مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 10:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-25-2010, 12:48 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)
                  

09-25-2010, 02:34 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    مأساة عبود لن تعود.

                  

09-25-2010, 05:24 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

                  

09-26-2010, 01:14 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    ارقينقا اسيقي مشكيلة...فاليق بنجناني
                  

09-26-2010, 08:13 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    seged.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

09-26-2010, 06:01 PM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    محاضرة الدكتور صلاح علي محجوب في جمعية التراث والثقافة النوبية تحت عنوان (السدود ما لها وما عليها)

    السادة الحضور
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    الحمد لله نحمده على حِلمه بعد عِلمه ، وعلى عفوه بعد قدرته، فإنّه رضيَ الحمد شكراً لجزيل نعمائه، وكثير آلائه، وجعله مفتاح رحمته وكفاء نعمته، ونصلي ونسلم على نبيه الكريم الشافع المقرّب، جعلنا من أهل طاعته وعتقاء شفاعته ، وعلى آله وصحبه والتابعين.
    قال تعالى:
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم. إنّ الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً. (53 الإسراء).
    وبعد
    فإننا نجلس الآن كأهلٍ نتفاكر ونتدارس ما يصلح شأننا وشأن أهلنا ... نقارع الحجة بالحجة لا يخوّنُ أحدُنا الآخر، ولا يسخر أخٌ من أخيه.
    إن كانت الحقيقة هي ضالتنا فلا شك أننا إليها واصلون.... فقط لنصلح النوايا ونجعل أمام أعيننا صلاح أهلنا.
    إن عارض السدَّ أحدُنا وهو يعلم أنّ فيه خيراً، فإنّه يخونُ نفسَه ويخونَ أهله ويكون رائداً يكذبُ أهله.
    وإن أيّدَ وأعان أحدُنا على قيام السد وهو يعلم أنّ ضره أكثر من نفعه، فإنّه يخون نفسه ويخون أهله، ويكونُ أيضا رائداً يكذبُ أهله... وكلاهما قد فرّط في الأمانة، ولن يكون عقابُ التاريخ شيئاً ذا بال أمام عقاب الديّان، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
    هو إذن حوار عقلي هادئ يتحمل كلٌّ منّا رأي الآخر وإن جاء على غير هواه.

    كان بودنا أن يتسع المنبر اليوم ليشمل أصحاب الرأي، والرأي الآخر. { فالضدُّ يُظهر حُسنَه الضدُّ}.
    ولكن لعلّ الدعوة لم تصل إلى أصحاب الرأي الآخر في وقت مناسب. ولقد طمأننا القائمون على أمر جمعية التراث أنهم سيتيحون هذه الفرصة في وقت لاحق.

    موضوع الندوة:

    مقدمة:
    لاشك أن السدود قد لعبت دورا كبيرا في السودان، وكلنا يعلم أنّ إنشاء خزان سنّار الذي تم افتتاحه عام 1925م بعد ثلاثة عشر عاما منذ وضع حجر أساسه، والذي عطلت بناءه الحربُ العالمية الأولى، هذا الخزان هو الذي جعل إنشاء مشروع الجزيرة ممكناً... مليون فدان تمت زراعتها لتصبح أكبر مزرعة في العالم تحت إدارة واحدة، وجاء امتداد المناقل ليضيف مليون فدان أخرى.

    ثم إنّ خزان خشم القربة هو الذي جعل إنشاء مشروع حلفا الجديدة ممكناً بغض النظر عما آلت إليه الحال في هذه المشاريع المروية.
    ثم إنّ كهرباء السدود كانت هي الركيزة الأساسية في السودان لوقت طويل، ويمكنُ أن تدبّج الصفحات في مزايا التوليد الكهربائي المائي. ولكن ظهور مستجدات في عالم اليوم تجعل الصورة الوردية للخزانات تهتز. أهمّ هذه المستجدات أن صارت المياه سلعة نادرة وستظل قيمة المياه ترتفع إلى ما لا نهاية بتفاقم أزمة مياه الشرب في العالم.

    يقول تقرير الأمم المتحدة عن مصادر المياه ( الصادر 2006م ) أنّ 20% من سكان الأرض ( أكثر من مليار ) يفتقرون الآن إلى موارد عذبة للمياه، وستزيد هذه النسبة لتبلغ 30% في عام 2025م.
    هناك حدّ فاصل بين الأغنياء والفقراء في المياه المتاحة، بينما يستهلك الفرد في المتوسط 400 لتر في اليوم في أمريكا الشمالية، فإنّه في أوروبا يستهلك 200 لتر في اليوم، أما في الدول النامية فإنّ نصيب الفرد لا يتجاوز 10 لترات وتكلفهُ أكثر مما تكلفُ أهلَِ البلاد الغنية.

    نقص المياه ليس هو المشكلة الوحيدة، ولكن ظاهرة التلوث بسبب اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي والمخلفات الأخرى يزيد المر سوءاً في العالم الثالث.

    تعدُّ منطقة الشرق الوسط من أكثر المناطق افتقاراً للماء إذ أنّ تعداد المنطقة 5% من سكان العالم وبها 1% فقط من المخزون العالمي للمياه.
    أمّا أوروبا فهي ليست بعيدة عن هذا المصير، إذ ستواجه هذا الشح أيضا، إذ أعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها الشديد إزاء النقص المستمر في مصادر الماء في أوروبا، ولقد أظهرت دراساتها أنّ غالبية الدول الأوروبية تستهلك كميات من الماء لا تتناسب ومخزونها مما ينذر بانخفاض المياه الجوفية بها.

    حرب المياه القادمة:
    الحديث عن حرب المياه الذي يتم تداوله كثيراً ليس من الخيال العلمي، بل هو خطر حقيقي يتهدد أفريقيا على وجه الخصوص. لقد حذرت تقارير الأمم المتحدة في مارس 2007م من أنّ أكثر من مليار شخص في 43 بلداً يعانون ندرة المياه وأنّ أكثر من نصف هذه القائمة من أفريقيا. وهناك قائمة أخرى تسمي أسوأ ثلاثة عشر (13) دولة في هذا المضمار ومنها جيراننا أثيوبيا، والصومال، وأريتريا، وجيبوتي، وأوغندا، وتنزانيا.
    و حروبُ المياه المتوقعة ليس مصدرها عدم الحصول على مياه صالحة للشرب فقط بل تمتد إلى خطر المجاعات الحقيقية الناجمة عن تراجع الزراعة بسبب ندرة المياه.

    أنهار العالم في خطر:
    يقول تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة الصادر في عام 2007م في جنيف "إنّ أنهار رئيسية كثيرة في العالم تواجه خطر الجفاف بسبب بناء السدود والذي من شأنه أن يؤثر على تدفق مياه الأنهار والحياة البحرية. بينما يمكن أن يؤدي تغيير المناخ إلى تغيير القواعد التي عاشت في ظلها الأنهار لآلاف السنين".
    ولقد حدد التقرير 10 أنهار من بينها نهر النيل، والريوغراند والدانوب بوصفها أسوأ ضحايا سوء التخطيط وعدم كفاية الحماية. ويضيف مديرُ برنامج المياه في الصندوق العالمي لحماية الطبيعة قائلا " إنّ الأنهار لم تعد تصل بانتظام إلى البحار مثل نهر الهندوس في باكستان ونهر النيل في أفريقيا والريوغراند، وهناك ملايين الأشخاص يتعرّضُ مصدر رزقهم للخطر" - انتهى كلامه-
    وعرّج التقرير على أثر شح المياه على الثروة السمكية مما سيزيد أزمة توفر الغذاء سوءاً.

    المياه المتاحة للسودان من المصادر الداخلية والخارجية:
    المصادر الداخلية هي ما يسكنُ في الأرض من مياه الأمطار والمخزون من المياه الجوفية، والمصادر الخارجية هي ما يحمله النيل والأنهار الأخرى من خارج البلاد.
    أما الوارد من المصادر الداخلية في السودان ( بما فيها الأنهار التي لا تصب في النيل مثل بركة والقاش ) والمياه الجوفية المتجددة فإنّه يتأرجحُ بسبب اختلاف كمية الأمطار من عام لعام، ولكنّها في المتوسط قد تصل إلى، أو تقل عن 10 مليار متر مكعب.
    أما المياه الواردة من المصادر الخارجية فهي في حدود 20 مليار متر مكعب ( وهي كما نعلم لا تُستغل بالكامل) مما يجعل الجملة في حدود 30 مليار متر مكعب.
    سنعلم عن عدد سكان السودان قريبا عند اكتمال التعداد نهاية الشهر، ولكن على افتراض أنّه في حدود 35 مليون نسمة فإنّ نصيب الفرد يصير
    أي أقل من 1000 متر مكعب في العام.
    تُحدّد وكالات الأمم المتحدة خط الفقر المائي ( water stress limit ) بأنّه 1000 متر مكعب للفرد في العام.
    وفي السودان، وبنسبة زيادة سكانية تبلغ 2.8% في العام نجد أن السودان الآن تحت خط الفقر المائي، وسيظل كذلك بتفاقم الوضع عبر السنين.

    كيف يمكن لمياه النيل أن تزيد أو تنقص؟

    1. أفضل الجهود لزيادة واردات الماء هي تقليل التبخّر. كلنا قد سمع بالمشروع القديم مشروع شق قناة جونقلي في جنوب السودان، والذي اهتمت به مصر والسودان منذ أمدٍ بعيد، وكاد العمل في المشروع أن يستقيم لولا اندلاع الحرب في الجنوب في أوائل الثمانينات. الفكرة أنّ منطقة السدود تنتشر فيها مياه النهر على مساحات واسعة وتُفقد فيها كميات كبيرة من الماء بالتبخر (رغم أنّ الرطوبة النسبية عالية هناك) لذا فإنّ مشروع جونقلي هو شق قناة لضبط مسار النهر في حدود معلومة، وبذلك يتم توفير 12 مليار متر مكعب كانت تُهدد بالتبخر. مازال هذا الشروع حلماً.
    2. هناك توصيات بعمل خزانات على الأنهار الموسمية ( مثل القاش) وليس على مجرى النيل الرئيسي. إذ أنّ الأنهار الموسمية تضيع مياهها في زمن الفيضان دون الاستفادة الكاملة منها، لذا فان السّد وإن خلّف بحيرةً خلفه فإنّه يوجّه الماء إلى حيث يُستفاد منه، وبعد أن تجفّ البحيرة خلفه تصير مصدراً للخير.

    أما إهدار المياه:
    فإن {أفضل} وسائلها هي إنشاء الخزانات والسدود على مجرى النيل. إذ أنّ اتساع رقعة البحيرة جنوب السد تزيد من التبخر.
    وفيما يخص خزانات الولاية الشماليّة الثلاثة فإن أكثر التقديرات محافظة تقولُ بتبخر المياه بما يقارب 3 مليار متر مكعب ، أكثر من نصفها من سد مروي ( ولقد أفادنا السيد وزير الدفاع أنّ بحيرة سد مروي تمتد لـ 180 كيلومتراً بعرض 18 كيلومتر ).
    إذن فيما يخص ضياع الماء فإن قيام الخزانات هو سبب رئيسي في هدرها.

