د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 01:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2007, 12:08 PM

محمد يسن علي بدر
<aمحمد يسن علي بدر
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (Re: محمد يسن علي بدر)

    عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (5)
    اتفاقية السلام... صناعة خارجية

    بين من يُفترض، بل يلزم، تأييدهم للاتفاق، كما بين بعض من معارضيه، من يصرح حيناً، و يلمح احياناً، الى ان اتفاقية السلام الشامل صناعة خارجية. مثال ذلك قول الاستاذ قطبي المهدي وهو أسطون من أساطين حزب المؤتمر الوطني، أحد صانعي الاتفاقية، أن ''السلام لا تأتي به ورقة مساومات، واذا لم توجد قناعات حقيقة لا يتوفر السلام. الذين وقعوا هذه الاتفاقية هل كان قصدهم السلام، أم قصدهم مكاسب سياسية من قبل الضغوط الدولية على السودان ثم استخدام هذه المكاسب لمواصلة الحرب السياسية مع النظام. ومنذ البداية كانت تحفظاتنا هي هذه. نعرف نوايا الحكومة جيداً ونعرف نوايا الامريكان الذين كتبوا هذه الاتفاقية'' (الخرطوم 14/10/2006). فالاتفاقية عند القطب المؤتمري، اذن، صناعة امريكية، رؤى وصياغة. ما أظلم الرجل ! لا نقول هذا لأن الخارج لم يكن له دور، فللخارج دور كبير نقدره، بل نحرص على استمراره. فدوره هام لضمان الالتزام بنص الاتفاق حتى لا تلحق به خروقات كبيرة أو يستبيحه احد الطرفين. ودوره ضروري لاكمال بعض الاجراءات المترتبة على انفاذ الاتفاقية مثل نزع السلاح، وإزاحة الالغام، ودعم مشروعات الاغاثة خاصة للنازحين و اللاجئين، وتمويل اعادة البناء وفق مشروعات محددة اتفقت عليها اللجنة المشتركة للتقديرات، ثم تمويل مشروعات التنمية. و ما أكثر من يستنكفون، في أنفة زائفة وإباء مصطنع هذا ''التدخل الخارجي'' دون أن يقولوا للناس ما هي بدائلهم. ونتمنى ان لا تكون تلك البدائل مثل الوعود التي قطعت لتمويل القوات الافريقية في دارفور.


    فأكذوبة تلك التي توحي ان الخارج كان بعيداً عن صناعة السلام في السودان، وهى صناعة تعود الى الستينيات. ففي مؤتمر المائدة المستديرة، التي هى جهد سوداني خالص، لم نبطئ أو نخطئ في الاستعانة بمصر وغانا والجزائر ويوغندا، وكان للأخيرة دور ملحوظ، خاصة ماقام به يومذاك وزيرها فيليكس اوناما. وفي اتفاق اديس ابابا (1972) استعان النظام المايوي بامبراطور اثيوبيا الذي رعى الاتفاق، و بمجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس الأفريقي اللذين لعبا دور الوسيط، وبمنظمة الوحدة الافريقية (مثلها مساعد الامين العام آنذاك، محمد سحنون) التي قامت بدور المراقب. وفي عهد حكومة الصادق الثانية توالى ''التدخل الاجنبي'' مرة للتوسط مع الحركة (اثيوبيا 1986 لترتيب لقاء قرنق، الصادق) واخرى للتمهيد وتسهيل اتفاق سلام (الميرغني، قرنق) في نوفمبر 1988، كما كان للجنرال اوباسانجو (وذلك قبل أن يصبح رئيساً للمرة الثانية) والولايات المتحدة عبر سفرائها المتعددين دور ملحوظ في صنع السلام، وقد أصدر اثنان منهما (دونالد بيترسون ونورمان اندرسون) كتابين رويا فيهما قصة تلك اللقاءات. ذلك، الى جانب الدور الذي لعبته الامم المتحدة في توفير وتسهيل الاشراف على المعونات الانسانية (برنامج شريان الحياة) طيلة سنى الحرب. وفي عهد الانقاذ توالى الوسطاء من دول الجوار مثل الرئيس موي منذ عام 1989، ومن الدول الافريقية الاخرى (مانديلا، اوباسانجو)، ومن الولايات المتحدة (الرئيس كارتر وهيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية) وجاء من بعد دور الدول العربية وكان لبعضها مبادرات (مبادرة الشيخ زايد رحمة الله والمبادرة المصرية /الليبية والمبادرة الاريترية).

