|
عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ...
|
هذه مقدمة لكتاب جديد للاستاذ حيدر طه سوف بصدر عما قريب ..يحكى فيه عن الجيل الثانى من السياسيين السودانيين فى صراعاتهم الطويلة حول النفوذ والسلطة .
عندما يضحك التاريخ الجيل الثاني .. البحث عن عن نظام؟
مقدمة عندما التقيته في مكتبه في حي الظاهر بوسط القاهرة لأول مرة في يونيو 1992، بعد محاولات عديدة لمقابلته، سألني الرئيس السوداني السابق جعفر نميري ماذا أريد بـ " الضبط " من تأليف كتاب عنه..؟ كان يحاول معرفة ما استبطن في مخيلتي من تأليف كتاب عن رئيس " مخلوع " لاجئ بمستوى رئيس دولة في مصر التي استضافته بكرم وتقدير بعد عودته من الولايات المتحدة في 6 إبريل، منكسرا عقب انتفاضة شعبية اقتلعت نظامه وأطاحت ببقية أحلامه ومنعته من عودة إلى وطنه الذي حكمه ستة عشر عاما تقلب فيها من يسار إلى يمين، من علمانية إلى إسلامية، من عروبي حتى النخاع إلى أمريكي حتى الثمالة. وكان ردي على سؤاله بسيطا هو أنني أريد أن أتعرف إلى شخصيته غير المحكي عنها عن طفولته المبكرة وأسرته وأيام شبابه، عن تربيته وتعليمه وخبراته، عن ذكرياته في الجيش وتنظيم الضباط الأحرار، وعن اختياره قائدا للانقلاب وتوليه السلطة الفعلية وعن انقلاباته الداخلية العديدة على رفاقه ورجاله وخلاصائه، وعن طرق حكمه ومضامين قراراته وما يبدو من تناقضات في الممارسة. وباختصار قلت له أريد أن أتعرف كيف كنت تتخذ قراراتك.. بالاستخارة أم بالاستشارة..؟ وفي الحقيقة كنت أبحث عن مناطق التأثير في شخصية جعفر محمد محمد نميري وعن شخصيته، خاصة وهو لم يكن مؤهلا لتولي السلطة لا بالتربية السياسية في حزب أو أسرة ولا بالتعليم المتخصص في الإدارة وشؤون الحكم ومعرفة تجارب الآخرين! فكيف حكم ستة عشر عاما..؟ بل كيف صادف أن تولى قيادة الانقلاب.. وكيف تخلص من رفاقه " الأصلاء " ؟! كان مشروع الكتاب قراءة في الأفكار والأشخاص الذين تولوا الحكم في حقبة مهمة من تاريخ السودان، ومحاولة للنظر بعمق في قوانين المصادفات عبر رحلة استكشاف شائقة مع كثيرين شاركوا أو شاهدوا القصة من قريب، فأدلوا برأي أو معلومة أو شهادة، مدركا أن الغاية الكبرى من دراسة التاريخ هي قراءة قصص الأشخاص وتفاصيل حياتهم للامساك بالأفكار والمبادئ. وفي رحلة الاستكشاف التقيت عددا كبيرا من الذين شاركوا في الأحداث طوال نصف قرن أو أكثر والذين شهدوا جانبا مهما فيها. وكانت إحدى شواغلي أن التقي مولانا بابكر عوض الله أول رئيس وزراء في حكومة 25 مايو، قبل أن تغيب عن ذاكرته المعالم البارزة في مسار الأحداث.. فدهشت عندما كان يستذكر تفاصيل دقيقة بتواريخ مؤكدة
وبابكر عوض الله القاضي المعتزل هو الرجل الذي خطط للانقلاب من الجبهة المدنية، وكان مربط الصلة بين الضباط الأحرار والقوى صاحبة المصلحة في إحداث تغيير " ثوري " في السودان بعد أزمات سياسية ودستورية عميقة شكلت الأرضية الشرعية للتغيير. وبعقل القاضي النزيه وبقلب الرجل الإنسان لم يكن بابكر عوض الله يرغب في كتابة مذكراته التي ألححت عليها بقوة، محاولا إشعال الحماس في قلبه بأن المذكرات حق من حقوق الشعب السوداني الذي يريد أن يعرف الحقائق وهو شاهد عصر مهم في الأحداث منذ أن تولى رئاسة البرلمان عام 1955 إلى أن أصبح رئيس القضاء في السودان، وإلى أن تقدم بأشهر استقالة من منصبه الرفيع في معمعان الأزمة السياسية والدستورية بحل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965، إلى أن تولى رئاسة الوزارة في انقلاب مايو، ثم استقالته المفاجئة ولجوئه إلى مصر ليستقر في شقة على ضفاف النيل الخالد بالعجوزة لأكثر من عشرين عاما قبل عودته النهائية إلى السودان. وكانت زوجته سميرة أكثر إلحاحا مني على كتابة تلك المذكرات لأنها عاشت تلك الأحداث بإرادة واعية في المشاركة، وتدرك بأسف عميق- كما قالت- كيف سرقت " الثورة " ووجد قادتها الحقيقيون أنفسهم خارج دائرة التأثير والنفوذ قبل مرور عام واحد على الانقلاب، وكيف طواهم النسيان بعد ذلك تحت سرعة التطورات والانقلابات والانتفاضات والمكايدات. ولكن من فرط في " الثورة " وفكك سياجها وجعلها عرضة للسرقة بيد من لم يفكر أصلا في الثورة أو يكتوي بنارها..؟ ربما كان ذلك هو السؤال القاسي الذي ظل يفكر فيه مولانا طوال تتبعه مسار أحداث السودان من شرفة منزله في حي العجوزة، نائيا بنفسه عن تقلبات العسكر وجشع السياسيين وتعقيدات الأزمة وغرابة المصادفات. ولكن النأي طويلا حرك في نفسه أهمية أن يدلي بشهادته بصورة عفوية ومتقطعة أثناء دردشات استمرت سنوات أبدى فيها حذره عدة مرات من " كلمة التاريخ " النهائية، حينما قال لي: ماذا اكتب في المذكرات إذا لم تكن كاملة وصادقة..؟ وعقب على سؤاله نفسه قائلا إن الصدق يمنعه أن يقول كلمة تجرح مشاعر السودانيين في زعمائهم وقادتهم ولو كانوا مخدوعين فيهم. وفهمت الرسالة وتساءلت كما تساءل هل يمكن أن يقول كلمة حق في إسماعيل الأزهري رافع علم الاستقلال وكان في العلاقة بينهما ما فعل الحداد..؟ ولكن بالرغم من ذلك كان إصراري أن يقول كلمته للتاريخ وعلى الأجيال الناهضة أن تحكم، فهي أقدر على التمحيص والتدقيق والمراجعة والنقد لاستخراج العبر والدروس من تاريخ ما زال محبوسا في الضمائر مشتتا في " الونسة " مبعثرا في الحكايات التلقائية باستثناء جهود ضئيلة بل ونادرة يقوم بها الماهرون في فن التوثيق والتسجيل والأرشفة، وهو فن لا يحسنه السودانيون كثيرا لميل تاريخي في حب الشفاهة. والتقيت من بين من التقيت الرائد أبو القاسم هاشم عضو مجلس الثورة أثناء رحلة استشفاء في القاهرة واستكملت بعض الروايات عن تنظيم الضباط الأحرار ودور الناصريين في الانقلاب الذي أشيع أنه من فعل وتدبير الناصريين والشيوعيين.
انقر هنا لتقرا بقية المقدمة والحلقة الاولى . اخبار ومقالات سودانية .. http://www.maalinews.com/[/B]
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: Khalid Kodi)
|
الاستاذ كودى لك كل التحيات الطيبات الاخ جيدر طه كاد ان ينتهى من الجزء الاخير من كتابه القيم عندما يضحك التاريخ وهو كتاب مشوق وتوثيقى ومهم لكل متابعى الشان السودانى ... تابع قضايا السودان بقلمه السيال وقدراته الصحفية المميزة وخص موقعى الخاص بالحلقة الاولى والثانية وسوف تجدهما هناك .. ولك منى كل تحية وتوفيق ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)
|
بقية المقدمة
وسبق أن التقيت المرحوم سعد بحر في منزله بحي بانت جنوب أم درمان في مساء أحد أيام الصيف الذي اشتعلت فيه الأزمات السياسية المتوالية والخانقة والتي وضعت حكومة السيد الصادق المهدي بين خيارات صعبة وتحديات مريرة. وكان هاجسي في ذلك اللقاء ليس الأزمة الطارئة أو المستوطنة بل كان شاغلي هو روايته عن أحداث بيت الضيافة وهو أحد الضحايا الناجين من موت محقق رآه بأم عينه لولا لطف الله به وببعض رفاقه في المعتقل. وإذا كان الكلام " سمح في خشم سيده " فإن بعض الكلام حلو في فم الآخرين، لأن هناك ظلال للقصة وتفاصيل الرواية يملكها بعض الذين شاهدوا وراقبوا وتابعوا الأحداث بالقرب من أبطال القصة.. في القصر الجمهوري أو في السجون أو في الدواوين الحكومية أو في حقل التجارة أو الجيش أو زملاء سابقين لهم في المدارس. وعندما جمعت تلك الروايات استخلصت عنوانا للكتاب الذي بين أيديكم، عنوان قفز إلى ذهني من دون سابق تفكير أو تمعن هو " عندما يضحك التاريخ ". وعندما تمعنت كثيرا في العنوان وجدته يطابق وجه الأحداث وحال الرواية، ويعبر عن حال التطورات في السودان منذ أن تركه الإنجليز إلى يومنا هذا. فما زال التاريخ يضحك إما لأعاجيب أنظمة الحكم المتعاقبة أو متهكما من سوء الأفعال وخيبة المآل وضياع المال وقلة الرجال، أو لأن الحكم ظل لغزا لم يفلح بعد السودانيون في فك طلاسمه ومعرفة عبره ودروسه فظلوا يدورون في حلقة مفرغة من الفشل وتكرار الفشل من دون الاهتداء إلى أول الطريق. والكتاب في المقام الثاني هو قصة الجيل الثاني في الحركة السياسية السودانية والصراع من أجل البقاء والنفوذ من خلال رحلة في سيرة جعفر نميري وبعض رفاقه.
