما كانت بشاعة هذه الدول، فقد هلكت العبودية بهلاك عوامل القوة الإثنيَّة التاريخية. ولكن انسحبت هذه الأوصاف الجوفاء مثل "عبد" و"خادم"، لتغطي الألوان تحديداً، اليوم، لأنَّها تأسطرت، بفعل ذهاب القوَّة الحقيقية. ولاحظ لكون العبيد كانوا من الفرس والرومان ومن كل جنس، ولكن المتنبي لأنَّه ضعيف ولا يساوي شيئاً في وجه كافور، صاحب الدولة والجيوش القوي، لم يجد المتنبي ما يشتمه به، سوى اللون، وهذا أسطرة "كاذبة" منه، للموضوع، فالواقع يقول إنَّه كان بإمكان كافور أن يفعل بالمتنبي ما يشاء.
    ودعوة العَزْل هذه، هي بالضبط، دعوة القوانين التي كان يصدرها الأبارتيد في جنوب إفريقيا وفي أوروبا وأمريكا. لا يدخلون أي منتزه أو بار للبيض، لا يشاركونهم البصَّات، لا يخالطونهم، لا يؤاكلونهم، لا يصلّون معهم حتى في الكنائس، فلهم كنائسهم المعزولة.. إلخ.
    ولاحظ لكون الأمثال هذه، كثيراً ما تربط بين المرأة والعبد والدَّابة، نظرتها إلي هذه الثلاثية دائماً موحّدة، وتقف خلف ذلك، بالقطع، الذكورة الذميمة. فما هو هذا الشَّق المقصود بالبول، أهو شق في جدار أم في الأرض؟ لا بل، المقصود عضو المرأة التناسلي.
    وهذه الجزئية من المثل تُفهم جيداً حين ربطها، بالمثل السرّي الآخر، الذي يقول {عيزومة الأبولنا بمحل البول}. وقصته كما أوردتها في بوست الأمثال السريّة هكذا:
    {إنو جماعة مشوا يخطبوا ليهم بت، وخلاص اتحكروا في الديوان وشربوا الموية والشاهي وحق الله بق الله. قالوا لأهل البت دايرين بتكم دي، لفلان ولدنا. أهل البت قعدوا يزاوغوا جاي وجاي، والمحاحاة المعروفة: كدي يا أخوانا العشاء مواعيدو دخلت أتعشوا ونشوف حكاية البت دي كيف وشنو وشنو. المهم أهل الخطيب ديل فيهم زول كدا جاهل ولسانو متبري منو. قام شب علي حيلو وقال ليهم شوفوا آعرب، إنتو بالعديل كدا مديننا البت دي وألا لا؟؟
    تاني أهل البت قعدوا يفنجطوا، وقالوا ليهم البت فيها كلمة وشنو وشنو. الزول طوالي صفّق إيديهو للجماعة المعاهو وكورك فيهم: قوموا آعريب نتراوح من ضو، الناس ديل ما حقين سترة. طوالي تلَّب واحد من أهل البت وقال ليهم: أفو آولاد أعمي حرّم ما بتمشوا بلا عشاء، يا ناس الدنيا طارت وألا الحريم عرفتنا بيكم. الزول الجاهل واللسانو متبري منو قال ليهو: يا زول حَرَّم ما بنتعشى. هو إنتو رجال عزيمة كمان بعد أبيتولنا بمحل البول!؟}.
    فهذا هو العضو، الذي يأتيه المثل من وصف أنَّه الشق الذي يَحَسَى ولا يمتلئ، أي ناكر معروف كالعبيد، من جزئية المثل الأخرى. فهذا الإرذال، وفي عصرنا الحاضر هذا، لجماعات البشر نساءً ورجالاً، يحتاج وعياً بلغته هذه، وبالتنويه إليها وقراءتها، والوقوف معها. والآن، العلوم والاقتصاد، أخذا يتنازلان عن الكثير من عمى غرور الرياضيات وحدها، وصارا يبحثان في موئل الثقافة بحسبانه مصدراً أساسياً لهما. ما جلبتُه أعلاه من اقتباس عن علم اجتماع العلوم يوكِّد ذلك. وتحت عنوان (الثقافة والاقتصاد الإبداعي في عصر المعلومات)(3*)، تشترط شاليني فنتوريللي لأجل فهم طبيعة هذا (الاقتصاد الإبداعي) أن تُجرى مراجعات دقيقة لمسألة كيف ينظر هذا المجتمع إلى ثقافته وهل يتوافر هذا المجتمع على فهم حقيقي لهذه الثقافة! ثم تقوم بتعيين ثلاثة من الموروثات وأضيف عليها من عندي وصفة -المُسَلَّمات- في الثقافة، وترصدها كالآتي:
    {(1) الميراث الجمالي، وارتباطه في الفنون الجميلة.
    (2) الميراث الأنثروبولجي، وفهمه للثقافة كنظام رمزي مُتَلقَى ومشترك، أو "طريقة شاملة للحياة" بالنسبة إلى المجتمع.
    (3) الميراث الصناعي أو التجاري، والذي يَنظر إلى المنتجات الثقافية كسلع صناعية تُباع للمستهلكين}.
    وهذه الثلاثية في إجمالها تعنينا بالنسبة لموضوعتنا الحاضرة هذه، لأنَّها تناقش مشاكل الإبداع، من منطلق عملي، هو الاقتصاد. فهذه الكوشرثيا، وغيرها من ثقافات الدنيا في البلاد الفقيرة منها، تُهْمَلُ وتموت بفعل غياب المُستثمرين في الثقافة. لأنَّ مجالات الثقافة هي مجالات غير ذات عائدٍ ضخم من وجهة النظر الاقتصادية البحتة. أمَّا الميراث الصناعي والتجاري، فهذه موضوعة نقاشها يطول وقد تخرج بموضوعنا هذا عن سَمْتِه، وتدخل به حدود مواضيع أخرى في الجوار. أذكر أنَّني أشرتُ للصديق حسبو، بأنَّ اللغة العربية من منظور اقتصادي، بالنسبة لنا، ككتاب يكتبون بها، هي بأقل تقدير تُمَثِّلُ سوقاً لمنتجاتنا الثقافية، رغم شح هذه المنتجات، ولكنّها تمثل وجهتنا الأهم إن لم تكن الوحيدة بالنسبة لوارداتنا الثقافية. وعليه لأجل {عدل رأس} هؤلاء الناس، الذين صعدوا باللغة، فوق موضعها الطبيعي كأداة تواصل، لتكون مرجعية وجود، فلا بُدَّ من {عدل رأس} هذه السوق، من وجهة نظر اقتصادية، وليُفَكِّر لنا الأستاذ حسبو في ذلك، إن شاء! إذ لا بُدّ من عدل ميزان الإبداع التجاري هذا، لعدل موازين كثيرة ثانية مرتبطة به ارتباطاً وثيقاً.
    ولكنّني حالياً سأركِّز هنا على (الميراث الأنثروبولجي) وهو وجهة هذا الكتاب. فالكوشرثيا والأمثال السرية هذه ومعظم أنواع الـVerbal Arts تناقشها الأنثروبولجيا الثقافية من ضمن ما تناقش، وتفرد لها مساحاتٍ وأبواب مهولة.

    ---------------هـوامـش------------------
    (1*) كتاب (الأنماط الثقافية للعنف)، تأليف باربرا ويتمر، ترجمة د. ممدوح يوسف عمران. ص: (98).
    (2*) كتاب (مدخل، إلى علم اجتماع العلوم) ميشال دوبوا، ترجمة د. سعود المولى. ص: (384).
    (3*) كتاب (الصناعات الإبداعية)، تحرير جون هارتلي، ترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي، ص: (183).
                  

04-26-2010, 10:09 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الباب الثاني
    الأدعيَة
    الدعاء والمداعاة والندايه




    بعد تقديمي للباب الأول من مواد الكوشرثيا، وهو الأمثال السريّة، أمضي للنَّظَر في الباب الثاني وهو المُخَصَّص لمواد الأدعية. التي قَسَّمْتُها من خلال تشخصيها، أو من خلال تحليلها الوصفي، الذي يَنْفِرعُ إلى ثلاثة أقسام، أجدها الأظهر إلى الآن، عَبْرَ المواد التي وقفتُ عليها وجمعتُها. وهدفي هو التبويب العام لنَّسَق الكوشرثيا وموادها ذاتها. هذه هي خُطَّتي الحالية، لحين التَّحَقُّق في المواد وفحصها، ومقارنتها بمواد مشابهة لها، من أقاليم الكوشرثيا جميعها. أي حسبي حالياً، إنزال ما هو إيضاحي، ويساعد في شرح المسار العام للعمل. ففي بازغة التأسيس هذه أهتم بالتبويب ووضع خُطَّة نظرية لترتيب المواد، تساعدني وتساعد غيري، ممَّن سيستكملون هذه الرؤية، ويشتغلون عليها عَبْر رَفْدها، بالمواد المختلفة، من أصقاع خارطة الكوشرثيا العريضة. فالعمل حالياً عندي، يُرَكِّزُ أكثر على وضع التصوُّر المناسب، لجمع مواد الكوشرثيا، ورصفها في نَسَق متماسك من ناحية تبويبه، ومُيَسَّر الفصول. وكذلك فتح هذه الأبواب أمام الناس للمساهمة فيها بـ(الجمع)، عبر شيخنا الانترنت {لَحَّاق بعيد}.

    1- الدعاء بالخير:
    الكثير منه، مأخوذ أخذاً مُباشراً من موئل الأدعية الدينية، اليهودية، المسيحية، الإسلامية، وهذا الجانب لا يهمني في شيء. لأنَّه مرصودٌ في منابعه الأصلية، ومتوافر ومُحَقَّق. الذي يعنيني مما هو "خير" هذا، ما أبدعته الكوشرثيا هذه، بذاتها، وفقط.

    2- المداعاة بالشر:
    بالنظر، في موادي المجموعة عندي، أجد الكوشرثيا، قد بَرَعَتْ فيما هو دعاء بالشر، أو بالسخرية المُمَازحة، أكثر مما هو أدعية جادَّة بالخير. والمداعاة هذه، في الغالب هي للسخريَّة والتنَدُّر، ولا أكثر. والدليل أنّها تُستخدم من قبل الأمهات والآباء في وجوه بناتهم وبنيهم، والأخ مع أخيه، والصديق مع صديقه، وهكذا. فهي ليست مادَّة شر جادَّة، وإنَّما هي لهوٌ وصناعة لتشبيهات ساخرة، بليغة ومُفْحِمَة، ومُضحكة أيضاً. أمَّا إن كان الموضوع جادَّاً، والدعاء بالشر جادَّاً، فتستخدم الأدعية الدينية الجادَّة، لا ما أبدعته الكوشرثيا بذاتها. هذا في الإجمال، ولا يعني في المُقابل أنَّ الكوشرثيا لم تبتدع أدعية جادَّة بالشر، بل فعلت، ولكن مواد ذلك قليلة مقارنة بما هو شَرٌّ مناكف وساخر غير جاد.

    3- الندايه:
    وهي الاستغاثات والضراعات أو المطالب الروحية أو المادِّية، التي تُوجِّهها هذه الكوشرثيا إلى الله، أو أنبيائها وشيوخها ورجالها الصالحين لدى أصحاب الأديان الثلاثة التي تعارف عليها الناس بكونها الأديان السماوية. وكذلك ما تُوَجِّهُهُ أجزاء ثقافية أخرى من الكوشرثيا، غير أهل الأديان الثلاثة هذه، إلى رجال القوى الروحيّة الآخرين، المنضوين تحت معتقدات أخرى، إفريقية، مثل الكجور وغيره الكثير من مصادر القوى الروحية الإفريقية الوفيرة.

    نماذج من الدعاء:
    (إطلاق أدعية الخير في وجه الآخر).

    1- {إن شاء الله مِقْدَامَك لِي أبو إبراهيم}.
    يُسْتَخدم عندما يأتي زائرٌ ما فتقول له جَدَّاتنا: {إن شاء الله مِقْدَامَك لِي أبو إبراهيم}.
    فيرد الزائر: {جمعاً يا حاجّة}.
    أي كأنّما تقول جدّاتنا لهذا الزائر: ندعو الله أن يكافئك على مَقْدِمَك إلينا هذا، بمَقْدَم يذهب بك إلى الرسول عبر حِج البيت طبعاً.
    2- {تَقَطِّعُوا بعرق العافية}.
    يقالُ لمن اشترى لبساً جديداً.
    3- {تَتْعَلَّى ما تَتْدَلَّى}.
    يُقال لمن قَدَّم معروفاً أياً يكن، أو لمن أتى بما يَسُرُّ في العموم.
    4- {يِطِيبَن أيَّامك}.
    يُقال في حال السلام والمطايبة، حين يسأل الشخصُ الآخرَ، طَيِّب؟ فيرد الآخر "يطيبن أيَّامك".
    5- {تتبارك يابا}.
    يُقال من قِبَلِ الكبار في السن، للشُّكْر والثناء.

    نماذج من المداعاة:
    (إطلاق أدعية السوء في وجه الآخر).

    1- {الشَّلَّة اللِّي ينقضولها الكَرَّاب}، {الشَّلَّة اللِّي يِقِدُّوُلها العنقريب}.
    والأولى، التي رَقَّمنا بها المداعاة، هي الرواية الأصلية للمداعاة، والأمتن، لغةً وتصويراً. أعني باللّغة، استخدام لفظة "الشَّلَّة" والفعل "ينقضولها، من الفعل نَقَضَ" ما لا يتوفَّر في الروايات الأخرى. فالإسهال فيما مضى كان يُطلق عليه {الشَّلَّة}. والقيء يُطلق عليه {القُضَاف}. والروايات الثانية المنزاحة عن هذه، هي تطويعات للّغة وللصورة معاً، لعامل تَبَدُّل الزمان، من أجل تيسير الفهم.
    فالرواية هذه: {الذَّرْقَة اللِّي يفِكّولها الكَرَّاب}.
    مُتَفَرِّعة عن روايتي الأصل، لعامل تَقَدِّم الزمان، ومن ثم إحلال مادَّة المثل ومضمونه الجوهري في ألفاظ تكون مستخدمة بصورة أكبر ومنتشرة، كما هو الحال أيضاً مع الرواية هذه {الذَّرْقَة اللِّي يقدولها العنقريب}.
    قَدُّ العنقريب للمريض، أي قطع حباله عند وسطه، ما يقاصد صلب المريض، كي يُنزل إسهاله من خلال ذلك الثُّقب. هذا بخصوص الروايات التي تستخدم الفعل {يقدولها} أي يقدُّون لها، مع لفظة {العنقريب} كاملاً، لا جزئيته "الكَرَّاب" فحسب. أمَّا الروايات التي تقول، بفكِّ الكَرَّاب، وهي الحبال التي في مؤخِّرة العنقريب، الطولية، التي تربط جلاد العنقريب أو "عيونه" بالوسادة العَرْضِيَّة من إحدى جنبتيه. يُصنع الكَرَّاب كي يكرب حبال العنقريب فلا يتهلهل ويصبح متهدلاً لدى منتصفه، ومن ثم لا يريح من يجلس عليه، إذ يتدلَّى صلب الجالس من تحت، ويصبح كمن اصطادته شَبَكة.
    متانة لغة الرواية الأصل، أجدها تأتي من قِدَم المفردات ذاتها وجودتها. ومن بلاغة أن يُسمَّى الإسهال بما يَشُلُّ الحركة. أي أنَّه يشل الإنسان بكامله، ويُعطبه في تمامه. أمَّا متانة الصورة فتأتي، من كون "الكَرَّاب" يُوجَد في نهاية العنقريب، فكأنَّما هذا الإسهال يندفع من خُرطوم مثل الذي يستخدمه رجال المطافئ، بحيث لا يفيد معه قَدُّ وثَقْبُ العنقريب لدى وسطه وعند صلب المريض.
    والمعنى الإجمالي، لهذه الروايات كلّها، أن يُصيب الإنسان إسهالٌ شديدٌ بحيث لا يصبح في وسعه النهوض من مكانه والذَّهَاب لـ{الأدبخانة} أو {المستراح} أو {بيت الأدب}، وهذه كلّها مرادفات للحمّام بمعنى مكان قضاء الحاجة فقط. لأنَّ الحمّام في الكوشرثيا لا يجمع مكان الاستحمام وقضاء الحاجة في مكان واحد. والحمّامات العامّة التي اشتُهر بها العصر العباسي، وكذلك التاريخ الوسيط في أوروبا وما بقي تراثها حَيَّاً إلى الآن في المغرب، بشكل كبير، هي بالأصل اختراع فرعوني وروماني وكوشي.
    ولكي تُطلق هذه الأدعية الجاهزة، فهي أحياناً تحتاج "مناسبة" في عموميتها فحسب، توافق مضمون الأدعية. كأن تَرى الأم طفلها يتسلَّقُ جداراً مع المغارب، فتنادي فيه، يا ولد "أدَّلَّى" من الحيطة، وتُلحق بها المداعاة:
    2- {يِدَلْدِل هُدَادَك}.
    الهُدَاد، هو اللجام، أي يُشَبَّه المَدْعِي بالبهيمة التي تُقاد من خلال رَسَن أو لجام، مثل الحصين في الأعم، والبغال والحمير والإبل. أو، يا ولد الواطـة ملانة عقارب، ما "تدلّي" كرعيك بلا نعال. ثم تُلحق بها المداعاة {يِدَلْدِل هُدَادَك}.
    إذ تُشِيِعُ أساطير الكوشرثيا، أنَّ المغارب هي فسحة الشياطين التي تتحَرَّك فيها أكثر، وتُنَطِّط وتلعب. بالتالي تنطيط الأطفال قد يصطدم بتنطيط الشواطين، فيَحْدُث للأطفال ما لا تُحْمَد عقباه. وعادة تربط الأمهات، من بلاد الكوشرثيا، ما يحدث لأبنائهن من كسور، أو أضرار سقوط ووقوع، بالمغارب. أمَّا ربطُ لعب الأطفال بالشياطين، فهي مادّة عالميّة تقريباً. إذ تُسمَّى "شقاوة" الأطفال لدى الطفولة بـ{الشيطنة} في أغلب مواد الإرث الإنساني، أجمع.
    وفي أحايين أخرى تحتاج الأدعية لتلك المناسبة الحَدَثيّة، كما تحتاج معها إلى "ظرفية لُغوية" بعينها، تتوافق مع لُغة بناء هذه الأدعية. كأن يستخدم المُدَاعَى فعلاً بعينه، أو لفظة، تكون بمثابة المنّصة التي يُطلق منها الدعاء في وجهه. فبدارجة كوشرثيا الأمس، بعض الأدعية، لكي يُطلق، يحتاج لـ{وِقَايَة}، ظرفية إجمالاً، أو لُغوية تعييناً وحصراً. وبدارجة لغة أهل الكُرة المُعاصرة يحتاج بعضُ تلك الأدعية إلى "قَنْطَرة" كي يُشات الدعاء منها، دعوةً كان أم مداعاة، في وجه المَدْعِي له، أو المُدَاعَى ومصيرهما. فهذه الأدعية تستهدف شيئاً، أو دلالاتٍ وجودية، هي مصير المَدْعِي له، أو المُدَاعَى عليه، لأجل إحلال تبديل فيه، خيراً كان أم شَرَّاً.
    ومثال هذه الظرفية اللغوية أن يقول طفلٌ لأُمِّه، فلان وعلان وفرجكان، سيذهبون إلى المكان الفلاني، يُمَّة (خَلِّيني) أمشي معاهم. فتأتيه المداعاة:
    3- {يا ولد، خُلال السَّرِح اللا يِمَدْ لا ينطرح}.
    وغالباً تُسْتَنْبَطُ، أو تُستخرج هذه المَنَصَّة، التي تُطْلَق منها المداعاة، من المناسبة العمومية، السِّيَاق الحَدَثَي، للصورة. فأغلب مواد الأدعية، بل الكوشرثيا في جُلِّها، هي عبارة عن "تشبيهات". فهذه المداعاة أعلاه، تُشَبِّه الطفلَ بالبَّهْمِ، أي صغار الغنم، وهذا البَّهْمُ لكي لا يرضع أُمَّهاته، يُستخدم له الخُلال، وهو قطعة تُنْجَر وتُسَنَّن من عيدان الأشجار لِيُقَدُّ بها صَدْغا هذا الحيوان الصغير لأجل منعه من رضاعة أُمِّه. والسَّرْح نوعٌ من الأشجار، له صلابة خاصَّة، فالخُلال المصنوع منه لن يسمح للبَّهْم بتحريكه مَدَّاً أو طَرْحَاً.
    4- {الجِّنْ المِحَارْسَاهو أم غِزَيِّل}.
    وهذا هو أصل المداعاة. "الجن" هنا من المداعاة بمعنى، فلتجن، أو فليُصبِكَ الجنون. وأم غِزَيِّل هي مَرَض الصَّرَع.
    وما اشتُهِر من المثل، هو ما وَرَدَ في الليركس الشهير، للفنَّان خلف الله حَمَد. حين يقول بتلك العبقرية الفذَّة في الغناء، والمَلَكَة العظيمة، من تلك القطعة التي بحق تُمَثِّلُ قطعةً فريدةً، نادرةً، ومديدة كذلك، لكنَّني أكتفي بأن أقتطف منها الآتي مِمَّا يخدم موضوعتنا الحاضرة:
    أنا البحر الكبير وكتين يحمِّر
    أنا الظل الظليل للداير يقيِّل
    رَحَل الكُحُل وكتين يميِّل
    أنا الرمد البخلِّي العين تسيِّل
    {وأنا الجن المخالطاهو أم غِزَيِّل}
    الكورس: أناااااااااااااااا
    أنا الوباء العَقَب الكرامة
    أنا الأسد النَّتَر في صدره شامة.. {أبادماك}.
    قبر الضُعاف عند الظلامة
    درب الصراط يوم القيامة
    أنا الموت البخَلِّي الناس أتامى
    الكورس: أناااااااااااااا
    أنا حَلّال رفيقو
    أنا الدَّابي إنْ رَصَدَ للزول بعيقو
    أنا فَرَجَ الرجال وكتين يضيقوا
    وأنا المأمون علي بنات فَرَيقو
    كلهم: فرييقووو

    5- {أريتك بالطِّلى ووَجَع الكِلَى}.
    6- {تطير طيراناً ما تَرْك}.
    7- { تطير طيرة أب ريش من الدَّرَيش}.
    8- {الجِّنْ الكَلَكَي}، أو {الجِّنْ الكَلَكَي اللابس مَلَكَي}.
    9- {سَكْرَة وَنِّي التَّخليك تغني}.
    10- {السَّكْرَة الترميك في الشُّوك}.
    11- {بالتلخبط غَزْلَك}.
    12- {بالتنقض عُمْرَك}.
    13- {ينضم طُوبك}.
    14- {قوم تقوم قيامتك}، {قُومة نمر من شندي}.
    15- {يملّولك رأس الكلب نيفة}.
    16- {المِرْ اللِّفْقَعَك}.
    17- {يِمَرْمِرَك الكلب}.
    18- {الشِّعْبة}، {الشِّعْبَة التفقهك}.
    والشِّعْبَة هي العود الذي يُستخدم في سقف البيوت وفي منافع أخرى. هنا هي بمعنى العقاب، إذ كانت تُستخدم في فَلَقة الخلاوي للضرب، والعقاب. مما يُورده ود ضيف عن عدل الشيخ حمد بن محمّد بن علي المشهور بـ"حمد ود أم مريوم" بين نسائه، ونساء من حوله، وحرصه على ذلك. أنَّ ابنه الشفيع قد تزوَّج فوق زوجته القديمة فحَابَى الجديدة وبقي عندها يومين أو ثلاثة دون أن يزورها، فقال ود ضيف الله عن عقاب الشيخ لابنه {فشَعَّبه ورَمَّدَه، وغَزَّ عوداً في الشمس فربطه فيه أياماً}، الطبقات، ص: (179). يقول د. يوسف فضل، في الهامش، أي ربط شعبة على رقبته حتى لا يستطيع الحراك.
    19- {سَفَر البُّن دَقْ وحَرِيق}.
    20- {يشيلوا نَعَشَك}.

    21- {الوِردَة الليتبنوها بالعود}، أو رواية انزياح لغوي له ثانية {الحُمَّى اللِّيهبشوها بالعود}.

    22- {عطش بنات القنديل} أو {أريتك بعطش بنات القنديل}.
    ويقال إنَّ "بنات القنديل" نساء جميلات من منطقة شندي، خَرَج بهن والدهن فَارَّاً أيامَ هجوم محمود ود أحمد على المتمّة، خوف أن يُسلبن منه أو يُغتصبن. فضرب بهن في الخلاء حتى أعيته الطرقات ولم يجد ماء فهلكن جميعاً عطشاً.
    23- {النِّعَامَة التَّزَازِيبَك}.
    24- {الهَويَّة التَّبْلَعَك}.
    25- {ما تَعَزِّي يِعَزُّوُا فوقك}، تقوله الأمهات لصغارهن لو أكثروا من البكاء، أو {ينوحوا فوقك}، {يبكوا فوقك}.
    26- {اللُّقْمَة الما تزيدها}، {اللُّقْمَة الما تَتَنيها}.
    27- {بالتكفي قَدَحَك}، {الله بالتكفي قَدَحَك}.
    28- {بالتدهج عضامك}.
    29- {الناس في العيد وإنت في التعب الشديد}.
    30- {قَطَر عجيب يودِي ما يجيب}.

    نماذج من الندايه:
    (إطلاق الاستغاثات والضراعات لله، أو لأصحاب القوى الروحيَّة بكافّة أنواعهم).

    1- {يا سلمان ود العُوَضيّة أب قبَّةً لبنية}.
    دعاء مُوجَّه إلى الرجل الصالح سلمان، المنسوب إلى "العوضية"، أحد فروع الجعليين الشهيرة والكبيرة، المنسوبة لجَدِّها "عوض".
    2- {يا الفكي حسين صقر الجُمْعَة واللتنين}.
    دُعاء مُوجَّه إلى الولي الصالح الحسين. وكان الناس يعتقدون أنَّ الحسين يتحوَّل أو ينقلب في يومي الجمعة والاثنين إلى "صقر" يطير ليعاقب الظالمين البعيدين ويقضي حوائج المساكين في أصقاع نائية.
    3- يا حسن ود حسونة طبَّاب المجنونة (المجنونة هي النَّفْس ذكراً كانت أم أنثى).
    حسن ود حسونة، هو الولي الصالح والشهير، حسن بن حسونه بن الحاج موسى. الذي اشتُهِر بالعلم والوَرَع، بطَبِّ المجانين وقضاء حوائج الناس الماديَّة والروحية. يُورد عنه ود ضيف الله، أنَّ جَدَّه الحاج موسى قَدِم إلى السودان من المغرب من الجزيرة الخضراء، من جزائر الأندلس، نَزَلَ بالمسلميّة وصاهر أهلها فولد حسونه جَدُّ حسن. (راجع ص: 133).
    4- {يا السَّنَاهِيِر، وحَسَن الكبير}، الدُّعاء هنا لعموم أولياء السناهير، كما هو مُوجَّه إلى حسن الكبير، وهو حسن ود حسونة.
    5- {يا لَحَّاق بعيد}.
    6- {يا كافي البلاء، وحايد المحن}.
    نديهة تُوجَّه إلى الله.
    7- {اللهم لا تمحنَّا ولا تبلينا}.
    نديهة تُوجَّه إلى الله.
                  