    المياه الجوفية
    تتراوح أعماق المياه الجوفية في السودان بين 40 - 400 متر، وكثير منها يصعب الوصول إليه أو أنها بعيدة عن البنيات التحتية التي تجعل الاستفادة منها ممكنة. أمّا المياه الجوفية السهلة في دلتا القاش وحوض نيالا فقد استهلكت لحد كبير { كمّاً وكيفاً}.
    أمّا الحوض النوبي الذي كثر الحديث عنه مؤخراً فإنه ينتشر في أربعة بلاد مصر والسودان وليبيا وتشاد. والمساحة التي ينتشر فيها في السودان في حدود 800 ألف فدان أو نحوها، وكذلك مساحته في مصر، وتقل قليلا في ليبيا، أما في تشاد فهو يمتد في مساحة 10 آلاف فدان، ولقد بدأت ليبيا كما تعلمون في استغلال مياه ذلك الحوض عبر حفر عدد كبير من الآبار وضخ المياه ونقلها عبر مواسير عملاقة من جنوب ليبيا إلى شمال البلاد شرقا ( بنغازي ) وغربا ( طرابلس ).
    أكدّ المصريون أن سحب ليبيا لهذه المياه لا يمسُّ المخزون الموجود في الحدود المصرية، ولكن ليس هناك دراسة أو تأكيد من الجانب السوداني بأثر نهر ليبيا العظيم على مخزون الحوض النوبي في الحدود السودانية.

    الزراعة في السودان وحاجتها لمياه الري

    تقدر الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بمساحة 84 مليون هكتار أو 200 مليون فدان، وفي أحد تقارير الأمم المتحدة الحديثة فإن التقدير يصل لـ 105 مليون هكتار أي أكثر من 220 مليون فدان.
    سبق وأن أشرنا لحجم المياه المتاحة للسودان من المصادر الداخلية والخارجية وهي حوالي 30 مليار متر مكعب وهذه تكفي لزراعة حوالي 6 - 8 مليون فدان.. تعادل جزءاً يسيراً من الأراضي الصالحة للزراعة بالسودان. وهذه المساحة تقل في حال زراعة أكثر من عروة واحدة في العام أو بزراعة المحاصيل الدائمة.

    المياه التي تذهب للزراعة المرويّة من جملة المياه المتاحة تصل نسبتها لـ94% في السودان ( في البلاد الأوروبية وفي أمريكا تذهب 70% من المياه للزراعة وتبقى نسبة 30% للاستخدامات المدنية الأخرى ).

    أهم المشاريع المروية في السودان كما تعلمون هو مشروع الجزيرة ومشاريع الرهد والسوكي وحلفا الجديدة وهي في مجملها تشكل أكثر من 50% من الأراضي المروية في السودان.

    تعلمون أنّ حصة السودان من مياه النيل تبلغ 18.5 مليار متر مكعب في العام، ونسبة ما تم استهلاكه في العشرين سنة الماضية كان في المتوسط 15 – 16 مليار متر مكعب، وهناك فائض ينساب إلى مصر.

    زراعة القمح بالسودان ( الإحصاءات من السيّد وزير الدولة للزراعة، عبد الرحيم علي حمد) في لقاء إذاعي في نهاية مارس 2008م).
    استهلاك السودان السنوي من القمح هو 2.100.000 طن. المحصول المتوقع للعام 2007- 2008م (يكتمل الحصاد تقريبا في هذه الأيّام) هو 800.000 طن وهناك زيادة مضطردة في إنتاج القمح من 2004 (400.000 طن) حتى تاريخه، أمّا بقيّة احتياج السودان يتم استيرادها في الغالب من القطاع الخاص الذي أنشأ صوامع ومطاحن للقمح.

    المساحة الكلية التي ستتم زراعتها في الموسم 2008- 2009م هي 1.200.000 فدان في مشروع الجزيرة ومشروع السوكي ومشاريع النيل الأبيض ، وحلفا الجديدة ، إضافة للزراعات الصغيرة في الولاية الشمالية وغيرها .

    متوسط إنتاج الفدان في مشروع الجزيرة 9 جوال (0.9 طن) وفي مشاريع النيل الأبيض 16 جوال (1.6طن ) والسوكي 12 جوال (1.2طن ) هذه الإحصاءات نأخذها بتحفظ رغم صدورها عن وزير الدولة بالزراعة قبل أسبوعين.

    تتحدث وزارة الزراعة عن إعادة تأهيل مشاريع زراعية قائمة وإنشاء مشاريع أخري في الشمالية جملتها مساحة 500.000 فدان حسب إفادة منسق القمح بوزارة الزراعة مؤخراً ،وذلك بتكلفة مليار جنيه لتأهيل كل 1000 فدان ولا ندري كيف ستوفر لها مياه الري .

    للمقارنة فقط
    تزرع مصر الآن 3.4 مليون فدان بالقمح وهي بالطبع لا تكفي نسبة للزيادة السكانية لذا يريدون زراعة المزيد. ولقد كانت بعض الشركات المصرية تزرع القمح في كندا وكازاخستان. وفي محاورة مع السيد وزير الزراعة المصري في القناة المصرية يقول إنّ فكرة زراعة القمح في السودان فكرة قديمة، منذ 30 عاماً ولكنّ نجاح الفكرة كان مرتبطاً بعلاقة حكومات البلدين، ولكنّ الآن - الحديث للسيد الوزير- فإنّ الحكومة السودانية تشجع الشركات المصرية لزراعة القمح في السودان . ولقد قمت بزيارة السودان 6 مرات خلال العامين الأخيرين. وزراعة القمح في السودان لن تكون عن طريق الحكومة المصرية بل عن طريق شركات مصرية.

    نعود لنربط بين أمرين
    زراعة القمح والمياه المتاحة
    يقول خبراء الزراعة إنّ القمح يحتاج لكمية من الماء تساوي ارتفاع متر من الأرض المزروعة قمحاً حتى نهاية الموسم .
    أي أنّ الفدان وهو 4200 متر مربع يحتاج 4200 متر مكعب من الماء
    أي أن مليون فدان تحتاج 4.2 مليار متر مكعب هذه الكمية تكفي لزراعة القمح لعروة واحدة.
    بعملية حسابية يسيرة نجد أنّ فائض نصيب السودان من مياه النيل والذي يقدر( دون بناء سدود ) بـ 3 مليار متر مكعب تكفي لزراعة 700.000 فدان إضافية لعروة واحدة، فإن أضفنا عروة صيفية فإنّ الماء يكفي لمساحة أقل قد تصل 350 – 450 ألف فدان.

    ثم نعود لنربط بين زراعة الأرض والمياه المتاحة وإنشاء السدود.
    ذكرنا من قبل أنّ إنشاء السدود في مروي وكجبار ودال قد يزيد من التبخر بمقدار ( 2.8- 3) مليار متر مكعب من الماء في منطقة هي الأكثر جفافا والأكثر حرارة في الصيف في السودان.
    إذن الخزانات تستهلك فائض المياه غير المستغل ولن يكون بالإمكان زراعة قمح أو غيره بمستوي كبير في الولاية الشمالية لأنّنا ببساطة لا نملك الماء اللازم للرِّي .
    ومهما كان الغرض من إنشاء الخزانات في شمال السودان فإنّ التبخر الناتج عنها مخصوم من نصيب السودان من مياه النيل.
    إذن المنطق يقول أنّ بناء الخزانات لن يُحدث تنمية زراعية في الولاية الشمالية، وليس ذلك فحسب بل أن التوسع في زراعة القمح في الولاية الشمالية والذي كان ممكنا من الناحية النظرية باستغلال الفائض من نصيب السودان من مياه النيل فإنّ مجرّد قيام الخزانات يجعل ذاك الحلم غير ممكن.
    فأين هي التنمية المرتبطة بالسدود إذن إن لم تكن في الزراعة، وفي زراعة القمح على وجه الخصوص .
    عفوا إننا نحمل الأمر أكثر مما يحتمل فإنّ السدود لا تبنى للتنمية الزراعية والري ولكنها تبني كما هو معلن من أجل الكهرباء فقط. وهذا الأمر لا يحتاج لإقامة البيّنة عليه فقد صرح به وزير الري السوداني وصرح به وزير الري المصري بأّن الاتفاق أن تنشأ الخزانات على النيل في السودان لإنتاج الكهرباء فقط.

    إذن خلاصة القول:
    بناءُ السدود في الولاية الشمالية أهدر ويُهدر فائض الماء غير المستغل من نصيب السودان في نهر النيل.
    وبناء السدود - والحال هذه - يمنعُ أيّ إمكانيّة لتنمية زراعية حقيقية من مياه النيل في الولاية، وإن كان هذا ممكناً بالأمس القريب.
    إذن فإنّ الحديث عن زراعة 6 مليون فدان أو 14 مليون فدان في بعض الروايات، هو حديث لا يرتبط بمياه النيل ولا بالخزانات المقامة عليه.
    أما إن كان الخيار هو زراعة الحوض النوبي بالمياه الجوفية على بعد 40 كلم غرب النيل في منطقة أرقين، فإنّ هذا لا يكون ذا علاقةٍ بالسكان المقيمين في ظل خزان دال أو كجبار ( إن بقيت لهم إقامة هناك)، وفي نهاية الأمر تبقى الآثار السيئة المترتبة من بناء السدود من نزوح وتهجير وفقدان للممتلكات والموروثات وغير ذلك هو حصاد هذه السدود لأهل المنطقة المتأثرة.

    الآثار والسدود
    غني عن القول أنّ الولاية الشمالية، مهد الحضارات، بها من الآثار ما يجعلها محور اهتمام عالمي. ولكن لم نفعل شيئاً ذا بال لاستكشافها أو استغلالها للسياحة. وما يحدث في مصر من أثر السياحة على الاقتصاد وغيره غنيٌّ عن التنويه.

