أين يجلس حزب الأمة الآن???

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 07:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-02-2007, 04:40 PM

الجيلى أحمد
<aالجيلى أحمد
تاريخ التسجيل: 03-27-2006
مجموع المشاركات: 3236

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? (Re: الجيلى أحمد)

    Quote: هذا التقرير، الذي أصبح يُعَدُ من أهم الوثائق التي تجاوزت أحاديث الشفاهة, فيما كان يصل إلى مسامع رئيس الوزراء في شأن الذي كان يجري فوق -وتحت- سطح الواقع السياسي السُوداني, ماذا كان حظه؟! كتب السيد الصادق مُلاحظاته عليه بخط يده، ووجَّهه إلى ”أخي الحبيب“.. ورغماً عن أن الوثيقة المنشورة كشطت الاسم, إلاَّ أن قرائن الأحوال تشيرُ إلى أنه واحدٌ من اثنين، لا ثالث لهما: إما وزير الداخلية نفسه، السيد مُبارَك الفاضل، بحُكم أن إدارة الأمن المذكورة تقع تحت دائرة مسؤولياته, أو رئيس جهاز أمن السُودان، السيد عبدالرحمن فرح، الذي تتكامل مسؤولياته مع الإدارة المعنية, وكلاهما من قادة الحزب العتيد.. بل إن رئيس الوزراء وصف التقرير لأحدهما، بأنه: «كالعادة، مُبتسرٌ من حيث الحقائق والتحليل»!! وتساءل باستخفافٍ مُمعنٌ في السُخرية: «متى يرقى الأمن الداخلي للإحاطة بالحقائق والتحليل الأشمل؟».[/QUOTE]

    Quote: ففي إحدى حلقات النقاش التي دأب المعتقلون على عقدها داخل سجن كوبر، بعد الانقلاب, بُغية طرد الملل وتبديد السأم الذي يضجر النفوس, صَدَرَ عن السيد الصادق المهدي قولٌ أراد به تعميم المسؤولية، فقال: «كلنا مسئولون عن الانقلاب».. فبادره السيد محمد إبراهيم نُقد بعبارة اعتراضية، قائلاً له: «الحقيقة أنتم لوحدكم المسئولون».. فسأله المهدي قاطباً جبينه، كتعبيرٍ عن حالة الضيق التي اعترته: «كيف؟!».. فقال نُقد: «أبلغناكم به».. فردَّ المهدي: «أبلغتم مَن؟!».. فرد نُقد: «أبلغنا صلاح عبدالسلام (أحد قيادات حزب الأمَّة وكان يشغل منصب وزير شؤون الرئاسة) الذي يجلس بقربك»، مشيراً نحوه بسبابته.. فسأل المهدي الأخير: «صحيح الكلام ده يا صلاح؟!».. فقال صلاح: «نعم»!! ساد صمتٌ عميق، تبَعثرت خلاله نظرات الجالسين، واهتزَّت له جدران السجن العتيق، والمتشققة أصلاً من هول أحداثٍ جسام، عَبَرَت خلالها طوال عقود زمنية.


    (1)
    Quote: المَشْهَدُ الأوَّل: عَشِيَّة الكَارِثة(*)

    تميَّز الانقلاب الأخير في السُودان عمَّا سواه من الانقلابات الماضية, بأنه الأول الذي تواترت أخباره من وراء الحدود.. وخلالها، كان هناك من يُحاول القيام بواجبه, وقرع ناقوس الخطر قبل فترة طويلة, مُستشعراً السُلطة التنفيذية التي يقف على رأسها السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء.. «في يوم 18/3/1989في حديث عابر مع سفير دولة أوروبية, سألني عن الأوضاع بالسودان, وقال لي إنه سمع من بعض المسئولين المصريين أن انقلاباً سوف يحدث بدون شك, وأن الأمور لا يمكن أن تستمر على تلك الحالة, وبعدها حدثت محاولة انقلاب صلاح الضوي والمرحوم الزبير محمد صالح, وبعدها قمت بإرسال تقرير ضافٍ باليد للسيد رئيس الوزراء, مقيّماً الوضع بين السودان ومصر على ضوء التصريحات المتبادلة بين البلدين, وأشرت فيه إلى موضوع الانقلاب». ثم بعدئذٍ تكاملت الرؤى والمعلومات والوقائع مع ما كان يجري داخل الحدود.

    صباح الجمعة، 23 يونيو/حزيران 1989، تحلَق حول السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء ”المُنتخبُ“ آنذاك، بعض ضيوفه، في منزله الكائن بمدينة أمدرمان ”حي المُلازمين“.. دخل عليه ضابط من ذوي الرتب الوسيطة في القوَّات المسلحة، وكان يتأبَّط خبراً مزعجاً، تشيبُ له الولدان، وقد جاء تحديداً لإبلاغ المهدي به، فقال له: «هناك ترتيباتٌ تَجرِي لتنفيذ انقلابٍ عسكري لتَغيير السلطة الديمقراطيَّة»!!

    سألَه المهدي في البداية -ولم يُبدِ اكتراثاً ملحوظاً لمجالسيه- عن مصدر معلوماته.. فقال له الضابط: «ليس هناك مصدر معيَّن».. لكنه شرح للمهدي أنه، بعلاقاته المتشعِّبة وسط زملائه من العسكريين، استطاع التقاط كثير مِن الهمس الذي يدور بين ضبَّاط المؤسَّسة العسكريَّة, لدرجة أصبح ذلك في حكم اليقين.. وأضاف أنه لا يعلمُ متى سيحدث الانقلاب، ولا كيف؟! وبعد فترة ران فيها صمت رهيب على المكان, باغته المهدي بسؤالٍ استنكاري: «تفتكر مُمكن ضابط يغامر ويهِد الشرعيَّة الدُستورِيَّة؟!».

    لم يكن المُساءل في حالٍ يستطيع معها أن ينفى ولعاً شرهاً وطموحاً أرعن، أصاب كثيرين من منتسبي تلك المؤسَّسة بداء الانقلابات العسكريَّة, عبر سنوات من تأسيسها، لحماية ”الأرض والعِرْض“.. فردَّ على سؤال المهدي بقوله: «يا سيِّد الصادق، الضابِط المُغامر عندما يركب الدبَّابة، لا يعرِف ”المؤسَّسة الشرعيَّة“, وكلُّ تفكيره يكونُ مركَّزاً في اتجاه أن حياته في خطر، ممَّا يحفِّزه لتنفيذ تلك المُهمَّة فقط»!!

    عاجلَه المهدي بسؤالٍ تَقريري آخر، ينضح تواضعاً: «تفتكر ما الذي يمكن عمله؟».. لَم يتحذلق المُساءل في سؤالٍ يعلم أن سائله بمقدوره أن يؤلِّف فيه كتباً, فحصر اجتهاده فيما يعلمه، وقال له: «مِن الناحِية العسكريَّة، أستطيع أن أقول لك إن قادة الوحدات العسكريَّة يجب أن يكونوا ملازمين في وحداتهم بدرجة استعدادٍ قُصوى، وتَأهُّبٍ كامل, كما يمكن أن توضع كتيبة، أو أكثر، في منطقة ”فتَّاشة“ تحسُّباً».