    الحديث عن التدخل الخارجي بلغ حد التسطيح حينما افضى سياسي معارض بالقول لأحد الصحف ''ان كل الاتفاقيات صناعة اجنبية والشاهد على ذلك الجنرال سيمبويا'' (الدكتور كدودة، الحياة 10/11/2006)، هكذا ببساطة، وكأن المتحدث يلقم المتسائلين حجراً. ثم ماله سيمبويا؟ أوليس هو الرجل الذي ابتعث التجمع الوطني المعارض وفداً ليلتقي نائبه السفير امبويا في نيروبي بقيادة نائب رئيس التجمع عبدالرحمن سعيد حتى يتمكن التجمع من المشاركة في مفاوضات الايقاد؟ تلك رغبة حال دونها ابتعاث نظام الانقاذ لواحد من رجالاته (قطبي المهدي) ليقول لامبويا ''ان دخل التجمع من الباب خرجنا من النافذة''. ثم أو لم نرتحل جميعاً لنناهض النظام من اسمرا وهى ليست، كما تشير خرائط الجغرافيا، واحدة من مدن السودان، ونعقد الاجتماعات في كمبالا واديس ابابا، ونيروبي والمدائن الاربع التي سميناها هى حواضر ''الدول الاجنبية'' التي لعبت دوراً في تحقيق اتفاق نايفاشا. ثم أولم نكن ننتظر بتلهف في القاهرة لقاء ''الخواجة'' جاك دانفورث الامريكي و''الخواجة'' آلان قولتي البريطاني، والسيدة هيلدا جونسون النرويجية، والايطالي الراحل السناتور سيري، واربعتهم هم الرقباء في مفاوضات ماشاكوس ونايفاشا. ثم أولم يكن شيخ المعارضين، كما هو شيخ المحدثين، عن التدخل الأجنبي يهرع بعد كل لقاء بأي من هؤلاء، لعقد ندوة يفضي فيها الى الناس باسرار لقائه، وهو بذلك غابط اشد الغبطة. الحديث عن الحل الأجنبي كِبر لا معنى له، فالسودان لم يعد هذا الوطن البكر والدرة العذراء. تلك الدرة ثقبت منذ زمان. ولا يعبر هذا الكبر، بل الاستكبار، الا عن عياء في الحجة. فان كان للناس ما يقولون حول الاتفاق، وهناك الكثير الذي ينبغي ان يقال عن انفاذه وتجويده خلال الأطر القائمة، فليقولوه. فعلى مدى عقود من الزمان ظللنا نقتل بعضنا البعض ولم ينبغ من بيننا حجاز، اي الشخص الذي يفصل بين المتخاصمين بالحق، و قول له ''حَجّاز''. فان انبرى حاجز لفك الاشتباك فيما بيننا فهذا كرم منه. وان اقبل علينا آخر دعوناه لعوننا على انهاء النزاع، فهذا جهد يستوجب الشكر. ولئن يذهب بعض المعارضين الذين ما تركوا باباً في الخارج الا وطرقوه، ولا زعيماً أجنبياً الا واستعصموا به، ولا وكالة دولية أو اقليمية الا واستنجدوا بها، أويذهب ممن ينبغي تأييدهم للاتفاق، الرجل الذي حمل نفسه، دون غيره، الى ''التدخل الاجنبي'' في عقر داره ليصد ابواب تلك الدار على غيره حتى يستأثر وحده بما فيه، لئن يذهب كل هؤلاء الى تهجين السلام بدعوى انه صناعة خارجية، فهذا تصاغر لا يليق.

