....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 10:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2007, 05:32 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله

    1 تليه
    التحية لك و لكل الأصدقاء هناك
    صديقي دخلنا مدينتك،تلك المدينة الصغيرة، التي طالما حدثتني عنها، أجل دخلناها بعد حصار دام لأكثر من عامين متتاليين وحوار بالقذائف لم ينقطع أو يتوقف.. تذكرتُ حديثك عن ذلك الحوار الذي أنجب هذه المدينة ـ حوار البحيرة والجبل عبر رائحة الياسمين ـ لا أخفي عليك ،أعدنا إنتاجه حرباً بالرغم من أنني كنت أتمنى أن ندخلها دون معركة، أو، معركة اقل شراسة ، حتى لا نفسد وصفك لها ، لكنها هي ،الحرب يا صديقي لا تستمع للأحاديث الجميلة أو حتى الغناء الذي ليس فيه حرب ، فقط تطربها الانفجارات وتنبسط أساريرها لأنات خروج الروح.. المهم دخلناها بكل خير فينا وبعض شرورنا أو العكس.
    صديقتك أيتوكا؟ أجدني آسف لمصيرها الذي أظن أنه سيكون قد بلغك نبأها مع النازحين ،أو، الفارين صوبكم مع من أنسحب من جيش الحكومة ،أكرر أسفي لأنني لا أستطيع أن أفيدك بأي تفاصيل عما جرى لها لكن سأسعى لأن أعرف عنها ما يهمك أن كان ذلك يجدي بعد هذه المدة الطويلة .
    أعتقد أنها،أعني المدينة، صارت أكبر قليلاً عن تلك التي كنت تحكي لي عنها مما جعل من الصعب بالنسبة ليّ، انا، العثور على قبر والدتك خاصة وأن كل مواقع سكن المحلين قد تغيرت أو انسحبت صوب الجبل .. المواقع القديمة صارت امتداداً للسوق ولفنادقها، أي المدينة، إضافة لمباني البوليس الحديثة وكذلك الحامية العسكرية .
    الكنيسة ما زالت صامدة لم تتأثر بالقصف المدفعي الذي تركز على الحامية ، إلا أن بعض القذائف الضالة قد سقطت في فناءها..انكسرت ذراع العذراء اليسرى مما جعل الصبي الذي تحمله متشبثاً بها طيلة الوقت ،كما أصبح عرضة للسقوط ما لم يجد من يعيد ذراع والدته إلى مكانه حتى يتثنى له الاستقرار عليه مرتاحاً و 000
    ما أن وصلتُ هذا المكان حتى وجدتني أمزق الورقة للمرة الخمسين لأعلن فشلي وللمرة الخمسين أيضاً في الكتابة إليه ،قررت أن لا أحاول مرة أخرى، على الأقل الآن .. سحبتُ الفانوس المصنوع بيديّ بعد أن حاصرني دخانه وضعفت إضاءته .. ركلت الأوراق التي كنتُ قد كورتها بيديّ أيضاً ـ فأحدثت بعثرتها صوتاً أشبه بسقوط الجليد على النوافذ في الأفلام السينمائية .. دخلت "للي" راكضة من تلك البرودة التي لاحقتها من حمامها في العراء أمام الغرفة حتى أخذت موقعها بين يديّ.. استقبلتها بأحضاني وهي تقاوم الركون إلىّ .. سقطنا على السرير سوياً .. أمتد الصمت بيننا تتخلله أنفاس باحثة عن دفٍ ما في مكان ما من هذا السرير 0000 جلستْ 00 صبتْ كأس من الخمرة البلدية التي اعتادت على وضعها لي تحت سريري مباشرة ـ دلقتها على فمها بسرعة فائقة فأحسستُ برعشة الكأس الأولى تسري في جسدي قفزت من مكاني كمن لسعته عقرب فأصبحتُ في وضع الجالس بيسارها بعد أن أطلقتُ أسمها وكأنني أريد أن ألفتُ إنتباهها لشيء ما . قفزت ـ"للي" ـ على قدميها وهي تطلق صرخة ضعيفة
    ـ ماذا هناك ؟
    هكذا سألتني بعد أن تأكدت من عدم وجود ثعبان أو عقرب أو أي شيء يستدعى صياحي ذاك و بتلك الطريقة ..قفزت واقفاً بجانبها .. طوقت عنقها بطريقة درامية ـ أعتقد أنني استعرتها من ركن قصيٌ في ذاكرتي، ركن يخص الأفلام الهندية ولحظات العناق في الأفلام الكلاسيكية ، إذ أنها أقرب إليّ من الأفلام الحديثة التي لم ترسخ حركاتها في ذاكرتي لتؤثر على حركتي وتعاملي مع الفتيات ،أو، فلنقل تأثيرها لم يكن كتلك التي شاهدتها في طفولتي .. رفعت "للي" رأسها إليّ لتثبت لنفسها ،ولي أنا أيضا ،بأنني أطول منها ..غُصتُ عميقاً في عينيها 00
    ـ الحديد يهزمه الحديد
    والشوق يهزمه اللقاء
    وأنا تهزمني عيناك "يا للي"
    تنفسي ،
    تنفسي فإني أختنق
    هكذا تصاعد هسيسنا وأنا أستعير ذلك الشاعر بطريقتي مبعثراً تلك القصيدة بين أنفاسها و ثورتي الشرقية جداً ..ذهب الرعب الذي أحدثه تصرفي عن عينيها.. عادت إرتعاشة ما من مكان ما وذهبت بارتجافة الخوف والبرد أيضاً لمكان ما
    ـ لابد وأن الحرب قد ذهبت ببعض عقلك أيضاً .... لكن بالرغم من أنني لم افهم من حديثك هذا شيء ، إلا أنه يبدو جميلاً ،
    ـ وكيف توصلتِ ذلك ؟.
    قلتها وأنا اسحبني وهي للجلوس ... أدخلت يديها تخلل شعري
    ـ لأنه تسلل لأذني بعد أن مرّ برئتي أولاً .
    أخرجت يديها من شعري ثم وضعت رأسها على كتفي ..هاهي يدها اليمنى تقبض على الكوب تسللت من نهاية مقولتها تلك لأغنية باللغة السواحلية التقطت من مفرداتها الكثير وخمنت ما تبقى بطريقتي
    "أيها الحبيب الملائكي الطلعة
    حينما تذهب للحرب باختيارك
    تذكر أنني هنا ،وهنا فقط لانتظارك
    بالرغم من عدم اقتناعي الكامل بخيارك
    لكنني لا أملك سوى انتظارك
    وحياكة الأماني برؤيتك عائداً
    طافت ذاكرتي بأيام حصارنا للمدينة ، المدينةهذه التي قابض أنا عليها بيدي الآن ووجوه عديدة ،للموت والدمار، في حالتي النصر أو الهزيمة، تحوم حوليّ .. عدتُ، مسحتُ هذه المدينة بذاكرتي أبحث عن صورة لوالدة تليه ،لصديقته أيتوكا وصورة أخرى لـ "للي" قبل أن نلتقي بها .
    "لم تكن للي صديقتنا أو رفيقتنا أو حتى من المتعاطفين معنا قبل أن نجتاح هذه المدينة وننظفها من عناصر الجيش الحكومي ، العناصر التي فرت من أمامنا دون وجهة محددة وفر معها من امتلأ رأسه وقلبه رعباً من تلك الصور التي نُشرت عنا ،لم تكن "للي" صديقتنا إلا أن "جون هوريا" الصغير قد تمكن من إحضارها أو انتزاعها بقوة سلاحه الذي كان يحافظ عليه معبأً في مواجهة كل من يدعوه للتنازل له عنها أو لتركها لتذهب كبقية النساء اللائى رفضن البقاء معنا أو مع رفاقنا طواعية فأستنجد بيّ المسؤول السياسي في ذلك اليوم لأحررها من براثن رفيقي الصغير دون عنف معه، ذهبتُ له في ذلك المساء الثالث ليّ،لنا، في هذه المدينة إثر دعوة منه،جون هوريا، ليّ على العشاء .. رأيتها على ضوء ألسنة اللهب .. سرى تيار خرافي الطلقة أمتد بيني وبينها عبر النظرات فقط .. عدلتُ عن وضعي وعن فكرة إقناع صديقي بتركها تذهب فأقنعتها بأن تبقى معنا طالما أن ليس لها أحدٌ هنا أو زوج ، بابتسامة ارتحت لها كما ارتاح لها هوريا ،دعوتُ نفسي للإقامة معهم في هذا البيت أو في الركن القصي من الحامية العسكرية ، لم يكن هوريا قد تجاوز الثانية عشرة من عمره إلا أنه رفض الدراسة في مدرسة خصصت لهم ، هرب إلينا ونحن نحاصر هذه المدينة مع بعض زملائه الأقل عناداً منه فأوكلت إليّ مهمة إشراكهم في العمليات العسكرية وإبعادهم عن القتال المباشر ، كان هوريا فنان يحول بيديه البارعتين آي قطعة خشب تعجبه إلى منحوتة تدهش كل من يراها ، وحين يسأل وأحياناً عن أسم ما ينحت من أشكال يجئ الرد بسرعة الطلقة هوريا
    حتى سار ذلك الاسم الذي يطلقه على منحوتا ته واستقر على صدر أسمه هو ، نشأت بيني وبينه علاقة صداقة فنية وحوار ندّى عما ينحت دائماً "
    ـ شرب هوريا حتى سكر تماماً قبل أن تعود ، لماذا لا تمنعه ؟
    هكذا أخرجتني للي من صمتي بعد أن أنهت أغنيتها تلك بضربة خفيفة على خدي عند عودتها من إرخاء ستارة الباب ،المستعارة من جوالات الإغاثة البلاستيكية البيضاء ،وضعت رأسها على صدري وهي تمارس تمددها بجانبي
    ـ إذا كان إقناع هوريا بهذه السهولة التي تتصورينها لما كنا سوياً الآن أو في هذا السرير يا صديقتي .
    حينما أسلمتني شفتيها لأرتشف منهما بعنف مستساق ـ لم أتعلمه إلا بعد أن تمردتُ ودخلت لغابتها هذه ـ حينما تمردت يدي على جسدي وراحت تسعى وتعبث ـ كعادتها ـ في جسدها وتبحث عن مكان لها وسط هذا الفرح الناري .. أخذت أدغالها الناعمة الأشجار ترسل عطورها من كل جزءٍ منها وبأجمل مما احتوت عليه من قرنفل وصندل وروائح أشجار استوائية ،لا علم لي بأسمائها إن كان لها أصلاً وإن لم يكن فلا أريد أن أكون أول من يضع لها أسماء .. انزلقت يدي هناك ..ارتفعت ضربات قلبي تضخ براميل من الطاقة لجسدي و لها عبر الأنفاس اللاهثة .. صحت سراً بصديقي "تليه" ـ الذي أضحى لا يرى في هذه الأدغال سوى سموم نثرها أغراب في غفلة من الزمان وأهلها ،أخذوا عنه أمه بالموت وصديقته أيتوكا بالتنازع ـ صحت به سراً ليراني وهذه الغابة تغطيني ،تغسل عني كل دخان المدن المكتظة بالفوارغ والتلوث .. عدتُ لعينيها المغلقتين أمامي ،المشرعتين على محطة عودتي ..صاحت بي بلغة عربية مختلفة تأسرني حينما تتحدث بها وبنعومتها
    ـ بابا 000 أنك تقتلني
    أحسست بها تمتص كل شكوك تليه التي زرعها فيّ ، تحاورني عبر كل حواسي بصدق يملأني غيرة ممن سبقوني لها ، فأعود وأتصالح حينما يراودني الإحساس بأنني قادر على مسح آثارهم أو أوحالهم من كل أجزاء ذاكرتها .
    ـ بابا أنك 000 لن 000 آه
    بدأنا سرعة أعنف من خيول تتسابق للحاق بنقطة النهاية .. بلغنا قمة الجبل وصار التنافس على الشهيق.. أطبقت علينا الدنيا بأيدينا وأسلمتنا لصمت لا يقطعه سوى التقاط الأنفاس بعمق وإخراجها زفيراً ببط وهدوء .أخيراً وبعد مقاومة مرهقة الإقناع فعلناها بطريقة جديدة عليها وبجنون انتابني معها فقط.قالت لي –
    -يقولون أن من يفعلونها هكذا الفرق في زمن الموت بينهما لن يكون أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام
    -وما العيب في ذلك ، من جهتي لا أمانع في ذلك.
    --لكن الناس سيعرفون أننا كنا نفعلها كالخواجات .
    لم يكن تليه صديقي منذ أيام الطفولة أو حتى مراحل الدراسة المتقدمة ،لكن التقينا بعد أن قررتُ اختصار الطريق وعدم البحث عن عمل بشهادات أضحت لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به في حسابات القائمين على أمر تقييمها ..ملأت سطل ماء بالماء أخذت قطعة صابون ،لألتحق بأولئك القابعين أمام الفنادق الكبيرة لغسل العربات ،أو لمسحها مما علق بها من أنفاس الحاقدين وزفرات الفقراء 00 لم أعاني في التأقلم مع هذه المهنة ،أو مع أهلها إذ تقبلوني بترحيب حار بعد أن رأوا خبراتي التي اكتسبتها منذ أيام دراستي وصباي ،وجدتهم، أو، الغالبية منهم تحاول تجاوز مرحلة التشرد لوضعٍ أفضل ،فوجدوني أحاول استعادة وضعي الأول بعد أن خدعتني أوهامي بأن شهادتي ستضمن لي وضع ما أفضل من هذا، عموماً دعوني الأستاذ بعد أن رأوني أتصدى لبعض قضاياهم مع البوليس والمتطفلين ممن يرون فيهم مصائر أفلتوا منها ،في عاصمة تبتلع كل شيء بشراهة التقينا ،كانت تحاصره نفس همومي وهواجسي .. لم يحاول البحث عن عمل في نفس مجال تخصصه الذي اعتقدت أنه نادر ،إلا أنه شككني في ذلك حينما أخبرني بفصله بعد أن عمل لمدة ثلاثة أعوام في مؤسسة حكومية . .. كان السبب سكنه النأي الذي يجعل المؤسسة غير قادرة على توفير مواصلاته ،بالرغم من كل توسلاته المشفوعة بتنازلات عديدة منها حقه في المواصلات وحتى نصف راتبه إلا أنهم أحالوه للصالح العام على ما يعتقد هو ، وأنا أيضاً، جاء ليغسل العربات مثلي ، تعارفنا ، ودون جهد زالت المسافة بيني وبينه ، دعاني أيضاً للإقامة معه حينما شهد معاناتي في توفير مكان للنوم فتعرف عليّ أكثر وعلى توجهاتي الساعية صوب الأدغال الاستوائية .وفي واحدة من تلك الأيام التي زرنا فيها مشرحة المدينة التي اعتدنا على زيارتها كلما سمعنا خبر ،عبر الراديو، عن العثور على جثة امرأة مجهولة غريقةٌ في النيل أو قتيلة بأي طريقة أخرى .. بالرغم من أننا لم ولن نتمكن من التعرف عليها إلا أنه أكد لي أنها ليست هي وأنه مؤمن بأنه سيجدها ولو قبراً ، كان ذلك بعد أربعة أعوام من اختفاءها هي وصديقاتها ، لم تظهر بالرغم من ظهور كل من كن معها ،قال لي في ذلك اليوم
    "في نفس اليوم الذي التقيت فيه "بادليو" أحسست بفرح من وجد نفسه بعد ضياع طويل أو فلنقل أحسست بأنني التقيت بشخص لن يرفض انتمائي له .. إنه .. إنه خال "ايتوكا" ..... حقيقة كنتُ قد فقدت كل ما يربطني بأهل أمي ،أو فلنقل أنني ورثت موت علاقة أمي بأهلها منذ حياتها وحتى بعد وفاتها ، لأنني كنت أخاف أن لا يُنظر إليّ إلا كثمرة رفض أبنتهم لخيارهم وسعيها وراء خيارها المرفوض سلفاً وحتى بعد موتها . لم يبقى لي سوى أيتوكا .. تزوجت هي بدورها على ما اعتقد من خواجة حينما أحست بطول غيابي واحتمال عدم عدوتي .

    في نفس اليوم الذي قابلت فيه "ادليو" ذهبت معه لمكان إقامته ،ركبنا بص ونزلنا ،ركبنا آخر ونزلنا ..ركضنا ثم ركبنا عربة أخرى ليس بها ما يدل على أنها كانت عربة في يوم ما، حتى نزلنا هنا ، سرنا مسافة ليست بالقصيرة وسط بقايا عربات وحديد محترق لم ينتهي إلا تحت ذلك التل الصغير ..صعدناه وحينما بلغنا قمته صفعتني أشعة الشمس على وجهي بعد أن كانت تلهب ظهري فاعتقدت أن الشمس هنا شمسين لولا أنني تبينت أنها مجرد إنعاكس أشعة الشمس على منازل الصفيح المتناثرة بإهمال ..تخللتها بعض بيوت الطين التي لا تدل إلا على قدم حلول ساكنيها بهذا المكان وتمسكهم به ، اندفعت أجسادنا محمولة من فوق التل على أجنحة السرعة الإجبارية تجاه هذا القاع من المدينة ..ظهرت لي معالم الطرق الصغيرة والأزقة .. حاصرتني رائحة مياه لن تشتمها إلا في مكان يمارس فيه الحب في أي وقت ،لا يهم طالما ان المسالة خاضعة لقانون العرض والطلب ، رائحة مختلطة برائحة الخمور البلدية والغناء الذي يتسلل من بينها في محاولة منه، أي الغناء،لخلق جوٍ من الفرح ،ينجح أحياناً ويفشل مرات عديدة ،بسبب الشتائم وأصوات العراك التي تتخلله .. الصبية في كل مكان من الشارع يتقافزون هنا وهناك حتى جعلونا نتلمس طريقنا كالعميان .
    - ادليو أرجوك اجعله من نصيبي أجعلك والد لأبني حينما يرزقني الله بذلك
    هكذا غازلتني ميمونة بضحك وغنج حينما رأتني لأول مرة
    - شكراً لقد تعبت من تربية أبناء الحيّارى
    "هكذا رد عليها ادليو دون أن التفت أنا عليها بعد أن تجاوزناها"
    -والله يا ادليو سأموت من أجله
    -تموتين من اجله أم من أجل جيبه
    لم تستجب لرد ادليو لقد لحقت بنا حتى البيت ، لقد كانت جميلة حقاً ، جلست بجانبي ، لا أخفي في البدء تعاملت معها كداعرة إلا أنها أجبرتني لأن أغير فهمي لها خاصة بعد أن أحاطتني بدفٍ لم أحس به من قبل .. نجحت في انتزاعي من زميلة دراستي تلك ..شجعتني على مواصلة الدراسة كما ألقت على عاتقها مسؤولية نجاحي في ذلك الظرف الذي صرنا نتنفسه سوياً .. رحل ادليو ولم أتمكن من الانتقام له سوى أن أرعى أسرته ..في نفس يوم موته أخذوها هي وصديقاتها ..لم أستطع إعادتها فاحتفظت بفانوس بيتها هذا مضاءً وسأحتفظ به حتى تعود أو حتى لا أنساها يا صديقي" .

    ـ ها.. "للي لماذا لم تهربي من هذه المدينة قبل المعركة أو حتى أثناءها خاصة
    وأن قدراتك تتيح لك ذلك.
    هكذا سألتها محاولاً الإمساك بأطراف الحديث لأول مرة لأعرف عنها شيئاً ، بعد أن وضعت ركبتها اليسرى وجزء من فخذها بين ساقيّ الممدتين باسترخاء تام . نهدها الأيسر يضغط على كتفي الأيمن وينقل إلي جسدي تردد ضربات قلبها.
    ـ لا أريد أن أبتعد عن مدينتي الكائنة بإصّرار خلف الحدود ، هل تعلم أن لك
    طعم.. طعم مختلف عمن قابلت؟

    قذفت بسؤالها دون مناسبة وكأنها أرادت أن تهرب من سؤالي القادم ، كدت أصر عليها بسؤال آخر حتى لا تهرب إلا أنها كانت أسرع مني
    أنك تجيد الثرثرة المريحة .. ففي كل لحظة أراك أري لهفة اللقاء الأول.. أري وكأنك تلاقيني لأول وهلة ،أو فلنقل ، كأنني سأضيع منك غداً .. كما وأنك تتحدث بيديك بشكل يضفي عليك طعم لا أستطيع تسميته .

    لم أكترث لحديثها لأنني فعلاً أجيد الثرثرة ولا أعطي محدثي ظهري بسرعة ، أما يدي فهي متمردة علىّ ،لا أقدر على التحكم في حركاتها ، لذا لا أنشغل بها كثيراً ألا إذا اكتشفت مجاهل لم أبلغها من قبل
    - لم تتزوجي قط؟
    هكذا قررت أن أسألها مباشرة طالما أنها تحاول المراوغة أو تغير الموضوع ، صمتت لمدة قصيرة وكأنها تريد أن تستجمع أنفاسها ،أو، قوتها الهروبية أو تنسيق وتنميق إجاباتها بالرغم من جمال عفويتها وتلقائيتها حينما تحاول أن تجيب دون تفكير فيما تريد قوله .

    ـ كان زوجي من نفس أبناء مدينتنا ، إلا أنه من قبيلة أخرى رعوية التقينا هنا في هذه المدينة ، كان يعمل كسائق عربة تهريب مع أحد التجار من القادمين من الشمال،أو فلنقل ، من "العرب" ، لقد سافر مع هذا التاجر بما يهرِبون ولم يعودا ، عبرا الحدود فأغلقتموها وراءهما ، قبل حصاركم للمدينة بأكثر من عامين ، لم يبلغني منه أي خبر أو من الممكن أن يكون قد فقد الأمل في إنجابي ، أو، لا اعلم ، لكن أحياناً يقولون أن المتمردين قتلوهم ، لكنني لم أصدق ذلك
    - إذاٍ لم تنجبي معه؟ "سألتها"
    - أجل والـ ..السبب أنا
    - لماذا؟
    - لأن أبي لم يتمكن من دفع مهر والدتي وبالرغم من ذلك ذهبت أمي إليه بعد أن أنجبتني لتقيم معه ،غضب أهل والدتي وقالوا لها ها انك تنجبين لكن عقابك سيكون على ظهر بنتك، أي أنا، وهذا يعني أنني سوف لن أنجب ، لكن زوجي هذا سافر ودفع مهري مباشرة لأهل والدتي حينما علم سبب عدم إنجابي فلم يتبقى لهم إلا أن يقوموا بإجراءات "السبر " حتى يزيلوا عني غضبهم على والدتي .

    لم أستغرب لحكايتها أو لتفاصيل عدم إنجابها إذ أن أحد رفاقي سافر عنا ،قبل عامين، لأهل والدته بنفس السبب حينما أكتشف بعد ثلاثة سنوات من زواجه عدم قدرته على الإنجاب وحكايات كثيرة مماثلة سمعتها من زملائنا الاستوائيين ،الذين هم امتداد لثقافة "للي" هنا أم هي امتداد لثقافتهم هناك ،خلف هذه الحدود الكائنة بقوة حب السلطة والتسلط ،لا برغبة القابعين خلفها، لا يهم بالنسبة لهم لأن لا شيء يفصلهم سوى الحدود المرسومة على الخرائط المعلقة في مكاتب الجمارك أو نقاط التفتيش الحدودية .

    -هل تعلم أنني تركت الدراسة بالرغم من أنني وصلت مرحلة متقدمة في "سانتا ماريا" هناك، تركتها فقط لأنني كنت معجبة بمصفقة الشعر ومصممة ملابس العرائس، التي كانت تسكن جوار سكن الطالبات ،الذي كنت أقيم فيه؟ .. نجحت في العمل معها في أكبر مكان لتصفيف الشعر يمتلكه أحد الخواجات في أكبر فندق في مدينتنا التي تكبر العاصمة حجماً وازدحاما .

    أحسست بأنها بدأت تسلم نفسها لخدر الخمرة والثرثرة دون أي حاجز ..سارت بحديثها الشبه مهموس لتغسل النوم عن عينيّ وتجعلني متأرجح بين صوتها وصوت أنفاس الجبل التي تخترق الحائط والضوء الخافت في الغرفة .. حكت لي الكثير عن نفسها وعن أسباب حضورها لهذه المدينة ..بدأت الذهاب مبتعداً بذهني حينما لاحت لي الرتابة تتسلل لحديثها ،إلا أنها أعادتني إليها بقوة حينما بدأت تتحدث عن ايتوكا فأحسست بذاكرة تليه داخلي تنتعش .
    - إذٍ أنك تعرفينها !
    - أجل فأنا التي أُحضرتَ خصيصاً لوضعها في فستان زفافها ، لقد قمت بتجهيزه أنا.. كنت أحلم بارتدائه إلا أنني تنازلت لها عن حلمي حينما رأيتها حقيقةً ، لم أكن أعلم من هو العريس أو العروس فقط جهزته بالمواصفات المطلوبة التي أعطاني لها مكتوبة ذلك الخواجة 0 لم أعرف إلا منها .. ارتدته أمامي فسبقت عليه الكثير من جمالها والقليل من لون حزنها .