    بدا السؤال الذي ألقى به المهدي فضفاضاً، يغري بالاجتهاد, فكسر حاجز الصمت الذي خيَّم على الحاضرين, وتمطَّى الحديث بنهمٍ، تنظيراً وتفعيلاً، باستدعاء كل شاردة وواردة.. فمن قائل بأهمية تسريع خطى اتفاقية السلام, ومن رأى ضرورة طواف السُلطة التنفيذيَّة -التي على رأسها رئيس الوزراء- على الوحدات العسكرية المختلفة، لتوضيح أهميَّة الحفاظ على النظام الديمقراطي، وحماية ”الشرعيَّة الدُستوريَّة“.. وشمل الحديث ضبط الأسعار الفالتة في الأسواق، لإشعار المواطنين بأنَّ هنالك سلطة ترعى شئونهم!!

    كان المهدي يصغي -كعادته- بإيحاء من تدبَّر لغده أمراً، أو هكذا ظنَّ مجالسوه, فانفضَّ سامرهم، كلٌ مضى إلى حال سبيله، بِما فيهم ناقل ”الكُفر“ بالنظام الديمقراطي.. ونودي على المهدي ليدرك صلاة الجمعة.

    بعد يومين مِن ذلك التاريخ، وتحديداً في يوم 25 يونيو/حزيران 1989، كان بِضعة أفرادٍ مِن جهاز الأمن الداخلي يحاولون رصد وقائع اجتماعٍ هام لعدد من قيادات ”الجبهة القومية الإسلامية“ في ضاحية ”المنشيَّة“، شرقي الخرطوم، منزل ربيع حسن أحمد, وكانت الإجراءات التأمينيَّة لهذا الاجتماع مثيرة بدرجة تثير الفضول, وتَشي باحتمالات حدثٍ قادم.. «ومن المفارقات العجيبة، أن يمر بهم السيد عبدالرحمن فرح، رئيس جهاز أمن السودان، في ساعةٍ متأخرة من الليل، وهو في طريقه إلى منزله بالمنشيَّة, وحرص أحد هؤلاء الضباط على إطلاعه على مهمَّتهم، وتنويره بما يجري في هذا الاجتماع المصيري.. ومن أطرف الحوارات التي دارت في تلك الليلة، المشحونة بالتربُّص، حوارٌ بين رئيس الجهاز وذلك الضابط، الحريص على أداء الواجب في تلك الساعة المتأخِّرة من ليلٍ خانق، اشتدَّت فيه وطأة الأحداث، ووطأة الحرِّ.. في هذا الحوار، قال الضابط، وهو برتبة نقيب أمن، لرئيسه: يا ريِّس، نحن الآن نقوم بِرصد اجتماعٍ هام لقيادات الجبهة الإسلاميَّة.. وعلى الفور سأله رئيس الجهاز: وما هي الأسباب من وراء هذا الرصد؟ أجاب النقيب: سعادتك.. الجماعة يرتبون لشيء ما.. أعتقد أنه انقلاب.. وقد وزَّعتُ القوة لمعرفة ما يدور، ولمتابعة الأمر.. ضحك عبدالرحمن فرح، وقال باستخفاف: الجماعة ديل يعملوا انقلاب؟! ثم تابع قائلاً للنقيب: إنتو مشغولين بالفارغة.. عينكم لـ”المايويين“ متحرِّكين وبيعملوا في انقلابات، وإنتو ترصدوا في ناس الجبهة؟ ثم طلب رئيسُ الجهاز في هذا الحوار القصير من ضابط أمنه أن ينهوا هذه المهمَّة، ويعودوا إلى أشغالهم، والاهتمام بالمايويين».

    ”المايويُّون“ الذين عناهم رئيسُ جهاز الأمن، هم بقايا الرئيس المخلوع جعفر نِميري, وقصد بحديثه ذاك محاولة انقلابيَّةَ مزعومة، قيل إنها كان ينبغي أن تحدث في يوم 18 يونيو/حزيران 1989، لتغيير الحكم, وكان اللافت فيها صمت كل المسؤولين في أجهِزة الدولة، بأجنحتها المختلفة, عدا ثلاثةٌ من الجهاز التنفيذي، جميعهم بهويَّة حزب الأمَّة, انبروا في الحديث عنها بسيناريوهاتٍ مثيرة, وتفاصيل استخفَّت بالعقل الجمعي لأهل السُودان بصفة عامة، وساسته بصفة خاصَّة.. ابتدرها السيِّد مُبارَك الفاضل المهدي، وزير الداخليَّة آنذاك، بالحديث إلى عدَّة صحفٍ محليَّة ودوليَّة، مؤكداً أن الخطة الانقلابيَّة كانت ستنفَّذ يوم 18/6/1989، لتتزامن مع مخاطبة رئيس الوزراء للجمعيَّة التأسيسيَّة, حيث كان من المتوقع أن تهاجم المجموعة الانقلابيَّة البرلمان، وتقضي على القيادتين، العسكريَّة والسياسيَّة، وتشل الحركة في الدولة، فيما يعود نميري.. ثمَّ أضاف شيئاً من ”المشهِّيات“ اللازمة، بما يجعل من السيناريو حدثاً مهضوماً!! فيما رأى رئيس جهاز الأمن، المسكون بـ”فوبيا المايويِّين“، أن الأمر يتطلب مؤتمراً صحفياً, عقده بالفعل يوم 20/6/1989، واسترسل فيه بخيال خصب, بدءاً مِن اكتشاف مبالغ مالية كبيرة في حوزة المعتقلين, مروراً بخططهم, وانتهاءً باتخاذ الحكومة لإجراءاتٍ أمنية مشدَّدة، في المطارات والموانئ، لئلا يهرب ”المتورِّطون والمتعاملون معهم“ من البلاد.

    أما رئيس الوزراء، الصادق المهدي، فلم يتوان في خلع جلبابه المدني، وارتداء بزَّة الجنرالات، وهو يخاطب الجمعية التأسيسية صباح اليوم التالي 21/6/1989، فأكد أن الانقلابيين كانوا يزمعون إطلاق قذائف مدفعية على مبنى البرلمان، للقضاء على السلطة التنفيذية والتشريعية, وتحريك الوحدات العسكرية المختلفة، والمبعثرة في أرجاء العاصمة وضواحيها، للاستيلاء على مبنى الإذاعة.. وتجاوز رئيس الوزراء في حديثه سقف الخيال، في التأكيد أيضاً بأن الانقلابيين، حال ما تؤول لهم السلطة، فإنهم سيقومون: «بإحضار السفاح نميري، وتصفية كل المعارضين, وبعد ذلك تتم تصفية السفاح نفسه»!! وأحكم رئيس الوزراء الحبكة الدرامية، بتحديد ساعة الصفر، والتي قال إنها: «الحادية عشرة صباحاً».