    * * * *

    نقعد، نقوم على كيفنا

    ومن العجب العجاب زعم كثير منا بغير يقين ان السودان نسيج وحده. لسنا أقل من هؤلاء حباً لبلادنا واعجاباً بحسن شمائل اهله. ولكن ينبغي أيضاً ان نعرف قدر نفسنا، فالله لا يرحم من لا يعرف قدر نفسه. فنحن لسنا افضل حالاً من جنوب افريقيا التي ما كان لها ان تخرج من مأزقها دون عون ووساطات خارجية. ولسنا افضل حالاً من بريطانيا العظمى التي استنجدت بالرئيس كلينتون والسيناتور ميتشل لوضع اطار لحل المشكل الايرلندي. ولسنا افضل من اهل لبنان الذين استنجدوا بآل سعود ليخرجوهم من دوامة الحرب، فكان اتفاق الطائف. ولسنا أفضل من الفلسطينيين أصحاب ''القضية'' الذين هرعوا الى مدريد تحت رعاية الرئيس بوش الأب، والى واشنطن تحت رعاية الرئيس كلينتون ليبحثوا عن الحلول لقضاياهم. فلماذا نظن اننا نسيج وحدنا؟ ومما يزيد في العجب ان لبعض قيادات السودان وبعض صحافييه الذين يستكبرون التدخل الاجنبي المزعوم في شئون السودان، براعة لا حد لها في التوغل في شئون الآخرين، والمباهاة بانجازاتهم فيه. فما زلنا نباهي حتى اليوم في افلاحنا في التوفيق بين الراحلين عبد الناصر والفيصل (مؤتمر اللاءات الثلاثة العام 1967)، ونوالي الحديث في تفاخر عن دورنا في دعم الحركات الاريترية. ويستذكر آخرون سعى السيد الصادق المهدي ابان حكومته الأخيرة للتوفيق بين الاتراك واليونانيين القبارصة، وبين العرب وايران الخميني. وما فتئنا نتوسط بين سوريا ولبنان، وبين الطوائف المتحاربة في العراق ولبنان وتشيد بذلك نفس الأصوات والأقلام التي تلهج بالنقد ضد ''التدخل الاجنبي''.

    مبلغ الظن أننا تماماً كما وصفنا به الشاعر الشعبي، و لعله عكير الدامر : ''نحن اولاد بلد نقعد نقوم على كيفنا. لا يا سادة، بالقطع، العالم ليس على كيفنا. هذه لغة تصلح للذين تبدأ الرجولية عندهم وتنتهي بالبطان، ولعلها تعود الى قولهم بَطَنَ الرجل أي ضرب بطنه، ولا تكون البطانة عندنا الا في الظهر. نعم، ان جاز لهؤلاء ان '' يقوموا ويقعدوا على كيفهم ''، فمن عمه البصيرة ان يتظنى بذلك من ينبغي عليه ان يعرف ان القوة اليوم هى الوزن الاقتصادي الثقيل، وهى الموارد الطبيعية الضخمة المستغلة لا الكامنة، وهى الترجيح في موازين التجارة واسواق الاموال، وهى المناعة العسكرية، وهى التحكم في مؤسسات صنع القرار الدولية، السياسي منها والاقتصادي، هي السيطرة على السموات التي نعيش تحتها حتى كوكب المشترى، ويطلون علينا منها، إنساً كانوا أو شواطين مَرَدة، مرتين كل ساعة: ''انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم''. من حقنا ان نستنكر استغلال بعض الدول، بل واحدة منها، لهذه المُكنات لتعيث فساداً في الارض وننسبها للشياطين. ولكن من واجبنا ان لا نتجاهلها عند صنع القرار في بلادنا. من يفعل ذلك يهلك، او ينتهى بنفسه الى حرج وضيق، أو يهلك عارياً جوعاناً في الصقيع كما هلك الاعرابي. قيل لاعرابي يمشي في شمل مرقع في يوم شاتٍ، أما تجد البرد يا أخ العرب؟ قال : ''امشي الخيزلى ويكفيني حسبي''، و الخيزلى مشية فيها تثاقل.