05-01-2010, 04:46 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    ويسعدن أيامك، أخي الأستاذ محمد هارون
    أرجو أن تكون بألف خير، وأيامك هانيات وبانيات، وعافيتن دَرَت
    مشكور على المثل، دا بالذات عندي، لكن الرواية العندي، بتقول القرود تلحس ط.يز الباحش بدل العجول.
    ولو راجعت ما قاله الأخ شول عن احترام القرود ستجد أماكن شوف أخرى للمثل.
    فيا ريتك تزيدنا، من أمثال الغرب كمان وكمان، والأحاجي وكل ما تيسّر.
    أكون لك من الشاكرين

    تقول:
    {يا أخي جنى الدابي بشتت بعد الـ (hatching) على طول .... ما أظنيتو الدابي كان لقى بنيتو سارحة بيعرفها ... غايتو شيخكم الجميعابي بكون قاصد بي كلامو دا دبيباً تاني}.
    بالفعل، دبيب هؤلاء المتصوفة السودانيين هو دبيب آخر، كوشرثي، وما هو بدبيب مأخوذ من كُرَّاسة العلوم. ولذلك قلتُ سابقاً لا بُدَّ من طرد إسلامات "السعودية" ومصر، لأنَّها تهلك حضارتنا، وتُريدُ لها أن تستحيل إلى فيافي غبراء وقاسية، لا تقوم لها حُجّة على الوجود إلا بحَرَابَة. "السعودية" بين قوسين، لأنَّ المفردة حَلَّت بدلاً عن الاسم التاريخي العظيم للحجاز، فتأمَّل! وهذه الإسلامات العنيفة ستقضي على إسلامنا السوداني، الكوشرثي، المتسامح، مع البشر والطبيعة، ويرى في كل مخلوق حكمة ومعارف، مهما صَغُرَ أو قَبُحَ. فلنتأمَّل الشيخ علي المبارك، وصحبه، في الفيديو أعلاه، هؤلاء لن يكونوا إلا كوشرثيين، سودانيين، نَسَقاً حضاريَّاً قائماً بذاته، المُشاط مع الجلاليب، الطارات، والحركة.. أصنع فيه خلخالي، كمان حلَّلي شَبَّالي، كَدِي..كَدِي، معاجزو الما لها مثالي، أحيى الجمجمة في الحالي، كَدِي..كَدِي، وقال للشجرة تعالي، بلا تمهيد وتَسَعَى لِيْ.
    فمتى عرفت جزيرةُ العرب "الطارَ" و"الشبَّالَ"؟ ومتى أحيى محمّدُ جزيرةِ العربِ الجُمْجُمَة؟ ومتى قال للشجرة تعالي، فأتته بلا تمهيدٍ منه تسعى! هذا محمّد الكوشرثيا، الحريف. (محمّد قاطعنوا من رأسنا دا). وإن أسعفتني الظروف، سأتناول محمّد "الآخر" هذا، ولو عند علي المُبارك وحده، وستجد أنَّه محمّد أسطوري، أو كوشرثي، أنتجه الإسلام السوداني بذاته. وما موقعُ محمّد العرب ذلكم من محمّد الكوشرثيا هذا إلا بمثابة قالب يرمون فيه بثقافتهم ورؤيتهم وتاريخهم الحضاري، فينضرب لهم من الطوب ما يبنون به كوشرثياهم الخاصَّة جداً، التي ما هي بسلفية ولا إخوان مسلمين، ولا الله قال.
    فإليكم جميعاً هذه المادَّة عن ثعبانٍ واحدٍ فقط من الكوشيات.

    الرواية للعم الجليل، أكين أثيانق أقوير
    جمعها ودَوَّنها، شول أشوانق دينق
    عرض وتقديم، محسن خالد


    كوشرثيا الثعبان "كي KAI" الأسود، لدى عشيرة (فجيـنق)

    يُحْكَى أنَّه في تاريخ مُبَكِّر، وقديم جِدَّاً، من ماضي منطقة "أويل"، الوطن الصغير لدينكا "ملوال". حينما كان "أجانق" الجَدُّ الأوَّلُ لعشيرة "فجيـنق" ما يزال حَيَّاً، وصَيَّاداً قادراً، يذهب بقطعان أبقاره إلى المراعي القريبة ليعود بها شَبْعَى وراضية دائماً. وكانت تربطُ الجَدَّ "أجانق" علاقةٌ مع جاره "ديانق" طويل القامة، كما كانوا ينادونه بذلك "ديانق بار"، أي ديانق الطويل، وهو من عشيرة "فشينج Phachenj" المُجاورة لهم.
    وفي أحد الأيام استلف أجانق رُمْحَ ديانق الطويل، وخَرَجَ به صباحاً قاصداً المرعى المجاور. وخلال رعيه لأغنامه في ذلك اليوم، رأى ثعباناً قوياً ومهيباً، فشكّه أجانق بالرمح الصلب حتى انغرزت فيه مُقَدِّمته المسنونة بعنف. ولكن الثعبان لم يمت من تلك الضربة، بل زَحَفَ مبتعداً والرمح ما يزال مغروساً في جسده، يتمايل على جانبيه كصارية شراع المركب.
    ولم يتمكَّن أجانق من القضاء على الثعبان، حتى دخل الثعبان إلى كركور بجوف تلَّة طينية كبيرة، وغريبة الشكل، كما هي منيعة وصلبة لعامل هطول الأمطار على تربتها الدَّبِقَة والغرينية، يُسَمُّونها بلغة الدينكا "ريل RAEL".
    حاول أجانق أن يرى مخبأ الثعبان، بالداخل، ولكنه لم يستطع نبش تلك التلّة المنيعة، ولم يكن معه شيءٌ يحفر به أرضها. ولَمَّا حَلَّ المساء لم يجد أجانق حلاً سوى العودة إلى بيته وقومه. ولكنّه وجد ديانق الطويل ينتظره وسأله عن رمحه، فروى له أجانق قصَّة الثعبان، وضياع الرمح، واعتذر منه شديد الاعتذار، ولكن ديانق لم يقبل العذر، وأصَرَّ على أن يأتيه أجانق برمحه، العزيز عليه جداً. ولم يقبل ديانق الرِّماح كلّها ولا الحراب التي عرضها عليه أجانق بدلاً عن رمحه الذي هَرَب به الثعبان، ولم يتنازل عن المطالبة برمحه. وتدخَّل الناس، وأجاويد العشيرة، محاولين إقناع ديانق باستحالة إعادة الرُّمح، في ذلك الليل، وقد هرب به الثعبان، إلى باطن تلك التلّة المنيعة، فلا يدري أجانق ولا أيُّ وأحدٍ من قومه كيف يعثرون له على ذلك الرمح! ورغم ذلك تعنّت ديانق الطويل، جداً جداً، وألحَّ على أن يأتيه أجانق برمحه ذاته ولن يذهب إن لم يأتوه به، ولن يقبل ببديلٍ عن ذلك الرمح أبداً.
    ومع هذا الإصرار والإلحاح من جانب ديانق الطويل لم يتبقَّ لأجانق حلٌّ سوى الذهاب في ذلك الليل إلى أرض المرعى الموحشة، وإلى تلك التلّة المنيعة والصلبة كي يبحث مرة ثانية عن رمح ديانق الطويل الذي هرب به الثعبان.
    أخذ أجانق قوسه معه وأحد رماحه وشعلةً مضيئة كما أخذ كدنكة كي يحفر بها أرض تلك التلّة الصلبة. ثم انطلق في الليل قاصداً أرض المراعي الموحشة في تلك الظلمة. بينما هو يسمع أصوات الوحوش في الظلام، وأصوات الطيور الليلية، ويرى الحشرات المضيئة تطير حوله من كل اتجاه؛ ونَقُّ الضفادع وصريرُ الجندب الليلي كان يصمُّ الآذان.
    واضطر أجانق للبحث قليلاً، في ذلك الليل، عن مكان التلّة التي تبعد بعض الشيء عن أرض المراعي، ثم أخذ يحفر حتى بلغ منه التعبُ أشُدَّه لينام وكدنكته في يده حتى الصباح. ولكنه لم يستطع نَقْبَ "ريل RAEL" إلا قليلاً، قليلاً. ما اضطره لأن يذهب للصيد أحياناً كي يوفِّر لنفسه الطعام، وأحياناً أخرى يذهب لرعاة من عشائر مجاورة ليأخذ منهم بعض اللبن ثم يعود مرَّة ثانية ليواصل حفره دون هوادة، ودون جدوى أيضاً. وهكذا لبث ديانق يحفر ويحفر، في كل يوم حتى ينام على كدنكته حتى الصباح، ويستيقظ من جديد ليواصل حفره. حتى انقضى على هذه الحال، شهوراً بكاملها، أمضاها أجانق وهو ينبش بداخل تلك التَّلَّة، بعد أن ثَقَبَ شكلها وسطحها الخارجي. ولكن كان كُلَّمَا يحفر بداخلها يجد ما يشبه دهليزاً، حَفَرَتْهُ حيواناتٌ ما، ليقوده الدهليز إلى آخر، وهكذا، إلى أن بلغ ثلاثة أشهر كاملة وهو يحفر بداخل تلك التلّة، أو "ريل RAEL"، التي كانت مثل المتاهة.
    وفي نهاية هذه الأشهر الثلاثة، انهدم به الحفر فجأة لداخل مغارة ضخمة للثعابين. فأخذ أجانق يتَلَفَّت حوله مذعوراً ومتفاجئاً بذلك المكان الغريب والمخيف. ولمح في أثناء تلفته ذلك، رماحاً وحراباً وسهاماً وأسلحة أخرى مجموعة في كومة كبيرة جداً. وقبل أن يلتقط أجانق أنفاسه أخذ فحيحُ الثعابين ينطلق من حوله ويتصاعد في المكان شبه المُظلم فهَبَّ منتفضاً من وقوعه واستعدل شعلته وأمسك برمحه جيداً في يده متأهباً للدفاع عن نفسه، في الوقت الذي أحاطت به الثعابين من كل ناحية وهي تفح وتُريدُ تمزيقه إرباً، لدخوله إلى جوف مغارتها تلك.
    ولكن بقوة حاسمة، ورزينة الهدوء في ذات الوقت، انطلق صوتٌ لثعبان ضخم ومُتَقَدِّم في العمر، منادياً في الثعابين، وطالباً منها، التوقُّف وعدم مهاجمة ذلك الإنسان.
    عندما هدأت الثعابين وبدأت تتراجع من أمام وجه أجانق، أخذ هو يتأمَّلها ويُدَقِّق فيها ليجد أنَّ أغلب الثعابين التي كانت تريدُ الفتك به، كانت مصابة، وتعاني من ندوب طعنات وآثار جروح مثل ذلك الثعبان الذي شكّه برمح ديانق الطويل ولم يمت. وبينما هو يتأمَّلها، خَطَرَ على باله ذلك الثعبان الذي أصابه برمح ديانق، وقبل أن يجول بعينيه مرة ثانية في الثعابين بحثاً عنه، سأله ذاتُ الصوت للثعبان الذي هَدَّأ رفاقَه، ومَنْ حال بينهم وبين الانتقام من أجانق، ويبدو أنَّه زعيم عشيرة الثعابين، سائلاً له:
    - ما الذي جاء بك لـ"ريل RAEL"، أرض عشيرتي يا إنسان؟
    فحكى له أجانق حكاية الرمح وإصرار ديانق الطويل على استعادة رمحه، وعدم قبوله بأي حل آخر عدا ذلك. ما اضطره لأن يأتي لأرض المراعي، وللتلّة الصلبة "ريل RAEL"، ويحفر ويتوه في أنفاقها ودهاليزها لمدَّة ثلاثة أشهر، حتى بَلَغَ أرضَهم بحثاً عن ذلك الرمح.
    فسأله ذات الثعبان -القوي بتعقُّل- للمرَّة الثانية، هل يمكنك التَّعَرُّف على ذلك الرمح لو رأيتَه؟
    قال له الثعبان ذلك، بينما هو يلتفت بوقار وثقة زعيم، لناحية كومة الرماح والسهام والحراب، والكثير من أسلحة الصيد التي تستخدمها عشيرة "فجيـنق" و"فشينج" وغيرها العشرات مما سَبَقَ لأجانق رؤيته من أسلحة عشائر أخرى يعرفها، وأسلحة ثانية لم يسبق له أن رآها، ولا يعرف لأي عشائر هي.
    فأجابه أجانق، بنعم، أستطيع معرفة رمح ديانق الطويل. فأَذِن له الزعيم، بجلب الرمح. وانطلق أجانق يُقَلِّبُ في تلك الكومة الكبيرة، بينما الرماح والحراب والسهام تتساقط ثم يعيدها مَرَّة ثانية إلى مكانها، حتى عَثَرَ أجانق على رمح ديانق الطويل، وهزّه في يده بغِبْطَةٍ مُتَوَجِّسَة، قائلاً، هذا هو الرمح.
    فصَمَتَ زعيمُ الثعابين، وسَكَنَ رفاقه إثر ذلك، لتمضي برهة من صمت خاشع، في الوقت الذي فَاقَ فيه تَوَجُّسُ أجانق غِبْطَته بالعثور على رمح ديانق الطويل وأخذ يُفَكِّر حول كيفية الانصراف. تَقَدَّمَ أجانق بخُطوات مُتَرَدِّدة ملؤها الحَذَر ناحية ضُوء الكُوَّة التي انهدمت به لجوف المغارة حين وقوعه بالداخل. تَوجَّه نحوها رويداً رويداً، بخطى راعشة، ولكن نادى فيه زعيم ثعابين "كي KAI" قائلاً:
    - توقَّف، هناك شيء لم أقله لك. أنت تُريد أن تأخذ الرمح وتنصرف، هذا يمكن أن يحدث، ولكن...
    نَظرَتَ حينها الثعابين إلى الزعيم، ثم أجانق. وتطلّع أجانق فيهم بدوره، مع اهتمام وحَذَر في ذات الوقت، ثم سأل زعيمَ عشيرة الثعابين، ولكن.. ماذا!؟ أكْمِلْ لأعرف ما ترغب في اشتراطه.
    فأجال زعيم الثعابين عينيه في عشيرته عبر تحريك عنقه الطويل والضخم، وقال:
    - إذا أخذت الرمح وانصرفت، فسنكون بذلك قد أصبحنا أقرباء. نعم، أقرباء يحكمهم الاحترام، للغاية. وهذه القرابة تفرض عليك أن لا تأذي أيَّ ثعبانٍ كان من عشيرتنا. ومنذ هذه اللحظة، لو لَدَغَكَ ثعبانٌ من عشيرتي، أو لَدَغَ أحدَ أبنائك، بناتك، أو سلالاتهم، وإلى الأبد، فإنَّه يموت فوراً.
    فَزِعَ أجانق لسماعه ذلك، حتى اهتزَّ رمحُ ديانق الطويل، سببُ هذه القرابة، في يده. وفَكَّر طويلاً بينما أفراد عشيرة "كي KAI" ينتظرون ردَّ أجانق في صمت مهيب. فَكَّر في أنَّ عشيرة ديانق الطويل قرابتهم قائمة مع "اللالوب" بينما ستكون قرابته هو ونسله مع عشيرة "كي KAI"، الثعبان الأسود! وبينما هو ساهمٌ يفكّر في الأمر ويقلّبه هنا وهناك، على أوجهه واحتمالاته الوفيرة، انطلق صوتُ الزعيم مستفهماً له، على نحوٍ حاسم:
    - ما رأيك يا أجانق، تقبل أم ترفض؟
    فأجابه أجانق حاسماً تردُّدَه بعد تذكُّره لتَعَنُّت ديانق الطويل وإصراره على أن يُعيد إليه رمحه، قائلاً بتصميم مُضْطَرِب قليلاً: قبلتُ عرضك يا قريبي.
    ليردَّ الزعيم عليه، إذن رمح ديانق الطويل لك، يا قريبي.
    ثم أومأ أجانق إليهم مُوَدِّعاً، وراغباً في الانصراف، فأشار زعيمُ الثعابين لابنته بأنِ اذهبي معه، فرافقته ابنةُ الزعيم حتَّى مشارف عشيرته وقَفَلَتْ راجعة إلى عشيرتها بباطن "ريل RAEL". وفور انصراف ابنة الزعيم، غَيَّر أجانق وجهته وقَصَدَ عشيرة "فشينج Phachenj" جيرانه، أقرباء "اللالوب"، حيث بيت ديانق الطويل ومَنَحَه الرمح، دون أن يحكي له القصة، أو ينتظر عنده طويلاً، إذ أسرع أجانق بعدها إلى عشيرته وأُسْرَتِه. وكان ما يزال يُفَكّر في تلك القرابة التي اتفق عليها مع زعيم عشيرة "كي KAI"، ولم يُخْبِر حتى تلك اللحظة أيَّ فَرْدٍ من عشيرته بقصة القرابة والعهد الذي أبرمه وحده باسم نسله وإلى الأبد. ومن كثرة الإرهاق والهموم، أراد أن ينام كي يتخلّص من تعب ذلك الحفر الطويل، وذلك التفكير المضني. فنادى في أهل بيته أن يأتوه بغطائه كي ينام. ولكنهم أخبروه بأنَّه أثناء غيابه السابق لأكثر من ثلاثة أشهر كانت أُم ديانق الطويل قد ماتت فكفنوها بذلك الغطاء، فهو مدفونٌ معها الآن. فانتفض أجانق ورفض الجلوس إلا إذا أعاد إليه ديانق الطويل غطاءه. ولما علم ديانق الطويل بالقصة، وإصرار أجانق على استعادة غطائه، ذَهَبَ إلى قبر أمِّه وقام بنبش جسدها المتُوفى ونَزَع عنه الغطاء، ثم أعاده إلى أجانق. وقبل أن يستلم أجانق منه الغطاء، أخبره أمام الناس كلِّهم، بقصة قرابته، واجبة الاحترام، التي صارت مع عشيرة "كي KAI".
    ولكن أجانق، من بعدها، لم يستخدم غطاءه ذلك مَرَّةً ثانية، إذ قام بأخذه إلى الخلاء ورماه هناك، بلا رجعة إليه أبداً.
    -----------------
    المادَّة المجموعة بقلم الأستاذ شول أشوانق دينق:

    Quote: علاقة عشيرة فجينق بالثعبان**:
    جاءت الإسطورة على إنه قديماً ... كان هناك شخص يدعى أجانق "جد هذه العشيرة" وله صاحب يدعى ديانق بار من عشيرة أخرى "فشينج PACHENJ"***... وفى يوم من الأيام ذهب اجانق لكى يرعى ابقاره وأخذ حربة صاحبه ديانق، واثناء رعيه وجد ثعباناً فضربه بالحربة ولكن الثعبان تمكن من الهروب مع الحربة ودخل إلى جحر كبير داخل تلة طينية صلبة جداً "ريل RAEL".
    فى المساء عندما اتى اجانق إلى الحى ساله صاحبه ديانق بار عن حربته وحدثه اجانق عن حكايته وفقده للحربة.
    اصر ديانق على ان يعيد اجانق حربته ... فاعطاه اجانق إحدى حرابه ولكن ديانق طالب بحربته الأصلية التى هرب به الثعبان ومع إصرار ديانق على إستيعاد حربته الأصلية من اجانق ورغم الأجاويد ... قرر اجانق الذهاب إلى المكان الذى دخل إليه الثعبان.
    بعد وصوله إلى المكان ... بدا اجانق بالحفر على التلة، وبعد مضى ثلاثة اشهر ... تَمَكَّن من الوصول إلى مكان تحت الأرض عبارة عن بيت للثعابين المصابين بالحراب وكانت كل الحراب موضوعة فى شكل رزمة واحدة.
    مع ظهور اجانق حاول الثعابين المصابة مهاجمته ولكن، رئيس الثعابين امرهم بالكفاف عن مهاجمة الرجل ومعرفة اسباب مجيئه اولاً فقص اجانق حكايته ... فساله رئيس الثعابين: هل تقدر على تعرف الحربة خاصتك من بين هذه الحراب. فاجاب اجانق بانه يستطيع... وبالفعل ذهب واحضر حربته.
    فقال له رئيس الثعابين ... ستذهب من هنا ولكن، من الآن فصاعداً سنكون اقرباء ... إذا وجدت احدنا لا تمسه بسوء وإذا لدغك أى فرد منا او ابناءك واحفادك فسيموت وقتياً.
    بعدها نادى رئيس الثعابين إبنته وطالبها بمرافقة اجانق ... واوصل بننت رئيس السلاطين اجانق حتى مشارف الحى وبعدها رجعت.
    وعندما جاء اجانق إلى الحى وجد ام ديانق بار قد توفت وقام ديانق بكفن امه بغطاء اجانق.
    جاء اجانق وأعطى صاحبه ديانق. وعندما نادى لكى يلتوا له بغطاءه ... قيل له إن ديانق قام بإستعمال الغطاء لدفن امه بها، فرفض اجانق الجلوس وطالب بغطاءه لكى يجلس عليه!
    عليه، ذهب ديانق ونبش قبر امه واحضر الغطاء ... فقام اجانق باخذ الغطاء ورميه فى الخلاء.
    ______________________________________________________________________
    * صراحة لم اعرف الإسم المرادف لـ "كى KAI" باللغة العربية.
    ** هذا الثعبان اسود اللون.
    *** فشينج هذه عشيرة تحترم اللالوب.
    ديانق بار ... ديانق هنا الإسم وبار هنا صفة بمعنى طويل "آسف للسهو احبتى" ((هذا سبب التعديل))
    ملحوظة: كل هذه العشائر تتبع لدينكا ملوال "اويل" وهنا يجدر بى شكر عمى الجليل اكين اثيانق اقوير على المعلومات القيمة التى قدمها لى.
    طبعاً الاخوان إنشالله ما يقصروا خاصة فى حالة الاسماء بتاع الدينكا وحتى إن كان فى إضافة او سمعوا عن اسطورة اخرى غير التى اتينا بها.
    خالص الود والتحايا
    شول اشوانق دينق

    -------
    * قد يسأل أحَدُكُم هل قال العم (أثيانق)، إن أجانق كان صياداً، أو راعياً! هل قال في تاريخ مبكر؟ هل قال عشيرة مجاورة لهم؟ هل هل... مما يجده من توليد دلالات في كتابتي لروايته. أقول باختصار قمتُ بقراءة دقيقة لمكوِّنات الرواية ذاتها، ولإمكانيات وطرائق بنائها المُحتملة كعمل أدبي، خارج ما دَوّنه شول، أو من "الجوهر" الذي دوَّنه شول. فحين تقول القصة إن أجانق أخذ رمح ديانق فهذا يعني أنهما يعيشان في محيط جيرة، فأيام وجود هذه المواد لم تنعم الدنيا بإنترنت ولا مسنجر، ولا طائرات، ولا "دي إتش إل"، لتواصل الناس وتبادل الأغراض. وأزمان الأسطورة ذاتها، هي دلالة تاريخ مبكر وقديم جداً. كما يمكن استنباط هذه الجيرة من قراءة "الفُرْقَان" والحَلاّل" فهي كلها متجاورة حتى تاريخ اليوم. رَبْطُ أجانق بالرمح والرعي، دلالة على قوته وأنَّه كان راعياً. مسألة أنَّه صيّاد، علاوة على حياة تلك المجتمعات، بوسط الغابة، وحتى تاريخ اليوم كصيادين، فهي تُقرأ أيضاً من مُبادرة المواجهة مع ثعبان أسطوري، ما يعني القوة والقدرة لصيَّادٍ غير هَيَّاب. الخروج بالبهائم للرعي، دلالةُ الراعي، أما ظرفية "دائماً" للخروج بالأبقار، فهي علامةُ الرعي ذاته. فالبهائم تأكل رِفْهَاً لا غِبَّاً. لم أصف ما بينهما بالصداقة، وما ورد في نص شول، وصفة "صاحب"، وهي عبارة دقيقة، فالصاحب لا يُشترط فيه الصداقة، التي تشترط بدورها التسامح، فلا يلح ديانق ذلك الإلحاح كله على استعادة رمحه. فلو كان أجانق صديقاً لديانق، لما حَدَثَت تلك القصة من أساسها. كوني أصف رئيس الثعابين بالتَّقَدُّم في العمر قليلاً وبالقوَّة والمنعة، فهذا مأخوذ من التصوُّر والواقع الدينكاوي للقيادة، بل من الواقع الإنساني الكلاسيكي إجمالاً لمتطلبات القيادة في تلك الأزمان. وتجدني أكتفي بقول إنَّ أجانق استلف الرمح، ولا أقول ذهب واستلف الرمح، أو أخترعُ حَدَثَاً أو واقعة لذلك، لأنَّه ربما أرسل بنته لتأتيه بالرمح أو ولده.. إلخ، فلا يُوجدُ هنا حرفٌ واحدٌ زائدٌ بدون مُبَرِّرات وأسبابٍ جئتُ بها من باب الاستقراء والاستنباط، أو "العلامات" كما يقول علماء السيميولوجي عن النصوص. وهنا العلامات قائمة بجوف الراوية ذاتها، مهما تبدَّلت لغتها وطرائق حكيها. بالرغم من أنَّ الرواية الشفاهية ليست نصاً مرقوناً، ولكن هي مادَّة لها علامات في فهمي، وإنِّي أرى، أنَّ هذه المواد الشفاهية، محكومة للغاية، ومضبوطة، بعلامات دقيقة، تُقرأ، وتستتبع، وتُرى بكل وضوح. كما لها بنية ("منطقية" بمواصفات الجِنْس الأدبي) إن هدمتها سينهدم صحاح المادَّة. فبملاحظة الكيفية التي اختتم بها شول المادَّة، تجد أنَّه نسي ترتيب بنيتها قليلاً، أو لم ينتبه لما رواه عليه العم أثيانق جيِّداً، فلم يستطع تركيب حوادث الاختتام على نحو علامات منطقية فنيّة سليمة.
    فلم يُحَدِّد شول، إن كان أجانق قد جاء لبيته الشخصي، وأعطى ديانق الرمح لأنَّه وجده ينتظره في بيته، أو وضع أية فرضيات أخرى.. فقد قدَّم شول خبر موت الأم، ثم ألزق فوراً بجملة "إعطاء الرمح"، {وعندما نادى...}. أعتقد أنَّ التسلسل المنطقي (البناء للقصَّة Structure) لكيفية تركيب هذه الأحداث الثلاثة، هو غشيان أجانق لديانق في بيت الأخير، وإعطائه رمحه، وبعدها جاء أجانق لبيت أسرته كي يجلس أو ينام، ثم سأل عن الغطاء..إلخ، أو فليصحِّحني شول، عبر تصويب، أو إضافة. فربما انتظر ديانق عودة رمحه، في بيت أجانق!؟ الفرض الذي سيجعلني أهدم الخاتمة مرَّة ثانية، وأعيد تركيبها من جديد. وهذا الفرض وارد جِدَّاً، لأنَّ ديانق، كان قد كَفَّن أمه بغطاء أجانق، فكأنَّما كان ينتظر في بيته!؟ أو "فرض ثالث" وأقوى مما سَبق في تقديري، أنَّ ديانق كان ينتظر في بيته الشخصي، ولكن في ذات الوقت، كان يعتبر ممتلكات أجانق كلها ملكه، ويتعامل معها كرهن، حتى يأتيه أجانق برمحه المفقود ذلك!؟ وهذا الفرض لو صَحَّ فلا بُدَّ أيضاً من إضافته للقصة، لأنَّه جوهري، وبما أنَّه قديم فسيسبق مقاربات "الملكية" من منطلقي القوَّة والعجز، وربط ذلك بنظام مفهومي عن أخلاق القسوة أو قسوة الأخلاق، كما هو لدى شكسبير في تاجر البندقية.
    (يا شول ياخي، لازم تلمّني في عمنا الكنز أثيانق دا، بلّغه تحياتي الجزيلة، والوافرة، كما أرجو أن تتفضَّل عليَّ بوسيلة تواصل معه).

    * رماح القبائل النيلية، هي رماح وما هي بحراب، لعامل طولهم وحجمها ونوعها وتصميمها، ولا يجوز تسميتها في الإجمال بالحَرْبَة. ما تستخدمه القبائل النيلية ((بشكل عام)) هو الرِّماح. الحراب أيضاً تُستخدم في الجنوب، ومنها أنواع غاية في الكمال والجمال، ولكن ((بشكل عام)) تُستخدم الحراب أكثر في غرب وشرق وشمال السودان، لأنَّها تُستخدم في صيد فرائس أصغر، معظمها أرانب وغزلان، وغيرها من الحيوان الصغير، فصغر حجمها مقصود لخفّة طرائدها وسرعتها. والحَرْبَة هي ما دون الرمح، كما تقول القواميس.

    * أرجو الانتباه لبناء القصة، متى مثلاً يظهر نداء مفردة إنسان؟ ثم التدرُّج إلى أن يتعارف العشيران، لا الثعبان والإنسان. بل زعيم الثعابين أصبح يقول "رمح ديانق الطويل" هو الآخر، ولكن في نهاية القصة "فقط". بعد عهد القرابة، إذن اكتمال التعارف. الحفر لمدة ثلاثة أشهر كأنما يقود إلى أرض ثانية (ريل)، أي أرض الثعابين كمملكة مجاورة لمملكة الإنسان، مملكة أنفاق تحت تلّة تسع الحفر بباطنها وأسفلها لمدة ثلاثة أشهر. التركيز على موضوع العشيرة، وإحالة الجيرة الأسطورية إلى إخاء! فيَقِلُّ في نهاية القصة استخدام مفردة الثعبان لتستخدم العشيرة فقط، كأنها غدت بشراً. متى نعرف أنَّ عشيرة ديانق قرابتها مع اللالوب؟ حين يتحقق التعاشر مع الثعابين. ترميم واقعيّة الأسطورة بجعل أجانق يذهب للصيد أو أخذ اللبن أثناء شهور الحفر الطويلة، أم ديانق بار تموت في هذه الأثناء. تنويع الأسلحة بداخل مغارة الثعابين، ومرور ذكر عشائر أخرى لا يعرفها أجانق، لتركيز مفهوم المملكة، ومفهوم إخائه المطلق مع تلك المملكة في تمامها. محاورة عرض القرابة، التي تنتهي بأن أجانق يقول قبلتُ عرضك (يا قريبي)، ولا يقول يا زعيم، أو كبير الثعابين. ويرد الزعيم بالمثل (يا قريبي)، فتتحقق بذلك القرابة ولا تنزل كاتفاقية بثقل مستقبل السلالة كلها، ومُلزمة له ولبنيه وبناته وأحفاده، إلا حين تُوجد أسباب ذلك، مع قصة الغطاء، ونهاية القصة، لإعلان الاحترام، كعلاقة ستحققها حتى السلالة في المستقبل، ناحية الثعابين، بلا انقطاع. الكيفية التي بُنِيَ بها شرط كبير الثعابين، إذ لم يقل "سأدعك تأخذ الرمح وتنصرف، ولكن..."، راجع قراءة تكوين الشرط في القصة. تدرّج الثعبان من مواصفات قيادة، تجعله "يبدو" كزعيم، إلى زعيم فعلي، إلخ. هذه مادَّة كوشرثيا عظيمة وتحتاج لعناية فائقة في كتابتها ورصدها، فمن له نشوارٌ حولها فليبرّنا به.

