زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 12:50 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2007, 08:18 AM

samo
<asamo
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 862

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية (Re: samo)

    Quote: ألمانيا تضطهد اليهود

    لقد حدث في اغسطس سنة 1401م ان أصدر الملك روبرشت (1400م - 1410 م) قراراً بطرد جميع اليهود من اقليمي الراين وبافاريا، كما حرص على وجوب ارتداء اليهود ملابسهم الخاصة التي سبق ان ابتدعها عام 1210 م البابا اينوسينت الثالث، ومن ثم أخذت هذه العادة تنتشر في كثير من الدول الأوروبية.

    وظل اليهود عرضة للتقتيل والحرمان والتشريد حتى جاء فريدريك الثالث (1470-1493) فشعر بعبء الضائقة المالية التي تعانيها البلاد بسبب القيود التي فرضتها الكنيسة وأصحاب الجاه من الاقطاعيين على الأهالي، سواء أكانوا مسيحيين ام يهودا، فتدخل القيصر وأعلن حمايته لليهود، لكن حدث ان وجد طفل لم يتجاوز الثانية من عمره مقتولاً في ترنيت بإيطاليا، عام 1445م، واتهم المسيحيون اليهود بقتله، وانتشرت المذابح هنا وهناك ومنها انتقلت الى مدينة نورنبرغ الالمانية حيث تعرض يهودها لكثير من الأعمال الوحشية عام 1476.

    وحدث ان مجلس مدينة نورنبرغ تقدم برجاء عام 1473 الى القيصر فريدريك الثالث بطرد جميع اليهود من المدينة، فأهمل القيصر هذا الرجاء حتى جاء القيصر ماكميلان الأول (1493-1519م) وأصدر في يوليو عام 1498 قرارا بإجابة هذه الرغبة وطرد اليهود نساء ورجالاً من المدينة.

    ولم يقف طرد اليهود وإجلاؤهم عند هذا الحد، بل أخذت المدن الاخرى السى التسابق للتخلص منهم… وحدث عام 1509 ان شخصاً يدعي يوحنا كورون (كان في الأصل جزاراً يهودياً ثم ترك اليهودية الى المسيحية) تقدم الى القيصر ماكميلان ورجاه مصادرة جميع الكتب اليهودية واتلاف تلك التي جاءت فيها اساءة للمسيحية. وحاول يوحنا هذا كسب العالم الانساني رويشلين الى صفه الا ان رويشلين هذا رفض التعاون رغبة في الابقاء على الكتب اليهودية فسبب موقفه هذا خصومة حادة مع جماعة الدومينيكان في كولونيا (وكانوا متعاونين مع يوحنا) فأخذوا يكيدون للعالم رويشلين ويقاومون الرغبة التي دعت الى تعلم اللغة العبرية وتوجه رويشلين الى دراسة المؤلفات العبرية من الناحية اللغوية، وقد انتصر اليهود في هذه المعركة العلمية الأدبية حتى ان البابا ليو العاشر سمح للطباع المسيحي دانيال روتنبرغ بطبع الطبعة الاولى للتلمود، الا ان رويشلين، بالرغم من هذا التوفيق، كان قد أصبح في موقف حرج جداً بسبب كيد الدومينيكان ودسائسهم مما اضطره الى طلب المساعدة ووساطة اليهودي يونس فوده الطبيب الخاص للبابا بالتدخل في سبيل فض هذه الخصومة.

    ولم يقف رويشلين وحيداً في هذه الخصومة بل سانده المصلح البروتستانتي مارتن لوثر (1983-1946م)، وخاصة من الناحية اللاهوتية ، فاليهودي في رأي لوثر يجب أن يعتنق المسيحية لأنه أخ للمسيح وأن المسيح يهودي.. الا أن أمل لوثر في تنصير اليهود قد تلاشى فخاصم اليهودية لموقفها من التعاليم المسيحية اللاهوتية. وقد أثر موقف لوثر هذا من اليهود واليهودية على وضع اليهود في أوروبا وإشعال روح العداوة ضدهم حتى عصرنا الحالي إذ كان رأي لوثر هذا من العوامل وإشعال روح العداوة ضدهم حتى عصرنا الحالي ، إذ كان رأي لوثر هذا من العوامل الهامة التي امتزجت بنظرية التفرقة الجنسية النازية فاصبح اليهود ابان الحكم النازي (1933-1945م) هدفا لمختلف انواع التعذيب والقتل نتيجة لتآمرهم على ألمانيا ومحاولة تخريبها.

    انكلترا تضطهد اليهود
    وحظ اليهود في بلاد الانجليز البروتستانتية لم يكن أحسن حالا منه في البلاد الكاثوليكية وخاصة في القرن السادس عشر ففي سكسونيا وقع اول اضطهاد بروتستانتي على اليهود وكان ذلك عام 1536، حيث طرد أمير الاقليم يوحنا فردريك اليهود من إقليمه. وفي عام 1539 سمح لهم بعبور سكسونيا فقط ثم الغي هذا الاذن عام 1543، وقد استند الامير في إقراراته هذه على تعاليم مارتن لوثر.

    ولقد كان اليهود يعملون ضد المسيحية في أوروبا، وكانوا يرجعون كل تصرف لهم وكل سلوك غير طبيعي تصطدم به مصالح المجتمع الذي يعيشون فيه، الى خصائص الجنس اليهودي وتعاليم الدين اليهودي وإرادة الالهة لهم بان يكونوا سادة على (الأمميين) ولا سيادة أحد عليهم… ومن هنا كان لابد للفكر المسيحي الاوروبي من ان يقوم بعملية مجابهة سريعة امام خطر سيطرة اليهود، وبدأ كثير من المفكرين الأوروبيين الذين استطاعوا ان يروا مدى ما يتعرض له المسيحيون في اوروبا، وكذلك المعتقد المسيحي بآدابه وتعاليمه، من خطر السيطرة اليهودية والمسخ التعصبي فقاموا يكشفون عن كل الظروف والميادين التي عملت على اتاحة الفرص لكي يعبر اليهودي عن مطامعه ونزعاته وتعلقه بأساليب المضايقة وتقديم الربا الفاحش ثم سيطرته على حركة التطور الصناعي، وإدارة الاعمال، وكانت الصفوة من مفكري اوروبا ومؤرخيهم، التي هبت تحاصر الخطر اليهودي، هي تلك المجموعة من المفكرين التي قامت من فرسنا وألمانيا ثم استطاعت ان تؤثر بفكرها المستنير في كشف النقاب عن الخطر اليهودي امام باقي شعوب اوروبا.

    فرنسا تضطهد اليهود
    وفي بعض مراحل القرن الثامن عشر والتاسع عشر ادى المفكرون الأوروبيون دوراً نضاليا ضد السيطرة اليهودية على كل جوانب الحياة الاوروبية. ففي سنة 1845 الف توسينال كتاباً عنوانه «اليهود ملوك العصر، تاريخ الاقطاع المالي».

    وقد بين هذا الكتاب ما ظهر من فضائح ماليد واستغلال اناني للمالية الفرنسية في ذلك الوقت وما كان لليهود في ذلك من دور كبير، وكيف ان اليهود يقابلون بالازدراء قوانين العدل وحقوق العاملين وذلك بما أخذ به اليهود من أفكار التملود من جواز استغلال غير اليهود. ونشر الكاتب الفرنسي الكونت غوبينو Gobineau في سنة 1854 بحثاً عنوانه «المساواة بين الاجناس البشرية» Essai Sur I in egalit e des racas humaines بين فيه الفرق بين الجنسين الآري والسامي، وقصد به ان يهاجم نشاط اليهود السياسي كما هاجم توسينال نشاطهم الاقتصادي المدمر. ثم جاء كاتب ثالث فرنسي فكتب سنة 1869 كتابا عنوانه (اليهودي واليهودية وتهديد الشعوب المسيحية). وصاحب هذا الكتاب، هو جينيوده موسو، رجل من رجال الدين، وقد حاول ان يبين خطر اليهود في ميدان الدين والثقافة. وقد أكد في كتابه ان اليهود لا يقيمون وزنا ولا يؤمنيون بصحة ما يلتزمون به نحو غير اليهود من قسم او يمين، كما ان مصدر خطرهم يكمن في محاولتهم القضاء على الروحية في العالم المتدين وتفضيلهم المادة على الروح. وقد دفع هذا النشاط الأوروبيين الى ان يبحثوا عن المؤلفات التي تساعدهم على فهم اليهود فأخذوا يقرأون كتابات العالم الألماني ايزمنجز التي كتبها في القرن الثامن عشر عن تعاليم التلمود المعادية للبشر كما أخذوا يقرأون كتابات اليهود الذين تنصروا وفيها يكشفون النزعات الهدامة لبعض التعاليم اليهودية خاصة كتابات الأب جوسف ليمان.

    اذن اشتركت دول اوروبا جميعها في التعرض للخطر اليهودي الهدام. وفي مجتمع القرن التاسع عشر نرى ان رد الفعل يكاد يكون متشابها، بل انه أخذ يتبلور حتى رأيناه ينفجر في حركات شعبية ضد اليهود في ألمانيا وفرنسا والنمسا والمجر وبولندا ورمانيا وروسيا في أواخر القرن الماضي.

    ففي المانيا نشر (فيلهلم مار) Marr وهو صحفي في هامبورغ، سنة 1873 رسالة صغيرة عنوانها (انتصار اليهودية على الجرمانية)، وقد لاحظ (مار) ان هذا الانتصار اقتصادي في مظاهرة الا انه وجد ان اختلاف اليهود في الجنس هو الذي دفعهم الى هذا الانتصار بوسائل مالية ضالة منحرفة، ورأى ان هذا السلوك يستتبع محاربة اليهود وسلوكهم التخريبي. ولاشك في ان (مار) قد اعتمد في نظريته العنصرية على نظرية جرينو، الفيلسوف السياسي الفرنسي. وقد هيأت الظروف سلسلة من الفضائح المالية في ألمانيا اشترك فيها يهود لجأوا لاستعمال هذا العداء العنصري، حتى لقد أخذ به بسمارك في برنامجه السياسي سنة 1879 خاصة وانه وجد خصومة عنيفة لسياسته الجمركية من حزب الاحرار الذي كان يتزعمه اليهوديان لاسكر وبامبرغو.

    وسار بعد ذلك في ألمانيا العداء بين المسيحيين واليهود في عالم الفكر والسياسة جنبا الى جنب… ففيلسوف المانيا السياسي (تريتشكه) Treitchke اخترع نظرية التعارض بين الارية واليهودية ونشرها من كرسيه في جامعة برلين وأوجد الجملة التي ذهبت مثلا بين الألمان: (ان اليهود بلاؤنا)، كما ساهم الفيلسوف (نتشه) في حركة احتقار اليهود في المانيا. ولكن المرجع الكلاسيكي عن نبذ اليهود كجنس يتمثل في كتاب «اسس القرن التاسع عشر» Foundations of the 19th Century الذي كتبه عالم الماني من مولد انجليزي هو هوستون ستيوارت تشامبرلن سنة 1898. وقد حل هذا الكتاب مرجعاً الى ان اخذ مكانه كتاب «كفاحي» الذي ألفه هتلر دستوراً للحركة النازية.

    ولم تكن هذه المؤلفات الفكرية عن السياسة الأوروبية لمناهضة اليهود وأثرهم المفسد في الحضارة الصناعية البرجوازية، اثناء القرن التاسع عشر الا ينابيع لحركات المقاومة ضد اليهود في أوربا سواء كانت حزبية او شعبية، فقد أصبحت مراجع لتبرير التكتل الاوروبي ضد الخطر اليهودي. وتنقلت الافكار الاساسية عن ذلك الخطر على الجنس والسياسة والاقتصاد والدين بين دول أوروبا على مختلف انظمتها الاجتماعية.

    وقد التقى فكر الانجيل الذي يحمل اليهود «اللعنة» الى يوم القيامة بوصفهم (قتلة المسيح)، حسب زعمهم، مع التجربة العادية التي كان يحسها المواطن العادي في علاقته اليومية مع اليهود، ولذلك ترجمت هذه الافكار العدائية الى منظمات سياسية، ففي المانيا تكونت عصبة محاربة السامية تحت زعامة القسيس اللوثري ادولف شتوكر الذي أسس اتحاد العمال الاشتراكي المسيحي، وقد زاد الحركة بعض اليهود لهيباً وانتشاراً بين جماهير الشعب ان ظهر زعيم شعبي في شخص هيرمان الفرت الذي استطاع في سنة 1891 ان يرفع قضية قتل بعض اليهود من أجل طقوسهم الدينية. وقد ادت هذه القضية الى زيادة النقمة والبغض على اليهود.

    ولم تتخلف فرنسا عن ركب المحاربين لنفوذ اليهود الذي امتد الى جميع الميادين من سياسية واقتصادية واجتماعية. فحين تألمت برلين من سلوك اليهود تألمت براغ، وفيينا وكذلك باريس من سلوكهم، وان كان الفرنسيون قد وضعوا اصبع اوروبا الحديثة على الداء الجديد بما أفهمهم كتابهم عن خطر اليهود. فكن ادوارد ريمون الصحفي الباريسي البارع الاسلوب زعيم الكتاب الفرنسيين في هذا المجال اثناء العشرين عاماً الاخيرة من القرن التاسع عشر اذ ألف كتاب «فرنسا اليهودية» الذي تدفقت من نسخة عشرات الآلاف كل شهر من مطابع باريس وتلقفته الأذهان تلقفا نادر المثال، كما انه اسس صحيفة «القول الحر» في سنة 1892 فاستطاع بكتابه وصحيفته ان يقدم غذاءاً حيا مثيرا لحملة سياسية قويد ضد اليهود، عدو أوروبا المشترك.

    النمسا والمجر تضطهدان اليهود
    تعاون الفكر والسياسة في محاربة اليهود في ألمانيا، وفي الامبراطورية النمساوية المحرية، ففي المجر كان للقسيس الكاثوليكي روتبخ اعمق الاثر في ازاحة الستار عما تشتمل عليه تعاليم اليهود القديمة خاصة ما جاء فيها بالتلمود من دعوة الى تدمير غير اليهود. وقد ضمن هذه الافكار كتابه «يهود التلمود» الذي نشره عام 1871.