    شدتني "للي" بحديثها ، حينها أحسستُ للمرة الثانية أنني أمسك بشيء ما يجعلها تناجيني ويحملني على التعلق بها ،حكيت لها حكاية تليه ..قاطعتني بعد أن أنفك لسانها وصار أكثر تلقائية من جراء الخمرة .
    ****************************************

    نواصل غداً
                  

02-21-2007, 11:44 PM

Ali Alhalawi

تاريخ التسجيل: 02-10-2004
مجموع المشاركات: 1467

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    الأستاذ عبد الباقى

    تحية لك و لهذا الأبداع .. كل يوم نكتشف أن بلادنا ملئى بالأبداع و المبدعين لكن إعلامنا دوما يخزلهم .. سنتابع معك و بشغف الـ "تليه"

    و تحية للأستاذ يحيى الذى غاب عن هذه الساحة و نتوق لعودته "صاحب الحكى الخشن الناعم فى ملمسه"
                  

02-22-2007, 07:35 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Ali Alhalawi)

    الاخ علي
    سلامات وشكراً على المتابعة والمداخلة ،
    في الحقيقة نحتاج لوجود أمثال الأستاذ يحي فضل الله لذا أحاول جرجته حينما علمت منه أنه يتابع ما اكتب في هذا الفضاء ، شكراً مرة أخرى و سأوالي بقية القصة
                  

02-22-2007, 10:24 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    *******
    بدأ الغمام في الانتشار ونشر الرطوبة التي شيعت الشمس إلى ما وراء الجبال الصغيرة والمتناثرة خلف البحيرة إلى حيث تنام كلما أتعبتها النهارات الباردة .. أزهار أشجار المانجو تتساقط متنحية لثمار في طورها المبكر..الشوارع والطرقات خالية إلا من أنفاس أشجار المانجو وعبير الليمون المختلط برائحة الياسمين التي تبثها البحيرة من حين لآخر دون أن ترى زهوره في ذلك المكان أو حتى البحيرة .. حكيت حولها،رائحة الياسمين ، الأساطير والحكاوي المقدسة التي أضحت تفقد قدسيتها بمرور الزمن فلم تجد من يسندها سوى بعض الأحداث المصنفة تحت طائلة أوهام نساء أو تخاريف عجائز – فإلفها الجميع ولم تعد مصدر تساؤل سوى للأغراب .

    انسحبت آخر أشعة الضوء تاركة المكان لليل يأتي بأصوات طيور ليلية وأزيز المولد الكهربائي المنبعث من تجاه الكنيسة ومنازل الخواجة "ليو" ووكلائه وبعض مساعديه القادمين من جهات مختلفة فأصبحت المدينة بوجودهم منشطرة لأكثر من قسم فاعتبرت هذه الأقسام أحياء في مسيرة تطور هذه المدينة – الصغيرة وتفاعلها مع كل قادم .

    السكان المحلين في أماكنهم تحت الجبل بينما تحصن أصحاب شركة الأمن الغذائي لما وراء البحار فرع التبغ والتعدين التي يمتلكها الخواجة "ليو" وراء ذلك الخور الصغير الدائم الجريان مما جعل الكنيسة تأخذ موقعاً وسطاً بينهم والمحلين ، إلا أن الكنيسة احتفظت بمسافة كبيرة منهم الاثنين وإن كانت أقرب لمساكن الشركة زمنياً ،لسهولة وسائل التحرك السريعة فأصبحت والورشة التابعة للشركة شبه مشتركة مع الكنيسة – الكنيسة التي تعمل في مجال التشييد والقيام بمهام التعليم الديني والدنيوي أيضاً في هذا المكان النايّ ـ أما الجزء الثالث الذي يقع غرب الكنيسة فكان من نصيب الذين يأتي بهم العمل الموسمي فيبقون أحياناً ويرحلون في مرات أخرى كثيرة لعدم كفاية ما يتلقون من عملهم فصارت المدينة والعمل بالنسبة لهم محطة عبور لمدن أخرى أرحب من هذه .

    في هذه اللحظة من هذا المساء الرطب ستموت مختنقاً أو تخرج راكضاً إذ أتيحت لك فرصة الدخول لمنزل العجوز إكوانق ـ المكون من غرفتين تفتحان على مكان للطهي يتوسطهما داخل كرنك واحد ،لم يجدد منذ ميلاد أم ايتوكا وإلا أنه مازال صامداً ،على كلٍ ستخرج راكضاً قبل أن تلقي التحية وسيطاردك حتى البوابة الخارجية ذلك الدخان الذي بدأ يتكاثف و لا يجد مسرباً للتسلل خارجاً ،زفر إكوانق زفرة تنم عن الضجر والاستياء .. لم تعره "نابوي" زوجته العجوز أي نظرة أو تسأله فقد كانت أدري بالسبب فقط عدلت من جلستها وبدأت في نفخ النار علها تصنع لهباً يقلل من هذا الدخان الذي أدمع عينيها ودفع بنظرها للوراء
    -فقط لو يحدث ذلك
    قالتها نابوي كمن يخاطب نفسه وهي تأخذ نفساً عميقاً لتواصل النفخ لإشاعة الدفء والضوء
    أظهرت ألسنة اللهب الباحثة عن شيء مفقود تجاعيد العجوزين وتعب النهارات السابقة في جمع التبغ الذي دفع بالكثير من الفتيان لمغادرة المدينة دون عودة بعد أن أصبح لا يسد ديونهم فلم يبقى سوى الذين ارتبطوا بأعمال فنية كقيادة الشاحنات والتراكتورات أو أعمال المكنيكا وأشياء أخرى تتعلق بالتجارة البسيطة وسوق السياحة .. بصق العجوز على النار و وقف بخطى مرتجفة ..تناول عصاه لمقاومة تلك الرجفة التي صارت تلازمه منذ أن هاجمته الأحلام والكوابيس بشراسة جعلته يحكي بها طوال النهارات وأمسيات الأنس حتى ملّ وسئم منها بعض أصدقائه وأندفع لتفسيرها البعض الآخر.
    سحب "إكوانق" عصاه جاراً خطواته ..قامت "نابوي" بمساعدته في إزالة أشياءها التي درجت على إسناد باب البيت بها ..أنفتح الباب محدثاً صريره المعتاد والطارد لموسيقى الطيور الليلية .. قطعت أيتوكا ترنيمتها بالداخل .. نعق النوم بالخارج .. صفق بجناحيه..طار .. سعلت نابوي و إكوانق العجوز حينما تسرب الهواء الممتزج بالرطوبة للداخل ومن ثم لصدريهما .
    - لن تجد منه شيئاً
    "هكذا تحدثت نابوي لتثبت أنها تعرف وجهته وتتأكد من صحة فكرتها عن خروجه المفاجئ"
    - أنا أعرفه جيداً سيخرج الدفاتر جميعها ويقرأ قائمة ديوني ورهني ثم يشتمني ويصفنا بالكسل و بعد كل ذلك يرفض منتظراً مني أن أتوسل إليه وأعده برهن جديد ، لكن لم يبقى لدينا شيء سوى هذه 00 لا.. لا لن أفكر في ذلك حتى لو متنا جوعاً
    - حتى آخر قطع العاج التي ورثها أبي عن جدي صارت من نصيبه دون أن ترمش له عين بالرغم من توسلاتي وتوسلات أيتوكأ
    "قالتها نابوي بحسرة تعلقت بجوانبها ذكرى مريرة
    - لا يهم سأحاول أن أتسلل إليه دون أن يكون معي أحد ، أنه يخاف التجمعات لقد كان يرتاح لي ،وكثيراً ما كان يخصني بالحديث عن دينه وصلواته كلما أختلي بي
    -لماذا لا تذهب مع أيتوكا لتساعدك ،الطريق طويلة
    - سأذهب وحدي
    "قالها وكأنه يطرد فكرة ما.. أبتعد ..غطته ظلمة أشجار المانجو الممتدة من البيت حتى الطريق .. قفز الكلب من أعلى قفص مهجور منذ زمن ليس بالقريب ،كان يستخدم للدجاج فصار مأوى لكلب إكوانق الذي تبعه دون أن يصدر أي صوت "

    - أيتوكا
    "صاحت نابوي مرتجفة وهي تغلق الباب"
    اصطكت أسنان ايتوكا بالداخل من جراء الصرير
    اتركيه على النار حتى لا يبرد
    عدلت ايتوكا من وضعها بالداخل وشرعت في تنفيذ ما طلب منها على موقد فحم متحرك.. رفعت الغطاء فتصاعد البخار هارباً من أوراق اللوبيا التي صار يمقتها أكثر منها ـ أيتوكا ـ تناهى إلى مسامعها صوت أجراس الكنيسة معلنة موعد صلوات ليلية يؤديها الأب مع بعض الراهبات الزائرات والمقيمات والقائمات على أمر تعليم الفتيات في مدرسة الكنيسة .. سهمت أيتوكا مترنمة بترنيمة قامت بأدائها مع إحدى الراهبات في احتفال نهاية دراستها مع زميلاتها ، قادتها الترنيمة بوعد الأب لها بفرصة أفضل في كليات تجمع الكنائس إذا وجد أي منظمة أو ممول لذلك .. داعب رأسها الحلم بلقاء تليه الذي رحل منذ زمن للدراسة والبحث عن والده في تلك المدينة الممتلئة أناس مختلفين كما يقول تليه .. ابتسمت أيتوكا ثم جرت حذاءها.. خرجت

    ـ جدك لم يرفض "هكذا بدأت نابوي إرسالها الليلي لايتوكا" لكنني لن أوافق على ذهابك أعرف أن يذهب الأولاد إلى المدينة ، أما أنت فهذا ما لن أسمح به أو بتكراره ما 000
    ـ حاضر يا جدتي فقط اتركي هذا الموضوع إلى أن يحين موعده "قالتها منتظرة من جدتها أن تغير الموضوع"
    ـ بالأمس ذهب ادليو خالك وقبله أمك لتبحث عن أبيك ، لم تعد ولم تسأل حتى عنك ، أي أم هذه يا ابنتي؟ لقد تركتك وأنت لم تعرفي الكلام بعد ، و ها أنت تريدين الذهاب وتركنا وحيدين ولقد هدنا الكبر "أدمعت عينيها بتحدي" كلا لا أقدر أن أذهب وراءك ، فإذا استغنى عنك إكوانق فأنا لا 00 هذه عادته يوافق على أي شيء ولا يعترض حتى على أكثر الأمور 000 "بدأت تستجمع أنفاسها المتلاحقة دون أن تتأخر عن مواصلة حديثها" إذ كنت تريدين اللحاق بتليه ، فعليه أن يأتي ويأخذك من يدي إن كان يريد ذلك فعلاً .
    ـ عندك شك في ذلك؟ "قالتها أيتوكأ دافعة جدتها لمواصلة الحديث في نفس الاتجاه"
    ـ ليس المسألة مسألة شك لأنني أعرفه جيداً منذ أن كان صغيراً جداً ، أجل بعد أن جاء أهله وانتزعوا والده من أمه ومنا جميعاً، مرضت والدته وكنت أجالسها وأشرف على علاجها حتى توفيت بعد أن فشلنا في علاجها هنا ، لقد كانت تريد اللحاق بوالد تليه لم تقل ذلك علناً إلا أنني كنت أحس ذلك ، كنا نخاف عليها من أهله لذا لم أتجرأ و أشجعها على ذلك رغم استمرار مرضها لأكثر من ثمانية أو ما يقارب التسعة سنوات قضتها تقاوم المرض بقوة حبها لأبنها ، لكنها رحلت وتركته في العاشرة من عمرة لقد دعاه أهل أمه ليسكن معهم لكنه رفض، رفض كرجل كبير ، حملهم أسباب موتها لأنهم قاطعوها حينما تزوجت والده ، لم يغفروا لها حتى حينما مرضت ، فعلاً لقد رفضوه ليس لأنه غريب لقد كان جزء منا منذ أن حل كتاجر متجول لكن فقط أهلها كانوا يخافون أهله في ذلك الزمن ، من جانبنا لم نقف بجانبه أو بجانب أي من الطرفين لقد كنا نعرفه جيداً "ود البدوي" تعاطفنا معه ، لكن كنا فعلاً نخاف إذا تضامنا معه ، أن يحملنا أهلها نتيجة ما حدث ، لقد كنا نعلم أن لن يقتنعوا بزواج لم يتفقوا عليه جميعاً ، لذا فضلنا أن نبقى مع ما سيحدث ، لكن حينما تزوجت لم نقاطعها كما فعلت أسرتها ، حتى هو ـ ود البدوي ـ رفض أن يتزوجها بعدم رضاء أهلها إلا أنها شككت في حبه لها واتهمته بعدم جديته خاصة بعد أن اكتشفت أنها حامل بتليه ،تحت إصرارها وموافقة جدها تزوجها ورحل بيننا ، لم ينجح في استطابت خاطرهم ،بالرغم من كل المجهودات التي بذلها إلا أنهم أصروا على أن يجعلوا منها عظة للبنات الأخريات اللائى خرجن الآن حتى دون زواج
    ـ ها ثم ماذا حدث ؟ "خرج صوت ايتوكا بالسؤال وكأنها تسمع هذه الحكاية لأول مرة"
    حينما وضعت تليه لم يكن هو موجود ، لكنه فرح جداً حينما عاد وبعد ثمانية أشهر من ذلك اليوم الذي وضعت فيه تليه جاء أهله ، أقاموا معه لأكثر من أسبوع بقصد إقناعه بالذهاب معهم ، إلا أنه رفض ، احترمتهم أم تليه وكلنا إلا أنهم لم يكونوا مثل "ود البدوي" قالت لي أم تليه "إن أحداً منهم لم يتجرأ على حمل تليه أو حتى مداعبته ، حتى أنني خفت من نظراتهم له فلم أخرجه من مكان نومه إلا بعد أن رحلوا عنا" رحلوا إلا أنهم عادوا بعد عام من يوم رحليهم عادوا بوالدته التي لم تدخل بيته أو حتى هذا الحي لقد جلست تحت أشجار المانجو التي بجانب الطريق الكبير قرب الكنيسة ، فذهب وأستقبلها هناك إلا أنها رفضت أن تتبعه إلى بيته إلا بعد أن يوافق على الرحيل معها لرؤية والده المريض ، تدخل جدك وآخرون لإقناعه على الذهاب معها والعودة بعد ذلك ، حزم كل شيء يخصه سلم دكانه لود الأعرج الذي لم يكن يملك عربة يجرها حصان لحمل البضائع ، ترك جُل ما يملك من أموال لأم تليه .
    سافر وسافرت معه عافية أم تليه ولم ترى الصحة حتى توفيت ، ذهبنا أنا وجدك لإحضار تليه ليقيم معنا بعد أن رفض الإقامة مع أهل أمه إلا أنه رفض "سكتت العجوز لترى أثر حكايتها على وجه حفيدتها مما أثار ايتوكا أكثر"
    ـ رفض لماذا ؟ "قالتها وفي ذهنها أسباب تليه المضحكة التي شرحها لها بجانب البحيرة قبل أن يسافر"
    ضحكت العجوز ضحكة تبحث عن طعم لها بعيداً عن هذا الحياء الذي اكتسبته بتقدم العمر
    ـ لقد قال بعناد أنه لا يريد أن يصير أخاً لايتوكا ، لأنك كنت تنادينه باسم "اكويرا" وكان هذا يثير غضبه ، كان صادقاً في حديثه مثل والده عنيداً مثل أمه ." أكويرا،بلغة الأشولي تعني الطفل الذي رفضه والده أو أهله"
    ـ ايتوكا .. نابوي "هكذا صاح اكو أنق العجوز بفزع مهموس من خارج البيت"
    ـ جدي "صرخت ايتوكا ثم هرولت إلى الخارج نصف عارية بعد أن سقطت قطعة القماش التي كانت تربطها حول الجزء الأعلى من جسدها ، لحقت بها نابوي بخطى مرتجفة"
    تقطر العرق من جسد العجوز وحفيدتها رغم البرودة فها هو إكوانق العجوز مسمراً في مكانه في أبهى ما يكون وبقوة شاب لم يتخطى الثلاثين من عمره ولولا العلامات التي تميزه لظنوا أنهم أمام شخص آخر على حد تعبير ايتوكا لفتيات تجهيزها يوم زفافها .
    ـ قدماي شيء ما يشدني
    قالها العجوز ثم شخص بنظره بعيداً ، مدت ايتوكا وجدتها يديهما في آن واحد لتحريك جسده الذي صار أكثر قوة ونمت ما يشبه العضلات مكان ذلك الجلد المتهدل ، الذي ورثه عن عمره المتقدم.
    ـ دعنا نسحبك للإمام
    قالتها ايتوكا وهي تتفحص الأرض أسفل قدميه حاول العجوز مرة أخرى دفع قدمه اليمنى ، ثم اليسرى إلا أنهما ثابتتين .. أطلق العجوز بصره بعيداً في الفضاء .. أصابته رعشة أحست بها ايتوكا .. انجذب بصورة أكثر نحو الأفق الفاصل بين الغمام والفراغ .. دارت عينيه في محجريهما.. فغر فمه كالمندهش لرؤية شيء غريب عليه ، فرأي الحلم الذي يداهمه منذ مدة ليس بالقصيرة ، رآه أغنية تتحرك أمامه بكلمات قديمة لم يعد لها أثر في اللغة الحديثة فصار يشارك في ترديدها منجذباً
                  

02-22-2007, 01:22 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    سلامات يا اهلنا الهنا والهناك
    أنها كتابة أولية ، لذا سيكون بها مجموعة من الأخطاء المطبعية ، عموماً أسميها كتابة أولية لأنني فشلت في العودة لهذا النص مرة أخرى، ساوالي وضعة في قطع صغيرة حتى لا يصير مملاً
    تحياتي
    ع.الباقي

    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 02-23-2007, 10:25 AM)

                  

02-22-2007, 04:59 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    "بدأ كل شيء هادئ ومخيف
    ، ظهر الرجال والنساء والصبية يسيرون نياماً
    ، لا أحد يتحدث للآخر ،
    حتى الأشجار توقفت عن التمايل والاهتزاز مع الهواء
    أو كف الهواء عن تحريكها ،فجأة حدث ما لم أتوقعه ،
    بدأ الجبل في قذفنا بالحجارة ويطاردنا أينما اختبأنا بذرات رمال أعلنت انفصالها عن الحجارة الكبيرة ،
    صاب الذعر كل شيء في هذه الطبيعة
    ظهر الجميع في صياح وذعر اختلط بالهروب المستمر ،
    وقفت متحملاً كل شيء على ظهري لأخبئ ايتوكا مما ينهال علينا من حجارة وذرات رمال تخترق الجسد لداخله مباشرة ،
    لكنها تسربت من تحتي ولم أجدها ، صحت لها ،
    ناداني شخص ليس غريب علي ،
    امسكني من يدي ثم صاح صيحة جمعت كل الناس في مكان واحد حوله ،
    توقف الجبل عن بث صخوره فسألته عن ايتوكا لم يجبني أو جاء رده موجه للجميع .
    ـ أسمعوني جيداً لن يهدأ لفترة طويلة وسيعاود غضبه بعد قليل 000 ليس هنالك مخرج سوى البحر فالجبل غاضب ممن حلوا به و لا يفقهون اسباره أو يحترمونها ، لابد من الغوص حتى نتقوى للسبيل الأمثل لحوارهم
    ـ لكنه ليس موسم الغوص !!
    هكذا ردت جموع لم أتبين من بينها أحد سوى نابوي وتليه وشباب بينهم ادليو يظهر ويختفي 000
    ــ لا يهم لقد دب الوهن فينا وسيتسلل العجز إليكم إن لم نفعل ..
    هيا جهزوا أنفسكم
    قالها بصيغة الآمر ثم سحبني واتجه بي صوب البحر
    أحسست بطاقة هائلة تتخلل جسدي ،
    سألته عن "ايتوكا" إلا أنه سحبني بعنف فلحقت بنا تلك الجموع بجانب البحر .
    صاح تليه منبهاً لغياب ايتوكا وانتظارها ،
    ردت عليه نابوي بأنها تغتسل و ستلحق بنا حالما انتهت من ذلك ،
    قفزنا إلى البحر جميعاً ما عدا تليه الذي تأخر،
    غصنا في البحر صوب طبول وموسيقى ،
    بلغنا القاع العميق .
    قابلنا كهل قوي ،دار بينه وبين ذلك الشخص الذي سحبني حوار طويل..
    أجلسنا الكهل جميعاً،
    نادى أشخاص آخرين التفوا حولنا بالطبول وموسيقى اللوكمبي ،
    قادونا إلى منازل لامعة بها صبية ونساء جميلات ،مألوفات الوجوه ،
    أخذونا إلى بيتٍ ابتلعنا جميعاً ،
    صلينا صلاة لم أقدر على تجميع تفاصليها انفلتنا في رقص وغناء،
    حضر تليه إلينا غير مرتاح ، سألني عن ايتوكا "لا أعرف" هكذا أجبته ثم واصلنا في الرقص ، اتجه صوب نابوي سألها أيضاً

    ـ ستحضر "أجابت نابوي"
    بدأ تليه غريباً وسط الرقص ، أنسحب من بيننا إلى مكان للشباب ، جر وراءه أحد الذين وجدناهم في البحر .. تحدث معه كثيراً ثم عاد قلقاً بعد زمن طويل.. ظهر العجوز ـ الذي استقبلنا عند مدخل الأعماق ـ غاضباً ..قصد ذلك الشخص الذي سحبني للبحر ، تحدثا كثيراً ثم تشادا في الكلام .. أضطرب البحر.. حملتنا المياه إلى أعلى غصباً عنا ..حاولنا التشبث بتلك المنازل حسب ما أمرنا صديقي لكن كان البحر قد تغيء الجميع إلى الشاطئ فصرخ تليه .
    ـ شيء ما يجذبني إلى أعلى .
    ركضتُ مع ذلك الشخص وآخرين ..أمسكنا به لنثبته على الأرض لكنه كان أقوى .. حملنا معه فسبحنا في الجو تجاوزنا الأشجار إلى أعلى ولم نستطع إعادته .. ظهرت لنا بيوتنا من أعلى و أيتوكا بينها تلوح لنا وتليه ، فككنا أنفسنا عنه فتلاشى وهو يرد على تلويحات ايتوكا 000 اتجهنا صوب قمة الجبل ،وجدناها ترضع السماء ، رأيت البحر ينطوي ويلملم شواطئه ..رحل …أختفي تماماً فرأيت بحيرتنا هذه تتنفس بكل تفاصيلها وخلفها الجبال الصغيرة تناثرت كالحصى ، خفت وانشل تفكيري ..اصطدمت بالقمة فصحوت بجفاف في حلقي وعطش مئات السنين"
    مر شريط الحلم أمام العجوز إكوانق حتى التحم بهذه اللحظة التي فيها فشل أن يتحرك .

    تجمع حوله كل من بلغه نبأ الحادثة ، أحضروا كجور غير متخصص في حالات كهذه ، استعانوا به إلى حين حضور من هو أدرى بذلك .. بدأت المرأة الكجور برش العجوز ببعض الأدوية المختلفة ..نثرت جزء منها في الجو فأزاحت أنفاس أشجار المانجو بروائحها المختلفة.. طرقت طبلها مستعينة بجوقة للغناء.. امتلأ المكان إيقاعات طبول غير مرئية وأصوات بشرية تسرد وتحكي من داخل ذلك الطبل .. تحرك الجزء الأعلى من جسد إكوانق العجوز فامتلأت أعضاءه رقصاً وحكي 000 عجت الساحة بالحضور و رائحة الياسمين تائهة ومختلطةً بروائح أخرى مختلفة ونفاذة .

    في البدء فسر الناس حالة اكو أنق بأنها حالة "جوك ـ جوك" عادية إلا أن حديث إكوانق المفاجئ والمنساب بدأ يغير الآراء قليلاً
    ـ أنني ذاهب إلى حيث أسلافنا هناك حيث الجبل يلاصق المياه
    ،كذلك القصور ،
    إلى حيث المعابر مزدانة بالذكريات ،
    إلى هناك من حيث قدمنا هرباً ،
    ولم ترتاح أرواح أسلافنا فأضناها البحث عنا
    ، عن أحفادهم ،
    و ها هم اليوم يصطفون بفرحة من وجد ،
    وإلى هناك سيقودونني إلى حيث لا يستطيع أحد أن يتبعني الآن .
    دخل الجميع في جو الرهبة بعد أن تجاوزت المسألة مفهوم "الجوك ـ الجوك" ودخلت حيز آخر.. لم يشك أحد في ذلك خاصة بعد أن دخلت مجموعة أصوات لأناس غير مرئيين وطبول تسمع فقط .. صمت إكوانق العجوز تاركاً الفرصة للطبل .
    طغى على الأصوات في الحلبة صوت غليظ احتل كل مساحة طبل الكجور الذي ألجمته الدهشة فسقط مغشياً عليه .. رفع ذلك الصوت الطبل فسكتت الجموع بخوف وتجله في جانب واحد خلف إكوانق العجوز.. زأر ذلك الصوت كالأسد أمراً الجموع بالغناء .. شرعت تلك اللمة في غناء لم يغنوه من قبل وذلك بشهادة الذين فشلوا في الولوج إلى تلك الحالة لغربتهم أو لعدم أهليتهم لذلك 00 توزع الغناء صعوداً وهبوطاً في شكل حواري بين الرجال والنساء .. جلس الجميع على ركابهم عدا إكوانق العجوز الذي ظل واقفاً كحارس قوي على الحلبة .