    * أخي الأستاذ شول، أتمنى أن تراجع النص كما وعدتَ بعدم تفويت الحبَّة. مثلاً، كنتُ أرغب في كتابة، أنَّ أجانق صافح ثعابين "كي" مودِّعاً، ولكنني تركتها، إذ قلت ربما يقضي المعتقد بعدم لمس ثعبان كي. راجعني في مثل هذه الأشياء، لو كان في إعادة كتابتي للقصة ما يتجاوز البناء الكامل لهذه الثقافة، أو أي خروجات مثل ما ضربت لك به هذا المثال، فقوِّمني بلا تردّد أو إمهال. وصدقني مثل هذه التفاديات الصغيرة تصارعت مع المئات منها بداخل رأسي، مع هذا النص القصير، لو كانت رواية لسيَّحت زيتي بالطريق، يضحك نهارك. الكتابة الأولى لعشيرة فشينج، بالإنجليزية، أنت كتبت بالعربية هذه المفردة هكذا (فشينج) وكتبت لجوارها { PACHENJ}؟ فأعدتُ كتابتها من عندي هكذا {Phachenj} إذ قدَّرتُ أنَّ هنالك حرفَ "هيتش H" سقط سهواً كما نقرأ مفردة Philosophy مثلاً. كذلك أنت كتبت (كى) واعتقدتُ أنك أردت كتابتها (كـ"ي") فوضعت التسمية على هذا الأساس، "كي" بنقطتين، صَوِّبني لو كنتُ مخطئاً. أتمَنَّى على الإخوة دمبيك ياي، وزكريا جوزيف، عدم حرماننا من علمهم، ومراجعتي وتصويبي في كل شاردة وواردة، صغيرة وكبيرة، يريانها.

    Quote: شول, فيما يتعلق باحترام الدينكا لبعض الحيوانات او الاشياء, التفسير يرجع الى احترام مجتمع الدينكا للبيئة الطبيعية التى تحيط به. نحن مثلا فى التويج, جنوب نقوك, لا نقتل الذرافة و فرس البحر (قرينتى), بل ان بعض العشائر لا تقتل الاسد والتمساح. عشيرتنا فلوى تحترم تعبان اسمه ( دينق ياط) و اهل الوالدة يحترموا (رينق ياط), اما امها فيحترمو بيار ( كوبرا) و اتيم ياط (بايبور) و ديل من اخطر انوع الثعابين فى الوجود. عندما كنت صغيرا فى السبيعنات, كنت امضى اوقات العطلة الدراسية عند اهل امى و كنت بشوف هذه الثعابين نائمة فى اركان اللواك او فى اطراف البيت و كانت جدتى تحثنى على احترام مكانة هذه الحيوانات و عدم إذعاجها. لم اسمع بشخص عضته هذه الحيوانات حينها. نتبنى علاقات القربة مع الاشياء مثل بعض الاشجار و الانهار. فمثلا نهر كير و لول ( التيل) باقسامه المختلفة يعتبر مقدسان و يقدم الاضحى سنويا قبل الصيد فيه.
    زكريا جوزيف

    Quote: زكريا
    اول حاجة شكرا كتير على الاضافة وكويس انك من تويج عشان تضيف لينا الكتير ما اظنو في اختلافات كتيرة
    بينا وبينكم في المراسم دي برضو اهلي بيحترموا (رينق ياط).
    دمبيك ياي

    * وهذه المعتقدات الكوشرثية، ربما يراها الشخص بسيطةً، وأحياناً ساذَجَة، ولكن بطول التأمُّل فيها، ستجد ألوانها الخفيفة، وروائحها الخافتة، وطعومها البعيدة، تلوح في قاع وبواطن الثقافة التي أنتجتها هذه المعتقدات ذاتها. ألا تَصُفُّ هذه القصة أبنيتَها فيما يلامح، على نحو نَسَقي حَضَاري، وكذلك تاريخي من باب الأسطورة، قول الكوشرثيا الآخر {خُوَّة اللعوت، الما تتلاقى إلا يوم الموت}، {مَحَنَّة اللعوت، الما تَنْشَاف إلا يوم الموت}. وهذا التعبير الظَرْفَي، يقال حين موتٍ يجمع الأهل، ويُوجَّه لِبَنِي العمومة أولئك، الخؤولة، أو العشيرة الواحدة، الذين يكونون غلاظاً في التعامل مع بعضهم بعضاً، ولا يتحاننون ولا يجتمعون إلا عندما يموت لهم أحدٌ. أي تجمعهم المناحاتُ والوفيّاتُ والعزاءاتُ يومَ الموت، وتلوح قرابتهم تلك فيه بدلاً عن أيام الحياة العادية. وهو تشبيه، بفروع أغصان شجرة اللعوت، الجافَّة، والضارب كُلٌّ منها في وجهة، ولا يجمعها لبعضها بعضاً، إلا نارُ الحريق. حينما تشتعل في تلك الأشجار، فتكسر منها غلظتها، ونفورها، لتتوقّع تلك الفروع على بعضها بعضاً، في تَحَانُنٍ حضنه الموت، بالرغم من الإخاء، والعَشِيرة الواحدة. واقرأ من أسطورة الكوشرثيا أيضاً قول الثعبان لأجانق:
    {ومنذ هذه اللحظة، لو لَدَغَكَ ثعبانٌ من عشيرتي، أو لَدَغَ أحدَ أبنائك، بناتك، أو سلالاتهم، وإلى الأبد، فإنَّه يموت فوراً}.
    فالموت هنا هو المُظَهِّر لهذه القرابة، أفلا تكون بذلك جذراً بدئياً ومرجعياً لقرابة اللعوت!؟ ومفهوم قرابة أفرع اللعوت ذاته، أي أن تكون للأشياء قرابات تربطها، سواءٌ، ببعضها أو مع البشر! ألم يأتِ من هنا، وهذي هي مشكاته!؟ تلك الحيوانات التي رُسِمَت مع البشر، وكأجزاء منهم، ومع النباتات، والأدوات وكأجزاء منها، ومن البشر، على معابد البركل والبجراوية وأثارة جبال النوبة، والنقعة والمصوّرات، ألم تلدُ هي هذه المفاهيم كلّها، وهذه الرؤية للوجود!؟ بلى، وما في ذلك شك.

    لقد سَحَرَني الـfinishing لمادَّة الكوشرثيا هذه، أراه خطيراً ورهيباً لدرجة مذهلة، ويتفوَّق على أي نوعٍ من أنواع الاختتام مما يمكن أن تقترحه إمكاناتُ إحدى مدارس الكتابة الفنيّة. هذا الـfinishing جاء باهراً بما لا يُقاس. الانتهاء بحكاية الغطاء هذي، ولا تدخل إليها من باب السَّدَاد، أو الانتقام، أبداً، وإيَّاك. لقد عافت نفسي، مثل هذا الخروج من القصَّة، فوجدتُ في حكاية الغطاء هذي الكثير من ماس المطامير، والمتع عديمة النظير، وربما الأوهام، فهل من متأوِّلٍ لها؟ أو قارئ لما بعد تَوَهُّمِ التَّوَهُّمِ!؟


    -------------------------------------------------------------------------------
    أمَّا الثعبان من (الإرثيات)، فإليكم هذه المقتبسات من تفاسير القرآن، ابن كثير:
    {كانت جنة آدم التي أخرج منها في السماء كما يقول الجمهور من العلماء فكيف تمكن إبليس من دخول الجنة وقد طرد من هنالك طردا قدريا والقدري لا يخالف ولا يمانع ؟ فالجواب أن هذا بعينه استدل به من يقول إن الجنة التي كان فيها آدم في الأرض لا في السماء كما قد بسطنا هذا في أول كتابنا البداية والنهاية وأجاب الجمهور بأجوبة أحدها أنه منع من دخول الجنة مكرما فأما على وجه السرقة والإهانة فلا يمتنع ولهذا قال بعضهم كما جاء في التوراة أنه دخل في فم الحيَّة إلى الجنة . وقد قال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة . وقال بعضهم : يحتمل أنه وسوس لهما وهو في الأرض وهما في السماء ذكرها الزمخشري وغيره . وقد أورد القرطبي هاهنا أحاديث في الحيات وقتلهن وبيان حكم ذلك فأجاد وأفاد. (ابن كثير)}.
    { قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين
    قيل المراد بالخطاب في" اهبطوا " آدم وحواء وإبليس والحية ومنهم من لم يذكر الحية والله أعلم . والعمدة في العداوة آدم وإبليس ولهذا قال تعالى في سورة طه قال " اهبطا منها جميعا " الآية . وحواء تبع لآدم والحية إن كان ذكرها صحيحا فهي تبع لإبليس وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " أي قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة قد جرى بها القلم وأحصاها القدر وسطرت في الكتاب الأول وقال ابن عباس" مستقر " القبور وعنه قال " مستقر " فوق الأرض وتحتها رواهما ابن أبي حاتم .(ابن كثير)}.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-02-2010, 01:12 AM)

                  

05-02-2010, 01:41 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    مُحَمَّد الزيادي
    ياخي تسعد أيامك، ومرحبتين حبابك
    المثل لم أسمع به، ولكن الفعل (البنوني، النُّوناي) مَرَّ بي في مواضيع شعر وتلافيق كلام كتيرة.
    منتظر عودتك
    وطابن أيامك
                  

05-02-2010, 03:36 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    يا الصادق جنى إسماعين
    ياخي ترحِّب بي شنو! إنت ذاتك غايب بالدهور. أها اليوم القلَّعك أريتو يقلِّع لينا محمّد السر.
    كيف الأحوال والأخبار؟ أريتك بخير والعافية درت.
    المهم، الانترنت دا كان فيهو مشابطة كان الواحد يشابطك زيين، من حكمة الشوق، إلا إنترنت السماء دا ملاقاتو جافية خلاص. عييينك في الزول، وهو كان ميّت وألا حي ما معروف. لا تَغِبْ يا صديقي في الغار.
    الكلام مع دكين ذو أزقّة، ولكنني عندما كتبتُ تلك المادَّة لم أكن أعرفه، لأنَّ لداحة دكين وغيره مع بشاشا وتراجي، في تلك الأزمان، كانت معابثها أكثر من جِدِّها، بالتالي لم أكن أنا أعرف دكين على وجه التحقيق، كنتُ جديداً في المكان ولا أقرأ فيه إلا نادراً، ولا أعرف الناس.
    تمنيت لو أنَّك افترعت البوست بالمادَّة التي كتبها دكين، في البداية، لأنَّ قراءة كلامه في أصله يبيّن معايب كتابته الحقيقية من تعييبي أنا لها. فالبورد كان مدوِّر عنصرية وعنصرية مضادة أربعة وعشرين ساعة، ودكين له معايبه حينها لدى هذه النقطة، وما يزال "كما في مشكلة صابر" لديه معايب إذ أراها، ففكرة أنّه ينطلق من أهله هذه لم يتركها إلى أجل قريب مما قرأتُه له. ولكن العنصرية الكانت مدوِّرة في البورد عموماً، هي ما قَرفَني، وأخرج شياطيني، وجعلني أسلّ قرن الخرتيت بتاعي وأنيش في مُجَسَّد دكين أي أمور عنصرية كانت حايمة أيامها. بالتالي القراءة لهذه المادَّة خارج سياقها التاريخي تظلم دكين كثيراً، فأنا اليوم به أعرف من أمس.
    بورد الحوار دا بمعايبو العليهو، علّم الناس تكوس ليها ولو حبّة منطق، وعلّمن يسَمِّحوا طريقة تفكيرن وشوفهن للوجود والكائنات، ولو بالكضب. صاحبي حسبو قال تموليلت ذاتها بوجودها كنص كتبه سوداني في محيط السودانيين علّم الناس الكتير من التسامح واحترام حياة الآخرين ورؤاهم وأشياءهم.
    فدكين ذاتو في اليوم العلينا دا كلامو الكتبو زمان داك، ما بقدر يكتبو هسع. من مميزات الكتابة، إنها بتخليك تشوف قبح أو سماح ما كنت بتفكِّر فيه، وما يقبع في خباياك من نوايا ونيّات. الكتابة تُريك هذا كلّه، لأنَّها تأخذ ما بالداخل وتنقله إلى الخارج، لتتأمله بنفسك ويتأمل فيه غيرك، فترى ثغراته، وغثّه من سمينه، تناقضه أو تصالحه، خيره من شرّه.
    دا طبعاً لو متفق معاي على إنو الكتابة فعل قائم بالقصدية والعمديّة ضد النوايا والنيّات، لهدمها، وهدم وقطع كلّ ما في ظلام الباطن بضوء العلن. لو متفق مع دكتور حسن موسى علي إنو الكتابة بالنيّات، سيبلغ بنا اليأسُ حدَّ أنّه لا توجد كتابة واحدة نحن مستوثقون منها، لأننا لا نعرف نوايا الكُتَّاب من نياتهم، ولا يُوجد (قارئ) واحد على سطح الأرض كلّها، ولا يُوجد قارئ واحد في السموات السبع كلّها، سوى الله سبحانه وتعالى، إذ لا يعلم أحد النيات من النوايا غيره.
    و"النيّات" في لغة العرب تستخدم لما يُضمره الإنسان من خير، أمّا "النوايا" فتستخدم لما يضمره الإنسان من شر.
    لذلك من الأسلم والأصوب، أن يُقال سفير النيّات الحسنة، وأبدت حكومة كذا حسن نياتها تجاه كذا وكذا، وليس سفير النوايا، وحسن النوايا، كما يقال في نشرات الأخبار.

    يا عزيزي الصادق، مشكور على المحبَّة، التي أبادلك حَصَاتها بـ"جبل جاري" تام، لا ينقطع جريانه ولا تذروه الرياح.

    كن بألف خير
                  

05-02-2010, 03:42 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    أحمد أمين
    ياخي مراحب، وماك طيّب؟
    أريتك هاني وبألف خير
    مشكور على الطلّة
                  

05-02-2010, 06:09 AM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الأخ محسن السلام عليكم ورحمة الله
    يا زول كيف صحتك ؟
    تابعت خيط عودك هذا من بداياته ثم ذهلت عنه إلى أمور قنص أخرى (:
    لفت انتباهي انصرافك إلى مرارات منبر الحوار الديموقراطي بموقع الفور أوول.
    خطبة الجمعة الماضية في مسجد الظهران العتيق كانت في شأن حرية التعبير ومابر الحوار!
    تصدق دا كان موضوع الخطبة لمسجد في السعودية !
    عندما كان الخطيب يتحدث عن ضرورة حرية الكلمة والتعبير تذكر بوست الأخ محمد حسبو :
    "ياسر عرمان ييس يو كان " وقلت في نفسي : سبحان الله محمد حسبو مغلول القلم و لا يستطيع الرد
    على محاوريه في البوست ومحسن يصر على رفع البوست إلى الواجهة ويسأل عن حسبو
    والوراق لا يستطيع سوى السؤال بصوت أحمد مطر !
    -----------------
    بالمناسبة أرجو أن تراجع قراءتك لحوار محمد عثماننا مع د. حسن موسى في الشأن نفسه .
                  

05-02-2010, 09:25 AM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الأخ محسن

    الشوق بحر لكن مشاغل الدنيامن قراية وشغل وخلافو، المهم يازول كلامك لي دكين داك أنا بعتبرو كلام لكل سوداني، ودكين دا يا هو انا زاتي وكتير غيري، لكن الكلام الاتكتب دا اجمل كلام انا قريتو وجمالو في وقتو الاتقال فيهو وفي الظروف بتاعت الايام ديك، ودكين كان سبب عشان يكون الكلام بالجمال دا، واقول ليك حاجة لو انت كنت وجهت الكلام بتاعك دا لي زول غير دكين ما كان حيكون بالجمال دا.

    عارف كلو ما تضايق برجع اقرا الكلام داك، عشان احس انو في (امل)ن وفي احتمال الناس العندنا ديل يفهمو ويمسكو دربم عديل، لكن هيهات

    على العموم يا زول اهلا بيك/ ويانا مصنقرين هنا معاك حنشارك بالقراية وبعد ما تنتهى حنتداخ بالاستفسارات.

    فتناك بعافية
                  

05-02-2010, 09:25 AM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الأخ محسن

    الشوق بحر لكن مشاغل الدنيامن قراية وشغل وخلافو، المهم يازول كلامك لي دكين داك أنا بعتبرو كلام لكل سوداني، ودكين دا يا هو انا زاتي وكتير غيري، لكن الكلام الاتكتب دا اجمل كلام انا قريتو وجمالو في وقتو الاتقال فيهو وفي الظروف بتاعت الايام ديك، ودكين كان سبب عشان يكون الكلام بالجمال دا، واقول ليك حاجة لو انت كنت وجهت الكلام بتاعك دا لي زول غير دكين ما كان حيكون بالجمال دا.

    عارف كلو ما تضايق برجع اقرا الكلام داك، عشان احس انو في (امل)ن وفي احتمال الناس العندنا ديل يفهمو ويمسكو دربم عديل، لكن هيهات

    على العموم يا زول اهلا بيك/ ويانا مصنقرين هنا معاك حنشارك بالقراية وبعد ما تنتهى حنتداخ بالاستفسارات.

    فتناك بعافية
                  

05-02-2010, 09:25 AM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الأخ محسن

    الشوق بحر لكن مشاغل الدنيامن قراية وشغل وخلافو، المهم يازول كلامك لي دكين داك أنا بعتبرو كلام لكل سوداني، ودكين دا يا هو انا زاتي وكتير غيري، لكن الكلام الاتكتب دا اجمل كلام انا قريتو وجمالو في وقتو الاتقال فيهو وفي الظروف بتاعت الايام ديك، ودكين كان سبب عشان يكون الكلام بالجمال دا، واقول ليك حاجة لو انت كنت وجهت الكلام بتاعك دا لي زول غير دكين ما كان حيكون بالجمال دا.

    عارف كلو ما تضايق برجع اقرا الكلام داك، عشان احس انو في (امل)ن وفي احتمال الناس العندنا ديل يفهمو ويمسكو دربم عديل، لكن هيهات

    على العموم يا زول اهلا بيك/ ويانا مصنقرين هنا معاك حنشارك بالقراية وبعد ما تنتهى حنتداخ بالاستفسارات.

    فتناك بعافية
                  

05-02-2010, 09:25 AM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الأخ محسن

    الشوق بحر لكن مشاغل الدنيامن قراية وشغل وخلافو، المهم يازول كلامك لي دكين داك أنا بعتبرو كلام لكل سوداني، ودكين دا يا هو انا زاتي وكتير غيري، لكن الكلام الاتكتب دا اجمل كلام انا قريتو وجمالو في وقتو الاتقال فيهو وفي الظروف بتاعت الايام ديك، ودكين كان سبب عشان يكون الكلام بالجمال دا، واقول ليك حاجة لو انت كنت وجهت الكلام بتاعك دا لي زول غير دكين ما كان حيكون بالجمال دا.

    عارف كلو ما تضايق برجع اقرا الكلام داك، عشان احس انو في (امل)ن وفي احتمال الناس العندنا ديل يفهمو ويمسكو دربم عديل، لكن هيهات

    على العموم يا زول اهلا بيك/ ويانا مصنقرين هنا معاك حنشارك بالقراية وبعد ما تنتهى حنتداخ بالاستفسارات.

    فتناك بعافية
                  

05-02-2010, 03:42 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: الصادق اسماعيل)

    أهلين يا حبشي
    صحّتي شمس بس، ساعات تغيب، وساعات تكون. مشكور على الطلّة والسؤال.
    قلت لي خطبة جمعة عن حقوق التعبير في مسجد بالظهران!؟ كَتِح لكن. إن شاء الله ربنا يسويها على علمانيي فرنسا بعد الحال.
    ياخي بوست (عرمان بتاع حسبو دا) لا شيء ملأ روحي باليأس من هذا النَّفَر سواه. بعدين لا شيء ضد حسبو مطلقاً.
    ولا حتى أمثال سريّة {بذيئة} تتفق معك نجاة على نشرها بالتلفون، وتخون عهدها هذا على رؤوس الأشهاد، برضو دا مافي!
    قبل بوستي دا، الذي هو بمثابة أوَّل إعلان رسمي عن توقيف محمد حسبو، كلّو يوم كنت أتوقّع واحد من الفورلاب ديل، في بوست "عرمان دا" يكتب كدا ساكت:
    السلام عليكم يا إدارة، يا أخانا حسن وبولا وأختنا نجاة، يا أخوانا حسبو دا طوَّل من هنا ولا يناضمنا ولا يكالمنا، إن شاء الله المانع خير!؟
    الزول دا لو وقفتهوا ورونا، وألا كمان لو وقف براهو كلمونا عشان نمشي نكوسوا في التلفون وألا الفيس بوك وألا في أم صفقاً عراض.
    ولالالا شيء، ولالالا حاجة، هِسسسس، شَلَن شلَن شَلَن، صوت صفق النيم الأصفر، النافد، وهو يتوقّع في انزلاق السكون، والدنيا صانّة تمممم.
    ومن شِدَّة كَرْسَة الأصوات فيها، القمرية تطير من فوق شجرها، صوت رفرفة جناحيها ليومين ما يكمل من روسين شجر النيم، هِسسسس، ولا حِسْ.
    وزي ما قلت الورّاق يسأل متحوِّي في أبيات للشاعر مطر، برضو بارك الله فيهو، غيره لم يسأل ولو في الحلم.
    طيّب لو حضروا الأزمان البتكلَّم عنها مطر دي ذاتها، كما ونَّسني حسبو نفسه في أزمان سَبَقَت، عن، لما كانت مليشيات الأمن بتشيل زولك بليلٍ، وبنادقٍ، ولو سألت منو، بدقّوا ليك برمندي في لسانك، وبرضو الناس سألت من ناسها، علي بالحلال الناس القلوبها محدّثاها ما انقطعت عن السؤال. والبرمنديات اتدَّقت، فلا اتربطت ألسنة الثوار، ولا اتربط حق السؤال. ولا تحوَّل الناس لبهائم مربوطة عن أفكارها وآرائها بدق البرمنديات في الألسنة. يجيبوا ديموقراطية ديل!؟ ديل {الصفوة} ديل!؟
    الحكاية شنو؟ خوف علي الباسويرد!؟
    هو الباسويرد دا عَمَارو شنو! بتكلموا بيهو، وألا بيسكتوا بيهو؟ يبدو إنَّه رصيد سكوت وزنازين، لا رصيد تعبير وانعتاق.
    يجيبوا ديموقراطية ديل؟ والله طلب فول ساكت ما يجيبهوا، مع المغارب، لو جيران بيَّاع الفول عندهم كلب شعيت.

    ----------
    يا أُمحدلحسن، محمّد عثمان دا، إنت عاجبك عشان زول شرق متلك كما لوّحت في طرافات. وأنا قصة العُجُب بالأهل والأقاليم دي، مطلِّقها من يوم خالتك البتولا بت الموفد أدتني درس لن أنساه ما حييت، وأنا عمري ست سنوات بس حينها. ولو كان محمّد عثمان ما عاجبك عشان كدا، وأنا غلطان في قراءة تلك الطُّرَف، فعلي بالحلال يا أُمحدلحسن موقف محمّد عثمان دا، ما بعجب كلو كلو، وإنت ماك ضهبان من الكلام دا. فما عندي ليهو أيتها قرايات غير دي، ولو جيتو لقرايات تانية، والله إلا كان أعوِّق ليك زولك دا.
                  

05-02-2010, 04:06 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الصادق، تانياً سلام
    صحي كلامك، الكتابة دي لو ما كانت مع دكين، لما وجدت مساحات تسير فيها، ولكانت بايخة، فحلاتها من حلاة الخصم، هذا صحيح. لأنني كنت أكتب بأي طاقة
    لتزويق النص وتحبيره، وضامن إنو الخصم لن يزعل ويتأوَّل الشر.
    ودكين نفسه عندما بدأ كتابته في مقابلتي، استشهد بمقالة لي، عن إنو الكتابة مع الأذكياء والحرفاء بتخليك تتجلَّى. (ما متذكر العبارة كويس).
    إنت يا ود شلال، وينك؟ طيّب!؟ الماسكك من الكوشيات دي مو ساهل يابا. والله مشتاقين يا عزيز
    كونا بألف خير يا الصادق
                  

05-03-2010, 04:21 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    الحريَّة الوجودية للكائن المؤنَّث
    تحت رِبْقَات الكوشرثيا