اقرا الحلقة الاولى فى مقالات سودانية انقر هنا
http://www.maalinews.com/
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)
|
الجزء الثانى من الفصل الاول ..
وربما كانت أبرز الفوارق بين نميري والآخرين الظروف الأسرية والبيئة الاجتماعية المختلفة عن ظروف وبيئات الآخرين الذين انخرطوا في النشاط السياسي منذ نعومة أظفارهم وتربوا وسط بيئة سياسية وفكرية شكلت بصورة طبيعية وتلقائية زعامتهم وقيادتهم العمل السياسي قبل سنوات ليست بالقصيرة من توليهم المسؤوليات. وربما كان الفارق الأكبر الثاني هو أن الآخرين عاشوا حياة مستقرة وميسورة ومنظمة تحدد بوصلتها الأهداف وخرائط الوصول إلى مواقع النفوذ ومعالم الطريق ووسائل الانتقال، بل وحتى تعيين الأدلاء والمرشدين. كان جعفر نميري طرازا مختلفا.. فقد عاش مراحل فوارة من عمره تقلبت بين العادية والمتميزة، المخططة والتلقائية بل أحيانا العشوائية، مراحل متساوية من ناحية الزمن الذي امتد به إلى حواف الثمانين خريفا – أمد الله في عمره. فكل عشرين سنة لها طابعها ونكهتها وتميزها، بدءا بطفولته الشقية والصبا المتوحش أيام الدراسة، ثم عنفوان الشباب أثناء خدمته العسكرية كضابط في الجيش السوداني الذي بدوره يعطيه هيبة وسطوة ومكانة، وهو الشاب صاحب الجسم الرياضي المفتول العضلات الطويل القامة الممتلئ بالحيوية، .. ثم جاءت الرئاسة التي كانت أعظم المدهشات في حياته التي لم يحلم بها مستيقظا أو نائما، جاءته مخدومة " ومقنطرة " ولكن بمغامرة لم يتح له فيه الوقت الحساب والتقدير إلا بقدر النظر السريع إلى " الغنيمة " . وختاما بمرحلة لجوء سياسي غير اختياري وغير مستحب تلته حالة استكانة واستجمام منحته فرصة لاجترار الذكريات وأداء المراجعات والعودة إلى طبيعة الإنسان متجردا من " هيلمان الرئاسة وصولجان الحكم ". مراحل تستحق الوصف الدقيق بأنها فوارة ومتقلبة، عادية ومدهشة منذ أن ولد جعفر نميري في أوائل عام 1930 في بيت بسيط وأسرة فقيرة كان أعلى سقف طموحاتها أن يكمل ابنها دراسته الثانوية ليلتحق بوظيفة، في أي وظيفة، ترفع عن كاهلها أعباء الظروف القاسية. عاش نميري متنقلا من مرحلة إلى أخرى دون أن يرسم لنفسه هدفا محددا، ومن دون أن يخطط مسبقا لتحقيق ما يريد لأنه في معظم الأحيان لا يعرف ما يريد، فيترك الأمر للمشيئة العليا أو لمصادفات غريبة لا يد له فيها ولا رغبة مبيتة. كان يأمل أن يكون رياضيا متميزا ولاعب كرة قدم شهيرا فأصبح عسكريا في صفوف جيش مهووس بالانقلابات ومحشور في حرب لا ناقة له فيها ولا بعير في جنوب السودان، كان بعيدا عن السياسة فوجد نفسه في ذروة قيادتها، وكان نائيا عن التدين فوجد نفسه درويشا بين دراويش يلبسون المرقع يدورون في حلقات ممتلئة بالإيمان وأحيانا مفرغة من كل وجدان. وكان فقيرا فأصبح صديقا للأثرياء ومقصدا لرجال الأعمال، يلتف حوله خيرة المثقفين السودانيين وأنبغهم، مثله مثل كل الرؤساء في العالمين الأول والثالث. قد تكون مراحل حياته مشابهة لحياة معظم أبناء الجيل الثاني من رؤساء وزعماء وقادة أفارقة وعرب، عاشوا الظروف نفسها، ولكنهم افترقوا في خلفياتهم الثقافية والتزاماتهم الأخلاقية وتمايزوا في عمق التفكير أو الضحالة، سعة الرؤية الاستراتيجية أو ضيقها، وسرعة ردود أفعالهم بين القوة والضعف، كما اختلفوا في القدرة على إدارة بلدانهم وفق منظور يقترب أو يبتعد عن حس الشعوب. فإذا كانت ظروف حياة هؤلاء الرؤساء متشابهة فإنها قطعا ليست متطابقة، فلكل منهم بصمة طبعتها البيئة التي تربى فيها ونوع التنشئة التي شب عليها وأسلوب التعليم الذي ناله والأحوال الاجتماعية والمعيشية والسياسية التي أحاطته وشكلت تصوراته وأفعاله وقراراته واختياراته. فالمرء ابن صادق لبيئته ومرآة أمينة لتنشئته .. فمن شب على شيء شاب عليه، وجعفر كان مثالا لذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)