    قبل زمن بعيد لا يفصلنا عنه سوى البارحة في الذاكرة ،
    اقتحم أغراب ديارنا وبعد حرب دامت لزمن طويل دارت رحاها علينا ،
    حكموا علينا بمائة شاب وشابة تدفع لهم في زمن كل حصاد ،
    وافقنا مقابل أن لا يقيموا بيننا حكاماً فقط يمروا بتجارتهم ولأخذ عطائهم كل عام .
    ذهبت معهم أول مائة ثم تلتها مئات أُخر من الشباب يذهبون وسط عويل أمهاتهم وحرقة قلوب آبائهم.. يرحلون ولا تعود منهم حتى الأخبار ، حتى جاء دور مائة تضم أجدادكم وجداتكم اللائى كانت بينهن "سمباي" حبيبة جاكونق ابن الملك ـ التي اختارها الملك لترحل مع المائة ،كان يعلم بحب ابنه لها مما حمل ابنه على الاعتقاد بأن والده لا يريد له هذه الفتاة ..قرر الرحيل معها بعد أن أعاد أخيها وتوأمها الذي رفض البقاء وفضل الرحيل معها ، ثناه جاكونق آخذاً الفرصة لنفسه دون علم والده ، والده
    الذي إعتاد في مثل هذه المناسبة المحزنة أن يخرج ويذهب بعيداً عن القصر حتى لا يرى بكاء الأمهات وغضب الآباء .

    تحركت القافلة يحرسها مجموعة من الأغراب بجنودهم وخيولهم بينما شدوا وثاق المائة بالحبال مصطفين خلف بعضهم البعض في خط يتقدمه فارس على حصانه وتنتهي بآخر مماثل، بعد يومين علم الملك بالنبأ ، أرسل رسله في إثر تلك القافلة التي كانت تغير طريقها من عاماً لآخر تفادياً لقطاع الطرق ، اتجهت صوب البحر تشق الصحراء ، وبعد فترة ليست طويلة أرسل رئيس القافلة رسالة مفادها فرار جاكونق وكل من معه ، لم تكن الرسالة بقصد إخطارنا ،كلا، كانت تهديد لنا إذا أوينا هؤلاء الفارين .

    حزنا وحزن الملك جداً فمات حزناً على ابنه بعد أن أصابه الندم والوهن ..أمر كهنته الذين لم يهجروا معبدهم القديم قط للمعابد الحديثة .. أمرهم صائحاً قبل موته أن يعيدوا ابنه حتى ولو ميتاً ليقيم بجانبه .. سمعه الكهنة الذين كان يأمر الناس ببرهم حتى ولو تغيروا عن دينهم ،أقسم الكهنة بأن يعيدوا أجساد وأرواح كل من صلى في معبدنا هو و سلالته .. ومنذ ذلك اليوم صار هذا العهد تكليف لنا فسرنا وذلك والعهد في أثركم حتى جمعنا قلق إكوانق بأشخاص نعرفهم ممن رحلوا مع جاكونق .

    بدأ الصوت الغليظ في الانسحاب تدريجياً حتى اختفى تماماً إلا أن إحدى النسوة صرخت وانهارت تماماً بعد أن أعلنت أنها رأت الصوت الغليظ متجهاً صوب القمة.
    بدأت الشمس خلف السحب تميل صوب الغرب لتعلن بداية ليلة أخرى ساهرة ومقلقة بعد نهار حافل بالحكايات والانجذاب الروحي والغناء .. خرج صوت قوي من اللا مكان تحفه أصوات مياه تتساقط من مكان عالي.. شرع الصوت في سرد أسماء كانت سائدة ،ما زالت تتردد حينما يجلس العجائز لتحديد نسل شاب وشابة أرادا الزواج، حتى لا ينتهكا المحرم ،إذ التقيا في جدٍ واحد ، بدأ الصوت يتعتع ويخُطي في بعض الأسماء التي ما زالت سائدة وشابتها الحداثة فيصححه الحضور من العجائز والمنجذبين ..أعلن الصوت أن كل هذه الأسماء تنتمي إليه ثم استمر في الحديث بنبرة يعلوها الحزن".

    بعد أن بدأت رحلتنا مع سمباي و الآخرين لم يساورني القلق من المجهول كنت أعلم أنني سأقرر مصيري ومصيرنا جميعاً ، صرت وصرنا نتحين الفرص وعندما بلغنا مسيرة عشرة أيام من أهلنا ،أحسسنا بأن موعد أن نقرر قد حان ،كان ذلك في إحدى الآبار التي قرر رئيس القافلة المبيت والراحة بها لمدة يومين لإزالة تعب مسيرة عشرة أيام ، أطلقوا مجموعة من الفتيات اللائى كن معنا ليخدمنهم ، كانت سمباي بينهن وتعرف ما نريد فعله ،تسللت من وسطهن ونزلت للبئر ، لم ينتبه أحد لغيابها إلا بعد أن نزل الظلام ولف المكان بسواده ،جاءوا لإعادتهن للوثاق 00 فقدوها وانتبهوا لنقص عددهن ، جُن قائد القافلة وأثار جن الحراس.. بحثوا عنها في كل مكان توقعوا أن تختبئ فيه ، عندما أقترب منتصف الليل عادوا والإرهاق رفيقهم واليأس يتبعهم حاملاً رايات النوم ،قرروا مواصلة البحث صباحاً "إنها فتاة ولن تقدر على الرحيل في هذه الصحراء والجبال" نام قائد هم ، ناموا جميعاً ،خرجت سمباي وفعلتها كما توقعنا ، هربنا جنوباً حتى نجنب أهلنا حربٌ أخرى ، استخدمنا نفس خيولهم التي نجحنا في التسلل بها ، قطعنا تلك الصحراء وهم في إثرنا كما اكشفنا مؤخراً ، دخلنا غابات وتجاوزناها ، عبر أنهار صغيرة وأخرى كبيرة وصعدنا جبال وهضاب حتى صعدنا هذا الجبل ونزلنا في هذا الاتجاه فاصطدمنا ببحر لم ندرك حدوده ببصرنا ولم نرى مثله من قبل ، ارتحنا وقررنا الإقامة بشاطئه ، أنفقنا أكثر من خمسة أيام ، تزوج الفتيان بالفتيات وكذلك أنا "بسمباي" ،إلا أننا وفي نفس تلك الأيام الأولى صحونا على صوت خيولهم تحاصر ضحكنا والبحر أمامنا خرج سرنا جهراً يعلن أفضلية الغرق على العودة مع هؤلاء ، نزلنا البحر وسط ضحكات الأغراب المتحولة للعنات ، لم يحاول أحداً منا النجاة كما أبدع خيالهم ، اتجهنا صوب الأعماق مستسلمين للغرق منتصرين على رغباتهم فتلقفتنا أيادي ملك البحر وصارت لحاف لنا حتى بلغنا قصره ومنازل أبناءه وأهله ، منحنا حق الإقامة معه ، شيدنا منازلنا من الأصداف وكذلك معابدنا علمنا سكان البحر الكثير مما نعرف وعلمونا مقاومة الوهن والموت ، ازددنا عدداً فأخرجنا جزء من الجبل بشروط علينا في البحر وعليهم في الجبل فأخل الجبليون بأكثرها أهمية فجاءهم الرد من البحر برحيله تاركاً ابني وبنت ملك البحر بينكم، وتلك البحيرة ذكرى لعودته إن استطعتم مسح عار إخلال أجدادكم بالوعد .

    أثار تجمع الأهالي والمحلين لثلاثة أيام بلياليها شكوك ود الأعرج والأغراب الآخرين العاملين لدى الخواجة وشركاءه .. حضر ود الأعرج مهرولاً بعد أن بلغه النبأ الأكيد حول الرحيل الوشيك للعجوز إكوانق .. وصل ود الأعرج مسرعاً يستحم بعرقه حاملاً دفتر العجوز إكوانق بيد ومصحف قرآن ـ يقيه شرور أعمال المحليين وشياطينهم كما يسميها دائماً كلما رآهم يمارسون مثل هذه الطقوس ـ باليد الأخرى 00 وقف ـود الأعرج ـ مندهشاً لذلك الصوت الآدمي الذي يخرج من حيث لا يدري هو .. قام بتلاوة بعض الآيات بصوت مسموع ثم فتح دفتره وقرأ قائمة بديون مرهونات إكوانق العجوز التي يجب تسديدها قبل رحيله وإلا 00








    تليه "اكويرا"
    أكتب لك بالرغم من أنني كتبت لك كثيراً ولم ترد ولا أعلم السبب ، لكن يبدو لي أنني سأكتب لك للمرة الأخيرة ليس لأنني تعتب من الكتابة إليك أو مللت انتظارك فالكتابة لك تزيدني توهجاً وبريقاً إذ تؤكد وجودي وأحلامي بعودتك وأعلم أنك ستفعلها يوماً ما
    و تجيء كرائحة الياسمين حينما تصطدم بقمة الجبل وتعود للبحيرة،التي هجرتها منذ رحيلك .
    لقد جهزت نفسي للحاق بك وامتلأت أملاً بالرحيل إليك بعد أن وعدني الأب "مارشيلو" بإيجاد فرصة لي في كلية مجمع الكنائس هناك ، لكن ها هو الحلم ينطوي كانطواء البحر في حكايات جدي ،العجوز إكوانق، وأحلامه هذه الأيام .
    اكويرا "أعلم أنك تكره هذا الاسم لكنني أجده مومسق في فمي ويعني لي شيء ما في لغتي".
    أتمنى لو كنت الآن معي أو بجانبي وأنا أتفجر حزناً بالرغم من سماعك لأصوات هذه الطبول والزغاريد تحف جوانب هذه الرسالة ، لكن عليك أن تعلم أنها ليست للفرح ، أنها لوداع إكوانق ، أجل العجوز إكوانق كما تناديه 00 كان من المفترض أن يرحل قبل أن أكتب إليك هذه الرسالة فالأسلاف ينتظرون ويقلقون البلدة بطوافهم الليلي وطبلهم النهاري،العجوز إكوانق تائهاً بينهم ومنجذب لا ينام ليلاً ولا يفارق الطبل نهاراً حازماً حوائجه وهدايا الأسلاف متحصناً بها ضد الموت المفاجئ أو الرحيل القسري أو البقاء بالقوة ، لكن كل ممتلكاتنا لم تشفع له عند عمك ود الأعرج لإعفاء ديونه وتحويلها باسمي ليتركه يرحل مرتاحاً .
    بالنسبة لي حتى هنا و الأمر عادي ويمكن علاجه عن طريق الكبار من أهلنا إلا أنه ـ ود الأعرج ، يضع زواجي منه شرطاً أساسي لمعادلة ديون العجوز والسماح له بالرحيل مرتاحاً ،
    هل تعلم ماذا يعني هذا ؟
    أن أصبح الزوجة رقم تسعة وثلاثون ونفس الرقم كطليقة له بعد أن يملني . لا أخفي عليك في البدء قد قبلته ، أو قبلت سعري فقط لترتاح روح جدي الممتلئة ذهاباً ، لكن حدث ما لا أقدر على وصفه لقد تدخل الخواجة "ليو" رافعاً سعري وقامعاً ود الأعرج و متنازلأ عن كل ديوننا وديون المحلين إن قبلت الزواج منه .

    من جانبي أنني متأكدة أنه لم ينتبه لي كفتاة فحتى حينما كان يحضر إلى الكنيسة ويجلس في المقدمة ونحن خلفه تماماً في كورس الترانيم ، إلا أنني أعتقد أنها روح المنافسة بينه وبين وكيله هي التي دفعتني لذهنه ، المهم أنني وافقت عليه طالما أن المسألة أصبحت تتعلق بالدفع ولا مجال للمفاضلة وأيضاً لقد دفعني لذلك عيون أهل البلدة المتوسلة إليّ للقبول وكذلك إيقاعات سيرهم حولي وحول جدتي نابوي التي أصابها الفزع من مصيري هذا ، في الختام أعلم أنني يوماً ما سأؤول لعزلة لكنني أرجو أن تتمعن ذكرياتنا جيداً علك تجد ما سيصلح تلك الأشياء التي ستفسدها الأيام القادمة لقد وافقت عليه وأتمنى أن لا استسلم له
    من رائحة الياسمين
    من زجاج البحيرة
    صنعنا صمتنا سوياً
    صنعنا حبنا سوياً
    ارتشفنا منه قليلاً
    لم نحترق لم نلتحم بالزند
    بزهور الليمون تسلقنا الغناء
    لم نسقط أو نعود فبلغنا الغيوم
    إلى اللقاء
    ايتوكا
    يوم رحيل إكوانق

    ما أن انتهت ايتوكا من ختام رسالتها بأغنيتها الشعبية المفضلة وإخفاء الخطاب داخل المظروف ثم ألحقته بكل ما تملك من أحاسيس جميلة احتفظت بها له ولم يسع لها ذلك الخطاب ـ فاجأها الناس بموعد رحيل إكوانق العجوز والأسلاف بعد أن أطلق ود الأعرج سراحه بتعليمات من الخواجة "ليو" .. أنتابها شيء من الخوف وقليل من الراحة ..ها هي الآن أمام العالم دون ذلك العجوز الذي أصبح فجأة لا يكترث لشيء سوى الرحيل .. بدأ الجميع في تدشين العجوز "إكوانق" وضمه لصدورهم بفرح وطبول لا ترى .. فقط تخرج ناثرة صرخات الأسلاف وفرحهم وحكاوي تناثرت في كل الاتجاهات حتى بلغت الجبل وكذلك البحيرة التي سارت للجبل مرات عديدة عبر رائحة الياسمين وعادت ، أثناء انشغال الأهالي بالحدث .

    بدأت الطبول في الابتعاد تدريجياً و إكوانق العجوز يتبعها بخفة شاب لم يبلغ العشرين من عمره بالرغم من ثقل ما يحمل من هدايا احتفظ بها ليوم كهذا كان يحسبه ولا يعلمه.

    علق الجميع بعد ذلك في حكايتهم بأن أرجله لم تلامس الأرض قط ـ فقط تختصر المسافات فوق حجارة الجبل و كأنها مرفوعة على أيدي الملائكة الذين حملوا يسوع المسيح كما يقول الكتاب المقدس الذي حفظوه عن ظهر قلب عندما ترجم إلى لغتهم المحلية ـ لم تلامس حجارة الجبل حتى بلغ القمة.. أعلن الطبل ذلك بنفس متصاعد .. شيء أشبه بالبدايات القديمة .. صمتت كل الطبول المرئية ..انفتحت النوافذ المواربة وتشققت كل القبور والصخور . قامت كل الأجساد الراقدة في مقابر المحليين ..دخلت الحارة .. حملت أشياءها ثم سبحت صوب القمة التي يقف عليها إكوانق العجوز تحلقت حوله ثم تلاشت تماماً 000
    لم ينتبه أحداً لذلك سوى بعض العجائز الذين كانوا هناك حتى نهاية الحدث فأضافوا لما رأوه ما أرادوا وكذلك حذفوا ما أرادوا إذا لا أحد يجروا على تكذيبهم كما لا يطالبون أحداً بأن يصدقهم .. بذلك خضعت حكاياتهم للتأليف والتأويل ، إلا أنها هي نهاية مراسم الرحيل التي قبل بدايتها انصرف عنها الجميع للحدث الثاني وانشغلوا به غير مصدقين أن زفاف ايتوكا سيتحول لحقيقة يرونها أمامهم .. اعتبروه شيء من ألاعيب الخواجة "ليو" التي كثيراً ما يمارسها معهم لتنقلب عليهم شيء آخر لكن المهم هو النهاية طالما أن ما سيحدث سيحدث لا محال .
    بدأت أيتوكأ ترى دموعها تتساقط من كل أجزاء جسدها ولا تعلم أهي على جدها أم لحظها الذي سيقذف بها تحت ذلك الكائن البرتغالي الذي لم تكن تتمنى أو تحلم حتى بالجلوس بجواره أو خدمته مقابل أجرٍ ،رغم أناقة عطره التي كثيراً ما اشتبكت مع رائحة الياسمين في طرقات البلدة .
    لم تتمكن ايتوكا من ضبط أحاسيسها تجاهه أو تسميتها .. شيء ما يحسها على الهروب واللحاق بتليه ،إلا أن خوف من المجهول يدفعها للقبول والتآلف مع الحدث كما هو .

    بدأ عمال الخواجة "ليو" ووكلائه في تركيب الزينات والأعلام وتجهيز الأماكن لمجموعات الموسيقية التي ستدخل المنطقة لأول مرة ، الفتيات اللائى جُلبن خصيصاً من المدن المجاورة خلف الحدود لتجهيز العروس أيتوكا في أزهى ثوب عرس رأته تلك المناطق القريبة والبعيدة القرب .. بدأن العمل بنشاط لا يقطعه سوى الموسيقى والرقص أثناء العمل أو إعلان وصول صديق من أصدقاء العريس وكبار المدعوين .
                  

02-23-2007, 06:23 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    أظهرت كل البلدة محاولات عديدة لولوج عالم الفرح والتخفيف عن ايتوكا فباءات كل المحاولات بما يشابه الفشل..الطبول أصبحت فارغة وخرساء بجانب تلك الموسيقى.
    ـ على الجميع اخذ أماكنهم في الساحة العامة كل شيء يخصكم معد هناك ولا أحد يقترب من مكان الاحتفال إلا بالدعوات المكتوبة فقط .

    هكذا تسلل صوت ود الأعرج جافاً من خلال مكبر الصوت فتلته أصوات تحمل نفس الدعوة والتحذير بلغات عالمية أخرى .

    ـ لا نريد خمرك لقد أعددنا ما يناسبنا من خمر وطبل حتى موسيقاكم لا تسرنا .

    بهذه الكلمات جاء مضمون كل الهتافات التي هتفت بها البلدة سراً فتصاعدت الأصوات عملياً تلوث جو الاحتفال وتقطع الطريق أمام انسياب الموسيقى بتمرد الطبول فتحول الحفل بذلك إلى اشتباك بين عمال "ليو" والموسيقيون والأهالي وكل في حالة دفاع عن نفسه .
    استمر العنف والضرب والتخريب الذي طال كل ما يمت للحفل بصلة ، تعالت صيحات النصر والصراخ لأكثر من لحظة مرور رائحة الياسمين إلى قمة الجبل وعودته .. توقف الصياح والصراخ على صوت البروجي معلناً وصول موكب العرس تتقدمه عربة الخواجة "ليو" وقد احتوت عليه و أيتوكا ، أيتوكا مبعث سرورهم وحزنهم .. توقفت العربة أمام منصة العرس الممتلئ حطاماً من الموسيقى وزجاج الخمر والأعلام الممزقة .. تقدم العريس "ليو" عن العربة ..خرجت مجموعة من أصوات الاستهجان .. تبعته أيتوكا في زي عرس بنفسجي مكتمل .. امتلأت الساحة تصفيقاً وصيحات إعجاب مترددة بين أن تتضامن مع حزنها، فرحها وبين عدم تصديقهم ، إلا أنها هي أيتوكا نفسها دون تزوير في ذلك .
    اندفع بعض الصبية والفتيات لقطع الطريق أمام شكوك الجميع وليتأكدوا من أنها هي نفسها ايتوكا .. سرت الرهبة في أجسادهم حينما اقتربوا منها .. تباطأت أقدامهم قليلاً في الخطو… توقفت تماماً .. تراجعوا متقهقرين تطاردهم شهقاتهم المعجبة .. ابتسمت أيتوكا رغم إحساس الغربة الذي تسلل لقلبها عن طريق فرجها ، قلبها الذي كاد أن يسقط بين ساقيها ويصيبها بالتغيوء .

    ـ أنها هي نفسها "هكذا صاحت فتاة كادت أن تقترب منها تماماً"
    اقترب ليو من ايتوكا .. أخرج يده من جيبه ..سحب ايتوكا إلى جانبه وتقدم بها للمنصة يشق الحطام .. لم يجد ما يصلح لجلوسه أو لايتوكا فقال بعناده المستفز، إن الوقوف أجمل ، اندفع ود الأعرج "معتذراً" يحمل كرسياً كان قد أنقذه من الحطام لنفسه و لهذا الظرف ..قام بمسحه جيداً
    ـ هنا يا سيد ليو

    هكذا طلب منه ود الأعرج ثم مد يده بمكبر الصوت ، رفض ليو الجلوس ثم ضحك ضحكة فارغة من أي شيء
    ـ أحبذ الوقوف بجانب عروسي
    قالها "ليو" ثم ألحقها بضحكةٍ أخرى فشلت ايتوكا في تفسيرها فأصابتها برغبة في الغثيان عن طريق أذنيها .. ارتفع صياح الأهالي حينما حاول ود الأعرج تهدئتهم وإسكاتهم رفع ليو مكبر الصوت صاح ، ضحك بشكل هستيري ، صاح
    ـ أنني سعيد
    "هكذا ابتدر حديثه بعد صمت طويل أتبعه بنظرات في وجوه يجيد طرق التعامل معها والنظر إليها حسب مزاجه"
    ـ شكراً
    "وهكذا اختتم حديثه"

    سحب ايتوكا من يدها ، تناول زجاجة خمر كانت قد سقطت ونجت من التحطيم ، أفرغها في الأرض ثم حطمها
    ـ ها أني أشارككم الفرح
    اتجه صوب العربة ساحباً ايتوكا صوب صدره بحركة آلية تشبه حركة السكارى في أفلام الكاوبوي ، تلك التي كانت تعرضها السينما المتجولة مع أفلام التوعية الصحية والإرشاد الزراعي لشركات الأمن الغذائي ، حاولت ايتوكا أن تستفرغ كل ما سمعته بإذنيها إلا إن تلك الصيحات التي هتفت بحياتها و وداعها جعلتها تعدل عن قرارها وأقراطها البنفسجية ..بصقت بيدها اليسرى على ليو والمجهول ثم بالت بعينها اليمنى ..تحركت العربة .

    ـ صرخت نابوي العجوز باسم ايتوكا ثم تهاوت على الأرض وهي لم تزل تناديها باسمها و اسم العجوز إكوانق كمن تراهم وهكذا سارت تحاورهم وتمزق ثيابها حتى رحلت عارية من أي شيء سوى مفتاح بيتها "استقبلت ايتوكا الخبر بعد أيام بعادية كما استقبله الأهالي".
                  

02-23-2007, 10:39 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    ****************************

    حينما صحوت وتأكدت من أنني ما زلت على قيد الحياة فقط أنام تحت سقف بيت من الزنك وليس في العراء كما كنت أحلم .. سحبت الغطاء حتى أطرد ضوء الصباح المتسلل من خلف ستائر الجوالات التي استحدثناها بدلاً عن النوافذ المفقودة 000 بدأت استجدي بعض النوم من تلك الظلمة التي نشبت حولي تحت الغطاء .. سمعت الأمطار القادمة من الجبل تنقر بهدوء على السقف 00 لم أجد "للي" أو انشغل بها إن كانت هنا أو هناك،لأنها حتماً ستكون قد ذهبت لأداء واجبها المنزلي كما حددته هي وألقته على عاتقها برضاءٍ تام ،رغم أننا أعطيناها الخيار في الذهاب إلى أي مكان تشاء بعد أن بدأت طائرات الحكومة تهدد المدينة بالقصف الجوي كلما منحته الغيوم، التي تتوسط بينه والأرض، الفرصة لذلك .

    ما أن انقلبت على جانبي الأيمن لأريح الجانب الأيسر حتى تذكرت واجبات تحقيق أُوكل إليّ وبعض من زملائي ـ مع بعض الذين ارتكبوا أخطاءً أثناء هجومنا على المدينة ـ من رفاقنا ـ قمت مصمماً على الانتهاء من هذا الواجب في هذا الصباح الماطر لأعود وارى للي كيف تبدو أثناء النهارات الغائمة إذ أنني حتى هذه اللحظة لم أراها إلا على ضوء نار الطهي أوالفانوس المحلي الصناعة .
    فعلت كل ما يجب على أي شخصٍ ،في ظرفنا هذا، فعله في أي صباح عادي بعد النزول من على ظهر النوم .. فعلت كل شيء بسرعة ولم أتوقف إلا أمام حذائي المهترئ كثيراًً والمرقع جداً وبالرغم من ذلك لم تطاوعني نفسي على تغيره أو تركه بالرغم من الفرص التي أتيحت لي لتغيره، كنت أتعمد التنازل لأشخاص أُخر ادعيتُ بأنهم أحق بحذاء جديد منى حتى لا أضطر لقذفه طالما أن المسألة لا تعني بالنسبة ليّ سوى وظيفة يؤديها بعيداً عن مفاهيم الأناقة وبيوت الأزياء ـ لم أتوقف إلا أمامه ثم قررت أنه يحتاج لرقعة في الحذاء الأيمن في الجزء الأسفل للكعب ، إذ أنه بهذه الطريقة سيكون فاتحاً لإيواء العقارب والثعابين ليلاً مما يضطرني للتأكد من عدم ذلك كل ما احتجت لولوجه .. دخلت فيه وخرجت بعد أن تناولت ربع لتر من خمرة الليلة الماضية لأقاوم بها البرودة ورطوبة هذا الصباح الماطر .