    أشد ما يحزن المرء في الحديث التالف عن الحل الاجنبي، أو كتابة الأمريكان للاتفاقية، الانكار الظالم للدور السوداني في صنع الاتفاق، والاجحاف بدور رجال اسهموا اسهاماً كبيراً في صوغه. الاتفاق صنعه جنود مجهولون وجنود ليسوا بالمجهولين من الطرفين، من بينهم ذوو القدرات الضخمة في التفاوض والحوار، وفي الانشاء والصياغة، و في القانون والسياسة والاقتصاد. أغلب هؤلاء استأنوا عند الزحام فلم يعد الناس يرونهم الا لماماً. ومنهم من هاجر في طلب العلم استدراكاً لما فاته بسبب الحرب، واخذ البعض ينسج حول هجرته الاقاويل، ومنهم من استعصم بمكتبه الخاص. ولكني لن اضيع هذه الفرصة لاجلي على الناس اسماء الجنود المجهولين الذين أثروا الاتفاق، في جوانبه الاقتصادية، بالكثير المفيد، لا لسبب الا لأن السيد الصادق المهدي، في نقده للاتفاقية، نعى على بروتوكول اقتسام الثروة ''قلة الدراسة والتحضير''. نشير الى دور الدكتور علي عبدالقادر علي والدكتور ابراهيم البدوي، و هما من انجب اقتصاديي السودان، جئ بهم لتقويم دراسات عديدة قام بها البنك الدولي وصندوق النقد وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. كما نشير أيضاً لما أسهم به لاثراء دراسات الحركة الشعبية حول ادارة الموارد واعادة تأهيل الكوادر مثل الدكتور عبد الله حمدوك والدكتور راشد حسن اللذين وفدا علينا مع فريق مقتدر من جنوب أفريقيا. الى جانب هذين الاقتصاديين هؤلاء كان هناك جنود مجهولون حقاً لا يذكرهم الذاكرون: الدكتور لوكا بيونق، الدكتور لوال اشويك، والاستاذ الفاتح علي صديق. هذا هو مدى ''قلة الدراسة والتحضير''.