    تُرى ما الذي بَنَى الحضارة الإنسانية؟ وما الذي سَخَّر الطبيعة للإنسان؟ ولماذا تُسَمَّى "الرئيسيات" في علوم الأحياء بهذا الاسم؟ وما الذي يجعل سواها من الكائنات غير رئيسة؟
    إنَّ الذي بَنَى الحضارة الإنسانية هو الحركة. وبالتحديد بَنَتْهَا حركةُ الإبهام؟ وجاء في آي القرآن {بَلَى قادرين على أن نُسَوِّيَ بنانَه}. وتفاسير القرآن القديمة كادت أن تفك شفرة الآية، ولكنهم عكسوا معناها بالضبط، على نحوٍ عجيب وطريف، فـ"التسوية" التي تَمَّت لانتشال يد الإنسان من جمود التمثال، هم فهموا أنَّ الآية تُهَدِّد الإنسان بهذه التسوية كي تعيده إلى حيوان، انظر ما قالوه في الهامش أدناه(1*). في حين أنَّ الآية كانت تفاخر وتُعَاجِز بأنَّ الله هو من صَنَعَ تلك التسوية التي نال بها الكائن البشري، الحركة، في يديه، ما تأسَّست عليها السيطرة والمَلَكَة من الوجود وتوجيهه. أمَّا تأويلات المُحْدَثين فقد ألزقت بالآية أشياء أكثر طرافة، من مواد القدماء التي تفهم بالمقلوب هذه، وستجد طرافات المُحْدَثين هذه في كُلِّ مكان يتحَدَّثون فيه عن الإعجاز العلمي للقرآن. هذا، بالتأكيد، بعد ظهور اكتشاف البصمة البشرية، ومعرفتنا علمياً لتمايز كلِّ واحدة منها عن الأخرى. ففوراً، وبحركات بهلوانية على أصعدة المنطق والخيال واللغة -كلّها جميعاً- هَجَمَت جماعاتُ مخترعي الإعجاز العلمي في القرآن لتقول إنَّ القرآن تناول موضوع البصمة، وبهذه الكيفية، منذ ما يربو على الستة عشر قرناً! ولا أدري كيف رَكِبوا على معنى الفعل "سَوَّى، يُسَوِّي، تسويةً" وجعلوه يَدُلُّ على بصمتهم المفتراة تلك!؟ هذا الفعل يُقرأ في نَسَق الفعل الآخر عن تسوية آدم، من قول الآية {الذي خَلَقَك فسوَّاك فَعَدَّلك(7) في أيِّ صورةٍ ما شاء رَكَّبَك(8)} (تشديد الدال من "فَعَدَّلك"، قراءة قالون وورش والدوري، وغيرهم). أقول باختصار، من شاء تأملاتي في هذه الموضوعة يجدها في مواضع ثانية، من كتابتي عن "القيامات والأناسي"، وبعضها ببوست إصلاح الكتابة، كي لا أخرج عن موضوعتي الحاضرة هذه، وهي الحريّة الوجوديّة للكائن المؤنَّث تحت رِبْقَات الكوشرثيا، لما يجاورها من مواضيع. فبإيجاز شديد، من تفسيري، لآية تسوية البنان، أقفز إلى أنَّها أُولى المواد الموثَّقَة لنص يفترع تصنيف الرئيسيات من ناحية جوهرها العلمي، الحقيقي. فكون هذه الآية احتوت رؤية معرفية خطيرة ومتقَدِّمة بالنسبة لذلك الزمن، هذا حاصل ولا جدال حوله، من شاء فليعتبرها معجزة، ومن شاء فليقل عنها عبقريّة، ولكنَّها، بأي حالٍ من الأحوال، ليست موضوعاً يمكن إغفاله كأن لم يكن. خصوصاً مع نَسَق الآية المعرفي ذلك عن خلق آدم وتسويته وتمييزه عن باقي الكائنات.
    فالمُمَيِّز اللُّبِّي والجوهري للرئيسيات عن غيرها، في علم الأحياء، هو امتلاك هذا الإبهام والقدرة على تحريكه مع الأصابع الأخرى، ليُشَكِّل مقبضاً مع بقيّة هذه الأصابع وحركتها، للتمَكُّن عبر هذه الحركة والتحريك من السيطرة على الأدوات وتسخيرها. ومن ثَمَّ بناء الحضارة الإنسانية عَبْرَ تطويع الطبيعة واستغلالها. وهذه الخصيصة لا يمتلكها إلا الإنسان وعددٌ محدود ومحصور من القِرَدَة العليا فقط.
    فإنْ عَدِمَ الإنسانُ هذه الحركة، وهذا الإبهام، أصبح كائناً غيرَ بَانٍ، وليس بوسعه السيطرة على الأدوات أيٍّ تكن، وإن هو واعٍ ومُدْرِكٍ لما يجري حوله. فمن هو الإنسان، إن فَقَدَ الحركة على منحاها البدني الظاهري هذا، ليكون تمثالاً! ثم فَقَدَهَا على منحاه الجُوَّاني، الوجداني، أيضاً، ليكون قاعَ هُوَّةٍ ساكنة، لا حراك بجوفها إلا لما يعبر مُبتعداً من ظلال الخارج؟ ماذا عن الإنسان إن فَقَدَ حُرِّيتَه الوجودية ظاهراً وباطناً!؟
    والحُريَّة الوجودية للكائن، أُعَرِّفُهُا بأنَّها مداه الوجودي الذي يَتَحَرَّك فيه على وجهين. الوجه الأوَّل باطني، داخلي، كأنْ يُفَكِّر كيفما يشاء، ويحس ويستشعر وجوده على النحو الذي يعجبه، وأن يصيغ بُنَاه الوجدانية وَفْقَ أُعطياته العقلية والنفسية الخاصَّة به.
    والوجه الثاني لهذه الحريَّة الوجوديَّة، يتمثَّل في الانعاكس المادِّي، المحسوس، لتلك الحركة الجُوانيَّة. أي أنَّ الحريَّة الداخلية هي الأساس في صناعة ونشوء تلك الحُريّة الظاهرية، المُؤَسِّسَة للحضارة الإنسانية، والبانية لها.
    فالمرأة التي تنعدم حركتها نحو "السوق" و"الحفلات" وجميع أنواع المخالط الأخرى، فهي بهذا الحصر لنفسها، وحرمانها من هذا المدى في الحركة، تُنَفِّذ، في الواقع، برمجة تَمَّت لها منذ الصغر من خلال حصيلة كوشرثية للأفكار والرؤى التربوية.
    بعبارة أوجز أقول، غالبُ بيوتِ السودانيين تَمُدُّ المجتمعَ السوداني ببرمجيات خجولة اسمها المرأة، بدلاً عن امرأة حقيقية بانية للحضارة، وفاعلةً أصالةً عن نفسها، لكونها تعرف ما هي حُرِّيتها الوجوديَّة، عن وعي، وتعيش وَفْقَاً لهذا الوعي بالحريَّة الوجودية للبشري.
    والكائن البشري ليس مُعَرَّضاً لفقدان حريّته الوجودية هذه عَبْرَ "الغصبِ" وحده، وإنَّما "هو" أو "هي" قابلان لفقدان هذه الحريّة الوجودية لعامل "البرمجة" أيضاً. الكائن المُذَكَّر يُسْتَهْدَفُ بالبرمجةِ مِثْلُهُ ومِثْلُ الكائن المؤنَّث، من مجتمعنا الكوشرثي. ولكن هنالك نقطة تُمَثِّلُ فارقاً جوهرياً، يجعل من ذلك الكائن المُذكَّر لا يتلقَّى هذه البرمجة بذات الوطأة والرسوخ اللذين تتلقاهما بهما المرأة.
    والنقطة الجوهرية هذه تتشَخَّص مِمَّا رَسَّخَتْ له الكوشرثيا عبر الكثير من مقولاتها وفنونها القولية. وأنصعُ مقولة مغناة لشرح هذه النقطة، هي مادَّة الكوشرثيا التي تقول عن مصير الكائن المُذَكَّر {دايراك يا علي، تكبر تشيل حملي. وياكا يا علي الخلَّاك أبوي دُخْرِي}، فهذه المقولة التي نراها مسالمة ولا يندفن تحتها أي شيء، أراها قَضَتَ بالمُمَيِّز اللُّبِّي، والفارق الجوهري بين الكائنين، بحيث لا هوادة في الأمر ولا رأفة.
    وهي بادِّخارها المزعوم هذا قد مَنَحَتِ الكائنَ المُذَكَّر قَدَراً ومصيراً يختلفان كُليَّاً وإجمالاً عن القَدَر والمصير المَمْنُوحَيْن للكائن المؤنَّث. أعني مَنَحَتْه الفرصةَ المُناسبة تماماً للهروب من "البرمجة".
    فالكائن المُذَكَّر من مجتمعنا الكوشرثي، علاوة على أنَّه لا يتلقى "برمجة" بالحجم والنُّوع الذي تتلقاه المرأة، لدى هذه الجزئية تحديداً، فهو يُمْنَحُ أيضاً فرصة للتَّخَلُّصِ من تلك البرمجة ورميها وراء ظهره.
    المقولة التي اقتبستُها من الكوشرثيا تَنَصُّ باختصار على الدفع بالكائن المُذَكَّر إلى الوجود، فالوجود بذلك يُريه كُلَّ المداءاتِ التي كانت غائبة عنه من حُريته الوجودية. ما يجعله يمارس تلك الحرية إلى أقصى مدى متاح أمامه.
    فالكائن الذي يُنْتَظَرُ منه، أن يكون ذُخْرَاً، بالمعنى الذي تُحَدِّده المقولة ذاتها وهو {تكبر تشيل حملي}، لا طريقَ أمامه لكي يحمل تلك الأحمال سوى أن يُدْفَعَ به في لَجَبِ الحياة والوجود فينجو بذلك من البرمجة، لأنَّ للحياة والوجود مقترحاتهما وخبراتهما، وكل ما يمنحانه من أُعطيات ولُقىً لمن يأتيهما ويرتادهما، فيتخَلَّص الذَّكَرُ تَبَعَاً لذلك من هذه البرمجة.
    فالصبي الصغير يُنتظر كي يكبر، ويحمل الأحمال، يُوَفِّر المعاش، يدفن مَنْ يموت، يحارب المعتدين، يحمي أخواته.. إلخ.
    أي، الصبي الصغير، منذورٌ للوجود، ولحرية ذلك الوجود.
    بينما الفتاة الصغيرة منذورة لعدم الحركة، ومُلازَمَة البيت، منذ يفاعتها. ولكم سمعنا مثل الحديث القادم أدناه، الذي أضعه في قالب قصصي كي أُجَمِّع الكثير من أيقونات التربية فيه ولدى برغراف واحد. فَلِكَمْ سمعنا وبأشكال مختلفة كلاماً مثل هذا {البنيّة مالها؟ النبي فوقِك كان ما سَكَّتيها، ما تخليها تَدْغِي ياختي. عايني حلاتها دي! بكرة تَكْبَر كدي يا يُمَّة، وتنفعك في كُبْرك آحليمة}.
    مصطلحنا كما تقَدَّم، أتينا به من لفظتي "كوش" + "إرث". فأحياناً تأتي الكوشرثيا "الضارَّة" أو "النافعة" من جذر كوشي، وأحياناً أخرى تأتي من جذر الإرث الإسلامي العربي. ولا يهمنا كم حِصَّة الكوشيين ولا حصَّة غيرهم مما هو ضار. لماذا؟ لأنَّ هذا المزيج أصبح، بالأصل، أساساً ومُكَوِّناً حضارياً للسودانيين في كل شيء ويصعب فَكُّهُ عن بعضه بعضاً. أي أنَّه غَدَا نَسَقَاً حضارياً ثالثاً ذا طبيعة حيّة في ذاتها الجديدة هذه، كما هي حيَّة في النَّسَق الثقافي الجزئي بحسب ما جرى على تلك الأجزاء من مُتَغَيِّرات.
    فَوَأدُ الحريّة الوجودية للكائن المؤنَّث كامنٌ في هذه الكوشرثيا بتمامها، وبلا استثناء لأي مادَّةٍ من موادها الوفيرة، أو جغرافية من جغرافياتها الكثيرة.
    فالملكة، السلطانة، الكنداكة، من حضارة كوش، على مستوى النُّخْبَة الاستثنائية! هي "عروسُ النيل"، التي تُغْرَقُ في مواسم الخصب، على مستوى بنات قاعدة الكوشيين. والمرأة المكَّة، كما كانت "ستنا"، مَكَّةَ الجعليين السابقة للمك نمر مُباشرةً، على مستوى النُّخْبَة الاستثنائية! هي نفسها، المرأة ظِلُّ الرجل، القارَّةُ في بيتها، راعيةُ الأبناء والبهائم، مَنْ صوتها عورة، على مستوى غِمار بيوت الجعليين/ المُسْتَعْرِبِين أو العرب "مثلاً".
    فالمرأة السودانية إذن في شمولها، لا في مُمَثِّلاتها، الاستثنائيات، هي كائن مؤود الحريّة الوجوديّة. ومنطلقها الرئيس الآن، لِفَكِّ إسارِ ذلك الكائن، يجب أن يكون شعاره هو، استرداد صورتها، ووضعها، من تلك الخانات التاريخية، الاستثنائية.
    لماذا؟ كي تعرف تماماً، أنَّ معركتها اليوم، هي معركة لاسترداد حُريّة وجوديّة استثنائية كانت لها فيما مضى من تاريخها المُشرِّف، لا تاريخها الآخر، الذي هي اليوم تدفع ثمن غَرَقِه وعبوديته ما تزال. هي معركة بحجم كبير إذن، معركة لاسترداد خانة استثنائية، مَرَّ عليها من التاريخ ما جعل حرّيتها مؤودة فيها وعلى مستوى كُلِّ مَنْسِمٍ من مَفَاصِلها. في الوقت الذي تَعْدُلُ فيه الحريَّةُ الوجوديّة للكائن الحيِّ البشري هذا، باختصار، تَعْدُلُ حَقَّ الحياة، وحَقَّ أن تكون شريكاً مُتَحَرِّكاً بحُريّة، إنساناً، بانياً للحضارة، وإلا فستكون أدنى منزلةً من القِرَدَةِ الدنيا.
    ويبدأ هذا الوأدُ لحريّة الكائن المؤنَّث الوجودية باكراً، منذ تحويل حركتها الفزيائية، الاعتيادية هذه، إلى هَوَيَان تمثال يغرق. تمثالٌ يُجَسِّدُ تلك المرأة "عروس النيل" لا الملكة. ويبدأ هذا الوأد، في أولى خُطُوات تَمْثَلَتِها، باستقصاد حركتها الفيزيكية، الاعتيادية هذه، لأنَّ الحركة في البَّدَءِ كانت هي ما شَطَرَ الإنسان عن أن يكون تمثالاً غارقاً في طين عدمه، أو في سَمْتِ القِرَدَةِ الدنيا.
    وأوَّلُ شيء يبدأ به هذا الوأد، هو تحديد كيف تتحَرَّك المرأة إجمالاً، جلوساً، اتَّكاءً، وقوفاً، مشياً، نوماً.. إلخ! يبدأ تحديدُ ذلك منزلياً، كجهة تربية غير رسمية، ثم مدرسياً كجهة مؤسَّسة تربوية رسمية. ومؤسسات التربية الرسمية ليست بموضوعتي الحاضرة، موضوعتي الحاليّة هي الكوشرثيا، التي شَكَّلت المدرسة ذاتها، عَبْرَ صياغاتها وتشكيلها للذهنيات التي بَنَتَ المدرسة، ومما قبل مُحْيِي الدين صابر بعشرات القرون. ففي المدرسة مثلاً يبدأ نَسَقُ مصادرة الحريّة الوجودية، للكائن المؤنَّث، والحرمان من العفوية، والتحجيم "الحركي" هذا، منذ {بدر رَكِبَ الفرس، وأمل ما رَكِبَت}. فبذلك تغدو المدارس نَسَقاً تعليمياً وتربوياً، انبنى على عظام هذه الكوشرثيا الضارَّة ذاتها، ومن صميمها. فالفروسية بكل حركاتها وسكناتها، وحُريَّة الفارس بكافَّة معانيها الوجوديّة، تُسَجَّلُ في هذه المدارس العقارية للرجل فقط. وليس للمرأة أن تفرشح رجليها على الإطلاق، لركوب جوادٍ، سواءٌ، بلا جياد.
    وكل الحركات من صلاة المسلمين، ممنوعٌ ومُحَرَّمٌ عليها أن تُؤَدِّيها إلا في الصلاة فقط. فحركاتُ تقواها ذاتها، هي حرامُ حريتها الوجوديَّة.
    فهي لا تستطيع أن تنثني معطيةً عجيزتها للحضور، أي حركة {الركوع} وإلا فسيصيحون بدءاً بالأم نفسها، التي قامت على ذات النَّسَق التربوي، وأصبحت راعيته الحريصة عليه أكثر من الرجال أنفسهم، كي لا تُوصف بالفشل في التربية، لذا ستصيح قبل الإخوة والأب والجميع {يا بت ما تفَنْقِسي فوقنا}، لا تُعطينا مؤخِّرتك. ومع كل حركة مُحرَّمة على هذه البُّنَيَّة يُصبُّ جزءٌ منها في صَبَّارة وضع جنسي، حتى تُحال أفكارها كلّها أوَّلاً، وحركاتها كلُّها ثانياً، إلى مومياء مذعورة جنسياً بقعر تابوت، تَحْرُسُها رائحةُ حنوط ذكوري، وتحول بينها وبين العودة إلى الحياة الطبيعية.
    ولا يجوز لها أن تُفَاجَّ بين رجليها، بأي حال من الأحوال. الحركة التي يسند فيها الأطفال ظهورهم للجدار، بينما يواجهون حضور الغرفة برجلين مشبوحتين، لتكون بينهما أي مادة لعب، حصى، علب صلصة، مِسْنَد، أو أي شيء آخر. وربما لا يكون بين الرجلين شيء، غير حركة مزاج طفولية يسرح فيها الأطفال، وراء براءتهم تلك. وربما ينام الطفل، الولد، في استناده على الجدار ذلكم. أعني الحركة التي تنشبح فيها الرجلان تماماً، أو الأخرى التي {تقوم فيها إحدى الساقين، بينما تُثْنَى الأخرى} فيما يشبه {حركة ما بعد السلام} من الصلاة، للتسبيح، بحيث تكون إحدى القدمين، مثنية تحت الإلية.
    أمَّا البنت فلا يجوز لها ذلك أبداً، فهم يَعُدُّونها كي لا تشبح هاتين الرجلين إلا على أعتاب زوج وتحت نهيته "فقط". كي تفاخر النِّسَاء فيما بعد، من مفاخر كوشرثيا خلوتهن، مثل {أنا أمَّك يا فلان، الكرعيْ ديل ما فتحتهن، أو فَجِّيتن، إلا لأبو فلان}.
    أمَّا أبو فلان هذا فمعه تصريح كوشرثي منذ المَثَل الذي يُجَرِّعِوُنَه من خلالِه الكرمَ وقيادةَ المرأةِ خادِمَتُهُ، وخادمةُ ضيوفِهِ، من قول الكوشرثيا {البِّعَزِم عاجباهو أم عِيَّاله، والبِّشْتَح عاجبو سِرْواله}، هو الكريم مع أنَّه يعزم فقط، ونيران {الصيجان، والدُّوَاك} لهذه الخادمة، التي وظيفتها هي أن تكون أداة من أدوات كرم الرجل. كلّما زادت مهارتها في تجميل وتزيين بيتها لضيوف ذكوريين ما، وبراعتها في صنع الطعام، وسرعتها الفائقة في ذلك، وكفاية طاقتها لإطعام {لوري} كامل من الضيوف، كلّما زادت أسهم الرجل في الكرم بالخارج ومناداته للضيوف كي يأكلوا ويشربوا. أو كما يُكَلِّمنا الليركس الذي يغنيه خلف الله حَمَد، عن كرم النعيم ود حَمَد:
    {يا الشَّرَّفَتَ القضاء
    ويا الحاكيت من مكوار بدأ
    خَدَّامتو القَعَّدَهَا
    هي بِتَدْرُش قالت قَضَى} فها هي خادمة له أو جارية، مُجَرَّد خادمة وكرمها لا يُعْتَدُّ به، وإنَّما هو معطوفٌ على كرم الذكر {سيّدها} عبدةً كانت أم زوجته، لا فَرْق. ومع كونها خادمة عنده فحسب، فالمعنى يقول، إن كانت خادمته {العِفِينَة} هذه، كَرِيمة لدرجة أن تقول الأكل جاهز "قضى"، كي لا يذهب الضيوف المُستعجلون للحاقِ أمرٍ، بينما هي تَدْرُش عيشها على {المرحاكة} تَوَّاً {يادوب} كي يصير دقيقًا مرحلة ما قبل العجين، وقبل النَّار. فما بالك إذن بكرم {النعيم يا} {فَحَل القبايل، كريم لَمَّام الهمايل. إيده أم رويق والقِبْلي شايل!؟}.
    فالكرم للمُذَكَّر، الفحل وحده، وكذلك الشَّبِحُ، التفاجُّ، أو التَّفَرْشُحُ، للرجال فقط. وأرجلهم فيه طليقة، لدرجة اختراع ماراثونات تفرشحية، تُعْرَضُ من خلالها السراويل، مهما تكن، أثناء ركوب الدواب، أو بلا دواب. {قُرْقَاب}، {سروال تِكَّة} حَتّى لو سراويل نوم فلا تثريب، ولا موانع مُطلقاً تحول دون المُذكَّر وحقه في الحريّة الوجوديّة الكاملة للجسد، بما فيها الرجلان، سوى جودة وجمال السروال المتمثلتين في المتانة والنظافة فقط.
    بل يضحك الأب، مبسوطاً، حينما يرى صغيره الصبي نائماً ومتكشِّفَاً خلال نومه فيقول {هيييع، الضَّكَر، أَعَدْلِيلو كرعيهو ديل}. أمَّا إن كانت صغيرته، هي المُتَكَشِّفَة، فيشيح بوجه مغموماً، كأولئك الذين وصفهم القرآن من قوله {وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى، ظل وجهه مسودَّاً وهو كظيم، يتوارى من القومِ، من سوء ما بُشِّر به! أيُمْسِكُهُ على هُونٍ، أم يَدُسُّه في التراب؟} ثم يولي الأب ظهره لصغيرته المتفرشحة في النوم، منصرفاً. وربما لا يخاطب أُمَّهَا، بخصوص ما رآه، إلا حينما يبلغ الباب، منادياً فيها دون أن يلتفت {أستري وليتك دي، أجبدي فوقها "فِرْكَة" وألا مصيبة زمان}. فهو لا يجتث صبيَّه ذلك من طفولته، لا، يدعه مستغرقاً فيها ويضحك بهجةً، ويطالب بعدل رجليه فحسب. أمَّا بنيّته فهو يجتثّها من عروق طفولتها، ويراها وليّة من ولاياه الناضجات منذ براءتها الغافية هذه. ولذا فهو يأمر لها بما هو أثقل من {الحجاب} بالنسبة للناضجات أنفسهن، أي بـ{الفِرْكَة} أو بـ{شَمْلَة}، قطعة خيش، أو بأي شيء آخر يمكن أن تَتَفَتَّقَ عنه تركيبة {مصيبة زمان} بما يئد، في الحقيقة، ولا يُغَطِّي فحسب. ولك أن تقول هنا بـ{الصخرة} بدلاً عن {الفِرْكَة}، صخرة الكوشرثيا الضارَّة، فما الأنثى في بلادنا بما ألقيناه عليها من تشويه وكَبْت، إلا "سيزيف" هذه الكوشرثيا الضارَّة. غَطُّوها بالصخرة، ولا مانع من {مصيبة زمان} على حدِّ قول الأب. فهذا هو الإرث المُتَحَدِّر من تلك الثقافة التي وصفتها الآية، وحَكَته عن صاحب ذلك الحزن الذي استقبل داهيةً و{مصيبةَ زمان} وليس مولوداً يُحَقِّق البشرى، والفرح.
    فإن كانت عصور ما قبل الإسلام تئد المرأة فعلياً بالدَّسِ في التراب {أيُمْسِكُهُ على هُونٍ، أم يَدُسُّه في التراب!؟}، فالكوشرثيا الضارَّة هذه، تَدُسُّ حُرِّيِّتَها الوجودية في لحد، وتئد منها روحها، وطلاقة عفويتها الإنسانية، وتُشَكِّلُهُا شبحاً لهلامٍ انخلق من خجل الذات، ومن خجل كُنهها ووجودها، طفلةً كانت أم ناضجةً.
    وأيضاً تُشَكِّلُهُا ككائن سَلْبِي، وغير مُبادر، غير مستكشف، فلو انحشرت كرةُ تلك الطفلة تحت {العنقريب} مثلاً، فلينحشر أخوها لجلب الكرة بدلاً عنها. وإلا لصَدَرَت عنها، في مُبادرة شخصية، حركة {السجود} من دون صلاة ولا وضوء. لتهجم عليها صيحاتهم من قفاها، الذي تحرسه بهذه التصورات ذئابٌ لا عشيرة، ذئاب ستعوي فيها بأصوات كثيرة {يا بت ما تَفِقْلي فوقنا}. فعليها دائماً إنْ تَجْلِسُ، تقفُ، تصعدُ، تنزلُ، تنامُ، تستلمُ أحلاماً، تدهمها كوابيس، مهما يكن، فلتكن رجلاها مضمومتين، لا يَبُدُّهُمَا منها ويفرشحهما إلا قضاء حاجتها. وليكن صلبها وردفاها وكاملُ منطقة حوضها، مَغْمُولين في كهف، لا يبرز منه شيءٌ مطلقاً، مهما كانت الأسباب والدَّوَاعي.
    {ما تَفِقْلِي فوقنا} والمِفْقَال من النَّخْلِ، ما تحاتَّ عليه من جريد، هذا في القواميس وحسب. أمَّا في الكوشرثيا مع التأويل، فالمِفْقَال من النِّسَاء، في هذا السياق، وبواقع كوشرثياهم تلك وقوانينها، تُصْبِحُ المِفْقَال من المرأة السودانية ما تَحَاتَّ عليها من ثياب، أو حياء. فهكذا تُقَادُ المرأةُ إلى بئر خجرٍ تنهض على حدود الخلل النَّفسي للإنسان، فتجدها تخجل من كل شيء، حتَّى من ذاتها ووجودها، تحسب وتُخَطِّطُ لكل حركةٍ وسَكَنَةٍ تصدر عنها. حَتَّى إن كانت نائمة، توقظها أمها مع صَفْعٍ ونَهْزٍ تموت منه أحلامُهُا {قومي يا بت.. متفلِّخة كدي، راجل إنتِ؟ أجمعي كرعيك}.
    هذا الإعداد الكوشرثي لها،مُخَطَّطٌ له ومستمر، منذ أي زمنٍ وُجِدت فيه، وعلى أي حالٍ، وفوق كل حركة وسَكَنَةٍ، فلا تكون هذه المرأة التي تُنجزها الكوشرثيا في نهاية الأمر، سوى "خجلة كبيرة" تسير على قدمين غير مفرشحتين.

    ----------
    (1*) {قال ابن عباس وعامة المفسرين: المعنى "على أن نسوي بنانه" أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخف البعير, أو كحافر الحمار, أو كظلف الخنزير, ولا يمكنه أن يعمل به شيئاً, ولكنا فرقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء. وكان الحسن يقول: جعل لك أصابع فأنت تبسطهن, وتقبض بهن , ولو شاء الله لجمعهن فلم تتق الأرض إلا بكفيك. وقيل: أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم, فكيف في صورته التي كان عليها; وهو كقوله تعالى: "وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون" [الواقعة : 60 - 61]}. تفسير القرطبي.
                  

05-03-2010, 04:52 PM

عبدالله ود البوش
<aعبدالله ود البوش
تاريخ التسجيل: 08-12-2009
مجموع المشاركات: 6700

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    حباب الفر وجاب
    حباب محسن خالد
    وحرم مابرجع ايدي فاضية
    هاك دا صرة وخيت
    بول واقف اماننا من الضراط
                  

05-03-2010, 04:55 PM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    ازيك يا محسن
    ما قلته هنا هو تقريباً ما اصطلح علي تعريفه بـ " التنميط الجندري "



    Quote: فالمرأة التي تنعدم حركتها نحو "السوق" و"الحفلات" وجميع أنواع المخالط الأخرى، فهي بهذا الحصر لنفسها، وحرمانها من هذا المدى في الحركة، تُنَفِّذ، في الواقع، برمجة تَمَّت لها منذ الصغر من خلال حصيلة كوشرثية للأفكار والرؤى التربوية.
    بعبارة أوجز أقول، غالبُ بيوتِ السودانيين تَمُدُّ المجتمعَ السوداني ببرمجيات خجولة اسمها المرأة، بدلاً عن امرأة حقيقية بانية للحضارة، وفاعلةً أصالةً عن نفسها، لكونها تعرف ما هي حُرِّيتها الوجوديَّة، عن وعي، وتعيش وَفْقَاً لهذا الوعي بالحريَّة الوجودية للبشري.
    والكائن البشري ليس مُعَرَّضاً لفقدان حريّته الوجودية هذه عَبْرَ "الغصبِ" وحده، وإنَّما "هو" أو "هي" قابلان لفقدان هذه الحريّة الوجودية لعامل "البرمجة" أيضاً. الكائن المُذَكَّر يُسْتَهْدَفُ بالبرمجةِ مِثْلُهُ ومِثْلُ الكائن المؤنَّث، من مجتمعنا الكوشرثي. ولكن هنالك نقطة تُمَثِّلُ فارقاً جوهرياً، يجعل من ذلك الكائن المُذكَّر لا يتلقَّى هذه البرمجة بذات الوطأة والرسوخ اللذين تتلقاهما بهما المرأة.

    استوقفتني عبارة ان الكائن المذكر لا يتلقى عملية التنميط او ما اسميته انت بالبرمجة بذات الوطأة التي تتلقاها بها المرأة
    سافكر في هذا الأمر وربما اعود

    هذه المداخلة علي سبيل التحية والمتابعة علي قول اخونا البرنس

    (عدل بواسطة الجندرية on 05-03-2010, 05:10 PM)

                  

05-04-2010, 01:23 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: الجندرية)

    حباب ود البوش
    ألفين مراحب، مشكور علي الطلّة والمثل
    كن بألف خير
                  

05-04-2010, 01:41 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    إزيك يا أماني، وشوقنا ليك مَرَق بغادي لمشتاقين
    عاملة شنو؟
    غايتو مداخلتك قريتها قبال التعديل، كان لي فيها نصيب لووول
    قبل ما تفكري في كلامي شَهِّليهو في تمامه:
    Quote: لا يتلقى "برمجة" بالحجم والنُّوع الذي تتلقاه المرأة، لدى هذه الجزئية تحديداً
    فالكلام محصور بهذه النقطة تحديداً. برمجة الرجل التانية جاييها، أمهليني بس.
    الرجل برمجتو تقتضي عليه الحوامة، بينما المرأة برمجتها تقتضي عليها لزوم البيت، دي ما فيها شيل وخَت. ودي بالنسبة لي فارق جوهري بين البرمجتين، لأنو فرصة الانفلات من "بعض" أو "كل" البرمجة ممنوحة للرجل، بالخروج، والتلاقح والتلادح مع العالم الخارجي، بينما المرأة لا.
    ياختي قالوا الصلوات ذاتها أحسن ليها تتركَّع وتتسجَّد في بيتها.
    وتاني مرحب بيك، والشوق خََفَسَ بي غَادي لمشتاقين.
    سلامي لصديقك في الله زوجك السعيد، وباقي الأسرة
    كوني بألف خير
                  

05-04-2010, 01:52 PM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    يا محسن
    عبارة " الشوق طرحة لفحتي وتوب مرقتي "
    بقت في خشمي زي الشهادة ؟
    الله كريم غايتو

    حاشهل الموضوع كلو في تمامه
    العجلة سودا ولودا
    وبعدها ربما اعود بمهل

    قت ليك : كلام الصلوات دا في النص بتاع الـ "رثيا " ما تبع الكوش
    هههههههه

    يصل سلامك لصاحبنا
    الايام دي غالباهو القعدة ولا كان موضوعك دا راق ليهو شديد

    محبتي
                  

05-04-2010, 10:42 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: الجندرية)

    عادل إليك في نقاط سريعة بعض المجابدات، هذا إن لم تكفِ استرسالاتي السابقة:
    ما تراه خللاً في نقاط سابقة، أراه نباهات إلى نقاط خافية:
    1- الخلل واحد في قولك لماذا هو دستور علماني!؟
    قولك حرفياً:
    {1- الحالة التي يصير فيها التعبير إلى عدوانٍ يهدم دستوراً علمانياً أنجزه مجموع عبر الترشيح والاتّفاق السلمي}.
    لأنَّه ببساطة، أي تركيب شِرَعٍ "دينية" أو "إثنية" أو حتى "ثقافية غير شاملة"، سيلغي الجدوى "المنطقية" و"الحجيّة" من أساسه، زول يقول ليك {أنا ود البطانة، صافي دهب الخزانة} وينطلق من فكرة "معدن" له مختلف عن غيره من معادن البشر، الذين هم بحساباته هذه يطلعون رملة ساكت، دا تقول ليه شنو!؟ وكيف تتفق معه على شروط مقبولة لحدود حرية التعبير!؟
    وآخر، يقول لك السماء قالت، ويصنقع لا فوق، ومن لم يحكم ... إلخ، كيف ستكمل معه الجدل هنا وتصيغه معه في اتفاق منطقي حول حرية التعبير!؟
    والاثنان أعلاه، يريان أن ثقافتهما كمجموع هي الأحق بالتعبير عنها دون غيرها، فالعيب ما قالت إنه عيب، وغير العيب ما تحدده هي. كيف نتفق مع هؤلاء ثقافياً إذاً، فيما يخص حرية التعبير، على نحوٍ شاملٍ؟
    (موقف الدكاتره الأجلاء من الأمثال السرية، تجسيد حي، في الذود عن ثقافة ولغة الأفندية أولاد وبنات شمال السودان، الذين يقسمون جموع السودان إلى راقين وغير راقين، كائنات شوارع، وكائنات بيوت، والمقبول وغير المقبول هو ما يُقْبَل أو لا يقبل في إعلام ذات هذا الشمال الطبقي الأفندي المتفلهم؟ شفت الدخول من عادم {Cul-de-oie} الورّاني مباشرة، بعد أبنص تقيل وكارب كيف!؟).