    أحسست بتأخيري مما زاد ضيقي وعجلتي ..قررت اختصار الطريق وتغييره بان أسلك طريق قديم ومهجور منذ زمن بعيد كما يبدو إذ استطالت بجانبه الحشائش حتى تجاوزت كتفي مما جعل ملابسي عرضه لارتشاف كل الندى الذي علق بها . تبللت ملابسي إلا أنني لم أكترث لذلك حتى أوفر بعض الدقائق للحاق بالزمن الذي حددته أنا لبداية عملنا اليومي00 تذكرت الليلة الماضية وفشلي في الكتابة لتليه ..قررت أن أكتب له حالما أعود خاصة بعد أن وجدت مادة للكتابة له حول أيتوكا.. تذكرت ذلك اليوم الذي جعله يوماً لوداعي وللحزن على فراق أحد الأشخاص الذين يحبهم بعد أن فقد ميمونة وادليو وآخرين ،قال لي يحاصر حزنه بين اللغة الإنجليزية والخمرة التي تناولها بكميات كبيرة فشاركته بالقليل حتى لا أضيع مواعيد رحيلي غداً :
    -"لم يكن في الطريق سوايّ ولمبات النيون التي تعلقت بأعمدتها وواجهات البيوت التي تدل على ثراء ساكنيها .. كان الصمت والبرد صدى لضحكات خارجة من تلك المنازل نازعتني بعض الهواجس التي زرعها فيّ موقف أهل والدتي .. أخرجت ورقة صغيرة كانت قد استقرت على محفظة صغيرة اعتنيت بها جيداً، أقصد الورقة، منذ أيام دراستي المتوسطة .. قارنت ما في الورقة باللوحة المستقرة على الباب .. مددت يدي قرعت الباب بطريقة متعثرة..خرجت النقرة مهموسة ، سمعت صوت نباح كلب في المنزل المجاور 00 تشجعت للمرة الثانية وطرقته فجاءت طرقتي مدوية ..أحسست بالصمت وقد لف كل البنايات المجاورة 00 مرت اللحظات ببط.. حاولت أن أتخيل ما سيحدث فبرز لي رأس صبي اعتقد أنه عانى الكثير في سحب المزلاج حتى يتسنى له فتح الباب .
    ـ منصور البدوي موجود؟

    تنفست بارتياح عندما أحسست بسلامة نطقي ومخارج حروف الاسم ، إذ لم تترك أي أثر سلبي على وجه الصبي وإلا سيسخروا مني كما كان يحدث من زملاء الدراسة حينما أحاول التحدث بالعربية فتثير سخرية من كانوا يتوددون لصديقتي ويعتقدون أنني العقبة في طريقهم، سخريتهم التي دائماً ما تذكرني بمحاولات أمي الفاشلة لجعلي أتحدثها كما تتحدثها وهي تعتقد أنها تجيدها فحرمتني من لغتها المحلية،لغتها التي أصبحت أتسولها من الصبية في الطرقات فكانوا يضحكون علىّ حينما أخلطها بالعربية حتى تعودت على ذلك ،على ضحكهم وضحك "ايتوكا" البري .
    "أجل تفضل" هكذا دعاني ذلك الطفل بطريقة تدل على إحساسه بأنه شخص كبير 000 ارتجفت خطاي حينما تجاوزت الباب .. واجهتني حديقة صغيرة معتنىً بها جيداً 0. أجلسني ذلك الصبي على كرسي اخذ موقعه في منتصف الحديقة بجانب كراسي أخريات تحيط بمنضدة مستديرة وناصعة البياض 00 انتابني الخوف مرة أخرى ، من أين أبدأ حديثي معه، أعلنت أنني سأعرف نفسي وسأدع ما يجري يجري 00
    ـ"أهلاً 00 أهلاً أتفضل"
    شد على يدي بحرارة دفعت داخلي دفء يثير الشجاعة.. جلس قبالتي ..ارتفعت بطنه المستديرة بنفس طريقة المنضدة فلامستها في منطقةٍ ما من محيطها مما أثار لدي الرغبة في إيجاد نقطة التماس بينهم حسابياً .. سحب كرسيه قليلاً للوراء حينما تضايق من ضغط المنضدة على بطنه في لحظة تنفسه بعمق
    ـ"أعتقد أننا لم نلتقي من قبل "
    ـ نعم هذا صحيح
    رددت على سؤاله بإنجليزية واضحة فارتسمت على وجهه دهشة جعلتني استدرك خطاء ما ..أعدت عليه الإجابة بتكسير لن يفوته حتماً بعد طريقة ردي الأولى تلك فزادت دهشته قليلاً مما دفعني لأن أتعجل قذف معلوماتي عني له مختصراً كل شيء يمكن أن يزيدني ارتباكاً ويمدد دهشته أكثر
    ـ أنا منصور معاوية ودي البدوي "تليه"
    تلاشت الدهشة من وجهه تماماً وتحولت لابتسامة ساخرة تخترقني كخنجر يقصد القتل دون تأخير وإعطاء أي فرصة لضحيته للتفكير في الحياة مرة أخرى .. تقدم علينا ذلك الصبي وهو يحمل كوب ليمون طفت داخله ثلاثة مكعبات من الثلج .. تضاعفت البرودة في جسدي بالرغم من إحساسي بأنني أنجزت ما جئت من أجله .
    ـ تفضل"
    هكذا دعاني الصبي بعد وضع ذاك الكوب أمامي تماماً .. كر الصبي عائداً فاستوقفه ذاك الكائن دون أن يلتفت له "دع عمتك تحضر مع والدتك"
    ـ تفضل
    لم استبن أنها لي لأتناول كوب الليمون أم للصبي ليواصل سيره .
    ـ "سمعت عن وجودك هنا كطالب من ود الأعرج وتوقعت زيارتك منذ مدة ، وحينما تأخرت اقتنعت بأن أمك قد أوضحت لك كل شيء"
    لفحني صوته المزدري بسياط أسمع عنها وعن آلامها إلا أنني الآن فقط جربتها
    ـ "فقط جئت لأرى وأعرف موقف والدي
    قلتها بحماس وأنفاس أحاول من خلالها وضع حد لهذا العبث
    ـ"يا أبني لا تنفعل فالدنيا كبيرة ومملوءة بأبناء غير شرعيين ولا يكترثون لذلك فهناك من لا يعرف حتى أمه دعك عن أبيه"
    أظلمت الدنيا في وجهي من جراء وقاحته التي يمارسها ببرودة مدرب عليها، على ما أعتقد ، لم أستبن من حديثه غير حديث متقطع يدخل لرأسي عن طريق أذني أحياناً وكثيراً من الأحيان كان كذباب يدخل عن طريق حلقي ، حديث عن جنون والدي واستقراره في أحد الأضرحة ـ خارج المدينة .. توالت الأسئلة على رأسي لتشتبك مع الإجابات مما جعلني غير مرتب البتة . دخلت امرأة مسنة إلا أنها من الشبه والقوة بما يضاهي هذا الجالس أمامي فتبعتها امرأة تصغرها سناً ألقتا التحية دون اهتمام وحرارة ، جعلني ذلك أرجح بأنهن كن يتابعن حواري معه من بعيد قبل أن يحضرن للتدخل فيه.
    ـ"لا أعلم شيء من كلامك هذا لكنني أعلم أنه قد تزوج بطريقة شرعية وبالرغم من معارضة أهلها" ،
    ـ "يا أبني أننا لا نتحدث عن الشرعية وعدمها لأنها يمكن أن تؤخذ بالقوة .. إلا أن البنوة والعمومة رضاء"
    أحسست بتلك المرأة تتململ في مكانها كفاقد الصبر على شيء ما
    ـ"أعلم أنني لم أحضر لأطالب بشيء ما أو حقوق سوى أنني"
    لم أكمل حديثي حتى رأيت الكوب الذي أمامي يزحف بعيداً عني ويعود لوجهي بقوة اعتقدت معها أنها صادرة منه لو لم أراه واقفاً وممسكاً بها وهي تطلق شتائمها جزافاً 00 ابتللت تماماً تذوقت طعم مالح من بين شفتي : امسكوها تابعتها تلك فقادتها وهي تقاوم لكي تبلغني كل شتائمها لي ولأمي وتحملنا سبب جنون أبي 00 تذكرت قبر أمي وهو يتوسط أشجار القشطة التي تحرسه 00 قادني للخارج بعد أن أحس بكل الأبواب المطلة على الطريق تنفتح لتلقي بنظرات فضولها على باب منزله ، التفت ورائي بانكسار 00 بصقت على الأرض حينما أغلق بابه ورائي دون أن يتبعني حتى بنظره 0
                  

02-23-2007, 03:20 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    تحسست جرحي الذي وضعت عليه ضمادة صغير أسفل أنفي مباشرة 00 بصقت على البلاط فجاءني صوت بصاقي مدوياً صمت الجميع .. دار حوار هامس بين زملائي فخرج المحاضر عن القاعة وهو شبه مستاء .. اقتربت صديقتي التي كثيراً ما عبرت عن وسامتي بطرق مختلفة وكذلك عن غرابة تعاملي معها بتلميحات لم تفوتني
    ـ"هل أنت مريض"
    هكذا سألتني
    ـ "كلا"
    اكتشفت البقعة التي أحدثها بصاقي فدستها بحذائي
    "لماذا ، لأنني جلست في المقعد الأمامي"
    ـ لاأنني أعلم أن الدكتورة طلبت منك ذلك لأنها معجبة بك
    " قالتها وهي تحاول الضحك
    ـ"آسف"
    حملت أوراقي مبدياً عدم استعدادي للخوض في أي حوار من أي نوع.. تقدمت لأخرج فأحسست بجرحها حينما رأيت أحد زميلاتها تنتظرها وتتوقع خروجها معي .. عدتُ وطبعت قبلة على جبينه دون أن تنتبه لأنني سأفعلها .. كادت أن تزغرد إذ أنني لأول مرة افعلها ولأول مرة أفعل شيء يدل على أنني إنسان عادي يتألم ويتضامن بعد أن تسربت لديها الشكوك حول إنسانيتي ، أطرقت متكئة على صدري ومبتسمة بحياء ثم اعتذرت لي عن مضايقتها لي بحديثها لي عن إعجاب الدكتورة بي الذي كثيراً ما كررته ، " أعلم أنها دعتك للجلوس في الأمام لأنك حينما تتحدث يكون صوتك منخفض 00 رفعت يديها وطوقت عنقي ثم ردت لي قبلتي بأجمل منها إلا أنني لا أتذكر طعمها 00

    حينما نزلت من البص لم أكن أعلم ماذا أفعل أو أقول له ، أو كيف سأتعرف عليه من بين الناس إن كانوا مجانين أو غير ذلك ، حتماً إلا بعد أن أسال منه.. الأرض مغطاة برمل أحمر علق كثيراً منه برأسي .. لذتُ بنفسي تحت أحد الأشجار لأحتمي من الشمس وأحدد وجهتي.. لم تنجح تلك الأشجار في أن تظلل حتى فروعها الأرضية لكي تقلل من الحرارة على الجذور ولتقلل من التبخر .. أخرجت منديلي ومسحت ما تعلق بعنقي ووجهي من عرق ورمل أحمر ، ابتعد البص كثيراً بعد أن خلفني وراءه ، ظهرت لي أكثر من قبة يحركها السراب أمامي ولا أحد في الطريق .. ذهبت صوبها بسرعة لا يعيقني إلا كيس صغير احتوى على ملابسي.. مرت بيّ بعض الإبل مسرعة في اتجاه قرض ما تبقى من خضرة على ظهر تلك الأشجار.. اتضحت لي معالم المكان ..ظهرت ثلاثة قباب تراصت مشكلة مثلث ،الساحة وسطها احتوت بداخلها على قبور متناثرة منها ما هو حديث ومنها ما هو قديم حتى الانطماس او ما بُني على ظهره تابوت أسمنتي وأُخر بتابوت من القماش الأبيض اللون والأخضر أحياناً ، أيضاً كانت هناك وخارج المثلث ثلاثة أحواض حديدية بشكل "المراكب" اعتلتها مواسير للمياه 00 اقتربت أكثر فنفحتني رائحة البخور وصمت القبور وعدم ظهور أي شخص في هذا النهار الغائط.. اتجهت صوب بيوت صغيرة من الطين وأخرى من الطوب تعانقت تضايق نفسها رغم قلتها واتساع المكان 00 سمعتُ صوت صياح وسياط تُقّطع الهدوء الذي لف المكان بعناية أو تخليت ذلك بعد أن سمعت طريقة علاج الجنون في هذه الأضرحة .

    استقبلت صدمتي الثانية والثالثة بتشكيك في كلام ذلك الشيخ العجوز ولم اصمت عن مجاهرتي بتلك الشكوك كما لم يحتاج هو لمجاهرتي تلك إذ قرأها مسبقاً على وجهي ، المهم شككت في ذلك رغم الصدق الذي يحوم حول وجهه
    ـ "لكن البارحة فقط كانوا يتحدثون معي عنه" ،
    ـ "يا أبني لم يزره أحداً منذ أن أحضروه قبل ستة عشرة عاماً وإن كنت تريد ما ترك يمكنك أن تأخذه الآن"
    ـأعطوني كل ما ترك ، لقد كانت مجموعة من الملابس الممزقة وكثيراً من الأوراق والكراسات التي علمتُ مؤخراً ومنك أنها أشعاراً جميلة ولا يمكن أن تكون من إبداع مجنون بعد أن ذكرت لك ذلك دون أن أفصح عن صلتي به .. المهم بلعت ذلك الخبر وعدتُ لألحق بالبص الذي يعود مساءاً .. لم أقدر على تحديد إحساسي تجاهه إلا أنني شعرت بأنه على صورته كما رسمتها لي والدتي بحب ولم تتهشم .. لكنني بدأت أحس بعدم الانتماء أو الحوجة للبحث عن أشخاص أنتمي إليهم داخل هذه المدينة الشاسعة الفراغ ... وجدت ادليو خال ايتوكا التي فقدتها تماماً وأفقدني فقدها أي رغبة في العودة لتلك المدينة وأدغالها خاصة بعد أن بلغني ما جرى لها .. التقيت به مصادفة وبعد فترة طويلة من ذلك اليوم ، كان يؤدي عمله في حديقة سفارة أحد الدول التي نويت أن أبني معها علاقة عن طريق مراكزهم الثقافية تمهيداً للسفر بعد أن أنهي دراستي أو حتى قبل ذلك .. عرفته وقدمت له نفسي .. احتضنني وبكي بحرقة لم أراها من قبل .. قادني لمكان سكنه هنا في هذا القاع أجل القاع ـ كما تسميه يا صديقي ـ قدمني لأسرته ولكل من في هذا الحي .. لقد كان محبوباً ومحترماً 00 انتزعتني منه في تلك الليلة ميمونة أكثر داعرات هذا القاع جمالاً أُعجبت بي وبعد ذاك تركت الدعارة من أجلي أنا الطالب الذي لم أكن أملك سوى نفسي ، لكنها بالرغم من ذلك احتضنتني بحب لم ينتهي فكان لديها شيء جديد لي كل يوم وفي كل ليلة وانتماء حقيقي لم أحلم به ، حتى جاء ذلك اليوم الذي خرجت فيه من وسط المدينة منقبض لا أعلم إلى أين إلا أن إقدامي قد حددت وجهتي صوب هذا القاع أخذت الطريق مستغلا بص لم يسلم من صراخ ألم الزحام فيه سوايّ .. تحصنت خلف انقباضي ذلك وصمتي ، نزلت من البص الأخير هنا ولم ينزل معي أحد متجهاً لهذا القاع ليؤانسني فيما تبقى لي من مشوار على الأقدام .. ازداد انقباضي ..تسارعت ضربات قلبي.. صعدت التل وبنظرة واحدة أمامي لأسفل حددت سبب انقباضي ووجودي في الطريق وحدي .. كان رجال البوليس والجيش معاً وأدوات سمعنا عنها كثيراً لإزالة هذا القاع من على ظهر الوجود .. جرى كل شيء أمامي وبسرعة لا أستطيع عكسها لك الآن إلا أنها أدهشتني لدرجة أنني وقفت متفرجاً لفترة ليست قصيرة بالنسبة لما جرى من أحداث في تلك اللحظة ..رأيت ادليو وهو يصارع تلك الآلة الضخمة للهدم حتى أجبر سائقها على الفرار فهاجم الثانية ففر سائقها أمام إصرار ادليو على إجباره لإيقافها بالعنف .. توقفت كل الآلات فاسحة المجال للكاسحات البشرية .. في البدء اشتد الصراع فمات ادليو وآخرين .. اقتيدت ميمونة مع رفيقات لها كن قد هاجمن قائدهم في غفلةٍ منه وأشبعنه طعناً وضرباً إلا أنه لم يمت بل ساعده ذلك على إخراج تقرير طبي يحميه من الذهاب لمناطق العمليات الحربية، لم تعد ميمونة حتى بعد أن أعادوا رفيقاتها اللائى خرجن من السجن غير طبيعيات ولا يعرفن حتى أسماءهن دعك عن ميمونة .. زاد ذلك من تشبثي بهذا القاع وكذلك إصراري على أن يبقى ويتسع حتى يخنق هذه المدينة ويقلبُ "عاليها واطيها" .
                  

02-23-2007, 03:43 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    حينما عدتُ كان الوقت على عكس ما توقعت وقررت عند خروجي في الصباح ، لقد كان الظلام يختال جنباً إلى جنب ـ في الطرقات ـ مع رائحة أنفاس أشجار المانجو المنتشرة ، أشجار الليمون تهئ نفسها لنفس هذا الواجب الليلي بثقل وتأني ا 00 لم تزل السحب الماطرة تجتذب البخار الرطب من حولنا صوب السماء حول تلك القمة من الجبل حيث يصطدم ويعود أمطاراً هادئة الخطوات لا تتبين مقدمها إلا في جسدك مباشرة أو من نقرها على أسقُف الزنك ونزا زها من ستائر الجوالات 00

    عانقني صوت "للي" واعتقد أنه قبلني مرات عديدة أثناء حوارها مع رفيقي الصغير 00 ألقيت تحية المساء بهمهمة تعبة لم استبنها أنا نفسي الذي أطلقتها إلا أن الرد جاء من رفيقي الصغير منطلقاً كالسهم يدعوني للدخول من المطر ألحقته "للي" بصمت لم أتوقعه إلا أنني تخيلته أيضاً قبلةٍ فقط ضاعت في الظلام ، كانت للي مشغولة في إعداد العشاء وصديقي على سريره تحت الأغطية يستمع لحديثها بعينيه البريئتين البارزتين فقط من تحت غطاءه مع أصابع يده اليمنى التي تقبض بالغطاء حول وجهه فأحسستُ بأنه خارج من الحمام لتوه ، واصلت حكيها لرفيقي بعد أن استقبلتني بنظرة مالت كثيراً عن الحياد تجاه عاطفة ما ، استأذنتهم في الذهاب لمكاني وتغيير ملابسي وللاسترخاء من تعب نهار طويل التحقيقات .

    تسلل إليّ صوتها وهي ترد على أسئلته بجدية ودون ملل أو ضيق من إصراره على معرفة الأشياء التي تستعصي عليه أثناء الحكى مما يجعل سردها مقطعاً ودافعاً للملل حتى للحاكي 00 تسرب لدي إحساس بأنها سوف لن ترضى الحياة بعيداً عنا بعد هذا التآلف معي ،مع هوريا،معنا ، لقد بدأت تعمق حبها لنا سوياً بغض النظر عن هويتنا والواننا ولغتنا إذ كنا ثلاثتنا لا نلتقي إلا في لغة عربية مهجنة بلغات أخرى كثيرة مما جعلها صعبة حتى على الذين يتحدثون اللغة العربية ..كانت "للي" أكثرنا إجادةً لها ، فكان تحدثها بها أشبه بالغناء مما يجعلنا دائماً في محاولة انجذاب لحديثها وتقليد طريقتها في الحديث بها وكذلك هناك اللغة الإنجليزية التي أتحدثها بتعقيد وصعوبة وتتحدثها "للي" بسهولة وكأنها هي التي أبدعتها فكانت تتوهج حينما تتحدث بأي منهما ،مما جعلنا نعتقد بأنها تتوهج هكذا حتى لو تحدثت بلغة الطرشان دعك عن لغات أخرى محلية وإقليمية امتلكتها بطيب خاطر وغرض التواصل 00

    صمتت "للي" قليلاً لتفعل شيئاً ما، كما تخيلت أنا في تلك الغرفة الممتلئة برائحتها وأثر مجهودها النهاري لتكون أكثر أريحية بالليل .... دخلت في متاهات سردها فجرجتني خلفها مذهولاً .

    "لم يدرك الصبية أهمية الطقس ـ المغطى بهالة من القدسية ـ الذي يحيط برحيل إكوانق العجوز فقط انجذبوا نحو هذا الجو الاحتفالي الذي تتخلله مجموعة من الاجتماعات السرية بين الكبار من الأهالي وود الأعرج الوكيل التجاري للخواجة ليو في هذه المدينة والمناطق المجاورة ، لم تكن المفاوضات ستسفر عن شيء إلا بعد أن تدخلت ايتوكا كطرف ثالث تنوب عن نفسها وعن إكوانق العجوز المنجذب صوب القمة المكبل على الأرض بدفاتر ود الأعرج وشتائمه .

    توردت المناسبة ومالت الأشجار تغني أيتوكا بعد أن أعلنت موافقتها علناً أمام تجمعات البلدة على قبولها الزواج مقابل إطلاق سراح جدها ، تغير الطبل والإيقاع ، ساد الغناء الفراييحي الجو مرة أخرى ، أسرع الرقص يسعى بين الناس بشكل هستيري ومتصاعد ، حتى ود الأعرج لم تسعه الأرض وساحة الرقص رغم اختلال توازنه وشكله أثناء تعابيره الجسدية عن فرحته بصفقته الجديدة ، أعلن على الملأ وفي نفس اللحظة طلاقه المتوقع من "لالام" التي غابت في تلك الأثناء داخل رقصها مع الأسلاف ، فناداها وبشرها بما كانت تحلم منذ أن تزوجها قبل سبعة أشهر فصارت طليقته رقم ثمانية وثلاثون ، زغردت بعد ، أن أمرها بإخلاء بيته وتسليمه لعماله حتى يجهزونه لقادمة جديدة .

    تخيلتُ ـ وعينايّ مسدلتين الجفون ـ ود الأعرج يستغفر الله لممارسته أبغض الحلال"
    كادت الأمور تسير كما خطط لها ود الأعرج لولا تدخل الخواجة "ليو" ورفع سعرها وزجر وكيله في خلوة من الملأ
    ـ لن أدفع أكثر من إعفائكم جميعاً من ديون هذا العام والأعوام التي مضت وسيفتح لكم ود الأعرج منذ اليوم دفاتر جديدة "هكذا جاء نص إعلانه مكتوباً قرأه أمام الجميع في تلك الحلقة الممتلئة رقصاً وطبول 00 كانت أيتوكا ساهمة في اللاشيء سوى هذا الوضع الذي وجدها وحيدة وعارية حتي من تضامن جدتها نابوي التي انهارت داخل الطبل ولم تكترث إلا بعد لحظات من هذا الإعلان فأصبحت من المبشرين بالرحيل في أي زمن بعد إكوانق العجوز إن لم يكن قبله .

    تعلقت قلوب كل البلدة بلسان ايتوكا ، سرى الهمس بين الجموع حتى بلغ حنجرتها متسللاً من أذنها اليمنى .
    لا فرق بين ود الأعرج الخواجة

    هكذا بدأت المفاضلة ثم تطورت حتى بلغت أفضلية الخواجة على وكيله إذ أنه سيدفع أكثر وسيكون أفضل السيئين .

    بدخول الخواجة ليو طرفاً في عملية إخلاء سبيل العجوز إكوانق وصل الصبية إلى قمة مللهم ..انصرفوا إلى لهاث وراء حكايات تتناثر من طبول وأفواه لا ترى ..أشبعوها بعثرة وتنقيباً ..شدتهم بعد أن تناولها تلك الجموع بآذانها ولفظتها من ثقب في جسدها .. ابتكر الصبية تعامل آخر .. تحسسوها جيداً وقربوها من أنوفهم فوجدوا منها حكاوي برائحة البرتقال والبلح وأُخريات برائحة المانجو البحري ..حكايات أرق من أكف أمهاتهم حينما تمر على خدودهم .

