عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 10:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-07-2007, 05:18 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ...

    هذه مقدمة لكتاب جديد للاستاذ حيدر طه سوف بصدر عما قريب ..يحكى فيه عن الجيل الثانى من السياسيين السودانيين فى صراعاتهم الطويلة حول النفوذ والسلطة .


    عندما يضحك التاريخ
    الجيل الثاني .. البحث عن عن نظام؟

    مقدمة
    عندما التقيته في مكتبه في حي الظاهر بوسط القاهرة لأول مرة في يونيو 1992، بعد محاولات عديدة لمقابلته، سألني الرئيس السوداني السابق جعفر نميري ماذا أريد بـ " الضبط " من تأليف كتاب عنه..؟
    كان يحاول معرفة ما استبطن في مخيلتي من تأليف كتاب عن رئيس " مخلوع " لاجئ بمستوى رئيس دولة في مصر التي استضافته بكرم وتقدير بعد عودته من الولايات المتحدة في 6 إبريل، منكسرا عقب انتفاضة شعبية اقتلعت نظامه وأطاحت ببقية أحلامه ومنعته من عودة إلى وطنه الذي حكمه ستة عشر عاما تقلب فيها من يسار إلى يمين، من علمانية إلى إسلامية، من عروبي حتى النخاع إلى أمريكي حتى الثمالة.
    وكان ردي على سؤاله بسيطا هو أنني أريد أن أتعرف إلى شخصيته غير المحكي عنها عن طفولته المبكرة وأسرته وأيام شبابه، عن تربيته وتعليمه وخبراته، عن ذكرياته في الجيش وتنظيم الضباط الأحرار، وعن اختياره قائدا للانقلاب وتوليه السلطة الفعلية وعن انقلاباته الداخلية العديدة على رفاقه ورجاله وخلاصائه، وعن طرق حكمه ومضامين قراراته وما يبدو من تناقضات في الممارسة.
    وباختصار قلت له أريد أن أتعرف كيف كنت تتخذ قراراتك.. بالاستخارة أم بالاستشارة..؟
    وفي الحقيقة كنت أبحث عن مناطق التأثير في شخصية جعفر محمد محمد نميري وعن شخصيته، خاصة وهو لم يكن مؤهلا لتولي السلطة لا بالتربية السياسية في حزب أو أسرة ولا بالتعليم المتخصص في الإدارة وشؤون الحكم ومعرفة تجارب الآخرين!
    فكيف حكم ستة عشر عاما..؟ بل كيف صادف أن تولى قيادة الانقلاب.. وكيف تخلص من رفاقه " الأصلاء " ؟!
    كان مشروع الكتاب قراءة في الأفكار والأشخاص الذين تولوا الحكم في حقبة مهمة من تاريخ السودان، ومحاولة للنظر بعمق في قوانين المصادفات عبر رحلة استكشاف شائقة مع كثيرين شاركوا أو شاهدوا القصة من قريب، فأدلوا برأي أو معلومة أو شهادة، مدركا أن الغاية الكبرى من دراسة التاريخ هي قراءة قصص الأشخاص وتفاصيل حياتهم للامساك بالأفكار والمبادئ.
    وفي رحلة الاستكشاف التقيت عددا كبيرا من الذين شاركوا في الأحداث طوال نصف قرن أو أكثر والذين شهدوا جانبا مهما فيها. وكانت إحدى شواغلي أن التقي مولانا بابكر عوض الله أول رئيس وزراء في حكومة 25 مايو، قبل أن تغيب عن ذاكرته المعالم البارزة في مسار الأحداث.. فدهشت عندما كان يستذكر تفاصيل دقيقة بتواريخ مؤكدة

    وبابكر عوض الله القاضي المعتزل هو الرجل الذي خطط للانقلاب من الجبهة المدنية، وكان مربط الصلة بين الضباط الأحرار والقوى صاحبة المصلحة في إحداث تغيير " ثوري " في السودان بعد أزمات سياسية ودستورية عميقة شكلت الأرضية الشرعية للتغيير.
    وبعقل القاضي النزيه وبقلب الرجل الإنسان لم يكن بابكر عوض الله يرغب في كتابة مذكراته التي ألححت عليها بقوة، محاولا إشعال الحماس في قلبه بأن المذكرات حق من حقوق الشعب السوداني الذي يريد أن يعرف الحقائق وهو شاهد عصر مهم في الأحداث منذ أن تولى رئاسة البرلمان عام 1955 إلى أن أصبح رئيس القضاء في السودان، وإلى أن تقدم بأشهر استقالة من منصبه الرفيع في معمعان الأزمة السياسية والدستورية بحل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965، إلى أن تولى رئاسة الوزارة في انقلاب مايو، ثم استقالته المفاجئة ولجوئه إلى مصر ليستقر في شقة على ضفاف النيل الخالد بالعجوزة لأكثر من عشرين عاما قبل عودته النهائية إلى السودان.
    وكانت زوجته سميرة أكثر إلحاحا مني على كتابة تلك المذكرات لأنها عاشت تلك الأحداث بإرادة واعية في المشاركة، وتدرك بأسف عميق- كما قالت- كيف سرقت " الثورة " ووجد قادتها الحقيقيون أنفسهم خارج دائرة التأثير والنفوذ قبل مرور عام واحد على الانقلاب، وكيف طواهم النسيان بعد ذلك تحت سرعة التطورات والانقلابات والانتفاضات والمكايدات.
    ولكن من فرط في " الثورة " وفكك سياجها وجعلها عرضة للسرقة بيد من لم يفكر أصلا في الثورة أو يكتوي بنارها..؟
    ربما كان ذلك هو السؤال القاسي الذي ظل يفكر فيه مولانا طوال تتبعه مسار أحداث السودان من شرفة منزله في حي العجوزة، نائيا بنفسه عن تقلبات العسكر وجشع السياسيين وتعقيدات الأزمة وغرابة المصادفات.
    ولكن النأي طويلا حرك في نفسه أهمية أن يدلي بشهادته بصورة عفوية ومتقطعة أثناء دردشات استمرت سنوات أبدى فيها حذره عدة مرات من " كلمة التاريخ " النهائية، حينما قال لي: ماذا اكتب في المذكرات إذا لم تكن كاملة وصادقة..؟ وعقب على سؤاله نفسه قائلا إن الصدق يمنعه أن يقول كلمة تجرح مشاعر السودانيين في زعمائهم وقادتهم ولو كانوا مخدوعين فيهم.
    وفهمت الرسالة وتساءلت كما تساءل هل يمكن أن يقول كلمة حق في إسماعيل الأزهري رافع علم الاستقلال وكان في العلاقة بينهما ما فعل الحداد..؟
    ولكن بالرغم من ذلك كان إصراري أن يقول كلمته للتاريخ وعلى الأجيال الناهضة أن تحكم، فهي أقدر على التمحيص والتدقيق والمراجعة والنقد لاستخراج العبر والدروس من تاريخ ما زال محبوسا في الضمائر مشتتا في " الونسة " مبعثرا في الحكايات التلقائية باستثناء جهود ضئيلة بل ونادرة يقوم بها الماهرون في فن التوثيق والتسجيل والأرشفة، وهو فن لا يحسنه السودانيون كثيرا لميل تاريخي في حب الشفاهة.
    والتقيت من بين من التقيت الرائد أبو القاسم هاشم عضو مجلس الثورة أثناء رحلة استشفاء في القاهرة واستكملت بعض الروايات عن تنظيم الضباط الأحرار ودور الناصريين في الانقلاب الذي أشيع أنه من فعل وتدبير الناصريين والشيوعيين.