|
الجزء الاول من الحلقة الثالثة
الحلقة الثالثة
عاش جعفر سنواته الأولى في ود نوباوي ،الجزء الشمالي من مدينة أم درمان الذي قطنه منذ تأسيس الدولة المهدية أنصار المهدي الذين هاجروا من المدن الشمالية، دناقلة وجعليون وشوايقه وحلفاويون وهي القبائل التي تسكن على طول نهر النيل، ولذلك تعارف سكان أم درمان على تسميتهم بـ " أولاد البحر "، وكان يطلق اسم البحر على النهر دون تمييز الفوارق الجغرافية والطبيعية. أما الجزء الجنوبي فكان يسكنه معظم الذين هاجروا من غرب السودان، فور ومساليت وزغاوة ورزيقات وحمر وبقارة ونوبة جاءوا مع الرايات التي حملها الأنصار لتحرير الخرطوم من الاستعمار التركي البريطاني. فأطلق أهل أم درمان على أبناء الجزء الجنوبي " أولاد الغرب "، وكان التمايز بينهم واضحا في كثير من الأمور في وقت مضى، ثم ذاب في وقت لاحق بقوة الواقع الذي خلط الأنساب والقبائل والبيوت.
ولكن لم يفلح جعفر في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الوسطى إذ كان ولدا شقيا كما وصف نفسه، محبا للعب هاربا من المذاكرة، والصبر عليها أكثر من دقائق معدودات يصبح على دماغه مثل حجر ثقيل لا يطيق حمله أو احتماله. فباله دائما ما يكون مع الصحاب في الشارع يلهون ويلعبون وكان هو يعشق المشي على يديه في ما يسمى " مشية العقرب " ليسير بها حوالي نصف كيلومتر من طرف الحي إلى منزل جده صالح أرباب، ويظل فخورا بهذه المشية التي تلفت أنظار المارة وسكان الحي ويهزون أيدهم تشجيعا له. كان لدى الأصحاب في سنه وأكبر منه هواية صيد الطيور خاصة طير الغباش في مقابر الشهداء في حي الهجرة، فيضعون " القلوبية" التي تشبه اللغم تحت الأرض ليظهر منها طرف معلقة عليه حبات ذرة تغري الطير للمجيء إلى المصيدة، ويظلون يرقبون العملية لساعات حتى تأتي المصيدة أوكلها. وعندما يملون مطاردة الغباش طيلة النهار يلتفتون إلى ترصد " الكدندار" لربطه بخيط رفيع وإطلاقه في الهواء ليحدث " زنة ورنة " يعشقها الأطفال. وكان من أحب أنواع اللعب إلى قلبه الإغارة على أبناء الحي الآخر في ود نوباوي، والتقاذف معهم بالطين في موسم الخريف والحجارة في موسم الصيف ثم مطاردة " الخونة " لجلدهم والاستهزاء بهم، ثم الاختباء والفر ليلحقه كر من جديد. وكانت تقود مجموعتهم المهاجمة في كل ليلة رحمة مكي وهي فتاة حي "الدومة" سمراء نحيفة القوام ذات صوت شجي اصقلته حتى أصبحت " غناية "، إلا أنها اشتهرت في صباها، وسط صبيان الحي، بأنها ماهرة التصويب بالحجر يندر أن تخطئ هدفها. وبسبب بسطة جسمه الذي لا يتناسب مع عمره الصغير كان جعفر يتصدر " شلة الصبيان " الأكبر منه سنا في حماية بنات الفريق عندما كن يردن الذهاب من مكان إلى أخر خاصة بعد انتهاء حفلات الأعراس. ولهذه المهمة كان يحمل دائما بناء على نصيحة " أخواله " ،وهو الفتي الصغير السن، سكينا معلقة على الذراع وعصا في يده يردع بها الكلاب السعرانة ويزجر بها النابحة من دون أذى، ويخيف بها الأعداء من أبناء الأحياء التي عانت من غارات أولاد حي ود البصير. وحينما يتذكر جعفر