    تمادى الصبية في انتقاء الحكاوي وشمها ثم تبادلوها مندهشين ،إنجذبوا وراءها حتى قادتهم للبحيرة عبر طريق فوح الياسمين الذي ابتكرته ايتوكا أيام حبها لتليه ، اكتشف الصبية إمتلأ الجو والطرقات وكل المنطقة بهذه الحكايات المنثورة هنا وهناك .. أغلقت الطرقات ..حاصرت كل المنطقة بجبالها وغاباتها ..غطت حتى البحيرة مما أثار حيرتهم حينما ـ بلغوها يلهثون من الركض والظمأ ـ في من أين يشربوا شرعوا دون اتفاق بينهم في نزع تلك الحكايات عن البحيرة وإخفاءها تحت جذور الأشجار وثنايا الغابة .
    ما أن نجحوا في إزالة جزء مما وقعت أنوفهم وأيديهم عليه حتى انفجرت مياه البحيرة مشكلة نافورة من تحت تلك الفجوة التي أبدعوها في تلك الحكايات التي غطت البحيرة بتشابك وتناغم عظيمين .

    انفرط عقد قلوب الصبية 00 فروا إلا لتلنقوي .. اصطدمت قدمه بإحدى الحكاوي القوية و الراسخة في القدم فانزلق على شاطئ البحيرة ..أعجزه الخوف عن المحاولة مرة أخرى وكذلك صديقته "ناكنغ" التي أرهبها الحدث فأحنت رأسها كمن يؤدي صلاةً بخشوع حقيقي 00 استمرت المياه في التنافر لأكثر من لحظة ابتسام ايتوكا في وجه ناكنغ حينما أخبرتها بهذه الحكاية ، انقشعت تلك المياه عن فتاة لم يروا مثلها قط من قبل ، إلا أنهم سمعوا عن مثلها في حكايات جداتهم وأحلام العجائز وكذلك في هذه الحكايات التي أخفوها في ثنايا الغابة وجذور الأشجار ، رأوا فيها معظم تفاصيل السرد مجسدة أمامهم وتفوح منها رائحة الياسمين "البُحيري" 00

    لم يظهر منها سوى الجزء الأعلى من جسدها الناعم .. تدثر أسفل جسدها بالحكايات التي تغطي مياه البحيرة 00 عطست لأكثر من مرة ، رفعت ناكنغ رأسها 00 عدل لتلنقوي عن وضعه مرتجفاً فأصبح في وضع الجالس بعد أن فشل في الوقوف ..رشته تلك الفتاة بماءٍ استلفته من السحب العابرة رأسها لقمة الجبل مباشرةً فهدأ تماماً 00 تحدثت إليهم بصوت أشبه بكركعة الخمر في كوب الأب في الكنيسة يوم الأحد أوالمناسبات الدينية العظيمة

    ـ هل كان بينهم حينما وزعوا هذه الحكاوي
    ـ من؟ سألها "لتلنقوي"
    ـ أوتنق
    ـ لا نعرفه ، أو أننا لم نراهم "هكذا رد لتلنقوي بصوت من يصلي"
    ـ أنا أعرفهم بطعم ، أصواتهم ورائحة ظلالهم "هكذا هتفت ناكنغ بصوت مستأنس كمن اكتشف شيء عظيم فجاءه"

    "صوته بطعم الموز ظله برائحة الليمون ، تركني منذ زمن ليس بالقريب ، خرج يبحث في الأفق عن البحر البعيد وعدني بالعودة إذا أمن لذلك السبيل ، ضاقت بنا البحيرة ولم أستطع وضع الصبية وسط هذا الوضع السائر نحو الضيق أكثر 000

    بدأت أذن لتلنقوي في الاسترخاء لصوتها ولحديثها المتحول صوب الغناء تدريجياً في طبقات صوت مختلفة تتنقل بينها بحزن عميق .

    "قبل أن يغادر البحر كنا سوياً ،
    احتوانا الحب في الأعماق السحيقة منازلهم صدفية
    وأصلهم غير بحري ،
    أواهم جدي البحري حينما استجاروا به ممن طاردهم ، كانوا قلة ما فتئوا أن ازدادوا عدداً فازداد البحر صخباً وهدوءاً ،
    شيدوا حدائق من الموسيقى والطبول التي لم نكن نعرفها 00 بهرتنا براعتهم في كل شيء قسموا السنة لمواسم وجعلوا للموسيقى والرقص والعبادة موسماً ،
    جذبونا من كل صوب في البحر
    كنا من ماءٍ تجمد وأريج
    كانوا من طين ورحيل تحجر ،
    إذا خرجوا للصيد حرس جدي وأهلي نساءهم وصبيتهم"

    حملت بعض من السحب القادمة من صوب الجبل قربتها لأنفها ، سحبت نفساً عميقاً فتسلل ما يشبه البخار لجسدها الزجاجي ، اقترب لتلنقوي أكثر لمشاهدة ذلك الماء وهو يتشعب في جسدها ويخرج بأذنيها وهي تحكي".
    حتى صادف ذلك اليوم الذي خرجوا فيه للصيد.. انقسموا مجموعتين الأولى اتجهت غرباً والثانية شرقاً ..غابوا لأكثر من زمن مرور عاصفة المسك بديارهم .. عادت المجموعة الأولى التي اتجهت شرقاً بحيوان غريب يحبونه كلهم ويتفاءلون بأكله جميعاً أرسلوا إشارات عبر الطبول للمجموعة الغائبة وشرعوا في إعداد صيدهم ..ما أن فرغوا حتى ساورهم قلق الانتظار ودبيب شهوة ذلك الحيوان ينخر ويوسوس بداخلهم ، طرقوا طبولهم ثم ألحقوها بنفخ في البوق مرة أخرى ، أرسلوا فوج من الأسماك في إثرهم ثم شرعوا في تناول ما عادوا به ، أرسلوا لجدي شيء منه وحينما انتهوا من ذلك ساروا للرقص والغناء مما دفعهم للقضاء على كل ما تركوه طوعاً للمجموعة الأخرى .

    أذكره جيداً أوتنق ،
    لقد كان يلهو بشعري وزندي الزجاجي
    تمددت بجانب خده
    نمت على صوت الغناء وهو يبتعد تدريجياً فاسحاً المجال لنومنا
    00 نمنا 00
    لم نصحو إلا على صوت حراب المجموعة الغائبة وهي تنهال على المنازل الصدفية للمجموعة التي عادت أولاً والنساء يولولن ، نشبت المعركة بينهم قاسمين أنفسهم لفريقين 00 خاف أوتنق ،
    ركضنا لجدي وأخبرناه بما حدث
    ، ضحك بغضب بنفسجي ،
    خرج وأمرني بأن لا أتبعه ،
    حاول أوتنق الخروج وراءه ،
    إلا أنني جذبته من كتفه حتى لا يذهب معه ،
    بقى أوتنق معي فقاص في عيوني عميقاً حتى تسرب نبضه الناري لقلبي فنمنا نتبادل الأحلام ،
    يحرس ابتسامتي وأحرسُ أنفاسه .
    صحوتُ على صوت جد أوتنق يخطب فيهم بغضب والجميع منكسي الرؤوس صحونا حينما صاح فيهم فجاءه .
    ـ من أين الحروب والخصومات بينكم أليست من ذاتكم المحاربة المتوارثة في أعضاءكم تشتهون ولا تملكون ، تصدون ولستم تقدرون أن تنالوا .
    المجموعة البادئة تخرج الآن بنسائها وصبيتها من البحر وتبقى بجانب الجبل دياراً ومحطة لعودتنا حين يحين الرحيل ومن هو حكيم بينكم يرعى شئونكم بحكمة البحر هدوءه وهياجه 00 وتذكروا أن لا تقعوا إلى البحر إلا في موسم المواسم لتتجددوا من الوهن ولننثر عليكم بركات من ياسمين شيخ البحر حتى ندرأ عنكم الموت على أن تتركوا كل ما أتيتم به من هدايا للبحر وتعودوا بعد انتهاء الموسم مباشرة .

    لملمت تلك الفئة نسائها وصبيتها وكل ما يعينهم على الجبل وصخوره وكذلك جمعوا كل أسفهم ورحلوا للخارج يلفظهم البحر صوب الجبل ، 00 صرنا و أوتنق نكبر منجذبين صوب أنفسنا ..لم نكن نرى تلك المجموعة إلا في موسم المواسم 00 لم تكن أمي سعيدة بذلك ولا أبي إلا أنني كنت من نصيب جدي وهو حر فيما يريد لي ، 00 مرت مواسم عديدة للياسمين والمسك وعادت كلها تحت مواعيد الليمون والمانجو البحري 00 صار أوتنق حراً يخرج للجبل ويعود ليحدثني عنه وعن كل شيء غير بحري 00 تعلق قلبي بتلك الحكايات وذلك العالم ، إلا أنهم و أوتنق لم يكونوا يملكوا عن حياة البر ليعطونا مثلما ملكنا من حياة البحر وأعطيناهم أصبح الشوق يتملكني كلما خرج أوتنق لتلك الجبال سراً وعاد.

    هكذا كنا حتى فاجأنا الجبليون على غير ما اعتدنا.. جاءوا إلينا في غير موعدهم مذعورين من انهمار الجبل ، أتونا بأخبار مثيرة فهمت منها القليل وشدتني استقبلهم جدي وجد أوتنق بعد أن رأوا حالتهم أشبه بالرحيل المضني فاختلت المواسم وكذلك البحر .. خرج أوتنق وعاد بأخبار عن الجبل وانشطاراته تجاه البحر ألححت عليه بالذهاب معه مرة أخرى فاستجاب أمام إصراري ، انسحبنا من وسط الجبليون للسطح فوجدنا جزء كبير قد استقر داخل البحر ، حاولت الصعود فيه سقطت ..حملني أوتنق إلى أعلى قمة فيه فصار البحر تحتي مباشرة وبعيداً عليّ .. لسطح مائة حرارة وكذلك فوقي من أشعة شمس لم يحدث فيها انكسار ..حلمي حولي يتحقق ، لم انتعش كما توقعت من حكايات أوتنق التي يشدني بها كلما خرج وعاد .,
    سمعنا أنفاس فتاة جبلية غير غريبة علينا وهي تقاوم ضحكات شخص غير مألوف لدينا أو لدى أوتنق ، استأذنني أوتنق وركض في ذلك الاتجاه 00 صاح البحر 00 اختلجت أمواجه فلفظ الجبلين بعيداً وسط صياحهم وذعر أوتنق الذي لم يكد يبلغ ما ذهب إليه حتى عاد راكضاً وسط صيحاتي المذعورة ، إلا أنه كان قد تأخر 00 أصابني القلق والدوار البري ، بدأت الرمال تتجه صوب الأعماق وكذلك الحجارة .. الشواطئ أخذت في الانكماش .. أوتنق خلفها يلهث ولم يبلغ سوى الجفاف الذي لفني ورحيل البحر وهذه البحيرة التي صارت تضيق بنا كلما انقبضت أسارير الجبل لحضور أي غريب أو غير مرغوب فيه ـ كما كان يقول اوتنق كلما اقترب منه الإحساس بالذنب لما أنا فيه الآن ، حتى جاء ذلك اليوم 0000

    علي "كل الأهالي المحلين أخذوا أماكنهم في الساحة العامة 000 كم 000 سبق 000 يقترب
    .. تسللت أصوات مكبر الصوت من مكان الاحتفال وبلغت البحيرة بشكل متقطع ، كانت متعة السرد والحدث قد خدرت إحساس ناكنغ وجعلتها محايدة تماماً تجاه ما يجري أمامها فأخذ شكلها صمت البراءة بينما راح لتلنقوي ،يبحث في جسده عن مكامن يخرج منها تضامنه معها ، انسحبت ناكنع تجاه العودة راكضة .. انزوي لتلنقوي وهو يتابع بأذنه صيحات غضب وموسيقى وطبول وأصوات تحطم زجاجٍ وعينيه معلقتين بالبحيرة التي تلاشت فيها فجأة 000 شلت الدهشة والحزن لسان حركة لتلنقوي ..جلس وظهره مسند لجذع شجرة مانجو، فشاهد عبير الليمون يندفع من صوب الجبل ، سمع صراخ فوح الياسمين الذي تجزأ لصرخات صغيرة رأي صوت خروجها عن البحيرة دون جسدها.
                  

02-23-2007, 06:29 PM

Inaam Saad
<aInaam Saad
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    قل!
    قل يا بقة
    فا"الشوق يهزمه اللقاء"
    "وأنا تهزمني" عودة "ذلك الشاعر"

    كتابة جميلة حميمة المعالم
    واصل!

                  

02-23-2007, 07:55 PM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Buga
    I can see clearly now, a remarkable story has taken place... please keep writing and we will never be bored of this fascinated story
    Regards
    Fatah
    Hey, would you please send me your phone number on my email
    [email protected]
                  

02-24-2007, 06:18 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdelfatah Saeed Arman)

    شكراً يا فتاح و حاواصل هسع رائك مهم يدفع بنفس الحكي لقدام
    تسلم يا رجل
                  

02-24-2007, 06:24 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    إنعام أف شكر و حاواصل ورأئك دايماً مهم ومفيد للمسيرة والسرد

    تسلمي وحاولت أتصل عليك مليون مرة ومافي زول بيرفع
    تاني حاحاول


    بقه

    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 02-24-2007, 07:12 AM)
    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 02-24-2007, 07:16 AM)

                  

02-24-2007, 07:08 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    رأيت صمت "للي" يحوم حولي فأحسستُ وكأنني غفوتُ لزمن طويل ففاتني كل الجزء الأخير من حكي وسرد "للي" لصديقي 00

    ـ لقد نام وتركني أحكي "قالت للي"
    برز وجهها من وسط الضوء الخافت في الغرفة التي تأوينا ليلاً سوياً 000 وضعت أشياءها المعتادة على النافذة التي صرنا نستخدمها كمنضدة تُنسينا فقر أثاث بيتنا الحديث التكوين القديم البناء 00كل ما نملكه من أثاث أو كل هذا البيت جاء كارتجال من الصغير هوريا فالسريرين اللذين أحضرهما كانا بمجازفة جبارة كما يصفها هو ، فكان الكبير منهما لي "وللي" أما الصغير فقد أخذه هو لسهولة حركته وإمكانية تحويله لكرسي مما جعلنا نعتقد بأنه كان يعود بملكيته لأحد قادة هذه الحامية العسكرية ـ ً نجحت أنا في إحضار موقد فحم وآخر يعمل بالكيروسين لكننا أرغمناه على العمل بالديزل المتوفر لدينا 00 كما أننا نملك أشياء أخرى نهبها صديقي بمساعدة أسيرته "للي" في نفس يوم دخولنا لهذه المدينة كما حكت "للي" في ذلك اليوم الذي جمعنا على ظهر هذا السرير،

    "بعد أن توقف قصفكم ، شعرنا بدخول قواتكم وانسحاب الجيش الحكومي من هذه الحامية عرفنا أنكم ستتدفقون في كل أنحاء المدينة بعد قليل ، خفنا مما كان يذاع عنكم من عدم الرحمة وأشياء أخرى التي لا تمت للبشر بأي صلة ، خرجنا من ملاجئنا الطبيعية التي اتخذناها طيلة أيام قصفكم تحت ذلك الجبل اتجه الجزء الأكبر من الناس إلى أعلى الجبل والقليل جداً منا صوب الكنيسة لنحتمي بالأب 00 ركضنا 00 انقطع حذائي تأخرت فلم أنجح في الوصول إلى الكنيسة قبل دخولكم قبضني هوريا "أنني مدنية وزوجة مدني" ، هكذا صحت وأنا أرتعد من الخوف 00 ضحك هوريا وهددني بسلاحه"

    "ضحكت للي ببراءة وهي تحكي وتبحث عن مفردات أفضل للتعبير عن تلك اللحظات ، وضعت يديها بين فخذيها وكأنها تمسك شيئاً سيتدفق ، ثم واصلت"

    خفتُ حتى أنني تبللت وجرت المياه من بين أقدامي بالرغم من أنها لم تكن ماطرة في تلك اللحظة 00 ضحك رفيقك الصغير علىّ 00 أمرني بأن اتبعه 00 تبعته دون أن أعي أو اسأله إلى أين ، لم أرد أن أغضبه جاء بي إلى الحامية فاتجهنا إلى منازل الضباط التي أعرفها جيداً 00 بدأ يجمع كل ما رآه أمامه ، جهاز التسجيل ذاك 00 ملابس وأشياء أخرى لم يتعب في جمعها ، يبدو أن أحد رفاقكم جمعها وذهب ليأتي بمن يساعده على رفعها 00 أمرني صديقك الصغير دون تفكير أو سؤال عن صاحبها "ارفعي هذه الأشياء" رفعتها وتبعته من الخلف 00 وجدنا هذه الدراجة التي معه الآن مشحونة بأشياء عديدة 00 كسر القفل أمامي وسحبها وهو يطلق صفارته التي اعتاد على إطلاقها كلما انبسطت أساريره لشيء ما ، قادها وكأنه كان على موعد معها 00 لم يسأل أحد عنها حتى الآن بالرغم من أنني متأكدة من أن لابد أن أحد رفاقكم هو الذي وضع على ظهرها هذه الأشياء وجهزها ليرحل بها ، المهم تبعته داخل الحامية فدخلناها منزل ،منزل، حتى أحضرني إلى هذا البيت القصي في هذا الجزء النائي من ثكنات الجنود قال لي "وهنا لا أحد يجرو على أن يأتي ويأخذك مني فهنا سيكون بيتنا" .
    وضعت كل ما أحمل على الأرض ثم بدأت بتأمله بحيرةٍ شديدة وخوف لم يقطعه إلا هو بصياحه ولماذا تجلسين هكذا هيا ، أريد بيت مرتب" هكذا أمرني وقفز إلى الدراجة بعد أن أفرغها من كل ما بها ثم صاح بي من بعيد وفي هذه اللحظة فقط أحسست بأنه ما زال صغيراً "سأكون زوجك هل تسمعين جيداً"
    ـ"أجل"
    هكذا ردت عليه بعد أن تأكدت بأنني حية ولن يقتلني 00 شرعت في إعداد المكان على أنني سأقيم معه على الأقل إلى أن يتفضل علىّ بإطلاق سراحي 00 عاد بهذه الأسرة واحداً بعد الأخر وهو يتلفت كالمطارد فاستنتجت أنه قام بنهبها بنفس طريقته ، 00 ساعدني في وضع هذه الجوالات على النوافذ المخلعة بفعل الجنود أيام الحصار

    ـ للي كان عليه أن لا ينام "هكذا دمرتُ صمت طويل كان قد امتد بيننا في محاولة مني لجذب نفس عميق من لفافة تبغ بلدي غمرته الرطوبة فوطأته بحذائي بعد أن مللت تسلل دخانها لرئتيّ
    ـ لماذا ؟ سألتني "للي"
    ـ اليوم دور مجموعته في حراسة الأسرى
    لم أكد أكمل حديثي حتى سمعت صوته العملي جداً يتخلل الليل بأغنية تساعده في إعداد ما تيسر له من فراش للنوم وكأنه أراد أن يخبرني ـ بتلك الأغنية ـ أنه ما زال صاحياً ويعرف واجبه
    ـ أني ذاهب
    ـ حسناً
    ـ أليس لديك تبغ ؟ "هكذا سألني هوريا"
    ـ أجل لكن يبدو أن الرطوبة أفسدته
    ـ دعني أجرب
    ـ خذ "هكذا دعوته"
    تجاوز الباب بنشاط جندي قديم متمرس ويده تقبض على فراشه الذي لفه بعناية
    ـ التدخين ضار بالصحة "قلت له مذكراً له بعمره الصغير جداً على التدخين رغم محاولاته لإضافة سنوات تدعم عمره الذي يصغر تجربته كثيراً"
    ـ والحرب كذلك "هكذا رد عليّ بابتسامة وعمق .. لف أمامي لفافة تبغ ببراعة فائقة أشعلها من الفانوس الخافت ثم خرج يطارد أنفاس سيجارته التي عملت دون جهد أو تعب منه أو لم تكرر معه ما فعلته بي ..ضحك بطرب المنتصر .

    ـ عليك أن تلفها برفق فالقوة لا تجدي أحياناً
    "هكذا قال بصوت عالي من خارج الغرفة بعد أن أحس بدهشتي" أحسست بتجربته التي تفوق تجربتي داخل هذه الغابات ، تمرد منذ أن كان عمره خمسة سنوات .. جاء مع والدته وعمه أخ والده .. والده أعدم في مدينتهم عند البداية الأولى لتحرك الثوار صوب الغابة ـ كما ستحكي لي أمه لاحقاً بعد أن نزورها سوياً مع هوريا بعد أربعة أعوام من الآن ـ تجربته هذه وسط المتمردين أكسبته الكثير .. قال لي حينما سألته عن كل هذه الأشياء التي نهبها وكيف سيحملها إذا جاءنا أي أمر بالتحرك على الأقدام كما يحدث دائماً ، قال لي
    ـ " وإن لم أحملها هل سيقتلونني"
    ـ أعتقد أن لك قميصاً يحتاج لرتق "قالتها "للي" وهي تعد خيطاً لتدخله في الإبرة" لماذا لا تلبس الملابس المستعملة ، لقد جمع هوريا الكثير منها ؟
    ـ أنني ألبسها لكن ليس الآن ، لأنني لا أريد ألبس شيئاً يمكن أن يكون صاحبه في الأسر فيراه على جسدي .. ثم لا أريد أن أرتق قميص دعك عن هذا الآن ..
    ـ لماذا ؟
    ـ لأنني أريد أن أراك جيداً حتى لا تضعين مني إذا أنهمر النهار غداً ووجدني معك . " سحبت الخيط من يدها وكذلك الإبرة التي أدخلتها في لفة الخيط وقذفتها إلى النافذة"
    جلست للي على الأرض ، تمددت على السرير ثم أدخلت يديّ بين فخذيّ داخل ملابسي الداخلية أبحث عن الدفء واستجدي حضورها بجانبي ، رفعت للي قارورة خمرتها الصغيرة تجاه ضوء الفانوس المستقر على النافذة الأخرى ، تأملت كمية خمرتها ودرجة نقائها .. وقفت "للي" وكأنها تبحث عن شيء ، انقلبتُ على بطني وأنا أتابع تحركاتها وبحثها .. انحنت تواصل بحثها بالنظر تحت سريرنا ..وقفت مرة أخرى بمساعدة السرير فسمعت طقطقة ركبتها ، ارتمت بثقلها الخفيف على ظهري ..سرت كهرباء ردفيها في كل أنحاء جسدي .. تمددت على ظهري وقدميها في الأرض .. لامس نهدها الأيسر كتفي الأيمن .. سحبتُ قطعة القماش التي كانت تلفها حول جسدها فصارت عارية تماماً أخرجت الكوب الزجاجي من بين الجدار والسرير وهي تقاوم شهقة تسلل الهواء البارد لما بين فخذيها ـ انتزعت مني قطعة القماش تلك ،
    ـ هل تنامون عراة في الغابة أيضاً ؟
    ـ لما لا ؟
    ـ ماذا لو اشتبكتم فجاءة تركض صوب سلاحك أم ملابسك؟
    ـ سلاحي طبعاً ، فإذا مت فلا فرق بين من مات عارياً ومن مات لابساً ، وإذا طردنا العدو نعود ونلبس وإذا انتصروا علينا وفررنا أمامهم فليس لدينا ما نخفيه عن حيوانات الغابة

    أخذت "للي" الكوب بعد أن شكته بالماء جيداً ثم دلقته لخارج الغرفة من الباب ، بدأت تجففه بتحريكه في الهواء بعد أن فشلت في إيجاد ما يمكن أن يقوم بهذه الوظيفة .
    ـ غداً سنذهب إلى المدينة ،هل تأتي معنا؟
    ـ وماذا هناك ؟
    رددت سؤالها بسؤال مني"
    ـ لقد بدأ الناس في العودة من الجبل ، ألا تريد أن ترى المدينة وهي تستعيد هدوئها؟ أنا متأكدة من أنها ستعجبك ، خاصة وحينما دخلتموها كانت الجثث ما زالت متناثرة على الطرقات والحرائق مشتعلة هنا وهناك ، المهم ستكون مختلفة كما يمكننا أن نزور منزل الخواجة ليو الذي كانت تقيم فيه ايتوكا ..
    ـ هل كانت جميلة مثلك؟
    ـ من؟ ايتوكا؟ أنني الآن خائفة من أنك لو رأيتني في النهار وعدلت نظرات عينيك قليلاً ستغير رأيك وتتركني .
    ـ هذا ما لن يحدث يا "للي" لأن المتمردين لا يروا النساء بأعينهم فقط

    بدأت "للي" تسرد وتحكي عن أيتوكا وكأنها كانت تنتظر مني أن أسالها ذلك السؤال حتى تنفتح شهيتها لذلك السرد عنها ،كأنها ماثلة أمامها ، سارت الخمر تسري في جسدي وصوت "للي" يذهب صوب الغناء أحياناً والحكي في أحيانٍ أخر

    حينما فتحت عيني على أصوات أجراس الكنيسة المموسقة كانت خيوط الصباح الغائم تأخذ طريقها للداخل عبر ستائر الجوالات التي تحاول حجبها عن الدخول بغرض ظل يوهم بصمود الظلام .. فعلاً لقد ضبطني الصباح و"للي بجانبي متحررين من أي شيء .. أغمضت عيني لأري كيف وصلت للحظة النوم البارحة ، ما هي الأفعال التي مررت بها حتى بلغت مرحلة النوم على الأقل؟
    ملابسي وملابس "للي" بين الأرض والنوافذ .. جهاز التسجيل الذي نهبه صديقي، كيف جاء للغرفة؟ وما زال يعمل "تك ، تك ، تك" بعد أن انتهي الكاسيت دون أن ننتبه لذلك .
    أغمضت عيني بقوة أكثر بعد أن فشلت في تذكر ما حدث أمس ..