    * * * *

    الاستئثار بالحكم

    الى جانب الثنائية والتدخل الخارجي عاب الناقدون على طرفي الاتفاقية، استئثارهما بالحكم وفق نسب قرراها لنفسيهما في الشمال والجنوب، و شَهَروا بذلك في نقدهم. في هذا النقد، ان جاء من الجاهلين بأمر الاتفاقية والدستور، اشتباه وتخليط، علماً بأن الاتفاقية والدستور قد نُشرا على الملأ، وان جاء ممن قرأها ووعيها فهو تدليس. فالاتفاق يتحدث عن مرحلتين من تاريخ بدء انفاذه، المرحلة الاولى هي فترة السنوات الثلاث الاولى التي تقتضي طبيعة المهام والتدابير المنبثقة عنها امساك الطرفين بزمام الأمر، والمرحلة الثانية هى التي تعقب الانتخابات العامة ويقرر فيها الشعب بِحُرِ ارادته من يحكمه. لكل واحدة من الفترتين ترتيبات تتعلق بهيكل الحكم، و لهذا اورد الدستور في كل باب من ابوابه الرئيسة فصلين يتناولان وضعين مختلفين، فصل منها يتعلق بالاوضاع الطبيعية بالنسبة للسلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، وهى الاوضاع التي ستنجم عن الانتخابات العامة. وفصل آخر يتضمن احكاماً انتقالية تعالج الاوضاع الراهنة. فالوضع الطبيعي حول الرئاسة، مثلاً، يحدده الفصل الثاني من الباب الثالث من الدستور (المواد 51 - 64): تكوين مؤسسة الرئاسة من رئيس ونائبين، انتخاب الرئيس انتخاباً مباشراً، اجل الولاية، اسس تعيين نائبي الرئيس. في حين ينص الفصل الثالث في مواده 65 - 69 على الاحكام الانتقالية التي تتناول الاوضاع غير الطبيعية التي افرزتها اتفاقية السلام الشامل: شرعنة وضع الرئيس الحالي بموجب الدستور الجديد (دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005)، اعتماد رئيس الحركة الشعبية أو من يخلفه كنائب اول للرئيس، اتخاذ المجلس الرئاسي لقراراته بتوافق الآراء.كما افرد الدستور فصلاً خاصاً للجهاز التنفيذي (الحكومة) لا ينطبق بطبيعته الا على الفترة ''غير الطبيعية'' هو الفصل الخامس. ذلك الفصل ينص على قيام حكومة وحدة وطنية قبل الانتخابات ويحدد واجباتها، كما يسمي ويحدد الحقائب الوزارية في تلك الحكومة في جدول ملحق باتفاقية السلام الشامل وكيفية توزيع الحقائب. يصدق هذا ايضاً على السلطة التشريعية اذ ابان الدستور في الفصل الاول من الباب الرابع اسس تكوين وانتخاب اعضائها انتخاباً حراً مباشراً (في حالة المجلس الوطني)، وانتخاباً حراً غير مباشر (في حالة مجلس الولايات الذي تنتخب الممثلين فيه المجالس التشريعية للولايات). ولا يحدد الدستور عدداً لاعضاء المجلس الوطني بل يترك ذلك للهيئة القومية للانتخابات لتقرره وفق المعايير المتعارفة مثل عدد السكان. بيد ان الباب الرابع يتناول في فصله الثاني الاحكام الانتقالية المتعلقة بالمجلس الراهن، فالى حين اجراء الانتخابات قضى الدستور في ذلك الفصل بتكوين مجلس يضم (450) عضواً معيناً من قبل الرئاسة ووزعت مقاعده وفق النسب المتفق عليها في الاتفاقية. ويعني هذا أن الترهل الذي يشهده المجلس الوطني الحالي وحكومة الوحدة الوطنية هو أمر اقتضته ضرورات الحكم الانتقالي ذي القاعدة الواسعة، ونتمنى أن لا يجد فيه الذين سيضعون قانون الانتخاب مندوحة للابقاء عليه (من ناحية الكم)، أو الابقاء على الشكل الحالي المترهل لمجلس الوزراء، خاصة في ظل اللامركزية التي نقلت أغلب سلطات المركز الى الولايات. وعلى كل، لا ينبغي ان تفاجئ النصوص الانتقالية احداً. هل ضار الطرفان القوى السياسة الاخرى بتلك القسمة؟ الجواب نعم، و''تلك اذاً قسمة ضيزى''. و هل هناك مبرر؟ الجواب نعم، وعلنا نعيد القارئ للاسباب التي أوردناها حول الظروف التي تم فيها الاتفاق، ونضيف الى ذلك الشرائط المطلوب توافرها لتنفيذه.

    الطرفان لم يستأثرا بالحكم في الفترة الاولى لأنهما خيار من خيار، وليس فقط لأن موازين القوة في اللحظة الراهنة ترجح بهما، و انما ايضاً لان القوة التي تحدث التغيير تحرص دوماً على الامساك بمفاتيح التغيير ريثما تُرسي قواعده. ان اكبر المهام التي يجابهها النظام الذي تولد عن الاتفاقية هى تنفيذ الاجراءات الامنية وسنتحدث عن امرها في مقال لاحق نتناول فيه العثرات التي مرت و تمر بها، والتهويش الذي طغى على تناول البعض لها في الصحافة. اياً كان الامر، فلا سبيل لارساء قواعد النظام الذي انشأته اتفاقية السلام الشامل الا بتنفيذ تلك الاجراءات من جانب الطرفين. فالحركة الشعبية، مثلاً، هى التي تسيطر على الجيش الشعبي في الجنوب وامتدادته في شرق السودان وجبال النوبة والنيل الازرق. والحكومة القائمة هى التي تسيطر على الجيش واجهزة الامن والشرطة والدفاع الشعبي وما يسمى بالقوات الصديقة عبر السودان، بما في ذلك جنوبه. قدرة المسيطرين على هذه القوات التي ظلت تخوض حرباً ضروساً ضد بعضها البعض هو وحده الكفيل بانهاء الحرب وازالة عقابيلها، أي دواهيها. وان لم يكن هناك سلام، فلن يكون استقرار أو ديموقراطية أو تنمية.