    انقر هنا لتقرا بقية المقدمة والحلقة الاولى .
    اخبار ومقالات سودانية ..
    http://www.maalinews.com/[/B]
                  

03-07-2007, 06:27 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    الاستاذ الكيك،

    شكرا للتعريف بكتاب الاستاذ حيدر طه.

    الاستاذ حيدر طه مفكر فذ،
    عميق المعرفة ومجود للبحث فى موضوعاته،
    هذا الكتاب سيكون إضافة هامه للمكتبة السودانية.

    تحية له.

    أرجو أم تدلنا على طريقة الحصول هلى الكتاب.

    وحانرجع للكتاب بعد قراءته
                  

03-08-2007, 06:59 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: Khalid Kodi)

    الاستاذ كودى
    لك كل التحيات الطيبات
    الاخ جيدر طه كاد ان ينتهى من الجزء الاخير من كتابه القيم عندما يضحك التاريخ وهو كتاب مشوق وتوثيقى ومهم لكل متابعى الشان السودانى ...
    تابع قضايا السودان بقلمه السيال وقدراته الصحفية المميزة وخص موقعى الخاص بالحلقة الاولى والثانية وسوف تجدهما هناك ..
    ولك منى كل تحية وتوفيق ..
                  

03-08-2007, 11:45 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    بقية المقدمة


    وسبق أن التقيت المرحوم سعد بحر في منزله بحي بانت جنوب أم درمان في مساء أحد أيام الصيف الذي اشتعلت فيه الأزمات السياسية المتوالية والخانقة والتي وضعت حكومة السيد الصادق المهدي بين خيارات صعبة وتحديات مريرة. وكان هاجسي في ذلك اللقاء ليس الأزمة الطارئة أو المستوطنة بل كان شاغلي هو روايته عن أحداث بيت الضيافة وهو أحد الضحايا الناجين من موت محقق رآه بأم عينه لولا لطف الله به وببعض رفاقه في المعتقل.
    وإذا كان الكلام " سمح في خشم سيده " فإن بعض الكلام حلو في فم الآخرين، لأن هناك ظلال للقصة وتفاصيل الرواية يملكها بعض الذين شاهدوا وراقبوا وتابعوا الأحداث بالقرب من أبطال القصة.. في القصر الجمهوري أو في السجون أو في الدواوين الحكومية أو في حقل التجارة أو الجيش أو زملاء سابقين لهم في المدارس.
    وعندما جمعت تلك الروايات استخلصت عنوانا للكتاب الذي بين أيديكم، عنوان قفز إلى ذهني من دون سابق تفكير أو تمعن هو " عندما يضحك التاريخ ". وعندما تمعنت كثيرا في العنوان وجدته يطابق وجه الأحداث وحال الرواية، ويعبر عن حال التطورات في السودان منذ أن تركه الإنجليز إلى يومنا هذا.
    فما زال التاريخ يضحك إما لأعاجيب أنظمة الحكم المتعاقبة أو متهكما من سوء الأفعال وخيبة المآل وضياع المال وقلة الرجال، أو لأن الحكم ظل لغزا لم يفلح بعد السودانيون في فك طلاسمه ومعرفة عبره ودروسه فظلوا يدورون في حلقة مفرغة من الفشل وتكرار الفشل من دون الاهتداء إلى أول الطريق.
    والكتاب في المقام الثاني هو قصة الجيل الثاني في الحركة السياسية السودانية والصراع من أجل البقاء والنفوذ من خلال رحلة في سيرة جعفر نميري وبعض رفاقه.



    اقرا الحلقة الاولى
    فى مقالات سودانية انقر هنا

    http://www.maalinews.com/
                  

03-11-2007, 02:11 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    --------------------------------------------------------------------------------

    الفصل الأول

    الجيل الثاني
    يعشق السودانيون السياسية بكل فنونها وجنونها، بطهارتها وخبثها حتى أصبحت جزءا من طبعهم الذي يميزهم عن شعوب العالم العربي والقارة الإفريقية، خاصة في العقود الخمسة الأخيرة التي شهدت تحولات وانقلابات وانتفاضات، أعطت انطباعا بأن السودانيين مغموسين في العمل السياسي حتى آذانهم، فالسياسة بالنسبة لهم مثل الماء والهواء لا يستطيعون العيش من دونها على الرغم من المحاولات الكثيرة لإقصائهم عنها بالترغيب أو الترهيب بدعوى أن لها رجالها.
    وانشغال العامة بالسياسة يعتبر لدى البعض نوعا من التخلف السياسي والاقتصادي، باعتبار أن الشعوب في الدول المتقدمة لم تعد تحتاج إلى ممارسة السياسة كما يتعاطاها الإنسان السوداني، والحجة في ذلك أن الشعوب الأخرى بلغت مستو من التطور حسم كثيرا من المشكلات الرئيسية والقضايا الجوهرية، فلا تحتاج إلى جدل ونضال ورفع سلاح مثلا لم تعد هناك ضرورة لصدامات أو مشاحنات من أجل انتزاع حقوق مقررة أصلا في الدستور أن كان مكتوبا أو غير مكتوب والذي تحترمه الحكومات وتعمل به طوعا وليس جبرا، أو أن تخرج هذه الشعوب في انتفاضات شعبية أو مسلحة للمطالبة بنظام ديمقراطي لأن الديمقراطية في أصبحت واضحة المعالم، راسخة الركائز والأسس كنظام وتقاليد..
    وعكس ذلك يحدث في السودان والدول الشبيهة له في مستوى التطور السياسي. والصفة الجامعة بين هذه الدول " النامية " أنها ما زالت تعيش مراحل الانتقال بكل توتراتها وصخبها وصراعاتها التقليدية. ولكن الاختلاف بين السودان وبقية الدول يكمن في أن السودانيين يعيشون السياسة نشاطا يوميا في دواوين الحكومة والجامعات والمدارس والشارع والمجالس الخاصة بالإضافة إلى ما تضيفه حركة الأحزاب العلنية أو السرية من حيوية.
    وتظهر هذه الحيوية في وجهين مختلفين لممارسة السياسة في السودان:
    الأول، في العهود العسكرية بكثافة المعارضة وحملات الاعتقالات والانتفاضات والاعدامات.
    والثاني، في العهود الديمقراطية بكثافة الإضرابات النقابية والندوات السياسية وسخونة الانتخابات في العهود الديمقراطية.