    عندما أعلن عن إنشاء السد العالي تدافعت البعثات الأثريّة عند نداء اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة وقضت بضع سنوات تنقب وتنقل آثار المناطق المهدّدة بالغرق . ولكن لم يكن هذا كافياً. ولدى جمعية الدراسات النوبية بالسودان وثيقة تاريخية هي عبارة عن محاضرة ألقاها البروفسير نجم الدين محمد شريف رحمه الله والتي تتشرف هذه القاعة بحمل اسمه، ألقاها في مؤتمر{ الإنسان والإبداع في بلاد النوبة } عام 1985م تحت اسم { الصراع مع النيل لإنقاذ آثار النوبة} يحكي فيها عن تلك التجربة.
    ولكن الآثار التي غرقت وعلى رأسها الجزء الأكبر من كنيسة فرص وكنسية دبيرة الأثريّة وتماثيل سمنه وبوهين وآثار جزيرة مينارتي وآلاف المناطق الأثرية ذهبت بلا رجعة رغم الجهود التي توفرت بمشاركة معظم البعثات الأثرية المهتمّة بالتراث النوبي في العالم وقتها. وما يُلخّص هذه المأساة ما قاله عام 1956م أستاذ التاريخ الشهير بكلية الآداب بجامعة الخرطوم دكتور هيكوك الذي قال: (حتى لا نُفاجأ بإقامة سدٍّ آخر علينا أن نعمل من اليوم استعداداً لذلك ).
    لكنّ شيئاً كهذا لم يحدث.
    آثار منطقة الحامداب:
    في عجالة حدّدت مسوحات سدّ الحامداب 762 موقعاً اثرياً إلا أنّهم لم يتمكنوا من إنقاذ أكثر من 38 موقعاً ( والمواقع التي لم يتم اكتشافها لابد أعظم. أمّا الآثار الواقعة تحت مقصلة كجبار ودال فهي بلا شك أعظم بكثير.
    هل سمعنا - فيما يُثار عن هذه السدود- يوماً من يتحدّث عن آثار صاي؟ .. أو آثار مسيدة، أو عن أهميّة دراسة أو إنقاذ هذه الآثار في الولاية الشمالية؟

    أنّ إغراق هذه الآثار التي بقيت لاف السنين، ستكونُ جريمة نكراء ليس في حقّ المنطقة النوبية أو الولاية الشمالية أو السودان فحسب، بل جريمة في حق الإنسانية.
                  

09-27-2010, 09:48 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    ماكتبه الدكتور محمد جلال هاشم عن زيارة الوفد الحكومي للرياض برئاسة الفريق عبد الرحيم محمد حسين وبرفقة عدد من الصحفيين .. وقد تناول بحرفية التغطية الاعلامية ..والاخفاقات ...


    لقاء الرّياض، وما أدراك ما الرّياض
    عندما يسافر وزير دفاع دولة أراضيها محتلّة لتنوير المغتربين عن السّدود