    وما أن عين استاذاً للديانة الكاثوليكية في جامعة براغ حتى انتشر ذكره وعمق اثره وتجاوبت تعاليمه مع الحركة السياسية المعادية لليهود في براغ. ولم يكن القسم النمساوي من الامبراطورية بأهدأ حالا من الناحية السياسية، اذ تيقظ الوطنيون في فيينا لما يمثله اليهود في حياة الامبراطورية من عوامل الفساد والاستغلال، فوضعوا اسس الحركة المعادية لليهود، وكان من ابرز قوادها الدكتور لوجز الذي بارك البابا حزبه سنة 1895، والذي انتخب محافظا لمدينة فيينا في العام نفسه، ولكن الامبراطور قاوم انتخابه بأن رفض تعييه في منصبه ولم يوافق على ذلك الا بعد ان اعيد انتخابه اربع مرات.

    واصرار اهل فيينا على انتخاب الدكتور لوجز رغم معارضة الامبراطور دليل القوة التي بلغها بين الشعب الزعماء الذين استهدفوا محاربة اليهود.

    وجاءت الفضائح السياسية والمالية التي اشترك فيها ثلاثة من مشاهير اليهود المضاربين تؤكد بالعمل على ما ينادي به أمثال هؤلاء الزعماء وجاءت قضية الضابط اليهودي (درايفوس) الذي اتهم بانه تآمر مع الألمان ونقل أسراراً حربية فرنسية الى قيادتهم، وقد أخذت هذه القضية دوراً كبيراً في فرنسا وازداد حقد النصارى على اليهود.

    أوروبا الشرقية تضطهد اليهود
    ولما كانت أوروبا تسيطر عليها النصرانية، التي تلعن اليهود، في دولها الغربية والشرقية، فقد وجدت صورة مشابهة لعداء اليهود في الغرب في دول اوروبا الشرقية، ففي رومانيا كان اليهود يعملون كوسطاء ووكلاء للنبلاء الارستقراطيين، وقد زاد من أهميتهم ان الطبقة الوسطى كانت شبه معدومة، وكان الفلاحون في حالة من البساطة والسذاجة مكنت من استغلالهم بواسطة اليهود، فكرههم شعب رومانيا كرها عميقا لأنه رأى فيهم اصحاب السيطرة الحقيقية على مصائره المعيشية، خاصة انهم أضافوا الى مقدرتهم على استغلالهم، باسم النبلاء، استغلالهم عن طريق المتاجر واقراض المال بالربا الفاحش. ولقد زاد السخط بين شعب رومانيا مع الزمن على اليهود انتهى بثورة ضدهم.

    وان كان تاريخ اليهود في رومانيا قد حفل بالحوادث اثناء القرن التاسع عشر، الا ان تاريخهم في روسيا القيصرية قد تجاوب في احداثه ويعد اثره على نطاق امتد في الزمان والمكان امتداداً اتفق ومكانة روسيا وظروفها.

    ومن ثم كان من الطبيعي ان يكون تفاعل اليهود مع الروس في جسامته وحدته متلائما مع ضخامة اعدادهم وخسائس افعالهم، وحاولت روسيا ان تحدد اقامتهم بان تخصص لهم أقاليم لا يبرحونها الى سواها دون اذن من السلطات العامة. وقد احتوت تلك الاقاليم على اكثر من نصف اليهود في العالم. وقد استغل اليهود في روسيا، بالاضافة الى الربا واقراض المال، صناعة الخمور وبيعها، بل ان تجارة الخمور اصبحت احتكاراً عليهم. ولذلك عاش الاهالي في دين مستمر لاصحاب الحانات اليهود. فأضيف الى الحقد الذي نتج عن سوء سلوك اليهود واستغلالهم للشعب الروسي الى ما تعلموه من المسيحية التي تدعوهم الى كره اليهود ولعنهم، لانهم صلبوا المسيح في زعمهم، وكان الكره الروسي متجاوبا مع نشاط اليهود العنيف في استغلالهم. ولقد اشيع عند اغتيال الاسكندر الثاني سنة 1881 ان لليهود يدا في ذلك. ولذلك قام الفلاحون واهل المدن بهجوم كان القصد منه تدمير اليهود للأخذ بالثأر لمليكهم المصلح في ربيع سة 1881. وتكرر الاعتداء في صيف العام نفسه وفي ربيع العام الذي تلاه.

    وقد أصدرت الحكومة بعض القوانين المؤقتة لتنظيم اقامة اليهود لقاء استفزازهم للشعب وهجوم الشعب عليهم من حين لاخر استجابة لعقيدته المسيحية واستجبابة لسوء سلوك اليهود الذي كتب الله عليه المسكنة والذل فألهمهم الخطأ في السلوك لتضربهم الشعوب. وقضت هذه القوانين بعدم اقامة مستوطنات جديدة او شراء املاك او سلع خارج المدن، كما انها لم تسمح لهم بالعمل في ايام الآحاد والاعياد المسيحية.

    ولقد ازداد اليهود سخطاً بهذه القوانين التي اطلق عليها «قوانين مايو» وأصابهم الذعر من المذابح المتكررة التي تلاحقت بهم حتى بلغت اقصاها في حوادث سنة 1905. وقاموا ذلك بالهجرة الى أوروبا وأمريكا وبالحركات السرية في روسيا. وقد حاول الغرب من أقصى اليمين الى اقصى اليسار ان يسد بابه دون اليهود وأن يفتح امامهم باب الشرق العربي. وما ان تفجرت الحرب العالمية الاولى سنة 1914 حتى كان الغرب قد وصل الى سياسة اغلاق الباب نهائياً في وجه المهاجرين اليهود، لأن هؤلاء المهاجرين من روسيا الى هذه البلاد الغربية لم ينسوا ان يصحبوا معهم ثقافتهم وطرق حياتهم الخاصة مما آثار شكوى الدول اوروبية واعلانها لرأيها عن تجربتها المؤلمة معهم. فهم لم يتخلواعن نظريتهم المعادية للمجتمع المحيط بهم، ولم يتخلوا عما تنطوي عليه نفوسهم من قسوة وضغائن. وظهر ذلكبطريقة عملية في مزاولتهم لأعمالهم العادية اثناء السلم، وفي محاولة الهرب من الخدمة العسكرية عقب اندلاع الحرب في سنة 1914، ولم يراعوا المنافسة الحرة الكريمة في العمل، فحاول العمال منهم ان يعملوا بأجور مخفضة انخفاضا يضر بمصالح العمال غير اليهود في بلدان اوروبا الغربية، كما حاول المشتغلون منهم بالتجارة ان ينافسوا غيرهم من التجار بعرض سلع رخيصة والاكتفاء في اغلب الاوقات بنصف الارباح المعتادة معتمدني في ذلك على ما تعودوه في مواطنهم الأصلية من انحراف في التعامل والتواء في الوصول الى مآربهم المادية.

    وقد جاءت الحرب العالمية الاولى فكشفت عن هذه الانحراف والالتواء لأن اوقات الأزمات اقدر على إظهار جوهر الخلق والسلوك الاجتماعي من أوقات الهدوء العادي. وتجاوبت الشكوى في أوروبا وأمريكا من محاولات اليهود الطارئين المعقدة في اخفاء انفسهم واشخاصهم عن نظر ادارات التجنيد الاجباري بالرغم من حصولهم على الجنسية في الدول التي استوطنوها بعد الهجرة، وكانوا يشوهون أعضاءهم حتى يتهربوا من الجندية وحتى بعد التجنيد، مما جعل الحلفاء الغربيين يرون في اليهود مثالاً في عدم الولاء وانكار الجميل مما أدى الى تعاظم الحقد عليهم.

    الولاء بين اليهود والنصارى
    من هذا السرد التاريخي للعداء اليهودي النصراني يتضح بما لا يدع مجالاً للشك انه لم يحدث ولاء بين اليهود والنصارى عبر التاريخ، وانما حدث العكس من ذلك: العداوة والبغضاء، ويشير القران الكريم الى ذلك ويقرر ان العداوة قائمة بين اليهود والنصارى. ففي سورة الصف (الآية 13) يقول الله تعالى: (يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من انصاري الى الله، قال الحواريون نحن أنصارالله، فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) والذين آمنوا هم الذين أصبحوا «نصارى» والذين كفروا هم الذين استمروا على يهوديتهم.

    وتقرر الاية انهم منذ ذلك الحين أصبحوا أعداءاً وان الله سبحانه وتعالى قد أيد النصارى على اليهود فأصبحوا ظاهرين عليهم مسلطين. وكذلك يقول الله تعالى في سورة البقرة (الآية: 113) (وقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، وهم يتلون الكتاب).

    ولكننا نجد أن الآية (50) وما بعدها من سورة المائدة تقرر ان هناك ولاءاً بين اليهود والنصارى، وتحذرنا من أن نتخذ اليهود والنصارى أولياء… فكيف يمكن التوفيق بين الذي جاءت به آيات القران، والتي تقرر العداوة بين اليهود والنصارى، وكذلك الواقع التاريخي للعداوة المستمرة بين اليهود والنصارى… وبين الولاء الذي تتحدث عنه الآيات (50) وما بعدها من سورة المائدة والتي يقول الله فيها: (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى اولياء، بعضهم اولياء بعض، ومن يتولهم منكم فانه منهم. ان الله لايهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون: نخشى ان تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح او امر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين امنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالهل جهد أيمانهم: انهم لمعكم، حبطت اعمالهم، فأصبحوا خاسرين. يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولايخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم، انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتمون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا، فان حزب الله هم الغالبون).

    فالقران يتحدث في هذه الايات عن ولاء وتناصر بين اليهود والنصارى. والآية (113) التي أشرنا اليها من سورة البقرة والآية (13) من سورة الصف، تتحدثان عن خلاف وعداء بين اليهود والنصارى، والواقع التاريخي الذي سردنا قسما منه يؤكد هذه العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى. وهذا في ظاهره تناقض، ومعاذ الله ان يتناقض كتاب الله، اذن لابد ان آيات المائدة التي نحن بصدد تفسيرها، تتحدث عن فترة زمنية آتية بعد نزول الآيات. فهي لا تصف واقعاً في حين نزولها، اذ لم يكن في حين نزولها ولاء بين اليهود والنصارى في جزيرة العرب، او في أية بقعة من بقاع العالم، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، حين نقض اليهود العهد في المدينة قاتلهم منفردين في المدينة وفي خيبر وتيماء ولم يحدث لهم مساعدة وتناصر وموالاة من النصارى، اذ لم يكن في المدينة وما حولها نصارى، وكذلك لم يكن في مكة يهود ولانصارى.

    ولما اقتضى ان تحمل الدعوة الى خارج الجزيرة، خرج الجيش المسلمين فقاتل النصارى في ديار الشام لأول مرة في معركة مؤتة، اذن هذه الآيات هي من آيات الغيب التي تتحدث عن فترة زمنية قادمة يعاون فيها اليهود والنصارى، ويوالي بعضهم بعضاً للتآمر على المسلمين. وهذه الآيات التي أخبرت عن مستقبل آت هي من قبيل قوله تعالى في سورة الروم (الآيات 1-6): (آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد. ويومئد يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر منيشاء، وهو العزيز الرحيم، وعد الله، لايخلف الله وعده، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم، وعد الله، لايخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لايعلمون). وهي من قبيل قوله تعالى في سورة النور (الآية 55): (وعد الله الذين آمنوا منكمن وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا، يعبدونني لايشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)

    وبالفعل انتصرت الروم بعد فترة وجيزة على الفرس كما وعد الله في كتابه، وبالفعل حقق الله وعده للمؤمنين فأصبحوا خلفاء الأرض يعمرونها، وأصبح دينهم هو الدين المسيطر، وأصبحوا يعيشون في أمن وطمأنينة في بلادهو وفي كل بلد دخلها الاسلام.

    القرآن يتحدث عن المستقبل
    ولما كان القران هو كتاب الله الخالد الى يوم القيامة، ويتحدث عن مسيرة البشرية الى ان تلقى ربها، فمن البديهي ان يشير الى الاحداث الكبرى في صراع المسلمين مع أعدائهم من اليهود والنصارى، وكم من الآيات التي نقرأها اليوم فنقف امامها خاشعين لانها ترسم صورة المجتمع الذي نعيشه، كقوله تعالى في سورة الانعام (الآية 64) (قل هو القادر على ان يرسل عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم، او يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الايات لقوم لعلهم يفقهون). اليست هذه الاية واحدة من الآيات التي ترسم صورة ما عانته الأمة وما تعانيه من فئات متبانية وأحزاب متلاعنة وحروب محلية واستعمال للطائران والقنابل والالغام والمدافع بين الفئات المتحاربة من الأمة الواحدة. هذه الأسلحة الحديثة (من فوقكم ومن تحت أرجلكم) لم تكن معروفة وقت نزول هذه الآيد، وهذا يدل على آن هذا القران هو معجزة الله الخالدة ينبه الأمة لأن تسير طريقها السوي وتمشي صراطها المستقيم والا حل بها عذاب في دنياها مصداقاً لقوله تعالى في سورة السجدة (الآية: 21) (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر، لعلهم يرجعون). وحينما نقرآ اية اخرى من هذه الآيات التي تتحدث عن فترات زمنية قادمة بعد نزولها ترمض فيها الامة مرضا ماديا، فتنصرف الى التمتمع بالملذات والجري وراء الشهوات والانغماس في الرذائل وذلك نتيجة انصرافها عن عباة الله وعن الجهاد والذكر، وكيف ان ذلك سيؤدي بها الى الهلاك والدمار، لان الترف دائماً يمزق الامم ويهدم الحضارات لأنه يفقد الامة صلابتها ويقتل روح التحدي فيها فتستريح من تعب الجهاد وتنام مسترخية فيدب في جسمها التفسخ وذلك حينما تعرض عن الجهاد وعبادة الله التي خلقت من أجله، يقول تعالى في سورة الانعام (الايتين 44-45) : (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين)

    أرأيت الى الصورة الاعجازية. الربانية كيف ترسم الواقع الذي تعيشه البشرية الان التي أعرضت عن الله فلم تتوقف بينها الحروب المدمرة. ففي هذا القرن وقع حربان عالميتان اصابت شرورهما الانسانية جمعاء. وفي هذا القرن اندلعت كثير من الحروب المحلية المحدودة التي دمرت البلدان الت اشتركت فيها، وفي هذا القرن، حيث اعرضت الانسانية عن ربها نهائيا، كثرت الزلازل والفيضانات وحوادث الصقيع والجليد التي يعطي الله بها الإنذارات للبشرية علها تعقل. الم تر الى نيويورك، وهي اكبر عاصمة مادية في الكرة الارضية، كيف نهبت في ليلة واحدة حينما سادها الظلام نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي قبل بضع سنين.