    2- الخلل اثنان في قولك
    {2- الحالة التي يكون فيها التعبير نسقاً فكريّاً يثبُت، عبر الأدلّة الجنائية، أنّه يعرّض حياة الآخرين للخطر}.
    ما عندك حل يا عادل من الحكاية هذه بتاتاً، وإلا سيصدق كلام الدكتور حسن موسى، في حكاية النيات تلك بخصوص الكتابة ووثوقيتها. وتتوسّع الحكاية إلى هنا، حيث المحاسبة القانونية بالنوايا أيضاً. هل تستطيع أن تحاكم الناس على بواطنهم ذات المعتقدات الخربة تلك؟ لا تستطيع مطلقاً. ولو الحكاية هكذا، يمكن لأي شِرْعَة ما في هذه الحياة أن تأخذك بالجريرة التي تشاء، وكيفما اتفق، وألا كيف؟
    ولك في قصة أبي حمزة، الإرهابي اللعين، هنا في بريطانيا، أكبر دليل وعبرة، هل هو ظالم أم مظلوم من منطلقات القانون البحتة؟ يا ريت والله أخونا محمّد النور كبر يجي نشوفو ونطايبو، ويكلمنا شوية في الحكاية دي.

    اقرأ انقلاب الغرب على القانون الحق والدغري بتاع حرية التعبير دا ذتو، وتبديله بعد سبتمبر:
    {ووصل ابو حمزة الى قاعة المحكمة امس عبر نفق تحت الارض يصل الى داخل السجن شديد الحراسة، الذي تحتجز فيه مجموعة من قادة الحركة الاصولية، من ابرزهم القيادي الاصولي الفلسطيني ابو قتادة الزعيم الروحي لـ«القاعدة» في اوروبا، بموجب قانون «الاحتجاز من دون ادلة» الصادر بعد هجمات سبتمبر (ايلول) 2001 بشهرين}.
    http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=172002&issueno=8940
    {قالت مصادر مقربة من الداخلية البريطانية ان مثول قضية الاسلاميين الـ13 أمام محكمة مجلس اللوردات قد يستغرق عدة شهور وليس عدة اسابيع. الى ذلك وصف اصوليون في لندن «قانون الاحتجاز دون أدلة» بـ«المعيب»، وقال الاسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز «المقريزي» للدراسات في لندن: «ان هذا القانون في الاساس موجه ضد الاصوليين لانه لم يعتقل اي احنبي بسببه حتى الان سوى مسلمين فقط». واضاف ان الحكومة تريد تخويف الاخرين من الدعاة وكافة أبناء التيار الاسلامي بعد انتقاد سياسات الحكومة البريطانية». وأشار السباعي المحامي المصري ان الحكومة خسرت نقطة ثمينة من وجهة النظر القانونية في احقية الـ13 في حق الاستئناف. وقال ان قانون «الاحتجاز دون أدلة» لا يعطي المحامين حق الاطلاع على كافة المستندات في القضية، مشيرا الى ان محكمة الهجرة لجأت في مدوالاتها الشهر الماضي الى الاستعانة لشهادة ضباط من المخابرات البريطانية، كانوا يدلون بشهاداتهم من وراء ستارة في المحكمة التي عقدت جلساتها على مقربة من شارع الصحافة «فليت ستريت» وسط لندن}.
    http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=187023&issueno=9024

    {وكان محامي أبو حمزة قد حث المحلفين على الحكم على موكله من خلال الادلة وليس ما كتب عنه في وسائل الاعلام المختلفة}.
    http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4629000/4629748.stm
    شوف كلام الدكتور حسن بتاع النيات هنا بصمتو:
    {وتقول السلطات البريطانية ان ابو قتادة المحتجز في سجن بيل مارش بجنوب شرقي لندن تحت حراسة مشددة للاشتباه في علاقته بـ«القاعدة» كان: «مصدر الهام في عمليات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة»}.
    مصدر إلهام؟ يعني هسع لو الجماعة ديل دقوا بابي وقالوا لي إنت ذاتك مصدر إلهام للقاعدة، أقول ليهم شنو؟ والله العظيم ما (مصدر إلهام)!؟
    وألا بقول ليهم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ هم ما يجيبوا برهان واحد، وإنت تجيب برهانك، يمنعوا المحامي بتاعك يشوفه!؟ يعني يا عادل أخوي الظلم والانقلاب على الجمهورية دا كيفنو؟ والشهود ضباط مخابرات!؟
    هل عُكْشِب أبو حمزة بعملٍ من المخابرات؟ أم بعملٍ من أسكوتلاند يارد والجنايات؟ تعال وأجب نفسك بنفسك، وأنا معك في ما تخرج به من حكمة! إيه رأيك؟
    الحساب بالنيات دا، ياهو دا ذاتو الاسمو الفوضى يا عادل أخوي. لو الشرطة مشتبهة في الزول دا، تحرسو وتبراهو زي ضله لحدي ما تجيب أدلة حقيقية غير ملفّقة تعرضها أمام القاضي، دا البفهمو أنا. ياخي المناضلين اليساريين بتاعين إيرلندا، ديل مسلمين وألا إرهابيين؟ برضو بخموا فيهم بتهم الإرهاب الملفقة بالشاكلة دي، وحسابات البواطن والنوايا.
    رجال القانون ونساؤه الجد يا عادل، وآباؤه وأمهاته في الأكاديميات، وساحات القضاء، بقولوا إنو الحضارة الغربية انتهت عديييل، بإنتاج الأمريكان لقانون اللاقانون دا. والبمنعن شنو، بكرة يدخلوا السياسيين المنافسين ليهم والخصوم إلى السجون بذات قانون اللاقانون دا؟ دا ما ياهو ذاتو درب الانقلاب على الجمهورية الأثينية القانونية والعودة لإنو القيصر يشوف للناس بدلاً عن شوفهم الجماعي، بتاع الصناديق دا. الحكاية مش أبو حمزة، أبو حمزة يقنجر، الحكاية أعمق وأكبر. قانون يعني قانون، دليل يعني دليل، بلا فرز، أبو حمزة وألا الجن الأحمر.
    كلامك عن إنَّك تقف مع بولا في ما أتى به من فروع الفلسفة المختلفة "الحقيقة ليست بالكثرة" ليلزقه جزافاً في مقام التصويت، نخليهو بدون تعليق. حكمتو بالغة.

    ----------------------------------
    3 – تقول:
    {وقد أعود للاسهاب إن هيأ الله لنا أن نتفاكر في أمر الكوشرثيا لاسيّما إن ارتبط ذلك بنقاشنا المعلّق بكتاب "ليريكس مصطفى" حول موضوع رؤيوية ولا رؤيوية الليريكس وثباتها وتحوّلها مع حركة التاريخ لكنّني أقدّم في ذلك قدحي وإن كان فطيراً فنموذج العطبراوي الذي تناولت بالتحليل يدعم وجهة نظري حيث إنّني أجدُ العطبراوي ابن بيئته (قول يا زول إن أفق الرجل محدود بأبعاد هذه البيئة) فأناشيده الوطنية تتميز بمباشرتها دون أي رمزية}.

    العطبراوي ابن بيئته؟ أم ابن سياسة ومصالح جماعته الدينية والعرقية!؟
    يا عادل وود عبد الجليل، ياشباب أنا مشغول جداً، ما فاضي أرد عليكما بغير ردي بتاع "المؤامرة بمفهومها الحضاري" الفووق داك، والكلام يشمل أخانا محمّد عبد الجليل أيضاً. دي نظام شماتة غير حريفة منّي، لووول
    ولأنِّي مشغول ورديت رد حضاري، أخَلِّي العطبراوي "بنفسه" يرد عليكما برد سياسي "السياسة الما دايرنها دي" فلما أقول الشارع دا ياهو شارع دولة الكيزان والله ما أخطأتُ في ذلك ولو بقطمير، ولنسمع للعطبرواي في تولاه، وهو يرد عليكما برد سياسي للمؤامرة:





    جيشنا حارسنا المُفَدَّى
    قوَّة الردع الأمينة
    ديمة صامد وعضمه عابد
    والأسود تحرس عرينها
    لا بيساوم، لا بيهادن
    نحن ليه وهو لينا
    يلا نسرع يا مواطن
    ندعم أركانه ونعينها
    **

    القروش ما بتسوى حاجة
    لبطل قدم حياته
    خَلَّى أطفاله ودياره
    وخَلَّى كل عزيز وُفَاتَه
    في الجنوب واقف مِشَمِّر
    ناسي نفسه وناسي ذاته
    حرروه من "الخوارج"
    و"الخوارج" هربوا فاتوا
    **

    نحن "أمة"!؟ وفيّة حُرَّة
    دينَّا بالأرواح نسدّوا
    شعبنا الواعي "المُوَحِّد"
    والمَوَحَّد مافي مثله
    نحن جيشنا وكت يزمجر
    يبقى بركان عاتي مَدُّه
    والدفاع الشعبي بنيان {لوووولب، يا عملات دينا خالد}.
    مافي شيء تاني بيهدّه
    **
    {الشهيد اللاقى ربّه
    بالجهاد قَدَّم دليله}
    أدَّى للسودان ضريبته
    وقَدَّم الروح في سبيله
    والمرابط لِسَّ صامد
    يحمي أرضه ويحمي نيله
    يلا نسرع يا مواطن
    جُوَّه في الأعماق نشيله



    وقالت العرب، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.
    تقدروا تتكلموا تاني؟ وين ها؟ دي نهاية درب تصورات العطبراوي، المنطقية، الحتمية، ولا جدال حول ذلك. أو هاكم ليها بالثابتة من خشمو براهو، بدل نقعد نتغالط.
    يعني كيف زول يغني حياته كلها لدولة عربية إسلامية بتاعة جهاد، يُكتب له حسن الخاتمة الأركمانية أو السودانية؟ والله ياهو!

    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-09-2010, 12:47 PM)

                  

05-04-2010, 11:29 PM

أمين محمد سليمان
<aأمين محمد سليمان
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 8437

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    ياخي ده بوست عجيب !!!
                  

05-05-2010, 01:20 AM

محمد زكريا
<aمحمد زكريا
تاريخ التسجيل: 09-01-2009
مجموع المشاركات: 4909

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: أمين محمد سليمان)

    تسجيل حضور.........متابعه.........نشاقي العين بقرايه الدقاقه.........وتحلف تساهر لامن تتمها
    ومن بعد تعب التمتع.......والسهر..........نخلص هنا.........نغمض العين.........ونقول يا سلام.........وتسلم يازول


    ====
    تحياتي
                  

05-05-2010, 11:18 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد زكريا)

    سلام يا محسن،

    حاولت جهد ايماني أن يكون التوضيح في أدناه متماسكاً لكنّني أطمع في أن يقوم رفيقي محمّد عبد الجليل بسدِّ ما قد يوجد في ما يليه منه من ثغرات.

    الخلل الذي أراه في انتقاء "دستور علماني" كأساس لاستثناء حرية التعبير من السقف المفتوح ينبع من أنّني أرى أنّ "الدستور العلماني"، على الأقل في بلادنا، يبقى تركيباً (وأستأذنك في استخدام عبارتك) لشرع ثقافي غير شامل وإن أُنجز عبر الترشيح والاتّفاق السلمي (أي، الحقيقة ليست بالكثرة). وبالتالي فإنّه "سيلغي الجدوى "المنطقية" و"الحجيّة" من أساسه" على حدّ قولك. يمكننا، أنا وأنت وغيرنا، أن ندعو لاعتماد دستور علماني ما شاء الله (شُفتَ كيف) لنا لكنّ ذلك لا يخوّل لنا أن نعتمد تعريفاً يمنح حريّةً مفتوحةً للتعبير تُسنسَرُ فقط حين سعيها لهدم هذا الدستور العلماني ويُترك لها الحبل على الغارب فتلعن سنسفيل أي دستور غير علماني وإن أُنجز عبر الترشيح والاتّفاق السلمي وهذا هو عصب التطفيف الذي رأيت. حكمة الله، بل هو رأيي يا محسن؛ أنّ فتح سقف حريّة التعبير، بحيث يسعى ذلك التعبير لهدم أي دستور غير علماني وإن أُنجز عبر الترشيح والاتّفاق السلمي، يحمل بداخله بذرة الهدم لدستورٍ علمانيٍ أشمل وذلك إن اعتبرنا أنّ الديمقراطية (على ما قد يكون بها من علاّت) هي أحد مواد الدستور العلماني (قول، يا زول، "الكوني").

    يا محسن أنا لا أدعو لأخذ الناس بالنوايا أو الشبهات. لكنّ الخلل الثاني الذي أراه في تعريفك يكمن في أنّه يمنح رخصة لأهل الانتباهة، مثلاً، لأن يواصلوا دعوتهم الحاليّة وبسقفٍ لحريّة التعبير مفتوح إلى أن يقيّض الله لهم من يثبت أنّ دعوتهم هذه تعرّض حياة الآخرين للخطر. أرجو أن تصحّحني إن أنا أسأت فهم قولك وإلاّ فإنّني أجده قولاً غريباً على الأقل من باب أنّك تحجب الآن جائزة "حسن الخاتمة الأركمانية أو السودانية" عن العطبراوي المات وشِبِع موت دا بدعوى أناشيد أنشدها (ما معروف ظروف إنشادها ذاتو شنو بالضبط)، فيما تمنح الانتباهة شيكاً على بياض تكتب فيهو الآن، ويومي على الله بالمناسبة، "العب" منو و"السيد" منو والكافر منو والقاتل منو وتوزّع منو آلاف النسخ لكنّك توجب علينا أن ننتظر، بدعوى حريّة التعبير، إلى أن يقوم واحد يسلّ ليهو سكّين يطعن عرمان وألاّ باقان وتجي المحكمة تثبت، عبر الأدلّة الجنائية (من غير لبس يعني)، إنّو الموت الحصل دا تسبّبت فيهو الانتباهة.

    يا محسن ما الحكمة البالغة (قول، يا زول، الساخرة) التي وجدتها في حديثي عن مقولة "الحقيقة ليست بالكثرة" وفيم عدم التعليق! أقوم عليك هسّع أجيب ليك المثل السرّي بتاع "الراجل نـ..."؛ لا بالجد، أنا استثنيت التخريجات الفلسفية لمفهوم الحقيقة كما ونظرت للمقولة خارج سياق نزاعك مع الفورلاب بل وقلت بكلّ وضوح أنّني أنظر فيها ضمن اطار أوسع (مقام التصويت والديمقراطية) وأحسب أنّني ما احتجت لأن أثبت أنّ الكثرة التي منحت عمر البشير كيس الشرعيّة الساكّيهو دا لا تُغني عن حقيقة رفض السودانيين لمجمل "الانقاذ" شيئاً. كما وأحسب أنّني قد أثبتُّ أنّ الكثرة (قول يا زول، الكاذبة)، التي تكدّ الآن للتأسيس لحقيقة أنّنا على أعتاب أن يعيش السودانيّون في بلدين منفصلين؛ لا تنفي حقيقة رغبتنا (قول يا زول أنا وإنت دا) في أن يعيش السودانيّون في بلدٍ موحّد. ثمّ شِنْ قولك في حديث حسبو عن (الحقيقة في أعمال) الكثرة الجماهيرية.

    يا محسن أنا ما زلت عند رأيي، ليس بداعي المغالطة بالطبع، أنّني لا أعتقد أنّه من العدل أن ندمغ "مجمل ما أدّاه العطبراوي" بـ"دنس" المشاركة في مسئوليةٍ عن التأسيس لوطنٍ مستورد بمجرّد تأويل المآثر التي يتغنّى بها تقديراً لوطنه إلى "المآثر التي تحقّقها التقوى الاسلاميّة ومفاهيم الجهاد والاستشهاد" اللهم إلا عبر منهجٍ بشاشوي يؤمن ببعض الكوشرثيا ويكفر ببعض. أدعم قولي هذا بالسؤال: أيّ بعير دلّت عليه بعرة وردي وهو يغنّي لنظام، بما فيه من جيوش، "يا حارسنا...الخ" لاسيّما وقد ثبتت مسئولية هذا النظام عمّا آل إليه الحال من جنس نشيد العطبراوي الذي أوردت! وهل ما زال وردي يستحق جائزة "حسن الخاتمة الأركمانية أو السودانية" أم إنّها حجبت عنه جرّاء ذلك! مغزى حديثي هذا أنّه توجد حوافز، يا محسن، لمثل هذه الخرمجة. بعض هذه الحوافز (لاسيّما عند الرؤيويين من المغنّين) أيديولوجي لكنّها تبقى حوافز آنيّة وربّما ذات أثر محدود في مقابل عملٍ مؤسّس وحدةً واحدةً كـ"اعلام الدولة الدينية"، مثلاً، والذي سمعت أنّ بحثاً قدّمته زميلتنا بالمنبر ندى علي لنيل درجة الماجستير قد تناوله بموضوعيّة فائقة.

    أنا أحيي بيانك المجيد حول المؤامرة بمفهومها الحضاري وإن ما زلتُ أتفكّر فيه لكنّني لست مقتنعاً بعد بانطباقه، قميص عامر كِدا، على حالاتٍ فرديّة وربّما منتقاة مثل أناشيد العطبراوي أو حتى عمايل "الجهدية" اللاحقة أو السابقة. ولقد وددت (قاتل الله التسرّع، تسرّعي أنا طبعاً) لو أنّك وضعت هذا البيان في صورة أوسع ممّا تناولت فالنزاع في بلادنا ليس (ولم يكن ولن يكون) من طرف واحد ولكلّ المجموعات المتنازعة رؤاها التي تعبّر عنها، بمختلف الفنون، بالمآثر وربّما الكليشيهات المتوفّرة لها حين الزمان وعند المكان أو تلك المتوافقة مع الأيديولوجيا المقبولة لها أو المفروضة عليها قسراً...هلا نظرت، في ذلك، في أناشيد أو أغاني أو حتى "جلالات" اخواننا الذين أسماهم نشيد العطبراوي "الخوارج"...أو الآثار الباقية والمندثرة لمليشيات "الدفاع الشعبي" المبعثرة بطول وعرض بلادنا منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا!

    فتّك بي عافية وبالوافر من التقدير والاحترام.
                  

05-05-2010, 01:42 PM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 3428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    Quote: الكوشرثيا ستنقص كثيراً لو انفصل الجنوب،


    وما أدراك أيها الرفيق محسن أنها لن تزيد

    فالانفصال الجغرافي قد لا يستطيع منع الثقافات من تواصلها وتمددها وتعددها

    المهم أن تزيد هذه (أمثالك هذه) عمقاً في مجتمعها وترتقى بأذواق أهلها







    **
    أشواقنا بحر يا ود خالد .
    الظاهر أنو أمة (محي الدين) كلها بتسلم عليك .
    ومنتظرين جيتك زي نسايم الدغش في صيف البرسيم .
                  

05-05-2010, 02:16 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: Adil Al Badawi)

    Quote: أقوم عليك هسّع أجيب ليك المثل السرّي بتاع "الراجل نـ..."؛ لا بالجد،

    لووووول :D ، والله أمتعتني يا عادل، ياخي أصلاً الضحكة خانقاني من حكاية الجماعة المشرِّكين ديلك، وما لاقي فرقة أقولك الحكوة عجبتني.
    قلتلكم الأمثال دي بتنفع، وأخونا عمران فوق قال اتفشوا تصِحِّوا. في نوع عواطف كدا، يخيّل لي لا يمكن يجي طالع من البني آدم إلا في شكل مثل سري، وألا مُو يَا؟
    بس يا عادل أخوي كلامك عن الانتباهة ما عجبني، الانتباهة لو وَقَفَت على حكاية فصل الجنوب فدا رأي، ما بتقدر تمنعوا، وبرضو ما بتقدر تمنع الجنوبيين العايزين انفصال. لو جابت كلام عنصري يتشالبها القضاء طوالي. بصراحة يا عادل كلامك هنا ما لفق معاي. واستشهادك بحسبو، غريب مرة واحدة، حسبو يا أخوي ما كان بتكلم عن تصويت ولا عن ديموقراطية، ولا بقدر، حسبو كان بنضم عن المواضيع الحقيقية التي يليق بها ويناسبها مقالة (الحقيقة ليست بالكثرة) من جهات معرفية فلسفية تانية، ما عندها علاقة بالحقوق والتصويت. المَتَاوَتَة ما كويسة يا عادل أخوي، يضحك نهارك
    بعدين العطبراوي دا يعني إنت عشان يبقى الدور بتاعو دور قنيط ساكت دايرو يعمل شنو؟ بعد الدفاع الشعبي دا، والله تاني إلا كان يحشي الشرايط بتاعتو بمتفجرات.
    فأنا ما اتكلمت عن حقوق تعبيرو من عدمها، أبداً يا عادل ما إنت الزول الإمكانياتو يجادل بالطريقة دي، أنا كنت بنزع فيهو من برواز أيقونة وطنية كبيييير بتاع أنا سودااااااااااني أنااااا
    فيا عطبرواي بسم الله، إنت في شغلتك دي لا سوداني ولا حاجة، عروبي إسلامي جَهَدي وبس.
    والكلام دا لازم يصلّح عشان تنزل الكوشرثيا النافعة إلى الأرض بما ينفع الناس كلللهم، ويبقوا سودانيين بالجد، مش بالكضب زي غناء العطبرواي دا.
    لم أتحدث عن تعبيرو وألا ما تعبيرو، عشان تختو يا عادل في مقارنة مع الانتباهة!؟
    بل جريت ليهو البنبر القدرو، ونزلتو من منبر الفنان الوطني السوداني، النادر، الخطير، المش عارف إيه... بينما هو فنان إسلامي عروبي جَهَدَي ساكت، فما تهج من دنادر العطبراوي بجنس هادي الركوبة آعادل.

    هسع أخوك في بريك، لنش تايم، باكل وقلت أونسك بيد واحدة، عجبني المثل الخَنَقَك دا. وأضحكني
                  

05-05-2010, 07:32 PM

محمد حسبو
<aمحمد حسبو
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 365

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)


    عزيزي مُحسِن

    ما حدث لنا و آخرين مع إدارة موقع سودانفورأول، هو من وجهة نظري تعبير عن وجه من أوجه صراع يتجدّد على خط تماسٍ عريض داخل المعسكر الديمقراطي بين درجتين من درجات تطوّر هذا المعسكر، أو قل من درجات تطوّر مفهوم هذا المعسكر للديموقراطيّة و لحدودها، فحسن موسى و نجاة يمثّلان (إلى جانب آخرين) درجة يمكنني وصفها بالتقليديّة رغم أنّ هذا قد يبدو مفارقاً لبديهة الكثيرين، هم في ذلك جزء من تقليد ديمقراطي قائم على الأسس المحافظة، تقليد شكّلته نخبة تعي ذاتها كطليعة للجماعة المستعربة المسلمة السودانيّة، و ديمقراطية هذه النخبة هي ديمقراطية سياسيّة إن صح التعبير و على أحسن تقدير، و لا تذهب في المفهوم الديمقراطي لأعمق من مستواه السياسي إن في الاجتماع أو الاقتصاد إلّا "شوارد" هنا أو هناك، بل إنّ هذه النسخة المحافظة من الديمقراطية لا تقبل و لا تتسامح مع ما يخرج عن هذه التقاليد التي انتخبتهم (أي جعلت منهم نخبة لها)، انظر إلى موقف ممثلي هذه "الديمقراطية التقاليدية" النظاميين (قادة الأحزاب السياسية) و انظر تخلّفهم عما يحدث الآن في عدد من الجبهات لتوسيع قميص الديموقراطية تجد الناس تسبقهم في عدة مشاهد، و اسمح لي أن أعدد لك ثلاثة مشاهد منها أراها جامعة و موصولة السياق بشقاقات سودانفورأول، و اسمح لي أن أسهب في البيان:

    - المشهد الأول مسرحه مسألة تحرير المرأة من التصوّر التقليدي لدورها أو ما يعرف بقضيّة المرأة، تجد الديمقراطية التقاليدية هذه تنشد تثبيت حقوق معيّنة للمرأة، حق العمل و التعليم و المشاركة السياسية و الاختيار في الزواج الخ هذه الحقوق "المؤدّبة" بأدب سيصبح اسمه أدب العمل العام، هذه حقوق أساسية و هامة دون شك، لكن هذه الديمقراطية التقاليدية خيالها مقصورٌ كفيف، لم يستطع أن يرى ما سيتخلّق جرّاء تثبيت هذه الحقوق و ممارستها واقعاً من مطالب جديدة أرقى، فالمرأة أدركت أنّ هذه الحقوق على أهميتها لا تحقق لها الاعتبار الذاتي المنشود، فرغم ما أنجزته على تلك الصعد لكن ما يزال عليها التقيّد بالدور المرسوم لها في لب نظام القيم، أي بوصفها موضوعاً للشرف، و أيّ محاولة تقوم بها المرأة لتجاوز هذا التنميط تُجابه باشمئزاز المؤسسات الديمقراطية التقاليدية و تنصّلها، لذا فالصورة المقبولة للمرأة "المناضلة" في ذهن هذه الديمقراطية التقليدية لها نمط وحيد مؤدّب بأدبٍ حدوده المطالبة بهذه الحقوق و لكن في إطار المجتمع الذكوري إن فحصت جدوى هذا الأدب عميقاً. لا تستطيع الديمقراطية التقاليدية أن تتجاسر للدفاع عن حق المرأة في اختيار حياتها الجنسية و العاطفية أو عاداتها الشخصية على سبيل المثال، و لو تذكر فحوى الخلافات وسط قيادات الحركة النسوية السودانية و بالذات في لندن بين ممثلات الديمقراطية التقاليدية و هن جماعة فاطمة أحمد إبراهيم و بين الأخريات، تلك الخلافات التي كان أحد وجوهها هو الاختلاف في تعريف حدود و مفهوم حريّة المرأة و مسؤليتها، و فيه خلصت فاطمة ممثلة الديمقراطية النظامية/ التقاليدية إلى أنّ قضية المرأة يتم مسخها و حصرها في تبرير "الانحلال" و شرب السجائر و تعاطي الخمور، و هو خطاب أخلاقي يستثمر في القيم التقليديّة بطبيعة الحال، و لكنّه لا يستند قط إلى القيم الديموقراطيّة في معناها الذي يتجاوز أسوار التقليد، لأنّ من حق الناس تجاوز هذه القيم التقليدية بموجب الديموقراطية ذاتها إن شاءوا. و تستطيع نوعاً ما أن تدرج الموقف من تلك الأمثال في هذا الإطار بالمناسبة خصوصاً ما عبّر عنه بعض ممثلي هذه التقاليديّة من شاكلة ما تفضلت أنت بإيراده هنا من حديث الدكتور بشرى الفاضل، الذي –بشرى- اعتبر القدرة على قراءة مثل هذه الأمثال للأم و الأخت معياراً لملائمتها، و ليس خافياً أنّ هذا المعيار يستبطن قناعة و فرضيّة أنّ الأم و الأخت (المرأة) هي موضوع الشرف و هي مما يجب حماية حيائِه من الخدوش، و هي طبعاً تخريجة من تخريجات وصف النساء بالقوارير التي ينبغي الترفق بها و حمايتها لقابليتها للكسر، و إذا كان دكتور بشرى الفاضل قد عبّر عن هذا صراحة فإن حسن موسى و نجاة كانا أكثر نباهة منه، و لا أقول كانا أكثر ذكاء فالذكاء كان سيعصمهما من مثل هذه السقطة، و لكنّهما انتبها للتناقض بين الموقف الرافض للأمثال و ما يحملان من أفكار بأي معنى كان اعتراضهما عليها، حيث أنّ الموقف الرافض للأمثال -"لبذائتها" مثلا- يتضمن تعريفا للبذاءة صادر في النهاية من فئات اجتماعية معينة مهما بلغ سلطانها على المجتمع، و قلنا –و القول للماركسيين- إنّ اللغة هي أيضاً أداة هيمنة اجتماعية تستخدمها فئات مسيطرة لتسييج نظامها القيمي عمّن هم أدنى منها في التراتب، كما و تلزم أفرادها بالتقيّد بهذه اللّغة "المقبولة" كي تكون علامة اجتماعية تميزها كفئة و تحفظ فيها جينات تفوقها، تاركة أنسقة لغوية أخرى لتكون علامات اجتماعية لفئات أخرى مثل لغة الشوارع و تصفها بالبذاءة بحسب نظام قيمها، ما يحيرني أنّ هذا هو ما تقوله الماركسيّة بشأن اللغة و وظيفتها الطبقية بينما تجد المتمركسين السودانيين منساقين و مدافعين شرسين عن تكريس استخدام اللغة كأداة لحفظ التمايز الطبقي و الاجتماعي، و كان هذا أيضاً سبب تساؤلنا عن "من" هو المجتمع في تلك الأيام التي طفحت فيها فرعونية الصفوة و كثر الحديث عن "لغة الشوارعية" بوصفها شيئاً مرفوضاً تجب محاربته و نفيه، و هذا نفي لبعض المجتمع لا يليق بمن كانت رسالته صيانة التعدد و التعبير بل و التصدي لعلاج الظواهر الاجتماعية الموجودة لا التأفف منها و عزلها، هو نفي أكاديمي انطوانيتي يتجاهل كون الشوارعية ليست ظاهرة لغويّة بل هي وجود و مسكن اجتماعي أثاثه أناس أفرزهم تقسيم الثروة في المجتمع و أفرزهم العرف الاجتماعي و أفرزتهم أشياء أخرى تجدر مخاطبتها هي بالحلول إن كنا نريد اختفاء لغة الشوارعية من مجتمعنا بالحق. هذا إن قبلنا حجّة البذاءة و حاكمناهم فيها فكرياً و سياسيّاً، أمّا الحجة الأخرى المتمثلة في إهانة المرأة و الجكس النضيف، فهي حجة واهية لم ينفقوا على فحصها من وقتهم الكثير، فحتى لو سلّمنا بها لكان عليهم الحوار حولها مادام من بدرت منه هذه الإهانات يستخدم القلم و يقبل الحوار و أنا تمنيت عليهم مراراً ألّا يحظروا التعابير العنصريّة بمرسوم، و لا أريد أن أقول مرّة أخرى إنّ القول بإهانة هذه الأمثال للمرأة هو موقف مبني على مفهوم خاص لكرامة المرأة مثلما أنّ الموقف الآخر الذي قد لا يرى في هذه الأمثال إهانة للمرأة مبني على مفهوم آخر لذات هذه الكرامة، و أنت تعلم أنّ كل فريق يرى في نظرته للمرأة تكريماً لها، فمن الأجدى الحوار بين هذه المفاهيم لأنّ اعتبار مفهومك الخاص مطلقا و نهائياً هو نفسه موقف شمولي لا يستدعي فرص الحوار بين أقسام المجتمع. و يحضرني أمر طريف و له علاقة بما نقول، و فيه أيضاً غمز للإخوة الشيوعيين كونهم من بادر إلى جعل الحركة النسوية مؤسسة لها "تقاليد" و منظّمات، و بالتالي كان لهم في نظم قيمها يد سابقة، فالشيوعيين السودانيين "النظاميين" يا أخي هم على خلاف ما يُشاع عنهم من تطلّع لإباحة الجنس و "شيوع النساء"، هم في حقيقتهم قوم محافظون و أشد رجعية في هذه القضية من كل فصائل اليسار و الليبراليين و ربّما الناس جميعاً، فعلى نقيض الأفق النظري البعيد الذي رسمه كارل ماركس و إنجلز بهدف إعادة صياغة العلاقة بين الرجل و المرأة على أسس جديدة ليتشاركا النضال لإلغاء التملّك الرأسمالي و الأشكال القديمة لتقسيم العمل وصولاً إلى بعث النموذج الجديد للمرأة الحرة التي لا تقيّدها علاقة الخضوع الاقتصادي للرجل و لا تقيّدها قوانين "أخلاقيات" الجنس البالية، على غير أسس ذلك الأفق الماركسي البعيد و المنسجم مع نظريّة الشيوعيّة، فإن الشيوعيين أحزابا و أفراد إلّا من أبى قد تربّوا على طارئٍ كان قد غرسته فيهم قيادة الحزب المتزمِّتة منذ أيام لينين، الذي نفى عن الشيوعية دعوتها للعلاقات الحرّة بل و نسب هذه الدعوة للبرجوازية، فأعيدت تربية النساء الشيوعيات على مفهوم "للعفّة" ينفِّر من الاستسلام للغرائز الجنسيّة "و يصفها كثيراً بالابتذال"، و هم في ذلك تأثّروا عكسيّاً بما يحدث في الغرب الرأسمالي حسب رأيهم من "تحلل" و تسليع للمرأة، إذ أنّ الغرب في النظر الشيوعي يمتهن المرأة و يتعامل معها كجسد يتم بيعه و شراؤه و عرضه و استخدامه في الترويج، بذلك تمّت تجزئة مفهوم تحرير المرأة و انحرف عن مسعاه الماركسي الأول و اكتفت التربية الشيوعية بالحقوق الأساسية السالفة و بتنفير المرأة بالذات من أن تكون مادة للشهوات، و تطوّر الأمر لتنفيرها من أن تضيع وقتها في الاهتمام بالعناية بالجسد كون هذه العناية دليل سطحيّة و دليل على استسلامها للدور التقليدي الذي لا يتجاوز كونها شهوة للرجل و موضوعا لرغباته الجنسيّة، و هذا موضوع شائك متشابك يستحق التأني لفرز عناصر المغالاة و التغريب فيه. فكان أن نشبت لدينا بأثر هذه التربية الشيوعية حركة نسوية مزجت بين هذا المفهوم للعفّة و بين المفهوم المحلي التقليدي لها فما زادت على أن مزجت ماء النهر بماء المطر، و علاقة كل هذا الاستطراد الطويل بموضوعنا هو محاولة تفسير ردّات الفعل "العنيفة" من رائدات الحركة النسوية لدينا (و أكثرهن خريجات هذه التربية الشيوعية بطريقة أو بأخرى) تجاه كل ما يتعامل مع المرأة في جسدها و إرجاع هذه الردّات إلى جذورها التربوية و النفسيّة، و قد طغت جهالتهن هذه حتى أردن إلغاء حقيقة أنّ الرجل و المرأة هما أيضاً و في مستوىً ما هما الذكر و الأنثى البيولوجيين، و إذا كانت علاقة الرجل و المرأة تشمل في معناها البعد اجتماعي و هي محل المطالبة بمساواة الفرص، فإنّ علاقة الذكر و الأنثى هي البعد البيولوجي (الحيواني) و التكاثري لهذه العلاقة و في مستواها (الحيواني هذا) يكون التمايز بين الجنسين، و لا ينبغي أن يُلغى هذا التمايز أو أن تُعتبر الإشارة إليه إهانة تثير غضب الناشطات. قبل فترة قرأت مقالة للدكتورة ناهد محمّد الحسن تحمل فيها على الصحفي هاشم كرّار الذي أجزل الغزل -و ليته أفاض- في نموذج جسد المغنية و الممثلة جينفر لوبيز، فاجأني انتفاض ناهد و وصفها حديثه "بالانصرافي" و تستطيع ناهد كونها طبيبة نفس أن تجد تفسيراً أفضل مني لنوعية رد فعلها ذاك، و هاشم كان قد ذهب إلى أنّ جسد جينفر هو ما يجب أن يكون عليه الحال أو مثل ذلك، و هو أمر لا إساءة فيه فيما أرى بل تعبير عن ذوق جمالي معيّن متصل بالعلاقة في المستوى ذكر - أنثى، مستوى السرير، و هنا لا غضاضة في أن يعبّر الذوق الجنسي عن متطلباته من الجانبين، و غاية ما يجوز لناهد و زميلاتها إن ساءتهن ذائقة ما أن يحاكمن هذه الذائقة في مدخلاتها الاجتماعية (خصوصاً تلك التي تتفرع عن نظام القوارير)، لكن أن تدمغ رائدات حركتنا النسوية الحديث عن جسد الأنثى بأنّه انصرافية و أنّه جريمة و إهانة لهن فهذه مكابرة و فيها تشويه لوعيهن بذواتهن كإناث، و في هذا المعنى أنا أرى أنّ رد الفعل على تلك الأمثال التي تعبر عن وعي ذكوري هو رد فعل واقع في هذين الخطأين، خطأ التربية التي تشوّه علاقة المرأة بجسدها و أنوثتها و هي تربية تشيع وسط حركتنا النسويّة الرسميّة، و خطأ توجيه رد الفعل إلى المخرجات لا إلى مقدّماتها، هذا و ليتك تبحث لنا ما كانت عليه ذائقة الكوشيين في هذا الباب أيضا..


    - كان هذا مشهد الموقف من المرأة في واعية الديموقراطية التقليدية، و سمّها أيضا الحداثوية التقليدية إن شئت، المشهد الثاني الذي نلمس فيه تأخّر و محافظة هذه الديموقراطية التقليدية، هي قضية تكريس حق الاعتقاد، فالديموقراطية التقاليدية مرّة أخرى حدودها ضيّقة و لا تناوئ ما قرّره المجتمع مسبقاً خطوطاً حمراء، و إنّي لاستحضر تقرير محمّد إبراهيم نقد (الذي برّر له حسن موسى) بخلو الحزب الشيوعي من الملحدين بل و استحضر التاريخ الطويل لنفي "تهمة" الإلحاد عن الحزب الشيوعي و صوت الحزب الشيوعي الخافت في الدفاع عن حق الإلحاد و استحضر كذلك انصياع الحزب للهمجيّة الفالتة في إدانة الإلحاد وتبرؤه منه، هذه التصورات لدى الديمقراطية التقليدية لم تؤسس لعصف ديمقراطي حقيقي للأساس الاجتماعي المتعدي و الشمولي في مضمونه، و قد ساهمت التقاليدية بتقصيرها هذا في تمرير الإدعاءات عن المجتمع المتجانس ذي المشتركات الثقافية (المفروضة)، المجتمع ذي الحدود المرعيّة. انظر إلى هذا الموقف من جانب الديمقراطية التقاليدية و قارنه بالحراك الجرئ الذي باتت تعبِّر عنه أصوات هنا و هناك لغرس قيمة حق الاعتقاد بمعناها المُر في واعية مجتمعنا، و قد كنتُ أرقب تجربة أخينا شهاب كرّار فأتبيّن كيف أنّ الناس يتطوّرون بالفعل إن قام على الأفكار من يتجشّم عواقبها و ذلك حينما اتذكر ما كان يحدث في هذا المنبر أيام الموناليزا و رودا مردا على سبيل المثال، بل و حين أقارن مواقف من أججوا روح الدفاع عن العقيدة في تلك الأيام بمواقفهم الآن، لاشك أن قيمة الحوار تترسّخ شيئا فشيئا، و لا شك أن مفهوماً جديداً أكثر راديكالية للديموقراطية هو ممكن و آخذ في الانتشار، على خلاف مخاوف الديموقراطية التقاليدية و مساوماتها، يا أخي الناس الآن أولاد و بنات يجتازون الحدود في كثير من المسائل، حتى أنّ عبارة اجتياز الحدود ما عادت كافية لردع أحد، بل لكأنّها ضوءٌ أخضر..

    - أمّا الجبهة الثالثة للفصال بين الديموقراطية النظاميّة (و لعلني استخدم تمييزاً أثرته لدى أهل فورأول بين تلاميذ الأستاذ محمود محمّد طه بين تلاميذ نظاميين و غير نظاميين) و الديموقراطية الجديدة، فهو فراق الصور و الأشكال المعتمدة، فالتقاليد التي أرستها الحركة الديمقراطية الرسميّة ما عادت مُلزِمة للأجيال الجديدة من الديمقراطيين الجدد، و أعني فراق الديمقراطيين الجدد "القرفانين" لما تم التراضي عليه عبر تأريخ الحركة الديمقراطية التقليدية، من حيث وسائل النضال الديمقراطي و من حيث أهدافه أيضاً و قد عبّر هذا الضيق من المؤسسات و الوسائل القديمة عن نفسه بأشكال و ما يزال، و أودُّ أن أحيلك و أنا المغرم بالإحالات (و مفردة الإحالات تذكّرني لسبب ما بجينفر لوبيز) إلى بداية عهد جدالنا مع الدكتور حسن موسى كي تجد أكثر المعنى الذي أريد هنا في هذه المشاركة

    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?p=13684&sid...1a534bab2e374e#13684

    التي جاءت في سياق إنزعاج الدكتور من نشوز ورثة التقليد الديمقراطي من حظيرة الآباء، و رغبته بالتالي في تأديبهم بأدب العمل العام. و إذا كنتَ لم تقرأ ما كتبته إيميليا شارلس في شأن قضيّة لبنى أحمد حسين، فإني أرجوك أن تراجع هذه الفقرة لوثيق صلتها بنقطتنا هذه عن نقض الديموقراطيين الجدد لتنميطات التقاليديين لقضية المرأة و بالتالي للمرأة المناضلة (و قد تعمّدت عدم إيراد هذا المقتطف في معرض حديثي عن مسألة مفهوم حريّة المرأة رغم أنها تشملها أيضا، لكوني أرغب في التقاط نقطة رفض القوالب المسبقة التي تتم فيها صياغة صورة المرأة المناضلة الشريفة المرحّب بها في الحركة النسوية التقاليدية)، تقول إيميليا:

    And to our allies, the supportive and outspoken men of the new millennium, please take note. Equality does not mean that your concept of the liberated woman is the only decent variety of a movement champion and all others are "child-minded," as I recently read. Equality is not about "equality for those who are like me or who I judge appropriate." Rather, equality is about the basic rights of each individual to express his or her own personality and to move through this vast and beautiful world without fear of reprisal for their unique and inherently sacred identity. Bluntly: just because I have a #### does not mean I am like my 3 or so billion planetary sisters. Each of us deserves, like any man, the right to be who she is without expectation that she fulfill your static image of a well-behaved, properly-bred feminist (the very terms are nearly mutually exclusive).
    Statements of conditional support have no room in either the global or, if I dare align myself with those daring and courageous women of Sudan, the national women's movement. Gentlemen, if you want to make proselytizing statements about why women shouldn’t drink alcohol, wear trousers, leave the house after 10pm, or let their hair uncovered, be my guest. But do not disguise your conservativism by hiding it among laudatory ramblings about Sudan’s best “lady” governor who’s state looks “as good as a man-governed state,” referring to Jemma Nunu Kumba's work in Western Equatoria. (Statements, for your information, that were declined acceptance to The Citizen's pages by thoughtful, women-supporting editorial staff.)

    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?p=34979&sid...e206f6c59ebdbe#34979

    و حين نقرأ كلام إيميليا في نقد "الصورة" الجامدة للنسويّة الصالحة فإنّ الفكرة يمكن استبدالها و تظل صائبة حين نراجع كلام حسن موسى عن أنّه قنع من خيراً في محسن خالد عندما رأى "صورته" ذات الشعر إياها، هذه و الله عبارة من اللاوعي، هناك بورتريه للزول الكويّس مختزن في الذوق العام هنا، لا تستطيع الديموقراطية المتربية في مؤسساتنا العريقة أن تفكِّر في مشروعية التحلّي بغيرها و لو في إطار حق الناس "الكويسين" في الاختيار، من أين استوحى حسن موسى انطباعه عن صورة الزول الفيهو خير إن لم يكن مما استقر في عرف التقليد؟


    و مالي أرهقني و إياك و القارئ بالشهادات و لا اكتفي بعبارة لأحد ممثلي هذه الديموقراطية التقليدية شهيدا، ففي ورقة حول معنى الدولة المدنية للحزب الشيوعي ترد العبارة التالية التي تفضح لك عن أي نسق قيمي تصدر، و هل مثل هذا الخطاب الذي يبصم على المعطيات الحاليّة دون مسائلتها يمكن أن يكون ديمقراطيا في صميمه؟ أو يقبل بلغة الأمثال؟

    تقول الورقة: الدولة المدنية (تُقرأ: الديمقراطية التقاليدية) لا تتخذ موقف اللامبالاة تجاه مظاهر التفسخ والانحلال في المجتمع، ولا تسمح بأن يتحول المجتمع الى خمارة أو ماخور، أو أن ينحدر الشباب الى مهاوي الضياع. انتهى.

    فأيّ وصاية و شمولية و تقاليديّة أكثر مضاء يا سيدي تريد؟

    انتهت نقاطي الثلاث، هذا التقسيم الذي أصر عليه، بين ديمقراطيين تقاليديين و ديمقراطيين جدد متجاوزين لهذه التقاليد، أو بين ديمقراطيين أشرفت على تربيتهم أسرة الحركة الديمقراطية و بين ديمقراطيين نشأوا في الشارع فلم يتم تخطيط طرق تفكيرهم و ردات أفعالهم مسبقاً، خط هذا التقسيم هو في رأيي الخلفية التي تجري عليها هذه الخلافات، ففي نهاية الأمر حسن موسى أو بشرى الفاضل أو إبراهيم نقد أو فاطمة أحمد إبراهيم هم تربّوا على احترام هذه التقاليد و التقاليد ليست شيئاً سيئاً بذاتها حتى في مجتمع الكشف العلمي إلّا حين تصبح إطاراً لا وجهة نظر، لا يمنع هذا أن يكون بينهم أشقياء كحسن موسى و يمكن اعتبارهم متمرِّدين بالقياس على أخوتهم في البيت، لكنهم في النهاية يدافعون عن قيم العائلة و هذا المعنى عبّر عنه حسن موسى نفسه كثيراً، لذلك يا محسن أنا ظللت أنظر لكل هذه الأحداث على أنّها ضريبة هذا اللقاء بين درجتين في تطوّر مفهوم ديمقراطيتنا السودانية، ديمقراطية التقيّد بالذوق العام و ديمقراطية تجاوز الحدود، و هذا اللقاء نراه في الانترنت كما في حادثة الأمثال و نراه أيضا في الأرض في مثل الحادث الذي أشرت إليه في الرابط أعلاه مع قيادة الحزب الشيوعي التي كانت ترفض "الاعتداء" على الأساتذة في الجامعة حتى و هم يقفون في أحد صفوف المعارك الطلابية..


    الآن هناك كثيرين في جبهات أكثر شراسة يعلّمون الناس أنّ سقف الديمقراطية و حريّة التعبير السلمي سيرتفع و أن شعاراتها التي كانت جوفاء ستكتسي لحماً و دم، يا أخي العزيز السابقون كانوا طول الوقت يتحدّثون عن التنوّع، عن الاعتراف به و تعزيزه كمان، لكن هذا ظل شعاراً لا يتنزّل، ولا هم يدركون دقيق معناه، لكن من حملوا السلاح في دارفور و في الجنوب نبّهوهم لجانب من المعنى فانكبوا يراضونهم بالتعهّدات. كنت أتابع دفوعات التقاليديين عن لبنى و تفانيهم لتأكيد أنّها كانت "محتشمة" و أن زيّها ساتر، و هو كما ترى اختلاف مقدار، لأنّ الاحتشام عندهم هو من المسلّمات. لكن متى تعاقد المجتمع على معنى و مقاييس الاحتشام فضلاً عن ضرورته؟ حينما يتعلّق الأمر بنقد التقاليد التي نشأت بالغلبة، يتبدّى لك شبه فرعون بهامان.


    ما جرى في فورأول هو نقطة في خط هذا اللقاء بين ديمقراطية شمولية و ديمقراطية مارقة، و ما قصدت بقولي هذا أن يتفرّق دمنا الإسفيري بين القبائل، بل قصدت التخفيف من مظنّة أننا أطراف مشكلة صغيرة أو متفرّدة، ماحدث هو جزء من سؤال التشكيك في استعداد التقاليديين لبسط أياديهم لوعي جديد و لا يمثل اتصالاً خطيّاً لهم، فيا سيدي تجاوز عن أمر ثلاثي باريس ولا تعد له إن أردت مني نصحا، كنا ضيوفا في دارهم و خرقنا تقاليد الدار فأُخرِجنا منها، و كذلك سيتم طردنا من أحزابنا و من مؤسساتنا الديمقراطية التقليدية كلّها، لكن نحن نذهب للأمام و هم سيحكم على منهاجهم المستقبل القريب، ما علق بيننا و بينهم نتركه في مكانه هناك و نقوم لشأننا أن يكون لنا شأن. يستطيع من يشاء أن يغالط أو يكابر أو حتى يزوّر التاريخ، لكن الأكيد أنّ للتطور كلمته، و مثلما أدان التأريخ محاكم التفتيش، فسيأتي على هذا البلد يوم يكون فيه احترام التنوّع حقيقة معاشة، و لن تصبح فيه الشوارعية -إن وُجِدت- إساءة إلى أحد سوى المجتمع الذي ينتجها، حينها سيذكر الناس إجابات حسن موسى و نجاة بحق لغة الشوارعية كما يذكرون الآن قوانين دولة الأبارتيد...


    فصبراً على ما يقولون و اهجرهم هجراً جميلا.
    .
                  

05-05-2010, 09:45 PM

هاشم الحسن
<aهاشم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-07-2004
مجموع المشاركات: 1428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد حسبو)

    سلامات و ِحمدِللات...

    و يا المحسن الهميم،
    كقارئ لا ينيء، عارف لقدركم الفكري "في جملة أقداركم" حقه، فإنني أتابع ـ الكوشرثيا ـ و منذ الأولى الحميرا أم دلوكة و شتم،
    لم و لن يمنعني عنها و لا عن متاعها الفكري و اللغوي أو حسنها الأدبي، أي قدر من شوب تحفظ كالذي خالطني و منذ البداية
    على خطتها "الأيدلوجية". أو ، أقله، حتى يستبين عندي صوابها لا ريب فيه. و لقد و الله رجوت لها أن تتكامل
    فتثري حوارات الهوية بواحد المحسنين. و ساتابعك و أتابع قضاياها، و لو في كتاب ـ تبشر به هاته المقدمات ـ فساقتنيه لدرس أوفى.

    أما الآن، و هنا..
    و إذ بدأت أفكارك في التنزل حلقة جديدة تبشرنا بالتكامل المثمر للمعارف المتثاقفة ، فلعله من المجدي أن أعلمك بأنك يا عزيزنا قد أركبتنا،
    بهذا البوست، على أكثر من سرجين، نكاد نقع أو قل وقعنا عن متن الفكر الكان وهيط إلى غيابة جب الغبائن! و لتكن الأخيرة ما تكون ـ فكرية أو غيره ـ لا فرق.

    و عليه فلتسمح لي، فأصدقك القول يا هميم؛
    لقد ألجأتني، مضطراً، هذه الإحن المكرورة و تصفية الحسابات المجرورة، إلى موقف الريبة في أيتها الجدوى.

    ***ــــ***ـــــ***

    ثم إنه، في الرابط الذي أورده بأعلاه، قد كان كتب فيه، أي محمد حسبو
    في يوم الاحد ديسمبر 17, 2006 7:11 am
    كتب:
    Quote: النقد، في المتخيّل العام، مفردة تحمل من الدلالات سالبها، مفردة تساوي إعلان حرب و نُذُر خصومة، و لا تستثني ما هو شخصي، و لا تعاف ما هو حاد

    ثم تاليها بسطر:
    Quote: أن تمارس النقد - كما فهمتُه و عرفتُه و أؤيده- و شكرا لبعض الكتب، هو:
    أن تجلب "ما وراء" الخطاب (يشمل ذلك ما وراء السكون لكونه خطابا) لتضعه أمامه.
    و ليفعل النقد ما يشاء

    و عليم العالم، فإنني لم أرـ قريباً ـ في الأقوال ما يصدقه الفعل
    كما الذي كتبه محمد حسبو في هذا المكان بأعلاه... مفتتحاً بـ "يا عزيزي محسن"...
    يا للإتساق، و لله دره من فتى للفكر ناقد و فذ.

    *** ـــ *** ـــ ***

    و...
    "الفشه غبينتو خرب مدينتو"
    مثل علني مستهلك
                  

05-06-2010, 10:29 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: هاشم الحسن)

    محمّد زكريا أخوي
    تسلم إنت ذاتك يا زول
    مشكور ياخي على دَفْعِ المعنويات وعلى الطلّة
    المودّات كلّها لك مع الحب
    وكن بألف خير
                  

05-07-2010, 01:38 PM

محمد قرشي عباس
<aمحمد قرشي عباس
تاريخ التسجيل: 03-19-2010
مجموع المشاركات: 3195

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    العزيز و أخي الكبير محسن

    فلتكن هذه مواصلة لـ "غلاطاتنا" الممتده أيام الزمن الجميل بعووضة .. :)

    Quote: ولماذا تُسَمَّى "الرئيسيات" في علوم الأحياء بهذا الاسم؟ وما الذي يجعل سواها من الكائنات غير رئيسة؟

    هوي يامحسن حأرجعك لمقاعد الدرس في العلوم من جديد !! الرئيسيات هنا ليس لها دلالة شوفينية فهي تجمع أكثر من 350 نوعا حيوانيا و تطبيق مناهجكم اللغوية (دلالة الإقصاء) لا يخطر ببال علماء الأحياء Biologists الذين سموها إطلاقا، فأكبر نظريات الأحياء (التطور) هي تحديدا من نزع عن الإنسان ظنه بالتفرد و الـ "الرئيسية" و كما قال إينشتين:"لن أتكلف تنميق كتابتي فالعلم يتقدم بالتفكير و سأترك التنميق للإسكافيين!!" .. :)

    Quote: إنَّ الذي بَنَى الحضارة الإنسانية هو الحركة. وبالتحديد بَنَتْهَا حركةُ الإبهام؟

    Quote: فالمُمَيِّز اللُّبِّي والجوهري للرئيسيات عن غيرها، في علم الأحياء، هو امتلاك هذا الإبهام والقدرة على تحريكه مع الأصابع الأخرى، ليُشَكِّل مقبضاً مع بقيّة هذه الأصابع وحركتها، للتمَكُّن عبر هذه الحركة والتحريك من السيطرة على الأدوات وتسخيرها. ومن ثَمَّ بناء الحضارة الإنسانية عَبْرَ تطويع الطبيعة واستغلالها. وهذه الخصيصة لا يمتلكها إلا الإنسان وعددٌ محدود ومحصور من القِرَدَة العليا فقط.

    تصنيف الرئيسيات يعتمد على عدد كبير من الخصائص و الإبهام المتقابل Opposable thumb ليس سوى إحداها و ليس حتى أهمها (راجع الصورة و المثال).. أما كون أن الحضارة الإنسانية بنتها حذق إستعمال الأدوات و المهارة اليدوية مع إشارتك الحصيفة للبعد الجواني الذي أحسبك به قاصدا للإنتحاء عن النظرية الماركسية حول أولوية العمل في بناء الحضارة بكلياتها فأقول: هذه المهارة إمتلكتها قبلنا العديد من الأجناس الشبة بشرية و لم تنفعها جوانيا بشيء!! حتى الإنسان قضى عشرات السنين (حوالي 200 ألف سنة على الأقل) لا يتجاوز الصيد و جمع الثمار بنفس الأدوات التي شاركتها إياه الأجناس التي سبقته .. و من المفيد هنا أن أذكر بحثا جديدا و مبتكرا قام به أحد علماء الأنثروبيولوجيا و خلص منه إلى أن الثورة الزراعية الأولى لم تكن إستجابة لضرورات بيئية أو إبتكارا لأدوات جديدة و إنما توابع لثورة فكرية شملت نواحي التنظيم الإجتماعي و الأفكار حول العالم .. إذن من وجهة نظري الشرط المادي للحضارة ضروري و لكنه ليس كافيا لتعليل الحضارة كما أن حذق الصناعة لا يُكوِن سوى شريحة صغيرة من قاعدة الإنطلاق.
    - هناك العديد من الأجناس الحيوانية التي تمتلك إبهاما متقابلا و شبه متقابل من غير الرئيسيات و هذا إحداها (البوسوم)


    Quote: فكون هذه الآية احتوت رؤية معرفية خطيرة ومتقَدِّمة بالنسبة لذلك الزمن، هذا حاصل ولا جدال حوله، من شاء فليعتبرها معجزة، ومن شاء فليقل عنها عبقريّة

    كنت قديما من أنصار الإعجاز العلمي كما تعلم و لكن لي الآن رؤية أكثر توازنا و لا أوافقك على تأويلات هذه الآية نحو إعجاز ما فكما نبه الشاطبي علينا قراءة الآيات حسب معهود العرب و إن طبقنا منهجه هذا مع قاعدتين رئيسيتين بالتفسير (تفسير القرآن بالقرآن و مراعاة سياق الآيات) فسنخلص للآتي:
    قال سبحانه وتعالى: (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة، أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه)
    سياق الآيات لا يستدعي المنه أو الدعوة للتفكر بل هي معرض حجة و لا يعقل أن يخاطب القرآن كفار الجاهلية بما يجهلون في أمر بصمة ما أو غيره لإقامة الحجة عليهم بما يجهلون (و إلا فما أهمية الإبهام أو أطراف الأصابع بالنسبة لهم) و لربما تأويل الأقدمين أٌقرب لسياق الآيات لأن به من التحدي و التهديد ماهو مناسب لسياق الآية كثيرا!! و لنتأمل هذه الآيات الأخر في قوله تعالى:" إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان" و البنان بلغة هذيل الجسم كله و قد يقصد الأطراف أو المفاصل حسب أقوال المفسرين و أهل اللغة .. فإذا تأملنا من جديد سياق الآية مستصحبين رأي الشاطبي حول المخاطبين بالآيات و ورود اللفظ (بنان) في الآية الثانية بمعنى الجسم كله وضح تماما أن المقابله هنا بين إستنكار جمع العظام من الكفار و تقرير تسوية الجسد كله كرد متحدي من الله عز و جل أبلغ و أوضح من تأويلات البصمات و غيرها .. هذا ماأحسبه أقرب للصواب و الله أعلم

    هذه المرة سأنتظر دوري في الرد .. و أضيف أنني أبصم بالعشرة بصمات المتفردة خاصتي على كل ماكتبت خلاف ماسبق من علم طبيعي و تفسير و "مشاغلة " أخيرة .. أتذكر يوم جلوسنا بالإعدادية و سؤال أحمد لي عن حبيبتي وقتها و حبيبتي و زوجتي حاليا (سؤال بسيط:هي وين أسي؟) و إستنكارك البدوي الشديد لرد فعلي العادي بقولك:"إما أنت أو أنا مجنون قطعا!!" .. شايفك قعادك مع الخواجات ديل وراك الكان المجنون فينا منو :)
    و دمت بخير
                  

05-08-2010, 08:08 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد قرشي عباس)

    Quote: حاولت جهد ايماني أن يكون التوضيح في أدناه متماسكاً لكنّني أطمع في أن يقوم رفيقي محمّد عبد الجليل بسدِّ ما قد يوجد في ما يليه منه من ثغرات.