    مقدّمة:
    في يوم الخميس الموافق 13 مارس 2008م أُقيمت ندوة تنويريّة عن سدّي كجبار ودال، وذلك بدار السّفارة السّودانيّة بالرّياض عاصمة المملكة العربيّة السّعوديّة، تحدّث فيها أوّلاً ممثّل إدارة السّدود، ثمّ أعقبه السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين (وزير الدّفاع) بوصفه مكلّفاّ من السّيّد رئيس الجمهوريّة للقيام بهذه المهمّة، ثمّ أعقبه السّيّد والي الشّماليّة. جاء الوفد الحكومي بمعيّة عدد من الصّحفييّن البارزين بغية تغطية الحدث. وكانت النّدوة عاصفة، تجاوبت فيها الهتافات بين مؤيّد ومعارض للسّدّ، فضلاً عن أنّها استمرّت لما يقرب من الأربع ساعات. وقد أُتيحت الفرصة في نهاية النّدوة لبعض الشّخصيّات البارزة، وتلك التي تمثّل بعض مؤسّسات المجتمع المدني النّوبيّة هناك، لتعبّر عن رؤاها.
    وقام بتغطية الحدث إعلاميّاً كلٌّ من السّادة: ضياء بلاّل (الرّأي العام)، الطّاهر ساتّي (الصّحافة)، محمّد لطيف (السّوداني)، وأحمد البلاّل الطّيّب (أخبار اليوم). وجاء رأي أغلب النّوبيّين المناهضين للسّدود بخصوص التّغطية الإعلاميّة إيّاها على أنّها كانت غير أمينة، ومنحازة لجانب الحكومة. فقد جاء وصف تلك النّدوة عند أكثر من واحد من هؤلاء الأساتذة الصّحفيّين على أنّها رجّحت "... كفّة مؤيّدي مشروع سدّ كجبار" (عنوان التّغطية عند محمّد لطيف)؛ "سدّ كجبار ... سالت على جوانبه الحقائق" (عنوان التّغطية عند الطّاهر ساتّي)، فضلاً عن محاصرة الأخير التّحقيقيّة Interrogative لبعض المناهضين لاستخلاص ردّ منهم بخصوص "الحقائق التي ذكرها المسئولون"؛ ثمّ أحمد البلاّل الطّيّب الذي صرف (بالتّقريب) حوالي 400 كلمة في مدح السّيّد وزير الدّفاع في تغطيته التي تزيد عن 2000 كلمة؛ ثمّ ما بدا أنّه التزام مبدأ الخبريّة المحضة في تغطية ما حدث دون أيّ تعمّق نقدي في العديد من النّقاط التي كما لو كانت تصرخ بأعلى صوتها جرّاء التّناقضات وضحالة الرّؤى المقدّمة من جانب المسئولين. هذا فضلاً عن عوامل أخرى مرتبطة بالمكان والزّمان كان لها تأثير كبير في تخريج الحدث كما لو كان انتصاراً مؤزّراً لمؤيّدي السّدود. وهذا ما رأى النّوبيّون المناهضون للسّدود أنّه السّبب الحقيقي في اختيار الرّياض لإجراء مثل هذا التّنوير، في الوقت الذي لم تقم فيه الدّولة بتنوير النّوبيّين بالسّودان، وهم من سيغرقون فعلاً. ثمّ التّحدّي الزّائف لمناظرة رافضي السّدود من قبل السّيّد وزير الدّفاع، في الوقت الذي فتحت فيه الدّولة النّار على مظاهرة سلميّة لمناهضة السّد، كما قضى بعض رافضي السّدود الشّهور الطّوال في المعتقل، وذلك عندما شرعوا في التّعبير السّلمي عن رفضهم للسّدود.
    هنا سنقوم أوّلا بتبيان بعض أوجه الخلل المهنيّة فيما نقله بعض أو كلّ هؤلاء، ذلك أنّه يصعب في كثير من الأحيان معرفة ما دار بناءً على ما يقوله هؤلاء الصّحفيّون، وهم (فلنلاحظ ذلك) من كبار الصّحفيّين ـ إن جاز القول بأنّ في السّودان صحافة كبيرة. بعد ذلك سنقوم بمحاولة الرّدّ على بعض النّقاط، لافتين نظر القرّاء إلى أوجه التّناقض فيما أدلى به المسئولون في ندوة الرّياض.
    الخبر الصّحفي بين الرّكاكة اللغويّة والرّكاكة المهنيّة:
    تتّصف صحافتُنا بالرّكاكة اللغويّة، ذلك أنّها لا تعكس في ما تخطّه مطابعُها أيّ إدراك بأنّ للغة حرمتها، ذلك كونها مناط التّعبير عن الفكر والرّأي، فإن هي فسدت، فسدت الرّؤى والأفكار بالضّرورة. إذ لا يمكن أن نقول بنقاء الماء في ظلّ تلوّث الإناء. فصحافتنا هذه الأيّام الكالحات تشهد عبثاً باللغة تجعل أمثال سيبويه يتململون في قبورهم، متمنّين يوم القيامة عسى أن يقتصّ لهم المولى. فالكتابة فنٌّ ينهض في أساسه على القدرة في اجتراح خطّةٍ واضحة للكتابة تقوم بدورها على سداد المنهج وترتيب الأفكار والقدرة على استدعاء مفردات الكلام. وهذه شروحات أوّليّة ما كان أغنانا عنها لولا الفوضى العارمة التي ألمّت بفنّ الكتابة في عهدنا، فإذا بالجملة الواحدة تملأ أشرعة الصّفحات تباعاً دون نقطة، دع عنك الشّولة. كما خرجت علينا بعض الكتابات بأفانين من أباطيل العلامات يرجون بها اجتراح أسلوبٍ خاصٍّ بهم في التّرقيم، وذلك كما لو اعتبروه فنّاً زخرفيّاً لا علاقة له بالدّلالة واستبانة المعنى. وليت الأمر توقّف عند هذا، إذ حفُل نتاج الجرايد والصّحف ممّا قُصد منه أن يكون غذاءً للفكر والعلم بشنيع الخطايا سهواً طباعيّاً في أفضل حالاته ولحناً في اللغة وجهلاً إملائيّاً في أسوئه، دع عنك سقيم الآراء، فطيرها، ممّا يَسْلَحُ به على رؤوسنا جمهرة المتفاكرين صباح مساء، فتصوّر! فالفوضى العارمة التي عصفت بأبجديّات اللغة من نحوٍ وإملاء، خاصّةً ممّا ظلعت به كتاباتُ أغلب مستعربي ومتأسلمي السّودان في هذا الزّمن الكالح، لممّا يستوجب النّظر والتّعليق. فمع اشتداد وتائر الهوس الدّيني الإسلامي، التي لم ترَ في الدّين الحنيف غير سوط عذاب، ومع ارتفاع غلواء العنجهيّة العروبيّة، التي بلغت حدّ القتل والإبادة لمن لم يشمله الاستعراب، زادت طرديّاً وتائر الإزراء باللغة العربيّة إلى درجةٍ تفضح التّوسّل الميكيافيلي للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة باللغة (وبعده وقبله بالدّين الكريم). وهكذا نضحت الصّحف والخطابات الجوفاء ثمّ الإذاعات، مسموعةً ومرئيّة، بأفانين من خطايا الكلام، حتّى كأنْ لم تعد هناك لافتة عامّة في بلادنا لمحلٍّ تجاري أو لاسم مكان أو شارع عام، إلاّ وقد جلّلتها خطايا اللغة عندما تتنزّل من عصمائها لتتمرّغ في وحل وأوصاب الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة.
    وما كان أمر هذه الرّكاكة اللغويّة ليهمّنا هنا ونحن في معرض تحليل ما قام به هؤلاء السّادة الأجلاّء من تغطية (أو قُل: تعرية) صحفيّة، لولا مخايل الرّكاكة المهنيّة القاتلة التي جلّلت تعريتهم الصّحفيّة، وهو ما سنقوم بالتطرّق له. تعالوا الآن نرى كيف نقل هؤلاء لنا تاريخ الحدث، دون أن يتكبّد ثلاثة منهم (ضياء، ساتّي، لطيف) مشقّة إيراد التّاريخ، بالرّغم من مضيّ أكثر من يومين وثلاثة على الحدث. أمّا التّوريخ الذي أورده (البلاّل الطّيّب) فقد كان خاطئاً. تعالوا لنرى:
    * ضياء بلال:
    جاء عنده الخبر تحت العنوان التّالي: "الحكومة تنفي اعتزامها توطين 5 ملايين مصري بالشمالية: الفريق عبدالرحيم: الهدف من سد كجبار إعادة مهاجري النوبة الأوائل". جريدة الرّأي العام. السّبت 15 مارس 2008. العدد 3772. وورد في الموقع الإلكتروني للصّحيفة:ال
    http://www.rayaam.sd/News_view.aspx?pid=106&id=7397
    "... الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع ومبعوث رئاسة الجهورية للمملكة العربية السعودية لمحاورة الرافضين لقيام سد كجبار في ندوة حاشدة بمقر السفارة السودانية بالرياض أمس الاول ...". فلو أنّه قال: "... مساء الخميس أمس الأوّل 13 مارس 2008م ..."، ينال حظوة الحصافة العلميّة والمهنيّة. ومع هذا فهو أخفّ الأربعة ركاكةً، لولا توقّيه بمبدأ الخبريّة تحايلاً وتحاشياً لنقد مقاتل التّناقضات التي عنون بها خبره، ممّا سنقوم بالتّعرّض له أدناه.
    * الطّاهر ساتّي:
    جاء عنده الخبر على النّحو التّالي: "سدّ كجبار ... سالت على جوانبه الحقائق. أمين لجنة الإعلام يسأل: لماذا تمارس الحكومة نهج التّعتيم في مشروع سدّ كجبار". جريدة الصّحافة. الأحد 16/3/2008. العدد 5295. وفيه يقول عن تاريخ النّدوة: "ما حدث في الرّياض يوم الخميس الفائت ...". أي بعد ثلاثة أيّام.
    * محمّد لطيف:
    جاء عنده الخبر على النّحو التّالي: "ندوة الرّياض ترجّح كفّة مؤيّدي مشروع سدّ كجبار. وزير الدّفاع: الطّاقة والأمن الغذائي هما إسهام الشّمال في وحدة السّودان. معارضون للسّدّ: التّعاطي الحكومي يفتقر إلى الشّفافيّة والمصداقيّة". جريدة السّوداني. الأحد 16/3/2008. العدد 842. وفيها يقول عن التّاريخ" "نحو التّاسعة من مساء الخميس وصل الفريق عبد الرّحيم إلى مباني السّفارة السّودانيّة بالرّياض بتكليف من رئيس الجمهوريّة لإدارة الحوار مع واحدة من أكبر الجاليات السّودانيّة بالخارج ...". فما ضرّه لو شفع كلّ هذه التّفاصيل بتاريخ اليوم، خاصّة وأنّه يكتب عنه بعد ثلاثة أيّام؟
    * أحمد البلاّل الطّيّب:
    جاء عنده عنوان التّغطية كبيراً ومضخّماً وبتفاصيل تعكس تضخّم وتوهّج الذّات Flamboyancy لدى السّيّد "رئيس التّحرير" [كذا] دون ذكر اسمه بافتراض أنّه علمٌ في راسه نار: "رصدها رئيس التّحرير بقلمه وصّورها بهاتفه النّقّال بمباني السّفارة السّودانيّة بالعاصمة السّعوديّة الرّياض. الوقائع الكاملة للقاء التّنويري العاصف لوزير الدّفاع ووالي الشّماليّة وممثّل السّدود مع أفراد الجالية السّودانيّة بالرّياض من أبناء الولاية الشّماليّة الرّافضين والمؤيّدين لقيام السّدود وخاصّة سدّي كجبار ودال (1)". جريدة أخبار اليوم. الأحد 23/3/2008. العدد 4830. أمّا بخصوص التّاريخ، فقد أورده، نعم، ولكن بعد 400 كلمة من بداية التّغطية: "وعندما وصلنا للرّياض توجّهنا من المطار مباشرةً مساء الخميس 12 مارس الحالي إلى مباني السّفارة السّودانيّة ...". إذن فقد أورد توريخاً خاطئاً، إذ بدلاً عن يوم 13 مارس الحالي، نقرأ 12 مارس الحالي. ولنتأمّل مثل هذا الخطأ في ظلّ كلّ هذه التّفاصيل الرّكيكة.
    لماذا وزير الدّفاع؟ ولماذا السّعوديّة؟
    لم يرفع أيّ واحد من صحفيّينا الكبار السّؤال الذي خطر على بال غالبيّة النّوبيّين، ألا وهو لماذا يذهب وزير الدّفاع لينوّر النّوبيّين في المملكة السّعوديّة؟ إذ ما الذي يعنيه من ناحيّة رسميّة في هذا الشّأن؟ هل لمجرّد كونه نوبيّاً؟ على هذا، هل قام بتنوير من ترى الحكومة أنّ الغرق يعنيهم في المقام الأوّل، بحكم أنّه سيطولهم، ألا وهم القاطنون بالقرى المعرّضة للإغراق، حتّى يذهب إلى من هم بالسّعوديّة ليقوم بتنويرهم؟ أوليس هؤلاء هم أنفسهم الذين قامت إدارة السّدود بتصنيفهم في سدّ مروي على أنّهم غير جديرين بالتّعويض بحجّة الغياب الطّويل عن القرية؟ فهل يعني هذا التّنوير الرّسمي اعترافاً من الدّولة بحقّهم في التّعويض؟ من جانبنا نرى أن النّوبيّين في أيّ مكان في العالم معنيّون بما يجري في موطنهم الأمّ؛ فهل هذا هو نفسه رأي الحكومة؟ هل هذا هو نفسه رأي إدارة السّدود؟ دع عنك من كلّ هؤلاء، هل هذا هو نفسه رأي سيادة وزير الدّفاع؟ ثمّ هل علموا بأنّ النّوبيّين في الخرطوم، وليس في السّعوديّة، ممثّلين في جمعيّاتهم الخيريّة، قد ظلّوا لشهور يطرقون أبواب إدارة السّدود بغية كلمة واحدة بخصوص ما أعلنته من نيّة لإقامة سدّي دال وكجبار دون أن تظفر من هذه الإدارة الإمبراطوريّة بردّ واحد؟ وحتّى لا يكون الكلام معمّماً، دعني أذكر لك جمعيّة صاي الخيريّة بالخرطوم، فقد قامت بإرسال خطاب رسمي لإدارة السّدود، كيما تقوم بانتداب أحد مسئوليها لتنوير أهالي صاي خاصّة والنّوبيّين عامةّ بأمر سدّ دال، دون أن يظفروا بأيّ ردّ ينطوي على أيّ احترام لمصائر النّاس. فلماذا تقوم إدارة السّدود بتنوير النّوبيّين في السّعوديّة، وهم من سترفض الاعتراف بحقّهم في التّعويض، بينما تترفّع إدارة السّدود عن تنوير من هم بالخرطوم؟ ثمّ لماذا وزير الدّفاع ليقوم بهذه المهمّة، وهو الذي يتّهمه النّوبيّون على أنّه عرّاب تفريغ الشّمال النّوبي بغية توطين ملايين المصريّين؟
    يا سادتي الجيش مهمّته الذّود عن حياض الوطن؛ ولكن ها هو الوطن يعاني من الاحتلال في بعض أطرافه، خاصّة في حلايب، وفي الفشقة، ومثلّث سرّة بشمال السّودان لدرجة استعصاء إجراء التّعداد السّكّاني بمثلّث حلايب. ومع هذا يقوم وزير الدّفاع باستصحاب بعض الصّحفيّين ليخوض معركة تنوير النّوبيّين بأمر السّدود في بلاد المهجر. ثمّ يأتي بعض هؤلاء الصّحفيّين غير الغررة، وهم في غاية الانبهار بالنّصر المؤزّر الذي أصابه وزير الدّفاع هناك؟ فهل فعلاً أصاب نصراً صادقاً أم تراه كان نصراً زائفاً من قبيل انتصارات دون كيشوت؟ تعالوا لنرى!
    عنصر الزّمن
    إذن فقد تحّدث وتحدّث السّيّد وزير الدّفاع، ثمّ تلاه السّيّد والي الشّماليّة، ثمّ تلاهما السّيّد ممثّل إدارة السّدود، ثمّ بعد ذلك أُتيحت الفرص لمن لديه اعتراض أو أيّ استفسار. فكم استغرق حديث هؤلاء يا سادة من لفيف صحفيّينا الكبار؟ هل يمكن أن نزعم بما نسبته 5 إلى 1 من الدّقائق؟ بمعنى هل كانت نسب مجموع الدّقائق المتاحة للسّادة المسئولين لتلك المتاحة للمعلّقين على النّحو التّالي: إزاء كلّ 5 دقائق للمسئولين كانت هناك دقيقة للمعلّقين؟ فهل تتساوى فرص التّعبير عن وجهة النّظر، ثمّ المحاججة، عند من يملك المنبر، وبالتّالي يملك الزّمن، كلّ الزّمن، مع فرص أولئك الذي يُعطَون الفرصة مع تحديد الزّمن بثلاث أو أربع أو خمس دقائق ـ أو حتّى قل عشر دقائق؟ لماذا تغفل تقارير السّادة الصّحفيّين عنصر الزّمن فيما جرى، دون أن ينسى بعضهم (ولهم الشّكر) إفادتنا بأنّ اللقاء استمرّ لأكثر من كذا ساعة؟ ثمّ هل يكفي الزّمن في مثل هذه الحالات لأكثر من رفع السّؤال، وهو ما قام به ذلك النّفر الكريم من النّوبيّين؟ فهل يعني اختصار أمرهم على الأسئلة بسبب قصر الزّمن، دون تفنيد حجج المسئولين، أنّهم انقلبوا إلى أهلهم فرحين بالسّدود ومباركين لها؟
    عنصر الإرهاب
    هل علم السّادة الصّحفيّون الكبار أنّ الدّولة السّعوديّة قامت بمنع السّودانيّين عامّة والنّوبيّين وأهل دارفور بصورة خاصّة عن عقد أيّ اجتماع لتداول قضيّة كجبار أو دارفور، مهدّدةً لهم بالتّرحيل الفوري؟ وقد جرى هذا في أعقاب أحداث كجبار في يونيو من العام الماضي على خلفيّة مجزرة كجبار التي قام بها جنود دولة السّيّد الفريق بدمٍ بارد. ثمّ هل علموا بأنّ الدّولة السّعوديّة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقرنت القول بالعمل، وقامت بالفعل باعتقال عدد من النّوبيّين كانوا بصدد التّعبير عن احتجاجهم لمذبحة كجبار؟ ثمّ هل علموا بأنّ الدّولة السّعوديّة لم تطلق سراحهم إلاّ بعد أن استكتبتهم تعهّدات شخصيّة بعدم تناول هذا الموضوع بأيّ شكل من الأشكال طالما كانوا بأراضيها، وإلاّ فليتحمّلوا مسئوليّة ترحيلهم فوراً إلى السّودان؟ ثمّ هل هل علموا أنّ النّوبيّين عامّة، ممّن يندرجون تحت طائلة معارضة السّدود، على قناعة راسخة بأنّ السّلطات السّعوديّة اتّخذت تلك الإجراءات بعد اتّصالات قام بها السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين وزير الدّفاع؟ لقد ملأت أخبار تلك الأحداث بتفاصيلها المتعلّقة بالسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين ودوره في تلك الإجراءات النّاجزة، صفحات المواقع النّوبيّة التي لا يحصيها العدّ؟ ربّما لا يكون للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين يد فيما قامت به السّلطات السّعوديّة (طبعاً دون أن نعفي دولته منها)، لكن طالما كانت تلك هي قناعات الغالبيّة من النّوبيّين المقيمين هناك، يمكننا أن نتوقّع ما هو أكثر من الهشاشة والضّعف في يوم محفلكم الذي تناديتم له من عبر بحر القُلزم. ثمّ علينا أن نضع في الاعتبار أنّ ذلك اللقاء أقيم داخل حرم السّفارة السّودانيّة، أي داخل عرين الأسد. فهل يمكن للصّحفي الحاذق، والمهني الضّليع، أن يتوقّع مباراة كلاميّة متساوية التّنافس؟ فهيبة السّلطة وحدها ـ حتّى لو كانت سلطة يعارضها الإنسان ـ كفيلة في أغلب الأحيان بلجم لسان المعارضين من غير ذوي الباءة السّياسيّة، دع عنك باقي العوامل التي أفضنا فيها. ومع كلّ ذلك، جاءت مواقف النّوبيّين كأقوى ما تكون، إذ هل كان لديهم أكثر من فرصة رفع الأسئلة، وقد رفعوها عبر مذكّرتهم التي طالبوا أوّل ما طالبوا به عدم التّكتّم والشّفافيّة؟ فهل وجدوها في السّعوديّة، وهي الشّفافيّة التي غابت عن أهلهم بالسّودان، أي حُجبت عن الذين تعترف إدارة السّدود بأنّ أمر الإغراق يعنيهم في المقام الأوّل؟
    فلو أنّ الحكومة ممثّلة في أيّ شخصيّة رسميّة ـ أكانت وزير الدّفاع أم وزير الدّاخليّة أم وزير الماليّة إلخ ـ أرادت بصدق تنوير النّوبيّين بالسّدود بغية الوصول إلى ما يُعتمل في نفوس المواطنين، فعليها أوّلاً أن ترفع الحظّر على تناول هذا الموضوع، ثمّ بعد ذلك عليها أن تسعى لمن تعتقد، محقّة أو مخطئة، بأولويّتهم في التّنوير، ألا وهم النّوبيّون المقيمون بالسّودان، بالقرى أوّلاً، ثمّ بالمدن، ثمّ بعد ذلك بنوبيّي المهجر. ولا أحتاج يا سادة إلى تذكير النّاس أنّ هذه هي نفسها الحكومة التي فتحت النّار على مظاهرة سلميّة نظّمها أهل قرية نائية لم يسمع بها النّاس من قبل، خرجوا احتجاجاً على تغييبهم من عمليّة تقرير مصيرهم، فأردت أربعة منهم شهداء مضرّجين بدمائهم. ثمّ هي نفسها الحكومة التي زجّت بنشطاء النّوبيّين، ومن بينهم كاتب هذه السّطور، لأكثر من 60 يوماً حسوما بالمعتقل لمجرّد أنّهم من جانبهم حاولوا أيضاً أن يقوموا بتنوير أهلهم والرّأي العام بمساوئ السّدود وذلك عبر ندوات ولقاءات سلميّة. كما هي نفسه الحكومة التي زجّت في السّجن بالصحفيّين الذين تكبّدوا مشاقّ السّفر لتغطية تلك الأحداث.