    وخارج هذين الوجهين هناك جزء من النشاط السياسي العام يظهر في عقد المقارنات وحل المفارقات وإجراء المقاربات بين الأحداث التي جرت في الماضي وتجري في الحاضر، وبين الشخصيات التي لعبت أدوارا في أزمان غابرة وفي الوقت الراهن، وبين الأفكار التي سادت ثم بادت .. ونهضت ثم انتكست. ويحلو تداول كل ذلك في المجالس الخاصة والعامة، وفي الونسة ومجالس السمر، مستذكرين التاريخ من غير تدوين، مستحضرين الأحداث متجزئة حسب ما تمليه مناخات المجالس واللقاءات.
    وعقد المقارنات يثري المعرفة بالسياسة ويوسع المدارك في القضايا العامة ويعمق الفهم عن الشخصيات والاحداث والأفكار. وقد برع السودانيون في هذا " الفن " الذي يحدد المتشابهات والاختلافات بين عهد سياسي وآخر، بين زعيم وزعيم، بين رئيس حاكم ورئيس مخلوع .
    فلم تقتصر المقارنات على السرد والوصف، بل تمتد إلى تفسير الأحداث وتشابكاتها، ورصد العوامل الفاعلة والمؤثرة والعوامل الرئيسية وحتى الثانوية. وهذا لا يعني أن تلك المقارنات تسير في خط منضبط لا تعرجات فيه ، إنما تكون في العادة تلقائية غير مخططة أو مرتبة، فيكون أثرها فضفضة وتنفيس أكثر من كونها إسهام في جهد مؤسسي، كما أنها لا تعني أنها تلتزم مسارا موضوعيا بعيدا عن الهوى والغرض أحيانا، فهي إما ممزوجة بعاطفة وولاء أو ببغض وعدم رضا.
    ربما بسبب هذه " الثقافة "، اشتهر السودانيون بأنهم شعب مؤجج سياسيا، يتعاطى السياسة بجد وحدة وربما بانفعال وحماس زائدين، ولكنها في معظم الأحوال لم يكن تعاطي يفسد للود قضية. فالجميع يتحدث في القضايا العامة، بعلم ومعرفة أو بجهل وسفسطة، والأغلبية تشارك بقسط في الحيوية السياسية من دون أن تكون - بالضرورة - على علاقة عضوية بالأحزاب والمنظمات التي تشكل بؤر إثارة دائمة في الحياة السياسية عبر العمل المنظم والعشوائي والمؤتمرات الشعبية والاجتماعات المغلقة والمنتديات الخاصة والليالي السياسية المفتوحة والمهرجانات الصاخبة والمحاضرات الرصينة أو من خلال العمل تحت الأرض والنشر السري والدعاية التحريضية والشائعات والمنشورات والإضرابات.
    وتلك حيوية في الحياة السياسية السودانية تستدعي، ضمن ما تستدعي، المقارنات بين المؤهلات في القيادة والخطابة والكياسة والزعامة بل تعود المقارنات إلى أزمان ماضية تبحث في ملفات كل عهد وزعيم وقائد سياسي.
    فكما كانت تعقد مقارنات بين عهد الاستعمار وعهد الاستقلال، بين الإدارة تحت المفتش الإنجليزي والخدمة المدنية تحت سطوة " الأفندية "، كانت تعقد مقارنات بين عهد عبود وعهد نميري، بين الإمام عبد الرحمن المهدي ومولانا على الميرغني، بين إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل، بين الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني، بين محمد إبراهيم نقد وحسن عبد الله الترابي، و بين جوزيف لاقو وجون قرنق.
    فعندما تعقد المقارنات بين مختلف العهود يلمس المرء هدفا شفيفا راسخا في عمق الوعي السوداني هو البحث المتواصل والعنيد عن ملامح مطلوبة لنظام وهوية للسودان الحديث الذي بدأ مع غزو جيوش محمد على باشا في بلورة مضمون وشكل مختلفين. مضمون جرت صياغته بتداخل شعوبه وقبائله، وشكل تحققت ملامحه بارتباط السودان عضويا بشمال إفريقيا والشرق الأوسط ، فتوحدت على إثر تلك النشأة والتطور أجزاء البلاد المتباعدة، وتقاربت أطرافه عبر مراحل انتقال طويلة تعاقبت فيها الأنظمة وتعددت التكوينات وتنوعت الاتجاهات.
    وعندما تعقد المقارنات بين مختلف الزعامات الطائفية والحزبية يستقر دوما في أعماق السودانيين مطلب خفي هو البحث عن ملامح قائد يحمل صفات البطل الشعبي الملهم " الكاريزما " ليلتف حوله السودان كرمز وطني يقود مسيرة التأسيس والبناء ثم الانطلاق للحاق بدول بدأت مع السودان مرحلة الاستقلال ، ولكنها تقدمت عليه بمعدلات هندسية في التنمية والعمران وبناء المؤسسات، وتركته متخلفا بمسافات زمنية بعيدة توجب التحسر وليس المقارنة فقط.
    وعبر رصد الاختلافات والتمايزات في شخصية " الزعامات "، حاول السودانيون أن يصلوا إلى اتفاق حول ملامح القائد السياسي القادر على إلهام الشعب نحو طريق التقدم، خاصة بين أبناء الجيل الثاني من النخبة التي انداحت دائرتها بحكم اتساع مناهل التعليم والخبرة والتجربة وتعدد الأحزاب وتوسع الجيش ودوره وانتشار النقابات وتطور الاقتصاد.
    فمن كان من أبناء الجيل الثاني أقرب إلى تمثل الحلم الشعبي بـ " القيادة الملهمة " التي يمكن أن تعقد عليها الآمال الكبار لإحداث التغيير السياسي المنشود في السودان بعد فشل الجيل الأول الذي أقعدته محنة الحكم مبكرا فعجز عن الحركة والمبادرة والإبداع، فاختطفته يد الانقلابات واحتوته الأزمة السياسية بدلا من أن يحتويها..!
    لقد فرضت الأحداث والتطورات اسماء تولت المسؤولية وحكمت السودان مباشرة أو من وراء حجاب، فكانت محل مقارنة دائمة عند عامة السودانيين الذين يملكون الحس الجمعي القادر على التمييز بين صفاتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم.
    وللمصادفة المدهشة أن خمسة من أبناء الجيل الثاني الذين توالوا على الحكم أو تشاركوا في الحكم، مثلوا مؤسسات سياسية وعسكرية مختلفة في طبيعة التكوين والوظيفة والدور. فكان الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني يمثلان الكيانات الدينية "المؤسسات الطائفية" وحسن الترابي يمثل المؤسسة الحزبية العقائدية وجعفر نميري المؤسسة العسكرية.
    وعند المقارنة بين جعفر نميري والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني وحسن الترابي وعبد الخالق محجوب باستثناء جون قرنق، نجدهم جميعا من أبناء الجيل الثاني في الحركة السياسية السودانية بعد " جيل أول" كان ممثلا في رموز ساطعة مثل إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل والشيخ على عبد الرحمن وأحمد خير المحامي والدرديري محمد عثمان ومحمود محمد طه، نجد بونا شاسعا في الاستعداد الطبيعي أو المكتسب لخوض المعارك السياسية أو لتولي الرئاسة عبر التأهيل والتدريب والبيئة والتهيئة والظروف، وفرقا بعيدا في الوسائل والأدوات التي استخدمها كل منهم في الوصول إلى مركز النفوذ السياسي. وقد يكون جعفر نميري مختلفا عن الآخرين في الاستعداد والتأهيل والظروف والوسائل والأدوات، بل في المراحل والأهداف والشعارات والنهايات.