    واقع الأمر، كان ذلك أمراً عصياً على الفهم والإدراك، في روايات المسؤولين الثلاثة, ولكن بغضِّ النظر عن خيالاتها الشاطحة, وبرغم المثالب التي اعتورتها, فقد كان من الطبيعي أن يستدعي الحدث -بمقاييس الفعل ورد الفعل- الشروع في تحوُّطات عسكرية وأمنية وسياسية, تحمي ”الشرعية الدستورية“ وتكسبها واقعاً مُهاباً. غير أنَّ البديل، كان ”استرخاءً“ سمجاً، حشرت السلطة نفسها في دولابه, ونام كل من أدلى ببيانه للناس قريرُ العين، هانئها, علماً بأن الفارق الزمني بين الانقلاب المزعوم والواقعي الذي حدث بعدئذٍ, لم يتجاوز العشرة أيام.. والمسؤولون الثلاثة، هم المُناط بهم بالدرجة الأولى السهر لحماية ”الشرعية الدستورية“.

    أكد كثيرٌ من المراقبين، والمحللين السياسيين أن الانقلاب الحقيقي في 30 يونيو/حزيران 1989، استخدم الانقلاب المزعوم كغطاء تمويهي لتعزيز نجاحه, وهو افتراضٌ -بغضِّ النظر عن جدليته- يوضح مدى استخفاف الانقلابيين بـ”الشرعية الدستورية“، لأن الفاصل الزمني يستلزم التحوطات التي ذكرنا، وليس العكس.. بالتالي، فالذي أقدم على ”مغامرة“ كتلك، كان يدرك تمام الإدراك أنها سلطة لن تحرِّك ساكناً، طالما أن ”حرَّاسها“ في أوهامهم سادرون.

    سواءٌ كان الانقلاب المزعوم غطاءً تمويهياً للانقلاب الفعلي، أم لا, فالأنكى والأمرُّ في كل تلك الرواية, أن الانقلاب المزعوم نفسه, والذي تبارى السادة المذكورون في رسم سيناريوهاته بخيال ”هوليودي“ استند من جهة في حقيقته على طموحٍ أقرب إلى الهذر والسذاجة، ممن سُمِّي بقائد المحاولة، ”العميد أحمد فضل الله“، نائب مدير كلية القادة والأركان.. ومن جهة أخرى، ألبس ذلك الطموح ”اللواء صلاح مصطفى“، مدير الاستخبارات العسكرية، ثوباً فضفاضاً، وقدَّمه لمرءوسيه في هرم القيادة, حيث التقط القفاز بعضهم، وطرحوه طازجاً بين يدي السلطة التنفيذية, والتي أضافت له من خيالها الخصب ما جرى ذكره.

    كنا قد توقفنا حيث أنهى نقيب الأمن مهمة مجموعته، استجابة لطلب رئيس الجهاز عبدالرحمن فرح.. انصرفوا لقضاء ما تبقى من الليل مع أسرهم, على الرغم من أنهم كانوا قد استيقنوا -دونما تفاصيل تشبع رغبتهم- بأن الاجتماع كان محوره الأساسي التخطيط لتنفيذ انقلابٍ عسكري لصالح الجبهة القومية الإسلامية.

    بَيْدَ أن المهمة لم تنته في صباح اليوم التالي 26/6/1989، بالنسبة لمدير إدارة الأمن الداخلي، اللواء صلاح الدين مطر, الذي أعدَّ تقريراً ”خاصاً وعاجلاً“ إلى رئيس الوزراء، بنسخة منه إلى وزيري الدفاع والمالية، رصد فيه بصورة شاملة ردود الفعل المتباينة في أوساط الأحزاب، والتنظيمات النقابية والعسكرية، وكذلك آراء المواطنين، بالنسبة لما أُعلِنَ عن المحاولة الانقلابية المذكورة، جاء فيه: «يرى بعض العسكريين أن القوات المسلحة كان لها رأى واضح في الوضع الراهن بالبلاد, عكسته مذكرة الجيش في فبراير 1989, وما أوردته من أسباب موضوعية فيها -على حد تعبيرهم- يجعل أمر التحرك العسكري لتغيير الحكم شيئا متوقعاً, وأنه سيلقى الدعم من الوحدات».. وخلص فيه إلى أنه: «ظل يتردد أن بعض قيادات الجيش صرَّحت بأنها لن تتمكن من السيطرة والتحكُّم في من هم تحت إمرتها، ومنعهم من المغامرة، طالما أن الأسباب لقيام الانقلابات قائمة».. وأورد التقرير أيضاً مواقف الأحزاب المختلفة، بما فيها الجبهة القومية الإسلامية, ثم آراء المواطنين بصورة شاملة.. وختم مدير الأمن الداخلي ما جاء في التقرير بتعليقٍ وضع فيه قلمه على الجرح النازف، ذاكراً: «من خلال استطلاع آراء المواطنين، اتضح أن الكثيرين، وبسبب المعاناة المعيشية والحياة, أبدوا تعاطفهم مع ”التغيير“، وليس ”الانقلاب“».. ثم أسدى النصح لرئيس الوزراء، الذي لم يستبنه إلا ضُحى الغد: «والبعض الآخر يرى، ولتفادي السلطة لأي مغامرة جديدة, أن تعالِجَ مشاكل البلاد الاقتصادية والمعيشية، وتحارِب الفساد، وعلى أعلى المستويات، وتقديم كل من يثبُت فساده للمحاكمة، وأن تمضى قدماً في مساعي إحلال السلام في الجنوب والغرب».

    هذا التقرير، الذي أصبح يُعَدُ من أهم الوثائق التي تجاوزت أحاديث الشفاهة, فيما كان يصل إلى مسامع رئيس الوزراء في شأن الذي كان يجري فوق -وتحت- سطح الواقع السياسي السُوداني, ماذا كان حظه؟! كتب السيد الصادق مُلاحظاته عليه بخط يده، ووجَّهه إلى ”أخي الحبيب“.. ورغماً عن أن الوثيقة المنشورة كشطت الاسم, إلاَّ أن قرائن الأحوال تشيرُ إلى أنه واحدٌ من اثنين، لا ثالث لهما: إما وزير الداخلية نفسه، السيد مُبارَك الفاضل، بحُكم أن إدارة الأمن المذكورة تقع تحت دائرة مسؤولياته, أو رئيس جهاز أمن السُودان، السيد عبدالرحمن فرح، الذي تتكامل مسؤولياته مع الإدارة المعنية, وكلاهما من قادة الحزب العتيد.. بل إن رئيس الوزراء وصف التقرير لأحدهما، بأنه: «كالعادة، مُبتسرٌ من حيث الحقائق والتحليل»!! وتساءل باستخفافٍ مُمعنٌ في السُخرية: «متى يرقى الأمن الداخلي للإحاطة بالحقائق والتحليل الأشمل؟».

    تساؤل لم يكن الله وحده -جلَّ شأنه وعلا- يعلمه، كما قال المهدي في ختام تعليقه, فالثابت عندئذٍ أنه هو أيضاً كان يعلمُ إجابته.. والمُوقنون بهذه القدرية -فيما نعلم- يشمِّرون عن سواعد الجد، ليدرأوا الشبهات بالحيطة والحذر, ويَعمَدون إلى السياسات التي تطعم المُسغبين, وتحارب المُفسدين, وتبُثُ الأمن والطمأنينة في نفوس المُتعبين, وتُعِدُّ القوة ورباط الخيل للمستهترين بمصائر الخلق, وبعدئذٍ سيجدون أن الخالق الذي سألوه إلهاماً وإلحافاً أقرب إليهم من حبل الوريد!!