    فهل علموا كلّ هذا، ثمّ تجاهلوه؟ أم أنّهم لم يكونوا يعلموا به؟ إن كان الأوّل، فقد فارقوا المهنيّة وأخلاقها؛ وإن كان الثّاني، فها هم قد علموا.
    التّعرية الصّحفيّة وما قاله بالفعل السّيّد وزير الدّفاع
    نجد في كثير من المواضع ممّا قام هؤلاء الاساتذة الصّحفيّون الأجلاّء بتغطيته صعوبة في معرفة ما قاله السّيّد وزير الدّفاع على ما في إفاداته من خطورة وأهمّيّة. وهذا في رأينا لأنّ الأربعة لم يقوموا بوضع خطّ فاصل بين الخبر من جانب، وبين التّغطية من جانب آخر. ففي الخبر يجوز لك أن تختصر ما جرى في قشرة جوز Nutshell، على ألاّ تفوتك عناصره الأساسيّة. أمّا في التّغطية (ولنلاحظ ما يعنيه مصطلح "تغطية" Coverage)، عليك أن تقوم برسم صورة بانوراميّة مشفوعة بالعديد من التّفاصيل لما جرى. وحتّى لا يُتّهم الصّحفي بالتّغطية الخاطئة أو المغرضة، يعتمد في إيراده للتّفاصيل على الاقتباس، عملاً بالقاعدة الفقهيّة القائلة بأنّ رواية الكفر لا تكفّر. وليس أيسر من إيراد الاقتباس دون زيادة أن نقصان في حال تسجيل حيثيّات ندوة في عصر العولمة الرّاهن.
    أدناه سنقوم بإيراد اقتباسات من التّغطيات التي قام بها كلّ واحد من الأربعة على حدة، وذلك تبياناً لنقاط بعينها ذات خطر وشأن. ما نريد من القارئ متابعته هو كيف ستتوه بنا مشارع هذه التّعريات عن استجلاء حقيقة ما قال به السّيّد وزير الدّفاع، والذي بدوره لا نبرّؤه من مغبّة ما نُسب إليه. فمع أنّنا لا نرمي إلى الزّعم بتّحريف ما قاله بحسبان أنّ ما نُسب إليه في عموميّاته ممّا سارت بذكره الرّكبان، وهو ما كنّا قد دبّجّنا بشأنه أكثر من ردّ، إلاّ أنّ ما يعنينا هنا هو أوجه الرّكاكة المهنيّة في التّعرية الصّحفيّة التي قام صحفيّونا. سنأخذ في الجانب الجزئيّة المتعلّقة بتوطين ما مقداره خمسة ملايين فلاّح مصري بشمال السّودان، لنرى كيف وردت هذه الإفادات عند كلّ واحدٍ من الأربعة.
    إفراغ الشّمالية من السّكّان بحجّة بناء السّدود وتوطين خمسة مليون فلاّح مصري
    * ضياء بلال:
    جاءت هذه الجزئيّة في صلب عنوان الخبر عنده، كما رأينا أعلاه. وفيه يثبّت الأستاذ ضياء البلاّل النّفي، دون أن يتعرّض لحقيقة أنّ نفي وزير الدّفاع يتناقض مع نفسه في ذات الفقرة. نقرأ الخبر عنده على النّحو التّالي في مواضع منفصلة عن بعضها:
    "ونفت في ذات السياق وجود وثائق او اتفاقيات تؤكد عزمها توطين خمس ملايين مواطن مصري بالشمالية ... وقال ان قلة الكثافة السكانية بشمال السودان تعتبر واحدة من مهددات الامن القومي مستشهداً بما حدث في حلايب ... ونفى عبد الرحيم محمد حسين ما يشاع عن وجود اتفاقيات تسمح بتوطين خمسة ملايين مواطن مصري بشمال السودان وقال ان السودان أرض هجرات وان به سبعة ملايين مهاجر من غرب افريقيا وبالتالي ليس هنالك ما يمنع استقبال خمسة ملايين مواطن مصرى. وقال ان الاراضي لن تملك للمستثمرين ولكن ستظل ملكاً لحكومة السودان".
    فأين النّفي هنا؟ أوليس فيما قاله السّيّد الوزير إثبات لما نُسب (لاحظوا: "نُسب" هذه) إليه من قبل في الموقع الإلكتروني لمركز الأهرام للدّراسات الإستارتيجيّة، وهو ما يستند عليه النّوبيّون في أنّ الحكومة قد عقدت هذا الاتّفاق مع مصر سرّاً؟ ولنركّز على دفوعات السّيّد وزير الدّفاع بخصوص حلايب والكثافة السّكّانيّة التي ترد باقتضاب شديد في إفادة الأستاذ ضياء البلاّل، ويُشكر على جزئيّة "حلايب"، إذ لا ترد أبداً في تغطية الآخرين. بخصوص الصّياغة والاقتباس، لا تثريب على ما قاله، باعتبار أنّه خبر، أكثر منه تغطية.
    * الطّاهر ساتّي:
    لا يورد الأستاذ الطّاهر ساتّي أيّ تغطية بخصوص هذه النّقطة الهامّة، دع عنك اجتراح أيّ رؤية نقديّة لما قال به السّيّد وزير الدّفاع. وكلّ ما يمكن أن نورده له بخصوص هذه الجزئيّة هو قوله عن السّيّد الوزير بخصوص سدّ كجبار [التّرقيم بنظام النّقطتين جاء في الأصل]:
    "... وأهدافه هي إعادة بناء المجتمع النّوبي على أرض النّوبة وهو ليس للتّهجير بل لإعادة التّوطين ثمّ إعادة الكثافة السّكّانيّة لأرض النّوبة التي هجرها سكّانها .. والفقر السّكّاني من مهدّدات الأمن القومي .. نسعى لخلق هجرة معاكسة ولن نهجّر النّوبة من أرضهم .."
    وهنا لا نملك إلاّ أن نتعجّب من لعبة الإخفاء والإظهار التي نشاهدها هنا، وسنشاهدها فيما يلي من إفادات أخرى. إذ لا نجد في تغطية الأستاذ الطّاهر سّاتي ما وجدناه في التّقرير الإخباري للأستاذ ضياء البلاّل. وقد وردت تغطية الأوّل في صفحة كاملة، بينما لا يزيد تقرير الثّاني عن ثُمْن صفحة. فمثلاً لا نجد أيّ ذكر للنّقاط المتعلّقة بتوطين الفلاّحين المصريّين بشمال السّودان، ولا أيّ شيء لاحتلال حلايب (لاحظوا: ورود كلمة "احتلال" بلسان وزير الدّفاع في معرض التّنوير بإقامة سدّ!).
    * أحمد البلاّل الطّيّب:
    نلاحظ في لغة هذا الصّحفي العتيد أنّه يقع على الخبر تنقيراً كما يقع الطّائر بمنقاره على طعام بالأرض. فهو يتعامل مع المادّة قيد التّغطية بأسلوب "من كلّ نبعٍ قطرة"، إذ لا يكاد ينقر جزئيّة بعينها حتّى يطير عنها، لينقر أخرى، وهكذا دواليك. وعلى هذا ننتهي منها في خاتمة أمره بجزئيّات متناثرة، متطايرة لمعلومات مختلفة، فلا نبينُ معنىً لها ولا مبنى. نقول هذا استناداً على التّفاصيل التي أفاد بها الآخرون، أللهمّ إلاّ أن تكون من بنات أفكارهم، منّوا بها على السّيّد وزير الدّفاع، من قبيل "زيادة الخير، خيرين". إقرأوا معي:
    "... السّدّ لإعدة التّوطين وإعادة الكثافة السّكّانيّة لأرض النّوبة ولنراجع معاً أيّها الإخوة الكثافة السّكّانيّة الموجودة الآن على النّيل من الشّلاّل إلى حلفا ولكم أن تعلموا أنّ الأراضي الزّراعيّة الصّالحة للزّراعة (6) مليون فدّان فيما تبلغ المساحة الصّالحة للزّراعة بالولاية الشّماليّة حسب الدّراسات (14) مليون فدّان والمساحة من خزّان السّبلوقة ـ حلفا 1.2 مليون فدّان .. وفي مصر عدد السّكّان (65) مليون يعيشون على الـ (6) مليون فدّان الصّالحة للزّراعة .. أمّا نحن وبالرّغم من الـ 14 مليون فدّان الصّالحة للزّراعة وبعد كلّ المجهودات التي بذلها الوالي استطاع أن يزرع 500 ألف فدّان فقط ...".
    جلاء هذه الجزئيّات المتناثرة، يمكن استبانتها بما قاله الأستاذان ذياء بلاّل والطّاهر ساتّي أعلاه، بيد أنّ يقوله الأستاذ محمّد لطيف أدناه قد يكون أكثر غبانة عن معميّات صاحب أخبار اليوم.
    * محمّد لطيف:
    وتستمرّ لعبة الإظهار والإخفاء فيما يورده الأستاذ محمّد لطيف، إذ نسمع بإفادات جدّ خطيرة، بينما تسقط أخرى جدّ خطيرة أيضاً أفاد بها الآخرون. يبدأ الأستاذ محمّد لطيف تغطيته بقوله:
    "القضيّة المطروحة وهي قضيّة سدود الشّمال تهمّ بالدّرجة الأولى أبناء المنطقة وهي القضيّة التي كان يمكن أن تمضي تنمويّة اقتصاديّة صرفة لولا دخول أجندة سياسيّة ثم! الاستخدام المفرط للقوّة الذي أودى بحياة أربعة من أبناء المنطقة فحوّاها إلى قضيّة سياسيّة تدقّ منابر العالم بعد أن دخلت أجندة المقرّلا الخاصّة لحقوق الإنسان".
    وهذا قولٌ عجيب، والله، لا يشبه عندي إلاّ ما يقوله الغرب في معرض نقدهم لإسرائيل بموازنته بنقد موازٍ للفلسطينيّين. فما هي هذه الأجندة السّياسيّة، قبل أن نسأل عمّن أدخلها؟ النّوبيّون أم الحكومة؟ من الذي ذهب إلى المصريّين في عام 2002 وتباحث معهم بخصوص الحرّيّات الأربع التي سمحت للمصريّين بدخول بلادنا دون أن تسمح لنا بدخول مصر المحروسة؛ والتي سمحت للمصريّين بتملّك الأراضي الزّراعيّة وبالاستيطان، في الوقت الذي تنتاش فيه رصاصات الجيش المصري فقراء السّودانيّين بمصر، ممّن لا تجود لهم الحكومة المصريّة بأيّ إعانات، فكان أن شرعوا في اللجوء إلى إسرائيل؟ ثمّ من الذي باع ما مقداره 6.1 مليون فدّان (رادع: جريدة الصّحافة، 31 مارس 2004، عدد 3892) لمصر من أراضي الحوض النّوبي؟ ثمّ من الذي جلس إلى خبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة يشرح لهم ألاّ سبيل أمام مصر غير التمدّد جنوباً إلى السّودان في يناير من عام 2005م؟ أوليس هو نفسه السّيّد وزير الدّفاع؟ أوليست كلّ هذه القضايا سياسيّة، وقد بادرت بها حكومتنا السّنيّة؟ ثمّ من الذي قام بتحويل مسألة بناء السّدود من عمليّة فنّيّة بحتة إلى عمليّة سياسيّة، وذلك بتتبيعها إلى رئاسة الجمهوريّة (وهي هيئة سياسيّة) بنزعها من وزارة الرّيّ والموارد المائيّة (وهي هيئة فنّيّة بحتة)؟ فكيف كنت تتوقّع أن يكون ردّ فعل الشّعب إزاء حكومة تقوم بتسييس عمليّة بناء السّدود؟ ثمّ أين تكون الأجندة؟ في الفعل، أم في ردّ الفعل، أم في التّداعيات؟ المنطق والتّجارب تقول بأنّ الأجندة الخفيّة عادةً ما تكون في الفعل، ثمّ بعد ذلك في التّداعيّات، لكن لا يمكن لها أن تكون في ردّ الفعل، أللهمّ إلاّ إذا كان ردّ الفعل متواطئاً مع الفعل، أو متربّصاً به. النّوبيّون هنا هم أصحاب ردّ الفعل، وعليك أنت أن تبحث عن أجندة أصحاب الفعل (وهم الحكومة)، ثمّ عن أصحاب التّداعيّات (مقرّرة حقوق الإنسان).