    اقرا الجزء الثانى من الفصل الاول على
    انقر هنا

    ]http://www.maalinews.com/

    (عدل بواسطة الكيك on 03-11-2007, 02:16 PM)

                  

03-11-2007, 09:06 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    الاخوة الذين يبحثون فى موقعى الخاص عن كتابات حيدر طه ..
    عند النقر على عنوان الموقع يفتح مقالات واخبار سودانية ...هناك سوف يجد الكنز الثمين
    مع تحياتى لكم والى ان نلتقى غدا مع الجزء الثانى من الفصل الاول ...
                  

03-12-2007, 01:50 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    الجزء الثانى
    من الفصل الاول ..


    وربما كانت أبرز الفوارق بين نميري والآخرين الظروف الأسرية والبيئة الاجتماعية المختلفة عن ظروف وبيئات الآخرين الذين انخرطوا في النشاط السياسي منذ نعومة أظفارهم وتربوا وسط بيئة سياسية وفكرية شكلت بصورة طبيعية وتلقائية زعامتهم وقيادتهم العمل السياسي قبل سنوات ليست بالقصيرة من توليهم المسؤوليات. وربما كان الفارق الأكبر الثاني هو أن الآخرين عاشوا حياة مستقرة وميسورة ومنظمة تحدد بوصلتها الأهداف وخرائط الوصول إلى مواقع النفوذ ومعالم الطريق ووسائل الانتقال، بل وحتى تعيين الأدلاء والمرشدين.
    كان جعفر نميري طرازا مختلفا..
    فقد عاش مراحل فوارة من عمره تقلبت بين العادية والمتميزة، المخططة والتلقائية بل أحيانا العشوائية، مراحل متساوية من ناحية الزمن الذي امتد به إلى حواف الثمانين خريفا – أمد الله في عمره. فكل عشرين سنة لها طابعها ونكهتها وتميزها، بدءا بطفولته الشقية والصبا المتوحش أيام الدراسة، ثم عنفوان الشباب أثناء خدمته العسكرية كضابط في الجيش السوداني الذي بدوره يعطيه هيبة وسطوة ومكانة، وهو الشاب صاحب الجسم الرياضي المفتول العضلات الطويل القامة الممتلئ بالحيوية، .. ثم جاءت الرئاسة التي كانت أعظم المدهشات في حياته التي لم يحلم بها مستيقظا أو نائما، جاءته مخدومة " ومقنطرة " ولكن بمغامرة لم يتح له فيه الوقت الحساب والتقدير إلا بقدر النظر السريع إلى " الغنيمة " . وختاما بمرحلة لجوء سياسي غير اختياري وغير مستحب تلته حالة استكانة واستجمام منحته فرصة لاجترار الذكريات وأداء المراجعات والعودة إلى طبيعة الإنسان متجردا من " هيلمان الرئاسة وصولجان الحكم ".
    مراحل تستحق الوصف الدقيق بأنها فوارة ومتقلبة، عادية ومدهشة منذ أن ولد جعفر نميري في أوائل عام 1930 في بيت بسيط وأسرة فقيرة كان أعلى سقف طموحاتها أن يكمل ابنها دراسته الثانوية ليلتحق بوظيفة، في أي وظيفة، ترفع عن كاهلها أعباء الظروف القاسية.
    عاش نميري متنقلا من مرحلة إلى أخرى دون أن يرسم لنفسه هدفا محددا، ومن دون أن يخطط مسبقا لتحقيق ما يريد لأنه في معظم الأحيان لا يعرف ما يريد، فيترك الأمر للمشيئة العليا أو لمصادفات غريبة لا يد له فيها ولا رغبة مبيتة. كان يأمل أن يكون رياضيا متميزا ولاعب كرة قدم شهيرا فأصبح عسكريا في صفوف جيش مهووس بالانقلابات ومحشور في حرب لا ناقة له فيها ولا بعير في جنوب السودان، كان بعيدا عن السياسة فوجد نفسه في ذروة قيادتها، وكان نائيا عن التدين فوجد نفسه درويشا بين دراويش يلبسون المرقع يدورون في حلقات ممتلئة بالإيمان وأحيانا مفرغة من كل وجدان. وكان فقيرا فأصبح صديقا للأثرياء ومقصدا لرجال الأعمال، يلتف حوله خيرة المثقفين السودانيين وأنبغهم، مثله مثل كل الرؤساء في العالمين الأول والثالث.
    قد تكون مراحل حياته مشابهة لحياة معظم أبناء الجيل الثاني من رؤساء وزعماء وقادة أفارقة وعرب، عاشوا الظروف نفسها، ولكنهم افترقوا في خلفياتهم الثقافية والتزاماتهم الأخلاقية وتمايزوا في عمق التفكير أو الضحالة، سعة الرؤية الاستراتيجية أو ضيقها، وسرعة ردود أفعالهم بين القوة والضعف، كما اختلفوا في القدرة على إدارة بلدانهم وفق منظور يقترب أو يبتعد عن حس الشعوب.
    فإذا كانت ظروف حياة هؤلاء الرؤساء متشابهة فإنها قطعا ليست متطابقة، فلكل منهم بصمة طبعتها البيئة التي تربى فيها ونوع التنشئة التي شب عليها وأسلوب التعليم الذي ناله والأحوال الاجتماعية والمعيشية والسياسية التي أحاطته وشكلت تصوراته وأفعاله وقراراته واختياراته.
    فالمرء ابن صادق لبيئته ومرآة أمينة لتنشئته .. فمن شب على شيء شاب عليه، وجعفر كان مثالا لذلك.
                  

03-13-2007, 05:28 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    الجزء الاول
    من الحلقة الثالثة

    الحلقة الثالثة

    عاش جعفر سنواته الأولى في ود نوباوي ،الجزء الشمالي من مدينة أم درمان الذي قطنه منذ تأسيس الدولة المهدية أنصار المهدي الذين هاجروا من المدن الشمالية، دناقلة وجعليون وشوايقه وحلفاويون وهي القبائل التي تسكن على طول نهر النيل، ولذلك تعارف سكان أم درمان على تسميتهم بـ " أولاد البحر "، وكان يطلق اسم البحر على النهر دون تمييز الفوارق الجغرافية والطبيعية. أما الجزء الجنوبي فكان يسكنه معظم الذين هاجروا من غرب السودان، فور ومساليت وزغاوة ورزيقات وحمر وبقارة ونوبة جاءوا مع الرايات التي حملها الأنصار لتحرير الخرطوم من الاستعمار التركي البريطاني. فأطلق أهل أم درمان على أبناء الجزء الجنوبي " أولاد الغرب "، وكان التمايز بينهم واضحا في كثير من الأمور في وقت مضى، ثم ذاب في وقت لاحق بقوة الواقع الذي خلط الأنساب والقبائل والبيوت.