    في اليوم التالي لتقرير مُدير الأمن الداخلي, كان ثمة سيناريو يجري في موقع آخر.. فقد أورد سياسي ينتمي أيضاً للحزب الكبير شهادته عنه, ولكن بعد عشر سنوات من وقوع الطامة الكبرى، إذ قال: «في يوم الثلاثاء 27/6/1989، زرتُ الأخ إدريس البنَّا، ممثل حزب الأمة في مجلس رأس الدولة (قيادة جماعية) في مكتبه بالقصر الجمهوري، للتشاورِ معه حول ما كان يتردَّد عن انقلابٍ يوشك أن يقع، فيما رئيس الوزراء لا يحرِّك ساكناً.. اقتحم علينا خلوتنا الأخ أحمد عبدالرحمن محمد، وهو من قيادات الجبهة القومية الإسلامية، وهو يقول ”قفشتكم يا رجعيين, قاعدين تتآمروا على كيفية الفرار من الانقلاب؟ والله جاييكم.. جاييكم“.. هكذا أكد لنا عن مرئياته حول المتوقع».

    غير أن السيد إدريس البنَّا نفسه كان أكثر تحديداً في تحميل رئيس الوزراء -وهو رئيس حزبه أيضاً- المسؤولية، حيث قال في حوارٍ نشر مبكراً, بعد نحو عامين من الانقلاب, في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 7/11/1991: «ذهبتُ إلى المهدي في مكتبه قبل خمسة أيام من وقوع الانقلاب، لأخطره بمعلوماتٍ تؤكد حدوث انقلابٍ وشيك, إلا أن المهدي لم يهتم.. بل استبعد تلك المعلومات». ولعل المُفارقة الغريبة فيما أدلى به من اعتراف, أنه بالرغم من عُضويته في أعلى هرم سيادي في السلطة الديمقراطية, إلا أنه، هروباً من المسؤولية التاريخية أيضاً، جعل من نفسه رسولاً يلقي البيان المُبين على مسامع رئيس الوزراء، دون إقرارٍ بمسؤولية المجلس الخماسي نفسه، فيما يمكن اتخاذه من تدابير، تقطع الطريق على الانقلابيين, علماً بأن ذات المجلس كان قد فاجأ المواطنين السُودانيين, بعد نحو عام ونيف من اختياره, وتحديداً في 25/7/1987، باستلهام آليات النظم الديكتاتورية، وتلبيسها للنظام الديمقراطي، حيث أصدر بياناً أعلن فيه فرض حالة الطوارئ: «تأميناً للجبهة الداخلية في مواجهة أعداء الديمقراطية والوطن».. والمُدهش أن الأعداء المُفترضين والمُتربصين بالوطن، وديمقراطيته, كانوا في واقع الأمر طلاَّباً ومواطنين، قاموا بتظاهرات تطالب أُولِي الأمر برفع أعباء المعيشة المُتصاعدة عن كاهلهم، المُنهك أصلاً ببلايا ورزايا من انتخبوهم لتمثيلهم.

    ما أكثر الرواة، والحدث واحد.. فقد تعدَّت أخبار الانقلاب دوائر الخرطوم العاصمة، التي لا تعرف الأسرار، والتي ”نامت نواطيرها عن ثعالبها“, ووصلت إلى بعض الأقاليم، فشاطرتها العلم بها.. ففي مساء الثلاثاء 27/6/1989 أيضاً، كانت نذرها قد وجدت طريقها إلى راعي الحزب الشريك في الائتلاف.. جاء قادماً من مدينة كسلا العميد محمد عثمان كرَّار، حاكم الإقليم الشرقي، إلى الخرطوم، وقصد منزل السيد سيد أحمد الحسين, وزير الخارجية والأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي, ووجد معه أحد كوادر الحزب ”محمد المعتصم حاكم“, وأوضح أن سبب مجيئه تواتر أخبار مؤكدة عن حدوث انقلاب, فاقترح عليه الحسين إبلاغ السيد الميرغني بذلك، فذهب ثلاثتهم إليه، وأطلعه اللواء كرَّار على المعلومات التي من أجلها قطع الفيافي، وترك تصريف شئون الإقليم، وهو يقود سيارته بنفسه.. كان رد الميرغني عليه: «الحديث عن انقلاب مالي البلد.. لكن دا ما حيحصل.. مُجرد إشاعات»!! وكرَّر الأخيرة هذه ثلاث مرات، حتى يبث الطمأنينة في نفوس زائريه, وطلب من اللواء كرَّار العودة صباح اليوم التالي إلى إقليمه، لأن هناك مهام كثيرة في انتظاره!!

    ثم جاءت شهادة أخرى ”بعد أن حلب الدهر أَشطرَهُ“، كما تقول الأعراب, وقائلها هو من وردت مسئوليته فيما سبق, ولكنه هنا أراد التحلحل منها، ورميها على كاهل رئيس الوزراء، وصنوِّه الآخر، الذي يحلو له إدارة الشأن السياسي من وراء حجاب.. ففي أول إفادة مقروءة له، بعد عقدٍ ونصف من وقوع الكارثة, قال السيد عبدالرحمن فرح: «كنت مستشاراً، أو وزيراً مركزياً للأمن، وكنت أعلم بالكثير، حتى بهذه الإنقاذ وخلافها, غير أنني كنت مغلول اليد, مبتور اللسان.. ورغم ذلك بلَّغتُ لطرفي الحكم في ذلك الوقت، رئيس الوزراء السيد الصادق المهدى، والآخر السيد محمد عثمان الميرغني يداً بيد, ولا أملك غير التبليغ». ويضيف بما هو أسوأ: «سقط الحكم على يد الإنقاذ, وإن لم تفعل كان سيسبقها عليه آخرون».. وبالرغم من إقراره -أو إن شئت- علمه بأن السُلطة المسؤول عن أمنها قد تزلزلت هيبتها، حتى تبارت فيها الحركات الانقلابية.. وبالرغم من رد فعله حيال الذين كانوا يرصدون اجتماع قيادات الجبهة القومية الإسلامية، وفق ما جرى سرده من قبل, فهو يقول إنه كان ”مبتور اللسان“, ”مغلول اليد“ و”لا يملك غير التبليغ“!! والذي أوصل من خلاله الرسالة إلى المصب، الذي تتجمَّع فيه أسرار الدولة العليا.. ومن عجبٍ، لعله هنا قد روى الرواية أعلاه، ليضاعف مسؤولية رئيس الوزراء، ويستثني نفسه منها.