    ثمّ دعونا بعد هذا نستعرض ما قاله الأستاذ محمّد لطيف نقلاً عن السّيّد وزير الدّفاع إظهاراً كان أم إخفاءً، وذلك من مواقع منفصلة، بخصوص إفراغ المنطقة وتوطين الفلاّحين المصريّين (ولتلاحظوا معي كيف تقف فوضى التّرقيم عائقاً دون استبانة المعنى بصورة جيّدة):
    "... الهدف منها إعادة النّوبة لأرض النّوبة لا للتّهجير، إعادة المهاجرين من الهجرة الأولى من توتي وحلّة خوجلي، طول النّيل من السّبلوقة إلى حلفا تساوي مرّة ونصف طوله من حلفا للمصبّ .. الأراضي الصّالحة في الشّماليّة (14) مليون فدّان من السّبلوقة إلى حلفا و(6) ملايين فدّان من حلفا إلى المصبّ .. (6) ملايين بها (65) مليون نسمة والـ(14) مليوناً بها مليون ونصف المليون. قلّة كثافة السّكّان خطر مهدّد للأمن الوطني لذلك فواحد من أهداف السّدود خلق الكثافة السّكّانيّة المطلوبة لكنطقة النّوبة لإحياء التّراث النّوبي، ..."
    هذا قولٌ عجيب، ولا يستقيم واقفاً على قدميه إلاّ متّكئاً على عصا المغالطات. يا صديقي دعني أقتبس لك ممّا قاله السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين (وكان حينها وزيراً للدّاخليّة) في ندوته أمام خبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة بالقاهرة في يوم 7/1/2005م، وذلك نقلاً من الموقع الإلكتروني التّالي:
    http://www.ahram.org.eg/archive/inde...5.htm&DID=8359
    "شدّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين في عرضه على أنّ مجرى نهر النّيل في المنطقة الواقعة بين الخرطوم حتّى وادي حلفا في الشّمال أكثر طولاً من ذلك الجزء من النّهر الذي يمرّ في الأراضي المصريّة وأشار إلى مفارقة هائلة تتمثّل في أنّ سكّان مصر الذين يتركّزون بشكل أساسي حول ضفّتي النّهر يبلغون تقريباً 70 مليون نسمة بينما يعيش 1.2 مليون نسمة فقط في المسافة من الخرطوم إلى وادي حلفا. وإذا كانت التّقديرات تشير إلى أنّ عدد سكّان مصر سوف يصل إلى 100 مليون نسمة بعد عشرين سنة من الآن فأين سوف يذهبون وإلى أين سيكون التّوجّه المصري لمعالجة هذا الموقف؟ في هذا الإطار أشار الوزير السّوداني إلى أنّ مصر اتّجهت اهتماماتها السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة طوال الخمسين عاماً الماضية إلى الشّمال ولم تلتفت إلى حدودها الجنوبيّة وأنّه قد حان الوقت لوضع إستراتيجيّة تكفل تحقيق المصالح الحيويّة لقطري وادي النّيل حيث إن الأوضاع الحاليّة تستوجب أن يكون التّحرّك المصري هو باتّجاه السّودان على الأقلّ لحل مشاكل مصر الغذائيّة والسّكّانيّة وفي الوقت نفسه المساهمة في تحقيق التّنمية والاستثمار الأمثل للموارد في السّودان بشكل متوازن ومتبادل لمصلحة كلا الطّرفين".
    وبخصوص نفس النّدوة، يمكنك أن تراجع الموقع التّالي: http://www.ahram.org.eg/acpss/:
    "وتحدث المسئول السودانى عن أهمية هذا الاتفاق مستنداً على أن الهجرات العربية والإسلامية إلى السودان شكلت هوية السودان فيما بعد ولكن تلك الهوية واجهت صعوبات بسبب توقف الهجرات العربية وخاصة من الجزيرة العربية المنطقة الأقرب إلى السودان وحدوث فى المقابل هجرات من دول غرب أفريقيا حيث يوجد 7.5 مليون منهم فى شرق السودان وهذا كان له أثره فى تحديد هوية السودان حيث أثرت تلك الهجرات على التركيبة السكانية وشكلت خطورة فى تغيير تركيبة السودان العرفية ككل وإخلال التوازن العربى - الأفريقى، حيث يعانى وسط السودان من فراغ وهذا الفراغ إذا لم يتم امتلائه من مصر وهن الأكثر حاجة إليه فأنه سيتم امتلائه من الآخرين فحتى إسرائيل أرادت أن يكون لها وجود فى السودان".
    فأيّ الحديثين المنسوبين للسّيّد وزير الدّفاع تريد من النّوبيّين تصديقه؟ ملء المنطقة بالنّوبيّين، بما في ذلك محس الخوجلاب، أم بالمصريّين حسبما نسبته له هذه المواقع المصريّة الرّسميّة؟ هذا سؤال أترك لك محاولة الإجابة عليه.
    ولكن صديقنا محمّد اللطيف لا يريد أن يلطف بنا، إذ نراه، مع كامل إيماننا من أنّه على علم بما نسبته المواقع المصريّة للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين، يأبى إلاّ أن يورد لنا المزيد من نفي النّفي، ونشر النّشارة. فهو ينقل عن السّيّد الوزير ما يلي:
    "أمّا حكاية توطين (5) ملايين مصري في شمال السّودان (فدا كلام فارغ). ويضيف الوزير بانفعال واضح [سطر جديد] (أتحدّاك جيب وثيقة تقول في (5) ملايين مصري خُطّط لتوطينهم في السّودان أنا ما وزير موظّف أنا واحد من صنّاع الإنقاذ أعرف كلّ شيء فيها وإذا كنّا بصدد استجلاب مصريّين فليس من داعٍ لإخفاء الأمر ونحن حدودنا مفتوحة .. الآن لدينا (7) ملايين من غرب أفريقيا وهو أمر يعرفه القاصي والدّاني فلماذا سنخفي أمر المصريّين إن كنّا نخطّط له؟ ليس هناك نزع ملكيّة (علي بالطّلاق) ما في .. ليس هناك قرارات مصادرة بالشّماليّة .. الأراضي ما مملوكة لسدّ مروي مملوكة للحكومة، نسعى لتمليك الأراضي لأهل الولاية .. سدّ مروي لتطوير الأرض لا امتلاكها مثل مشروع الجزيرة .. هناك من هم في الخارج يعارضون حكومة الجبهة ويجب ألا يحاربوا مشاريع التّنمية".
    جانباً عن المفارقة الكامنة في مقارنة مشروع الجزيرة بوحدة تنفيذ السّدود (وهو ما يشير بوضوح إلى الطّبيعة الأخطبوطيّة لهذه الإدارة)، وجانباً عن القدح في طاقة بعض الوزراء (الموظّفين ـ كأنّما هو ليس بموظّف عام) من غير صنّاع انقلاب يونيو (انقلاب الجبهة ـ أي من يبوئون بكذبتهم المنبريّة البلقاء حينا أنكروا ولجّوا في الإنكار) ـ جانباً عن كلّ هذا، تُرى ماذا يعني السّيّد الوزير بتحدّيه في أن يأتي له أيّ شخص بوثيقة تُشير إلى توطين ملايين المصريّين؟ أوليست الصّفحات الإلكترونيّة هذي بوثائق طالما صدرت من جهات مسئولة؟ فلماذا تتقوّل عليه مثل هذه المؤسّسة المصريّة البحثيّة المحترمة ذات الأهداف الإستراتيجيّة؟ ثمّ هل قام بنفي ما ورد فيها وبتكذيبه؟ هل طالب باعتذار عمّا لحق به من تقوّلات كاذبة؟
    وبخصوص الرّقم (5) ملايين مصري، والمصادر التس استقى منها النّوبيّون هذا الرّقم بالتّحديد، نقول لك يا صديقي العزيز، عليك أن تراجع جيّداً ما نسبه مركز الأهرام للسّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين. عندها ستعرف كيف توصّل النّاس إلى هذا الرّقم، والذي في حقيقته تقريبي ليس إلاّ. فقد جاء فيما نسبه مركز الأهرام على لسان السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين الآتي:
    "ولمزيد من التّوضيح [لاحظوا هذا توضيح للخبراء المصريّين في مجال الاستثمار يقوم به لواء في الجيش السّوداني ـ كذا] ضرب الوزير السّوداني بعض الأمثلة المحدّدة وقال بأنّ منطقة ’أرقين‘ جنوب الحدود السّودانيّة المصريّة مباشرةً بها أراضي خصبة قابلة للزّراعة مساحتها 1.5 مليون فدّان وأنّ هذه المنطقة يمكن بدء العمل فيها فوراً وبإمكانها استيعاب مئات الآلاف من الأسر المصريّة لتشغيل مثل هذا المشروع وأنّ هذا يحقّق مصالح عديدة لمصر من بينها تخفيف حدّة البطالة واستثمار اقتصادي بعائد مربح واستثمار إستراتيجي بتوفير الغذاء بالاعتماد على الذّات".
    وعليه، الرّقم الذي تنطوي عليه جملة استيعاب (مئات الآلاف من الأسر المصريّة)، يمكن أن يكون 100.000 أسرة X 7 أو 5 أفراد، أو 900.000 أسرة X 7 أو 5 أفراد. وعليه تتراوح الاحتمالات ما بين مليون إلى 5 مليون. فإذا أضفنا إلى هذا ما ظلّ يحكيه النّوبيّون من أنّ السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين كان قد جمع وجهاء النّوبيّين عام 2002م بالخرطوم ليبشّرهم بخبر السّعي بجديّة لتمكين ملايين المصريّين من الاستيطان في الشّمال النّوبي الذي كاد يخلو من سكّانه، وأصبح مهدّداً بأن يحتلّه أقوام قادمون من غرب أفريقيا ـ إذا أضفنا هذا إلى الاحتمالات الرّياضيّة، سنجد أنّ الرّقم (5) مليون يقف عارياً خجولاً أمام أسوأ الاحتمالات.