    ولكن لم يفلح جعفر في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الوسطى إذ كان ولدا شقيا كما وصف نفسه، محبا للعب هاربا من المذاكرة، والصبر عليها أكثر من دقائق معدودات يصبح على دماغه مثل حجر ثقيل لا يطيق حمله أو احتماله. فباله دائما ما يكون مع الصحاب في الشارع يلهون ويلعبون وكان هو يعشق المشي على يديه في ما يسمى " مشية العقرب " ليسير بها حوالي نصف كيلومتر من طرف الحي إلى منزل جده صالح أرباب، ويظل فخورا بهذه المشية التي تلفت أنظار المارة وسكان الحي ويهزون أيدهم تشجيعا له.
    كان لدى الأصحاب في سنه وأكبر منه هواية صيد الطيور خاصة طير الغباش في مقابر الشهداء في حي الهجرة، فيضعون " القلوبية" التي تشبه اللغم تحت الأرض ليظهر منها طرف معلقة عليه حبات ذرة تغري الطير للمجيء إلى المصيدة، ويظلون يرقبون العملية لساعات حتى تأتي المصيدة أوكلها. وعندما يملون مطاردة الغباش طيلة النهار يلتفتون إلى ترصد " الكدندار" لربطه بخيط رفيع وإطلاقه في الهواء ليحدث " زنة ورنة " يعشقها الأطفال. وكان من أحب أنواع اللعب إلى قلبه الإغارة على أبناء الحي الآخر في ود نوباوي، والتقاذف معهم بالطين في موسم الخريف والحجارة في موسم الصيف ثم مطاردة " الخونة " لجلدهم والاستهزاء بهم، ثم الاختباء والفر ليلحقه كر من جديد. وكانت تقود مجموعتهم المهاجمة في كل ليلة رحمة مكي وهي فتاة حي "الدومة" سمراء نحيفة القوام ذات صوت شجي اصقلته حتى أصبحت " غناية "، إلا أنها اشتهرت في صباها، وسط صبيان الحي، بأنها ماهرة التصويب بالحجر يندر أن تخطئ هدفها.
    وبسبب بسطة جسمه الذي لا يتناسب مع عمره الصغير كان جعفر يتصدر " شلة الصبيان " الأكبر منه سنا في حماية بنات الفريق عندما كن يردن الذهاب من مكان إلى أخر خاصة بعد انتهاء حفلات الأعراس.
    ولهذه المهمة كان يحمل دائما بناء على نصيحة " أخواله " ،وهو الفتي الصغير السن، سكينا معلقة على الذراع وعصا في يده يردع بها الكلاب السعرانة ويزجر بها النابحة من دون أذى، ويخيف بها الأعداء من أبناء الأحياء التي عانت من غارات أولاد حي ود البصير.
    وحينما يتذكر جعفر تلك الأيام يقول إنه كان يقوم بحماية صبيانا أكبر منه يخشون السير في الظلام ويخافون أبناء الأحياء الأخرى إذا " ربطوا" لهم في الطريق، خاصة في حي الموردة التي يقطعها صبيان ود نوباوي أو أحياء أم درمان الشمالية وهم في طريقهم بالدراجات "البسكليتات" إلى الخرطوم.
    ومن الصعب أن يتكهن أحد من سكان مدينة ود نوباوي بمستقبل طفل في التاسعة من عمره، بل لم يكن أحد منهم يتخيل أن طفلا في ظروف جعفر من الممكن أن يكون صالحا لشيء في مستقبله إذ اشتهر بين أقرانه من أطفال الحي بالشقاوة والجرأة والمشاكسة التي يرجعها بعض أهالي الحي إلى انطلاقته المبكرة وتحرره من قيد الرقابة الأبوية اللصيقة بعد أن انتقل من مدينة ود مدني إلى ودنوباوي ليكون تحت رعاية الجد والجدة وأبنائهم من الخيلان، كما لم يكن لأحد من أخواله الوقت الكافي أو المزاج الصافي لمتابعة دروسه أو التحكم في تصرفاته الطفولية .

    وما أن سمع الوالد برسوب ابنه في امتحان القبول للمدارس الوسطى حتى هب مسرعا إلى أم درمان لاستعادة " الأمانة " التي تركها للجد صالح والخيلان ليرعوها حق رعاية، ولكنهم أهملوا رقابة الأبن حتى كانت الطامة الكبرى التي أثارت في نفس محمد محمد نميري غضبا أعماه عن القرار، الذي اتخذه في لحظة هيجان الغيظ وسطوة اليأس، بإلحاق جعفر بالمنطقة الصناعية ليلتحق بصنعة امتهنها الخيلان قبله، بدلا من ضياع الوقت والمال والجهد في مواصلة التعليم الذي لم يدخل دماغ الابن الناشف، وفي الوقت نفسه يكون القرار مناسبة للهروب والنجاة من هموم المدارس والامتحانات وتعجيلا بإيجاد مصدر رزق إضافي يساعد على تغطية تكاليف علاج مرض الابن الأصغر الذي بدأ يفقد بصره تدريجيا.
    لم يكن لمحمد محمد نميري أشقاء من والده الذي توفي قبل أن يرى هو النور، وبسبب ذلك تمت تسميته محمد على اسم أبيه تخليدا له وهو الرجل المعروف في أنحاء المنطقة الواقعة بين دنقلا والخندق في الشمالية، وكانت له صولات وجولات مع المسافرين على هذا الخط. فقيل إنه كان "همباتيا" يأخذ من أموال المسافرين الأغنياء ليعطيها الفقراء المقيمين في المنطقة، وقيل أنه كان فارسا مغوارا وقويا لا يصارعه أحد إلا غلبه، وقيل أنه كان قاطع طريق محترف " رباطيا " ينتزع حق " الطريق من جيوب الناس لنفسه. وليس بين الهمبتة وقطع الطريق إلا شعرة.. لا يحسن التفريق بينهما معيار حسن النوايا وطيب المقاصد.
                  