    والقوتان العظميان تحشدان الأسلحة النووية الفتاكة والأسلحة الجرثومية تتفننان في اختراع ما يؤدي الى هلاك البشرية، وهما في نفس الوقت يدعوان الى الالحاد وينشران الفساد فأعرضت البشرية تحت توجيههما عن ذكر الله. فهل يحدث خطأ مقصود او غير مقصود فتخرج هذه الأسلحة المخزونة من عقالها لتدمر البشرية.

    ونحن في العالم الاسلامي بدأنا نلحق بالبشرية الضالة. نلهث وراء الموضة ونقلد، بوعي وبدون وعي. نأكل ما يأكل الكفار ونلبس ما يلبسون ونشرب ما يشربون من حلال او حرام وأخذنا ننصرف عن الوحي، عن القرآن والسنة، وفي هذه الحقبة الزمنية فتح الله على البشرية ابواب كل شيء بحيث أصبحت الحياة سهلة ميسورة لا مشقة فيها ولا عنت . الطعام يأكله الإنسان شبه مهضوم، واللباس يشتريه مخيطا وكل يوم لباس جديد وموضة جديدة. وجاءت السيارات وتبعتها الطائرات وتطورت وسائل المواصلات حتى صغرت الكرة الأرضية وأصبحت في تناول الإنسان يرتادها في يومين او ثلاثة أو في يوم أو في بعض يوم. وجاءت الكهرباء ومشتقاتها آلة تطبخ وأخرى تغسل وثالثة تنظف ورابعة تكوي وخامسة وسادسة الى ما لا يعد ولا يكاد يحصى. وفتنن الناس في بناء القصور وزخرفتها ، واصبح الديكور في البيت يكلف أكثر من البيت نفسه ، ورأينا في عواصمنا نحن المسلمين بيوتا تبنى يسكن فيها زوجان يكفي ثمن الواحد منها لاطعام قرية جائعة. وأصبح التفاخر بالاثاث الفاخر والديكور وبرك السباحة مجالا للفرح والتيه. فهل رأيت كيف تصف هذه الآية من القران الكريم الواقع الذي نحياه الان، وان هذا الترف اللامعقول واللامقبول سيؤدي الى تدمر الحضارة الغربية بوجهيها الاشتراكي والرأسمالي. واننا نحن في المنطقة الاسلامية ونحن في معركة مع عدونا، وهي معركة بقاء او فناء، كيف نستسيغ لأنفسنا العيش في هذا الترف القاتل وبناء هذه القصور. وان بعض الاحياء السكنية في بعض العواصم العربية فيها من القصور والديكور والتفنن المعماري ما لا يكاد يوصف مع انها في كل لحظة تحت رحمة صواريخ العدو وطائراته بل ومدفعيته، والله يهددنا ان لم نتعظ فانه سوف يأخذ هذا الترف كله ويفنيه، ونعيش بعدها ملبسين في يأس وقنوط.

    ولقد حقق الله المثل الذي ضربه في القرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان . وتتمثل هذه الصورة اليوم في بيروت التي كانت مثالاً للحياة المتفسخة، لا تنام الليل وتلهث في النهار. انهارت فيها القيم واختلط الحابل بالنابل والنجاسة بالطهر، والكفر بالايمان والعهر بالاستقامة، والرجولة بالميوعة، حتى لم تعد تميز بين خير وشر وحلال وحرام، ولا تعرف المسلم من غير المسلم، يلهث وراء اللذة ويشبع جوعه المعدة وجوع الجنس بأي وسيلة وكيفما اتفق.

    وفجأة فاذا بيروت تعيش الخوف والجوع ويهلكها العهر ويمحقها الربا. فكل تجارة بيروت وعماراتها وأسواقها قائمة على الربا. ولما كان القرآن قرر ان الربا ماله المحق، فاجتمع في بيروت الترف والكفر والربا وكلها عوامل الدمار لأي مدينة في الأرض. ولنتدبر الآيات المعجزات:

    (واذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميرا)(16: الاسراء).

    (يمحق الله الربا ويربى الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم) .(276: البقرة)

    (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) (112: البقرة)

    ولسائل ان يسأل: هل بيروت وحدها التي أسرفت وكفرت ورابت! والجواب هو: ان عواصم الغرب الكبرى دمرت في خلال هذا القرن مرتين، مرة في الحرب العالمية الاولى والأخرى في الحرب العالمية الثانية، ولا ندري هل سيبقى منها أثر في الحرب العالمية المقبلة ام لا… وبهذا يتبين ان آيات القرآن المتعلقة بمسيرة البشرية لا يصح ان تفسر تفسيرا تاريخياً فقط، كآيات الاسراء المتعلقة ببني اسرائيل وبعلوهم وفسادهم. وقد بينت في تفسيرها ان المرتين بعد نزول القرآن وليس قبله.

    وبهذا السرد للآيات القرآنية التي تتحدث عن المستقبل، أردت ان اوضح ان معنى آيات المائدة في الموالاة بين اليهود والنصارى هو مستقبلي، وان التحدث عن المستقبل في علاقات المسلمين مع اليهود والنصارى. وان تآمر اليهود والنصارى مجتمعين على المسلمين وأرض الاسلام، والأرض المباركة هو بعض ما جاء به القران الكريم.

    تحقق الموالاة بين اليهود والنصارى في بداية القرن العشرين

    ونعود الى الاية وتفسيرها: (يا ايها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهودم والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض) (51: المائدة). وقد بينا آنفا انه لم تحدث موالاة بين اليهود والنصارى منذ ان جاء عيسى عليه السلام بالنصرانية الى بداية القرن العشرين وان العداء هو الذي كان بينهم، ولكن فجأة تحدث الموالاة والتناصر بينهم، وينسون الاحقاد التي كانت العلامة المميزة للعلاقات بينهم… فقد تعاونوا في أول القرن على عزل السلطان المظلمون عبد الحميد، حين رفض ان يعطي اليهود امتيازات في فلسطين. وكان اليهود في المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقدوه بمدينة بال بسويسرا سنة 1897 قد اتخذوا قراراً بالاستيطان في فلسطين التي كانت جزءاً من الدولة الاسلامية العثمانية. وذهبت رسلهم الى مقابلة السلطان في استانبول ومن الذين ذهبوا لمقابلة السلطان: اليهودي قره صو افندي ورئيس المؤتمر الصهيوني هرتزل. وقد عرض هؤلاء على السلطان في بادئ الامر ان يسدد اليهود ديون الدولة العثمانية وان يخضوا السلطان بخمسة ملايين ليرة عثمانية ذهباً. ولكن السلطان، الذي كان على وعي تام بمخططات الكفار ضد بلاد المسلمين وكان يحذر الواعين من الأمة من هذا التامر، رفض العرض.

    وظن اليهود ان الأمر يتعلق بقلة المبالغ التي عرضوها فأخذوا يرفعون الرشوة حتى بلغت الآتي:

    تسديد ديون الدولة العثمانية، وتعمير الأسطول العثماني، ومبلغ مئة وخمسين مليون ليرة ذهبا للسلطان شخصياً… ولكن السلطان المسلم، أخبرهم بأن حفنة من تراب الارض المقدسة تساوي اموال اليهود التي في الدنيا. فقرر اليهود ان يتخلصوا منه فتعاونت المحافل الماسونية مع الحركة القومية الطورانية واليهود الدونمة (الذين أظهروا الاسلام وأبطنوا الكفر) مع النصارى وتم عزل السلطان سنة 1909 ونفي الى سالونيك وأهين وعذب وشوهت سمعته.

    وكان اليهود قد تعاونوا مع الانجليز في اثناء الحرب، وكان وايزمان اليهودي عالماً كيماوياً فاستغل مخترعاته في أثناء الحرب، وكذلك البيوتات المالية اليهودية، مثل روتشيلد، استغلت حاجة بريطانيا لمخترعاته وأموالهم. وكانت بريطانيا لا تزال العدو الاول للمسلمين فأعطت اليهود وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، وكان ذلك اثناء الحرب وباتفاق مع امريكا، وينص الوعد على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وكان هذا أول تعاون بارز بين بريطانيا النصراينة واليهود.

    وبعد الحرب العالمية الاولى انشئت عصبة الامم، وفي سنة 1992 اعطت حق الانتداب لبريطانيا النصرانية على فلسطين لتضع البلاد اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا وسياسيا في وضع يتحقق منه انشاء الوطن القومي اليهودي. وبالفعل قامت بريطانيا النصرانية بهذا الامر شر قيام. فعينت اول مندوب سام لها في فلسطين من اليهودوهو هربرت صمويل.

    استمر هربرت صمويل مندوبا ساميا في فلسطين لمدة ست سنوات، وضع فلسطين خلالها في وضع يساعد على انشاء الوطن القومي لليهود، فسن قوانين اباحة الهجرة اليهودية وتغاضى عن الهجرة اليهودية «غير الشرعية»، وفرض ضرائب باهظة على الارض حتى يضطر الفلاح العربي المسلم الى بيعها، وأباح استيراد القمح من استراليا وبيعه بأرخص من القمح الذي تنتجه ارض فلسطين، وحتى لاتقوم الارض بتكاليفها وتكاليف معيشة الفلاح. ومع هذا فان هذه السياسة لم تنجح في ان يبيع اهل فلسطين ارضهم وبقوا متشبتثين بها، بالرغم مما يقوله أعوان اليهود وسماسرة الحكام من أمثال المدعو انيس منصور رئيس تحرير مجلة (اكتوبر) المصرية الذي قال، بكل وقاحة، ان اليهود اشتروا فلسطين شبراً شبراً، حتى يبرز ليسده المرتد مناداته ببقاةء دولة اليهود في فلسطين. والواقع هو أن اليهود كانوا يملكون من أرض فلسطين 2 في المائة حتى سنة 1918 وحتى 1948 كان مجموع ما ملكه اليهود من فلسطين 5.8 في المائة حسب احصائية الامم المتحدة. ولم يكن ال 3.8 في المائة بيعاً من أهل فلسطين وانما كان من الأراضي التي تملكها الدولة وأعطاتها بريطانيا النصرانية لليهود، وبعض العائلات الاقطاعية التي كانت تمتلك قسما كبيراً من شمال فلسطين وكانت تقيم في لبنان، ومنها عائلة سرسق وعائلة سلام، باعث أرضها لليهود.

    مقاومة الشعب الفلسطيني
    واخذ الشعب في فلسطين يقاوم سياسة التهويد ويتشبث بأرضه، فقام بالثورات المتلاحقة فكانت ثورة سنة 1921، وثورة سنة 1929 حينما ادعى اليهود ملكيتهم لحائط البراق وانه من بقايا هيكل سليمان، ثم ثورة سنة 1933 ثم الثورة الكبرى من عام 1936 الى 1939، حيث قام الشعب كله يصارع بريطانيا واليهود يضرب المثل للدنيا في التضحية والفداء، وقدم آلاف الشهداء وتعرض للتعذيب في السجون والمعتقلات. وعاش الناس في ارهاب ولكن روح التحدي فيهم كانت عالية لمتستطع بريطانيا اقتلاعها أو تدميرها بالرغم من المشاكل. وفي هذه الاثناء انشأت بريطانيا جيشا لليهود، اخذت تدربه وتسلحه بام حرس المستعمرات (الهاغاناه). وكاه هذا الحرس هو النواة الحقيقيد لجيش دولة اليهود فيما بعد. وكل رؤساء الأركان فيما يسعى بجيش الدفاع اليهود منذ سنة 1948 هم من ضباط هذا الفريق اليهودي مثل ديان، وآلون، ويادين وغيرهم.

    وهكذا عملت بريطانيا النصرانية باعطاء اليهود كل ما يريدون وكثر مما يريدون، وأسست لهم دولة في أرض الاسلام واستمر التعاون بين اليهود والنصارى في هذا القرن، فأصدرت هيئة الامم النصرانية، وريثة عصبة الامم - والتي أسسها الحلفاء المنتصرون لتقسيم مناطق النفوذ فيما بينهم - قراراً بانشاء دولة اليهود في فلسطين عام 1947.

    وتسابقت الدول النصرانية الكبرى على الاعتراف بهذه الدويلة، فتفتخر امريكا النصرانية، وريثة بريطانيا النصرانية في عداء المسلمين، بالاعتراف بهذه الدولة بعد انشائها باحدى عشرة دقيقد، وكانت روسيا الدولة الثانية ونالت «الفخر» بهذا الاعتراف السريع، مع ان هذا الاعتراف يخالف مبدأها الشيوعي الذي تقوم عليه وهو (الأممية) ومحاربة (العنصرية) كما يزعمون… الا ان العداء للإسلام جمع بين اطراف الكفر المتناقض الذي هو كقطعة العملة الواحدة ذات الوجهين.

    وتوالت اعترافات الدول النصرانية بدولة اليهود. وبعد ذلك اخذت الدول النصرانية تلهو بالمسلمين وبحكامهم فتصدر قرارات في هيئة الامم المتحدة تبين حقوق الفلسطينيين بأرضهم وتطالب بعودتهم وبتنفيذ قرارات التقسيم. والحكام الذين والوا اليهود والنصارى، والذين هو من صناعة اليهود والنصارى، اعجبتهم اللعبة والعبث الذي يجري بهم وبأمتهم، فكلما اجتمع حاكم الى حاكم أصدرا بيانا يطالبان فيه بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين والتي أصبحت لاتعد ولا تحصى.

    واستمر التعاون بين اليهود والنصارى حتى كان العدوان الثلاثي على مصر المسلمة حيث اشتركت جيوش نصرانية (فرنسية وبريطانية) مع جيش يهودي في الهجوم على مصر سنة 1956. وهذا لأول مرة في التاريخ.

    وفي الستينات من هذا القرن بلغ التعاون ذروته باعلان البابا تبرئة اليهود من دم المسيح - حسب زعمهم - حتى لا يتأثر النصارى المتدينون حينما تسقط مقدساتهم في أيدي اليهود الذي صلبوا المسيح - حسب زعمهم… وبلغ الامر ذروته بتعاون الكثير من نصارى لبنان خاصة الموارنة منهم بكل وضوح وبكل وقاحة مع اليهود وحيث يقاتلون المسلمين في خندق واحد.