    كانت المعلومات تتدفق، حتى قبل ساعاتٍ من ساعة الصفر.. ففي يوم الخميس 29/6/1989، الساعة الواحدة ظهراً, كان السيد جيمس جرانت، مدير اليونيسيف، على موعدٍ مع رئيس الوزراء.. قبيل ذلك بلحظات قليلة، لاحظ السفير علي حمد إبراهيم، رئيس مكتب التنسيق بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأحد قيادات حزب الأمَّة, أن ضابطاً برتبة عقيد -سقط اسمه من ذاكرته- يذرع ردهات مجلس الوزراء جيئة وذهاباً, بصورة قلقة، تلفت الانتباه.. فسأله عن غرضه, فقال إنه يريد مقابلة رئيس جهاز الأمن لأمرٍ هام, ثم أفصح له عنه، دون مُداراة: «أنا ضابط ملحق بمؤسسة الزبير رجب, وبناء على معلومات توفَّرت لي، هناك انقلاب سيحدث غداً».. أبدى السفير اهتماماً شديداً برواية الضابط، وأثناء ذلك، دخل إلى المبنى السيد عبدالرحمن فرح، فانتحى بحامل الرواية جانباً، وقضى معه وقتاً ليس بالقصير، غادر بعدها الضابط المبنى، بعد ما أفضى بمكنون صدره.. فسأل السفير السيد فرح، الذي قال له: «المعلومة ما جديدة عليَّ.. الحاجة الماعندي هي ساعة الصفر.. وأنا رئيس جهاز، لا أستطيع أن أعتقل, وإنما لدي سلطة تبليغ مجلس الأمن الوطني». ثم دخل على رئيس الوزراء, ولا يُعرَف إن كان مجيئه لهذه الغاية, أو تداول معه المعلومة؟! وبعده حضر السيد جرانت محمَّلاً بعرضٍ جاذب لرئيس الوزراء، وهو تخصيص الهيئة الأممية لمبلغ 500 مليون دولار للحكومة السُودانية، لتعمير ما دمَّرته الحرب في الجنوب, إن هي مضت في اتجاه تنفيذ مبادرة السلام!! وأيضاً لا يُعرَف إن كانت أخبار الانقلاب قد طرقت آذان المسؤول الأممي، وبناء عليه جاء بذلك العرض المُغري, أم أنها الآلية الوحيدة التي تعرفها الأمم المتحدة في مثل تلك المواقف؟!

    ثم جاء التوثيق الأخير -بعد أن سبق السيف العذل- وكان أكثر شمولاً، لأنه أُثير في جمعٍ من المُصابين بتعدُّد مشاربهم السياسية, وقد أمَّن على تفاصيله كل من كان عليه شهوداً.. ففي إحدى حلقات النقاش التي دأب المعتقلون على عقدها داخل سجن كوبر، بعد الانقلاب, بُغية طرد الملل وتبديد السأم الذي يضجر النفوس, صَدَرَ عن السيد الصادق المهدي قولٌ أراد به تعميم المسؤولية، فقال: «كلنا مسئولون عن الانقلاب».. فبادره السيد محمد إبراهيم نُقد بعبارة اعتراضية، قائلاً له: «الحقيقة أنتم لوحدكم المسئولون».. فسأله المهدي قاطباً جبينه، كتعبيرٍ عن حالة الضيق التي اعترته: «كيف؟!».. فقال نُقد: «أبلغناكم به».. فردَّ المهدي: «أبلغتم مَن؟!».. فرد نُقد: «أبلغنا صلاح عبدالسلام (أحد قيادات حزب الأمَّة وكان يشغل منصب وزير شؤون الرئاسة) الذي يجلس بقربك»، مشيراً نحوه بسبابته.. فسأل المهدي الأخير: «صحيح الكلام ده يا صلاح؟!».. فقال صلاح: «نعم»!! ساد صمتٌ عميق، تبَعثرت خلاله نظرات الجالسين، واهتزَّت له جدران السجن العتيق، والمتشققة أصلاً من هول أحداثٍ جسام، عَبَرَت خلالها طوال عقود زمنية.

    ذلك غيضٌ من فيض.. ولو شاء المرء حصر كل الشواهد والأدلَّة, لما وسِعَه هذا الكتاب.. ويمكن القول بأن تداعي النظام الديمقراطي, والترتيبات التي كانت تجرى لتنفيذ الانقلاب, كانتا كتاباً مفتوحاً، قرأه معظم السودانيين, أو بحدٍ أدنى غالبية المُتابعين للحراك السياسي. ومن المؤكد أن الروايات السابقة، المثبتة، ليست هي كلُّ -أو جُلُّ- ما وصل لمصبِّ رئيس الوزراء، والآخرين الذين يشاطرونه المسئولية.. ولعلَّ القليل الذي وصل، واستنطق الصخر العصيَّا، كان المهدي قد عالجه -بما جرى سرده- بكثير من اللامبالاة, وهى الوجه الآخر للعجز في الأداء، والفشل في اتخاذ القرار.

    غير أن المُفارقة، أنه لا يرى الأمر كذلك, حينما عزا العيب إلى البلاد التي اضطر لإدارة شئونها: «إنني كنت أتمزَّق ما بين 1986-1989 وأنا مضطرٌ لإدارة بلادٍ معجِّزة، وظروفها لا تسمح بمواجهة قَدرها بحزمٍ, فاضطررتُ لتسيير البلاد بالاستجداء، والصلات الطيبة». وبالطبع يعجز أي كائنٍ أن يفسِّر مغزى هذا الاضطرار!! ليس هذا فحسب، فهو يلقي بعجزه على الديمقراطية نفسها.. ففي سؤالٍ استصحبه الصحفيون دوماً في حواراتهم معه، منذ أفول نجم الديمقراطية الثالثة، حول مسئوليته في التفريط الذي أدى إلى سقوطها, يوردُ المهدي -في سياق مبرِّراته غير الواقعية- تناقضاً عجيباً، فيقول: «أما مسألة التفريط في الديمقراطية, فهي مسألة تتلخَّص، وببساطة شديدة، في عجز أي حكومة ديمقراطية في مقاومة الانقلابات العسكرية, ومن الصعوبة بمكان أن تحول، من خلال وسائل قانونية، دون وقوع انقلاب عسكري, وإزاء وجود تآمر من بعض القوى الحزبية غير الملتزمة ديمقراطياً. لقد كان في إمكاننا وقف أي انقلاب عسكري خلال الفترة الماضية».

    وبغض النظر عن جدلية أن الديمقراطية تحميها الوسائل القانونية، أو المواثيق الوضعية وحدها, لكن فيما بدا أن الصحفي الذي أجرى الحوار بُهِتَ في تصحيف عبارته الأخيرة، التي ادعى فيها أنه: ”كان بإمكانه وقف الانقلاب“.. فأردف الصحفي متسائلاً: «كيف؟!».. فأجابه المهدي: «من خلال اتخاذ وسائل غير قانونية.. كأن ننشئ مليشيات مسلحة.. كان بالإمكان عمل ذلك, لكن النظام الديمقراطي يفترض مبادئ معينة.. افتراض أن القوى المدنية ملتزمة ديمقراطياً, أي ليست لها مطامح في استلام السلطة عن طريق العنف, وافتراض أن القوى العسكرية منضبطة, فإذا رفضنا هذين الافتراضين، سوف تصبح لدينا قوى ضاربة خارج الجيش, وعمليات استقطاب من داخل الجيش. مشكلتنا الأساسية أننا أطعنا القانون, على الرغم من أن لدينا [50] ألف مسلح ”تحت الطلب“»!! بالرغم من أن المهدي افترض خطأً بأن الخروج على القانون هو السبيلُ الوحيد لتحصين النظم الديمقراطية، من داء الانقلابات العسكرية, لكن لو سأله الصحفي: «أين؟!»، تعليقاً على عبارة ”50 ألف مسلح تحت الطلب“ لما وجد عنده إجابة شافية, وذلك استناداً إلى ما جرى على لسانه يوم أن كان على سُدة الحكم، وقبل ثلاثة أشهرٍ فقط من الانقلاب: «لا وجود للمليشيات في حزب الأمة، فكيان الأنصار قام برفع السلاح ضد نميري, ولكنهم قاموا بتسليم ذلك السلاح للجيش عند عودتهم من الخارج، بعد سقوط نظامه».

    هكذا ينسخ رئيس الوزراء أقواله, ويجعلُ لكل مقامٍ مقالاً.. ومرة أخرى ينسى أنه قائل النفي أعلاه، وبمهارة لاعب سيرك متمرِّس، يتلاعب بالأرقام، قال: «نحن باختيارنا لم نقم بعمل عسكري, كرئيس وزراء كنت أستطيع إنشاء جيش فيه عشرون ألفاً من المليشيا من دون صعوبة مادية أو بشرية.. هم يعلمون أننا كأنصار في دمنا تربية جهاديَّة، يمكنها بسهولة أن تتحول إلى طاقة قتالية, لكننا علقناها كي نلعب في المجال السياسي بالقواعد الليبرالية». ويمضي في محورٍ آخر من الحوار، بنفس الحيوية، فيقول: «نحن لدينا إمكانيات بشرية ومادية وعسكرية كافية لأن نقهرهم سبع مرات».. والمُبشَّرون بـ”القهر“ هنا هم الذين اغتصبوا السلطة!! وبالنظر لتاريخ الحوار، سنرى لاحقاً ما الذي حدث، حينما طبَّق المهدى نظريته، و”تمرَّد“ على القانون الذي لم يكن بوسعه أن يتمرَّد عليه وهو في السلطة, وذلك حينما دعا أنصاره ”المنتظرين تحت الطلب“ إلى ”الهجرة“, بغية قهر النظام، لمرة واحدة، وليس سبعاً كما تمنى وأكَّد!!

    من جهةٍ ثانية، لم يجد المهدي حرجاً في سرد بعض الوقائع، فيما حدث يومذاك، بطريقة لولبية: «في مارس من عام 1989، زارني السيد أحمد سليمان، وعرض عليَّ أن نقيم نظاماً رئاسياً أقوده ليحكم البلاد، ويحسم مشاكلها، وتدعمه الأمة والجبهة، ويُفرَضُ على الآخرين بالأغلبية النيابية، إن أمكن، وبالقوَّة إن لزم.. رفضتُ ذلك الاقتراح, وأوضحتُ أني مع إدراكي لعيوب الديمقراطية، أرى أن إصلاحها ينبغي أن يكون بالوسائل الديمقراطية, ولكن التسرُّع المعهود، والإعجاب الخفي بالوسائل اللينينة والبعثية العراقية, دفعتهم نحو مغامرة الإنقاذ, فأقاموا نظاماً ألحق بهم كحزب سياسي ذي برنامج فكري، وبالإسلام، أذىً بالغاً». المُفارقة، أن المهدي يُسمِّي ”التآمر“ اقتراحاً, ولا غروَّ إن بلغت الجرأة بأقطاب الجبهة الإسلامية أن يطرحوه مُباشرة على رئيس الوزراء، ولا يحرِّك هو ساكناً!! وكُتِبَ على أهل السودان، أن يطالعوا ذلك في مُذكراته، مقروناً بتفسيراتٍ لن تحرِّك شعرة في رأس أحد, سيَّما وأن النظام ألحق أذىً بالغاً بالسودان والإسلام، فذلك لن يختلف فيه اثنان, ولن تنتطح فيه عنزان.. ولكن، من المسئول؟!

    لأسبابٍ غير مفهومة، أسقط المهدي اسم د. حسن الترابي من تلك الزيارة, وكأن أحمد سليمان -الذي جاء بصحبته- قد عرض ذلك ”الاقتراح“ عليه قبل مجيئهما معاً، مؤكداً للترابي بأنه لن يرفضه: «لأن به وَلعاً للرئاسة، بغضِّ النظر عن النظام الذي يستند عليها».. وقد استحسن الترابي ”الفكرة“، رامياً بأثقالها على صاحبها.

    بَيْدَ أن هذه الرواية، رغم ما احتشاها من هزال، إلاَّ أن لها تكملة أخرى، لم يشأ المهدي أن يذكرها، لأن فيها طرفاً كان يهمه أمره، يومذاك.. فقد قدِّم له نفس ”الاقتراح“، مرة أخرى، وبذات السيناريو، في أواخر مارس/آذار نفسه من السيدين مُبارَك الفاضل، وزير الداخلية، وأحمد عبدالرحمن محمد، قطب الجبهة الإسلامية.. حضرا إليه معاً، لإقناعه بما تمنَّع عنه من قبل, وكان ردَّه مكرَّراً.. وتلك مثالية، وإن كان البعض لا يسميها كذلك، ويُسبغون عليها النقيض الذي لن يُرضي متوخيها.. لكنها على كلٍ، محمدة تنقصها الشفافية مع المحكومين, وينقصها التدبير، تحسُّباً لما هو قادم!!

    وأيضاً يجافي السيد مُبارَك الفاضل الحقيقة، بمكافيليته المعهودة، في تغبيش وقائع التاريخ, ويدَّعي أنه نصح رئيس الوزراء يومذاك، في مذكرة 5/5/2004، أي وثيقة اللواء شرطة صلاح مطر التي تمَّت الإشارة إليها.. وذلك خطلٌ في أحاديث السياسة، فالمسئولية -كما هو معروف- طالته أيضاً.. إلاَّ أنه يجافي الحقيقة مرة أخرى، فيقول: «الذي قطع شعرة معاوية بيني وبين الجبهة الإسلامية، هو من خرج عن الخيار الديمقراطي, لذا اتخذتُ موقفاً حقيقياً، حتى من أصدقائي الشخصيين المنتمين للجبهة». وتلك فرية، ظلَّ يردِّدها منذ وقتٍ مبكر، وأراد بها أن يدحض ما عُرِف عنه، إبان الفترة الديمقراطية، بأنه ”رجل الجبهة الإسلامية في حزب الأمَّة“، وهو الاتهام الذي وجَّهَهُ له المؤلف من قبل، فجاء رده على النحو التالي: «القضية بالنسبة لي قضية مبدأ, وأنا ملتزمٌ لمبادئ حزب الأمَّة، والديمقراطية التعدُّدية, وبالتالي تلقائياً أجد نفسي في مواجهة أي جماعة أو نظامٍ يدعو لمصادرة حقوق المواطنين، وإقامة نظام ديكتاتوري تعسُّفي, وفى إطار هذه المواجهات، أنهيتُ كل علاقاتي الشخصية مع قيادات الجبهة الإسلامية، باعتبار أنهم خونة, وأنا أرى أن العلاقة الشخصية لابد وأن تقوم على الصدق والأمانة، وطالما انعدمت المصداقية والأمانة، بالتالي تسقط كل الاعتبارات الشخصية, ومنذ يوليو 1989 رفضتُ رفضاً تاماً مقابلة أي من قيادات الجبهة الإسلامية، التي اتصلت بي في الخرطوم قبل خروجي إلى طرابلس، وفي لندن، وغيرهما». بالطبع لن يحتاج القارئ لمصباح ”ديوجين“ لاكتشاف الصدق فيما ظلَّ مُبارَك الفاضل يردِّده، دونما اكتراثٍ للواقع، الذي ناقض أي حرف فيما ادعاه, وفي ذلك تفاصيل سنأتي على ذكرها لاحقاً.