03-15-2007, 06:22 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    لقراءة الجزء الثانى من الحلقة الثالثة
    اذهب الى موقع


    http://www.maalinews.com/

    اخبار ومقالات سودانية
                  

03-20-2007, 04:42 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    --------------------------------------------------------------------------------

    الجزء الثانى
    الحلقة الثالثة




    وبالفعل أخذ محمد محمد نميري ابنه جعفر إلى ورشة ميكانيكي اسمه " علي " كانت له معرفة وصلة صداقة بالأهل من الأخوال، ولم يحزن جعفر لهذا المصير ولم يتمرد، بل كان سعيدا بالتحرر من قبضة المدرس والمشرف والناظر في مدرسة ودنوباوي الابتدائية التي لم ينجح منها غير تلميذ واحد فقط هو أبو القاسم ميرغني. وكانت فرحته كبيرة بـ " بالقميص والسروال " الأخضر الذي يناسب " تلميذ الاسطى علي" في ورشة التضامن بالقرب من دار السينما الوطنية، على الرغم من أن حنينه إلى "عصابة الفتيان بقي مسيطرا عليه في أول يوم يلبس فيه زي الصنايعية .
    كان جعفر نميري خليطا ممزوجا بصورة فريدة من بيئتين اجتماعيتين في ود نوباوي وود أزرق، أخذ من كل واحدة نصيبا، فأخذ من ود أزرق "الفتونة" والانطلاق والشعور المبكر بالرجولة في زمن الصبا الذي تهيجه مفاتن الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وأخذ من أم درمان عمق " الاجتماعيات " التي صنعها مجتمعها من خميرة التداخل والتآلف بين الأسر والجيران عبر " النفاجات " في الحيشان والأبواب المفتوحة، كما حمل بصمات الإحساس بالفوارق الاجتماعية والمهنية والاقتصادية في وقت تعمقت فيه ملامح قوية للفوارق عندما راحت تتضح الخطوط بين البيوتات المعروفة الوارثة لمجد الآباء والأجداد، وما لم يرثه بقية الناس " الغبش " غير الدعاء بالستر والصبر.
    لم تدم فرحة جعفر بالورشة إذ سمع خاله عثمان صالح أرباب الميكانيكي بمصلحة الأشغال بالخبر فانزعج أيما انزعاج متذكرا بأن ما يحدث لأبن أخته زينب بت صالح أرباب كان قد حدث له دون نقصان عندما اختار الصنعة على إكمال التعليم، وارتاع من فكرة تكرار التجربة لطفل ما زالت أمامه فرص واسعة للدراسة.
    فأسرع عثمان بدراجته النارية " الموتر" إلى ورشة الاسطى علي لانتشال أبن أخته ، ليلحقه بمدرسة كان ناظرها قد توطدت علاقته به عبر صيانة السيارة الفورد بين حين وآخر. ولكن لم يستطع الناظر خدمة صديقه حيث كانت الفصول مكتملة بل تفيض عن سعة الفصل بطالبين التحقا فقط بنفوذ مفتش التعليم آنذاك صالح بحيري.
    ولم تغلب الناظر حيلة ولم يخيب أمل صديقه عثمان، فكتب إلى زميله ناظر مدرسة البندر خطابا ضمنه توصية حارة وملحة بقبول جعفر في السنة الرابعة الابتدائي للإعادة. وما أن تلقى الناظر الخطاب حتى طلب من جعفر خلع ملابس الورشة واستبدالها بملابس المدرسة التي كانت عبارة عن جلابية وطاقية حتى من دون شرط انتعال حذاء، بل يمكن حضور الفصل حاف إذا لم يتيسر له شبشب.
    وفي البداية لم يتقبل جعفر فكرة العودة إلى المدرسة وأبدى نوعا من الرفض، إلا أن خاله عثمان زجره وأصر على عودته فورا. وتحت الإلحاح واصل " التلميذ المتردد " على مضض ما لم يكن يرغبه. ولكنها إرادة من لا يرجع في قراره.
    ولدهشة الجميع بمن فيهم جعفر نفسه جاءت نتيجة الامتحان النهائي جيدة وبعدها انتقل إلى مدرسة مدني التي يلتحق بها التلاميذ من مختلف مدارس الجزيرة في ذلك الوقت
                  

03-21-2007, 04:06 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    لمتابعى حلقات الكتاب ارفع البوست الان
                  

03-26-2007, 07:32 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)


    عندما يضحك التاريخ
    الجيل الثاني والبحث عن نظام وهوية في السودان
    المؤلف حيدر طه

    الحلقة التاسعة

    عاد سيل متدفق من الخريجين السودانيين في الجامعات المصرية المختلفة والذين وفدوا إلى مصر منذ بداية الأربعينات طلبا للعلم باعتباره السلاح القوي والفعال لمناهضة الاستعمار ببعض وسائله التي يرتكز عليها في إشاعة الذريعة المعتادة بأن الدول النامية غير مؤهلة بعد لحكم نفسها، وكان السودانيون يحاولون دحض الذريعة والمبرر غير المنطقي بالتوسع في التعليم الأهلي مع الاستفادة من أي فرص لإلحاق أبنائهم بالتعليم بالمدارس والجامعات والمعاهد الحكومية. فكان ذلك جيل ناهض يستعد للتأهيل أكاديميا وسياسيا على تحمل المسؤولية فيما بعد. وكان النزوح الطلابي قد بلغ ذروته عام 1947 عندما وصل فوج من طلبة السنة الأولى في كلية الخرطوم الجامعية إلى مصر عقب إغلاقها بأمر السلطات الاستعمارية، مما فجر مظاهرات صاخبة انتظمت عدد من المدن الكبيرة والصغيرة. وعلى أثر ذلك اتجه عدد من طلبة السنة الأولى إلى الهجرة بعد تخليهم عن الكلية " دفعة واحدة " أما يأسا منها أو رغبة في اللحاق بزملائهم من السودانيين أو بسبب التضييق الأمني على الحلقات الشيوعية التي بدأت تنشط لأول مرة في السودان مع ولادة الحركة السودانية للتحرر الوطني ( حستو)، التنظيم السري للحزب الشيوعي السوداني عام 1946 وكان مجالها الحيوي في الحركة قطاعات الطلبة والعمال والمزارعين، إلا أنها وضعت نصب أعينها حزب الأشقاء كرصيد مهم لها تسحب منه الكوادر النشطة باعتباره حزب يملك عضوية متفتحة هي الهدف التنظيمي للشيوعيين، كما أن الأشقاء كان يمثل صورة جديدة من العمل الحزبي الليبرالي القادر على استقطاب قطاعات واسعة من الجماهير المنفعلة بحيوية شبابه ورموزه.
    وربما كان حزب الأشقاء أسعد الأحزاب بهجرة عدد من قيادات الشيوعيين الطلابية إلى مصر، فقد انتهى مؤقتا الصداع الذي سببه " شباب حستو " بشعاراتهم الثورية وانطلاقهم نحو المزارعين والعمال.
    وكان من بين أولئك الطلبة " المتسللين " إلى مصر عوض عبد الرازق وعبد الخالق محجوب واحمد سليمان والتيجاني الطيب بابكر وشقيقه أحمد وعبد الغفار عبد الرحيم، والوسيلة عبد الرحيم، وعثمان محجوب وعلي محمد إبراهيم وعمر محمد إبراهيم.
    وما أن وصل هؤلاء الطلبة إلى مصر حتى سارعوا للانضمام إلى الحلقات الشيوعية التي كان يشرف عليها الماركسي اليهودي هنري كورييل الذي اتفقت جميع الوثائق والشهادات اللفظية والمكتوبة بأنه مؤسس الحركة الشيوعية في مصر وراعيها في السودان. وعلى الرغم من أن طلبة سودانيين كثر قد سبقوا عبد الخالق محجوب في التحاقهم بـ " حلقات كورييل " التي كانت تنعقد في منزله في مصر الجديدة إلا أن كورييل وجد في عبد الخالق ميزات واستعداد وقدرة زكته أن يكون الشيوعي السوداني المقرب والمدلل.
    وقد اختلف الشيوعيون أنفسهم حول " هذه التزكية " فمنهم من قال أنها منطقية كنتيجة لقدرات عبد الخالق الفكرية والتنظيمية والأكاديمية التي أهلته ليكون سكرتير الحزب بتوصية من هنري كورييل، ومنهم من قال إن عبد الخالق نقل بسرعة فائقة عن كورييل القدرة على التحليل المنطقي للأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وتفسير عقلاني لتطور العلاقات الدولية في ظل وجود استعمار بريطاني في مصر والسودان، إضافة إلى تتبع دقيق لحركة الشيوعية الدولية آنذاك. كما أن عبد الخالق أبدى منذ الوهلة الأولى لوصوله إلى القاهرة استعدادا كاملا في تحمل مسؤوليات قيادية بعد أن كشف – في نظر كورييل - عن قدرات ذهنية تؤهله لتحمل تلك المسؤوليات.