    "لقد بدأنا بالحكي عن ايتوكا ،
    ثم غنت "للي" أغنيات شعبية عن البحيرة وأساطير كانت ترددها ايتوكا والأهالي ..
    أعجبتني الأغنيات ألححت عليها مواصلة الغناء ،
    غنت لي بعض من ترانيم الكنيسة الجميلة ،
    أطلقت فيّ رغبة للاستماع للغناء ،
    اشتعلت في "للي" طاقة للرقص ،
    أحضرنا المسجل ،
    رقصنا و"للي" عراة في ذلك الظلام الغير شديد أو في ذلك الضوء الخافت جداً ،
    رقصت كما لم ترقص من قبل ، ..
    لكن كيف انتهي الرقص؟ لا أعلم فقط أتمنى أن لا أكون قد قسوت عليها" كما أفعل أحياناً بعد أن أسكر بهذ الطريقة "
    فتحت عيني وتفرست "للي" لعل وجهها يساعد ذاكرتي على إيجاد ما انتهت عليه ليلة البارحة .. مازالت تغمض عينيها وكل جسدها في استرخاء تام وكأنها تملك كل هذه الدنيا ..مناخات وجهها محايدة تماماً ومملوءة براءة .. طبعت قبلة على جبينها حتى أساعدها على النهوض برفق ورقة اكتسبناها من طريقة تعاملها معنا ..

    ملأنا الصباح حركة لا أظن أن هذا البيت قد شهدها من قبل فهاهي "للي" تطارد هوريا الصغير من أجل أن تجبره على تغيير ملابسه العسكرية بأخرى مدنية ، قمت أنا بترتيب الغرفة بعد أن أخذتُ داخلها حمام بماء قامت بتدفئته "للي"بأنفاسها على ما أعتقد .. أخيراً قد نجحت "للي" مع رفيقي الصغير وسط ضحكات منهما الاثنين وعرق خفيف على جبين كل منهما .
    ـ ها ألن نخرج ؟ "قالتها للي وهي تسحب الدراجة" هيا "خرجت خلفها بعد أن علقت سلاحي على ظهري وكذلك فعل هوريا" هل ستدخلون المدينة بأسلحتكم مرة أخرى؟
    ـ كلا فقط نريد أن نسلمها في المخزن بجانب بوابة الحامية
    ـ البيت غير مأمون
    "هكذا رد عليها صديقي هوريا"

    حينما بلغنا البداية كانت السماء قد قررت أن تنفحنا ببعض الأمطار الشبه خفيفة .. "سلمنا أسلحتنا لحارس البوابة بعد أن سجلنا أرقامها .. قمتُ وهوريا بإقناع رفيقنا القائم بحراسة المخزن بأن يسلفنا مظلة كان قد علقها في كشك البوابة .. رفض في البدء
    عمركم كله تحت الأمطار وفي الغابات وتريدون مظلة الآن
    ـ نريدها لهذه السيدة الجميلة يا"أنطوني"
                  

02-24-2007, 09:02 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    يبدو أن قذائفنا التي كانت تنطلق بشكل عشوائي أحياناً لم تؤثر كثيراً على هذا الجزء من المدينة .. كل شيء جميل في مكانه ، البيوت التي استخدمت كمساكن ومكاتب للشركات ما زالت صامدة ولم تفقد شيء سوى زجاج بعضها الذي تهشم بفعل الشظايا .. أيضاً هنالك كسور في فروع أشجار المانجو وسقوط بعض أشجار الباباي التي لم تقوى على مقاومة القذائف المنفلتة .. أشجار الكشطة هي القاسم المشترك بين كل هذه البيوت والطرقات .. الأعشاب طالت بإهمال وكأنها تريد أن تدلك على هجرة سكان هذه الديار أو فرارهم منذ زمن طويل وتاركين كل شيء لكلاب أصبحت ضالة أو لبعض البوابين الذين اتخذوها مساكن لهم بعد احتراق منازلهم في حارة المحلين

    ـ هنا كانت تقيم ايتوكا مع ليو "قالتها وهي تستند بيدها على كتفي حتى لا تسقط عن الدراجة التي تفضح شيئاً من عدم طولها مثلي وبعد أن هبطنا أنا وهوريا على الأرض وبقيت هي جالسة على الدراجة" تقدم هوريا لباب المنزل الضخم

    ـ لا أظن أن هنالك أحداً يا للي؟ هكذا صاح هوريا فجاء صدى صوته من الداخل خير رد" الباب مفتوح ..
    ـ لابد وأن الخوارج قد سبقونا إلي هنا
    هكذا قالها هوريا
    تجاوزنا باب الحديقة وسرنا مسافة وسط صمتنا المسبوق بحنين وانجذاب لشيء ما ، حينما أصبحنا أمام الباب الداخلي لم نقف كثيراً أو نستأذن أحد .. ضربناه ثلاثتنا بعنف وفي وقت واحد دون اتفاق مسبق ، انفتح ، ليس لأنه ليس قوي بل لأنه تعود على الانفتاح بهذه الطريقة كما يبدو من أثر الضربات التي حتماً تعود للخوارج كما قال هوريا ، آثار الطلقات على الزجاج واضحة لدرجة يمكن معها معرفة نوع الطلقة وكذلك على الجدار ، اصطدمنا بقاعة طويلة وخالية ألا من منضدة طويلة من النيكل والزجاج الصلب في وسطها وبعض كراسي الجلوس الممزقة و المبعثرة هنا وهناك ..استنتجنا أنها كانت تستخدم للضيوف وللاجتماعات .. انتهت القاعة لباب يقود للجزء الآخر من البيت ولسلم يقود للجزء الأعلى الذي كانت تقطنه ايتوكا وللي .. بعض الصور استقرت على الجدار بجانب السلم .. تقدمت "للي"
    ـ إنها ايتوكا يوم زواجها من ليو وهذه ايتوكا وللي وود الأعرج ، هذا ليو "هكذا شرعت "للي" تقدم لي الصور وتشرح وكأنها صاحبة هذا المتحف فأرتني صوراً عديدة لليو الشاب الرياضي ، الملكة وزوجها ، ليو في ملابس رياضية ويتسلم كأساً من الملكة والصورة الأخيرة ليو والملكة وزوجها في ملابس تزحلق على الجليد"
    انقضت الصور فواجهتنا وبعد عدة درجات على السلم الصاعد لأعلى كميات كبيرة من الأوراق مبعثرة ، كشوفات وأوراق حسابية ، خطابات وكلها باللغة الإنجليزية

    "في البدء ، لم أصدق أن يموت ليو كما يموت الناس أو على الأقل بهذه البساطة على سريري وبجانبي متشبثاً بنهديّ لقد كنت أعتقد أنها نوبة من نوبات شهواته التي تنتابه بعد فترات طويلة فيقبل علىّ فيها بعنف لا يستهوني أبداً ، حينما أفقت من دهشتي وأيقنت من أنني أمام حالة موت غريبة حاولت استجماع صرخة ما من جسدي وأركان روحي ، فشلتُ لثلاثة مرات متتالية وأنا واقفة فعدتُ .. حاولت وأنا ممدة بجانبه نجحت ، فخرجت صرختي ، لكنها لم تدم طويلاً أمام تمدد جسد ليو الذي ملأ كل فراغات جسدي والغرفة فأُغمي علىّ ولم أفيق إلا على صوت ود الأعرج يعطي الأوامر لعمال منزلي والمشرفين علىّ بشكل أخافني وجعلني .."

    جزء من رسالة ممزقة من ايتوكا لجهة ما طمسها التمزق أن لم تكن لتليه نفسه ، حاولت البحث عن أجزائها الأخرى لكن لا جدوى وسط هذا الكم من الرسائل وكشوفات أسماء العاملين والموظفين وكذلك الأوراق التي امتلأت أرقاماً وحسابات.



    أخذت أصوات الجموع في ساحة العرس تبتعد عن أذن ايتوكا بابتعاد العربة التي تقلها وليو حتى تلاشت تماماً ، وحينما تجاوزت العربة المدخل المؤدي إلى الكنيسة خرج الأب من منزله كمن كان على موعد معها فحرك حبال الأجراس بيده اليسرى فأرسلت أصواتها في كل الاتجاهات لتعلن حلول لحظة قداس ما .. ابتعد الأب من تحت برج الأجراس ودلف لداخل الكنيسة ، توقفت العربة فأعلنت ايتوكا فشلها في اختراق المجهول بأحلام جديدة رغم محاولات ليو العديدة التي ينثرها عليها حتى لا تحس معه بأي نوع من أنواع الغربة ، فيلحقها بضحكات كانت تحفها الخمرة من كل جانب مختلطة بعطره النفاذ الذي أعلن انتصاره على فوح الياسمين بعد اشتباكات عديدة في ساحة العرس وقبلها.
                  

02-24-2007, 09:11 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    لاذت ايتوكا إلى الاستسلام لنصيحة الفتيات اللائي جُلبن خصيصاً من المدن المجاورة لتجهيزها " .. فلا تحزني فإننا جميعاً جزء من أحلام غيرنا فدعي ما يحدث ليحث ، فالمهم أننا نحيا"، ابتسمت ايتوكا نصف ابتسامة توجهت نحو السخرية أو ما شاكلها .. خرج ليو من عربته مسرعاً
    ـ تفضلي سيدتي "قالها متقمصاً الانحناء بحياء في إحدى محاولاته للولوج إليها بصدق بعد أن فشل في أن تحاوره كعروس وعريس عاديين أو كأي شخص غير ذلك الخواجة الذي يخرج عليهم بألاعيب ذات عواقب فوق قدراتهم ، ابتسمت ايتوكا ثم انحنت انحناءة تعلمتها من فتيات تجهيزها
                  

02-26-2007, 06:42 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    لم يكن الأب مارشيلو مصدقاً لما سيحدث إلا أنه لو حدث سيكون غير مستغرباً من ليو وأن لم يحدث سيكون فأيضاً غير ذي غرابة .. مضى بحركته البطيئة التي اكتسبها من طول تقمصه لشخصيات أصحاب الفضيلة كما قرأ عنها وكما درسها منذ أيام شبابه ، مضى يشق الجمع البسيط من المشاركين من أصدقاء ومدوعين ليو ، فيوزع عليهم التحايا بالهمس مرات وبالابتسام أحياناً ، أضاء بعض الشموع على جانبي المذبح انحنى أمام المسيح متمتماً بعض الصلوات ،ثم ألتفت عليهم ، وقفت ايتوكا بجانب ليو .. لم تصدق ايتوكا كما لم تنبهر لما يجري أمامها فسمعت أصوات عديدة تحوم حولها ولم تستبن منها سوى الصوت الخارج من الصدى ليجب على أسئلة الأب وليردد صلواته وراءه.. باركهم الأب .. قبلها ليو ثم انقض عليها ووضعها على كتفه ، انزاحت ملابسها كاشفة عريها حتى أعلى فخذيها اللذين تلطخا بلون فستان عرسها البنفسجي ، سال لعاب من أعلى الصليب الذي خلف المزبح ، اندهش الأب فانتصبت قامته ..عض ود الأعرج على شفتيه في منزله وهو يؤدي صلاة المغرب .. تحركت العربة "

    "هذا ما قاله لي أحد العمال السابقين مع ليو مدعماً كلام سائقه"
    دخلت العربة البيت وسط ضحكات ليو ومحاولات ايتوكا للاستجابة ، فتح العمال أبواب العربة لهما مباركين ، أحست ايتوكا بقصر الجبل وتلاشيه حينما انحنت لها خادمة ليو الهندية فجذبها ليو للداخل بعجلة .

    أحس ليو بنظراتها تلتهمه فترك ايتوكا وهرول للداخل ثم خر ساجداً أمام صورتها التي استقرت على الجدار .. دلفت ايتوكا خلفه فتعرفت على صورتها التي لطالما رأتها في الصحف والمجلات القديمة التي كانت تقوم باستلافها من الراهبات .. اقتربت ايتوكا أكثر فتوقفت خلف ليو تماماً .. تأكدت من أنها هي نفس الملكة جالسة على كرسي كبير وبجانبها يقف زوجها بشواربه الضخمة وجسدها الفارع ..
    ***********************
    ولم أفعلها إلا بعد أن ملأني الخوف من أنك لم تعودي في حوجة لي "هكذا همس ليو للصورة وهو مطرق تماماً .. هربت ايتوكا للداخل .. هبطت عن إطار صورتها تلك ثم أشارت له بيدها ليتبعها وكذلك فعل زوجها .. وضعت ما استقر على رأسها جانباً وتحركت في الغرفة شبه عارية تماماً ، انخفضت الإضاءة قليلاً ، اندفعت صوب ليو بنهم بينما جلس زوجها يرقبهما بجوع يخلو من الشهية"
    ـ ألم أحذرك ؟
    هكذا رددتها بصوت متقطع يصعد ويهبط وسط ردود ليو التي كانت تخرج بنفس الإيقاع .. أطبقت أياديها عليه بقوة .. وقف زوجها منتصباً وهو يحس ليو على المزيد بشكل هيستيري

    ـ أنني لم أتحرك
    "قالها زوجها وهو ينزع شواربه عن وجهه بغضب .. دفن ليو رأسه بنشوة يطاردها الخوف في جسدها .. ضحكت بنشوة ثم ضحكت ضحكة جافة ، فقطع ضحكتها بطلقة مكتومة وأنين .. اهتز القصر "لقد انتحر" صاح ليو .. عدلت من هيئتها بعد أن وضع على جسدها كامل ملابسها الملكية
    ـ كنت أعلم أنه سيفعلها يوماً ما في أي لحظة مثل هذه "
    رفع ليو رأسه للصورة
    ـ أنتي التي دفعتيني لذلك ، لقد كنت لاعب كراكيت محبوب ،أجوب الطرقات مع من أحب وأقابل من أريد ، حتى إلتقطيني في ذلك اليوم ، أحسست بأنني حينها ـ كالنبي يوسف ، أعلنتِ لي عن حبك ومتابعتك لي ، فعلناها بجنون حيواني بعد نقاش طويل ، في ذلك اليوم لم أحس بشيء لقد كنتُ في النشوة وأعلاها .. كررناها فشعرت بنظرات تخترق ظهري من ثقب الباب .. طمأنتيني حينما حدثتك عنها .. صارت النظرة أكبر من كتلة على ظهري .. اعتدت عليها فعرفتيني بها .. صار يشاركنا المكان يراقبنا ويوجهنا أحياناً ،حينها أحسست بدوري كآلة .. حاولتُ الرفض بعد أن مللت ذلك هددتموني .. حددتم علاقاتي وحاصرتم مكان إقامتي .. بعد فعلته تلك تنفست بارتياح متخوف .. أعلنتِ لي أنني لك وحدك ثم أمرتِ بإبعادي سراً حتى لا أكون مصدر شكوك وبعيداً عن الصحف والمغامرين لكشف أعراض الملكة .. حضرت إلى هنا بعد أن ودعتني بدموع سخية ـ أذكرها جيداً ـ وعدتني بأن لا تنسيني وستطلبين حالما استقام كل شيء ، حتى هنا طالبوني بأن أكون في هذا المكان القصي وبعيداً عن أي صلة بك ، علمتُ لحظتها أنك دفنتني مع زوجك في ذلك اليوم ، المهم لم أصحو من وهمك إلا على صوت ود الأعرج يعلن زواجه التاسع والثلاثون داخل جنتي ، داهمتني الغيرة فنافسته عليها ، تنازل لي دون أي محاولة منه للتشبث بها ، سأنساك منذ اليوم"

    هكذا كان يتحدث أمام تلك الصور كلما سكر واجبر ايتوكا على السكر بجانبه حتى ، يدخل بها إلى عالم لا يتذكرانه ، أو يتذكران منه شيء بعد الخروج منه .. فشلت كل محاولاته في أن يفعلها لأكثر من مرة لوحده ، لكنه في الختام نجح في ذلك بعد أن أشرك ود الأعرج في ذلك دون حياءٍ من عماله أو حتى خادمته الهندية التي اعتادت أفعاله هذه منذ أن كانت صديقته يصطاد لها من يريد من عماله .

    صار ود الأعرج هو الأعلى أسهماً والأقرب إلى ايتوكا في كل أعمالها حتى نجح في الانفراد بكل ما تركه ليو بعد موته فلم يبقى لها سوى هذا البيت الذي اتضح بعد موتها أنه مرهون لود الأعرج مقابل أن يحافظ لها على مظهرها الذي اعتادت عليه أمام المحلين ورجالات الجيش الذين صارت تصطفيهم في مجالسها من حين لآخر.





    لم نوافق ـ أنا وهوريا ـ "للي" في أن نركب الدراجة مرة أخرى بعد أن خرجنا متجهين لوسط المدينة الذي احتوى سوقها ..الفنادق الصغيرة تناثرت على جانبي الطريق إلى الجبل .. فنادق صغيرة منها ما هو بأبواب حديدية ـ التي صارت ناجية من التخليع ـ ومنها ما هو بدون أبواب أو كان بأبواب خشبية تم خلعها فصارت كلها مهجورة لا تستقبل سوى الظلام ليلاً ، والضوء نهاراً إن كان هنالك نهار ..
    ـ لقد كانت ايتوكا تفضل هذا الفندق "قالتها للي وهي تحاول دفعنا لداخله" حتى بعد أن صارت لا تملك شيئاً كانت تأتي إليه لتقضي فيه لياليها مع أصدقائها من ضباط الجيش وغيرهم من المغامرين بالتقرب لها.. لم تكن تفضل السهر في بيتها ذاك ، هنا أقامت مؤتمرات عديدة لتسويق أفكار وأسهم شركاتها التي كان يقترحها عليها ليو

    أحسست بشيء من الحزن حينما دخلنا الفندق الذي فقد أبوابه وأثاثاته الخشبية إلا أنني ما زلت محتفظاً بإحساس الألفة مع الأماكن المهجورة التي تجذبني إليها وأفضل أن لا ينتزعني منها أي شيء .. رائحة الرطوبة تلفُ كل شيء خطوط كنتورية رسمتها الماء في محاولتها لتسلق الجدار بعد أن تسللت للداخل عبر الأبواب والنوافذ .. قلبي يضرب بعنف فجاءة ثم يهدأ لزمن طويل أنسى معه ضرباته العنيفة السابقة .. فعلاً لقد كانت أجمل من أن أقدر على وضفها .

    تجاوزنا حجرة الاستقبال .. انعطفنا يميناً نتبع هوريا الذي فلت منا للداخل فتركنا في قاعة طويلة يبدو أنها كانت تستخدم كمطعم وقاعة مؤتمرات واحتفالات عند الضرورة .

    صوت "للي" يخرج منها ويبلغني مختلطاً بالصدى المتضامن مع صدمات ايتوكا التي تلقتها بعد زواجها من ذلك الخواجة "ليو" سارت "للي" تحكي لتخفف من دهشتي لتلك العلاقة التي نشبت واستمرت بين ايتوكا وليو حتى موته .

    في البدء كنت أعتقد أنه يحبني بالرغم من أن هناك من هن أجمل مني لكن فورة جسدي وإعجابي بنفسي جعلت هذا الاعتقاد يرسخ أكثر .. تركتُ المدرسة وعملتُ معه كمصففة شعر في أكبر فنادقه التي يمتلكها .. لقد قبلني مرتين دون أن يسكرني ،كما كان يفعل معي دائماً ،فصرتُ معه أسكر حتى لا أعي في الصباح ما حدث لي ليلاً ، قررتُ أن لا أسكر وأخبرته بذلك لكنه كان يسخر من ذلك ثم يأتي ويصر على أن أشاركه الشرب أغرقني بالمال والهدايا لم أسكر لكنني افتعلت ذلك ، حملني على كتفه ، لقد كنت واعية لم أكن أشك في أي شيء فقط لا أريد أن أسكر كما لا أريد أن أغضبه ، تركني كما ولدتني أمي على السرير ، ناداه باسمه ، قفز إلى السرير ، خِفتُ في البدء أن يعضيني لكن يبدو أنه دربه على هذا ، لقد كان منظر بشع بالنسبة لي .. استسلمت له خائفة ، لكن ماذا يعني هذا ؟آ لهذا يأتي بي كل يوم فاقدة الوعي ؟ افرغت كل ما في بطني وبدأت احتقر نفسي ، كدت أن أثور عليه ، لكن ماذا سأفعل بدونه هو الذي نجح في أن يفصلني عن أسرتي وكل الذين حولي ، تعودت على كل شيء أراده لي المهم واصلتُ معه بكل شره ومرضه هذا حتى حضرت إلى هنا يوم زفاف ايتوكا لتجهيزها فقررت أن لا أعود ..

    تحول صوت "للي" إلى حوار حزين مع صدى صوتها وهذا المكان ، لم اندهش لحكايتها تلك بقدر دهشتي لطريقة سردها لها ..

    ـ "رش الجسم بماء البحيرة هذه من أسفله إلى أعلاه يقلل من الدهون ويحسن من شكله وملمسه كما يساهم في تنشيط الدورة الدموية ويخفض من حجم الزوائد" فخبيرنا المحلي لتلنقوي الحائز على ثقة أطباء عالميين وخبراء التجميل ينصح باستخدامه والتركيز على المناطق اللحمية كالساقين والردفين على أن لا تزيد الكمية المستخدمة عما يصفه لك خبيرك الخاص الذي يحدد الكمية المطلوبة حسب حجم الزوائد .

    هكذا كانت ايتوكا تروج لمشروعها السياحي في المؤتمرات بالتركيز على البحيرة والطبيعة في منطقتها وهكذا افتتحت ندوتها عن التجميل وأدواته وإمكانية المنطقة الزاخرة بكل ما هو طبيعي للتجميل داعية الشركات للاستثمار بجانبها .

    ـ في البدء وقبل كل شيء هل تعرفون هذا "رفعت ايتوكا كيساً مملوء بفوح الياسمين " طبعاً لا لأن معظمكم لم يمر بسوق البلدة الشعبي أو لم يصل بعد لبحيرة الياسمين هذا أيها السادة الكرام "صمتت ثم ابتسمت في وجه أحد خبراء التجميل قام بتوجيه كاميرته الحساسة جداً صوبها .. طق كررر"هذا أيها السادة عبوة تقليدية لفوح الياسمين الصافي والطبيعي ابتكرها لتنلقوي مالك أسرار البحيرة قام بتحضيره عن البحيرة فوجد رواجاً وسط الأطباء والخبراء الذين ينصحون باستخدامه لتجديد الحيوية بعد النهوض من النوم مباشرة ومفيد لأشياء كثيرة
    "صمتت ايتوكا وهي تقلب وجوه الحضور في القاعة التي امتلأت بعبارات ممنوع التدخين" ماذا لو طورنا هذه العبوة ، أي جعلناها مواكبة للأناقة والذوق العام بدلاً عن هذا الكيس الذي لا يعبر عن ما بداخله تعبير حقيقي يدفع المستهلك لاغتنائه إلا إذا قام البائع بالإصرار والإسهاب في شرح مزاياه للمشترين .. لقد طرحنا مسابقة لتصميم الشكل الأنسب بعد أن حملنا إعلان طرحنا بكل ما يساعد المصممين على إيجاد الشكل الأنسب .. وقد فاز هذا التصميم "أخرجت ايتوكا فتيلاً من يد وصفيتها الهندية التي كانت تقف بينها وبين ليو .. اهتزت الجدران لتلك الصفقة التي انفجرت فجاءة في القاعة " سوف نطرح الأسهم منذ الآن أمام كل الذين يودون المشاركة في هذا المشروع .

    ما أن انتهت ايتوكا من حديثها حتى تدافع الحضور لاغتناء الأسهم بواسطة وكلاءهم ومساعديهم .. نهضت ايتوكا مبتسمة تدعي طرد الإرهاق والتعب الذي تجاهد في أن تدعيه أمام الخبراء فباءت محاولاتها بشيء من النجاح لم ينطلي على ود الأعرج وليو اللذان لم ينسيا تاريخها في مزارع التبغ .. نزلت ايتوكا من أعلى المنصة داعية الخبراء والمشاركين إلى جولة حول مدينتها والبحيرة .

    ما أن وطئت قدما ايتوكا الأرض حتى تجمع حولها الصبية والعجائز من الأهالي يعلوهم الإرهاق والدهشة للضيوف الذين بصحبتها .. تجمع المحلين يحملون أكياس الياسمين الطبيعي فتعالت أصواتهم تنافس بعضها وتتصارع على هؤلاء المشترين الذين سرتهم هذه المنافسة مما أثار حفيظة ود الأعرج و أيتوكا معاً ، انسحبت ايتوكا للوراء .. خرج ود الأعرج وعاد بعد زمن بسيط يجرجر مجموعة من رجال الشرطة والجيش .. أعلن قائد الشرطة فشله قبل أن يبدأ ..قام الأعرج بسحبه جانباً ثم أطلقه .. عاد فتغئ ذلك القائد تعليمات بصوت جهور اندفع رجاله بوحشية على الأهالي والصبية .. أخرج الضيوف كاميرا تهم الصادقة الإحساس وأعلنوا إعجابهم بهذا المشهد التمثيلي ، ثار الأهالي على الشرطة والشرطة على الصبية ، انسحبت عربات الضيوف خلف ايتوكا بعد أن سجل الصراع موت عجوز وإصابة بعض الصبية بجروح بالغة وأخرى طفيفة .