    * * * *

    سيطرة قوى التغيير، أو القوى التي حسبت انها صانعة التغيير، ظلت هى دأب تلك القوى في كل الفترات الانتقالية التي مر بها السودان. فعقب انتفاضة اكتوبر 1964 آلت مقاليد الامور لجبهة الهيئات ممثلة في النقابات العمالية والمهنية مع وجود رمزي للاحزاب (محمد احمد المحجوب عن حزب الامة، مبارك زروق عن الحزب الوطني الاتحادي، احمد سليمان عن الحزب الشيوعي، محمد صالح عمر عن الاخوان المسلمين). عن تلك الحكومة. أُقصِى، لا بارادة الشعب، بل ارادة القوى المهيمنة على الامور يومذاك، حزب الشعب الديموقراطي لموالاة كباره لنظام عبود. و عقب انتفاضة ابريل 1986 انتهى الحكم الى الجيش والتجمع النقابي، دون وجود رمزي او غير رمزي للاحزاب التي عكفت على اعادة تنظيم صفوفها تمهيداً للانتخابات العامة التي حُرِمت منها منذ 25 مايو .1969 وعندما وضع التجمع الوطني الديموقراطي برامجه المرحلية للحكم استقر رأيه على اقتسام السلطة في الفترة الانتقالية التي تسبق الانتخابات بين القوى السياسية والاجتماعية (النقابات) المكونة له والعزل الكامل للقوى الممثلة في حكم الانقاذ، لا سيما وقيام نظام التجمع نفسه كان رهيناً بـ ''اقتلاع'' ذلك الحكم من الجذور. ونقطع بأن نزاعاً كبيراً كان سيقع ان تم التحول على الوجه الذي كان التجمع ينشده. فموضوع الاتفاق على الانصبة بعد ''اقتلاع'' نظام الانقاذ أثاره قبل ''الاقتلاع'' السيد مبارك المهدي في اجتماع للتجمع باديس ابابا ابتناءً على نظرية ''الاوزان''. انبرى له في ذلك الاجتماع رئيس وفد الحركة الشعبية القائد سلفاكير يقول: ''عندنا مثل يقول قُبال الشكلة في قسمة لحم القرنتية نقتل القرنتية الأول''. و لم يترك ايليجا ماجوك، نائب محافظ بنك السودان حالياً، سلفا يكمل حديثه، بل اندفع هو الآخر يقول: ''نحن لم نشارك في البرلمانات السابقة ولهذا فالميزان الوحيد الذي نقيس به احجامنا السياسية هو الجهد الذي يجمعنا الآن، العمل لاقتلاع النظام. لذلك نطالب بنصف لحم القرنتية''. ذلك الجدل قاد الى انفضاض الاجتماع، ولم يعد للانعقاد الا بعد رسالة برقية بعث بها الراحل جون قرنق من جنوب السودان يقول فيها ''دعوا الحديث عن الاوزان والنسب وانصرفوا الى المهام العاجلة التي امامكم. ما امامكم هو استرداد الفضاء السياسي الذي ستقيمون فيه الحكم الذي ستوزعونه بينكم. تذكروا أن ذلك الفضاء يسيطر عليه اليوم نظام الجبهة القومية الاسلامية''. اروي هذه الوقائع لابين كيف كان بعض المعارضين في ظل الحرب، وما زال بعضهم في ظل السلام، مهموماً بأمر واحد، الصراع على السلطة، أو بالأحرى على مقاعد الحكم، حتى وان كان الحكم لعامين أو ثلاثة، كما هو الآن.