تلك الأيام يقول إنه كان يقوم بحماية صبيانا أكبر منه يخشون السير في الظلام ويخافون أبناء الأحياء الأخرى إذا " ربطوا" لهم في الطريق، خاصة في حي الموردة التي يقطعها صبيان ود نوباوي أو أحياء أم درمان الشمالية وهم في طريقهم بالدراجات "البسكليتات" إلى الخرطوم. ومن الصعب أن يتكهن أحد من سكان مدينة ود نوباوي بمستقبل طفل في التاسعة من عمره، بل لم يكن أحد منهم يتخيل أن طفلا في ظروف جعفر من الممكن أن يكون صالحا لشيء في مستقبله إذ اشتهر بين أقرانه من أطفال الحي بالشقاوة والجرأة والمشاكسة التي يرجعها بعض أهالي الحي إلى انطلاقته المبكرة وتحرره من قيد الرقابة الأبوية اللصيقة بعد أن انتقل من مدينة ود مدني إلى ودنوباوي ليكون تحت رعاية الجد والجدة وأبنائهم من الخيلان، كما لم يكن لأحد من أخواله الوقت الكافي أو المزاج الصافي لمتابعة دروسه أو التحكم في تصرفاته الطفولية .
وما أن سمع الوالد برسوب ابنه في امتحان القبول للمدارس الوسطى حتى هب مسرعا إلى أم درمان لاستعادة " الأمانة " التي تركها للجد صالح والخيلان ليرعوها حق رعاية، ولكنهم أهملوا رقابة الأبن حتى كانت الطامة الكبرى التي أثارت في نفس محمد محمد نميري غضبا أعماه عن القرار، الذي اتخذه في لحظة هيجان الغيظ وسطوة اليأس، بإلحاق جعفر بالمنطقة الصناعية ليلتحق بصنعة امتهنها الخيلان قبله، بدلا من ضياع الوقت والمال والجهد في مواصلة التعليم الذي لم يدخل دماغ الابن الناشف، وفي الوقت نفسه يكون القرار مناسبة للهروب والنجاة من هموم المدارس والامتحانات وتعجيلا بإيجاد مصدر رزق إضافي يساعد على تغطية تكاليف علاج مرض الابن الأصغر الذي بدأ يفقد بصره تدريجيا. لم يكن لمحمد محمد نميري أشقاء من والده الذي توفي قبل أن يرى هو النور، وبسبب ذلك تمت تسميته محمد على اسم أبيه تخليدا له وهو الرجل المعروف في أنحاء المنطقة الواقعة بين دنقلا والخندق في الشمالية، وكانت له صولات وجولات مع المسافرين على هذا الخط. فقيل إنه كان "همباتيا" يأخذ من أموال المسافرين الأغنياء ليعطيها الفقراء المقيمين في المنطقة، وقيل أنه كان فارسا مغوارا وقويا لا يصارعه أحد إلا غلبه، وقيل أنه كان قاطع طريق محترف " رباطيا " ينتزع حق " الطريق من جيوب الناس لنفسه. وليس بين الهمبتة وقطع الطريق إلا شعرة.. لا يحسن التفريق بينهما معيار حسن النوايا وطيب المقاصد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)
|
--------------------------------------------------------------------------------
الجزء الثانى الحلقة الثالثة
وبالفعل أخذ محمد محمد نميري ابنه جعفر إلى ورشة ميكانيكي اسمه " علي " كانت له معرفة وصلة صداقة بالأهل من الأخوال، ولم يحزن جعفر لهذا المصير ولم يتمرد، بل كان سعيدا بالتحرر من قبضة المدرس والمشرف والناظر في مدرسة ودنوباوي الابتدائية التي لم ينجح منها غير تلميذ واحد فقط هو أبو القاسم ميرغني. وكانت فرحته كبيرة بـ " بالقميص والسروال " الأخضر الذي يناسب " تلميذ الاسطى علي" في ورشة التضامن بالقرب من دار السينما الوطنية، على الرغم من أن حنينه إلى "عصابة الفتيان بقي مسيطرا عليه في أول يوم يلبس فيه زي الصنايعية . كان جعفر نميري خليطا ممزوجا بصورة فريدة من بيئتين اجتماعيتين في ود نوباوي وود أزرق، أخذ من كل واحدة نصيبا، فأخذ من ود أزرق "الفتونة" والانطلاق والشعور المبكر بالرجولة في زمن الصبا الذي تهيجه مفاتن الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وأخذ من أم درمان عمق " الاجتماعيات " التي صنعها مجتمعها من خميرة التداخل والتآلف بين الأسر والجيران عبر " النفاجات " في الحيشان والأبواب المفتوحة، كما حمل بصمات الإحساس بالفوارق الاجتماعية والمهنية والاقتصادية في وقت تعمقت فيه ملامح قوية للفوارق عندما راحت تتضح الخطوط بين البيوتات المعروفة الوارثة لمجد الآباء والأجداد، وما لم يرثه بقية الناس " الغبش " غير الدعاء بالستر والصبر. لم تدم فرحة جعفر بالورشة إذ سمع خاله عثمان صالح أرباب الميكانيكي بمصلحة الأشغال بالخبر فانزعج أيما انزعاج متذكرا بأن ما يحدث لأبن أخته زينب بت صالح أرباب كان قد حدث له دون نقصان عندما اختار الصنعة على إكمال التعليم، وارتاع من فكرة تكرار التجربة لطفل ما زالت أمامه فرص واسعة للدراسة. فأسرع عثمان بدراجته النارية " الموتر" إلى ورشة الاسطى علي لانتشال أبن أخته ، ليلحقه بمدرسة كان ناظرها قد توطدت علاقته به عبر صيانة السيارة الفورد بين حين وآخر. ولكن لم يستطع الناظر خدمة صديقه حيث كانت الفصول مكتملة بل تفيض عن سعة الفصل بطالبين التحقا فقط بنفوذ مفتش التعليم آنذاك صالح بحيري. ولم تغلب الناظر حيلة ولم يخيب أمل صديقه عثمان، فكتب إلى زميله ناظر مدرسة البندر خطابا ضمنه توصية حارة وملحة بقبول جعفر في السنة الرابعة الابتدائي للإعادة. وما أن تلقى الناظر الخطاب حتى طلب من جعفر خلع ملابس الورشة واستبدالها بملابس المدرسة التي كانت عبارة عن جلابية وطاقية حتى من دون شرط انتعال حذاء، بل يمكن حضور الفصل حاف إذا لم يتيسر له شبشب. وفي البداية لم يتقبل جعفر فكرة العودة إلى المدرسة وأبدى نوعا من الرفض، إلا أن خاله عثمان زجره وأصر على عودته فورا. وتحت الإلحاح واصل " التلميذ المتردد " على مضض ما لم يكن يرغبه. ولكنها إرادة من لا يرجع في قراره. ولدهشة الجميع بمن فيهم جعفر نفسه جاءت نتيجة الامتحان النهائي جيدة وبعدها انتقل إلى مدرسة مدني التي يلتحق بها التلاميذ من مختلف مدارس الجزيرة في ذلك الوقت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه ... (Re: الكيك)
|
الجزء الثانى
من الحلقة التاسعة
ويقول شهود تلك المرحلة إن الطلبة الشيوعيين اندمجوا في المجتمع المصري بسرعة لا تتناسب مع حداثة عهدهم التي لا تتعدى الأيام. فقد كانت القاهرة تشهد تحركات ومظاهرات ضد حكومة النقراشي باشا، وبحكم أنها كانت حكومة أقليات، فقد كانت المظاهرات ضدها صاخبة يقودها حزب الوفد المصري صاحب الأغلبية الشعبية، وتتضامن معه أحزاب المعارضة الأخرى، ومن ضمنهم الشيوعيون الذين كانوا يبنون تكتيكاتهم على استغلال تلك الأجواء المتوترة والصاخبة لإحراز مكاسب تنظيمية وسياسية جديدة لهم. ويقول الشهود إن الطلبة القادمين حديثا من الخرطوم كانت لهم اتصالات وثيقة بالتنظيمات الشيوعية في مصر التي تلقتهم بالأحضان بمجرد وصولهم القاهرة، وساعدتهم على الاندماج في التنظيمات الشيوعية المصرية، والانخراط في النشاط السياسي خاصة الخروج في المظاهرات، كممارسة وخبرة ووسيلة يحتاجون إليها في السودان بعد عودتهم. ويضيف هؤلاء الشهود أن عبد الخالق جاء في إحدى الأمسيات إلى بيت السودان في شارع الزراعة بالدقي وعليه آثار ضرب بعد أن ألقى البوليس القبض عليه مع عدد من المصريين الشيوعيين، ولكن أخلي سبيله بعد التأكد من أنه طالب سوداني. وهذه الحادثة وغيرها من المناسبات والنشاطات جعلت الطلبة السودانيين يشعرون بخطورة النشاط