    ومنهم بعض ثالث قال إن المؤهل الأكثر إثارة هو أن عبد الخالق كان يجيد اللغة الإنجليزية تحدثا وكتابة، وقد ساعد كورييل كثيرا في كتابة التقارير التي ترفع إلى القيادة المركزية في موسكو، في وقت نشطت فيه المخابرات السوفييتية في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، وعملت بتنسيق كامل مع الحزب الشيوعي على نشر الفكر وتشجيع بناء الأحزاب الشيوعية في المنطقة. ويقول أصحاب هذه النظرية، التي تميل إلى الاتهام بـ " العمالة للسوفيت "، إن عبد الخالق كان حاذقا في كتابة التقارير اليومية والدورية وأحيانا حول الأوضاع السياسية السودانية ويسلمها مباشرة إلى كورييل الذي كان يثني عليها كثيرا لشمولها ودقتها وحسن كتابتها ترتيبا وخطا، ثم يسلمها بدوره، بعد التنقيح والتعليق إلى السفارة السوفيتية في القاهرة، خاصة وأن الرجل كان معروفا بعلاقاته المتعددة التي يخدم بها فكره ومهامه وما كلف به ومصالح تلك الجهات.
    فقد نشطت حركة الشيوعيين السودانيين في مصر مع وصول هذه الدفعة، فتحولت بيوت السودان الأربعة التي كانت سكنا للطلبة السودانيين، والمتمتعة بحصانة رسمية وشعبية، إلى بؤر نشاط مكثف للطلبة الشيوعيين السودانيين، يؤمها شيوعيون مصريون مما لفت انتباه السلطات المصرية إلى خطورة تلك البيوت التي ضمت أكثر من 250 طالبا سودانيا عام 1947، وكانت تمثل حلقة الوصل لـ " الكفاح المشترك " بين الشعبين السوداني والمصري ضد الاستعمار البريطاني في البلدين.


    اواصل

    (عدل بواسطة الكيك on 03-26-2007, 07:41 AM)

                  

03-27-2007, 09:29 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    تابع غدا الجزء الثانى من الحلقة التاسعة عن عبد الخالق محجوب ..
    مع تحياتى والى اللقاء
                  

03-29-2007, 11:30 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)