    اندفعت العربات صوب البحيرة تسبقها الكاميرات التي حرصت على تسجيل كل ما هو جميل أو كل ما يصلح للمشاهدة وإثبات أنهم كانوا هنا .. توقفت عربة أيتوكا ، هبطت بعد أن غيرت ملابسها بأزياء رياضية أبرزت كل مفاتنها التي أثارت ود الأعرج وضيوفها .. ابتسم ليو لنظرات الإعجاب التي سارت تتحول لأصوات غزل هامسة ..
    ـ لتنلقوي "صاحت ايتوكا" جلست على مقعدها السياحي" إنه أطرش لا يسمع لقد كان يسمع ويتحدث إلا أنه فجاءة صار أطرش "نهضت ايتوكا ثم جمعت الضيوف شارحة للمكان أجوائه الأسطورية التي تجذب كل من له حس طبيعي ، كما عبرت ايتوكا .. ظهر لتنلقوي بجسده القوي العاري من أعلاه .. انشغلت يده بحربة صغيرة بينما عملت الثاني على حك رأسه الذي علاه الشيب بالرغم من عمره الصغير جداً .. راحت أعينه تبحث فيهم عن شيء لم يحدده .. أشارت اليه أيتوكا معرفة الضيوف به .

    "لتنلقوي خبير البحيرة ومالك أسرارها وأسرار تجميع فوح الياسمين فقط أطرش ..
    ما أن خلصت ايتوكا من تقديمه حتى اندفعت إحدى الخبيرات نحوه فاحتضنته طالبة صورة معه في محاولة منها لسحب الأنظار عن ايتوكا فجاءت محاولتها الناجحة باستسلام لتنلقوي لدفئها النحاسي لاعناً سرعة الالتقاط ، ظهرت صورته معها معبرة كما قال مسئولي الدعاية والإعلان ففازت ببطولة أحد الأفلام بعد أن ظهرت صورتها في مجلات بلادها وهي تلتصق بلتنلقوي المسترخي .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    تقافزت ضحكاتهم المصطنعة والمجاملة أحياناً فدخلت العربات .. دارت المحركات عائدة مخلفة ضجيجها ودخانها المختلط بفوح ياسمين البحيرة ، انعطفت يميناً ثم سلكت طريق عودتها تشق مزارع التبغ القديمة .. انفجرت أصوات الأهالي من خلف أشجار المانجو التي أخفتهم وغضبهم الذي صبوه على عربة ايتوكا وود الأعرج .. زادت العربات من سرعتها تطاردها اللعنات هتافاً لا يسمع من وراء الزجاج فبدأت صورهم مثيرة لضحك الضيوف ولقلق أيتوكا .. انصبت معظم اللعنات المقذوفة على عربتها المشهورة عدلت ايتوكا من وضع نهديها في حمالة النهدين ثم انحنت على مرآتها لتتأكد من زينتها .

    ـ بهذه الطريقة سيفسدون كل ما نفعل من أجلهم
    ـ رجال الشرطة لا يريدون التعاون "قالها ود الأعرج ملوحاً ببعض تهديداته التي كثيراً ما تخيف ايتوكا"
    ـ سأقابلهم غداً .. سأجتمع معهم والأب
    هكذا قررت أيتوكا بعد أن دخلت مرآتها منتزعة من صورتها فيها شيء من الإصرار

    توقفت كل العربات أمام الفندق الذي ازدحم بالضيوف المقيمين فيه والعابرين والباحثين عن أمسية تشاركهم فيها أيتوكا بعد أن تظهر إعجابها بجلستهم .
    ـ لذا أفضل شراء الملابس الداخلية على غسلها وعندي الآن العشرات من الصناديق الممتلئة بها
    قالتها إحدى خبيرات التجميل وهي تحاور أيتوكا في إمكانية إنشاء مصنع للملابس الداخلية

    ـ لكنني لا أحس بإلفه مع الملابس الداخلية لذا ،ودائماً ما أحاول التخلص منها في أول فرصة لذلك

    خرج ليو فتبعته ايتوكا بنظراتها من خلف دخان جليستها الباحثة عن أي دعوة لأي سهرة بعد أن فشلت في الترويج لمشروعها .


    اجتمع الأهالي وزادهم مكبر الصوت تجميعاً .. نزلت ايتوكا بعد أن ارتدت ملابسها الصباحية، لم يزل طعم النوم يطاردها ملطخا بحلم تليه .. وصلت مكان تجمعهم بعد أن مرت في طريقها بالأب ليشاركها في لقاءهم ..طرد المحلين الخوف وكسروا حاجز الرهبة حينما رأوها .. ظهرت أمامهم بزيها الشعبي المكتمل .. صمتوا حينما لوحت يدها في الهواء ملقية التحية والسلام بلغتهم المحلية التي كادت أن تنساها .. صفع الطرب أجسادهم وتخللها من كل حواسهم حينما شاهدوا لغتهم تسلل لآذانهم من خلف مكبر الصوت لأول مرة .. صفقوا بأيديهم وأرجلهم وبدون أرادتهم خرجت الهتافات بحياتها .. دخل الأب "مارشيلو" بجانبها بعد أن أكملت حديثها ووعدوها .. ابتدر الأب حديثه معهم بطريقته التقليدية في الكنيسة أخرج المتعلمين منهم أناجيل بلغتهم المحلية ثم أطرقوا يتابعون فيها ما يقرأه الأب ..

    ـ لتثبت المحبة الأخوية .. لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون اذكروا المقيدين لأنكم مقيدين معهم .. ليكن الزواج مكرماً لديكم وليكن المضجع غير نجس ، أما العاهرون الزناة فسيدينهم الله .. لتكن سيرتكم خالية من محبة المال .. كونوا مكتفين بما عندكم لأنه قال لا أهملك ولا أتركك حتى أننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف ماذا يضيع الإنسان في ..
    فلنصلي .

    أطرق الجميع في خشوع بالغ مرددين صلواته بهمهمات فطال إطراقهم وامتد حتى مرت كل العربات وعادت بما لا يعرفون

    ـ أمين !!
    هكذا أنهت الجموع صلواتها خلف الأب .. هتفوا بحياة ايتوكا بعد أن قامت بتقسيم بعض الملابس المستعملة للصبية وألحقتها بحلوى زرعت الفرحة في قلوبهم فردوها لها حزن عميق على مقتلها فساهموا في تشييعها بأكبر قدر من الدموع في يوم القداس الذي أقيم لها ولم يحضره سوى الأهالي بصبيتهم والأب برا هباته.


    تركنا معظم المدينة خلفنا وسط شرح "للي" لكل شيء تعرفه عنها .. صمتنا لمدة ليست قصيرة ونحن نسير على أرجلنا ونستعرض ما سمعنا عنها ممن قابلناهم .. انتزع هوريا الدراجة فجأة من بين يديّ "للي" وهرب بها أمامنا ، صرخت "للي" صرخة أرادت أن تطرد بها الصمت والحزن ثم ركضت خلفه .. قفز هوريا بسرعة على ظهر الدراجة ثم صار يمد لها لسانه كلما سنحت له الفرصة للالتفات وسارت الضحكات تمتد بينهما كجسر قوي نجح في إزالة المسافة بين ضفتين .. تعبت "للي" من الركض والضحك ، عادت ثم لفت يديها حول عنقي متعلقة بي من الخلف وهي تلتقط أنفاسها من وسط ضحكاتها .. فكت يديها من حولي حينما لم استجب لكل ما فعلت بأي حركة ما ، سوى تفكيري الداخلي فيهما معاً ـ
    دفعتني من الخلف بكل قوتها
    ـ ألا تريد أن تحاول؟ هيا
    ركضت مدفوعاً بأيديّ للي من الخلف .. لم ينتبه هوريا لركضنا إذ بدأ يسير ببطيء
    ـ جوني .. إنه وراءك "صرخت فيه فزاد سرعته دون أن يلتفت ليرى ماذا هناك يئست من اللحاق به .. ضربت الأرض بقدمي تلاحقت أنفاسي أخرجتني "للي" من الطريق الرئيسي ويدي حول عنقها ويدها اليسرى على ظهري وتجاهد أن تكون على كتفي .. دخلنا لطريق أقدام يختصر المسافة للبحيرة عبر مزارع التبغ القديمة التي مازال التبغ ينمو فيها كل عام بمجهوده الخاص ..
    ـ أسمع حينما نصل لابد أن تحمل معك حجر من الحجارة التي سنجدها حول البحيرة
    ـ لماذا ؟
    سألتها
    ـ ألا تريده أن يقرأ لك مستقبلك
    ـ كيف.
    ـ إذا أردت أن تعرف أي شيء يؤرقك فما عليك إلا أن تسمي هذا الشيء وتختار أي حجر وتسلمه للكجور

    لم أستغرب ما قالته "للي" إذ أنني كثيراً ما سمعت عن أشخاص يقرؤون المستقبل بطرق عديدة في هذه الأقاليم ، وأنا شخصياً كنت أفضل قراءة حظي من بطون الحيوانات التي كنت أصطادها دون أن أفسد أمعائها كلما سنحت الفرصة لذلك بين تلك القبائل الرعوية التي عشت بينها مدة ليس بالقصيرة في هذه الأحراش و قبل أن نحضر لهذا الاتجاه ..

    استقبلنا بصمته العاري وطبله الناطق المغلف بالخرس وابتسامته تخبرنا بأنه في خدمتنا وخدمة كل من يلجأ للبحيرة ،التي هو فارسها ومالك أسرارها، .. انتظرتُ أن تبدأ "للي" لأنها أدرى بالطقوس المتبعة ، إلا أنها رفضت ذلك
    ـ لا أريد أن أري الأشياء السيئة قبل أن تحدث ، أبدأ أنت "قالتها وهي تقذف حجرها لخارج كوخ من القش و مظلم ،لقد كان هو الناجي الوحيد من الاحتراق ..

    زحفتُ صوبه دون أن أكلف نفس عناء الوقوف والجلوس مرة أخرى .. صرتُ بالقرب منه وللي خلفي تماماً.. كشفتُ الحجر الذي بيدي ، ابتسم ابتسامة بطعم مر نظر للحجر بعمق ثم قذفه داخل "قرعة" امتلأت ماء صافي أمرني بعينيه أن اقترب وأنظر معه لذلك الماء ، فعلت فغاص بعيداً أحسست بماء بارد حول جسدي رأيتهم وسمعت صوته.
    "في صباح ذلك اليوم ، انفتحت مغاليق أعينهم صاروا يرون من رحمها الشفاف كل ما هو خارجي وجميل ، رأوا وجهها يحمر ويزرق ورداً بلون ما جاورهم من الأمعاء .. عيونها الحزينة تبحث عن شيءٍ في القاع لتمسك به ، جحظت عينيها فأغمضهما الألم ، ارتجوا في الرحم فتكورت بطنها.. صرخت لفظهم الرحم لاعناً فرقتهم .. تدفقوا في قاع البحيرة ، صرخوا ترتعش أوصالهم من البرودة والجوع ، فتحت أعينها.. ابتسمت نصف ابتسامة ثم شرعت في إحصائهم بعيونها الرقيقة .. نادت كل منهم باسمة همساً .. تجمعوا حولها يترقبون مشهد انفلاق الروح المحبة لاوتنق عن جسدها البحري .. خرجت تاركة جسدها الزجاجي طافت بكل أنحاء البحيرة تتبعها طيور مائية وأسماك عطرية ، خلفت وراءها جسد ينبض زرقة زجاجية وجمالاً قدسي .. غطوها بزهورهم البحرية ثم شرعوا في التهام ما خرج معهم من الرحم من زجاج صمغي ليتقوا به لحين .. امتلأت أمعائهم رأوا عريهم .. طفحت الشهوة في أجسادهم اهتاجت البحيرة .. ضاقت .. جاء صوتها الإلهي النبرة الزجاجي الصدى من قمة الجبل
    ـ ما هذا الذي فعلتموه
    خافوا فارتعدت أجسادهم من الذعر والحياء .. تواروا عن أعين صوتها خلف الصخور البحرية ـ إلا أنها ترى كل شيء حولها بعين درِبة ، حاصرتهم نظرتها الغاضبة فصاحوا بصوت واحد
    ـ أننا لم نفعل شيئاً
    ـ إذاً أخرجوا لتروني "قالتها بصدىً أرعب لتلنقوي خارج البحيرة فاعتذرت له همساً"
    ـ لا نقدر على رؤيتك فوجهك يجهرنا
    "هكذا خرجت كلماتهم تحمل الخوف والتهجد"
    ـ إذاً لقد فعلتم ما ليس لكم به طاقة ولا قوة أسمعوني، جيداً وأصغوا لما أنتم قادمين عليه ها هو عددكم مكتمل تسعاً وتسعون ذكراً ومثلها من الإناث لن تنقصوا عن هذا العدد كما لن تزيدوا عنه ، إذا زدتم أحداً "مولوداً" من أصلابكم أخذنا من بينكم مثله بالموت والعذاب ، فإذا كان المولود أنثى أخذنا أنثى وإذا كان المولود ذكراً أخذنا مثله ولن نحدد الكيفية التي بها نختار من نأخذ حتى لا يكون التناسل بينكم وسيلة للخروج لمن سئم الحياة ..

    ألقت عذابها ثم انسحب صوتها ملتحفاً جسد أوتنق ، فانبهرـ لتلنقوي ـ لما يرى ويسمع أغلقت الدهشة أذنيه وطمرت لسانه فصار اطرشا، يسعى وسط التجمعات حاملاً حكاياته الخرساء ولا يجد من يبيعها أو حتى ينظر لها فبنى منها كوخاً وجاور البحيرة يأخذ نسبته من فوح الياسمين الخارج من جسدها ـ المسجي في قاع البحيرة ـ ثم يقوم بتعبئته على طريقته ويبيعه للسواح الآتين بصحبة ايتوكا والأهالي فصار مصدر دهشة للأهالي والضيوف .



    صاروا متحدين ضد ما تأتي به البحيرة من غضب وعذاب فراحوا يجوبون أعماقها بحثاً وحباً في البقاع فكان الضنك شريك مأساتهم ومأوى شهواتهم التي أعلن أكبرهم
    " رغم الضنك والعذاب إلا أن الحياة جميلة فأغلقوا مسارب الجسد واقتلوا الشهوة حتى لا نفقد من إلفنا فلا نجد له عوضاً في الجديد ، أضربوا في البحيرة لنحرسها وهذا الجسد الراقد بيننا فأننا منه خرجنا "
    ما أن انتهى من موعظته تلك حتى خروا سجداً أمام جسدها المغطى بالزهور وأجمل الأعشاب فاختاروا من بينهم حراساً عليه

    خرجت مجموعة التسعاً وتسعين رجلاً ومثلهم من الإناث في ذلك الجو الرهيب تهفوا قلوبهم للسمو من أجل البقاء والشهوة تحاصرهم والخوف من المجهول يطاردهم .

    تسلل أحدهم وأنثاه خارجين من البحيرة طافا في شواطئها التي لم تطفي ظمأهم أو شوقهم للعناق .. قادهم الفضول بين أشجار المانجو .. جلست فتمدد على فخذيها .. ضحك لتلنقوي .. أغمضت عينيها لطمتها أنفاس المتمدد على ساقيها ، سحب لتلنقوي نظراته وخطواته خارجاً فتوارى خلف أشجار المانجو ، فعلاها كالثعابين البحرية ولم يهدأا حتى سقطت عنه متورمة البطن فملا صياحهم الأرض بلغت دموعهم المالحة البحيرة فألهبتها بالحرارة قفزا للبحيرة منجذبين ، ذاع الخبر يسبقهم لأصقاعها ، غاص الجميع للأعماق بانسكار ..اتجهوا صوب الجسد الزجاجي النابض ورداً وعطر فكانت الوطأة أكبر حينما لحق بهم في الخطيئة عشرين زوج أُخر فصاح حراس الجسد
    ـ ها أنكم جئتم وعلينا أن نتحمل أعباءها مثلكم .. ليتنا فعلناها مثلكم أيها الملاعين ، ماذا علينا أن نفعل سوى أن ننتظر ميلاد من يخلف لنودع من سيذهب
    ـ واحداً وعشرون مرة واحدة يالكم من بائسين فعلاً
    قالها أكبرهم
    ـ ها أنكم تقللون من نسبة البقاء لكل منا
    مضى الصمت بينهم يعمق تفكير كل منهم في أمل البقاء
    ـ أنا أول من فعلتها وسأتحمل نتيجة ذلك إذا كان القادم ذكراً فأنا أول من يغادر
    ـ وإذا كانت أنثى فأنا أول من تغادر
    هكذا ساندته أنثاه
    ـ إذا كان هنالك خيار كما أبدع خيالكم لفعلناها يوم خروجنا "قالها ثم خرج وهو يعلن" خمسة عشرة أصابهن الحمل وستة تخلل الخوف والذعر سهامهم فطاشت إلى غير هدف

    ظهر ملل الانتظار والمجهول يسعى بينهم ناشراً الضباب في كل أعماق البحيرة .. الكسل يدب في أجسادهم وينخر عظامهم .. هرب الكثير منهم لداخله منكفئاً عازلاً نفسه عن نفسه.. اختفت كل سمات الفرح لقبول الحياة على علاتها .. انفلت كبيرهم في صلوات حول الجسد المسجي بازدراء مثير للدهشة والشهوة والاحترام .

    اشتعلت الرغبات في الخلاص وداعبت رؤوس البعض منهم الحلم بوضع نهاية وحد لهذا الذي يجري فخرج بينهم من يدعوهم جميعاً للاستماع إليه وإلى ما هو مقبل عليه .

    ـ لماذا نطرق ممعنين في تأليم ذواتنا أننا الآن لا نعرف ماذا سيحدث لنا ومن منا سيقضي نحبه فاسحاً المجال لوافدٍ من أصلابنا أليس كذلك؟
    ـ أجل صحيح
    ـ ماذا تريد أن تقول
    ـ لا تزيد بلوانا نرجوك
    خرجت الإجابات بشكل همهمات تحمل الرفض والموافقة وتخفي الرغبة في معرفة ما يريد أن يقوله .
    ـ لا أريد منكم جواباً لأنني أعلم ما أمر به هو نفس ما تمرون به لذا قررت وأرى أن تشاركوني قراري هذا
    صمت قليلاً يتفحص رد فعل حديثه على وجوههم
    ـ لنفعلها جميعاً ولنخرج عن هذه البحيرة ولندع ما سيحدث يحدث .

    ما أن انتهي من حديثه حتى قذفه الجميع بحصى البحيرة فظهر كبيرهم ملتحياً بالحكمة والهدوء .. فصاح صيحة يحاول بها قتل ما يراوده من حقيقة .

    ـ أنسيت الوعظ أيها الوغد ـ الذي خاطبتكم به كبنين "يا أبني لا تحتقر تأديبي .. لا تخُر إذا وبختك .. الذي أحبه أُؤدبه وأجلد كل من يقبله .. إذا احتملتم التأديب عاملتكم كبنين"

    ها أنا قد سمعنا قراره فاسمع قرارنا ، أخرج من بيننا حتى لا تبث سمومك فينا أخرج ودون أنثاك
    ـ سأخرج ليس لأنه قرار من الجميع لأنني أعلم أنه قرارك وحدك لكن لأنني فقط سئمت الحياة هذه وتقديسها الفارغ تحت هذا الجسد الممدد بازدراء.
    لفظ مقولته تلك وخرج فتبعه الكل خارجين بعد أن أحسوا شجاعة قراره وليس إقناعه ضاقت البحيرة وزادت حرارة مياهها فلفظت حراس الجسد بعيداً منثورين داخل الغابات نهاراً ، فعادوا ليلاً ، مزقوا جسدها فيما بينهم وخرجوا للأدغال مرة أخرى .
    ما أن خرجنا من بين عراف البحيرة حتى دخل كل منا في نفسه مرة أخرى يفكر فيما رآه وسمعه من حجر مستقبله ـ هاجمتني فكرة أن نرحل ونترك "للي" لوحدها خاصة وأن الرحيل سيكون يوماً ما ، فنحن ما زلنا متمردين وما زالت هنالك مدن وحواجز عديدة تقف أمامنا .

    ـ حتماً سنغادر هذه المدينة يوماً ما
    "هكذا همستُ لهوريا"
    ـ لكن هل ستقبل الرحيل معنا؟
    لن ترفض لأنها تحبنا وحتماً لن ترضى بفراقنا كما تدل وتقول كل تصرفاتنا سوياً .. لكن لماذا سيطرت علىّ فكرة رحليها .. الآن هوريا رأي ذلك في حجره
    ـ مستقبل مكتوب على حجر بهذه القسوة حتماً سيكذب ولتكذب نبؤة حجره هذه المرة
    ـ أجل فلتكذب النبوءة ولن نقول لأحد بأنه كذب
    هكذا رد على هورياً مقترحاً هذا الحل

    سارت للي أمامنا تسحب الدراجة بسرعة في طريق العودة ـ لم تنتبه لما دار بيني وبين هوريا . لحقنا بها يطارد صمتنا صمتها .. قالت لي وبحزن لأول مرة .
    "إن ايتوكا بعد موت ليو عاودها الحلم بعودة تليه لينتشلها من خبث ود الأعرج .. انتظرت وطال انتظارها .. صابها القلق ، فأنفقت جًل ما تملك فيما يمكن أن يعيده عن طريق الوسطاء والخطابات التي كانت تأتي دون ردود .. لجأت للوسائط الروحية من كجره وعرافين ولم تقتنع بأنه لن يعود إلا بعد أن اكتشفت إن ود الأعرج فعل كل ما يريد فعله وسحب منها كل ما تملك.. سارت في نفس طريق إدمانها للخمرة الذي رسمه لها ليو بحياته .. أصبح كل يوم يأتي بأسوأ مما كانت عليه .. دخلت في علاقات معقدة مع كبار رجالات الجيش في هذه المدينة .. أصبحوا يشاركونها سهراتها ولم تستقر حتى أخر يوم في حياتها على رجل منهم لتقنعه بأن يساندها حتى تتجاوز ما رسمه لها ود الأعرج بل صارت وحتى ذلك اليوم الأخير من حياتها ـ مصدر نزاع بينهم حولها ، فكان ذلك النزاع الأخير الذي نشب بين قائد الحامية الأسمر وكبير رجالات إستخباراته ذو الأصول التركية والذي قتلها بطلقةٍ واحدة حينما أحس بأنها في سكرها ذاك مالت عنه ولصديقه القائد .. لم تكن في وعيها لقد كانت في حالة سكر ذهبت بكل ما تملك من عقل وحياء وأشياء أخرى ولم تبقى لها سوى جمالها الذي توهج في تلك اللحظات حينما تخيلت فيها أن قائد الحامية العسكرية هو نفسه تليه ولم تكتشف حتى لحظة موتها أنه ليس هو ولا يجمع بينهما إلا السمرة التي هي القاسم المشترك بينهم جميعاً في حامية المدينة .
    ـ لماذا فعلت ذلك أيها النجس
    هكذا تحدث القائد بحنق هادئ
    ـ لا أنا ولا أنت أنها تسعى للإيقاع بيننا ، قبل حضورك أنا الذي حضرتُ معها وكانت تجلس معي منذ ما يزيد على الأربعة الأيام ، ما الجديد فيك حتى تكتشفه الآن أنني أشك في أنها مكيدة مدبرة لتوقع بيننا وتشق صف الجنود وتمزق صفوفهم لصالح المتمردين .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    سُجلت الحادثة دون اهتمام ، كما لم يهتم بها أحد من الذين كانوا موجودين في ذلك المكان من ضباط الجيش الآخرين ..اكتفوا بمنظر المراقب ثم ما لبثوا أن أخذوا موقفاً أكثر انحيازاً حينما أشادوا بموقف زميلهم الاستخباراتي والوطني جداً ، مما حدا بالجنود لممارسة هذه الفعلة كلما اختلفوا حول فتاة ما فلحق بايتوكا ما لا يقل عن أثني عشرة فتاة كانت أكبرهن لم تبلغ السابعة عشرة من عمرها ..صارت هذه الوسيلة خير طريقة لتعليم الفتيات ،المتقلبات المزاج والغير صبورات على غياب أصدقائهن، الولاء والوفاء لجندي واحد فصرن حتى بعد موت هذا الصديق يقمن بزيارة قبره ونثر الورود عليه وإرسال رسائل الغرام لورثته مع معاشه
    الشهري .