    ومن العجيب الغريب ان دولة لبنان النصرانية بقيت فترة طويلة تقوم بدفع مرتبات جنود الخائن سعد حداد بالرغم من تعاونهم العلني مع اليهود. وهذه الاموال من دافعي الضريبة المسلمين، ومن مساعدات دول البترول - التي سكانها مسلمون - فكيف حدث هذا؟ او كيف يحدث هذا؟ انه الكفر وأعوانه يفعلون ما يريدون.

    وأما ما قاله الطبري وغيره من المفسرين في قوله تعالى (بعضهم اولياء بعض) فانه علل ذلك بان اليهود انصار بعضهم البعض ويد واحدد على جميعهم، وان النصارى كذلك. وهذا القول مردود بالقرآن وبالواقع التاريخي لأن القران يقرر ان النصارى مختلفون الى يوم القيامة وبينهم العداوة والبغضاء، فلا يمكن ان يكونوا يداً واحدة لان الله تعالى يقول في سورة المائدة (آية 14) (ومن الذين قالوا: انا نصارى، أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به، فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون).

    ولذلك، منذ ان انقسم النصارى الى طوائف، والعداوة قائمة بينهم على اشدها… فالكنيسة الشرقية (الأرثوذكس)، التي مقرها اسطنبول، لا تعترف بالكنيسة الغربية (الكاثوليك او اللاتين) التي مقرها روما، وبابا روما لا يعترف ببابا اسطنبول. وقد انقسمت الكنيسة الغربية وانفصلت عنها حركة التجديد الديني (البروتستانتية) التي تزعمها مارتن لوثر كنج والتي تتمثل في الكنيستين الانجليزية والألمانية… فلا يعترف البروتستانت بالبابا ولا يعترف البابا بالابروتستانت فهو يعتبرهم خارجين عن الكنيسة (هراقطة) وهم يعتبرونه مرتينا لانه يؤمن بالتماثيل والصور. والصراع الدموي بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية، القائم على اساس ديني والذي لم يهدأ منذ سنوات طويلة، يعطي صورة واضحة عن عداوة النصارى بعضهم مع بعض، والحروب بين دول اوروبا النصرانية لم تتوقف عبر التاريخ. فما من دولة أوروبية الا وحاربت جارتها النصرانية، وكثيراً ما كان العامل الديني المذهبي هو المحرك في هذه الحروب.

    واليهود كذلك ليس بعضهم اولياء بعض بنصر القران الكريم، فكما أوقع الله العداوة بين النصارى بعضهم مع بعض، أوقع العداوة بين اليهود بعضهم مع بعض والى يوم القيامة… قال الله تعالى (64: المائدة) (وقالت اليهود: يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولُعِنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا، واللّه لا يحب المفسدين)… ويقول الله تعالى ذكره في سورة الحشر (الآية 14): (لايقاتلونكم جمعياً الا في قرى محصنة او من وراء جدُر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ذلك بانهم قوم لايعقلون)

    والمتتبع لأحوال اليهود في الارض المغتصبة يجد مدى انطباق هذه الآية وصدقها على المجتمع اليهودي في فلسطين. فالاحزاب اليهودية حوالي ثلاثين حزبا من أقصى اليسار الشيوعي المتطرف الملحد الى اقصى اليمين الصهيوني المتحجر. والاحزاب تتناحر بعنف. والمجتمع اليهودي مجتمع عنصري طبقي مخيف. فالحياة الرغيدة هي لليهود الاوروبيين، والذين هم من أوروبا الشرقية خاصة، مثل روسيا وبولونيا. هؤلاء هم أصحاب السلطة في الدولة. فكل الزعماء الذين اقاموا دولة اليهود وحكموها تقريبا. منهم من أمثال غولدا مائير وبن غوريون وشرتوك وآلون وديان وبيغن. وهؤلاء اعطوا الامتيازات لأنفسهم وبقية اليهود الذين جاؤا الى فلسطين من أوروبا وأمريكا، اما اليهود الشرقيون الذين هم ليسوا من دول أوروبا وأمريكا فهم مواطنون من الدرجة الثانية او الثالثة فهم وقود الحرب ويعيشون في أدنى درجات السلم الاجتماعي.

    الفئة التي والت اليهود والنصارى وأصلها مؤمن

    وتتحدث الايات محذرة المؤمنين من أن يوالوا اليهود والنصارى وقد قال ابو جعفر الطبري في تفسير قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم): ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فانه منهم، فان من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهوم من أهل دينهم وملتهم، فانه لايتولى متول احداً الا وهو به وبدينه مؤمن وما هو عليه راض واذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه.

    وبالفعل حينما بدأت الموالاة بين اليهود والنصارى، تمهيداً لاقامة دولة اليهود في أول هذا القرن، كان اليهود والنصارى قد مهدوا الطريق لهذا الامر بانشاء الجمعيات والنوادي وقد وأدخلوا فيها في بادئ الامر أبناء النصارى واليهود فقط ولكن ذلك لم يؤد الى الغرض المقصود اذ انهم يستهدفون الاسلام والمسلمين، فأدخلوا ابناء المسلمين في تلك الجمعيات والنوادي فيما بعد. وكانت الدولة العثمانية - دولة الخلافة - قد أصبحت الرجل المريض، وانشأوا المدارس الغربية في ديار المسلمين ونشروا الثقافة الغربية، وبلغ هذ الأمر ذروته بانشاء الجامعة الامريكية في بيروت، هذه الجامعة التي خرجت كثيراً من الساسة والحكام العرب الذين ساهموا في قيام دولة اسرائيل فيما بعد. وقد ذهب نفر من ابناء الأثرياء من المسلمين لتلتقي العلم في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ورجعوا من الغرب مفصولين عن فكرهم الاصيل، وبدأوا يدعون الى القوميات ويعادون الاسلام الذي لايميز بين بني البشر الا بالتقوى. وبدأ الغرب الصليبي المتعاون مع اليهود ينشئ جمعيات لهؤلاء الشباب القومي كجمعية الاتحاد والترقي في تركيا لأبناء الأتراك، وجمعية العهد لأبناء العرب وكان مقرها باريس.

    وتعاون دعاة القومية مع اليهود والنصارى على هدم دولة الخلافة: الأتراك يدعون الى القومية الطورانية وفرضها على الشعوب التي تتكون منها الدولة الاسلامية، والعرب يدعون الى القومية العربية العلمانية والتخلص من حكم الدولة العثمانية. وكان السلطان عبد الحميد، قد فهم اللعبة فقاوم ما وسعته المقاومة، وكان قد ورث الدولة العثمانية وهي شبه منعزلة، ولكنه استمر يناور دول الغرب ثلاثين عاما حتى استطاعوا ان يتغلبوا عليه في النهاية فعزل عام 1909، وكان عزله تمهيداً لقيام دولة اسرائيل في فلسطين. وقد تعاون القوميون على عزلة فكانت «الثورة العربية الكبرى» والتي قامت لتخليص العرب من الدولة العثمانية. ثم جاء أتاتورك الذي حاول هو، وخلفاؤه من بعده، ان ينزعوا تركيا من الاسلام او، بالأحرى، ان ينزعوا الاسلام من تركيا. ولكن الشعب التركي المسلم بدأ يعود حياته متمكساً بدينه وقد فشلت مخططات تكفيره، ثم جاءت الحركات القومية الثورية، والاحزاب الاشتراكية، والمساونيون، وكلهم تعاونوا مع اليهود والنصارى بشكل او باخر، وكلهم ساهموا في قيام دولة اليهود فأبعد الاسلام عن الساحة نهائياً… وذلك لان دولة اليهود نجسة لا يمكن ان تقوم في ارض طاهرة يحكمها الاسلام، فلا بد من حكومات نجسة فكرياً حتى تقوم دولة لليهود من خلالها. فكان الفكر الذي سيطر على الأرض الاسلامية فكر أباح الزنا ودواعيه وأباح الخمر وشجع عليه وأباح القمار وأنشأ له نواد، وأباح الربا وأسس له مؤسسات ضخمة تأكل اموال الناس بالباطل، وحورب الاسلام ورجال الاسلام حربا لا هوادة فيها فجعلوا من الاسلام عنواناً للتخلف الحضاري والتخلف العقلي. وصدق الله العظيم حين قال في سور المطففين (الآيات 29-33): (ان الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، واذا مروا بهم يتغامرون، واذا انقلبوا الى أهلهم فكهين، واذ رأوهم قالوا: ان هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين).

    ومن ضمن الخطة التي لمحاربة الاسلام، وحتى تقوم دولة اسرائيل، ان حورب علماء الاسلام في أرزاقهم وأصبح ينظر اليهم على انهم طبقة «غير منتجة» مادياً وانهم عالة على مجتمعهم، ونتج عن هذا مزيد من التفكك في المجتمع ومزيد من التآكل في الأسرة، ومزيد من الميوعة، وانقلب ميزان الفضائل، فأصبح التقدم يعني الانحلال وأصبح الرقي يعني الثورة على الفضيلة وأصبح الكرم يعني ان تكرم بعرضك. وأبعد كل ما له علاقة بالاسلام عن الساحة حتى الكلمات التي لها علاقة بالاسلام منع استعمالها في المعركة ، فكلمة «الجهاد» مثلا استبدلت بالكفاح والنضال وكلمة الكفار استبدلت بالاستعمار، وكلمة اليهودية استبدلت بالصهيونية حتى تطمس الاصطلاحات الإسلامية والاسلام نهائيا. وبدلا من أن يكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين أصبح الولاء للقائد والحاكم والحزب وللفكر الكافر. والاسلام ربى المسلمين على ان يكون ولاؤهم لله ولرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولكنه منعهم من أن يربطوا الإسلام بشخصه الكريم، ولذلك حين خرجت الإشاعات في معركة أحد أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قد قتل اصاب الوهن نفوس بعض الصحابة، رضوان الله عليهم، واعتقدوا ان الإسلام قد انتهى بموت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فأنزل الله مؤدبا للمؤمنين ومعلماً لهم: (وما محمد الا رسول، قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). (144: آل عمران) وهكذا ركز القران الكريم في آيات عديدة على بشرية محمد، صلى الله عليه وسلم، ويقول تعالى مؤكداً على بشرية نبيه، خوفا من أن يؤلهه الناس: (قل: انما انا بشكر مثلكم يوحى الي انما الهكم اله واحد) (110: الكهف)، فيقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم انما أنا عبد الله ورسوله). وكان الرجل يدخل على مجلس النبي، صلى الله عليه وسلم، فيسأل: أيكم محمد؟ حيث كان لا يتميز عن أصحابه بلباس او مجلس…

    ولكننا رأينا، في زمننا هذا، ان الزعيم مقدس وان الحاكم لايخطئ. فمؤسس الحزب ينظر له بقداسة. ولقد استغل بعض الساسة والزعماء هذا الامر فأخذوا يستهزئون بالشعوب ويتلاعبون بالعقول والناس تلهث وراءهم تصفق بأيديها وتهتف بحناجرها، وعقولها في إجازة، والزعيم يلعب بالعواطف. يجعل الأبيض أسوداً والأسود ابيضاً ثم يعود البياض الى بياضه ثم يعود مرة اخرى سواده وهو هو لم يتغير. فلطل الأمس خائن اليوم، وفجأة تقتضي مصلحة الزعيم ان يعود هذا البطل الى خيانته، ثم يعود مرة اخرى الى بطولته، والجماهير تتبع رأي الزعيم لاتسأله: لم غير وكيف بدل؟ انه آمن لولائها بعد ان افقدها وعيها. وهكذا سابق أصحاب الشعارات، المتجردين من الاسلام، الامة الى الهزائم المتلاحقة والنكبات المتتعابة بعد ان رضوا ان يكونوا حكاماً على الدويلات الممزقة والتي صغر بعض منها فأصبح على مستوى الحارة، وانبعض الاحياء في العواصم الكبرى عدد سكانها اكبر بكثير من عدد سكان بعض تلك الدويلات التي لها اعلام وسفارات وسلام رسمي، وهي أعضاء في هيئة الأمم، كذلك، بجانب الدول الكبرى التي تتحكم في مصائر الأرض. ولكن كل ذلك كان حتى تقوم وسط التمزق والتشرذم والتلاعن والتباغض بين حكام الدويلات دولة اليهود. وأغلب حكام هذه الدول او الدويلات ممن يوالون النصارى واليهود فيعتقدون بعقيدة النصارى القائلة بفصل الدين عن الحياة، وان الدين لا علاقة له بحياة الناس، فهم يبيحون الربا كما أباحه النصارى واليهود، ويبيحون الزنا كما أباحه النصارى واليهود، وينادون بالحرية الفردية التي لا تعرف القيود والحدود كما طبقها النصارى واليهود. وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوك القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)…! قالوا يارسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن! وبذلك صدق قول الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) لأنه آمن بعقيدتهم ونمط حياتهم، وبالرغم من الهزائم المتلاحقة التي لحقت الامة على أيدي من والى اليهود والنصارى فقد استمروا في (طغيانهم يعمهون) فلم يغيروا انظمة الكفر ولم يحرموا ما حرم الله ورسوله حتى يغير الله مابهم وما حل بأمتهم من هزائم.

