الحكومة تحضر للحرب في الشمال وترسل قوات ضخمه إلى مدينة أبو حمد

Quote: كارثة دارفورية جديدة في السودان د. عبدالوهاب الأفندي 23/03/2007 (1) تواترت أنباء خلال اليومين الماضيين أن الحكومة السودانية بدأت في حشد الآلاف من الجنود المدججين بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك قاذفات الصواريخ، عند حدود المنطقة المتأثرة ببناء سد مروي في أراضي المناصير، وذلك بهدف نشرهم في المنطقة للقيام بعمليات يعتقد أنها تستهدف اعتقال بعض قادة حركة الاحتجاج التي تصاعدت خلال الأسبوعين الماضيين وربما أيضاً إجلاء المتضررين من أراضيهم ومساكنهم بالقوة. (2) عندما كتبت محذراً هنا علي صفحات القدس العربي من العواقب الوخيمة للتصعيد في دارفور قبل وقوع الطامة هناك اخترت عنواناً لمقالي الحكومة السودانية وعبقرية اختلاق الأزمات . وقد نبهت حينها بأن الأزمة التي كانت وقتها في بداياتها في دارفور هي أزمة ما كان ينبغي لها أن تتطور بالشكل الذي تطورت به، وأن المسارعة في إيجاد حل سياسي لها قبل فوات الأوان من أوجب الواجبات. ولكنني أعترف أنه لم يخطر ببالي حينها أن الحكومة كانت قادرة علي توريط نفسها والبلاد في كارثة بالحجم الذي تكشف فيما بعد. فقد تفوقت فيما اجترحت ما كان أسوأ الناس ظناً بها يعتقد فيها القدرة عليه. (3) قد تلتمس الحكومة لنفسها بعض العذر فيما ورطت فيه البلاد في دارفور بالقول بأنها كانت تواجه تمرداً مسلحاً هناك وأن البادي أظلم. ولكن منطقة المناصير لا يوجد فيها (حتي الآن علي الأقل) تمرد مسلح، ولا غزو أجنبي افريقياً كان أم أمريكياً أم أممياً ينادي فيه بحي علي الجهاد. الوجود الأجنبي الوحيد في المنطقة هو للشركات الأوروبية والصينية التي تعاون الحكومة علي بناء السد وشبكة الكهرباء الملحقة به. أما المواطنون هناك فقد ظلوا حتي الآن يحتجون سلمياً، بل إن غالبيتهم هم من أنصار المؤتمر الوطني الحاكم وإن كانت الحكومة والمؤتمر لا يعاملانهم كمواطنين، ناهيك عن معاملتهم كأنصار. (4) جوهر القضية في منطقة المناصير وماحولها هي قضية اقتصادية ذات بعد سياسي. الحكومة تقيم سداً سيدر عليها مئات الملايين من الدولارات سنوياً من عائد توليد الكهرباء والزراعة وصيد الأسماك. ولكنها لا تريد أن تعوض المواطنين تعويضاً عادلاً كما أنها، وهو ما أغضب أهل المنطقة أكثر، تريد إخراجهم من أرضهم بالجملة وعدم السماح لهم بالإقامة في أي مكان فيها أو حولها، مما عمق الشكوك عند أهل المنطقة بأن الحكومة تبيت أمراً ما. (5) في منتصف العام الماضي أظهرت الحكومة فجأة مرونة استبشرنا وقتها بأنها رجوع إلي العقل والمنطق، حين قبلت بمطالب أهل المنطقة العادلة ووعدت بالتشاور المستمر معهم في كل الأمور. ولكن يبدو أن إشادتنا وقتها بهذا التعقل كانت حسن ظن أكثر من اللازم بالقوم، لأنهم عادوا سيرتهم القديمة في نقض العهود التي يبدو أنهم لم يكونوا ينوون الالتزام بها أصلاً، بل كانوا يريدون مخادعة أهل المنطقة وشراء الوقت حتي يكتمل بناء السد وتغمر المياه أرض المتضررين فيخرجوا منها كما تخرج الفئران بحسب تعبير نسب إلي كبير مجرمي القوم الذي يقوم منهم مقام رادكو ميلاديتش من صرب البوسنة. (6) بعد أن يئس أهالي المنطقة من وعود الحكومة واستشعروا منها الغدر والخديعة، قالوا لها إنهم لا يريدون تعويضاتها ولا مشاريعها الخرافية التي تريد أن تنقل سكان النيل إلي قلب الصحراء ثم تتركهم هناك لمصير مجهول، وأعلنوا أنهم سيبقون في أرضهم ويعتمدون علي أنفسهم، محتسبين عند الله بيوتهم ومزارعهم ونخليهم وممتلكاتهم. ولكن الحكومة وإدارة السد يصران علي إخراجهم من أرضهم بالقوة، وهو ما سيؤدي بدون شك إلي صدام لأن الجميع عازمون علي الدفاع عن أرضهم حتي آخر رمق مستصحبين الحديث الشريف بأن من قتل دون ماله فهو شهيد. (7) الحكومة جربت يدها في أهل منطقة أمري الواقعة شمال منطقة المناصير حين انقض جلاوزتها علي تجمع سلمي احتجاجي لأهل المنطقة في مثل هذا الوقت من العام الماضي فقتلوا خمسة أفراد منهم وجرحوا عشرات آخرين. وليس هناك أي شك في أن ما ارتكب هناك وما تخطط له الحكومة اليوم من تهجم علي مواطنين عزل لا ذنب لهم إلا التمسك بأرضهم هو جريمة ضد الإنسانية ومحاربة لله ورسوله تقع تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في التوراة والإنجيل والقرآن قبل أن تطالها القوانين والمواثيق الدولية. (8) الذي يحير العقلاء في كل هذا هو لماذا تورد هذه الحكومة نفسها هذا المورد، وهي في غنيً عنه وعما يجلبه من كوارث لا تحتاج إلي المزيد منها. لقد اعترفت الحكومة في الاتفاق المكتوب الذي أبرمته مع أهل المنطقة بعدالة ومنطقية مطالبهم، ووافقت عليها. فلماذا إذن السير في طريق لن يكون وراءه إلا الخراب والدمار؟ (9) شخصياً لا يسعدني ما أتوقعه من مصير مظلم لمرتكبي هذه الحماقات، بل أشعر بكثير من الألم والخسارة الشخصية لما تورط فيه من كنا نعدهم من أهل معسكر الخير قبل أن يكونوا أصدقاء وإخوة. وبخلاف ما تشيعه بعض الأوساط من تسرعنا إلي الإدانة وإصدار الأحكام المسبقة، فإنني قد تريثت كثيراً قبل أن أصدر أي تعليق في هذا الموضوع رغم أنه يمس أهلي وعشيرتي. (ويجب كذلك أن نؤكد هنا أننا لا ننطلق في حديثنا هنا رغم ذلك من القبلية ـ معاذ الله ـ بل نساند المظلومين هنا كما نساندهم في دارفور والشيشان والبوسنة وغير ذلك). وقد قمت شخصياً بالاتصال بكبار المسؤولين في السد بغية فتح حوار معهم، ثم تحدثت مع مسؤولين حكوميين في قمة هرم السلطة باذلاً النصيحة عسي ولعل. ولكن لا حياة لمن تنادي. ولانجد تفسيراً لهذا الأمر إلا أن نقول ـ والله أعلم ـ أن القوم قد سبق عليهم القول فأصمهم الله وأعمي أبصارهم، والعياذ بالله. 9