    تمدد جسد ايتوكا في ذلك المكان لمدة يومين يحمل نفس الابتسامة التي امتدت من بين شفتيها وحتى أقدامها الابنوسية وكأنها أُحييت في مقتل بوردة وأريجها لا طلقة ونزيفها .. لم يكن هناك وفي كل جسدها أي حركة تدل على مقاومة خروج الروح ،فعلق الطاهي الذي كان يقدم الوجبات لكبار ضباط الجيش
    ـ"أنها لم تريد أن تفسد ممارسة موتها بمقاومة يائسة"
    خرجت بقعة دم من نفس مكان دخول الطلقة لتحدد لون اليوم الحقيقي للحزن عليها .

    استحسن قائد الحامية تصرف زميله فأوصى بنقله حتى لا يلحقه غضب المحلين الذي استقبلوا الخبر بشكوك حول انتحارها الذي أُشيع بعد ذلك مباشرة لكنها ـ شكوكهم ـ لم تتحول لشيء سوى حزن ذهب بقدوم الحرب لديارهم ، شيعناها جميعاً ، الفتيات اللائى كن يعملن في الفنادق والمسنين من المحلين وعمال مزارع التبغ ولتلنقوي كجور البحيرة الذي كان الوحيد من بين الحضور يبكي بحرقة حقيقية وكذلك الراهبات والأب الذي اجتهد في أن يجعل من يوم قداسها حدث يلفتُ الأنظار لأفعال رجالات الجيش في هذه المناطق النائية والبعيدة عن المركز إلا أن اجتهاد الأب جاء فاشلاً رغم الدعوات التي أرسلها في كل الاتجاهات لمن يعتقد بأن أمراً كهذا يهمهم .

    غسلناها بماء البحيرة اتباعاً لتعليمات وتوجيهات لتنقوي ،"اقتصر التشييع وإلغاء النظرة الأخيرة على الأهالي وصديقاتها وبعض الترانيم الحزينة التي كانت تؤديها حينما كانت في كورس الغناء في هذه الكنيسة .. لم يكمل الأب مراسيم التشييع كما خطط لها حينما أحس بفشله فيما أراد .
    كانت للي تتحدث بحسرة حينما تقدم هوريا وسحب الدراجة من بين يديها ببطيء ، تخلت عنها بيدين ساهمتين في الحكي فأصبحتا خارج أرادتها فانتبهت لذلك وحاولت السيطرة عليهما بسحب المظلة من المقعد الخلفي للدراجة .. فتحت المظلة بالرغم من أنهاـ أي الأمطار ـ توقفت عن الهطول منذ لحظات ..صارت الشمس تظهر وتختفي خلف القيوم التي تتجمع متجهة صوب قمة الجبل .. حملت المظلة مفتوحة بيدها اليمنى فاشتبكت يدها اليمنى بيدها اليسرى
    ـ خير من يتحدث عنها هو قريبها بوالدها الذي كان يعمل سائقاً "لليو" ـ كذلك خادمته الهندية أنها ما زالت تقيم بالقرب من الحدود .. بعد حديث "للي" ذاك سعيت للقاء خادمة ليو الهندية وكان ذلك بعد عامين ..بالفعل لم أذهب لتلك المدينة بقصد لقاءها ولا بقصد السياحة بل لأسباب أخرى ..

    لم تكن تلك المرآة الهندية قد غادرت بعيداً وراء الحدود فلقد استقرت مرة أخرى في هذه المدينة الحدودية وكأنها رُبطت بشيء قوي على هذه الحدود .

    لم اتعب في البحث عنها كثيراً إذ أنني ما أن سألت عنها حتى جاءني رد إيجابي من أول شخص سألته .. كانت المدينة تتوسط حديقة حيوان مفتوحة مما جعلها عرضة لاستقبال ووداع السياح يومياً .. قادني حتى المكان المعتادة على الجلوس فيه خارج المدينة على الطريق الرئيسي المؤدي للعاصمة عبر جبال وغابات كثيفة يحفها قدر لا بأس به من السلم مما جعلها جاذبة لحيوانات غاباتنا التي فرت من أمام صوت السلاح ولجأت لهذه المناطق ..صارت المنطقة بؤرة كثافة حيوانية.. فكان كل الاستثمار التجاري الغالب يتعلق بالسياحة في هذه الاتجاهات من وطن "للي".

    ولم يكن المكان بعيداً حتى يحتاج لمواصلات من وسط المدينة كما توهمت واستأجرت دراجة بسائقها فلم نسير لأكثر من سبعة دقائق بالضبط في ذلك الصباح حتى لمحتها هي نفسها أمام مبنى ضخم أُستخدم كمتجر ومطعم ملحقٌ به بار .. استوقفتُ سائق الدراجة .. أخذ أجره ووضعه بجيبه دون أن ينظر إليه .. سحب دراجته وهو يطلق صفيراً استعراضي يلفت به أنظار السياح لحركاته ولمحبوبته الدراجة ـ كما يناديها ـ وهو يبحث عن سائح تائه ليوصله بها ..

    ألقيت عليها التحية وجلست قبل أن تدعوني .. ردت عليّ دون أن تخدعها نفسها أو عيناي بأنني جلست بجانبها للبحث عن مغامرة معها .. قدمت لها نفسي ولم تفرح لذكرى اسم تلك المدينة التي شهدت جزء من حياتها مع ليو كما لم تستاء .. لقد كان وجهها محايداً تماماً إلا من علامات وأثار نوم داخل برميل خمرٍ ويأس .. رحتُ أجرجر الحديث معها دون أن أُضيع زمناً يجعل لقائي بها سبباً لمجيء هنا .. استلمت مني الحديث تماماً قالت الكثير عن نفسها وعطرته برائحة خمرة اليوم أم البارحة ؟ لا شيء يوضح ذاك.
    ـ "كان أبي كثير الكلام وصعب المزاج حتى إن أمي ماتت نتيجة أخلاقه ومزاجه هذا ، ماتت وتركت لي أبي كورثة ثقيلة ، تحملته ، إلا أنه مات هو أيضاً وتركني في الثانية عشرة من عمري وفقري إذ أنه، أبى،مات نتيجة مصادرة أمواله وطرده من هذا البلد ،مات بذبحة صدرية ، أخذتني إحدى الراهبات الكاثوليك واعتنت بي بالرغم من أنني لم أتلقى أي شكل من أشكال التربية المسيحية ..واصلتُ معها في الكنيسة والتعليم المسيحي لمدة ثلاثة سنوات اختتمتها برفض للبقاء فيها ..كنتُ قد مللت الحياة تلك ،التي أعتقد أن أمي لن ترضاها لي ، عثر علىّ "ليو" هذا وأنا أبحث عن عمل كمترجمة لدى أي سفارة تحتاج خدماتي .. عاملني في البدء كصديقةٍ أعجبته فصرت أنمو وأحلم في كنفه.. لكن لقد كنت فتاة صغيرة أحس بداخلي تمرد حتى على الفستان ، لم أعد أحتمل برودة ليو إلا أنني تحملته حتى ذلك اليوم الذي أحسست فيه بأنه أصبح يعاملني كخادمة فصرت أبحث عن نفسي وسط مستخدميه هناك ، أعجبت بسائق تراكتور كان يلاحقني كلما توفرت له فرصة لذلك ، استسلمت له بعيداً عن أنظار ليو وصرنا نحلم سوياً بيوم أفضل يضعنا بعيداً عنه .

    صمتت وهي تنظر بعيداً بعينين تبتسمان بسخرية لذكرى مؤلمة .. طلبت قهوة لي ولها ، إلا أنها في اللحظة الأخيرة لمغادرة عاملة البار صاحت صيحة متآلفة مع المكان
    ـ "روي" لا أريد قهوة ربع براندي أرجوك
    بدأت لي وكأنها كانت تشرب منذ الصباح وقبل حضوري .. تناولت القهوة كما تناولت هي كأس بطريقة أثارت لدى الرغبة في مشاركتها أحست بذلك فدعت عاملة البار باسمها
    ـ "روي" اعتقد أن السيد يريد شيء آخر فاليوم هو السبت .
    إذا فاليوم خمرٌ وغداً خمرٌ طالما أنني لستُ على عجلة من أمري ، أو للعودة .. "هكذا همست لنفسي ..
    ـ أليس هناك غير هذا الكونياك لأنني أفضل الصناعات المحلية
    ـ لدينا "يوغندا عرقي"
    "قالتها بابتسامة كشفت عن أفضل أسنان لدعايات معجون الأسنان "
    ـ ربع منه اعتقد أنه خير ما يدمر هذا الصباح "ياروي"
    كادت أن تطيل الوقفة والابتسامة المضيئة لولا مضايقة الوافدين والمغادرين للمحل دفعتها لإفساح الطريق ..
    ـ "لم أكن أعلم أن ليو يتبع خطواتي ليوقع بي في شرك ما ، واجهني بعلاقتي بذلك الشاب بغيرة أثارت لدى الإحساس والرغبة في معرفة مشاعره تجاهي .. هددني بطرده وتشريده ، خفت خضعت لما يريد لقد كنتُ بعد صغيرة وكل ما أعرفه هو حبي لذلك الشاب وبعض المفاهيم التي حملني بها .. ابتسم ليو حينما فهم قصدي وطريقة تفكيري فحسني للإبقاء على هذه العلاقة فقط أن يكون هو طرف فيها يكتفي بمراقبتنا بثقب خصصه هو لذلك دون أن أخبر صديقي .. سرى الهمس بين عماله المنزلين فعلم صديقي بذلك وعلم أنني أعلم أيضاً استفرغ حبه لي أمامي واختفى ..لم أراه حتى الآن .. حزنت عليه حزن لم يجدي ولن يجدي كما أقنعني "ليو" بذلك ..استبدل صديقي بأصدقاءٍ يصطاد هم هو ويهيئهم لذلك بشتى الطرق والإغراءات "

    دخلت روي عاملة البار تحمل ما طلبت منها على صينية أنيقة بجانب ابتسامتها تلك فكانت صديقتي الصباحية قد أفرغت كل زجاجتها .
    ـ أنني جائعة ألن تطلب لي شيء يؤكل
    ـ اطلبي ما تريدين لكن أعلمي أنني لست سائحاً"
    تحدثت لروي باللغة المحلية جداً فلم استبن ما طلبت إلا أنني وبالرغم من طريقة إخراجها لما تريد مني شائعة لدى داعرات الفنادق والبارات في هذه الاتجاهات ـ إلا أنني اعتقدت أنها ما زالت متمسكة بأصولها الثقافية وستطلب أنواعاً من الخضارات إلا أنها صححت اعتقادي ذاك بدعوتها لي لأن أشاركها دجاجة كاملة محاطة باليام المسلوق ، رفضت فواصلت حديثها الذي صار يخرج من بين مصمصة شفتيها لطعم الدجاج وبقايا الخمرة على الفم .

    "حتى جاء ذلك اليوم الذي صار فيه ود الأعرج ينافسه أو فلنقل صارت علاقته معه مشبوبة بشيء من الندية والتنافس .. انتزع ليو ايتوكا من براثن ود الأعرج الذي كان يتزوج كل أسبوع من الفتيات الصغار للمحلين ويطلق متى ما شاء ذلك .

    لا أخفي عليك لقد أحسست بالغيرة بالرغم من أنني أعرف مقاصد ليو ، لكن أن يقوم بزواجها رسمياً وفي الكنيسة هذا ما أثارني وجعلني أحس بأن دوري اقتصر على خادمة ليس إلا.. إذاً لا أصلح لغير ذلك .. تضايقت من هذا الوضع فأحست ايتوكا بذلك وعلمت بما كان يربطني "بليو" حاولت أن تخلق معي علاقة ودية إلا أنني لم استسغ ذلك .. رحلت بعد أن مللت وضعي ذلك وبعد أن اكتشفت أنها أوفر حظاً مني .. "صمتت لمدة طويلة صارت تفتح أعينها وتقلقهما"
    ـ كيف ؟ "سألتها حتى ، لا أعطيها فرصة للخروج من إيقاع سردها أو الانفصال عن الشخصية التي ولجتها وهي تسرد
    ـ لا يا صديقي هذا يكفي فعليك الآن أن تُقبلني أو تدعوني لربع آخر .

    لم أفاجأ لطلبها ذاك إذ أنني في البدء اعتقدت أنها قفزت في حكيها لمكان آخر إلا أن مفاضلتها ما بين القبلة وربع الكونياك جعلتني ابتسم لطريقتها في المفاضلة .. فتذكرت الأفلام الهندية التي كنا ندمنها في أواخر أيام طفولتنا وبدايات شبابنا .. تذكرت صديق لي وحلمه بأن يقبل أي فتاة هندية حتى ولو ابنة ذلك التاجر الهندي التي حتماً سيصبُ في عناقه لها كل عشقه لبطلات تلك الأفلام الهندية التي كان يحفظها من بدايتها وحتى نهايتها مروراً بالغناء والضربات والقفزات من المناطق العالية ولحظات الحزن والبكاء والرقصات التي تتخلل الفلم..
    ـ هل تجيدين الرقص والغناء بالهندية "هكذا سألتها"
    ـ كلا أنني مواليد هذا البلد كما ذكرت لك
    ـ إذاً سأدعوك على ربع أخر ، اطلبي ذلك
    عدتُ لنفسي محاولاً الفرار لداخل المدينة خاصة وأنها بعد ربع آخر ستتحول حتماً لشخص آخر
    ـ ألم تتزوجي قط ؟ "سألتها لأقتل الزمن الذي ستستغرقه عاملة البار حتى تعود وتأخذ حسابها"
    ـ ألا تريد أن تتبول؟
    قالت فأحسست وكأنها تشاركني مثانتي وأيضاً لا تريد الرد على سؤالي فقررت أن أصر على سؤالي
    ـ أجل أريد لكن ما علاقة هذا بسؤالي
    ـ العلاقة أنني لا أريدك أن تتبول على ملابسك في هذا الصباح الباكر .

    حملتني بوصف جيد لدورة المياه داخل ذلك المتجر مروراً بالبار وحجرة استقبال الفندق .. اكتظ المتجر أو واجهة البار والفندق بالسياح المنكبين على شراء أشياء وهدايا تدل على أنهم وصلوا لهذه البقعة النائية والمتوحشة فكان الإقبال على قطع من مصنوعات يدوية لشنط وحقائب يد وكذلك تماثيل من العاج والأبنوس وعطور شرقية من أصل هندي .. خرجتُ عائداً لها بعد أن مسحت المكان الذي تفوح منه رائحة عرق سياح بلون النحاس وطعم الدولار.
    ـ ها أرجو أن تكون قد تبولت
    ـ أجل
    ـ ألم ترى ذلك الفيل الهندي العجوز الجالس على الكاونتر؟
    ـ تقصدين ذلك الرجل العجوز؟
    ـ أجل إنه زوجي يا صديقي ولا يهتم إلا بجمع المال والنظر خلسة لأرداف النساء وكذلك ضرب كل من يدعوني على خمرٍ
    ـ لم أكن أعلم أنك تريدين تأديبي
    ـ لا أريد تأديبك ، فقط أريد أن أذكره بأنني هنا وما زال هناك من يهتم بي
    بدأت وكأنها ستفقد وعيها وتسقط بعد لحظةٍ .. دخنت أكثر من أربع سيجارات من علبة تبغ مستورد .. صارت رموش عيونها ثقيلة لا تستطيع الصمود أمام دخول الضوء لعينيها .. قررت الانسحاب بسرعة ، دفعت ما يجب علىّ أن أدفعه وأرفقته بشيء بسيط من أجل ابتسامة "روي" الغالية جداً .. سرتُ مبتعداً فطاردني صوتها بعبارات الإعجاب ، قبضت على أول سائق دراجة أجرة وركبت خلفه ، رأيت زوجها بحدسي في باب المتجر يبحث بعينيه عن من أعجب زوجته وأسكرها .. ابتعدت الدراجة بعجلة فتخيلته وهو يسأل عاملة البار عن من فعل ذلك .
    عدتُ أحمل ما وجدته من تلك المرآة الهندية بعد عامين من هذا اليوم ،الذي كنت أسير فيه مع للي وهوريا ،خرجنا من الطريق الذي ابتدعته الأقدام للبحيرة .. اعتدلنا في السير على الطريق الرئيسي الذي يقود إلى الكنيسة من خلفها.. سرنا على إيقاع صمتنا لمدة لا أقدر على تحديدها حتى دلق هوريا صوت جرس الدراجة بشكل مزعج وكأنه يريد أن يغسل هذا الصمت وبأي طريقة .. لم أتحدث معه كما لم تفعل "للي" ذلك .. قرصتني "للي" على ظهري لتذكرني بوجودها فأعدت قرصتها تلك ـ كرد ـ لكن في مؤخرتها .. قطع هوريا صوت الجرس ودخل في غناء شاركته أنا فيه وكذلك فعلت "للي" لقد كانت أغنية شعبية لدى الثوار ،أو،المتمردين ومنتشرة حتى بين النساء والأطفال . سارت تلك الأغنية بيننا تختال بطريقة فرايحية وبإيقاع راكض.


    سار غناءنا يسبقنا إلى الكنيسة وما جاورها حتى وإن بعض الراهبات خرجن في ذلك الجو الهادئ المهيأ لأمطار خفيفة ليرين مصدر الغناء السائر في الطريق العام بشكل مفرح بالرغم من عدم زوال أثار جثث الموتى عن الطرقات .. اتجهنا صوب الكنيسة كما حددت "للي" في هذا الصباح لزيارة قريبتها الراهبة .. اقتربنا من الخلف للكنيسة ..صارت المقابر ترقد بيسارنا تماماً .. سحبتُ "للي" من يدها فتبعنا هوريا بالدراجة .. لم تكن المقابر داخل حوش كما تعودت أن أرى في معظم المقابر الملحقة بالكنائس .. سألت "للي" عن قبرها ، حددت قبر لم يكن يختلف في شيء عن القبور التي جاورته فعادت مترددة وأشارت لآخر ثم نفت للمرة الثانية بقولها أنه واحد من هذه القبور التي تتشابه وتسعى للانطماس بخطى حسيسة ، حاولت أن أساعدها فاقتنعت بحديثي بأنه هو ذلك الذي نمت على ظهره ثلاثة من الورود البرية إذ أن لونهما يدل على أنه مستمد من ثوب زفافها الذي صممته "للي" ومن لون ايتوكا المفضل .

    اقتنعت للي بحديثي وكذلك اقتنعت أحد الراهبات التي انضمت لنا بعد عناق طويل مع "للي" ، قدمتنا "للي" لها بلغة محلية وعرفتنا بها بشكل يدل على أنها كانت موضوع حديثنا في لحظات عديدة منذ أن التقينا

    تبادلت تلك الراهبة حديث طويل مع "للي" بلغتها المحلية ..لم نفهم منها شيء سوى التغيرات الواضحة التي طرأت على وجه "للي" .. أثار ذلك قلقنا ..صمتنا معتقدين أنها ألقت عليها خبر فقد شخص عزيز على "للي" .. لم نضايقها بالسؤال بل ساعدناها بصمتنا المتضامن مع حزنها عندما سرنا مبتعدين عن الكنيسة .

    توقفنا أمام بوابة الحامية العسكرية ، فواصلت "للي" أمامنا للبيت على ظهر الدراجة . دخلنا أنا وهوريا على صديقنا في البوابة نحمل مظلته .. تحركنا عنه بعد مدة قصيرة بادلنا فيها أسلحتنا بالمظلة .. تركناه مبتعدين فلحق بنا صوته يغير وجهة سيرنا
    ـ عليك أن تذهب للمسؤول السياسي لقد أرسل وراءك في المدينة أكثر من مرة

    سمعنا كلماته دون أن نلتفت له فقط أخذنا طريق آخر
    ـ مأمورية إذن .
    همس لي هوريا متمنياً عكس ذلك .. صمتنا حتى بلغناه كان قد خرج لاستقبالنا أمام عربة فارهة حاولت أن أتبينها من بعيد لم أستطع فعلمت بعد أن اقتربت منها تابعة لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في هذه المناطق المتضررة من الحرب والتبغ .

    ألقينا عليه التحية بحرارة وعلى شخص وقف بجواره ..رد علينا رفيقنا تحيتنا بابتسامة جميلة بينما اكتفي ذلك الشخص بتعديل نظارته السوداء التي يبدو أنها تُقيه شر هواء سرعة عربة فارهة كهذه .. تلاقت أُكفنا ببرودة ،أستمدها من أناقته ووسامته المنتشرة على جسده أو حتى دون أي ابتسامة .. جرني رفيقي الذي طلبني مبتعداً عن العربة وصاحبه .. ألقى على الخبر الذي لم أتوقعه قط أو أستوعبه حتى أحدد رد فعلي .. أشرتُ عليه بأن يستلم سلاح رفيقي الصغير حتى لا يثور .. فعلها بعد أن أخذ سلاحي أنا أولاً .

    ـ هوريا ضع سلاحك هنا في البيت لأننا سنركب عربة تابعة لمنظمة دولية وقانونهم يمنع ذلك كما تعلم .

    ركبنا جميعنا تلك العربة التي صارت غير مريحة البتة بالنسبة لي .. وصلنا بيتنا وجدناها واقفة خارج البيت وقد استعدت لذلك يبدو ..توقفت العربة .. نزل عنها وتقدم إليها .. عانقته بحرارة بل هو الذي عانقها بحرارة لأنها لم تحس معنا ببرود’ قط .. سحبها للعربة دون أن يتيح لها فرصة الالتفات إلينا إلا أنها تمكنت من ذلك حينما أنزلت زجاج النافذة فقبلتنا بعينيها الحزينتين أو هكذا تخيل هوريا حينما تذكرناها بعد ذلك بأربعة أعوام .

    ـ لا تخف أنها تحبنا أكثر منه يا هوريا

    ضرب هوريا الأرض بقدمه والهواء بيده الفارغة وهو يعض شفته السفلة ويهز رأسه ..
    ـ لكنها ذهبت ..

    10 أكتوبر 1995 ـ 12 مايو 1996
    1995 ـ 1996

    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 03-05-2007, 03:03 PM)

                  

02-27-2007, 10:30 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    up again
    !!!!!!!!!!!!!!!
                  

02-27-2007, 02:04 PM

shahto
<ashahto
تاريخ التسجيل: 02-17-2006
مجموع المشاركات: 4394

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    ya bugga slama t AH AN ah that is good ne
    up
                  

02-28-2007, 09:58 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: shahto)

    thanks Shato
    how are you and the family hopfully they are doing wel, when are u going back to sudan ???????????????and many other quition i will writte you when i get back to Juba because i don't have Arbic software , am in Nairobi for some days .

    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 03-02-2007, 08:24 AM)

                  

03-02-2007, 08:32 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Up.................up
                  

03-05-2007, 03:15 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Up.....................!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
                  

03-10-2007, 00:50 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Up حسب الطلب
                  

03-10-2007, 05:53 AM

محى الدين ابكر سليمان
<aمحى الدين ابكر سليمان
تاريخ التسجيل: 02-10-2005
مجموع المشاركات: 2440

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    لا حولاااااا
    منتهى الامتاع!
                  

03-10-2007, 06:09 AM

عبد المنعم ابراهيم الحاج
<aعبد المنعم ابراهيم الحاج
تاريخ التسجيل: 03-22-2005
مجموع المشاركات: 5691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: محى الدين ابكر سليمان)

    لا لا

    دي انا حااعمل


    print out and take it on

    I,ll be back

    thanks Bugga for this story
                  

03-10-2007, 03:20 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)

    Quote: لا حولاااااا
    منتهى الامتاع!


    تشكر يا ابو الشباب و تاني جاية في السكة
    اعمل ليها شوية شمارات ،الجماعة بيشوفوها طويلة يقوموا يكوبوا الزوغة
    Quote: لا لا

    دي انا حااعمل


    print out and take it on

    I,ll be back

    thanks Bugga for this story


    وكمان عندك حق الطبع و النشر والإقتباس
    تسلموا يا شباب
                  

03-13-2007, 00:37 AM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Nice work should be kept up
                  

03-13-2007, 01:24 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdelfatah Saeed Arman)

    تشكر يا فتاح
    كيف حالك واحوالك
    حاولت الإتصال ، و خليت رسالة صوتية
    و من لقصص الأخري هنالك هواجس حا افتش اللينك و اعلقوا ليك هنا
    تسلم و تحايا لهيثم وماجد
                  

03-14-2007, 04:18 PM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Buga
    I was trying to call u but all phones numbers you gave me weren't working ... I don't no why... I will try again
    Peace out
    Fatah
                  

03-14-2007, 06:00 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdelfatah Saeed Arman)

    كنا هنا
                  

03-15-2007, 06:17 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    تعرف يا عبدالباقي البوست ده قريتو زي 5 مرات.. وكل مرة أحاول أكتب حاجة ما أعرف..

    الليلة ساجور الكتابة إتفكا..

    كنت هنا وقريت ورويت.. وحاسة إنو المنبر البي برة ده زي الكابوس.. لأنه الناس الشاكالين ديل أكيد ما بيعرفوا يقروا زي ده..

    يا ريتم يقروا.. لريحوا روحهم وريحونا..

    ودي العامر
                  

03-16-2007, 08:16 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Raja)

    شكرا يا رجاء وفعلاً رائك مهم وكتابتك أيضاً
    و منتظر كتابة أكتر

    لك ودي
                  

03-17-2007, 05:50 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de