    ومضت هذه الفئة التي والت اليهود والنصارى الى ارضاء اليهود والنصارى حتى لم تترك طريقاً ترى فيه ارضاءاً لليهود والنصارى الا اتبعته. فحولت وسائل الاعلام في العالم الاسلام الى ادوات تهدم كل القيم التي تكونت منها أمتنا والتي استطاعت بها ان تكون (خير أمة اخرجت للناس) تهدي الضال وتدل الحائر وتطعم الجائع وتحسن لليتيم ولاتنسى البائس الفقير، ويتقدم الانسان في ظل هذه القيم بجهده وتقواه لا بعرقه ونسبه، يجعل العبادة لله وحده لا للزعيم ولا للقائد ولا للحزب ولا للمال ولا للشهوة ولا للعقل ولا للعلم، فيكون الانسان في ظل هذه حرا كما خلقه الله… قيود حريته خيوط تمتد الى منابع السماء فيها الفضيلة والرحمة والمحبة والايثار والاحسان الى ذوي القربى والجار ولو خالف دينك او لم يكن على عقيدتك. انها قيم تجعل الأسرة هي اللبنة في بناء المجتمع، اسرة متناسقة منسجمة لها قائد يقوم معوجها ويمنع انحرافها، فاذا اعوج قائد الاسرة تدخل ولي أمر المجتمع فحجز على السفيه ومنع تصرف المجنون، وهكذا تمشي الحياة في ظل القيم في انسياب رحيم وتساوق جميل، يعرف الانسان في ظل هذه القيم انه خلق لعبادة الله (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) فهو يأكل ليتقوى على العبادة، وهو يشرب خوفاً من ان يذوي. والعبادة ليست في الصلاة وحدها وليس في الصوم وحده، وانما العبادة في كل عمل يقوم به الانسان، فهو لا يغش لأن الغش حرام، وهو لايسرق لأن الله منع السرقة، وهو لايزني لأن الزنا مرفوض من الله، وهو يجاهد لأنه يريد ان يدخل الناس جميعاً في الخير الذي دخل فيه حتى يصل الناس جميعاً الى الله بسلام وأمن ومحبة. وهو لايخون امته لأن الخائن مرتد، وهو لايعين عدو امته لأنه بذلك يذهب الى النار، وهو لا يرابي لأن من رابى فقد أعلن الحرب على الله، ورسوله، ولايحتكر اقوات الناس لأن من احتكر فقد أخطأ كما ورد في الحديث (المحتكر خاطئ)، وهو لاينام على شبع وجيرانه جوعى، وذوو رحمه لا يجدون الطعام لأنه بذلك يكون قد خرج من حظيرة الايمان كما ورد في الحديث (ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع الى جانبه وهو يعلم).

    ففي ظل القيم الاسلامية يكون المال وسيلة لاشباع حاجات الانسان الضرورية بالطرق التي رسمها الشرع وما تبقى منه فهو للانفاق على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله ووجوه الخير المختلفة، وفي ظل هذه القيم يتعلم الانسان الصدق لأن الكذب حرام، والوفاء واجب لأن الغدر حرام… وجاءت وسائل الاعلام لتنسف هذا كله او لتشوه هذا كله، فأخذت تقنع الناس بأن الربا ضرورد من ضرورات الحياة الاقتصادية وان الناس لا يعيشون بغير ربا… وغرق الناس او كثير من الناس في الربا. وبدأوا يذوقون القلق ويعرفون الارق تلاحقهم الاقساط وتلهب ظهورهم الكمبيالات. والمرابي لايرحم ولو أدى بالانسان الى بيع أثاث بيته. انه يريد الربا ويريد المال… أما الرحمة واما النظرة الى ميسرة فهي أليق بالمؤمنين، اما المرابي فهو انسان اخر لايهمه عذاب الانسان ولا جوع الاطفال ولا تحطيم الأسر، وكلما ازداد أكله للربا ازداد تحجر العاطفة في نفسه، فهو لايرحم ولايشفق الا لمصلحة يراها او ربا صوب نحوه ليقتضيه او ليتظاهر بانه حمل وديع وانسان من اصحاب الخير. وبدخول الربا عرفت المجتمعات الاسلامية شقاء المجتمع الغربي الربوي، وبدأ الناس يعيشون في دوامة من الطمع والهلع، يذوي الخير في نفوسهم وتلاحقهم التعاسة والشقاء. وبدأت اكوارث الربوية تتوالى في بلاد المسلمين في حتمية الهية حيث يقول (يمحق الله الربا) (276: البقرة)، وتهاوت مؤسسات ربوية ضخمة معلنة افلاسها، وأممت مؤسسات ربوية كثيرة أخرى، وولول صغار المساهمين وتحسروا على مالهم الذي ضاع والذي محقق فيه الربا الحلال والحرام، وكثرت الامراض نتيجة للقلق وتنوعت، وتنوع معها العلاج وكثر، فهناك حبوب من أجل ان ينام الانسان وأخرى من أجل ان يستيقظ وثالثة من جل ان يخفف ضغط الدم ورابعة لتفتح الشهية وخامسة وسادسة الخ من الادوية والمسكنات. ومن المناظر المألوفة في مجتمعنا اليوم او في مجتمع التجار وأرباب الاموال ممن أبتلوا بالربا فانه اذا كسدت السوق لأمر او لآخر ترى التجار المقترضين وأرباب الاموال المرابين وقد علاهم الوجوم وعصرتهم الهموم، يقترض الواحد من جاره ليسدد القسط الذي حان موعده ثم يبيع حلي امرأته ثم لايجد شيئاً يبيعه او يقترض منه فيسقط صريع الربا في شلل او مرض وعندها يموت في سكتة قلبية. وراضاءاً لليهود والنصارى، اباحت الفئة المتعاونة معهم الاحتكار فأصبحت بلادنا في قبضة الشركات الاحتكارية، وأصبح كبار التجار يحزنون أقوات الشعب لدرجة انهم يرفضون السعر ليأخذوا بذلك ربحاً وفيراً حلالا أو حراماً فيبنون به القصور ويساهمون فيه في البنوك ويوسسون شركات الاحتكار وهكذا دواليك، ولا يهمهم بعد ذلك اشبع الناس ام جاعوا، اكتسوا ام عاشوا في الاثمال البالية والخرق المرقعة، وبعد ذلك يخروجون على الناس (بأعمال خير) ليخصصوا على الناس كما يزعمون فينشئون لهم اليانصيب الخيري ويتهافت الفقراء على شرائه طمعاً في الربح السريع ويحرمون اطفالهم كل اسبوع او كل شهر او كل اصدار من ثمن ورقة اليانصيب فيزدادون فقراً على فقرهم وجوعاً على جوعهم، وافتتحت نواد للقمار تقليداً لنوادي الغرب، هذه النوادي التي تتحطم فيها نفسية الانسان كرامة الانسان، وبعض نوادي القمار في أوروبا والغرب يعمرها اثرياء النفط فتنساب الاموال من بين أيديهم الىجيوب اليهود والنصارى لترتد عليا بعد ذلك طائرات تقصف ومدافع تدمر.

    ومن المسارعة في ارضاء اليهود والنصارى هذه الأموال المكدسة في بنوك أوروبا وأمريكا، سواء للدول او للافراد الأثرياء، والتي تدعم عملات هذه الدول التي تتعاون مع اليهود لافنائنا واذلالنا، هذه الاموال، التي لا يمكاد يحصيها عدد، نفقد قيمتها مع الزمن نتيجة للتضخم النقدي وللأزمات الاقتصادية التي هي من مميزات النظام الرأسمالي في هذا العصر. وهكذا تفقد الامة ثروتها لأن الذين يريدون ارضاء اليهود والنصارى لايخططون لبناء امه قوية ولا لدحر ولا لاستخلاص حق.

    وارضاء لليهود والنصارى، ومسارعة في ارضائهم، اصبحت دور السينما في العالم الاسلامي تعرض افلام الجنس، ومؤسسات التلفزيون تنافس السينما في هذا المضمار، والكل يعرض أفلام الجريمة والعنف، واطفالنا وأولادنا وبناتنا يرون فيتأثرون ويشاهدون فيقلدون كيف تتمرد المرأة على زوجها ويكف تحب جارها وكيف يخون الزوج زوجته وكيف يعاشر عشيقته، ويبيح صوت الوعاظ والمرشدين بالدعوة الى الفضيلة والتسمك بأهداب الدين، ويستمع الناس اليهم - هذا ان استمعوا - كأنها اصوات جاءت من المجهول فيكون لصوتهم صدى يلامس الآذان ولكنه لايدخل الى القلوب ولا يؤثر في تغيير منهج الحياة. وأصبح المجتمع يعاني من الشباب المراهق الذي يقلد افلام الكاوبوي وعصابات شيكاغو والجنس المستورد من هوليوود (وان كان الشباب اليوم بدأوا يعودون الى الله).

    ومن المسارعة في ارضاء اليهود والنصارى اثارة النعرات القومية والوطنية والاقليمية والطائفية والمذهبية. من المعلوم ان الاسلام هو دين الله للناس كافة (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) فاذا اعتنقه الناس كانوا سواسية كأسنان المشط لا يتفاضلون الا بالتقوى. ومن المعلوم بالدين - بالضرورة - ان يكون للمسلمين امام واحد وخليفة واحد يسوسهم بأحكام الاسلام ويرعاهم برعاية القران وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (اذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما). وحينما ذهبت دولة الاسلام وتآمر عليها اليهود والنصارى قسمت بلاد المسلمين الى دول ودويلات ومشيخات وامارات، وحكام هذه الدول او الدويلات والمشيخات والحارات كلهم ينادي بالوحدة وكلهم لا يريدها. الوحدة تعني الغاء امتيازات والغاء الجوازات وازالة الحدود وان تعود الامة - كما أراد الله - أمة واحدة: (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (92: الانبياء)… فإرضاءاً لليهود والنصارى اصبحت القوميات تتقدم على الاسلام في بلاد المسلمين وهذا قومي عربي يتعرق بالعروبة كجنس وعرق (مع ان العروبة، بمعناها الثقافي واللغوي، هي وعاء الاسلام ومفروض علبي كل مسلم ان يعرف لغة القرآن، لان عبادته لا تصح الا باللغة العربية يقرأ بها القران)… وهذا تركي طوراني وآخر فارسي ورابع باكستاني وخامس وسادس… ومن العجيب انه في باكستان لما انفصلوا عن الهند باسم الاسلام ولم يطبقوا الاسلام في حياتهم فخافوا ان تسقط حجة التقسيم فجعلوا من الاسلام قومية، تحل محل القومية الهندية وهذا تحريف في الاسلام وتضليل للمسلمين، ولما كانت التجزئة في بلاد العرب على صورة ابشع من بقية بلاد الاسلام ركز اليهود والنصارى على تثبيتها. ففي بلاد الشام مثلاً انشئت اربع كيانات، اعطي قسم الجنوب الغربي من بلاد الشام (فلسطين) الى اليهود ليقيموا عليها دولتهم، وأعطي قسم الشمال الغربي (لبنان) منها الى النصارى، وأقاموا لهم فيه دولة، هذه الدولة او الدويلة عملت على اضطهاد المسلمين فيها مع انهم الأكثرية الساحقة من سكانها، وأنشئت امارة شرق الاردن في قسم الجنوب الشرقي من ديار الشام وبقيت سوريا الام في الجزء الشرقي من ديار الشام دولة وحدها، وقسمت جزيرة العرب الى امارات لاتكاد تحصى ويتيه فيها العد والمفروض ان تندمج كلها بكيان واحد كما ينبغي ان يندمج المغرب العربي الكبير بدويلاته الخمس لتكون وحدة جغرافية واحدة، وان تعود الوحدة الي شطري دولة باكستان وتضم اليها أفغانستان ويندمح الجميع من بلاد ايران كما تتوحد بلاد الشام مع العراق ويتوحد الجميع مع مصر والسودان وهكذا بقية بلاد المسلمين في أفريقيا وفي آسيا. عند ذلك نكون قد أعلنا الرفض وتمردنا على التجزئة والتقسيم ورفضنا العنعنات الاقليمية والنعرات القومية وعدنا الى محور قوتنا الاسلام يوحدنا ونكون في ظله كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس.

    إن الحكام الذين يتمسكون بأسباب الهزيمة والفرقة ومن لف لفهم من مسؤولين ومنتفعين من الذين يسارعون في ارضاء اليهود والنصارى قد قطعوا صلتهم بالله فلم يعودوا يخافونه وانما يخافون اليهود والنصارى. واذا سألتهم لم هذه المسارعة قالوا (نخشى ان تصيبنا دائرة) (52: المائدة). فهم يخافون على كراسيهم ويخافون على دنياهم وكأنهم في الدنيا خالدون ولذلك يقولون «نخشى ان تصيبنا دائرة». وهذا تصور منهم ان مصيرهم مرتبط بيد اعدائهم من اليهود والنصارى، اذا رضوا عنهم استمروا في سلطانهم وحكمهم او في ملذاتهم وامتيازاتهم، واذا غضبوا عليهم اصابتهم الدوائر من عزل واستبدال مع انهم لو توكلوا على الله فعملوا بما يرضي الله وتوحدوا على كلمة الاسلام فان الله يكفيهم شر عدوهم: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (3: الطلاق). وما تعلقت امة ولا فرد ولاجماعة بالله فخذلها الله. ومن خوف الحكام كان التفريط في الأرض المقدسة والعمل لتثبيت دولة اسرائيل. وكان أشد الحكام (وطنية) او (تطرفا) ممن والى اليهود والنصارى ينادي بقرارات التقسيم ثم توالت الهزائم وسقطت قطع اخرى في أيدي العدو وبدأ اشدهم تطرفا ينادي باعادة ما أخذ عام 1967، او بالاحرى ما سلم عام 1967 حيث لم تحدث معركة حقيقية على جميع الجبهات المحيطة بدولة اليهود، وبدأت المطالبة تتقلص حتى وصلت الى كامب ديفيد حيث رأينا حاكما، ممن والى اليهود والنصارى، يعطي فلسطين كلها اليهود لليهود والى الابد (حسب تخيله) وكل ذلك لانه يخاف الحرب ويريد ان يمنع عن الامة الاستشهاد ويعلن الغاء الجهاد متحديا بذلك ربنا وعقيدتنا حيث الجهاد فريضة من فرائض الاسلام، وهو ذروة سنام الاسلام جعله الله مكرمة للمسلمين حتى يستشهدوا وينعموا في جنات نعيم. ولقد أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، ان يستمر الجهاد الى يوم القيامة حيث يقول: (الجهاد ماض الى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولاجور جائر). ويقول الله تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وانتم لاتعلمون) (216: البقرة) وتوهم هذا الحاكم انه يستطيع ان يقامر على عقيدة الامة وكتاب الله وحضارة الاسلام وان يجعل امتنا أرقاماً تافهة وعقولاً فارغة وان يغرقها في المتع الرخيصة والحياة المهترئة وان يفكك الأسرة ويحرم علينا الجنة حيث الجنة محرمة على الأذلاء يقول الله تعالى: (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالول: الم تكن ارض لله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، الا المستضعفين من النساء والرجال والولدان، لايستطيعون حيلة ولايهدون سبيلا، فأولئك عسى الله ان يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفورا) (97-99: النساء). ويتساءل سائل: اين يهاجر المسلم اليوم وقد انحرف الحكم بالاسلام في كل بلاد المسلمين فنقول له: ان الرسول، صلى الله عليه وسلم، أجاب عن ذلك بقوله: (لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية). وهذا الحاكم، الذي قامر بحضارة المسلمين، اصابه الغرور فصدق تصفيق الجماهيري التي ساقها اعوانه لتصفق له وظن ان هذه الجماهير تؤيده حقيقة وهي جماهير مسكينة لاتدري ماذا تفعل، تساق الى المذبح وهي تصفق، ويتامر على مصيرها وهي ترقص، وصدق الله العظيم: (ام تحسب ان أكثرهم يسمعون اويعقلون، ان هم الا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا) (44: الفرقان). والا فهل هناك عاقل من المسلمين المكلفين شرعاً يخرج ليستقبل أعداءه من اليهود هاتفاً بحياتهم وحياة زعمائهم الذين اغتصبوا ارضه وأذلوا قومه وهتكوا عرضه ودمروا المدارس بأطفالها وحرقوا القرى بمن فيها، وبقروا بطون الحبالى ولم يتورعوا عن بقر بطن الاطفال… هذه الجماهير التي كم صقفت لقاتليها ورقصت لذابحيها، على استعداد لأن تصفق لكل قادم وعلى استعداد لأن تلعن كل ذاهب، وهي بين التصفيق وبين اللعن معرضة عن ذكر الله، وبذلك اصابها العمى: (ومن أعرض من ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى، قال: رب لم حشرتني أعمى وقدكنت بصيرا، قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسى) (124-125 طه).