    مواصلة للمبحث الذي ابتدرنا به هذا الفصل، يمكن القول بأن مسئولية رئيس الوزراء لم تتوقف عند حدود العلم المُسبق بالانقلاب, أو عجزه ولا مُبالاته في اتخاذ التدابير المُمكنة, وإنما في الإسهام الفعلي في الأزمات التي صاحبت النظام الديمقراطي، وهيَّأت المناخ للانقلاب, وذلك في محورين أساسيين:

    • سياسياً: ثمة افتراض ردَّده كثير من المراقبين السياسيين، حتى بات في حكم اليقين, وهو التأكيد على أن انقلاب الجبهة الإسلامية تم لقطع الطريق أمام تنفيذ ”اتفاقية السلام“, باعتبار أن مجلس الوزراء كان سيجتمع صباح الجمعة 30/6/1989، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتزويد اللجنة الوزارية للسلام، بما هو مطلوب في اجتماعها المشترك مع الحركة الشعبية يوم 4/7/1989، والذي افترض أيضاً أنه سيُفضي إلى الموافقة على ترتيبات انعقاد المؤتمر الدستوري في 18/9/1989، كمحطة نهائية لرحلة مرهقة، وضعت لبناتها اتفاقية السلام, المُسمَّاة بـ”اتفاقية الميرغني- قرنق“ في 18/11/1988.

    واقع الأمر، إن وضع الوقائع بالطريقة أعلاه، ينطوي على قدر كبير من اختزال ما كان يجري حقيقة في دهاليز صناعة القرار, منذ توقيع الاتفاقية، وحتى لحظة تنفيذ الانقلاب.. فقرائن الأحوال تشير أيضاً إلى أن تلك الصورة المتفائلة, يقابلها، على قدرٍ سواء، احتمالات مواصلة الأمور لجريانها في ذات الحلقة المُفرغة، التي رَدَحَت فيها طوال تسعة أشهر, ولم يرشح عنها شيء ملموس.

    في الأصل، فإن انعقاد ”المؤتمر الدستوري“ المذكور كان قد تحدَّد له تاريخ 31/12/1988.. استقال وزراء الحزب الاتحادي قبله بيومين، لأن حزب الأمَّة والجبهة الإسلامية صوَّتا في الجمعية التأسيسية ضد المُبادرة, وكان علاج رئيس الوزراء لتلك الأزمة، الاستمرار في التحالف مع الجبهة الإسلامية، تحت مظلة ”حكومة الوفاق“, أو بالأحرى ”حكومة الحرب“ كما نُعِتت, وذلك بالرغم من أنها لا تملك من أدواتها نصباً, سوى الصوت الجهير المؤجِّج لنيرانها!! ولم يكن ثمَّة منطق يدعو الطرفين إلى رفض الاتفاق، سوى النزعة الذاتية, التي لم تكترث لأشواق غالبية أهل السُودان للسلام, خشية أن ترتفع أسهم الغريم السياسي.

    وبرغم المواقف التي وحَّدت القوى السياسية، والنقابية، والعسكرية فيما تلا من شهور, إلاَّ أن موقف رئيس الوزراء، حيال الاتفاقية، ظلَّ مبهماً ومراوغاً, وأهدر كثيرٌ من الوقت والطاقات، فيما لا طائل من ورائه.

    بناء عليه, فالزعم بأن اجتماع مجلس الوزراء ”الطارئ“ ذاك، في صبيحة الجمعة 30/6/1989، كان مُخصَّصاً لتحضير ملف الحكومة الخاص بتنفيذ بنود اتفاقية السلام, أمرٌ فيه نظر, ودوننا في ذلك ما خطَّه بنان رئيس الوزراء نفسه، توثيقاً لتلك الفترة: «كتبتُ إلى رئيس الوزراء المصري، د. عاطف صدقي، بشأن قرارنا الخاص بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك, والتي صار إلغاؤها رسمياً تقنيناً لواقع ماثل, وقد ردَّ عليَّ بالموافقة على ذلك، ما دامت هذه هي رغبة السودان, أما البروتوكول السوداني- الليبي الذي وقَّع عليه من الجانب السوداني وزير الدفاع في الفترة الانتقالية، اللواء عثمان عبدالله, فقد استنفد مدَّته, وبهذا أعلَنَت ليبيا، على لسان العقيد أبوبكر يونس، ترحيبِها ودعمها لمساعي السلام السودانية».

    أما بشأن تجميد الحدود، فقد مضى رئيس الوزراء في تفسير الماء بعد الجهد بالماء، بقوله: «رأينا أن يكون تفسير التجميد بعد تداول وتقنين ذلك الإجراء كالآتي: 1- توقيع العقوبة على الجرائم الحدية تعزيراً دون الحد وتقنين ذلك الإجراء. 2- يُصدِر رأس الدولة عفواً عاماً على المحكومين بالقطع وذلك على أساس أن العيوب الموجودة في قوانين سبتمبر شبهة تدرأ الحد. 3- الذين عليهم دِيات وظلوا في السجون لمدة طويلة، لأنهم لا يستطيعون دفعها, تدفعُ عنهم الدولة دياتِهم من الزكاة».

    إذا ما كان ذلك هو الملف، الذي ستحمله اللجنة الوزارية للقاء نظيرتها في أديس أبابا، يوم السبت 4/7/1989، فذلك أدعى للقول بأنه مرفوضٌ سلفاً من الطرف الآخر, وذلك لعدَّة أسباب، منها إن الاتفاقية تحدَّثت في موجز يسير عن قضايا أوضح من الشمس في رابعة السماء: «1- تجميد الحدود وكافة المواد ذات الصلة في قوانين سبتمبر 1983 إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري.. 2- إلغاء الاتفاقيات العسكرية التي تؤثر على السيادة الوطنية.. 3- رفع حالة الطوارئ.. 4- وقف إطلاق النار».