الشيوعي المصري في بيوت السودان، خاصة وأن النشاط الشيوعي كان من المحظورات السياسية في مصر في ذلك العهد. وقد نبهت السلطات المصرية، بما فيها أجهزة الأمن، إلى مدى تورط الطلبة السودانيين في النشاط الشيوعي مع زملائهم المصريين. ويقول شاهد على تلك الفترة " إن أنف البوليس المصري كانت طويلة وآذانه كانت مرهفة، فأخذ رجال الأمن يوافوننا بكل الاتصالات التي كان يقوم بها بعض الطلبة السودانيين في المخابئ والمظان الشيوعية، التي لم نكن على علم بها من قبل. فقد كانوا يتتبعونهم وفقا لخطة خاصة، وأخيرا بدأ القبض عليهم من داخل اجتماع شيوعي عقد خارج بيت السودان .. وتم وضعهم في " الحراسة " لمدة يومين إلى أن تدخل الطلبة السودانيون للإسراع بإطلاق سراح زملائهم الطلبة الشيوعيين. ومن غرائب الأمور أن عبد الخالق محجوب لم يكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، إذ عاد بعد ثلاثة أعوام متعللا بظروفه الصحية وإصابته بمرض الدرن الرئوي، وهو ما لم يسعفه لإكمال الدراسة الجامعية في مصر أو السودان. ولكن الحقيقة في رأي عبده دهب " أول شيوعي سوداني في حستو" غير ذلك إذ يؤكد في مذكراته التي لم تصدر بعد، أن " كورييل " طلب من عبد الخالق العودة إلى السودان فورا بناء على تكليف صادر من موسكو لتولي قيادة الحركة الشيوعية الوليدة في السودان والتي بدأت ملامحها تنمو مع اتساع النشاط، على أن يكون قناة اتصال مستمرة عبر تقاريره الحاذقة ورؤيته الناضجة حول أوضاع السودان. وربما خشي كورييل على عبد الخالق من مصير طالب كلية الطب الشيوعي السوداني صلاح بشرى الذي توفي بإحدى السجون في مصر متأثرا بمرض الدرن الرئوي. وكان قد حكم على صلاح بالسجن ثلاث سنوات بتهمة حيازة وثائق ومنشورات وآلة كاتبة وجدها البوليس في غرفته في سطوح المنزل الذي كان يسكن فيه. وقد كان خبر وفاة طالب سوداني في السجن أمرا حساسا ودقيقا، وفاجعة سياسية لا يستهان بآثارها وعواقبها. وقد حاولت الحكومة احتواء الموقف بقدر الإمكان فأمر الدكتور طه حسين وزير المعارف نقل جثمان الطالب صلاح بطائرة خاصة إلى عطبرة مسقط رأسه، بعد موكب تشييع ضم جميع أحزاب المعارضة المصرية، التي أصابتها الدهشة عندما شاهدت النعش ملفوفا بالعلم الشيوعي الأحمر، مما جعل بعضها يتردد في مواصلة التشييع من مستشفي القصر العيني إلى المطار. كانت مرحلة الدراسة وطلب العلم في مصر فرصة عظيمة بالنسبة للشيوعيين السودانيين في أن ينفتحوا على التنظيمات والأحزاب المصرية والتعلم منها فنون العمل السياسي خاصة وأن المجتمع المصري كان أكثر نضجا من ناحية التكوين الطبقي والحزبي وأكثر معرفة بوسائل المعارضة في مواجهة القصر والاستعمار البريطاني، وأوسع خبرة بفنون التهييج والتحريض، في وقت كانت الحركات الشيوعية في العالم تتخذ من هذه الأساليب تكتيكا لتأجيج الصراعات وإشعال الثورات وتكثيف حركة الجماهير باعتبارها القوى القادرة على إحداث التغيير المتجاوز إرادة النخب الحاكمة والطبقات المسيطرة. وكان يتم من خلالها الفرز السياسي وتتيح لها مجالا لتعين الخصوم وعقد التحالفات والبروز كقوة ناشطة معترف بها في الساحات المختلفة. وقد ساعد وجود هنري كورييل اليهودي المصري الثري كثيرا في تمليك الشيوعيين فنون النضال المختلفة بدء من طرق التجنيد والتنظيم والاستقطاب والانتشار والتحريض والمظاهرات، وهي فنون برع فيها الحزب الشيوعي السوداني قبل أن يرثها الأخوان المسلمون عنهم بعد عشرين عاما من إتقان