    كيف ومتى نبني سدّاّ
    هنا سنحاول في معرض رصدنا لتناقضات ما ورد في تغطية الأساتذة الصّحفيّين ممّا نسبوه للسّيّد وزير الدّفاع، أن ننتهز الفرصة لنشفع كلّ ذلك برؤتنا حول كيف ومتى نشرع في بناء السّدّ، أيّ سدّ. وسأبدأ بقصّة واقعيّة يعرفها كلّ سوداني تخطّى المرحلة الوسطى، أو المتوسّطة (يا حليل زمان كانت لدينة مرحلة دراسيّة من هذا النّوع)، ألا وهي طريقة وأسباب بناء خزّان سنّار عام 1925م.
    اشتهر شمال بريطانيا طيلة القرنين التّاسع عشر والعشرين إلى نسفه بصناعة النّسيج الذي تمركز في مقاطعة لانكشاير ويوكشاير. وقد كانت تستورد القطن طويلة النّيلة من العديد من البلدان، وبتكلفة عالية. مع بداية القرن العشرين واستعمار بريطانيا ومصر للسّودان، فكّرت بريطانيا في إمكانيّة زراعة القطن في سهول الجزيرة ذات التّربة الطّينيّة السّوداء. فقاموا بتقدير الكمّيّة التي يمكن أن تنتجها لهم تلك المساحات الشّاسعة، فوجدوها بدرجة من الضّخامة أسعدتهم وفرحوا بها أيّما فرح. على هذا قامت بالتّجارب على تلك التّربة، فجاءت النّتائج إيجابيّة. من ثمّ قامت الإدارة البريطانيّة بالتّفكير في القوّة العاملة، فنظرت في شتيت قبائل كنانة، ودغيم، ورفاعة، والكواهلة والعقليّين ... إلخ، من أقوام عربيّة تسكن المنطقة، وتعيش حياة رعي مصحوبة بزراعة مطريّة. جاءت المسوحات الاجتماعيّة التي قامت بها الإدارة البريطانيّة بنتائج إيجابيّة ومشجّعة، مؤدّاها استعداد هذه القبائل على تغيير نمط حياتها والاعتماد على حياة الاستقرار والزّراعة المرويّة. ثمّ نظرت تلك الإدار في قدرة تلك القوّة البشريّة في إنفاذ ذلك المشروع وفق حجم الإنتاج المرتجى، فوجدوا عجزاً كبيراً فيها، عندها قاموا بتشجيع نزوح المواطنين من شمال السّودان إلى الجزيرة. ولهذا نجد جميع قبائل شمال السّودان ضمن التّركيبة القبليّة لسكّان مشروع الجزيرة. ثمّ أعادوا الكرّة، مقارنين ما استجلبوه من أقوام مع ما يرتجونه من إنتاج، فوجدوا فجوة العمالة لا تزال، فكان أن استقدموا مجموعات إثنيّة بأكملها من دول غرب أفريقيا، وهي التي تعيش الآن فيما يعرف باسم "الكنابي" في ظلم مشين. وهذه هي المجموعات التي يلمّح لها السّيّد وزير الدّفاه في كلّ مجلس ومقام (وقال ان السودان أرض هجرات وان به سبعة ملايين مهاجر من غرب افريقيا وبالتالي ليس هنالك ما يمنع استقبال خمسة ملايين مواطن مصرى) وذلك في معرض مقارنته لحقّ المصريّين في الاستيطان. ولكن هل فات عليه أن قدوم أولئك كان قبل مائة سنة، وأنّ هذا قد حدث في زمن المستعمر، وأنّ عددهم لا يفوت بأيّ حال من الأحوال نصف مليون نسمة؟ وهل فات عليه أنّ عدد الـ 7 مليون نسمة من غرب أفريقيا هي هجرات تمّت قبل ذلك، وأنّها تمّت بنفس مستوى هجرات العرب إلى السّودان، فضلاً عن أنّهم لم يأتوا في إطار اتّفاقيّة بين دولتين ذاتي سيادة؟ ثمّ هل كان لنا أيّ تاريخ استعماري بين الدّول التي قدم منها أولئك، وبين السّودان؟ أمّا بخصوص مصر، فلا أملك إلاّ أن أشير إلى ما قالت بها مذكّرة (مجموعة العمل النّوبي) لكوفي عنان أبريل 2004م: "وفي الحقيقة فإن بلاد النوبة (السودان) ومصر ظلتا عبر التاريخ تمثلان دولتين مستقلتين يفصل بينهما الشلال الأول بأسوان كحدود طبيعية. وعندما كانتا تتحدان أحيانا، فإن ذلك كان يتم عبر القوة المادية القسرية الناجمة عن الاحتلال. والآن عندما تحتل مصر بلاد النوبة، وعندما تحكم مصر النوبيين، فإن ذلك يعني أن حدودا فارقة عمرها سبعة ألف سنة قائمة على الطبيعة، والثقافة، والعرق قد أُزيلت نهائيا من قبل المصريين بما يحقق مصلحة مصر فقط".
    فلنعد إلى مشروع الجزيرة. بعد هذا قامت تلك الإدارة البريطانيّة بتأهيل عدد كبير من الشّباب السّوداني تحت إشراف متخصّصين من بريطانيا، وذلك لتدريب الأهلين على أنماط وطرق الزّراعة من دورة رباعيّة إلى خماسيّة، إلى كيفيّة زراعة شجيرة القطن، وبالتّالي الاعتناء باللوزة، وحمايتها، انتهاءً بلقيط القطن. ثمّ قاموا بإرساء الاتّفاق بين المزارعين من جانب، وبين إدارة مشروع الجزيرة من جانب آخر. بعدها قاموا بإجراء زراعات تجريبيّة، لا يزال يتذكّرها كبار السّنّ ممّن عاشوا تلك الفترة. ثمّ قاموا بتقسيم الأرض، فنال كلّ واحد منهم حوّاشته؛ كما قامت إدارة المشروع بحفر القنوات والتّرع، وتدريب المزارعين بكيفيّة إدارة وصيانة تلك القنوات. في نفس الفترة فكّرت إدارة المشروع في أن تقوم بإجراء معالجة أوّليّة للقطن، وذلك بحلجه قبل إرساله لبريطانيا. فقدّرت عدد المحالج التي ستحتاج إليها وفق تقديرات الكمّيّة المتحصّل عليها من القطن، فحدّدوا عدداً بعينه. هنا ـ وهنا فقط ـ انطرح السّؤال: من أين لنا الماء لريّ هذا المشروع؟ بالطلمبات أم بالآبار أم ببناء سدّ؟ ثمّ من أين لنا بالطّاقة لتشغييل عدد كذا وكذا من المحالج، أضيفت لها مصانع أخرى للصّابون بحكم أن بذرة القطن يمكن استخلاص الزّيوت منها؟ وعلى هذا، وبعد دراسة جميع الخيارات وقع اختيارهم على بناء خزّان سنّار.
    ماذا نفهم من هذا؟ نفهم شيئاً خطيراً، ألا وهو أنّ السّدود وبناءها ليس تنمية في حدّ ذاتها، ذلك لأنّ السّدود تأتي كإجابة لسؤال تنموي قائم. ماذا يعني هذا فيما نحن بصدده؟ إنّه يعني أنّ على من يريد أن يبني سدّاً أو خزّاناً، أن يكون قادراً على تحديد المشروع التّنموي الذي سيأتي قيام السّدّ بمثابة إجابة له تتعلّق إمّا بالطّاقة أو بالرّي، أو بالإثنين معاً. ماذا يعني هذا مرّة ثالثة؟ إنّه يعني أنّ تحديد ملامح المشروع التّنموي ينبغي أن يسبق السّدّ؛ إذ لا ينبغي أن تشرع في بناء السّدّ دون أن تكون قادراً على تسمية مشروع تنموي بعينه. ولكنّا ها نحن نشهد في عهد الإنقاذ كيف تشرع الدّولة في بناء السّدود، الواحد تلو الآخر دون أن يكون في مقدورها تسمية مشروع تنموي واحد. أمّا مسألة تعويض الفدّان الواحد بعشرة أمثاله، فموضوع بدرجة من الخطورة. إذ كتب متولى سالم (جريدة المصري اليوم، بتاريخ 22/3/2008م العدد 137 "أكد كمال علي وزير الموارد المائية السوداني ... أن إقامة هذه السدود لأغراض توليد الكهرباء فقط". فالماء يا سادتي ليس سائباً كما تراه العين المجرّدة، فكلّ قطرة في محسوبة بدقّة. فقيام السّدود يحتاج إلى كمّيّة من المياه هي تلك التي ستظلّ باستمرار في داخل البحيرة النّاجمة (التّخزين الميّت)؛ وقد حُلّت هذه المعضلة باستغلال المياه التي كات تروي الجروف قبل السّدّ. بعد ذلك تبقى مسألة توفير المياه التي سوف تتبخّر، وهو ما ستغطّيه كمّيّة المياه الفائة عن حاجّة السّودان والبالغ حجمها 4 مليار متر مكعّب سنويّاً، وهي التي ظلّت مصر تستفيد منها حتّى اعتبرتها حقّاً مكتسباً. فإذا علمنا أنّ سدّ مروي يبلغ التّبخّر فيه ما مقداره 1.7 مليار متر مكعّب؛ في كجبار 1.5 مليار متر مكعّب؛ في دال 1.00 ليار متر مكعّب، وصلنا إلى نتيجة جدّ خطيرة، ألا وهي أنّ هذه السّدود الثّلاثة فقط سوف تبتلع فائض المياه، فماذا عن السّدود الأخرى؟ وكيف وافقت مصر على هذا، وهي التي كانت تعارض قيام أيّ سدّ في الماضي؟ هذا الأسئلة وغيرها نتركها للسّادة الصّحفيّين الكبار، فلعلّهم قادرون بصلاتهم الوثيقة بالسّيّد وزير الدّفاع على تقديم إجابة شافية عليها.
    إذن يا سادتي، لا توجد هناك أيّ مياه فائضة من حصّة السّودان للزّراعة! ولكن ماذا عن عدد الـ30.000 فدّان التي تُزرع من قبل المتأثّرين بسدّ مروي؟ وماذا عن عدد الـ 36.000 فدّان التي وعد بها وزير الدّفاع مواطني الشّماليّة؟ هذه ليست مشاريع تنمويّة، وذلك كونها مشاريع إعاشة (نكرّر: إعاشة!) لتعويض المتضرّرين. فالتّنمية الحقّة ليس فيها متضرّرون، كما ليس فيها تعويض؛ إذ كيف يمكن تعويض المستفيد؟ وبخصوص سهل كُكّا (يكتبه الصّحفي النّطاسي الطّاهر ساتّي: :كاكا"، والتي علّق عليها أحد ظرفاء النّوبة بأنّها في حدّ ذاتها قد تكون حركة مصريّة، فتصوّر!)، أنقلوا عنّي شخصيّاً، فقد قمتُ في الأعوام 1999م-2003م بمسح تلك المنطقة ضمن فريق مشروع المحس التّابع لشعبة الآثار جامعة الخرطوم، وأعرفها شبراً شبراً. تلك الأرض عطرونيّة لا تصلح للزّراعة، ومن ميزات الأرض العطرونيّة أن تحتفظ بالجثث منذ آلاف السّنين كما لو كانت محنّطة، وما هي بمحنّطة. وقد حاول بعض أهل كُكّا زراعة تلك الأرض، ففشلت جميع محاولاتهم، ولم يحصدوا قيراطاً واحداً، إذ لم تُنبت لهم تلك الأرض نباتاً لأعلى من 15 سم، مع ما بذلوا فيها من جهد ومن أسمدة ووفرة سقاية وريّ إلخ.
    فيا سادتي لو احتفظنا بمياهنا، ومن ثمّ قمنا بتنقيتها وبيعها كمياه صحّيّة في الأسواق العالميّة لربحنا أكثر ممّا سنكسبه من بناء هذه السّدود عالية التّكلفة، عديمة التّنمية، ثمّ هي تُبنى بديون سيظلّ يدفعها الشّعب إلى ما لا يعلم به غير الله.
    ولكن يا سادتي لماذا كل هذا والنّوبيّون لديهم البدائل التّنمويّة؟ ذلكم هو تنمية الحوض النّوبي والذي يشتمل على ما يفوق 6 مليون فدّان تّروى من أكبر بحيرة جوفيّة في أفريقيا والشّرق الأوسط، وتقبع أبعدها عن الأرض في أعماق لا تتجاوز الخمسين متراً بأيّ حال من الأحوال؟ إنّه المشروع الذي ظللنا نكتب عنه منذ تسعينات القرن المنصرم، دون أن تلتفت لنا الدّولة ولو من باب المجاملة. وحتّى لا يكون الكلام معمّماً، أفيدكم بأنّني قمت قبل حوالي 7 سنوات بإجراء دراسة جدوى كاملة لهذا المشروع، والذي من شأنه أن يحقّق تنمية غير مسبوقة في العالم الثّالث. وتجمع الشراكة لمشروع الحوض النّوبي بين طرفين رئيسيّين: وطني ودولي (Syndicate على غرار شراكة مشروع الجزيرة التي ضمّت في طرفها الوطني المزارعين أنفسهم). في جانبها الوطني تمثّل جماع الشّراكة حزمة الاتحادات الزراعية التعاونية بأقاليم النوبة النيلية الأربعة (دنقلا، المحس، السكوت، وحلفا). وفي هذا لا ينبغي أن نتساءل عمّا إذا كان هذا سينال رضى النّظام الحاكم ـ ديموقراطيّاً كان أو ديكتاتوريّاً؛ إذ هذا حقُّنا، وهو ما ينبغي أن نناضل، بل ونحارب من أجله. عليه، ينبغي أن يتوجّه نضالُنا لدفع الحكومة (أيّ حكومة)، لا لتعلن موافقتها فحسب، بل لتعطي ضمانتها للمستثمرين الدّوليّين. توزّع المساحة المزروعة بالأفدنة على كل إقليم، ومن ثم توزّع على كل قرية ممثلة في مشروعها الزراعي على أن توزّع هذه بدورها على مزارعي القرية ليقوموا بمهمة الزراعة والمتابعة والحصاد حتى مرحلة التعبئة وذلك تحت إشراف الهيئة العليا للإتحادات الزراعية التعاونية بالتنسيق مع الجهات الممولة، أي الطّرف الدّولي والذي تقوم فيه الشّراكة بجمع حزمة من شركات السيوبرماركت الضّخمة بأوربا بضمانة الاتّحاد الأوربي ضمن حملة رفع الفقر عن أفريقيا.
    وقد يسأل سائل بريء عن مصدرنا للطّاقة، إذ لا تنمية بلا طاقة. صدّقوني يا سادتي الإجابة على هذا سوف أقوم باستخلاصها من الكلام الذي نسبه صحفيّونا للسّيّد وزير الدّفاع في معرض تعريتهم الصّحفيّة البائسة تلك. جاء في تغطية أحمد البلاّل الطّيّب ما يلي: "وحتّى إذا أنشأنا جميع السّدود التي ذكرناها فإنّها ستنتج 8 آلاف ميقاواط ةالعاصمة السّعوديّة فقط الآن الطّاقة المتوفّرة فيها 8 آلاف ميقاواط ...". وجاء في تغطية محمّد لطيف ما يلي: "الكهرباء الموجود في السّودان الآن لا تغطّي حيّاً واحداً في الرّياض ...". ومع كلّ هذا لم يخطر ببال أيٍّ من هؤلاء الصّحفيّين أن يسأل، أو يقوم بتحليل مثل هذه الإفادة الغريبة، برفع السّؤال التّالي: ماذا سيكون مصيرنا عندما نستنفد بناء جميع السّدود، ثمّ تصبح لدينا عاصمة في حجم الرّياض ـ دع عنك عدّة مدن في حجم الرّياض؟ إلى ماذا نلتفت عندها كيما نقوم بسدّ العجز في الطّاقة في قطاع الخدمات، دع عنك قطاع الصّناعة والتّنمية؟ أولا يؤكّد السّيّد الوزير بحديثه هذا أنّ هذه المشاريع لا تنتج كهرباء تستحقّ كلّ هذا العناء وكلّ هذه التّكاليف وكلّ هذه التّضحيات؟ أو لم يسمع صحفيّونا بخبر مصر اليقين من أنّها اتّجهت لتوليد الطّاقة نوويّاً؟ أولم يسمعوا بما كتبه يوسف العومي في جريدة المصري اليوم (السّبت 22/3/2008م ـ العدد 137 تحت عنوان "السفير المصري بموسكو: الاتفاقية النووية مع روسيا تتيح لها دخول مناقصات إنشاء محطات الطاقة في مصر"؟ وهل علم صحفيّونا الكبار بأنّ إنتاجيّة السّدّ العالي في عام 1966م كانت تغطّي ما نسبته 55% من احتياج مصر للكهرباء، ثمّ انخفضت هذه النّسبة إلى 15% بعام 1998م (http://en.wikipedia.org/wiki/Aswan_Dam)، والآن لا تغطّي إنتاجيّة السّدّ العالي غير 9% فقط؟
    ثمّ لماذا لم يقم أيٌّ من الصّحفيّين برفع السّؤال التّالي تعمّقاً: من أين وكيف تنتج السّعوديّة هذه الكمّيّات المهولة من الكهرباء؟ والجواب على هذا السّؤال لا يحتاج إلى عبقريّة، إذ تنتج كلّ هذا بالتّوليد الحراري طبعاً، ذلك كونها دولة بتروليّة. لكن، أوليس نحن أيضاً قد صرنا دولة بتروليّة؟
    صدّقوني يا سادتي يمكننا أن نستمرّ في رفع مثل هذه الأسئلة إلى ما لا نهاية، ولكن ما قلناه يكفي، ونربأ بصحفيّينا الكبار أن يكون حالُنا وحالُهم قول الشّاعر:
    لقد أسمعتَ إنْ ناديتَ حيّاً *** ولكن لا حياةَ لمن تنادي
    والسّلام على من اتّبع الهدى؛؛؛؛
    محمّد جلال أحمد هاشم
    الخرطوم
    24/3/2008
                  

09-28-2010, 00:56 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    KAJBAR1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

09-30-2010, 08:03 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل, السدود والانفصال: رؤية شاملة وتساؤلات مشروعة (Re: Medhat Osman)

    doorekin
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de