    وهذه الجماهير لاتؤمن بالله الا وهي مشركة ولكل فرد منها معبود مع الله فهذا يعبد الزعيم وهذا يقدس أقوال الحاكم وذلك يعبد المال او المتاع وآخر يعبد الشيخ واخر يعبد الحزب… وهذه الجماهير المسكينة التي ضللتها زعامتها وخانها علماؤها من أعوان الحكاما الذين باعوا آيات الله بثمن قليل من منصب تافه او عرض زائل…

    ولقد أثبتت أحداث ايران ان الجماهير اذا رأت في علمائها اعراضاً عن الدنيا وترفعاً عن الدنايا وابتعاداً عن أبواب السلطان وقربا من الله أسلمت لها اقلياد وقامت تضحي في سبيل الله ولا تخاف الموت وتهزم أعتى الحكام وتزيل من الارض (كسرى) الذي أعلن الحرب عن الله فأذله الله.

    التغيير المنتظر

    بينما فيما سبق كيف ان الموالاة بين اليهود والنصارى لم تحدث الا في هذا القرن عداوة لله ولرسوله وللمسلمين. وكيف انهم تعاونوا على اقامة دولة اليهود مع انهم كانوا يضطهدون بعضهم بعضاً او بالأحرى كان النصارى يضطهدون اليهود. وبينما ان فئة اصلها مؤمن تعاونت مع اليهود والنصارى في ضرب الأمة وتمزيقها والمعاونة لاقامة دولة اليهود، وبينا كيف سارعت هذه الفئة بعد ان تحولت الى منافقة - في قلبها مرض - والى ارضاء اليهود والنصارى، وان الفئة الباغية استمرت في بغيها وضلالها مماجعل الفئة القليلة النادرة من المؤمنين في حيرة من امرهم حيث الفئة الحاكمة المتسلطة على بلاد المسلمين ارتد أكثرها حينما والت اليهود والنصارى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) (51: المائدة). فأخذت الفئة القليلة المؤمنة تتطلع نحو السماء وتسجد متضرعة الى الله. ومن هذا الوضع اليائس تأتي الايات التي نحن بصددها فتعطي أملا للحائرين وتبشر المؤمنين بان الله سبحانه وتعالى سيغير الامر بحكمته حيث يقول: (فعسى الله ان يأتي بالفتح او امر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في انفسهم نادمين) (52: المائدة). وعسى للترجي ولكنها في حق الله لليقين. والفتح هنا الفصل والحكم، كما قال الله تعالى: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (89: الاعراف). أي افصل واحكم… اذ أن الآية تتحدث عن الموالاة بين اليهود والنصارى حيث لم يكن اليهود والنصارى في مكة، ولم يحدث تعاون بينهم. وأيضا: هذه الاية قد نزلت بعد فتح مكة، لان سورة المائدة من اواخر سور القران نزولا فقد روت عائشة، رضي الله عنها، قالت: «اخر ما نزل من كتاب الله سورة كاملة سورة المائدة فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» وليس المراد فتح بلاد المشركين، كما قال بعض المفسرين ايضا، اذ ان عملية الفتح الاسلامي بدأت في بلاد الوثنيين والصابئة كبلاد فارس والهند او في بلاد النصارى كبلاد الشام ومصر. ولميكن هناك تعاون في اثناء الفتح الاسلامي بين اليهود والنصارى، ولذلك تعين المعنى ان الفتح هو الفصل والحكم وان الله سيفصل في الامر بين الفئة المؤمنة وبين المتسلطين من الحكام على بلاد المسلمين الذين تعاونوا مع اليهود والنصارى.

    وفي الاية اشارة الى ان أرضا من أرض الاسلام ستسرد من اليهود والنصارى بعد ان استولوا عليها حيث سيفتحها الله على أيدي المؤمنين: (فعسى الله أن يأتي بالفتح او أمر من عنده) و (أو) هنا ليست للتخيير، لأن (أو) معانيها ثلاثة فهي تأتي للتخيير، او لمجرد العطف، او للإباحة. و (أو) هنا لمجرد العطف حيث التخيير في حق الله لا يجوز لأن الله يعلم ما يريد. ولذلك يتحدث الله في الآيد عن فتح وأمر من عنده يغير واقع المسلمين المرير ويفسد به على الفئة التي والت اليهود والنصارى أمرها.

    والفتح الذي أشارت اليه هذه الآية سيأتي قريباً باذن الله، وأمر الله بدأ يمهد الدرب للنصر المرتقب وعلامته هذه الظاهرة العجيبة التي بدأت في كل بلاد المسلمين بعودة الشباب المثقف الى الاسلام فجأة بعد ان يئس من الايديولوجيات المستوردة - والتي ما رأت الامة في ظلها الا الهزائم المتلاحقد والتجزئة والفرقة - ففكر تفكيرا جيدا فاهتدى الى الله، واصبحت هذه الظاهرة موضع بحث في العالم الكافر كله وفي العالم الاسلامي ايضا. ولقد أصدر الرئيس الامريكي كارتر الى رجال مخابراته أمراً بدراسة هذه الظاهرة وألفت كثير من الجامعات لجانا لدراسة هذه الظاهرة، وهم يعلمون ان الامر يتعلق بمرحة أخبرت عنها الايات والاحاديث وصدق رسول الله الذي قال: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).

    وهذا التغيير من ظواهره أيضا فشل الكمالية والكماليين بعد خمسين عاماً من الجاهلية التي أرداد بها مصطفى (أتاتورك) - بوصفه اليهودي مجهول الأب - ان ينزع الاسلام من تركيا او ينزع تركيا من الاسلام نهائيا والى الأبد. ولكن الشعب التركي المسلم الذي انخدع قسم كبير منه في أول الأمر بالكمالية والكماليين حيث عمل اليهود والنصارى على اضفاء صفة البطولة على مصطفى كمال وانه ينقذ تركيا من الاستعمار، رغم ان مصطفى كمال لم يكن بطلا ولا شبه بطل، ولكن بعد ان سلم سوريا في الحرب العالمية الاولى الى الحلفاء في عملية انسحاب خسيسه، وكان قبلها قد شارك في تسليم طرابلس الغرب سنة 1911 الى ايطاليا، واستطاع ان يصل بدهائه وغدره وخيانته وبمعاونة الغرب الى قيادة الجيش العثماني الذي حارب الحلفاة بعد دخوله تركيا، وفي هذه الاثناء تمت الصفقة اذ أظهر آخر الخلفاة العثمانيين (عبد المجيد خان) بمظهر الخليفة المستسلم الضعيف المتعاون مع الأعداء في اسطنبول، وأظهر مصطفى كمال كبطل التحرير الوطني، فكان ان انسحب الحلفاء من تركيا مقابل ما أعلنه اتاتورك فيما بعد وهو ان يلغي الخلافة الى غير رجعة ويعلن تركيا دولة علمانية ويلغي الاحرف العربية وان يجعل الاذان باللغة التركية وان يمحو كل مظهر اسلامي في الحياة التركية. وهكذا سارت الامور وأصبح اتاتورك معبود الجماهير المضللة في تركيا وخارج تركيا باعتباره بطلا وطنياً. ولن عقيدة الشعب التركي المسلم كانت أقوى من المؤامرة وأصلب من الخداع فسرعان ما بدأ يستيقظ على الحقيقة المخفية فأدرك ان أتاتورك لم يكن بطلا وطنيا ولا زعيما ملهماً ولا قائداً حكيما، وانما كان محطم أمة ومشوه تاريخ وعدواً لله ولرسوله وللمؤمنين، وانه كان العوبة في أيدي اليهود والنصارى وانه كان من يهود الدونمة، الذين هاجروا من اسبانيا بعد خروج المسلمين من الاندلس واستقروا في سالونيك وتظاهروا بالاسلام وأخفوا الكفر وأسسوا المحافل الماسونية وعملوا بدهاء وصبر - بعد ان وصلوا الى اعلى المراكز باسمائهم الاسلامية - على تحطيم الدولة وذهاب الخلافة. وظن الناس، وظن اليهود والنصارى، ان تركيا قد انتهى الاسلام بها او انتهت من الاسلام، ولكن الامر كان على غير ما يتوقعون… فعقيدة الشعب المسلم ممتدة في جذور عميقد في نفسه والاسلام هو حياته، وهو عاداته، وهو مجده، وهو انتصاراته، وهو استشهاده، ولذلك فان بقايا الاحزاب التي أقامها اتاتورك حينما تريد ان تخدع الشعب وتنافق الشعب يحمل زعماؤها المصاحف ويقبلوها امام الجماهير المسلمة ليستمروا في خداعها. ولكن كل ذكل الى حين فسينكشف امرهم كما انكشف أمر اتاتورك، ولقد أحس المرحوم عدنان مندريس بالشعور الحقيقي للشعب التركي المسلم وانه لم يستطع الدستور العلماني الذي وضعه اتاتورك، ولا الكبت، ولا الإرهاب، ولا تغيير الحروف العربية للغة التركية الى الحروف اللاتينية والتي اراد بها اتاتورك وأعوانه والمخططون من ورائهم اليهود والنصارى ان يقطعوا صلة الشعب التركي بتراثه وتاريخه وبعقيدته وبإسلامه وبأدبه وحضارته وشعره ونثره (اذ منذ ان قامت دولة السلاجقة الاتراك ثم الدولة العثمانية التركية كتبت حضارتها بالحروف العربية بالاضافة الى شروح القرآن والاحاديث النبوية وكذلك كتب القصة، والأدب). فأرادوا ان يقطعوه عن كل ذلك، ولكنه لم ينقطع اذ بقي القران كتاب الله وحده يتحدي الظلم والدساتير والبطش والأرهاب، فكان المسلم التركي - وكل الأتراك مسلمون - يضطر الى ان يقرأ القران بلغته العربية حتى يستطيع ان يصلي… وأخيراً أعاد مندريس، بعد ان شعر بحقيقة الشعور الاسلامي، أعاد الاذان باللغة العربية وفتح المعاهد والكليات في مختلف الولايات التركية لتدريس الشريعة الاسلامية باللغة العربية وبنى المساجد، فخاف الغرب ان يعود الاسلام مرة اخرى مؤثراً في حياة تركيا… هذا الاسلام الذي جعل الشعب التركي يأخذ البلقان كله ويقف على أبواب فيينا وقبل ذلك جعله يأخذ الفلسطينية من أيدي الصليبيين لتصبح مدينة المآذن والمساجد بعد ان كانت مدينة النواقيس والكنائس، فأسرع الغرب لعمل انقلاب ضد عدنان مدريس، وقتله وأعدمه، ولكنه لم يستطع ان يعيد الأذان الى اللغة التركية بل بقي باللغة العربية، ولم يستطع ان يلغي المعاهد التي انشأها لتعليم الشريعة الاسلامية بل زادت واتسعت حتى كادت تبلغ الثلاثمائة بالاضافة الى ستة معاهد عليا وكليتين جامعيتين، وبدأ الشعور الاسلامي ينفض الغبار وينفك من الأسار ويفتح عينيه على الحقيقة، فاذا حرب اسلامي (حزب السلامة) يدخل الحياة النيابية علي اساس الحكم بالاسلام والعودة بالاسلام ويقيم هذا الحزب مؤتمراً للسيرة النبوية في اسطنبول يدعو اليها عددا من العلماء والمفكرين من انحاء العالم الاسلامي. ولم يكن عقد هذا الموتمر بالسهولة الميسورة اذ ان الكماليين واليساريين حاولوا جهدهم ان يمنعوه ولكنه انعقد في عاصمة الخلافة، ولما يمض على موت أتاتورك اربعون عاما. وصدق الله العظيم حين قال: (ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا بها عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) (36: الأنفال). ولقد رأينا في اسطنبول صبية في عمر الورود في الثالثة عشر والرابعة عشر من عمرهم يحفظون القرآن غيباً ويتلونه وهم يستشعرون العزة والروحانية والخشوع لله.

    وهكذا بدأ مارد الاسلام يتململ وينفض غبار التاريخ تميهداً لعودته الى قيادة المسلمين وتوحيدهم ولم شملهم ثم ينطلق لينقذ البشرية من جحيم حياتها ومن انهيار القيم فيها وليعيد الهدوء الى نفوس الناس والاستقرار والطمأنينة… هؤلاء الناس المساكين الذين يبحثون عن المخلص، فلم يجدوه في الكنيسة وطقوسها الوثنية فكثرت الأديان وكثرت الآلهة وكثر الكذابون والدجالون. وما قصة معبد الشعب في غيانا حيث أمرهم نبيهم المزعوم ان يسمموا اطفالهم ثم يقتلوا أنفسهم الا عملية تمثل انهيار الحضارة الغربية والنصرانية الغربية وبشاعة الرأسمالية ابشع تصوير.