    الاعزاء /محسن - عادل .. تحياتي لكم، أنا قاعد قريب من الخيط
    ده على طول الخط كصاحب رايحه معرفية، وقد جاء محمد حسبو لمزيد
    من هز فروع خمول العقول وهذا ضروري فقد أصاب الوطن الذهول
    ليبدأ محسن قص الدرب من أولو المعروف (كوشريا)
                  

05-08-2010, 01:21 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محمد قرشي عباس)

    عمر التاج
    يا راجل كيفنّك، وأريتك ومن بي رِدَّك طيبين
    شايفك متحاشيني وبوستاتي بألله واحد! وعاذرك وحاة خالتك البتولا بت المُوفَد.
    ياخي بنفسي براي، كَرَّرت كتير في أوقات سابقة، وقبلك بشوية قلت لعادل، الرأيو انفصال مخَيَّر. وأنت انفصالي كما يلوح من سيما كلامك هنا، وسيما كلاماتٍ لك ثانية "لو أنا مخطئ، صَحِّحني فوراً، وسأعتذر لك". بس أنكلّمك آعمر، الدعوة للانفصال هذه، ليس لها من طريق، سوى الرؤية السياسية "فقط" ثم "فقط". لو كنت أنا متساهل في شوفي "للثقافة السودانية"، وأرى فيها "إمكانية" و"رؤية" و"جدوى" انفصال، ما كان في داعي بخليني أعاتل المعاتلة التقيلة دي كلّها في "الكوشرثيا" بادئاً ومُرَكِّزاً على الجنوب. وأنجر في المصطلحات وألقِّط في الكلامات، والأحاجي والأمثال، وأشيل وأقرأ وأفرتك، وأفكك، وأفرز محمّد العرب عن محمّد الكوشرثيا الحريف، بل وأدخل في أنواع سجال بخصومة من قِبَل أهلها حَدَّ {الخِلاف ليوم الوِقَاف} أو كما جاء في الكوشرثيا. وعااادي جداً يا عمر، يجيني ود قرابة وود حلّة زيك ويقول لي كلام من بعيييد، بتاع انفصال. ومشفوع بجلاحة إنو الانفصال ذاته ما أدراني إنه "كمان" ح يزيد هذه الكوشرثيا!؟ والحُجّة المُشرعة من قِبَلك لتبرير هذه الزيادة والنَّماء في الكوشرثيا هي {فالانفصال الجغرافي قد لا يستطيع منع الثقافات من تواصلها وتمددها وتعددها}.
    دا كلام دا هسّع، في ذمتك دا كلام آعمر!؟
    يعني كلامك شِدَّة ما هو ممزِّر الزول يقنع من مسكو، وبس ياهو يبقى مسردب في درب رؤيته ما دام المحاورة حولها من جنس هذه الشاكلة التي تهلك الطاقة بطريقة هينة خلاص. دي جيتك إنت يا ود الحلّة، قول واحد الله.
    مالو تاني، ممكن كمان برضو يجيني َصِديق معرفة، ما ود حِلّة زيّك، زي أخوي هاشم الحسن، دييك مداخلته اقرأها. التي يقول فيها ما معناه، إنَّه أمهلني، وما معناه، إنَّه تابَعَ ما كتبت وتأمل ثم تدبّر، ومع ذلك يصف هذه الشَّقات البتفتِّر الرأس والجسد، وتخرب والله حتى مشهاد بيتك، يصفها هكذا {يا عزيزنا قد أركبتنا، بهذا البوست، على أكثر من سرجين، نكاد نقع أو قل وقعنا عن متن الفكر الكان وهيط إلى غيابة جب الغبائن!} شايف الإهمال في الكتابة كيف!؟ إهمال ما بعده إهمال. بوستات أخوي أُمْحَدلحسن بهناك البزرزر فيها الطيرة الطايرة بكوتيشن ملوَّن "بس"، هاشم مسميها "كتابة"، وكلام أخوي أُمْحَدلحسن بأم الألغاز داك، الذي لا يفتأ في دورانية إلى ما يشاء ربّك ذو الجلال والإكرام، ولامن الدورانية ذاتها رأسها يدوش، وبرضو هاشم يسميهو "نقد"! والتثاقف والنقد، ما أجتهد في ترفيعه الآن بين أعينكم ها هنا، ليصلح كمادَّة معرفية ورؤيوية، تحترم حياة الإنسان وزمنه وبلده، دا عند هاشم اسمه "غبائن"، شفتو كيف؟ المداخلة بدأها بالغبينة، وختمها بالغبينة، كما أهمل حكاية النقد دي ذاتها، في تولاها، وقال بإنَّه ح يقطع ضَرُّوب للكوشرثيا في ملف تاني، ملف الناشر.
    إنت قايل يا هاشم أنا كان تكلتكم علي حكاية الناشر دي ما أريح لي، وأبقى للدَّهر، والحيل والمُروَّة!؟
    قبل كلاماتي، سآتي بكلام عادل أخوي لأنَّه كان طبيق هاشم في حكاية دع هذا الأمر، وامضِ، ولكن عادل نفسه، لم يَرْ في هذه الكتابة الحاضرة الآن سوى النقد، ورأيه كان يهمني جداً، لأنَّه متابع لهذه المسألة، ويقف في صف إيقافها أكثر من تمددها، ومع ذلك جاء عادل وكتب الآتي:
    Quote: أراك عدت فتناولت موضوع نزاعك مع الفورلاب من منظور الديمقراطية وحريّة التعبير (أم هي حريّة التعبير والديمقراطية)، وقد أفلحت إلى اعمال النقد بأكثر من اعمال النبيشة فمرحى
    وهاشم دا، أنا الذي أركبتُه فوق أكثر من سرجين، لا دكاترة الفورلاب هم من أتوا بتلك السروج كلّها، ذات النِّساء القوارير، وغيرها مما بينته، ليقطعوا لَبّاب سرجي "الواحد فقط" الذي أسرجتُه للكوشرثيا و"حدها فقط" ولا رديف لها!؟
    فما دام الله جابك يا عمر، كشاهد تاريخي، بأنَّه ما من شيء شخصي تاريخي بيني وبين هؤلاء النَّفَر، أريدك شاهداً تاريخياً، من باب الجغرافية ويا نصيب الميلاد فقط. فبالله اشهد لي عند هاشم دا، قول ليهو المقالعة الشايفها قدامك دي مقالعة {الكوشرثيا} دي ذاتها يا هاشم! فاصحُ، وفووق من الرومانسية والسُّرَى الجبرائيل الإنت فيهو دا. البخليك تتوقّع، إنَّك تمشي تشتري كتاب الكوشرثيا من الناشر، بكل سلام وانبساطة، زي روايات الرومانس! قوليهو الدُّموم المدفِّقة في البلد بالجد، مش دموم الانترنت الوهم دي، سببها ذات هذه الكوشرثيا الصالحة الغائبة عن كل شيء، وذات هذه الكوشرثيا الضارَّة القابعة في جوف كل شيء، ولا وطن سوى هذا المُلَّفق من غناء العطبرواي، ما قَلَب بطيخة البلد ظاهراً وباطناً، وها هي حمراء من يات صوب نظرتها.
    أحلف ليهو يا عُمر، قول ليهو محسن دا، ود حلّتي وأنا بعرفو، وناس الفورلاب ديل ما بَعَرِفن، وبعرف إنو محسن دا كان ما جنس أمور {الكوشرثيا} دي، الحمتو يبقى مسلم شمالي جعلي مسيكتابي ساكت.. زي معظم أهلو ديك، كان رأيه ببساطة ح يكون فصل الجنوب، وبكون مريح خالص في الحكاية دي، لمن يهمه الأمر (أظنَّك ممّن يهمهم الأمر يا عمر). وما كان محسن دا يا هاشم بنشبك ليك في الناس ديل بتاتاً، ولا بسمع بيهم في طارئ الوجود دا كلّو. وريهو بالله، إنو محسن دا، خَلَّى الطين بتاع حبوبتو ست البنات بت المُفتي، تفرّقت به أيدي بني العمومة والخؤولة لأنَّه زاهدٌ في (غبائن) الدنيا الزايلة دي.
    ووَصِّهِ، وأَوْصِه كذلك، رباعياً، وخماسياً، بإنُّو الزول دا، كان حاري لينا فيهو غباين مطرِّفة ساكت كدا، لدرجة يتجوَّد بيها على جنس أمور الكوشرثيا، المشعلقة في الانترنت دي؟ حقُّو تهدوهوا وتعقّلوهوا، يقسم معاه منها بخشم الدرب على الواقع، ويرجِّع بيها طينو المشتت بهناك دا.
    ذَكِّرْه، فإنَّ الذكرى تنفع المُهْمِلِين والحادبين معاً، قول ليهو مقدمات شنو ياخ، الجاي تقول عليها، والراجل انتهى من الباب التاني منشور قدامك، والله وحده يعلم كم من أبواب بين يديه الآن.
    شوف يا عُمر يا تقول إنت لهاشم الكلام دا، يا أنا كمان، بقول ليهو بالعديل الدُّغري، ياخي بطّل الكتابة المُهْمِلَة دي يا هاشم، والرومانسية السُّرى الجبرائيل الإنت فيها دي، وانظر للاشتباك الحاصل أمامك هذا، كما هو في الحقيقة، وعلى أرض واقعه وابتعاثه، فمن ها هنا خَرَجَ، وأظهره التاريخ والحدوث وجَبْر الميلاد، من ورَق الكوشرثيا دي ذاتها، ومش جوكر غش، أنا كنت مدكِّنو تحت سباتة اللعب، وجيت أزيد بيهو الورق الكان أصلي عشان أكسب كغشاش. وقوليهو، الكلامات الموجّهة لدكتور حسن دي، لو صحي إنت قريت الكلام دا كلو وبرواقة، كان لاقتك أدلّة، إنو بعضها البَّيْنِي دا، اتعمل ليهو، زي ما بعملوا في الرادي أغاني ما يطلبه المستمعون، فبعض الردود طلبها الدكتور بالاسم. وهذا الكلام الذي أمامك حاول أن يترفّع بالذي لا رفعة من أمامه ولا من خلفه ولا من أي جهة أتيتها، ويمسك ما هو صالح منه للنقد، فلا هو بشتائم ولا غبائن. وقول ليهو كلام الدكتور المؤدَّب حسن موسى عن (صورة) محسن ود حلّتنا، دا ذاتو كلام كوشرثيا ضارّة، وكلام معرقل للـديموقراطية والاحترام ودولة الحقوق، وياهو دا محلّو، وبجيك في ربقات الكائن المُذكّر بعد ما قريت ربقات المؤنّث، ولسع برضك تقول مقدمات؟
    قوليهو لو حسبو عفاك يا هاشم وعفى الآخرين، أيوة عفاك إنت على وجه الخصوص يا هاشم ما دام عاجبك من كلام حسبو:
    Quote: أن تمارس النقد - كما فهمتُه و عرفتُه و أؤيده- و شكرا لبعض الكتب، هو:
    أن تجلب "ما وراء" الخطاب (يشمل ذلك ما وراء السكون لكونه خطابا) لتضعه أمامه.
    وليفعل النقد ما يشاء
    قوليهو طيب ما وراء الخطاب دا بطلع شنو، في كلام دكتور حسن عن (الصورة)، وعفيناك مما وراء السكون يا زول، كما عفيناك من تفسير وليفعل النقد ما يشاء، خلينا هسّع، حالياً وظرفياً، نمشيها بس زي قول المسرحي، الشاعر، والمؤرِّخ العبّادي في مسرحيته المك نمر {والكاينة التكون بي وَرَاها ما في نَدَم}، لكن، وبس، ورِّينا، الما وراء خطاب الدكتور العمرو دقش الستين وألا فاتها دا، شنو؟ ورينا ليهو؟ مش معناهو، ومن الآخر كدا، إنو ود حلّتي دا "لـوطـي" (أو) بالميِّت كدا خيبان لأنّو بيشبه النسوان!؟ قوليهو جنس الكلام دا كان اتقال لواحد من أولاد حلّتنا، بحسب الكوشرثيا الضارَّة المتفشية في كل صقع من البلد دي، وبقبح كلام الدكتور دا وأظرط، ببقى فيها موت. والموضوع بجيب ليه سكاكين، ومن يقوله يُطَعَّن الضحى الأعلى، ويُغطَّس دين حجرو إن لم.. نترك محسن للمواصلة في هذا البوست وبسروجه هذه، كي يتناول كلامات الدكتور وغيره الجنس دي. لأنَّها من صميم الكوشرثيا الضارَّة، الفحولية، الفتَّاكة بالاحترام، والحقوق، والمُدَمِّرة لأسس إقامة الحوار والنقاش على نحو يقظ ومعرفي.
    فالذي تراه "غبائن" هذا، هو في الأصل بحث عن طولة عمر للدكتور نفسه، كان ربنا يقويهو ويقول المزيد من نوع الكلام البخس دا، الذي لا علاقة له بالتثاقف، وألا كمان يمكن ربنا يهديه سواء السبيل والكلام، وهو المطلوب. لكن محسن بنقاشو دا، يسعى لتوقيف السكاكين من أيتها شاكلة، كان البتنيش في العُزَّل ببره باسم الكوشرثيا الضارة، كان الممكن تنيش ليك الدكتور دا بكوشرثيا ضارة تانية، ضد الضارَّة حقتو مِلِك دي. لأنو كلامه عن إساءة صورة (الرجل) لأنها فيها شعر طويل وأملس وبشبه شعر النسوان إذا سُرِّح، في جغرافية الكوشرثيا "انتبه، هنا فقط"، لأنَّ الرجال من بلاد ثانية زي البلد البعيش فيه الدكتور الآن، كلهم تقريباً، شعورهم ياها زي شعر ود حلّتنا دا و(أخيَب) بحسب معايير نظرية الدكتور وكوشرثياه الذكورية الضارَّة. قول ليه جنس الكلامات دي، ح تصلك إنت ذاتك، عمر القدامنا دا في شعيراتك، ولا يحجيك الآن من هذا الدكتور سوى أنَّه ما شاف شعرك وشعر مكي أخوك، يا زول أبوك حاج التاج ود أمحمّد ذاتو، أيامَ كان فتيّاً لامن يفرتك عمّتو للوضوء، شعرو لنص ضهرو. وإنِّي لا أمزح، فالدكتور دا يعني عادي ممكن يتغاظ منّك يقول ليك (عامل شعرك كدا زي البت).
    ويفتكر نفسه أساءك، لا أساء الأنوثة، فالأنوثة ذاتها هي بذلك مادَّة إساءة عنده. ولا أساء صورتك البشرية، فصورة الإنسان التي يتلقاها جَبْراً وَقَدَرَاً لا اختياراً ولا كفاحاً، هي أيضاً عنده موضع سَبٍّ، وتعيير. فهو بهذا المنطلق الكوشرثي الضار، يتخطَّى سالبي النِّساء حقوقهن، إلى أنَّه يعتبر هؤلاء النساء في أنفسهن إساءة، ومادَّة شتيمة تُسيء من تُلْحق به تعييراً. وهو بذلك يُطابق العنصريين النِّحْليين أنفسهم في أساس منطلقاتهم، لأنَّه يعتبر منطلق صورة الإنسان معياراً لإعطائه قيمة، عدا قيمة أنَّه بشري هذه. فالدكتور ماله؟ منذ أن رأى صورتي، قنع من خيراً فيَّ. فما علاقة صورتي بما أفعله بعقلي، كإنسان له عقل، وبه كُرِّم لا بعداه!؟ والمسألة تستحق النقد، لأنَّها ليست عارضة عند دكتور حسن موسى، فقد سَبَقَ وعَيَّر عجب الفيا بشكله، وأمضَّني ذلك الكلام، خصوصاً أنَّ لا أحد انتبه لذلك. فهل انتبهتم أنتم له، هل أحسنتم قراءته وجئتم بما وراء خطابه!؟ لا، أنتم في شاغلٍ عن إجادة القراءة ولا تتركون من يتقن ويحترف ذلك "ينتقد"!؟ بل تفهمون ما وراء الخطاب هذه على أنَّها (الضباب) (الحالم) (الرومانسي). أبداً، ما وراء الخطاب هذا، يعني تجيب الغايص والمغطغط داك كلّو، البشع، وتردمه أمام خطابه هذا المخاتل والمتخفّّي. معناها تخت الكلام في النور، على النحو الواضح، المنظور والمقبوض عليه بحيث لا فرفرة، عشان الزول نفسه قبل الآخرين يشوف عوجة كلامه من استقامته. وما في زول ح يحكموا عليه في النهاية بالإعدام، الزول مفيد في كل الأحوال ما دام أنَّه قابل لأن يُراجع في أخطائه، فما يُراد منه جوهرياً وختاماً هو الصلاح والصَّحَاح، لا الإبادة. ومفاهيم الإعدام، والنفي، والبت، والخلاف ليوم الوقاف، و(((الغبائن))) دي تركة، وطريقة، وأسلوب، ومنهج، هؤلاء الدكاترة أصحاب سروجك ديك يا هاشم. فاعرض عليهم إهمالك في الكتابة الذي عرضته عليَّ هذا، وسيكون، حينها وساعتها حَقَّاً، لا إهمالاً وتركيباً للخوابير في غير حفرها، كما هو عليه الآن.
    فوين موقع الدكتور دا، بحكاية ما وراء الخطاب البتنقل فيها بلا مشهاد دي يا هاشم، لأنو هو بجنس كلامه دا، يُسيء لصورة الأنوثة، وقطعاً فحوى هذا الكلام هي ضد حقوق المثليين ويُسيء لصورتهم أيضا. بما يناقض الديموقراطية، والاحترام الذي رسموه، رسمةً، في مجلّة هوائية بدون تطبيق، وبما يناقض دولة الحقوق في تمامها إن كنت لم تنتبه لذلك. أها دا يناقشو ليك وين، في الكوشرثيا الضارّة دي، وألا وين؟ في ورقة تحليل الكوشرثيا الضارّة دي، وألا ورقة الهندسة التحليلية؟
    فياخي نحن دايرين نكتل (بالنقد) من جنس أفكارو دي "عَوَجَهَا"، وما من مستوىً وعيي أو أخلاقي لي، ولا حتَّى نوايا بحوزتي مطلقاً، لمجرَّد تشليت ضُلَّه، في زقاق غبينة، لأنَّه ضلٌ لإنسان. فما أفعله هنا سيعين الدكتور نفسه على تكريب خطاباته مستقبلاً، وأتمنَّى أن لا يتركني أذهب في حالي هكذا. وأن تكون ردوده عليَّ بما ينوف على الكاراكتيرات، التي لا تنجزُ تثاقفاً، بالقدر الذي يكفي، لكي أكرِّب خطاباتي أنا أيضاً في المستقبل. دع درجات الحذَر في الكتابة تبلغ أقصاها، كي يحصل الناس على كتابات غير مُهْمِلة. وإنِّي أنوي أن لا أعفي الدكتور من آرائي المعرفية حول كل ما يصنع ثقافياً وفنياً، هذا ما دمتُ حَيَّاً، فليستيقظ لما يكتب منذ الآن، وحتى ما كتبه سابقاً سأراجعه في كل أمر يعنُّ لي حوله. وإنِّي من قراء الدكتور المُلِمِّين بما يكتب، فهل تضير هذه المناجزات الثقافية هاشمَ وغيرَه من الكتّاب والقراء أم تُثريهم؟
    طلبت منك الطلبات دي كلها تقولها لهاشم يا عمر، عشان أنا ما بقدر أقول ليهو كلام أولاد حِلّة، بعد هاشم دا ما كلفتني بحكاية مفكّر البرّاني بيها في مداخلته دي ذاتها، زي ما كلفتني بولا قبلها بحكاية أديب أريب. لكن، من واقع إنّك قاعد هسّع في حلّة سودانية، وريهو، إنو كلام الدكتور المعروض قدامنا دا، ما كلام مفكرين. وإنَّما كلام حلّال متفشية فيها الكوشرثيا الضارّة، وقوليهو قارن الكلام دا ذاتو، بالأمثال الأبوها نظرياً، وشغالين بيها حوار مع البشر تطبيقياً، عشان تحدّد لينا نقاشهم في الحكاية دي، ببقى اسمه نقد وألا غبينة!؟
    اسأله من هذه أيضاً يا عمر، إن مهلتك الأيام، ولقيت طولة بال لكثرة ما يجب أن يُسأل عنه هاشم من إهماله هذا، من دي يا عمر {تصفية الحسابات المجرورة}، قول ليهو الحسابات دي، كان "مجرورة" كان "جرورة"، اتجرجرت من الكوشرثيا دي ذاتها، الإنت عايز تفطمها حتى من رَحِمها التاريخي وتمشي تجيبها في كتاب حالم من ناشر ما. لكن يعزلوها ليك كيف عمّا رأيته فكراً! بياتو منقاش يطلّعوا شوكتهم بتاعة الكوشرثيا الضارَّة دي من راحة كراع أمّها! فنقاشك دا عجيب مرة واحدة يا هاشم، ووحاة الله لو كان دا الدكتور حسن بناقش فيك، كان لِهَسَّع مع جنس إهمالك دا، ومع الشرح دا، بَطَّل يقول ليك {كوشرثيا} ذاتو. أبداً وحاتك، كان ح تصرف كما صرف غيرك من الدكتور في جنس المواضيع البتزهج زي دي {كس أم الاثنولوجيا} وألا كمان يلهاك بأي عنف حوار غير ثقافي آخر. كأنْ يشوت ليك ضفَّاري مثلاً، وعلي وزنة الذي تَقَدَّم من اقتباسي لحديثه، ناهراً و"معلّماً ومربياً" لك، على حد مزاعمه التعليمية والتربوية بكتابة ورسوم {العدوان} و{الدق}، كان ح يشخت ليك طوالي على وزنة ما سبق اقتباسه بـ(الكُسْ أم رثيا) دي ذاتها كيت وكيت وكيت..!؟ شفت كيف!؟ وهي بتشكي من السروج البتتكلم عنها دي أكتر منك يا هاشم، لكييين.. هن السروج ديل ذاتهن، وقبييل، من أوَّل عاماً أوَّل، حقات منو؟ وهل في طريقة للتعامل معهن سوى نقدهن والوقوف لديهن!؟ يا زول خليهو حسن كان لقيتو أجلح شديد، وأنساهو، كان دا بولا الهادئ ذاتو كان بقول ليك، بعد كتابتك المهملة دي، زي ما قال لي سجيمان {يبخروا فيها وهي تظرط}، أها جنس دا كلو، ينتقدوهوا يا هاشم وألا يخلوهوا؟ شوف، هسع ما بقولوا محسن خالد، بَذِّيٌّ وبشوت ضفاري، لكن أنا في عين مشهادي، إنّي زول يهمه حسس الآخر، هذا المتحاور معي ومهما زهجت وتعبت وفترت، فلا بُدَّ من الترفُّق بالإنسان فيه وتكريمه، لا الجلافة في وجهه. وأجتهد بقدر ما أستطيع في أن لا أكتب شوتات ضفارية حادَّة وجارحة في وجه أحد. أمَّا مواضيع النقاش من نوع الأمثال السريّة هذه وغيرها، فهي مواضيع نقاش وكتابة طليقة غير معنونة إلى مستلم، من شاء فليقرأها ومن شاء فليتركها.
    فهذا الكلام كله نقد يا هاشم، ويجب أن لا يُتْرَك في عوجه هكذا إثر دعوة مسيحية ما، خصوصاً لو نبهتك لكون كل الدكاترة المذكورين هؤلاء نقاد "حكمان"، فلو ما عملوا سجالات نقد، ح يعملوا شنو يعني؟ والمناقدة دي كلها ولدتها الكوشرثيا دي ذاتها، إيَّاك أن تنسى أو تُفَرِّط. أو فاسأله أيضاً يا عمرُ عن ياتو {تصفية الحسابات المجرورة} دي، الجاي تتكلّم عنها، دي تطلع بتاعة دكّان التعاون من مسيكتاب زمن ما بعد الإنجليز بشوية، ولمّا كان "الأَمِنْ" أو كما يُسمَّى الزول الماسك دكّان التعاون، اللهو العم خليل رحيمو الله، وألا شيتاً متأخِّر!؟ بعد ما الدكان نقلوهوا من بفوق للسكّة، لبطن الحلّة واتعاقبوا عليه حاج الماحي رحيمو الله ثم مِدِيح رحيمو الله؟ وإنُّو الحسابات دي كان "مجرورة" كان "جرورة" قطع شك، ما "حسابات شخصية من جانب" ود حلّتي دا. ولا بُدَّ، وعلي بالحلال، الكلام دا طلع من تحت رويس {الكوشرثيا} حقتكم دي. فياخي السروج الجهجهت ركوبتك السياحية دي، تخَلِّي بصيرها النجرها ولزمن متأخر، لبوست مديح طيز الوزة القريب دا، الزول قَدُّومه في إيده وينجر في الجديد منها، وجايي إنت تشكي من عوج الركوبة والدرب هنا في محل نقد السروج بتاعة الدكاترة دي، إنت الله ما ليك!؟

    أها يا عمر، بعد لكلكتك في الثقافة، السويتها فوق دي، وبعد لكلكة هاشم برضو، ياني صابر ومواصل، لا مجال أمام النبي لينسحب أو يستقيل، والنبي هو كل صاحب رؤية ورؤيا، بل سأمضي وأقول إنَّ الدعوة للانفصال من خلال رؤية ثقافية، هي عندي باطلة الأباطيل. أمَّا الدعوة للانفصال من باب الدين والعرق، فهي أضحت عند الإنسانية كلها، وليس عندي أنا وحدي، أبطل وأفسد ما عرفه الإنسان عن الباطل والفساد.
    والعندو فهم سياسي للانفصال، أحسن يكرِّبو قبال ما يتفاصح بحكاية إنو من حقو ينادي بالانفصال، الشايفو قِدَّام عيني دا كلّو من دعاوي انفصال بحجج ثقافية، ما هو إلا جهل بهذه الكوشرثيا. فأغلبُ هؤلاء المتحدثين، يجهلون ثقافات هذا البلد ومكوناتها وجوهرها، وبناء أنساقها وتشييد عمرانها وطوبها، وصنع أشافيها ومخارزها وعناقريبها وسواقيها، وحجاهم عن ثعابينها ومرافعينها، ولمجرد أنهم يتحدثون اللغة العربية السودانية الكوشية يعتقدون أنهم يتحدثون اللغة العربية الحجازية أو العراقية. أمّا باقي المتحدثين كلهم، وأعيذك بالله يا عمر التاج، وبكلمات الله التامات، أن تكون منهم، فهم يتحدثون بهذه الشاكلة {يعني هذه الغرباوية دي، وكت واحداً جعلي كدي ركبها، دا شرف وألا اغتصاب دا؟} بل، وأظرط. جنس دا، القالوهوا ديل أيَّاً كانوا، لأنو الترابي غير ثقة وممكن يألفه، وعمر البشير عنصري وممكن يقوله، أياً كانوا، ماشين بجنس الكلام دا لياتو شمال مفصول وناصية دا!؟ فلو تخلصوا من الكوشيين الذين في جنوب السودان ستتبقى لهم معركة الكوشيين في غربه وفي أقصى شماله وفي شرقه، تاني من هنا ولقدام القسيم كيف؟ فلنفترض إنهم اتفقوا مع الكوشيين بتاعين شمال السودان، لأنو في الحقيقة تجمعهم معهم هذه الأنفة العنصرية والتَّغَا، بل كوشويو الشمال أسوأ من العرب والمستعربين أنفسهم في العنصرية. ويعتقدون أنَّ الكوشية هذه تعني لغاتهم التي يتحدثون بها هذه، في حين أن الكوشية متن حضاري وما هي بحاشية لغوية، ويصدق فيهم ما يصدق من قراءات عن فهم عرب ومستعربي السودان للغة العربية السودانية الكوشية، بحسبانها لغة عرب الجزيرة ذاتها. فاللغات هذه بالأصل هي مواعين حضارات وأثارة، كما هي عمارة قابلة للصيانة والتطويع والاستبدال والإحلال والتحميل الثقافي، فما من قداسة لها ولا ميزات وارتقاء لها في حد ذاتها، بعيداً عن الحضارة وبُرءاً منها.
    ولكن ماذا نقول؟ أو هل يكفي ما نقول؟ وسياسيو هذا البلد، أغلبهم، أجهل من أم عمروٍ، التي خرج بها الحمارُ، فلا عادت ولا عاد الحمارُ!
    ما في حل يا عمر، غير تعجنوا البلد دي من أوَّل وجديد، وتأسِّسوا الكوشرثيا النافعة دي من قولة تيت، وتجتثوا الكوشرثيا الضارَّة من أي رحم حواها، من قولة تيت، مما قبل البندقية، ومما وراء هذه الاتفاقيات العبث، أنانيا صفر في الثقافة السودانية.. وييي يا.
    لننزع أوَّلاً فتيلة الكوشرثيا الضارَّة هذه، ونُمَهِّد للكوشرثيا الصالحة موضعها من الحياة. وسننتقد كل من تسوّل له قدراته المعرفية وأخلاقه القيمية الخاصّة به، وحظه من التأمل، عرقلة هذه الرؤية. وختاماً أقول:
    مُمَزِّقُ ورقةِ الكوشرثيا الضارة من كتاب الحضارة والتاريخ الراصد لأنساق هذه الكوشرثيا، بزعم أن يقضي على الوباء الروحي، يُطابق بالضبط، مُمَزِّق رسمة أنثى الأنوفليس من كتاب العلوم، كي يقضي على الوباء الجسدي.