الشيوعيين لها. وقد حمل عبد الخالق محجوب كل تلك الفنون والخبرات التي مارسها بإجادة وإتقان لمدة ثلاثة أعوام في القاهرة إلى السودان، حاملا أيضا خطاب التكليف بتولي قيادة الحركة الشيوعية على الرغم من صغر سنه. فقد كان على رأس الحركة السودانية للتحرر الوطني عام عودة عبد الخالق من القاهرة عوض عبد الرازق الذي خلف د. زين العابدين عبد الوهاب عبد التام الذي تتلمذ أيضا على يد كورييل، ولكن يبدو أن موسكو كان لها رأي آخر حول أسلوب إدارة الحركة ومنطلقاتها وأهدافها وتحالفاتها. وكان من أهم القضايا التي تعمقت حولها الخلافات وجرى حولها نقاش هي استقلال الحزب عن الأحزاب الأخرى بعد أن تفجر السؤال التالي: هل تسير " حستو " في برنامجها مستقلة عن أحزاب كبيرة لها جماهيريتها أم تندمج مع أحزاب لها قواعدها بما يتيح لها فرصة التحول إلى حزب جماهيري لا يصطدم بقضايا ومواقف لا إجابات حاضرة لها في ذلك الوقت..؟ وربما كان سؤال الدين هو الهاجس الذي يؤرق بعض القيادات الشابة في وقت تشكلت الأحزاب التقليدية بجماهير " طائفية " بلغ عمرها أكثر من سبعين عاما. وربما كان سؤال القدرة على العمل التنظيمي الجماهيري هو السؤال الثاني الذي جعل الخلافات تأخذ منحى أيديولوجيا.. فقد نشأت الأحزاب الأخرى عام 1945، أي سبقت " حستو " بعام، ولكنها نشأت كبيرة في جماهيرها وفي قياداتها. فعلى رأس حزب الأمة كان السيد عبد الرحمن المهدي، إمام الأنصار، كراعي ومرشد وموجه. له تاريخ طويل في العمل السياسي والديني يعرفه القاصي والداني، الشيوخ والنساء والأطفال في كل مدن السودان قاطبة، فهو صاحب شعار " السودان للسودانيين " الذي استقطب تحت لوائه قوى " وطنية " بلورت مفهوما مختلفا للسودان المستقل الحر . أما الطرف الثاني في المعادلة السياسية السودانية فكان السيد على الميرغني زعيم الختمية الذي شكل محورا مهما تقاسم الساحة السياسية مع "الأنصار"، وهو صاحب شعار وحدة وادي النيل الذي كان يعبر عن تقارب وتدامج سياسي واجتماعي مع مصر التي شكلت " الثنانئ" في حكم السودان. أما الأشقاء فكانت زعامتهم متمركزة في إسماعيل الأزهري الذي يعتبر رمزا للقوى الحديثة في ذلك الوقت، وأبنا بارا لمؤتمر الخريجين، له تاريخ طويل في العمل السياسي، مسنود بأسرة عريقة وممتدة من كردفان إلى الخرطوم. ويكفي في أنه شارك في وفد 1919 الذي التقى بالملك جورج في بريطانيا وتخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت. وحزب الأشقاء كان حزب التجار والموظفين والطلبة يحمل رؤى "تقدمية " بمقاييس ذلك الزمان. في ظل تلك الخريطة الحزبية كان لابد من أن يتساءل د. زين العابدين السؤال الطبيعي: أين حستو من هذه القوى وفي تلك الخريطة السياسية ..؟ هل يمكن أن يكون لها موطئ قدم من دون التحالف مع قوى كبرى قريبة من زاوية التفكير والمزاج والقواعد المستهدفة..؟ وربما كان السؤال الأكثر إلحاحا ليس هو: أين " الدين " في فكر حستو..؟ إنما أين الجماهير التي تجمعت حول محور " الدين " والطائفة والتاريخ وهي عناصر تأسست عليها الأحزاب الأخرى.. بما فيها الأخوان الجمهوريون والأخوان المسلمون..؟ وهي أسئلة ظلت مقلقة ومزعجة لتفكير قيادة الحزب الشيوعي منذ ذلك الوقت.. وهي أسئلة لا تحسمها النجاحات التنظيمية ولا الانتصارات السياسية، ربما قد تحجبها لحين، دون التمكن من إلغائها نهائيا. ولذلك وصفت قيادة د. زين العابدين التي لم تستمر أكثر من عام بأنها تقليدية وتراجعية.
| |
|
|
|
|
|
|
|