    والواقع ان المسؤولية في هذا كله تقع علينا معشر المسلمين، فنحن اصحاب الكتاب الأخير واتباع النبي الخاتم والذين جعلنا الله خيرأمة مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (110: آل عمران).

    ولكن كيف يتم ذلك وكيف نقوم بذلك و«المنكر» في بلاد المسلمين أصبحت له قوانينه وتحميه الأنظمة وتدافع عنه الجيوش، و«المعروف» في بلاد المسلمين مضطهد أهله، محارب أصحابه… يتهزأ به في مجالس وصالونات الذين صنعوا الهزيمة، وما رأينا على أيديهم الا الذل والسخيمة. ولكن هذا المنكر والأنظمة التي تحميه والقوى التي تدافع عنه هومرض عارض في تاريخ أمتنا، عوقبنا به ولن يستمر طويلاً! ان الأمة بدأت تتعافى من المرض، وتصحو من الغيبوبة، وتستيقظ على الحقيقة. ولا أعني بالأمة، كما قلت سابقا، هذه الجماهير التي تشغلها لقمة العيش عن التفكير وليس لديها المقدرة على التحليل، وهي تأخذ الأمور بظواهرها، ويسوقها حكامها الى حتفها وهي تضحك، والى المجزرة وهي تصفق، والى الهزيمة تلو الهزيمة وهي تهتف للزعيم او تقدس الحزب… وانما أعني بالأمة القلة الواعية الفئة المؤمنة التي بدأت تعود الى القران، تستفيق فينير لها جنبات قبرها ويضيف لها ما يقع عليه بصرها… هذه القلة التي عناها الله بقوله: (ثُلة من الأولين وقليل من الآخرين) (13: الواقعة)، (وثلة من الأولين وثلة من الآخرين)(39-40 الواقعة).

    فاذا عرفت هذه الفئة او الثلة كيف تأخذ الزمام، وتمسك بالخطام، عادت أمتنا سيرتها الاولى، تصعد المجد من جديد، تحت راية واحدة وقيادة واحدة، وتدخل مع الكفر في المعركة المحتومة: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (33: التوبة)، (والله متم نوره ولو كره الكافرون) (8: الصف).

    وما أحداث ايران ويقظة الشعب المسلم فيها ورفضه للجاهلية التي فرضت عليه بتمجيد النار وعبادتها والتي كانت تحكم بها ايران قبل الاسلام وقد تمثل ذلك باحتفال القرن، الذي أقيم منذ سنوات أحياءاً بذكرى (كوروش) مؤسس الدولة الفارسية الاولى… هذه الحفلة التي كان فيها تحد لمشاعر الشعب الايراني المسلم والتي تقرر من أجلها الغاء التاريخ الهجري وابداله بتاريخ كوروش (الفارسي) ووقف الشاة في الحفل مخاطباً كوروش: «لقد أحييتك الى الابد ولن تموت بعد اليوم».

    وقد أثبت علماء المسلمين في ايران انهم يخشون ربهم ويخافون عذابه، فقاموا يجأرون في وجه الطاغية: «نريد حكم الله»، و«نريد حكم الاسلام»… وكان الطاغية بظن ان الامر قد استتب لأفكاره الكافرة التي تنادي بالقومية الفارسية، المفصولة عن الاسلام، فجعلته - هو والملأ من حوله - يبيح المحرم في قوانينه وأنظمته من ربا وخمر وميسر وظلم ونهب أموال المسلمين وتهريبها الى بنوك اليهود والنصارى. وكان الشاه حليف اليهود في فلسطين - ارض الاسلام - وكان يقيم معهم علاقة اقتصادية وثقافية وعسكرية ويمدهم بالطاقة (النفط) التي بواسطتها قتلوا النساء والاطفال والرجال، فهو شريك في كل دم أريق في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والأردن من عام 1956 والى هذه اللحظة. وكان ينفق الاموال على شراء الاسلحة وتكديسها. وكان عزله او اسقاط نظامه مستحيلاً او ما يشبه المستحيل. ولكن هيأ الله للمسلمين في ايران، بل وللمسلمين في كل مكان، هذا الشيخ الجليل العالم (الخميني) الذي لم يصبر على طغيان الشاه وكفره وظلمه وحمايته لليهود والبهائيين، فغذى شعب ايران بأفكاره ونشرها في طول البلاد وعرضها وآمنت معه طائفة من العلماء فوضعوا الشهادة نصب أعينهم فتحركوا وتحرك تلاميذهم وقامت الثورة العارمة وقدم شعب ايران المسلم آلاف الشهداء، وسقط الشاه، فسقط بسقوطه في ايران اليهود والبهائيون والماسونيون والقوميون وسقط معه الفكر الكافر كله وانقطع المدد عن دولد اليهود وتحولت سفارتها في ايران الى سفارة فلسطين.

    وهذا كله من أمر الله التي اشارت اليه الآية (52: المائدة) وتمضي الآية فتقول: (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين). وبدأ الشاه يندم، ولات ساعة مندم، وسيلحق الندم الكثير ممن والوا اليهود والنصارى.

    وحين يكتشف الامر وتنكشف الحقيقية سيعرف الناس أن هذه الأحزاب وهؤلاء القادة صنعوا بليل التآمر وفي دهاليز السفارات وعلى ايدي المخابرات الأجنبية… وذلك الحاكم الذي يريد من الاسلام ان يقف في وجه الشيوعية والاشتراكية بحجة ان الشيوعية الحاد، وان الاشتراكية كفر - وهي كذلك - فاذا طولب بان يمنع الربا في قوانين بلاده وهو حرام في الاسلام أو أن يحرم الخمر والميسر أو أن يمنع الاحتكار، أو أن يمنع الظلم والتبذير والسفه قامت أجهزته، والتي يبطش بها، تقول: هذا تدخل من الدين في السياسة! واذا طولب بحرب اليهود ومعاداة من يواليهم (وهم أشد عداوة لله من الشيوعية وخطرهم جاثم يريد استئصال الأمة والدين، وخطر الشيوعية محتمل) تمسك بالعقلانية والاعتدال، وهو بهذا يغالط نفسه ويهرب من الحقيقة وهو أن هذا الدين أنزله رب العالمين ليسوس الناس به أنفسهم، فالدولة في نظر الاسلام خليفة يطبق الشرع.

    أقول حينما تتكشف الحقائق سيندم كثير من الناس من الفئة المؤمنة على الأصوات التي كانوا يرافقونها لتحية هذا الزعيم او ذاك الحاكم، لأنها حينما تنكشف الحقائق فستنكشف فيها صفات من التآمر والخداع والخيانة والتدنيس، فيصبح هؤلاء الحكام الذين خانوا ودنسوا نادمين على ما فعلوا ولكن ولات ساعة مندم.

    ثم تمضي الايات: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) (54: المائدة)، فهو يوالي اليهود والنصارى وينصرهم على أمته، فيعتقد بعقيدتهم بأن الاسلام يجب ان يبعد عن الحياة وأنه لا مكانة له في الدنيا الا في مسجد او زاوية او طريقة صوفية منحرفة او احتفالات في مناسبات دينية ليس لها سنة من شرع او دين، او احتفالات في موالد وثنية تقام حول بعض القبور، تنقر بها الدفاف وتضرب فيها الطبول… فاذا سارت بهؤلاء القوم الذين ارتادوا الغواية الى نهايتها فيهدد الله سبحانه وتعالى بأنه: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين). وللمفسرين هنا ثلاثة اقوال، فبعضهم قال: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونها المراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتاله للمرتدين وقال بعضهم: المراد الانصار، وقال آخرون: المراد اهل اليمن من جماعة ابي موسى الأشعري (الأشعريين).

    والأقوال الثلاثة مردودة للأسباب الآتية:

    أولاً: الآيات تتحدث عن الموالاة بين اليهود والنصارى وعن الذين سيوالونهم من المؤمنين، وأبو بكر رضي الله عنه قاتل المرتدين من المشركين. ونزلت الايات وأبو بكر موجود، والآية تتحدث عن مستقبل بعيد. (فسوف) للمستقبل البعيد.

    ثانياً: نرد على من قال بأن المراد بهم الانصار: ان سورة المائدة هي آخر سورة القران ونزولاً في المدينة، وكان أهل المدينة قد نالوا شرف النصر، حملوا هذا اللقب العظيم قبل نزول سورة المائدة، والايا هنا تتحدث عن مستقبل بعيد…

    ثالثاً: أما من قال ان المراد هنا اليمنيون من جماعة ابي موسى الاشعري، فهؤلاء كانوا فئة قليلة اندمجت مع المهاجرين والأنصار وينطبق عليها ما انطبق على الأنصار، ولذلك فان الامام المفسر القرطبي يورد قولاً بأن الآية (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) لم تنزل للمؤمنين في عهد نزولها وانما هي آية مستقبلية.

    وهنا تأخذ الآيات في وضع صور متقابلة بين الفئة التي ارتدت ووالت اليهود والنصارى والفئة التي يأتي بها الله لمحاربة اليهود والنصارى:

    أولاً: أحباب الله من المؤمنين الذين سيأتي الله بهم. صفاتهم انهم (أذلة على المؤمنين)(54:المائدة)، يرعون المؤمنين حق الرعاية كالأم لإبنها والوالد لولده، فهم أذلة على المؤمنين بخلاف الفئة التي والت اليهود والنصارى فهم أذلاء بين يدي اليهود والنصارى يتملقونهم ويتوددون اليهم ويخافون منهم (نخشى ان تصيبنا دائرة) (52:المائدة). والذلة هنا ليست عقبى الهوان وانما عقبى الانقياد كالجمل الذلول.

    ثانياً: وأحباب الله الذين سيأتي بهم الله لانقاذ الاسلام والمسملين أعزة على الكافرين لايخافونهم ولايخشونهم ولايسعون الى مراضاتهم لأنهم ربطوا انفسهم بالله وطلبوا العون من الله وساروا على درب نبيهم، صلى الله عليه وسلم، حينما كان لايفتر عن ذكر الله وكلما اشتدت عليه الازمات استغاث بالله. قال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم: اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين، وما جعله الهل الا بشرى، ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله. ان الله عزيز حكيم)(9: الأنفال). فمن كان الله معه كان النصر في ركابه.

    ثالثاً: صناع الهزيمة ممن والوا اليهود والنصارى، فأعلنوا أنهم لايريدون الجهاد حرصاً على حياتهم الدنيا، وتمسكاً بمناصبهم الفانية، وإمعاناٍ في اذلال امتهم وتحديا لله ولرسوله وللمؤمنين. وأما أحباب الله فسيأتون ليعلنوا الجهاد وليقاتلوا الكفار من اليهود وغير اليهود، يطرقون ابواب الجنة برؤوس أعدائهم. واليهود والنصارى يخشون هذه الفئة من أحباب الله، لأنها ما قاتلتهم في التاريخ الا وانتصرت عليهم، وكأنهم يحسون بقرب قدومها… ولذلك يقول وزير دفاع اليهود (وايزمان): «نريد ان ننتهى من الاسلام الذي يقول للمسلم: ان قتلت يهودياً دخلت الجنة وان قتلك يهودي دخلت الجنة». وهذا فهم صحيح للجهاد من عدو الله. قال تعالى: (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقْتلون. وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقران، ومَنْ أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به)(111: التوبة).

    والأمة الاسلامية، الجهاد حياتها، والجهاد تاريخها، والجهاد ذروة سنام دينها، وقدرها ان تستمر في المعارك، تحمل الاسلام وتنشر الدين، فان تركت الجهاد لم يتركها عدوها تستريح وانما داهمها في ديارها، وهي كلما قربت من الله بتطبيق الاسلام في جهادها كان الله معها وكلما بعدت عن الله تركها لنفسها، فلا تنتصر الا اذا عادت اليه.

    والجهاد لايجوز ابطاله. لا يقول بابطاله الا كافر او منافق او فاسق، ولذلك يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، «الجهاد ماض الى يوم القيامة لا يبطله عدل ولاجور جائر واذا استُنْفِرتُم فانفروا».

    ان احباب الله يجاهدون في سبيل الله اما المرتدون ممن والوا اليهود والنصارى والحالمون بالحلول السلمية، النائمون على الوعد الدولية، الواثقون من «الرأي العام العالمي»، فهم يخافون من الجهاد ولذلك عمد الرئيس المرتد أنور السادات في اتفاقيته الخاسرة الى اليهود فأعطاهم كل شيء مقابل الغاء الجهاد.

    فلما قطعت إيران المسلمة البترول الذي كان يورده الشام الى الدولة اليهود، بادر هذا المرتد في إعطاء اليهود ما يمكنهم من ذبح المسلمين به. وردّوا إليه سيناء بدون سلطة له عليها، محرم على جيش مصر أن يدخلها، أما اليهود فسيبقون على الحدود تنشئ لهم أمريكا النصرانية الحاقدة مطارات لينتقلوا منها إلى مصر متى يشاءون لا يقف أمامهم جيش. وأعطى الرئيس «المؤمن جداً» القدس لليهود والمسجد الاقصى لليهود ويافا وحيفا والجليل والنقب والسهل والجبل، بل أعطى الأرض المباركة كلها بما فيها من أنبياء ورسل وقداسة، الى اليهود، وهو بذلك يظن أنه يصنع التاريخ ويعلن بلاحياء ولا خجل حين وصوله الى واشنطن، عاصمة الكفار في الأرض: أن يوم توقيع معاهدة الردة هو يوم تاريخي.

    ومن العجايب الغريب ان التاريخ يعيد نفسه في هذه المعاهدة، في الحروب الصليبية قام حاكم مصر «شاور» بالاستعانة بالصليبيين وعقد معهم معاهدة كمعاهدة خلفه «انور السادات» وجعل جيش مصر يقاتل مع الصليبيين قوات المسملين الزاحفة من ديار الشام بقيادة شيركوه وابن اخيه صلاح الدين. وكان هذا عند قرب نهاية الدولة الصليبية إيذاناً بذهاب دولة الفاطميين.

    ان الارهاصات التي بدأت تظهر في ديار المسلمين مقدمة لمجيء أحباب الله من القياديين حتى يقودوا الأمة في معركة الجهاد واستئصال دولة الكفر.