    كن بألف خير
    وتحياتي لمحيي الدين ومن حوله.
                  

05-08-2010, 06:51 PM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة "2" (Re: محسن خالد)

    Salam

    Quote: يا أُمحدلحسن، محمّد عثمان دا، إنت عاجبك عشان زول شرق متلك كما لوّحت في طرافات.

    Really I don’t recall what you mentioned here .x
    Quote: ولو كان محمّد عثمان ما عاجبك عشان كدا، وأنا غلطان في قراءة تلك الطُّرَف، فعلي بالحلال يا أُمحدلحسن موقف محمّد عثمان دا، ما بعجب كلو كلو، وإنت ماك ضهبان من الكلام دا. فما عندي ليهو أيتها قرايات غير دي، ولو جيتو لقرايات تانية، والله إلا كان أعوِّق ليك زولك دا

    I don’t mind text-mine for the attitude of both of you towards Dr. Hasn Musa .x
    Then we can see whose attitude oscillates considerably with time .x
    B back in Arabic
    Regards
                  

05-09-2010, 04:09 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة (Re: Mohamed E. Seliaman)

    Quote: الكوشرثيا(*1) مصطلحٌ اصطنعتُه من واقع الأبنية القائمة لحضارتنا السودانية ثم ثقافاتها وأساساتهما الماديَّة والمعنوية معاً. لأجل أن تكون رقعة هذا المصطلح التي يقوم فيها ويغطيها، أوسع من رقعة مصطلح الفولكلور بتعريفاته الحالية، التي تُرَكِّز في جوهرها على الفنون القولية Verbal Arts. ويتكوَّن هذا المصطلح من مفردتي "كوش" للدلالة على الحضارة الكوشية، و"إرث" للدلالة على الحضارة الإسلاميَّة والعربيَّة.





    الكوشرثيا : محاذير حول المصطلح/اعادة انتاج أزمة التمنيط


    محسن..حبابك يا صديقي
    كتر خيرك على هذا الجهد..و فكرة الإبتكار في حد ذاتها تستوجب الثناء.. في محيط الصمت و القعود الذي يحيط بنا..


    توقفت كثيرا أمام المصطلح و تعريفه..و كنت انتظر ايضاحات اخرى تستوعب فكرة ( الإختزال) و (الشرعنة) التي ذكرها الصديق عادل البدوى في معرض مداخلاته هنا..و لكن يبدو أن صاحب الكوشرثيا قد تجاوز تلك الإعتبارات لأسباب يراها في ذات نفسه.. لا ادرى لماذا؟..

    هناك بعض المحاذير التي نرى أنها تشوب الفكرة..و تحتاج لبعض التشذيب و اعادة الترتيب..و قولنا بالمحاذير هنا لا يأتي من باب محاربة الجديد أو اعمال غريزة الرفض الدفاعية تجاه الجديد ، فنحن لا نخاف الجديد ولا نعتقد بأنه سيسبب لنا ضرر بأي طريقة كانت ، و لكنا احرص على الكوشرثيا لأنها هي انتاج نعتقد جزما أنه يمثلنا و يمثل طرائق تفكيرنا و رؤيتنا للأشياء في السودان كحقل ملئ بالتقاطعات والتداخلات الإجتماعية و الثقافية و السياسية و الأخلاقية..الكوشرثيا مشروع واعد..و عملية تطويره هي مسئوليتنا (كجيل) جميعنا..نشطب..نضيف..و لكن سيظل جوهر الفكرة..ولن نعجز في ارجاع الفضل لمبتدعها (ناجرها) صديقنا محسن خالد..

    ثلاثة محاور نثيرها هنا ، و ننتظر معالجتها بمزيد من المناقشة..و تتراوح بين الشكلي و الموضوعي..اولا من ناحية شكلية ما هي هوية الكوشرثيا الذاتية؟.. ثانيا من ناحية موضوعية..هل مارست الكوشرثيا نوع من الإختزال التأريخي و تجاوز بعض المحطات المفصلية في تأريخ تكوين الثقافات السودانية؟..ثالثا..و من ناحية موضوعية ايضا.. ما هي المعالجات أو الخطوات التي تنوي الكوشرثيا اتباعها في حالة التعامل مع تعدد صور فهم التراث و تكييفه في وسط الحقل الواحد؟..و سنوضح كل تلك المحاور..

    اولا: من ناحية شكلية ما هي هوية الكوشرثيا؟

    الكلام في الثقافات يقتضى الضرورة للإنتباه لأمرين مهمين: اما ان يكون الكلام يهدف الى بناء حقل ثقافي جديد.. أو بناء منهج جديد لتحليل الثقافات و بالتالي توضيح أسسه و ادواته..و كل من الأمرين له شروطه الخاصة..و ايضا شروط التعامل معه و فهمه..
    والكوشرثيا ، و بالصورة التي طرحها الصديق محسن خالد ، قد تثير كثير من المحاذير و ترمي بنفسها ، و بصورة سريعة في مغبة التكييف.. هل هي توصيف لحقل ثقافي و من ثمة اقتراح مناهج و طرائق لقراءته؟ ام هي في ذات نفسها منهج للتفسير..و محاولة فهم الحقل الثقافي من خلال ذلك المنهج؟.. فهناك ضرورة أن تفصح الكوشرثيا عن نفسها أكثر و توضح موقفها سواءا كانت (حقل أو منهج) حتى يسهل للمتابع متابعة خطواتها و بالتالي محاكمتها و تقييمها و تحديد قدرتها على المساهمة مستقبلا..فان كانت تبغى تأسيس حقل ثقافي جديد.. فهنا نتساءل هل استوعبت و استوفت شروط التأسيس؟..

    ثانيا :من ناحية موضوعية..الإختزال التأريخي

    ذكر الصديق محسن خالد في تعريفه أو توضيحه لمصطلح الكوشرثيا.. أنه يعني الحضارة الكوشية..و الحضارة الإسلامية و العربية..و هو امر جيد.. من حقه أن يختار ما يشاء من مناهل و مكونات الثقافات السودانية ويبني عليها تحليله و تصوره للأمور..و لكن المصطلح بهذه الكيفية فيه نوع من الضيق الذي يصل لحد الإقصاء المتعمد..
    فاول ما قرأت التوضيح تساءلت: و ما الذي حدث بين اخر لحظة في انهيار كوش السياسي..و اول لحظة في دخول الثقافة الإسلامية و العربية (سياسيا أيضا)..؟

    الشاهد أن بعد انهيار كوش سياسيا.. تكونت ممالك و حضارات لاحقة على الأنقاض الأولي..و قبل دخول الثقافة العربية و الإسلامية.. كانت هناك ثلاث ممالك: المغرة و علوة و سوبا..و كانت تسمى الممالك النوبية المسيحية..و المقصد هنا.. كان للدين المسيحي وجود امتد للقرون..ولازال اثره ممتد الى يومنا هذا في السودان..فهل كل هذه الفترة لم تنجز ثقافة أو تقاليد ثقافة تجعلنا كسودانيين و سودانيات نعتد بها و نعتبرها مكون اصيل من مكوناتنا الثقافية و الفكرية و المعرفية؟..

    ذكرت هذا الأمر.. لأن محسن تعمد أن يذكر في توضيحه لمفهوم المصطلح.. الإشارة الى الدين الإسلامي كمكون..ولا اعتراض علينا في ذلك..و لكن من باب المعاملة بالمثل.. كان لابد من الإشارة الى اديان اخرى (خصوصا لو كانت فاعلة حتى اليوم)..لأن المعيار عندنا لا فرق بين دين و اخر..و ان الأديان كلها لها اثرها في حياة الشعوب..و لها ايضا مساهماتها الخاصة في خلق حقول ثقافية و اجتماعية قمينة بالمعاينة و التأمل..

    هذا الموقف جعلني اعقد مقارنة بين (الكوشرثيا)..و (ألافروعروبية)..فالأخيرة كانت مشغلة من مشاغل اهل الثقافة في السودان لردح من الزمان..ولازالت تلقي بعض من ظلالها على منهج التحليل و طرائق فهم الثقافات في السودان..و اعتقد أن مصطلح الآفروعروبية.. اكثر تقدما و انفتاحا من مصطلح الكوشرثيا..فمصطلح الآفروعروبية لم يدخل نفسه في مطب معيار الدين..لأنه اخذ بالعروبة كحالة سابقة في وجودها للإسلام.. مع العلم أن البعض يضيق على فهم ذلك المصطلح و يحصره بأنه اشارة جامعة مانعة تعني الإسلام ايضا..فالعروبة التي كانت جزء من مركب الآفروعروبية.. تستوعب كل التراثات و المكونات الثقافية التي نشأت في حقل عروبي.. سواء كانت لا دينية.. مسيحية.. صابئة.. اسلام..و في هذا المنحى انسنة للثقافة اكثر من الكوشرثيا..

    فالكوشرثيا بهذا الفهم مارست نوع من الإختزال التأريخي (بتجاهلها لبناء اكثر من خمسة قرون..و نعتقد انها جزء من تنبيهات الصديق عادل البدوي المستمرة لصاحب الكوشرثيا)..وفوق ذلك توجهت نحو فرض شرعية لوضعية هي أس الأزمات في السودان..و ارى الصديق محسن قد ضاق بمقارنة الصديق عادل البدوى.. حينما ضرب مثلا ببحث عمر البشير للشرعية..و موقف محسن.. فاذا كانت لك القدرة يا صديقي على اقصاء الثقافات الأخرى..و اختزال الأمر بين كوش و الثقافة الإسلامية و العربية.. فهذا هو الذى تفعله كل قوى اليمين السياسي في السودان بما فيها الجبهة الإسلامية..و هذه هي الفئة التي تطالب الجميع بأنها الأفضل..و انها ترى ضرورة في استمرارها بكل عنفها و قمعها..اليس هذا منحي من مناحي اعادة انتاج الأزمة بوجه تلفيقي جديد؟

    ثالثا: من ناحية موضوعية.. اشكالية تعدد فهم التراثات في وسط الحقل الواحد:

    الإشكالية الثالثة في المصطلح.. خصوصا الشق الأخير المتعلق بالثقافة الإسلامية و العربية.. هو أن هذه الثقافة (كمكون) لها ازماتها الخاصة..و تناحراتها المتعددة..و كل ذلك يتجلى باستمرار في المشهد السوداني و يؤثر عليه بصورة سلبية..فالإسلام صحيح واحد..و لكن الفهم المنزل للواقع متعدد الوجوه..و فهم الثقافة العربية و الإسلامية.. حتى على نطاق من يسمون انفسهم (عرب و مسلمون ) في السودان.. فكل منهم له فهم و تصور يختلف عن الآخر..و ابسط مثال موقف صاحب الكوشرثيا هنا..و هو يتحدث عن اسلام متسامح..و لديه القدرة على قبول الآخر (بكل تنوعياته)..و الإعتراف بالأثر المتبادل..فتراث الإسلام (كحالة تدين).. في الوسط الجغرافي في السودان يختلف عن الوضع في جبال النوبة مثلا ..فهل هذا وضع يمكن أن نجزم بوحدته و تماسكه حتى يكون معيارا عاما نبنى عليه مصطلح نطمح فيه أن يكون جامعا؟..
    الكوشرثيا لم توضح خطواتها في ضبط طرائق فهم التراث السوداني (خصوصا الإسلامي و العربي)..و بهذا الفهم فهي قد جنحت لمسار التكويش و الخم..وهذا منحي من مناحي اعادة انتاج الأزمة و التنميط الضيق المختزل..

    و بصورة عامة .. ماذا لو قالت الكوشرثيا (من ناحية موضوعية) بأنها مظلة تستوعب كل المكونات الثقافية السودانية ولا تقصي مكون على حساب مكون اخر؟..فالوضع في السودان ، نعتقد أنه قطع شوطا في التفاوض(كانت لنا وجهة نظر سابقة في بوست مع الصديق محسن طه رد الله غربته..حول ثيمة الثقافة من المواجهة الى التفاوض).. فالقبول بالتنوع..و الحرص على أن يكون في صلب الدستور السوداني (حتى لو كان دستور مؤقت)..هذا في حد ذاته مكسب..و تجاوز لثنائية التنميط المعهودة ( افريقية في مواجهة عربية و اسلامية)..فلماذا العودة للمربع الأول؟..

    و اذا استمر الحال على ما هو عليه الآن ( الكوشرثيا بوضعها الحالي )، فمن هنا نقول انها لم تأتي بالجدة و المفارقة بقدرما ماهي منحي لتكرار الأخطاء نفسها ، و بالتالي اعادة انتاج الأزمة (سواءا كانت خطاب.. طرائق انتاج خطاب.. او تطبيقات)..

    نقطة ثانوية.. فيما يخص الأمثال السرية..و نفترض أن الشق الأول في المصطلح (كوش) يستوعب كل المكونات الأفريقية في الفضاء السوداني.. فهل في حقول الثقافات الأفريقية (على مستوى السودان) سرية في التعبير عن الذات الإنسانية (سواء كان شكل التعبير قولي.. مادي.. تصوري..الخ)؟..اما أن السرية تكثر في المكون الإسلامي و العربي كبعض من اجزاء حقول الثقافة في السودان؟..

    عموما اقترح على الصديق محسن اعتبار المداخل السيكولوجيا كأدة لتفسير تلك السرية.. باختصار الكبت تجاه موضوعة الجنس..و النفاق الأخلاقي حولها..و اذا لقينا لينا فرقة ح نساهم في الناحية دي ببعض الرؤى..و ايضا سنساهم في تطبيقات بعض مناحي الكوشرثيا..استجابة لفكرة التطوير التي قال بها الصديق محسن خالد..اذا استعدل محسن المصطلح فهو خير و بركة..و اذا لم يستعدل..فاننا سنستعدله بطريقتنا و نواصل.. فالمشروع بالجد مهم للغاية..

    و دمتم جميعا..

    كبّـر



    (عدل بواسطة Kabar on 05-09-2010, 04:13 AM)
    (عدل بواسطة Kabar on 05-09-2010, 04:16 AM)

                  

05-09-2010, 12:50 PM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة (Re: Kabar)

    Quote: مُمَزِّقُ ورقةِ الكوشرثيا الضارة من كتاب الحضارة والتاريخ الراصد لأنساق هذه الكوشرثيا، بزعم أن يقضي على الوباء الروحي، يُطابق بالضبط، مُمَزِّق رسمة أنثى الأنوفليس من كتاب العلوم، كي يقضي على الوباء الجسدي.
                  

05-09-2010, 01:43 PM

عبدالكريم الامين احمد
<aعبدالكريم الامين احمد
تاريخ التسجيل: 10-06-2005
مجموع المشاركات: 32520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    حضور ومتابعة ومتعة قضت علي اخضر الويك اند ويابسه

    وتحياتي يا محسن
                  

05-09-2010, 08:14 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تأسيسُ الكوشرثيا: الأمثالُ السِّرْيَّة (Re: Kabar)

    عزيزي حسبو
    مشكور على هذه الطلّة وهذه المساهمة المُقَدَّرة والحريفة فعلاً. كلام إيمليا هذا وحده محتاج لوقوف طويل جداً، مع من أسميتهم بالديموقراطيين التقاليديين، وأعنيهم حتَّى في صورهم المُعاصرة جداً، لدرجة بوستات مجاورة فحسب.
    ياخي صاحبنا الحبشي، شغَّال في الجماعة قنص وتكويت في بوست أمين (ما هو المعيار). ومعظمهم أصدقاء وصديقات، وما قادرين ينقشوا الحبشي بقنطر فيهم لشنو أو من وين! الكلام غير المدروس دا كلو الحبشي ح يجي يرمي لينا أنا وإنت وبقية الرفاق والرفيقات فوق كتوفنا. لأنَّه حين يتكلم يقول لك (العلمانيين، فعلوا، العلمانيين، تركوا)، ولا يذكر فلان وفلانة بالاسم إلا كبراهين لما يقول. بمجرّد أن لمستُ أنا صديقه بوردياً د. نزار في حكاية (الذوق العام) أسرع لذات البوست وصنع كوتشينات من عُزاز لذات موضوع (الذوق العام)، شفت بصارة أُمحدلحسن كيف؟ يعني صاحب بصاحب! لووول
    (الذي أستطيع إثباته من أمر صاحب بصاحب، هو تعاقب زمن المداخلات فقط، الباقي تأويل منِّي، قابل للخطأ يا حبشي).
    زمني: 07-05-2010, 11:16ص
    زمنك: 07-05-2010, 03:07م
    وصديقتي عُزاز غافلة عن الأمر، وحقيقي لم تحسب حساباً لما تقول، لا هي ولا صديقتي تيسير. وهذا سيناقضهما معاً، مع الحديث عن قضايا حريات وجندر كثيرة سلفت أو قادمة، لم تحسبانها جيداً، وستجدان الحبشي بكوتاته، ومقانصه كالعادة، يصقِّر ويطنبر.
    أعرف يا حسبو ما تراه من أمر صديقتيَّ ناهد ولُبنى، وأستطيع أن أفرز بينهما جيِّداً، مع إضافة قليلٍ من معرفة لي "تاريخية، أي قابلة للتبدُّل" بالصديقتين. وليس بالوسع، أن تجمع بين رؤيتيهما معاً على وجه التطابق أبداً. أعني إذا أخذناهما من ناحية حديث إيمليا، ومن ناحية قدرات ثانية. ناهد يمكنها أن تُخطئ كامرأة سودانية هنا وهناك بواقع التربية ذاتها، الطلّعت زيتنا كلنا مش هي براها. كما أخطاتُ أنا نفسي في حديثي عن نجاة محمد علي في واحدة من شوتات مستوى وعي الرجل الكوشرثي الضفاريّة واعتذرتُ عنها للنّساء أوَّلاً ولنجاة ثانياً، ولبت المُوفد سرمدياً، منذ الأزل، وإلى الأبد.
    لُبنى التقيتُها بالقاهرة في زيارتي الأخيرة لها، واحتفلنا بجسارتها تلك، مع نفر مُقَدَّر. وجمعني ذلك الاحتفاء بدكتور معز عمر بخيت، التقيتُه بلندن سابقاً. وشاكستُه في القاهرة قليلاً حول قصيدة قرأها علينا. كلها ما معناه، أنحن العرب العرب العرب، فناجزتُه حول الأمر، بما معناه نحن الكوشرثيين يا بروف. فردَّ عليَّ في أمر تلك القصيدة مفحماً لي، ألم يكتب محمود درويش، سجّل أنا عربي!؟ فانفحمتُ له، وقُضي الأمر، شفت كيف؟ وربما هو زعلان منّي حالياً، الله أعلم. هذا الكلام جرى وسط مجموعة كبيرة من الناس. المهم، أنَّ لُبنى صديقتي، كانت تدافع عن موقفها، على نحوٍ ما معناه، نظرية (ياهو لبسي ما غيّرتو، ومشيت بيهو المحكمة ذاتها، وما فيهو أي حاجة)، وحسب تقديري للأمر فهي حين تقول بأنَّها لم تناقض الأعراف ولا الدين في نظرتهما للاحتشام، فهي تظن أن في ذلك حرفنة، تقيها شر الاصطدام بالإسلاميين والمسلمين. دون أن تحسب حسابات إيمليا هذه، ودون أن تلتفت لأنّ الأقوام نصّبوها كقائدة جندر وحقوق، يعني عالمة بتاعة جندر وحقوق، مش كزول رأسه قوي ساكت وعنيد. لا أعتقد أنَّ الأمرَ واضحٌ في ذهن لُبنى، ولا مدروساً جيّداً، ولا مشفوعاً بمعرفة ضخمة حول هذه القضايا. ولكنني بأي حال، نبّهتُها هي الأخرى، بما معناه، أنَّ قولك وفكرتك يا لُبنى يجب أن يكون (يا بتاعين النظام العام هووي، طيروا كدي وألا كدي، بذوقكم العام دا، أنا ألبس زي ما يدور ذوقي وفكرتي، يلا شتتوا)، ولا أدري لو وقع ليها الكلام أم لا! ولكن في ذات اللحظة حاولت هي بمعية آخرين، لما شخَتَّ ليهم لحكاية الإسلام بطريقتهم دي ولحكاية العرب (أسماء الحسيني كانت قااعدة، لوول). فحاولوا إنهم يقنعوني إنو دا (الآوت بوت) بتاع الثقافة السودانية ذاتها، والإسلام بكدا ما عندو يد، الإسلام براءة يا حسبو داير شنو إنت تاني من الإسلام بتاعنا دا! أما نكتة النكات قاطبة، حتى عودتي للندن، فأحد المجادلين لي هنا، بالتحديد لدى هذه النقطة، استشهد في وجهي بمادَّة كوشرثيا، تتخيَّل؟ كي يثبت لي أنَّ هذا الأمر تحديداً يأتي من الثقافة السودانية ذاتها، الشعبية هذه، وليس من الإسلام رأساً. أمتلك رؤى كثيرة للفرز بين هذه الأشياء، وبين إسلامنا الشعبي البروس، المختلف عن الإسلام في مدارسه الأخرى غير السودانية، لكن ما هنا، ما في الحتة دي بالذات.
    أنقر يا حسبو المادَّة القالها شنو، أشارطك لو تستطيع أن تحزرها!
    قال لي {المَرَاه، من بيتها ولا وَرَاه}، هذا دليله على أنَّ الأمر أمر أعراف نجرها الناس ولا علاقة لها بالإسلام، فتأمَّل! تأمَّلتُ في عينيه طويلاً، بنظرة جيفارا الشهيرة تلك، ثم عاجلتُه بمثقف صدق الكعوب مقوَّم، قارئاً عليه من القرآن {وقَرْنَ في بيوتكنَّ ولا تَبَرَّجْنَّ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى}، فأخذت عينا الرجل تدور في محجريهما مبهوتتين مثل فيلم الكرتون! لووول، أمزح بالطبع، هذه غريزة الروائي فعفوكم.
    بل شرحتُ له، بكل أدب وذوق، وأقنعتُه تماماً، بأن مقولة الكوشرثيا تلك ما هي إلا تصنيع محلي من مادَّة الآية.
    يعني ممكن تقول واحد شاف ليهو بندقية جيم تلاتة أو كلاشنكوف من النوع المتطور ذلك، فقام بتصنيع بندقية محلية مثل بندقية الكوشرثيا الشهيرة التي تُسَمَّى {دَق أب ظرطة}. أنوي نبش موضوع هذه الأسلحة هنا، فهي إحدى الأدوات الخطيرة في بناء الحضارات وهدمها. فلي اجتهادات هنا، ألهمني لها الكتاب الشهير لابن غانم الرياش الأندلسي (1550-1599م)، عن الأسلحة، أيام الخزانة الحسنية بالمغرب. كنتُ قد اقترحتُ علي نوري الجرّاح العمل على النسخة العربية من الكتاب، التي أنجزها أحمد الشهاب الأندلسي، المعاصر للرياش، لكن الحظ لم يحالفني. فأخذتُ بواعز الكتب التي تجدها حولك عن كل العصور ومنها، أخذتُ أتامل في حالنا البائس المُبكي. لا كتب لا اجتهاد، لا مكتبة وطنية، لا اهتمام، لا موجوع من ذلك إلا من رحم ربي، لا شيء سوى المحزنة العريضة.
    فوجدتُ نتفاً كما تقول الكوشرثيا {بين أب رَيَّا والتِّريَّا} عن الأسلحة، وسطراً لائصاً بجاي وسطراً مرمياً في {سقط لقط}.
    هنا موضع لسؤال، هل يمتلك الجيش السوداني، وأكاديميته العسكرية، قاموساً للأسلحة التاريخية الكوشرثية؟
    أقول ذلك كي ألهم أحدهم، فيندفع في الأمر.
    باختصار وردت في كتب التاريخ إشارات، هنا وهناك، حول أسلحة السودان عموماً. وحول أسلحة ومصانع السلاح بغرب السودان، إبّان حروب الزبير باشا، وحين معركة (منواشي)، وتقويض الزبير لآخر ذكرى من تاريخ تلك السلطنات العريقة التي امتدت لقرون طويلة تحت مُسَمَّى سلطنة الفور.
    ونسة القاهرة التي لها علاقة بموضوعتنا الحاضرة هذه، طويلة يا حسبو، نخليها لدهر تاني. أمَّا ونسة لندن، فلي بعض الملاحظات الصغيرة جداً، في حكاية (فاطمة أحمد إبراهيم "السمحة") ولكن إفرادها هنا سيذهب بي إلى وادٍ ذي شيوعيين ونقابات، وذي حطبٍ من سِدْر السياسة البحتة وكِتِرها ولعوتها. يعني حجوة "فاطمة السمحة" بتفتل عليَّ هذا البوست. ولكنِّي سأجد لها بصارة ما، حتى لو أفردتُ لها كتاباً خاصَّاً ذات مَهَلة. فلكم وَدِدتُ مناقشة ما كتبته الأستاذة هالة الكارب في سودان فور أوول، ورفيقاتها. ولكم تقتُ للوقوف لدى اجتهادات ونباهات "فاطمة الأخرى، السارية"، ولكن ما باليد حيلة.
    إنت ماك عارف لي محل تفريغ للكتابة؟ كان نقضى لينا غرض في صقايع اللاكتب واللامعرفة حقتنا دي!؟ يضحك نهاركم، عادل البدوي إنت ممنوع من الضحك، قلت لي ما معناه عكّم ساي زولاً مفرغك مافي.

    يا حسبو مشتاقين، والحب لك.. الذي تعلمه قديماً، نما وأصبح خارج حدود ما تعلم، كن بألف خير

    -------المكتبة الوطنية-------
    يا جماعة الخير الصحفيين، لماذا لا تقومون بهجمة قلم واحد على هذه الحكومة، ووزراء ثقافتها الثرثارين أولئك، في شأن المكتبة الوطنية. فإما أن تُقام، أو تهددوا بأنَّكم لن تصمتوا وستشيلون حالهم في كل يوم. ويا حبذا يدعموكم بتوع الكاركاتير، كي يصحوا الوزراء هؤلاء في كل يوم، ليجدوا المعلوم في انتظارهم، حتى يقيموها ولو من باب الزهج منكم.
    ثم تُطبع بعدها كل الوثائق من دار الوثائق ويستنسخ كل المتحف، وكذلك الأرشيف الخاص بالإذاعة والتلفزيون، ويُستنسخ كل عمل أنجزه أبناء وبنات هذا البلد ويحفظ فيها، وتبدأ في جمع كل مواد الثقافة من الأرياف، وو.. وو أحلام أحلام أحلالالالالالالالالالالام

    وجاء في كتاباتٍ سابقة لي:
    {لا أمتلك سوى أحلام، وكُلُّ ما أغمضُ عليه عَيْنَيَّ يصير لي)
    {كُلُّ ما حلموا به، يتدلَّى مُضَحِّيَاً من غصون}
    فردوسي براي يا قلب، أحلامنا ولا فردوس الناس

    (عدل بواسطة محسن خالد on 05-09-2010, 08:57 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 4:   <<  1 2 3 4  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de