    حتى ذلك الوقت, بل حتى بعد وقوع الكارثة، فالسيد رئيس الوزراء يتحدَّث عن حيثياتٍ وإجراءات في البند الأول، مع أن الاتفاقية تشير إلى ”التجميد“، ولا شيء غيره. ويتحدَّث عن ”إلغاء نظري“ من الأطراف المعنية في الاتفاقات العسكرية, علماً بأن لمثل هذه الاتفاقات طرقاً قانونية معروفة في إبرامها ونقضها, دائماً ما تكون موضَّحة في ذات النصوص.. ولا يحسبُ المرء أن ذلك أمرٌ تغفله دائرة المعارف الخاصة بالسيد رئيس الوزراء, الذي استهان بالأمر، لدرجة اعتماده على حديث طيَّره الهواء لمسؤولين ليس بينهم وبينه حجاب.. وحتى افتراضه في اتفاقية الدفاع المشترك، فقد نسخه السيد مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور, والمقرَّب من دوائر صنع القرار في مصر, في مقالٍ له صادف نشره يوم 30/6/1989, أورَدَ فيه ما قاله الرئيس حسني مبارك لوفد نقابة الصحفيين السودانيين، الذي زار القاهرة تلك الفترة، حول مسألة الإلغاء: «إن مصر ليست غاضبة من طلب السودان بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك, ولكنها غاضبة لأن حكومة الخرطوم طلبت من مصر اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه إلغاء الاتفاقية».. ذلك ما يؤكد أن للإلغاء طرقاً معروفة، لم يجتهد فيها رئيس الوزراء، لغرض في نفسه يعزُّ عليه الإفصاح عنه.. والمعالجة ”النظرية“ تنطبق على البروتوكول مع ليبيا، اعتماداً على حديث الشفاهة الذي أدلى به مسؤول للإعلام، ويمكنه التنصُّل منه ببساطة النطق به.

    أما السبب الثاني، فقد ذكرَته الحركة الشعبية في بيان، نشر على الملأ يوم 13/6/1989، أي قبل أن يصلها وفد اللجنة الوزارية للسلام بجناحٍ مهيض: «اتفق الطرفان على الخطوات التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر, وأصرَّت الحركة على تأكيد ذلك بقرار من الجمعية التأسيسية. أما محضر الاتفاق العسكري مع ليبيا، فقد اختلفت حوله الآراء, حيث أكَّد وفد اللجنة الوزارية أن الإجراء الذي اتخذ يفي بالمطلوب, بينما رأت الحركة أنه غير كافٍ».

    كان ذلك مهرجان المُزايدات الكبير, والمُماحكات التي تدثرت بها الأجندة الخفية, وعليه فالصورة لم تكن وردية بالكامل، كما رآها كثيرٌ من المتفائلين يومذاك. ذلك حتى لو افترض المرء جدلاً أن تنفيذ بنود الاتفاقية تمَّ وفق ما هو مطلوب، بحذافيره, وحملته اللجنة الوزارية، والتقت به الحركة الشعبية, فهل يظنَّن أحدٌ أن ذلك سيقع موقع صدقٍ في قلوب قادة الحركة، ويكون بمثابة فصل الختام في كتاب الحرب والسلام؟! افتراضٌ كان يمكن أن تكون إجابته ميسورة بـ”نعم“، إذا ما أغفل المرء ظروف الحركة يومئذٍ, فقد كانت في أوج تماسكها التنظيمي، وقمة عنفوانها العسكري, حيث كانت الحاميات والمدن في أعالي النيل والاستوائية تتساقط على يدها، كما أوراق الأشجار الذابلة، بصورة وصلت في مُنتهاها إلى إحكام الحصار على مدينة جوبا, وأدركت من خلال عملياتها العسكرية أنها تواجه خصماً مفكَّك الأوصال, بلا عدة سياسية ولا عتاد عسكري، علاوة على إدراكها أيضاً أن الحكومة التي تواجهها غرقت في لججِ الخلافات الائتلافية، بقيادة ربَّان تمرَّس في خلق الأزمات, ولا يهنأ له العيش إلاَّ في كنفها.

    إلحاقاً بالسؤال السابق، هل يمكن القول إن القضايا الأربع المحدَّدة، والبسيطة، التي تضمنتها الاتفاقية تمثل طموحاً أعلى بالنسبة للحركة الشعبية آنذاك؟ وبما أنه سؤالٌ افتراضي، فإجابته بالطبع اجتهادية، وإن كانت مُستندة على مُعطيات الواقع في تلك الفترة, والتي تشير إلى النفي, باعتبار أنه لو كان الطموح بتلك السهولة، وذاك اليُسر, لأمكن التوصل إليه, بل ربما إلى أفضل منه مع القوى الوطنية والديمقراطية، عشيَّة سقوط الرئيس المخلوع نِميري العام 1985.. ولربما كان ذلك من شأنه أن يلقي بظلال كثيفة على كثير من القضايا, بدءاً بتغيير موازين القوى في النظام الديمقراطي, مروراً بتغيير خارطة التحالفات, وانتهاءً بقطع الطريق على القوى الظلامية التي باضت فساداً، وأفرخت سِفَاحاً في 30/6/1989.


    ***المصدر
    الفصل الأول من كتاب سقوط الأقنعة للكاتب فتحي الضوء

                      

العنوان الكاتب Date
أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 03:02 AM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الصادق خليفة02-27-07, 07:21 AM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Nader Abu Kadouk02-27-07, 07:29 AM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 06:14 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 06:11 PM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? حمزاوي02-27-07, 07:37 AM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله02-27-07, 08:41 AM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 06:17 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-28-07, 02:08 AM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Tabaldina02-27-07, 08:57 AM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد عادل02-27-07, 12:59 PM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Tabaldina02-27-07, 01:26 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد عادل02-27-07, 01:32 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Tabaldina02-27-07, 02:08 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 06:23 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 10:06 PM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? حمزاوي02-27-07, 01:33 PM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? lana mahdi02-27-07, 01:33 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-27-07, 06:31 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله02-28-07, 03:56 AM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-28-07, 01:45 PM
          Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله03-01-07, 02:01 AM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 02:18 AM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله03-01-07, 03:31 AM
              Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 03:40 AM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله03-01-07, 04:13 AM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد فرح02-28-07, 02:20 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-28-07, 03:36 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? خالد عويس02-28-07, 04:39 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد02-28-07, 06:27 PM
          Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد حسن العمدة03-01-07, 01:19 AM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 01:33 AM
              Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد حسن العمدة03-01-07, 02:16 AM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 03:50 AM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 02:26 AM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Mohamed Doudi03-01-07, 03:55 AM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-01-07, 04:10 AM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله03-01-07, 05:26 AM
          Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد حسن العمدة03-01-07, 11:40 PM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? عبدالمنعم خيرالله03-01-07, 11:58 PM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 00:19 AM
              Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? نيازي مصطفى03-02-07, 02:58 AM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:25 PM
  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:32 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:40 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:49 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:54 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 04:59 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:03 PM
    Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? saif massad ali03-02-07, 04:48 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:05 PM
      Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:10 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? هاشم نوريت03-02-07, 05:30 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:32 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:39 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:46 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:50 PM
        Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 05:57 PM
          Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-02-07, 09:30 PM
            Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? Abdel Aati03-05-07, 02:17 AM
              Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? إسماعيل وراق03-05-07, 06:48 AM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-05-07, 11:36 PM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-06-07, 01:38 AM
                  Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? إسماعيل وراق03-06-07, 06:35 AM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-06-07, 01:53 AM
              Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? الجيلى أحمد03-05-07, 11:24 PM
                Re: أين يجلس حزب الأمة الآن??? محمد حسن العمدة03-06-07, 00:34 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de