    الجزء الثانى

    من الحلقة التاسعة


    ويقول شهود تلك المرحلة إن الطلبة الشيوعيين اندمجوا في المجتمع المصري بسرعة لا تتناسب مع حداثة عهدهم التي لا تتعدى الأيام. فقد كانت القاهرة تشهد تحركات ومظاهرات ضد حكومة النقراشي باشا، وبحكم أنها كانت حكومة أقليات، فقد كانت المظاهرات ضدها صاخبة يقودها حزب الوفد المصري صاحب الأغلبية الشعبية، وتتضامن معه أحزاب المعارضة الأخرى، ومن ضمنهم الشيوعيون الذين كانوا يبنون تكتيكاتهم على استغلال تلك الأجواء المتوترة والصاخبة لإحراز مكاسب تنظيمية وسياسية جديدة لهم.
    ويقول الشهود إن الطلبة القادمين حديثا من الخرطوم كانت لهم اتصالات وثيقة بالتنظيمات الشيوعية في مصر التي تلقتهم بالأحضان بمجرد وصولهم القاهرة، وساعدتهم على الاندماج في التنظيمات الشيوعية المصرية، والانخراط في النشاط السياسي خاصة الخروج في المظاهرات، كممارسة وخبرة ووسيلة يحتاجون إليها في السودان بعد عودتهم.
    ويضيف هؤلاء الشهود أن عبد الخالق جاء في إحدى الأمسيات إلى بيت السودان في شارع الزراعة بالدقي وعليه آثار ضرب بعد أن ألقى البوليس القبض عليه مع عدد من المصريين الشيوعيين، ولكن أخلي سبيله بعد التأكد من أنه طالب سوداني.
    وهذه الحادثة وغيرها من المناسبات والنشاطات جعلت الطلبة السودانيين يشعرون بخطورة النشاط الشيوعي المصري في بيوت السودان، خاصة وأن النشاط الشيوعي كان من المحظورات السياسية في مصر في ذلك العهد.
    وقد نبهت السلطات المصرية، بما فيها أجهزة الأمن، إلى مدى تورط الطلبة السودانيين في النشاط الشيوعي مع زملائهم المصريين. ويقول شاهد على تلك الفترة " إن أنف البوليس المصري كانت طويلة وآذانه كانت مرهفة، فأخذ رجال الأمن يوافوننا بكل الاتصالات التي كان يقوم بها بعض الطلبة السودانيين في المخابئ والمظان الشيوعية، التي لم نكن على علم بها من قبل. فقد كانوا يتتبعونهم وفقا لخطة خاصة، وأخيرا بدأ القبض عليهم من داخل اجتماع شيوعي عقد خارج بيت السودان .. وتم وضعهم في " الحراسة " لمدة يومين إلى أن تدخل الطلبة السودانيون للإسراع بإطلاق سراح زملائهم الطلبة الشيوعيين.
    ومن غرائب الأمور أن عبد الخالق محجوب لم يكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، إذ عاد بعد ثلاثة أعوام متعللا بظروفه الصحية وإصابته بمرض الدرن الرئوي، وهو ما لم يسعفه لإكمال الدراسة الجامعية في مصر أو السودان. ولكن الحقيقة في رأي عبده دهب " أول شيوعي سوداني في حستو" غير ذلك إذ يؤكد في مذكراته التي لم تصدر بعد، أن " كورييل " طلب من عبد الخالق العودة إلى السودان فورا بناء على تكليف صادر من موسكو لتولي قيادة الحركة الشيوعية الوليدة في السودان والتي بدأت ملامحها تنمو مع اتساع النشاط، على أن يكون قناة اتصال مستمرة عبر تقاريره الحاذقة ورؤيته الناضجة حول أوضاع السودان.
    وربما خشي كورييل على عبد الخالق من مصير طالب كلية الطب الشيوعي السوداني صلاح بشرى الذي توفي بإحدى السجون في مصر متأثرا بمرض الدرن الرئوي. وكان قد حكم على صلاح بالسجن ثلاث سنوات بتهمة حيازة وثائق ومنشورات وآلة كاتبة وجدها البوليس في غرفته في سطوح المنزل الذي كان يسكن فيه.
    وقد كان خبر وفاة طالب سوداني في السجن أمرا حساسا ودقيقا، وفاجعة سياسية لا يستهان بآثارها وعواقبها. وقد حاولت الحكومة احتواء الموقف بقدر الإمكان فأمر الدكتور طه حسين وزير المعارف نقل جثمان الطالب صلاح بطائرة خاصة إلى عطبرة مسقط رأسه، بعد موكب تشييع ضم جميع أحزاب المعارضة المصرية، التي أصابتها الدهشة عندما شاهدت النعش ملفوفا بالعلم الشيوعي الأحمر، مما جعل بعضها يتردد في مواصلة التشييع من مستشفي القصر العيني إلى المطار.
    كانت مرحلة الدراسة وطلب العلم في مصر فرصة عظيمة بالنسبة للشيوعيين السودانيين في أن ينفتحوا على التنظيمات والأحزاب المصرية والتعلم منها فنون العمل السياسي خاصة وأن المجتمع المصري كان أكثر نضجا من ناحية التكوين الطبقي والحزبي وأكثر معرفة بوسائل المعارضة في مواجهة القصر والاستعمار البريطاني، وأوسع خبرة بفنون التهييج والتحريض، في وقت كانت الحركات الشيوعية في العالم تتخذ من هذه الأساليب تكتيكا لتأجيج الصراعات وإشعال الثورات وتكثيف حركة الجماهير باعتبارها القوى القادرة على إحداث التغيير المتجاوز إرادة النخب الحاكمة والطبقات المسيطرة.
    وكان يتم من خلالها الفرز السياسي وتتيح لها مجالا لتعين الخصوم وعقد التحالفات والبروز كقوة ناشطة معترف بها في الساحات المختلفة. وقد ساعد وجود هنري كورييل اليهودي المصري الثري كثيرا في تمليك الشيوعيين فنون النضال المختلفة بدء من طرق التجنيد والتنظيم والاستقطاب والانتشار والتحريض والمظاهرات، وهي فنون برع فيها الحزب الشيوعي السوداني قبل أن يرثها الأخوان المسلمون عنهم بعد عشرين عاما من إتقان الشيوعيين لها.
    وقد حمل عبد الخالق محجوب كل تلك الفنون والخبرات التي مارسها بإجادة وإتقان لمدة ثلاثة أعوام في القاهرة إلى السودان، حاملا أيضا خطاب التكليف بتولي قيادة الحركة الشيوعية على الرغم من صغر سنه.
    فقد كان على رأس الحركة السودانية للتحرر الوطني عام عودة عبد الخالق من القاهرة عوض عبد الرازق الذي خلف د. زين العابدين عبد الوهاب عبد التام الذي تتلمذ أيضا على يد كورييل، ولكن يبدو أن موسكو كان لها رأي آخر حول أسلوب إدارة الحركة ومنطلقاتها وأهدافها وتحالفاتها. وكان من أهم القضايا التي تعمقت حولها الخلافات وجرى حولها نقاش هي استقلال الحزب عن الأحزاب الأخرى بعد أن تفجر السؤال التالي: هل تسير " حستو " في برنامجها مستقلة عن أحزاب كبيرة لها جماهيريتها أم تندمج مع أحزاب لها قواعدها بما يتيح لها فرصة التحول إلى حزب جماهيري لا يصطدم بقضايا ومواقف لا إجابات حاضرة لها في ذلك الوقت..؟
    وربما كان سؤال الدين هو الهاجس الذي يؤرق بعض القيادات الشابة في وقت تشكلت الأحزاب التقليدية بجماهير " طائفية " بلغ عمرها أكثر من سبعين عاما. وربما كان سؤال القدرة على العمل التنظيمي الجماهيري هو السؤال الثاني الذي جعل الخلافات تأخذ منحى أيديولوجيا..
    فقد نشأت الأحزاب الأخرى عام 1945، أي سبقت " حستو " بعام، ولكنها نشأت كبيرة في جماهيرها وفي قياداتها. فعلى رأس حزب الأمة كان السيد عبد الرحمن المهدي، إمام الأنصار، كراعي ومرشد وموجه. له تاريخ طويل في العمل السياسي والديني يعرفه القاصي والداني، الشيوخ والنساء والأطفال في كل مدن السودان قاطبة، فهو صاحب شعار " السودان للسودانيين " الذي استقطب تحت لوائه قوى " وطنية " بلورت مفهوما مختلفا للسودان المستقل الحر . أما الطرف الثاني في المعادلة السياسية السودانية فكان السيد على الميرغني زعيم الختمية الذي شكل محورا مهما تقاسم الساحة السياسية مع "الأنصار"، وهو صاحب شعار وحدة وادي النيل الذي كان يعبر عن تقارب وتدامج سياسي واجتماعي مع مصر التي شكلت " الثنانئ" في حكم السودان.
    أما الأشقاء فكانت زعامتهم متمركزة في إسماعيل الأزهري الذي يعتبر رمزا للقوى الحديثة في ذلك الوقت، وأبنا بارا لمؤتمر الخريجين، له تاريخ طويل في العمل السياسي، مسنود بأسرة عريقة وممتدة من كردفان إلى الخرطوم. ويكفي في أنه شارك في وفد 1919 الذي التقى بالملك جورج في بريطانيا وتخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت. وحزب الأشقاء كان حزب التجار والموظفين والطلبة يحمل رؤى "تقدمية " بمقاييس ذلك الزمان.
    في ظل تلك الخريطة الحزبية كان لابد من أن يتساءل د. زين العابدين السؤال الطبيعي: أين حستو من هذه القوى وفي تلك الخريطة السياسية ..؟ هل يمكن أن يكون لها موطئ قدم من دون التحالف مع قوى كبرى قريبة من زاوية التفكير والمزاج والقواعد المستهدفة..؟
    وربما كان السؤال الأكثر إلحاحا ليس هو: أين " الدين " في فكر حستو..؟ إنما أين الجماهير التي تجمعت حول محور " الدين " والطائفة والتاريخ وهي عناصر تأسست عليها الأحزاب الأخرى.. بما فيها الأخوان الجمهوريون والأخوان المسلمون..؟
    وهي أسئلة ظلت مقلقة ومزعجة لتفكير قيادة الحزب الشيوعي منذ ذلك الوقت.. وهي أسئلة لا تحسمها النجاحات التنظيمية ولا الانتصارات السياسية، ربما قد تحجبها لحين، دون التمكن من إلغائها نهائيا. ولذلك وصفت قيادة د. زين العابدين التي لم تستمر أكثر من عام بأنها تقليدية وتراجعية.
                  

03-31-2007, 05:37 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 24908

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)

    الكيك

    واصل




    ولحيدر طه التحية
                  

04-01-2007, 04:20 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: حيدر حسن ميرغني)

    شكرا حيدر حسن ميرغنى
    سوف اواصل ان شاء الله حلقات معينة من الكتاب لكى لا افسد الطبخة
    لك تحياتى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de