    هؤلاء القياديون حينما يأتون سيكونون موضع استغراب الناس، كما كان آية الله الخميني موضع استغرب وتعجب عند كثير من الناس، وخصوصا خارج ايران، اذ برز الى الساحة دون مقدمات معلنة… فيجيب الله المتسائلين عن هولاء الأحباب: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) (45: المائدة). وأحباب الله الذين أحبوا الله ورسوله هم الذين يقول فيهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، (لايؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما). الله أحب اليهم من أنفسهم ومن أموالهم ومن أولادهم ومن مناصبهم: (قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين) (24: التوبة).

    ومن المؤلم للنفس المؤمنة ان بعض العلماء في مصر ممن تولوا ويتولون مناصب رئيسية في الازهر والأوقاف قد سايروا حاكم مصر المرتد وزينوا له عمله. فان كانوا طائعين في ذلك فقد ارتدوا، وان كانوا مكرهين في ذلك فقد أثموا وقاربوا الردة وأصبحوا شبه عار في تاريخ العلماء، باعوا اخرتهم بدنيا غيرهم فأصبحوا من السلفة: (فالله أحق أن تخشوه ان كنتم مؤمنين) (13:التوبة).

    ثم الولاء بعد الله يكون لرسوله. والولاء لرسوله يقتضي الحب الكامل لشخصه الشريف كما ورد في الحديث: «الايؤمن احدكم حتى يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما». والرسول جاء بالوحي المتلو وهو (القران)، وبالوحي غير المتلو وهو (السنة) فاذا قام حاكم من هؤلاء الحكام الذين جاؤوا بليل فقال: اني لا اعترف بالسنة واعترف بالقران فقط. فهو بعلمه هذا قت كذب ما جاء به القرآن - حسب زعمه - والله يقول: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (7: الحشر).

    اذن السنة وحي: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي اليّ) (110: الكهف)، ولكنه وحي لم ينزل بلفظه، وهي جاءت موضحة للقواعد الكلية في القران وشارحة للتفاصيل بكل ما قاله الرسول او فعله او نهى عنه أو أمر به أو سكت عن عمل أمامه، فهذا من الوحي. فالرسول، صلى الله عليه وسلم، هوالذي حدد عدد الصلوات وركوعها وسجودها وقصورها، ثم صلاها امام المسلمين بها وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».

    فمن أنكر ركعتي صلاة الفجر الفرض فقد أنكر ما علم من الدين بالضرورة وبالتالي يكون قد كفر ولو زعم الاسلام. وكذلك فعل الرسول في مقاديره الزكاة على الاموال وفي تفصيلات الحج، وكان يقول: «خذوا عني مناسككم».

    ثم يكون الولاء بعد ذلك للمؤمنين، والولاء للذين آمنوا يقتضي ان لا تناصر غير المؤمنين عليهم كما فعل الرئيس المرتد، فهو بوثيقة الردة التي وقعها خان المؤمنين، خان نساءهم وأطفالهم ورجالهم، خان الذين كانوا يتأملون الخلاص على يديه، فاذا هو يكتفهم ويرميهم الى عدوهم يفعل بهم ما يريد: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاة الله ورسوله)(22: المجادلة). والسادات اتخذ من اليهود والنصارى أصدقاء وأحباباً، وتخلى عن المؤمنين.

    ان أحباب الله الذين والوا الله ورسوله والمومنين بطبيعتهم، يعبدون ربهم فيقيمون الصلاة في أوقاتها ويؤدون الزكاة في أوقاتها، فلا يقضون ليلتهم يتبادلون النساء في الرقص كما فعل زعماء الهزيمة ويفعل صاحب وثيقة الردة. وهؤلاء حينما يلتزمون جانب الله يصبحون من «حزب الله» ويقابلهم «حزب الشيطان» فكل من آمن بالله ورسوله وشهد الشهادتين وكفر بأعداء الاسلام ولم يوال اليهود والنصارى هو من حزب الله وأما حزب الشيطان فهم حزب واحد سواء أكانوا عرباً لايومنون بالاسلام، وماسونيون، وقوميون علمانيون، واشتراكيون علمانيون، وشيوعيون ملحدون، ورأسماليون ماديون، يؤمنون بفصل الدين عن الحياة فالماسوني الغربي هو شقيق للماسوني العربي، والشيوعي العربي هو شقيق للشيوعي اليهودي، واليساري العربي الذي يؤمن بالصراع الطبقي في محاربة اليهود ولا يحاربهم كغزاة وككفار هو شقيق لليساري اليهودي، حتى اذا وصل اليساري اليهودي الى الحكم في دولة اليهود تخلى اليساري العربي عن قتال اليهود. يجب ان ينظر الى حزب الشيطان بنظرة واحدة لا تمييز فالله تعالى يقول: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(73: الأنفال).

    ولكن يجب ان نميز بين الكفار فكافر قاتلنا وأخرجنا من ديارنا وظاهر على اخراجنا فهذا يجب ان نعاديه وألا نواليه ولا نحسن اليه، كاليهودي في فلسطين وكبريطانيا وأمريكا، أما الذين لم يسيئوا الينا ولم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على أخراجنا فهولاء نحن مأمورون بان نحسن اليهم وندفع عنه الاذى ونقاتل في سبيل حمايتهم، فيقول الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم. ان الله يحب المقسطين، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخروجوكم من دياركم وظاهروا على أخراجكم ان تولوهم، ومن يتولهم فأولئكم هم الظالمون) (8-9: الممتحنة).

    وتقتضينا هذه الاية: الا نحترم مصالح الدول التي عاونت على اخراجنا من ديارنا والا ندعم اقتصادها، فاليهود ليسوا بأكفاء لنا في المعركة - على ضعفنا - ولكن دول الغرب، وعلى رأسها امريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، غذتهم بالسلاح والمال ليقتلونا وليثبتوافي أرضنا، ولولا هذا المدد لما بقيت دولد يهود في أرضنا هذه المدة.

    وبذلك فان على دول البترول وأثرياء المسلمين الذين يدعمون اقتصاد الغرب ويودعون اموالهم في بنوكه (وهي بنوك يسيطر عليها اليهود) ان يسحبوها والا كانوا من الذين خالفوا القران وولوا اليهود والنصارى، والا كانوا شركاء في اذلال امتهم وظالمين لها ولأنفسهم، وشركاء في دعم دولة اليهود، وشركاء في قتل الاطفال والنساء وإرهابهم وهدم البيوت، وهم شركاء في ضم مساجد يافا وحيفا وبقية الارض المباركة التي حول اليهود كثيراً منها الى مراقص وحانات للخمور.



    القلة والكثرة



    ان الكثرة الكاثرة من الجماهير لايعول عليها في التغيير، لأنها لا تعرف ما يضرها وما ينفعها، ولذلك هي حينما تهتف، تهتف بعقلية القطيع الذي لايعي، وحينما ترقص، ترقص بنفسية المذبوح الذي لايدري، وحينما تؤيد تساق الى التأييد سوقا. ومن هنا خرجت علينا قضية التأييد المطلق للحاكم، او للرأي الذي يريده، نسبة 99 وتسعات مكررة اخرى. اما الذي يقبل بوعي ويؤمن بتبصر فهم أهل الحل والعقد: الفئة القيادية، الواعية القليلة. هذه الفئة هي التي تتغير فتؤمن بالاسلام فيغير الله ما بها من جاهلية… عند ذلك يتغير المجتمع وعلى أيديها فيتبعها الناس. هذه الفئة القليلة هي التي تعنيها الآيات الكريمة: (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) (249: البقرة)، (وقليل من عبادي الشكور) (13: سبأ)، (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) (13: الواقعة)، (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) (39-40: الواقعة).

    ولما كان مجتمع الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو المجتمع الامثل والأكمل، فانا نراه قد ربى أصحابه من المهاجرين والأنصار تربية ربانيد، فطهرهم من أدران الشرك، وخلص نفوسهم من اوساخ الجاهلية، وجعلهم نماذج تحتذى، فكان هؤلاء هم القادة وهو المعلمون وهم النماذج الحية للاسلام الحي، طبقوه على انفسهم وعملوا فيما بعد على تطبيقه في أرجاء الارض، والناس بعد ذلك كانت تبعاً لهم، ولكن الناس لم يكونوا على مستوى ايمانهم ولا فقههم ولا بصيرتهم. قال الله تعالى: (قالت الاعراب آمنا، قل: لم تؤمنوا، ولكن قولوا: اسلمنا. ولما يدخل الايمان في قلوبكم. وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئا. ان الله غفور رحيم) (14: الحجرات).

    ولذلك حين توفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اهتز المسلمون هزة عنيفة، حتى عمر بن الخطاب اصابه الذهول، فلم يصدق الخبر وقال: «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يمت ولكن ذهب يكلم ربه كما ذهب موسى يكلم ربه». ولكن جاء كبير المؤمنين وشيخ المصدقين، رضي الله عنه وأرضاه، ودخل المسجد. فلم تذهله الفاجعة عن الحقيقة باعتباره التمليذ الاول لخاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم، ووقف بجانب المنبر وقال: «من كان يعبد محمداً فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لايموت». ثم تلا قوله تعالى: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل، افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين) (144: آل عمران).

    وحين سمع اصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الآية سلموا الامر لربهم وبدأوا يتحملون المسؤولية كاملة، وتركوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مسجى على الفراش الموت، وذهبوا لينتخبوا الخليفة الاول، حيث لايجوز ان يبقى المسلمون بدون امام يرعى شؤونهم ويتولى نشر الدعوة ويرسل الجيوش ويطبق أحكام الله في الارض.

    وأما الكثرة الكاثرة من الذين «اسلموا» ولم «يومنوا»، فقد ارتدوا على أعقابهم كافرين، ولم يبق على الاسلام الا ثلاثة مساجد: مكة المكرمة والمدينة المنورة والبحرين. وظنت هذه الجماهير الجاهلة وقياداتها الجاهلة ان الاسلام قد انتهى بوفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمنهم من عاد الى جاهليته كلها، ومنهم من أنكر فرض الزكاة، وقال شاعرهم:

    ***

    اطعنا رسول الله ما دام فينا

    فيا لعباد الله ما لأبي بكر

    أيورثها بكراً اذا ما مات بعده

    فتلك لعمر الدهر قاصمة الظهر

    ***

    وبدأت «الفئة القليلة» المؤمنة من المهاجرين والانصار، بقيادة أبي بكر الخليفة الاول، تخوض المعارك الضارية حتى تعود بالجماهير الضالة الى رشدها وتحملها على خير أمرها، وتمنع عنها نجاسة الشرك من جديد. وهكذا خاض المسلمون المؤمنون الواعون من «الفئة القليلة» حربا ضروساً مع الجماهير الكافرة الكثيرة حتى ردوها الى الصواب. ولذلك فان الذين يقولون ان الاسلام «ديمقراطي» هم لا يفقهون الحقيقة. فالاسلام ليس «ديمقراطيا»، وليس «اشتراكيا»، وليس «رأسماليا». والاسلام ليس علما على شيء من هذه الاسماء التي اخترعها البشر. ولكنه دين رب العالمين. ولذلك لو اختارت «الاكثرية» نظاما غير الاسلام وديناً غير دين الاسلام فان ذلك لايقبل منها. ويجب ان تحاربها «الاقلية» - الفئة القليلة المؤمنة - لتردها الى دينها والى اسلامها. ولذلك يخطئ كثير من الحركات الاسلامية حينما تنتظر ان يتحول الشعب كله او جله الى حمل الدعوة وان يحمل الاسلام كل فرد فيه بوعي وبصيرة وفهم لأن انتظار ذلك يخالف سنة من سنن الله قي المجتمعات، اذ يكفي ان توجد الفئة المومنة القليلة لتتحرك بتنظيم ووعي وتخطيط فتأخذ زمام المبادرة وتقود الأكثرية الساحقة.

    وقد توصل بعض علماء الاجتماع الغربيين بعد دراسة أحوال المجتمعات البشرية، الى ان الذين يفكرون في تغيير احوال المجتمع هم 16 في المائة من أفراد المجتمع، والذين ينهضون بالفعل لتغيير مجتمعهم لاتتعدى نسبتهم عن 2.5 في المائة… اما بقية افراد المجتمع فهي تتبع لا غير…

    ولقد روي عن الامام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، انه قال: «الناس ثلاثة، عالم رباني ومتعلم على وجه الحقيقة، وهمج رعاع يتبعون كل ناعق»… وهذه الحقيقة لا تحتمل التغيير والتأويل، وهي سنة من سنن الله في خلقه، فحينما اخذ الشيوعيون الحكم في روسيا لم يكن الشعب في روسيا يدري ما هي الشيوعية، ولكن الفئة القليلة المنظمة استطاعت ان تتسلم الحكم.

    وليس الامر امر «تطور حتمي» للمجتمعات كما زعم (ماركس)، (لينين) و(انجلز)، لأن استلام الفئة القليلة للحكم نقض لنظرية التطور الحتمي للمجتمعات والادوار التي تمر بها تلك المجتمعات، اذ لو كان الامر كما قالوا لاصبحت انجلترا وألمانيا وأمريكا ودول الغرب دولا شيوعية قبل الاتحاد السوفياتي والصين، لانها مجتمعات متقدمة صناعيا، فهي اولى بالتطور نحو الاشتراكية - حسب نظريتهم - من الاتحاد السوفياتي والصين.

    ولذلك فان الفئة المؤمنة التي صبرت على دينها وأنار الله بصيرتها فلم تلحق بسراب المبادئ المستوردة، ولم تصفق للطغاة ولم تهتف للمتجبرين، وصبرت على طهرها فلم تنغمس في رجس الجاهلية فعبدت الله وحده لم تشرك به شيئا، وصبرت مع أحكام الاسلام وسط مجتمعات الجاهلية… هذه الفئة عليها ان تتقرب الى الله باستمرار وان توحد نفسها وان تكثر من البكاء والتضرع والسجود وتلاوة القران الكريم وهي تعمل، علّ الله يفتح على أيديها.

                  

العنوان الكاتب Date
زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 07:48 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية عمر الفاروق02-21-07, 07:51 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 07:57 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:00 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية الصادق صديق سلمان02-21-07, 08:02 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:03 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:06 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية عمر الفاروق02-21-07, 08:06 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:07 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:09 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:12 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:13 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:18 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:20 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:23 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:28 AM
  Re: زوال إسرائيل ,, حتمية قرآنية samo02-21-07, 08:32 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de