    من بين السوء الذي اخذه على الاتفاق نفر من المعارضين ان اتفاقاً كهذا كان لا بد من عرضه على استفتاء شعبي. وفي ظروف طبيعية فان الاقرار الشعبي لأي اتفاق يلحق تعديلاً جذرياً بكيان الدولة، واي قانون اساس يتبعه، امر واجب، وليس فقط مستحباً. لو كان السودان هو سويسرا لما احتاج احد للتساؤل، ولا كانت لنا مندوحة للرد. فاهل سويسرا يجرون الاستفتاء بصورة دورية على أي أمر ذي شأن. السؤال الذي يَرِدُ بداهة على الخاطر هو من الذي سيجري الاستفتاء؟ أهو الحكومة القائمة التي يرفضها الطرف الآخر المفاوض؟ ام سلطة اجنبية دون ان يثير احد، مرة اخرى، موضوع ''التدخل الاجنبي'' في شئون بلادنا؟ ومن الذي يستفتى في وطن مزقت الحروب اوصاله رأسياً وعمودياً: في الغابات، والمنافي، والملاجئ؟ هذا من الناحية العملية، أما من الناحية الموضوعية نقول إن الدعوة محاولة لاستيلاد تجربة لم يعرفها السودان من قبل، وعلى مر العهود الديموقراطية فيه. فان كانت الاتفاقيات لا تكسب مشروعيتها الا بالاستفتاء الشعبي فان اول القصيدة في تاريخنا كفر. فالاتفاق الانجليزي المصري الذي وضع السودان على عتبات الحكم الذاتي نص على منح السودان حق تقرير المصير: الخيار بين الوحدة مع مصر و الاستقلال. ذلك النص أُلغى بقرار البرلمان الذي لم يُنتخب الا للتمهيد لاجراء تقرير المصير. ففي اللحظة التي اعلن فيها البرلمان الاستقلال، حُرم الشعب من تقرير مصيره، رغم ايماننا بصحة القرار من الناحية السياسية. ودون ان نعود الى الختل الذي صحب ذلك القرار الجماعي بشأن وعد الجنوبيين بالنظر في أمر الفيدرالية، فذلك امر اوفيناه حقه فيما كتبنا، نقول إن القضية التي امامنا هى الزعم ان آلية الاستفتاء هى الوسيلة الوحيدة لاضفاء الشرعية على الدساتير والانظمة. نضيف ان دستور اكتوبر 1965 (تعديل دستور 1956) لم يقر باستفتاء، وان دستور 1985 لم يقر باستفتاء. المفارقة الكبرى، هى ان الدستورين الوحيدين اللذين اقرا باستفتاء هما دستور 1973 (في عهد مايو) ودستور 1998 (في عهد الانقاذ)، أي في ظل نظامين شموليين، مهما كان الرأي حول طبيعة النظامين وشرعيتهما عند معارضيهما، وبالتالي شرعية ما صدر عنهما من قرارات، فنحن هنا لسنا بصدد الحديث عن شرعية الانظمة وانما عن الآلية التي يلهج البعض بالحديث عنها، دون ان يمارسها عندما كان في الموقع الذي كان في مقدوره تطبيق ما يدعو اليه اليوم. هذا هو ما يسميه اخوتنا العسكر '' البيان بالعمل

    (عدل بواسطة محمد يسن علي بدر on 03-27-2007, 12:11 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:20 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:24 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة علي محمد علي02-14-07, 11:36 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:44 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:50 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:08 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:30 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:55 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:10 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:24 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:53 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:24 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة ahmed haneen02-15-07, 08:45 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:04 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:16 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-18-07, 08:51 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-19-07, 10:16 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Adil Al Badawi02-20-07, 07:56 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-20-07, 11:49 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 08:46 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة adil amin02-25-07, 12:13 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 12:43 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-26-07, 10:53 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:10 PM
        Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:14 PM
          Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-09-07, 09:44 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:07 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:15 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:33 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-12-07, 11:01 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-13-07, 01:53 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-18-07, 12:32 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Asma Abdel Halim03-19-07, 08:05 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-20-07, 03:35 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-27-07, 10:14 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر04-02-07, 12:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de